فهرس القرآن وعلومة وتفسير القرآن الكريم - الصفحة 23 - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الدين الإسلامي الحنيف > قسم الكتاب و السنة > أرشيف قسم الكتاب و السنة

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

فهرس القرآن وعلومة وتفسير القرآن الكريم

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2019-02-24, 17:37   رقم المشاركة : 331
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

إخفاء العمل الصالح ، والفرح بثناء الناس على صاحبه ؟

السؤال

سؤال يسبب لي المتاعب : في بعض الأحيان يغلب على ظني أن الناس سيثنون علي إذا أخبرتهم بعمل من الأعمال الصالحة "من باب شكر الله عز و جل" ؛ فهل أخبرهم به ، وهل علي شيء إذا كنت ممن يفرح بثنائهم علي؟

وكيف نوفق بين الأدلة التي تحث على إخفاء العمل ، وبين التحديث بنعمة الله التي أهمها نعمة العمل الصالح ؟


الجواب

الحمد لله

أولا :

التحدث بنعمة الله تعالى من دواعي شكرها ، ومن إقرار المسلم بفضل الله عليه

قال الله تعالى : ( وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ ) الضحى / 11.

قال السعدي رحمه الله :

" وهذا يشمل النعم الدينية والدنيوية ( فَحَدِّثْ ) أي : أثن على الله بها

وخصصها بالذكر إن كان هناك مصلحة ، وإلا فحدث بنعم الله على الإطلاق ، فإن التحدث بنعمة الله ، داع لشكرها ، وموجب لتحبيب القلوب إلى من أنعم بها ، فإن القلوب مجبولة على محبة المحسن " انتهى .

"تفسير السعدي" (ص928) .

وقال ابن كثير رحمه الله :

" قوله : ( وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُم ) فيه دلالة على أن إسرار الصدقة أفضل من إظهارها

لأنه أبعد عن الرياء ، إلا أن يترتب على الإظهار مصلحة راجحة ، من اقتداء الناس به

فيكون أفضل من هذه الحيثية ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " الجاهر بالقرآن كالجاهر بالصدقة والمُسِر بالقرآن كالمُسِر بالصدقة "

والأصل أن الإسرار أفضل ، لهذه الآية ... " انتهى .

"تفسير ابن كثير" (1/701)

وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :

" الذي يتحدث عن نفسه بفعل الطاعات لا يخلو من حالين :

الحال الأولى : أن يكون الحامل له على ذلك تزكية نفسه وإدلاله بعمله على ربه

وهذا أمر خطير قد يؤدي إلى بطلان عمله وحبوطه

وقد نهى الله سبحانه وتعالى عباده عن تزكية نفوسهم فقال تعالى : ( فَلا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ اتَّقَى ) .

الحال الثانية : أن يكون الحامل له على ذلك التحدث بنعمة الله سبحانه وتعالى ، وأن يتخذ من هذا الإخبار عن نفسه سبيلاً إلى أن يقتدي به نظراؤه وأشكاله من بني جنسه

وهذا قصد محمود ؛ لأن الله سبحانه وتعالى يقول : ( وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ ) وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة ) "

انتهى من "نور على الدرب" (12/ 30) .

قَالَ الطِّيبِيُّ رحمه الله :

" جَاءَ آثَارٌ بِفَضِيلَةِ الْجَهْرِ بِالْقُرْآنِ ، وَآثَارٌ بِفَضِيلَةِ الْإِسْرَارِ بِهِ وَالْجَمْعُ بِأَنْ يُقَالَ : الْإِسْرَارُ أَفْضَلُ لِمَنْ يَخَافُ الرِّيَاءَ ، وَالْجَهْرُ أَفْضَلُ لِمَنْ لَا يَخَافُهُ بِشَرْطِ أَنْ لَا يُؤْذِيَ غَيْرَهُ مِنْ مُصَلٍّ أَوْ نَائِمٍ أَوْ غَيْرِهِمَا

وَذَلِكَ لِأَنَّ الْعَمَلَ فِي الْجَهْرِ يَتَعَدَّى نَفْعُهُ إِلَى غَيْرِهِ أَيْ مِنْ اِسْتِمَاعٍ أَوْ تَعَلُّمٍ أَوْ ذَوْقٍ أَوْ كَوْنِهِ شِعَارًا لِلدِّينِ

وَلِأَنَّهُ يُوقِظُ قَلْبَ الْقَارِئِ وَيَجْمَعُ هَمَّهُ وَيَطْرُدُ النَّوْمَ عَنْهُ وَيُنَشِّطُ غَيْرَهُ لِلْعِبَادَةِ . فَمَتَى حَضَرَهُ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ النِّيَّاتِ فَالْجَهْرُ أَفْضَلُ "

انتهى من "تحفة الأحوذي" (8/191)

وعليه :

فإذا كان التحدث بنعمة الله من باب نسبة الفضل إلى الله تعالى ، والإقرار بمنته على عبده ، وأنه الجواد الكريم ، أو كان ليقتدي بالإنسان غيره في فعل الخير ، حتى يكون له أجره وأجر من اقتدى به : فهذا مستحب مشروع .

وإن كان من باب تزكية النفس ، أو نسبة الفضل إليها ، أو المراءاة وتسميع الناس بالعمل ، وكسب الجاه والمنزلة بما له من الطاعات ، ونحو ذلك : فهذا أمر مذموم مقبوح .

ثانيا :

إذا تحدث العبد بنعمة الله عليه على الوجه المشروع ، فأحسن الناس الثناء عليه فأعجبه ذلك ، ولم يخالط ذلك في قلبه طلب الرياء والسمعة ، فهو من عاجل بشرى المؤمن .

وعاجل بشرى المؤمن أن يعمل المؤمن العمل الصالح ، يرجو به وجه الله ، فيطلع الناس عليه من غير تعمد منه لإظهار ذلك ، أو مراءاة الناس به ، فيثنوا عليه خيرا ، فيعجبه ذلك .

روى مسلم (2642) عَنْ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه قَالَ : قِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَرَأَيْتَ الرَّجُلَ يَعْمَلُ الْعَمَلَ مِنْ الْخَيْرِ وَيَحْمَدُهُ النَّاسُ عَلَيْهِ ؟ قَالَ : ( تِلْكَ عَاجِلُ بُشْرَى الْمُؤْمِنِ )

والله تعالى أعلم .








 


قديم 2019-02-24, 17:42   رقم المشاركة : 332
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

تفسير أول سورة " الملك "

السؤال

ما معنى قوله تعالى : ( تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شيء قدير * الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا وهو العزيز الغفور ) ؟


الجواب

الحمد لله

يقول الله تعالى في أول سورة " الملك " : ( تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ ) الملك/ 1، 2 .

يقدس الرب تعالى نفسه ، ويعظمها ، وينزهها عن العيوب والنقائص ، فيقول جل وعلا : ( تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ ) أي : تعاظم وتعالى ، وتقدّس وتنزه ، وكثر خيره

وعم إحسانه ، الذي بيده ملك العالم العلوي والسفلي ، فهو الذي خلقه ، ويتصرف فيه بما شاء ، من الأحكام القدرية، والأحكام الدينية ، التابعة لحكمته .

قال في "لسان العرب" (10/ 396)

" تباركَ اللَّهُ : تقدَّس وَتَنَزَّهَ وَتَعَالَى وَتَعَاظَمَ ، لَا تَكُونُ هَذِهِ الصِّفَةُ لِغَيْرِهِ ، أَيْ تطَهَّرَ

والقُدْس: الطُّهْرُ. وَسُئِلَ أَبُو الْعَبَّاسِ عَنْ تَفْسِيرِ تبارَكَ اللهُ فَقَالَ : ارْتَفَعَ ، والمُتبارِكُ: الْمُرْتَفِعُ ، وَقَالَ الزَّجَّاجُ : تبارَكَ تفاعَلَ مِنَ البَرَكة ، كَذَلِكَ يَقُولُ أَهْلُ اللُّغَةِ ، وَمَعْنَى البَرَكة الْكَثْرَةُ فِي كُلِّ خَيْرٍ " .

( وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) ومن عظمته : كمال قدرته التي يقدر بها على كل شيء ، وبها أوجد ما أوجد من المخلوقات العظيمة ، كالسماوات والأرض .

" تفسير الطبري " (23/ 505) .

فلا يمنعه من فعله مانع ، ولا يحول بينه وبينه عجز .

( الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ ) أي : قدّر لعباده أن يحييهم ثم يميتهم .

فأمات من شاء وما شاء ، وأحيا من أراد وما أراد إلى أجل معلوم .

( لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلا ) أي : ليختبركم فينظر أيكم له أيها الناس أطوع ، وإلى طلب رضاه أسرع .

قال ابن كثير رحمه الله :

" ( لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ) : أَيْ : خَيْرٌ عَمَلًا ، كَمَا قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَجْلَانَ ، وَلَمْ يَقُلْ أكثر عملا "

انتهى من "تفسير ابن كثير" (8/ 197) .

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :

" ( لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ) ، قَالَ الْفُضَيْل بْنُ عِيَاضٍ : أَخْلَصُهُ وَأَصْوَبُهُ

قَالُوا : يَا أَبَا عَلِيٍّ مَا أَخْلَصُهُ وَأَصْوَبُهُ ؟ قَالَ : إنَّ الْعَمَلَ إذَا كَانَ خَالِصًا ، وَلَمْ يَكُنْ صَوَابًا ، لَمْ يُقْبَلْ ، وَإِذَا كَانَ صَوَابًا وَلَمْ يَكُنْ خَالِصًا لَمْ يُقْبَلْ ، حَتَّى يَكُونَ خَالِصًا صَوَابًا.

وَالْخَالِصُ : أَنْ يَكُونَ لِلَّهِ ، وَالصَّوَابُ : أَنْ يَكُونَ عَلَى السُّنَّةِ، وَذَلِكَ تَحْقِيقُ قَوْله تَعَالَى (فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا ) "

انتهى من "مجموع الفتاوى" (1/ 333) .

وقال ابن القيم رحمه الله :

" فهو سبحانه وتعالى إنما خلق السموات والأرض ، والموت والحياة وزين الأرض بما

عليها : ليبلو عباده أيهم أحسن عملا ، لا أَكْثَرُ عَمَلا.

وَالْعَمَلُ الأَحْسَنُ هُوَ الأَخْلَصُ وَالأَصْوَبُ وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِمَرْضَاتِهِ وَمَحَبَّتِهِ ، دُونَ الأَكْثَرِ الْخَالِي مِنْ ذَلِكَ ، فَهُوَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يُحِبُّ أَنْ يُتَعَبَّدَ لَهُ بِالأَرْضَى لَهُ ، وَإِنْ كَانَ قَلِيلا

دُونَ الأَكْثَرِ الَّذِي لا يُرْضِيهِ ، وَالأَكْثَرُ الَّذِي غَيْرُهُ أَرْضَى لَهُ مِنْهُ ؛ وَلِهَذَا يَكُونُ الْعَمَلانِ فِي الصُّورَةِ وَاحِدًا وَبَيْنَهُمَا فِي الْفَضْلِ ، بَلْ بَيْنَ قَلِيل أَحَدهمَا وَكَثِير الآخَرِ فِي الْفَضْلِ : أَعْظَمُ مِمَّا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ " .

انتهى من " المنار المنيف " ( ص 30-31 ) .

وقال السعدي رحمه الله :

" أي : أخلصه وأصوبه ، فإن الله خلق عباده ، وأخرجهم لهذه الدار ، وأخبرهم أنهم سينقلون منها ، وأمرهم ونهاهم ، وابتلاهم بالشهوات المعارضة لأمره

فمن انقاد لأمر الله وأحسن العمل، أحسن الله له الجزاء في الدارين ، ومن مال مع شهوات النفس، ونبذ أمر الله ، فله شر الجزاء "

انتهى من " تفسير السعدي " ( ص 875 ) .

فالواجب أن يكون عملنا خالصا لله تعالى بلا رياء ولا سمعة ، وأن يكون على السنة بلا إحداث وبدعة

وهذان شرطا العمل المتقبل ، فإن الله خلق الموت والحياة ليبتلي الناس أيهم أخلص لله وأتبع لرسوله صلى الله عليه وسلم .

( وَهُوَ الْعَزِيزُ ) الذي له العزة كلها، التي قهر بها جميع الأشياء ، وانقادت له المخلوقات .

قال ابن الأثير رحمه الله :

" الْعَزِيزُ: هُوَ الغالِبُ القَويُّ الَّذِي لَا يُغْلَب ، والعِزَّة فِي الأصلِ: القُوَّة والشِّدَّة والغَلَبة " .

انتهى من " النهاية " (3/ 228) .

( الْغَفُورُ ) عن المسيئين والمقصرين والمذنبين ، خصوصًا إذا تابوا وأنابوا ، فإنه يغفر ذنوبهم ، ولو بلغت عنان السماء ، ويستر عيوبهم ، ولو كانت ملء الدنيا .

قال في "النهاية" (3/ 373) :

" الْغَفَّارُ والْغَفُورُ : مِنْ أبنِية الْمُبَالَغَةِ ، وَمَعْنَاهُمَا السَّاتِرُ لِذُنُوبِ عِبَادِهِ وَعُيُوبِهِمْ ، المُتَجاوِز عَن خَطَاياهُم وَذُنُوبِهِمْ ، وَأَصْلُ الغَفْر: التَّغْطِية " انتهى .

فهو سبحانه عزيز غالب ، ينتقم ممن عصاه وشرد عليه ، وهو الغفور الرحيم ، يغفر لمن شاء من عباده المسيئين المقصرين ويرحمهم .

كما قال تعالى عن نفسه في آية أخرى : ( غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ) غافر/ 3 .

وانظر :

"زاد المسير" (4/ 313-314)

"تفسير القرطبي" (18/206-208)

" فتح القدير" (5/ 308) .

والله تعالى أعلم .









قديم 2019-02-24, 17:46   رقم المشاركة : 333
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

قول الله تعالى : ( أن تقول نفس يا حسرتا على ما فرطت في جنب الله ) ليس من آيات الصفات

السؤال

يقول الله "أن تقول نفس يا حسرتى على ما فرطت في جنب الله" ، فهل يوصف الله بالجنب ؟

الجواب

الحمد لله

قول الله تعالى : ( أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَاحَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللهِ ) الزمر/ 56 ، ليس من آيات الصفات ، وإنما المعنى : يا حسرتى على ما ضيعت من العمل بما أمرني الله به ، وقصرت في الدنيا في طاعة الله .

انظر : "تفسير الطبري" (21/314) .

قال الإمام الدارمي رحمه الله في "الرد على المريسي" (2/ 807):

" وادَّعى الْمُعَارِضُ أَيْضًا زُورًا عَلَى قَوْمٍ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِ اللَّهِ : ( يَا حَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّه ) قَالَ: يَعْنُونَ بِذَلِكَ الْجَنْبَ الَّذِي هُوَ الْعُضْوُ وَلَيْسَ عَلَى مَا يتوهَّمونه .

فَيُقَالُ لِهَذَا الْمُعَارِضِ : مَا أَرْخَصَ الْكَذِبَ عِنْدَكَ ، وأخفَّه عَلَى لِسَانِكَ ، فَإِنْ كُنْتَ صَادِقًا فِي دَعْوَاكَ فَأَشِرْ بِهَا إِلَى أَحَدٍ مِنْ بَنِي آدَمَ قَالَهُ ، وَإِلَّا فَلِمَ تشنّع بِالْكَذِبِ عَلَى قَوْمٍ هـم أَعْلَمُ بِهَذَا التَّفْسِيرِ مِنْكَ

وَأَبْصَرُ بِتَأْوِيلِ كِتَابِ اللَّهِ مِنْكَ ، وَمِنْ إِمَامِكَ ؟ إِنَّمَا تَفْسِيرُهَا عِنْدَهُمْ ، تَحَسُّرُ الْكفَّار على مَا فرطوا فِي الْإِيمَانِ وَالْفَضَائِلِ الَّتِي تَدْعُو إِلَى ذَاتِ اللَّهِ ، وَاخْتَارُوا عَلَيْهَا الْكُفْرَ وَالسُّخْرِيَةَ بِأَوْلِيَاءِ اللَّهِ

فَسَمَّاهُمُ السَّاخِرِينَ فَهَذَا تَفْسِيرُ الْجَنْبِ عِنْدَهُمْ ، فَمن أَنْبَأَكَ أَنَّهُمْ قَالُوا: جَنْبٌ مِنَ الْجُنُوبِ؟ فَإِنَّهُ لَا يَجْهَلُ هَذَا الْمَعْنَى كَثِيرٌ مِنْ عَوَامِّ الْمُسْلِمِينَ ، فَضْلًا عَنْ عُلَمَائِهِمْ " انتهى .

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :

" لَا يُعْرَفُ عَالِمٌ مَشْهُورٌ عِنْدَ الْمُسْلِمِينَ، وَلَا طَائِفَةٌ مَشْهُورَةٌ مِنْ طَوَائِفِ الْمُسْلِمِينَ، أَثْبَتُوا لِلَّهِ جَنْبًا نَظِيرَ جَنْبِ الْإِنْسَانِ ، وَهَذَا اللَّفْظُ جَاءَ فِي الْقُرْآنِ فِي قَوْلِهِ : ( أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَاحَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ ) .

فَلَيْسَ فِي مُجَرَّدِ الْإِضَافَةِ مَا يَسْتَلْزِمُ أَنْ يَكُونَ الْمُضَافُ إِلَى اللَّهِ صِفَةً لَهُ ، بَلْ قَدْ يُضَافُ إِلَيْهِ مِنَ الْأَعْيَانِ الْمَخْلُوقَةِ

وَصِفَاتِهَا الْقَائِمَةِ بِهَا : مَا لَيْسَ بِصِفَةٍ لَهُ بِاتِّفَاقِ الْخَلْقِ ، كَقَوْلِهِ : (بَيْتُ اللَّهِ) ، وَ ( نَاقَة اللَّهِ ) ، وَ ( عِبَاد اللَّهِ ) بَلْ وَكَذَلِكَ ( رُوحُ اللَّهِ) عِنْدَ سَلَفِ الْمُسْلِمِينَ وَأَئِمَّتِهِمْ وَجُمْهُورِهِمْ.

وَلَكِنْ إِذَا أُضِيفَ إِلَيْهِ مَا هُوَ صِفَةٌ لَهُ ، وَلَيْسَ بِصِفَةٍ لِغَيْرِهِ ، مِثْلَ كَلَامِ اللَّهِ وَعِلْمِ اللَّهِ

وَيَدِ اللَّهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ ، كَانَ صِفَةً لَهُ .

وَفِي الْقُرْآنِ مَا يُبَيِّنُ أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالْجَنْبِ مَا هُوَ نَظِيرُ جَنْبِ الْإِنْسَانِ فَإِنَّهُ قَالَ: ( أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَاحَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ ) .

وَالتَّفْرِيطُ لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ -.

وَالْإِنْسَانُ إِذَا قَالَ: فُلَانٌ قَدْ فَرَّطَ فِي جَنْبِ فُلَانٍ أَوْ جَانِبِهِ ، لَا يُرِيدُ بِهِ أَنَّ التَّفْرِيطَ وَقَعَ فِي شَيْءٍ مِنْ نَفْسِ ذَلِكَ الشَّخْصِ ، بَلْ يُرِيدُ بِهِ أَنَّهُ فَرَّطَ فِي جِهَتِهِ وَفِي حَقِّهِ .

فَإِذَا كَانَ هَذَا اللَّفْظُ إِذَا أُضِيفَ إِلَى الْمَخْلُوقِ لَا يَكُونُ ظَاهِرَهُ أَنَّ التَّفْرِيطَ فِي نَفْسِ جَنْبِ الْإِنْسَانِ الْمُتَّصِلِ بِأَضْلَاعِهِ ، بَلْ ذَلِكَ التَّفْرِيطُ لَمْ يُلَاصِقْهُ ، فَكَيْفَ يُظَنُّ أَنَّ ظَاهِرَهُ فِي حَقِّ اللَّهِ - أَنَّ التَّفْرِيطَ كَانَ فِي ذَاتِهِ ؟ "
.
انتهى من "الجواب الصحيح" (4/ 415-416) .

والله أعلم .









قديم 2019-02-24, 18:10   رقم المشاركة : 334
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

تفسير قوله تعالى "يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تُبد لكم تسؤكم"

السؤال

قرأت في أحد تفاسير القرآن أنه لا ينبغي الإكثار من توجيه الأسئلة للنبي صلى الله عليه وسلم "يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تُبد لكم تسؤكم ".

فهل معنى هذا أننا إذا أردنا أن نسأل عن شيء شرعي، غير متعلق بالشرك طبعاً، فإن الأولى عدم السؤال ؟

والى أي مدىً ينبغي الابتعاد عن السؤال عن الأشياء المتعلقة بحياتنا اليومية ، وما الضابط في ذلك ؟

لأن الأمر إذا كان هكذا على إطلاقه فلا شك أن هناك أمورا كثيرة سيُتجاوز فيها..! فلقد نصحني بعض كبار السن بعدم التعمق في مسائل الدين

وتعقيد الأمور حتى لا يُفضي بنا الحال إلى التشدد المذموم ، فما توجيهكم في هذا السياق ؟


الجواب

الحمد لله


قال الله تعالى في سورة المائدة : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ )المائدة/ 101 .

وهذه الآية قد نهت المؤمنين عن سؤال النبي صلى الله عليه وسلم عن أشياء سكت الله عنها في كتابه

وعفا عنها ؛ وربما أدى التنقير وتشقيق السؤال عنها إلى تحريمها ؛ فيشق ذلك عليهم , ونهتهم أيضا عن السؤال عن الأشياء التي هي خافية عليهم ولو بدت لهم ساءتهم ؛ كسؤالهم عن صحة نسبهم إلى آبائهم .

وقد وقع ، روى البخاري (540) ، ومسلم (2359) عن أنس بن مالك :

" أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ حِينَ زَاغَتِ الشَّمْسُ ، فَصَلَّى الظُّهْرَ ، فَقَامَ عَلَى المِنْبَرِ ، فَذَكَرَ السَّاعَةَ ، فَذَكَرَ أَنَّ فِيهَا أُمُورًا عِظَامًا، ثُمَّ قَالَ : ( مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَسْأَلَ عَنْ شَيْءٍ فَلْيَسْأَلْ

فَلاَ تَسْأَلُونِي عَنْ شَيْءٍ إِلَّا أَخْبَرْتُكُمْ ، مَا دُمْتُ فِي مَقَامِي هَذَا ) فَأَكْثَرَ النَّاسُ فِي البُكَاءِ ، وَأَكْثَرَ أَنْ يَقُولَ : ( سَلُونِي ) ، فَقَامَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حُذَافَةَ السَّهْمِيُّ

فَقَالَ: مَنْ أَبِي؟ ، قَالَ: ( أَبُوكَ حُذَافَةُ ) ثُمَّ أَكْثَرَ أَنْ يَقُولَ: ( سَلُونِي ) فَبَرَكَ عُمَرُ عَلَى رُكْبَتَيْهِ ، فَقَالَ : رَضِينَا بِاللَّهِ رَبًّا، وَبِالإِسْلاَمِ دِينًا، وَبِمُحَمَّدٍ نَبِيًّا، فَسَكَتَ

ثُمَّ قَالَ: ( عُرِضَتْ عَلَيَّ الجَنَّةُ وَالنَّارُ آنِفًا فِي عُرْضِ هَذَا الحَائِطِ ، فَلَمْ أَرَ كَالخَيْرِ وَالشَّرِّ )

قال الإمام مسلم رحمه الله عقب إيراده هذا الحديث " قَالَ ابْنُ شِهَابٍ : أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ

قَالَ: قَالَتْ أُمُّ عَبْدِ اللهِ بْنِ حُذَافَةَ لِعَبْدِ اللهِ بْنِ حُذَافَةَ : مَا سَمِعْتُ بِابْنٍ قَطُّ أَعَقَّ مِنْكَ؟ أَأَمِنْتَ أَنْ تَكُونَ أُمُّكَ قَدْ قَارَفَتْ بَعْضَ مَا تُقَارِفُ نِسَاءُ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ

فَتَفْضَحَهَا عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ؟ قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ حُذَافَةَ : وَاللهِ لَوْ أَلْحَقَنِي بِعَبْدٍ أَسْوَدَ لَلَحِقْتُهُ " .

انتهى من " صحيح مسلم " (4 / 1832).

قال الشوكاني رحمه الله في تفسيره لآية المائدة

" قوله : ( يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم ) أي: لا تسألوا عن أشياء لا حاجة لكم بالسؤال عنها , ولا هي مما يعنيكم في أمر دينكم , فقوله: ( إن تبد لكم تسؤكم ) في محل جرٍّ صفة لأشياء

, أي لا تسألوا عن أشياء متصفة بهذه الصفة ؛ من كونها إذا بدت لكم ؛ أي : ظهرت وكلفتم بها : ساءتكم ، نهاهم الله عن كثرة مساءلتهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم

فإن السؤال عما لا يعني ولا تدعو إليه حاجة ، قد يكون سببا لإيجابه على السائل وعلى غيره , قوله: ( وإن تسألوا عنها حين ينزل القرآن تبد لكم ) هذه الجملة من جملة صفة أشياء

والمعنى: لا تسألوا عن أشياء ، إن تسألوا عنها حين ينزل القرآن ، وذلك مع وجود رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهركم ونزول الوحي عليه : تبد لكم

, أي : تظهر لكم ، بما يجيب عليكم به النبي صلى الله عليه وسلم ، أو ينزل به الوحي , فيكون ذلك سببا للتكاليف الشاقة , وإيجاب ما لم يكن واجبا ، وتحريم ما لم يكن محرما

بخلاف السؤال عنها بعد انقطاع الوحي بموت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإنه لا إيجاب ولا تحريم يتسبب عن السؤال "

انتهى من " فتح القدير " للشوكاني (2 / 92).

فعلم من هذا جملة من الأمور:

أولا :

أن النهي في الآية خاص بزمن النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو وقت نزول الوحي , دون ما بعده من الأزمنة ، فلا يكون هذا مانعا من طلب العلم الشرعي

وتعلم الإنسان ما ينفعه ، أو يحتاج إليه في أمر معاشه ومعاده .

قال الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله - :

" من المؤسف حقا أن بعض الناس يقول لا تسأل فتخبر عن شيء يكون فيه مشقة عليك ، ثم يتأولون الآية الكريمة على غير وجهها وهي قوله تعالى

: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ ) فإن النهي عن ذلك إنما كان وقت نزول الوحي الذي يمكن أن تتجدد الأحكام فيه أو تتغير

أما بعد أن توفي رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فالواجب أن يسأل الإنسان عن كل ما يحتاجه في أمور دينه "

انتهى من " فتاوى نور على الدرب " لابن عثيمين (24 /223) .

ثانيا

أن الأشياء التي نهوا عن السؤال عنها هي :

1- الأشياء التي لا يترتب عليها عمل وهي مما لا ينفع في أمر الدين .

2- الأشياء التي عنها الشرع ، وسكت عن ذكرها ، رحمة بالناس ، غير نسيان ؛ فربما أدى التنقير إلى تحريمها ، والإشقاق على الناس بها ؛ روى البخاري (6745) ومسلم (4349) عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قَالَ :

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ أَعْظَمَ الْمُسْلِمِينَ فِي الْمُسْلِمِينَ جُرْمًا : مَنْ سَأَلَ عَنْ شَيْءٍ لَمْ يُحَرَّمْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ ، فَحُرِّمَ عَلَيْهِمْ مِنْ أَجْلِ مَسْأَلَتِهِ ).

3- الأشياء التي خفيت عن السائلين ، ولو بدت لهم ساءتهم ، كما مر معنا في حديث عبد الله بن حذافة .

ثالثا :

أن الأشياء التي يترتب عليها بيان حكم شرعي , قد أمر الله سبحانه بالسؤال عنها

في قوله تعالى : ( فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ )النحل / 43.

يقول الشيخ السعدي رحمه الله في تفسير آية المائدة "

ينهى عباده المؤمنين عن سؤال الأشياء التي إذا بينت لهم ساءتهم وأحزنتهم ، وذلك كسؤال بعض المسلمين لرسول الله صلى الله عليه وسلم عن آبائهم ، وعن حالهم في الجنة أو النار

فهذا ربما أنه لو بين للسائل : لم يكن له فيه خير ، وكسؤالهم للأمور غير الواقعة ,

وكالسؤال الذي يترتب عليه تشديدات في الشرع ربما أحرجت الأمة

وكالسؤال عما لا يعني، فهذه الأسئلة وما أشبهها هي المنهي عنها ، وأما السؤال الذي لا يترتب عليه شيء من ذلك : فهذا مأمور به

كما قال تعالى : ( فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ) "

انتهى من تفسير السعدي (1 / 245).

ويراجع للفائدة الأمور التي يكره السؤال عنها إما تحريما أو تنزيها في الفتوى القادمه

والله أعلم .









قديم 2019-02-24, 18:17   رقم المشاركة : 335
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

المقصود بالنهي عن كثرة السؤال

السؤال

روى المغيرة بن شعبة رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (إن الله كره لكم ثلاثا : قيل وقال ، وإضاعة المال ، وكثرة السؤال)

رواه البخاري (1407) ومسلم (593) . فهل يعني كثرة السؤال هنا كثرة الطلب من الناس؟

وهل يتعارض هذا مع كثرة الطلب من الله ، فالله يقول في كتابه الكريم : (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ ) غافر/60 ؟


الجواب


الحمد لله

أولا :

هذا الحديث من آداب الإسلام العظيمة ، إذا امتثله المسلم حفظ به عمرَه ، ومالَه ، وجهدَه ، ووقاه من شر النفس ونوازع التفريط والضياع .

وقد ذكر العلماء رحمهم الله في تفسير قوله صلى الله عليه وسلم (وكثرة السؤال) أوجها عديدة ، كلها تدخل في إطلاق هذا اللفظ ، وهي :

1- سؤال الناس أموالهم ، وبذل ماء الوجه في سبيل ذلك .

2- سؤال العلماء عن المسائل العويصة التي لا تنفع المسلمين ، وإنما تفتح عليهم أبواب النزاع ، وتثير بينهم مكنون الشقاق .

3- السؤال عن المسائل التي يندر وقوعها أو يستحيل ، لما فيه من التنطع والتكلف .

4- كثرة السؤال عن أخبار الناس وأحداث الزمان وتفاصيل الوقائع مما لا يقدم منفعة وإنما يضيع به الوقت .

5- كثرة سؤال إنسان بعينه عن تفاصيل حاله ، والدخول في خصوصيات حياته التي يكره أن يطلع الناس عليها ، فيقع في الضيق والحرج بسبب سؤاله عن ذلك .

6- سؤال السائل عما لا يعنيه ، ولا شأن له به .

وهذه أمور مذمومة كلها – كما ترى - فالأوجَهُ في تفسير الحديث حمله على إطلاقه ، واعتبار أن كل ما دل الشرع والأدب على كراهة السؤال عنه وكراهة طلبه فهو داخل في هذا الحديث .

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :

"قوله : (وكثرة السؤال) هل هو سؤال المال ، أو السؤال عن المشكلات والمعضلات ، أو أعم من ذلك ؟ الأولى حمله على العموم .

وقد ذهب بعض العلماء إلى أن المراد به كثرة السؤال عن أخبار الناس وأحداث الزمان ، أو كثرة سؤال إنسان بعينه عن تفاصيل حاله ، فإن ذلك مما يكره المسئول غالبا ، وقد ثبت النهي عن الأغلوطات .

أخرجه أبو داود من حديث معاوية . وثبت عن جمع من السلف كراهة تكلف المسائل التي يستحيل وقوعها عادة أو يندر جدا ، وإنما كرهوا ذلك لما فيه من التنطع والقول بالظن ، إذ لا يخلو صاحبه من الخطأ" انتهى .

"فتح الباري" (10/407) .

وقال القرطبي رحمه الله :

"والوجه : حمل الحديث على عمومه ، فيتناول جميع تلك الوجوه كلها" انتهى .

"المفهم" (5/164) .

وقال النووي رحمه الله :

"وأما (كثرة السؤال) فقيل : المراد به القطع في المسائل

والإكثار من السؤال عما لم يقع ولا تدعو إليه حاجة ، وقد تظاهرت الأحاديث الصحيحة بالنهي عن ذلك ، وكان السلف يكرهون ذلك ويرونه من التكلف المنهي عنه

وفي الصحيح : (كره رسول الله صلى الله عليه وسلم المسائل وعابها) .

وقيل : المراد به سؤال الناس أموالهم وما في أيديهم ، وقد تظاهرت الأحاديث الصحيحة بالنهي عن ذلك .

وقيل : يحتمل أن المراد كثرة السؤال عن أخبار الناس وأحداث الزمان وما لا يعني الإنسان ، وهذا ضعيف ؛ لأنه قد عرف هذا من النهي عن (قيل وقال) .

وقيل : يحتمل أن المراد كثرة سؤال الإنسان عن حاله وتفاصيل أمره ، فيدخل ذلك في سؤاله عما لا يعنيه

ويتضمن ذلك حصول الحرج في حق المسؤول ، فإنه قد لا يؤثر إخباره بأحواله ، فإن أخبره شق عليه ، وإن كذبه في الأخبار أو تكلف التعريض لحقته المشقة ، وإن أهمل جوابه ارتكب سوء الأدب" انتهى .

"شرح مسلم" (12/11) .

وعلى هذا ، فمعنى (كثرة السؤال) أي : سؤال الناس .

وأما سؤال الله ودعائه فهو من أفضل العبادات ، فالله تعالى يحب من عباده أن يسألوه ، ويحب الملحين في الدعاء .
وبهذا يتبين معنى الحديث ، والفرق بين سؤال الناس الذين هم فقراء إلى الله ، وسؤال الله الغني الحميد .

والله أعلم .









قديم 2019-02-24, 18:29   رقم المشاركة : 336
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

هل في قوله تعالى ( وكواعب أترابا ) وصف لصدور الحور العين ؟

السؤال

لدي سؤال يجول بداخلي منذ فترة ، ويربك وجهة نظري عن الإسلام ، ويؤثر عليها ، يتعلق الأمر بالآيتين رقم اثنين وثلاثين وثلاث وثلاثين من سورة النبأ

حيث يقول تعالى : ( إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا . حَدَائِقَ وَأَعْنَابًا . وَكَوَاعِبَ أَتْرَابًا ) النبأ/31-33.

فما معني هاتين الآيتين ، هل تعني الآية : أن الرجال سيمنحهم الله نساء ذوات صدور جميلة في الجنة ؟

أنا أجد أن قراءتها في نص ديني أمر غير مقبول ، لا أعرف لماذا يتحدث القرآن عن صدور النساء ، فكان من الممكن أن يقول الله بأنه سيمنح الرجال في الجنة نساء جميلات فقط .

فما الحكمة من الإشارة لشكل صدور النساء ووصفها التي ستكون عليها في الجنة ؟


الجواب


الحمد لله


وجوابا على سؤالك نقول إن كل ناقد لأي نص من النصوص

سواء كانت نصوصا مقدسة أم نصوصا أدبية بشرية لا بد أن يراعي في نقده بيئة النص المتمثلة في الزمان والمكان والأشخاص والأحوال كلها

وحين يتطلَّبُ الناقد الفهمَ الدقيق لتعبيرٍ معينٍ فإن عليه أيضا أن يدقق في جذر ذلك التركيب وأصله في اللغة التي ورد بها ، واستعمالاته المتعددة ، والمعنى والسياق العام الذي من أجله تستعمل تلك المفردة
.
والباحث المنصف هو الذي يفترض دائما عجز الترجمة عن نقل المعنى المقصود كما هو ، وعجزها عن انتقاء الكلمة التي تنقل المفردة بجميع ما تحمله من دلالات

مراعية البيئة التي استعملت فيها تلك المفردة ،

فإن لم يفعل ذلك فقد جازف بالحقيقة التي ينشدها ، ولم يأخذ لنفسه الوثيقة فيما طلب .

ومن هنا نقول لك : إن الترجمة الحرفية لكلمة ( كواعب ) أنها جمع ( كاعب ) وهي التي " نتأ ثديها "

كما في " مجمل اللغة " (1/787).

يقول ابن فارس رحمه الله :

" ( كعب ) الكاف والعين والباء أصل صحيح ، يدل على نتوء وارتفاع في الشيء . من ذلك الكعب : كعب الرجل

وهو عظم طرفي الساق عند ملتقى القدم والساق . والكعبة : بيت الله تعالى ، يقال سمي لنتوِّهِ وتربيعه . وكعبت المرأة كعابة ، وهي كاعب ، إذا نتأ ثديها "

انتهى من " مقاييس اللغة " (5/186)

وانظر " القاموس المحيط " (ص/131)

" لسان العرب " (1/719) .

هذا هو المعنى الحرفي للكلمة في أصلها اللغوي .

غير أنه من المعيب جدا أن يقتصر الناظر على المعنى الحرفي المعجمي لجذر الكلمة في أي لغة من اللغات

بل لا بد من مراعاة السياق الذي يستعملها به أهل اللغة أنفسهم ، ألا ترى أن العرب تستمل كلمة ( الحائض ) على غير معناها الحرفي ، وإنما يقصدون بهذا الوصف : المرأةَ البالغة سن المحيض

ولا يقصدون التي أصابتها دورتها الشهرية في ذلك الوقت ، وذلك كما ثبت عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : ( لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةَ حَائِضٍ إِلَّا بِخِمَارٍ ) رواه أبو داود (641)

ومعلوم في الشريعة الإسلامية أنه لا تصح صلاة المرأة وقت حيضها ، بل يحرم عليها ذلك باتفاق العلماء حتى ترتفع دورتها وتطهر منها .

فمن فسر الكلمة بمعناها الحرفي المعجمي وقع في هذا التناقض والخطأ

ومن فسرها كما يستعملها العرب في كلامهم ، يريدون به المرأة البالغة سن الحيض ، ولو لم تكن حائضا حقيقة : فَهِمَ الحديث على وجهه ، وأدرك طريقة العرب في استعمال الكلام .

وهكذا نقول في وصف المرأة بـ ( الكاعب ) في اللغة العربية ، لا يراد به وصف جنسي بدني لشيء من أجزاء المرأة ، بقدر ما هو المقصود وصف الفتاة بظهور علامات الأنوثة فيها

دلالة على صغر سنها ، ونضارة شبابها ، بحيث يمكن أن يتعلق بها الرجال

فالفتاة في هذه السن تبدأ علامات أنوثتها بالبروز والظهور ، ولكن ليس المقصود بهذه الكلمة ذكر حجم محدد للثدي ، ولا ملاحظة شكله ووصفه ، وإنما المراد تأكيد سن الشباب ونضارة العمر .

يقول ابن الجوزي رحمه الله :

" المرأة طفلةٌ ما دامت صغيرةً ؛ ثمّ وليدةٌ إذا تحرّكت ؛ ثمّ كاعبٌ إذا كعب ثديها ؛ ثمّ ناهدٌ إذا زاد ؛ ثمّ معصرٌ إذا أدركت ؛ ثمّ خودٌ إذا توسّطت الشّباب " انتهى من " أخبار النساء " (ص/228) .

وجاء في " شرح معاني شعر المتنبي " لابن الإفليلي - السفر الأول (2/ 270):

" الغلام منهم شاب ، والجارية كاعب " انتهى .

ويقول الإمام الزجاج – وهو من أئمة اللغة الكبار -:

" ( وَكَواعِبَ أَتْرَاباً ) أي أسنانهن وَاحِدة ، وهن في غاية الشباب والحُسْنِ "

انتهى من " معاني القرآن وإعرابه " (4/ 338) .

ويقول العلامة الطاهر بن عاشور رحمه الله :

" الكواعب : جمع كاعب ، وهي الجارية التي بلغت سن خمس عشرة سنة ونحوها . ووصفت بكاعب لأنها تَكَعَّب ثديُها ، أي صار كالكعب ، أي استدار ونتأ "

انتهى من " التحرير والتنوير " (30/ 44) .

فانظر كيف يبين العلماء رحمهم الله أن هذا الوصف ( كاعب ) إنما يراد به مرحلة من مراحل عمر الفتاة ، ولا يقصد به الوصف الجنسي لبدنها ، وإن كان هو المعنى الحرفي .

تماما كما يستعمل العربي كلمة ( الحائض ) للدلالة على البلوغ ، ولا يقصدون ملاحظة وجود الحيض نفسه
.
ومن الأدلة الظاهرة أيضا أن العرب تستعمل هذا الوصف في الشعر والنثر في سياق ذكر عفة المرأة وتكريمها ، وليس في سياق الوصف الجنسي لإثارة الشهوة واللذة

والشاعر العربي حين يصف الفتاة بالكاعب لم يطلع على ثديها ، ولم ير حجمه وضخامته ، ولا استدارته أو تدليه ، ولكنه وصف يطلق على كل صغيرة السن شابة ، وذلك من أعف الشعر العذري وأرقه .

ومن ذلك قول بشر بن أبي حازم ، ونسب أيضا لقيس بن عاصم :

وكم من حصان قد حوينا كريمةٍ *** ومن كاعب لم تدر ما البؤسُ ، مُعْصِر .

ذكره الثعلبي في " الكشف والبيان " (10/ 118).

ولهذا قال الماوردي رحمه الله – في تفسير ( كواعب ) في الآية الكريمة – : " العذارى , قاله الضحاك "

انتهى من " النكت والعيون " (6/188)

ثم ذكر الشاهد السابق .

وهذا الأثر عن الضحاك أخرجه ابن المنذر ، كما في " الدر المنثور " (8/398) .

ولو تدبرت القرآن الكريم لوجدته دائما ما يكني باستعمال الألفاظ التي تبلغ الغاية في الإشارة ولطيف العبارة

كقوله عز وجل في وصف العلاقة الزوجية : ( هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ ) البقرة/187

وقوله سبحانه : ( وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ) الروم/21

وقوله عز وجل : ( أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ ) النساء/43

ولو ترجمت هذه الألفاظ بحرفيتها لما علم معناها ؛ لأن ترجمة ( اللباس )، ( والسكن ) ، و( اللمس ) ترجمة حرفية لا تؤدي المقصود ، ولكن سياق الآيات يدل على أن المراد بها الكناية

أو المعنى المجازي لحقيقة المعاشرة الزوجية ، ولكن من زاوية القيمة الروحية لهذه الممارسة

فإذا ترجمت هذه الكلمات إلى الانجليزية بمعنى الجماع الجنسي البدني فقد يؤدي ذلك إلى توهم أن القرآن الكريم يكثر الحديث عن شهوات البدن ويستعمل الألفاظ المباشرة فيها ، والحقيقة بخلاف ذلك .

نقرر ذلك كي تدرك أهمية مراعاة الناقد الاستعمال العربي في الكلمة بحسب سباقها ولحاقها ، وأهمية مراعاة الفجوة التي تحدثها الترجمة الحرفية بين المقصود الحقيقي وبين الجذر الدلالي للكلمة .

وقد تبين بعد الرجوع إلى مجموعة من ترجمات معاني القرآن الكريم إلى اللغة الانجليزية أن المترجمين اختلفوا في نقل معنى الآية الكريمة ( وَكَوَاعِبَ أَتْرَابًا ) في سورة النبأ إلى فريقين :

الفريق الأول : نقلها بالمعنى الحرفي للكلمة ، دون مراعاة اللسان العربي في استعمالها في سياق الدلالة العمرية فحسب . فكانت هذه الترجمة على الوجه الآتي الذي أشكل على السائل :


(And young full-breasted (mature) maidens of equal age(

وقد ترجمها بهذا التعبير الدكتور تقي الدين الهلالي والدكتور محمد محسن خان ،

كما في " ترجمة معاني القرآن العظيم " الذي طبعه " مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف " (ص/811) .

وهذا رابط موقعهم الرسمي :


https://www.qurancomplex.org/?Lan=ar

وكذلك ترجمها كل من (Ibrahim Walk) ، (Laleh Baktiar) .

وهي ترجمة ليست دقيقة بدرجة كافية ، ليس لأنها لم تراع ما سبق تفصيله في الملحظ العربي من كلمة ( كواعب ) فحسب ، بل لأنها لم تراع المعنى الدلالي المعجمي أيضا

فكلمة (full-breasted) في الانجليزية تعني ( المكتملة أو المليئة الصدر ) فأوحت بمعنى فيه تقدير حجم صدر المرأة ، ووصفه بالكبر والامتلاء

في حين أن المعنى المعجمي الحرفي للكاعب هي التي نتأ ثديها

أو نهد ، كما سبق نقله عن معاجم العربية ، وهذا يعني بداية الظهور والبروز ليأخذ شكله الأنثوي ، وليس الاكتمال والامتلاء التامين الذي يقتضي استعمال كلمة (full).

وترجمها (Arther J. Arberry) بقوله :

(and maidens with swelling breasts, like of age)

وكذلك ترجمها (Sarwar) بقوله :

(maidens with pears-shaped breasts who are of equal age )

وأيضا ترجمها (Pickthal A. Shakir) بقوله:

(And voluptuous women of equal age(

وكلها ترجمات تستوحي المعنى الحسي ، ووصف الثدي بشكل الكمثرى أو الضخامة أو الإثارة . وهي تعبيرات غير دقيقة عن مقصود اللسان العربي .

الفريق الثاني : راعوا ما قررناه سابقا ، وترجموا معنى كلمة ( كواعب ) ضمن سياقها الذي يريده اللسان العربي ، وليس بالمعنى الحرفي غير المقصود .

ونحن نورد هنا هذه الترجمات ، وبجانبها اسم المترجم ، وندعو إلى تصويب الترجمة إليها ، وأفضلها – في نظرنا – ترجمة (Maulana) بقوله:

(And youthful (companions), equals in age(

وبقية الترجمات الصحيحة هي:

Marmaduke Pickthall….(And maidens for companions)

Abdullah Yusuf ali….. (Companions of equal age)

Muhammad Taqi Uthmani….(and buxom maidens of matching age)

والله أعلم .









قديم 2019-02-24, 18:38   رقم المشاركة : 337
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

التوفيق بين الآيات التي تأمر بتبليغ الرسالة وبين حديث "لا تبشرهم فيتكلوا"

السؤال


كيف نوفق الفهم بين الآية : ( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ) المائدة / 67

والحديث : عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ ، قَالَ : " كُنْتُ رِدْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى حِمَارٍ يُقَالُ لَهُ : عُفَيْرٌ ، قَالَ : فَقَالَ : ( يَا مُعَاذُ ، تَدْرِي مَا حَقُّ اللَّهِ عَلَى الْعِبَادِ

وَمَا حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ ؟ ) قَالَ : قُلْتُ : اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ ، قَالَ : ( فَإِنَّ حَقَّ اللَّهِ عَلَى الْعِبَادِ ، أَنْ يَعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَحَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ،

أَنْ لَا يُعَذِّبَ مَنْ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا ) ، قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَفَلَا أُبَشِّرُ النَّاسَ ؟ ، قَالَ : ( لَا تُبَشِّرْهُمْ فَيَتَّكِلُوا ) ؟

حيث الآية تدل على وجوب تبليغ الرسول صلى الله عليه وسلم للرسالة ، وبآخر الحديث يخبر الرسول صلى الله عليه وسلم معاذ بن جبل بعدم التبشير!


الجواب

الحمد لله

فقد ذكر العلماء – رحمهم الله –

وجوها مختلفة للتوفيق بين الآية الكريمة والحديث الشريف , ومن هذه الوجوه :

أولا : أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكتم هذا الأمر ، بدليل أنه أخبر به معاذ بن جبل رضي الله عنه , غاية الأمر أنه منع نشره عند بعض الناس خوفا على من لم يدرك مرامي الحديث

والجمع بين أطراف الأدلة ، من أن يتكل على ما سمع وأدركه من هذا الحديث ، فيدع بعض العمل

أو يفرط فيما أمر به ؛ وهذه مفسدة ظاهرة ، في حين أن فوات سماع هذا الحديث : لا يضيع شيئا من العمل ،

ولا يخشى منه مفسدة بينة ، ولا شك أن فوات البشرى في حق هؤلاء ، واستمرارهم على الأخذ بالوثيقة والجد في العمل ، هو آمن لهم وأرجى من المفسدة المذكورة .

جاء في " مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح " (1 / 98) :

" واحتج البخاري على أن للعالم أن يخص بالعلم قوما دون قوم ، كراهة ألا يفهموا ، وقد يتخذ أمثال هذه الأحاديث البطلة والمباحية ذريعة إلى ترك التكاليف ورفع الأحكام

وذلك يُفضي إلى خراب الدنيا بعد خراب العقبى" انتهى .

ثانيا : أن يقال : إن أمره صلى الله عليه وسلم بالكتمان ليس المقصود به الكتمان المطلق المؤبد

بل هو كتمان في زمان معين , ولم يستمر هذا الكتمان ، بدليل أن معاذا قد أخبر بهذا الحديث قبل موته , فقد جاء في نهاية هذا الحديث : " وأخبر بها معاذ عند موته تأثما" رواه البخاري (128) , ومسلم (53) .

جاء في " مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح " (1 / 93) :

" أي تجنباً وتحرزاً عن الوقوع في إثم كتمان العلم " انتهى , وهذا ظاهر في أن معاذا رضي الله عنه لم يفهم المنع المطلق عن نشر هذا الحديث وتبليغه ، إنما فهم أن ذلك المنع مقيد بحال

أو شخص ، أو وقت ، أو قيد ما ، ورأى أن هذا القيد قد فات ، وأن التشريع قد استقر ، واستمر شأن الناس عليه ، ولم يَخش عليهم تلك المفسدة .

جاء في " مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح " (1 / 98) :

" إنما رواه معاذ مع كونه منهيا عنه ؛ لأنه علم منه : أن هذا الإخبار يتغير بتغير الزمان والأحوال , والقوم يومئذ كانوا حديثي العهد بالإسلام لم يعتادوا تكاليفه ، فلما تثبتوا واستقاموا أخبرهم " انتهى .

ثالثا: يحتمل أن النهي عن التبشير بذلك لم يكن لكل الناس بل كان خاصا بمن يخشى منه الاتكال وترك العمل ,

وعليه فيكون معاذ - رضي الله عنه - قد أخبر بالحديث قبل موته وخص بذلك من لا يخشى منهم الاتكال كما خصه رسول الله بذلك .

جاء في " مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح " (1 / 93) :

" سَلَّمْنا أنه تأثم من الكتمان ، فكيف لا يتأثم من مخالفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في التبشير؟

أجيب : بأن النهي كان مقيداً بالاتكال ، فأخبر به من لا يخشى عليه ذلك ، وإذا زال القيد زال المقيد " انتهى .

وعليه فلا تعارض بين الآية الكريمة والحديث الشريف
.
والله أعلم .









قديم 2019-02-24, 18:48   رقم المشاركة : 338
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

الجمع بين قوله تعالى ( سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى ) وبين وقوع النسيان منه صلى الله عليه وسلم في الصلاة وغيرها .

السؤال

يقول الله عز وجل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينسى من القرآن شيئا : ( سنقرئك فلا تنسى * إلا ما شاء الله إنه يعلم الجهر وما يخفى ) الأعلى/6-7

وهو اعتقاد أهل السنة والجماعة ,

لكن كيف نوفق بين الآية والحديث النبوي الشريف الذي يقول : ( يرحمه الله ، لقد أذكرني كذا وكذا آية ، أسقطتها من سورة كذا وكذا ) متفق عليه ؟


الجواب

الحمد لله

أولا :

قول الله عز وجل : ( سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى * إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ ) الأعلى/ 6، 7

هذا إخبار من الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم أنه يعلمه هذا القرآن ويحفظه عليه فلا ينسى منه شيئا ، إلا ما شاء الله من رفعه ونسخه .

قال ابن جزي رحمه الله :

" هذا خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم وعده الله أن يقرئه القرآن فلا ينساه ، وفي ذلك معجزة له عليه الصلاة والسلام ؛ لأنه كان أمياً لا يكتب ، وكان مع ذلك لا ينسى ما أقرأه جبريل عليه السلام من القرآن

وقيل : معنى الآية كقوله : ( لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ ) الآية : فإنه عليه الصلاة والسلام كان يحرك به لسانه إذا أقرأه جبريل ، خوفاً أن ينساه فضمن الله له أن لا ينساه

وقيل : فلا تنسى نهي عن النسيان ، وقد علم الله أن ترك النسيان ليس في قدرة البشر ، فالمراد الأمر بتعاهده حتى لا ينساه ، وهذا بعيد لإثبات الألف في ( تنسى ) " .

انتهى من "التسهيل" (ص 2597) .

وقال السعدي رحمه الله :

" أي : سنحفظ ما أوحينا إليك من الكتاب ، ونوعيه قلبك ، فلا تنسى منه شيئًا ، وهذه بشارة كبيرة من الله لعبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم ، أن الله سيعلمه علمًا لا ينساه

( إِلا مَا شَاءَ اللَّهُ ) مما اقتضت حكمته أن ينسيكه لمصلحة بالغة "

انتهى من " تفسير السعدي" (ص 920) .

فهذا هو النسيان الذي حُفظ عنه النبي صلى الله عليه وسلم ؛ وهو نسيان الرفع فيما أُمر فيه بالبلاغ ، فهذا لا بد أن يذكره فلا ينساه ؛ حتى يكمل الدين وتتم النعمة .

ثانيا :

أما ما رواه البخاري (5038) ومسلم (788) عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ سَمِعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا يَقْرَأُ فِي سُورَةٍ بِاللَّيْلِ فَقَالَ : ( يَرْحَمُهُ اللَّهُ لَقَدْ أَذْكَرَنِي كَذَا وَكَذَا آيَةً كُنْتُ أُنْسِيتُهَا مِنْ سُورَةِ كَذَا وَكَذَا ) .

فهذا هو النسيان الجبلي الفطري الذي خُلق عليه آدم عليه السلام وبنوه ، وقد كان يقع منه صلى الله عليه وسلم ذلك أحيانا ، وليس هو المقصود بقوله : ( سنقرئك فلا تنسى ) .

قال النووي رحمه الله :

" فيه دَلِيل عَلَى جَوَاز النِّسْيَان عَلَيْهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا قَدْ بَلَّغَهُ إِلَى الْأُمَّة " انتهى .

وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله :

" قَالَ الْإِسْمَاعِيلِيّ : النِّسْيَان مِنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِشَيْءٍ مِنْ الْقُرْآن يَكُون عَلَى قِسْمَيْنِ :

أَحَدهمَا : نِسْيَانه الَّذِي يَتَذَكَّرهُ عَنْ قُرْبٍ , وَذَلِكَ قَائِم بِالطِّبَاعِ الْبَشَرِيَّة ,

وَعَلَيْهِ يَدُلّ قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيث اِبْن مَسْعُود فِي السَّهْو ( إِنَّمَا أَنَا بِشْر مِثْلكُمْ أَنْسَى كَمَا تَنْسَوْنَ ) .

وَالثَّانِي : أَنْ يَرْفَعهُ اللَّه عَنْ قَلْبه عَلَى إِرَادَة نَسْخِ تِلَاوَته , وَهُوَ الْمُشَار إِلَيْهِ بِالِاسْتِثْنَاءِ فِي قَوْله تَعَالَى : ( سَنُقْرِئُك فَلَا تَنْسَى إِلَّا مَا شَاءَ اللَّه ) .

قَالَ : فَأَمَّا الْقِسْم الْأَوَّل فَعَارِض سَرِيع الزَّوَال لِظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى : ( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) .

وَأَمَّا الثَّانِي فَدَاخِل فِي قَوْله تَعَالَى : ( مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَة أَوْ نُنْسِهَا ) عَلَى قِرَاءَة مَنْ قَرَأَ بِضَمِّ أَوَّله مِنْ غَيْر هَمْزَة " انتهى

وقال ابن باز رحمه الله :

" اتفقت الأمة على ‏أن الرسل معصومون في تحمل الرسالة ، فلا ينسون شيئا مما أوحاه الله إليهم

إلا شيئا قد ‏نسخ ، وقد تكفل الله جل وعلا لرسوله _ صلى الله عليه وسلم _ أن يقرئه فلا ينسى ، إلا شيئاً ‏أراد الله أن ينسيه إياه ، وتكفل له بأن يجمع له القرآن في صدره .

قال تعالى . " سنقرئك فلا ‏تنسى إلا ما شاء الله " الأعلى /6-7 ، وقال تعالى : ( إن علينا جمعه وقرآنه * فإذا قرأناه فاتبع ‏قرآنه ) "

انتهى من "مجموع فتاوى ابن باز" (6/371 ) .

فالحاصل أن النسيان نوعان : نسيان رفع ونسخ وذهاب للمنسي بالكلية ، فهذا الذي حفظ منه النبي صلى الله عليه وسلم ، فلا ينسى من القرآن

إلا ما شاء الله أن ينسيه إياه مما أراد رفعه ونسخه ، وهو المراد بقوله تعالى :

( سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى * إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ ) . وهذا الذي اتفق عليه أهل السنة أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يقع منه ذلك .

والنوع الثاني : نسيان جبلي فطري فهذا يقع من النبي صلى الله عليه وسلم أحيانا

وهو المراد بقوله : ( إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَنْسَى كَمَا تَنْسَوْنَ فَإِذَا نَسِيتُ فَذَكِّرُونِي ) رواه البخاري (386) ومسلم (889)

وقوله : ( يَرْحَمُهُ اللَّهُ لَقَدْ أَذْكَرَنِي كَذَا وَكَذَا آيَةً كُنْتُ أُنْسِيتُهَا مِنْ سُورَةِ كَذَا وَكَذَا ) ؛ وهذا لا محذرو فيه

لأنه لا يخل بواجب الرسالة والبلاغ ، ما دامت الآية أو الشيء المنسي محفوظا في نفس الأمر ، ويعود النبي صلى الله عليه وسلم ، ويتذكره من قريب ؛ ولهذا أدرك بنفسه صلى الله عليه وسلم

كما في الحديث المذكور ، أنه نسي شيئا أثناء الصلاة ، ولم يذكره أحد به .

راجع إجابة السؤال القادم

والله أعلم .









قديم 2019-02-24, 18:53   رقم المشاركة : 339
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










vb_icon_m (5)

عصمة الأنبياء

السؤال

أود أن أسال عن العقيدة ، هل من عقيدتنا الإيمان بصدور الذنب عن الأنبياء وأنهم غير معصومين ؟.

الجواب

الحمد لله


الأنبياء هم صفوة البشر ، وهم أكرم الخلق على الله تعالى ، اصطفاهم الله تعالى لتبليغ الناس دعوة لا إله إلا الله ، وجعلهم الله تعالى الواسطة بينه وبين خلقه في تبليغ الشرائع

وهم مأمورون بالتبليغ عن الله تعالى ، قال الله تعالى : " أولئك الذين آتيناهم الكتاب والحكم والنبوة فإن يكفر بها هؤلاء فقد وكلنا بها قوما ليسوا بها بكافرين " الأنعام / 89 .

والأنبياء وظيفتهم التبليغ عن الله تعالى مع كونهم بشرا ، ولذلك فهم بالنسبة للأمر المتعلق بالعصمة على حالين :

1- العصمة في تبيلغ الدين .

2- العصمة من الأخطاء البشرية .

أولاً : أما بالنسبة للأمر الأول ، فإن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام معصومون في التبليغ عن الله تبارك وتعالى ، فلا يكتمون شيئاً مما أوحاه الله إليهم ، ولا يزيدون عليه من عند أنفسهم

قال الله تعالى لنبيه محمد – صلى الله عليه وسلم – " يأيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس " المائدة /67

وقال تعالى : " ولو تقول علينا بعض الأقاويل * لأخذنا منه باليمين * ثم لقطعنا منه الوتين * فما منكم من أحد عنه حاجزين " الحاقة /47 - 44 .

وقال تعالى : " وما هو على الغيب بضنين " التكوير /24 ، قال الشيخ عبد الرحمن بن سعدي – رحمه الله – في تفسير هذه الآية " وما هو على ما أوحاه الله إليه بشحيح ، يكتم بعضه

بل هو – صلى الله عليه وسلم – أمين أهل السماء ، وأهل الأرض ، الذي بلغ رسالات ربه ، البلاغ المبين ، فلم يشح بشيء منه ، عن غني ولا فقير

ولا رئيس ولا مرؤوس ، ولا ذكر ولا أنثى ، ولا حضري ولا بدوي ، ولذلك بعثه الله في أمة أمية جاهلة جهلاء ، فلم يمت – صلى الله عليه وسلم – حتى كانوا علماء ربانيين ، إليهم الغاية في العلوم ... " انتهى

فالنبي في تبليغه لدين ربه وشريعته لا يخطأ في شيء البتة لا كبير ولا قليل ، بل هو معصوم دائماً من الله تعالى .

قال سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله – ( فتاوى ابن باز ج6/371 ) :

" قد أجمع المسلمون قاطبة على أن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام – ولاسيما محمد – صلى الله عليه وسلم – معصومون من الخطأ فيما يبلغونه عن الله عز وجل

قال تعالى : " والنجم إذا هوى * ما ضل صاحبكم وما غوى * وما ينطق عن الهوى * إن هو إلا وحي يوحى *

علمه شديد القوى " النجم /1-5 ) ، فنبينا محمد – صلى الله عليه وسلم – معصوم في كل ما يبلغ عن الله قولاً وعملاً وتقريراً ، هذا لا نزاع فيه بين أهل العلم " انتهى .

وقد اتفقت الأمة على ‏أن الرسل معصومون في تحمل الرسالة ، فلا ينسون شيئا مما أوحاه الله إليهم ، إلا شيئا قد ‏نسخ ، وقد تكفل الله جل وعلا لرسوله _ صلى الله عليه وسلم _ أن يقرئه فلا ينسى

إلا شيئاً ‏أراد الله أن ينسيه إياه وتكفل له بأن يجمع له القرآن في صدره . قال تعالى . " سنقرئك فلا ‏تنسى إلا ما شاء الله " الأعلى /6-7

وقال تعالى : " إن علينا جمعه وقرآنه * فإذا قرأناه فاتبع ‏قرآنه " القيامة /17-18 .

قال شيخ الإسلام رحمه الله ( مجموع الفتاوى ج18 / 7 ) :

" فان الآيات الدالة على نبوة الأنبياء دلت على أنهم معصومون فيما يخبرون به عن الله عز وجل فلا يكون خبرهم إلا حقاً وهذا معنى النبوة وهو يتضمن أن الله ينبئه بالغيب

وأنه ينبئ الناس بالغيب والرسول مأمور بدعوة الخلق وتبليغهم رسالات ربه " انتهى .

ثانيا : بالنسبة للأنبياء كأناس يصدر منهم الخطأ ، فهو على حالات :

1- عدم الخطأ بصدور الكبائر منهم :

أما كبائر الذنوب فلا تصدر من الأنبياء أبدا وهم معصومون من الكبائر ، سواء قبل بعثتهم أم بعدها .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - ( مجموع الفتاوى : ج4 / 319 ) :

" إن القول بأن الأنبياء معصومون عن الكبائر دون الصغائر هو قول أكثر علماء الإسلام ، وجميع الطوائف ...

وهو أيضا قول أكثر أهل التفسير والحديث والفقهاء ، بل لم يُنقل عن السلف والأئمة والصحابة والتابعين وتابعيهم إلا ما يوافق هذا القول " انتهى .

2- الأمور التي لا تتعلق بتبيلغ الرسالة والوحي .

وأما صغائر الذنوب فربما تقع منهم أو من بعضهم ، ولهذا ذهب أكثر أهل العلم إلى أنهم غير معصومين منها ، وإذا وقعت منهم فإنهم لا يُقرون عليها بل ينبههم الله تبارك وتعالى عليها فيبادرون بالتوبة منها .

والدليل على ‏وقوع الصغائر منهم مع عدم إقرارهم عليها :‏‏ -

قوله تعالى عن آدم : " وعصى آدم ربه فغوى * ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى ) طه / ‏‏121-122

وهذا دليل على وقوع المعصية من آدم – عليه الصلاة والسلام - ، وعدم إقراره عليها ، مع توبته إلى ‏الله منها .‏

‏ - قوله تعالى " قال هذا من عمل الشيطان إنه عدوٌ مضلٌ مبين* قال رب إني ظلمت ‏نفسي فاغفر لي فغفر له إنه هو الغفور الرحيم " القصص/15،16 .

فموسى – عليه الصلاة والسلام - اعترف ‏بذنبه وطلب المغفرة من الله بعد قتله القبطي ، وقد غفر الله له ذنبه .

- قوله تعالى : ‏" فاستغفر ربه وخر راكعاً وأناب * فغفرنا له ذلك وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب " ‏‏ص / 23،24 ،

وكانت معصية داود هي التسرع في الحكم قبل أن يسمع من الخصم ‏الثاني .

وهذا نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - يعاتبه ربه سبحانه وتعالى في أمور ‏ذكرت في القرآن ، منها :

- قوله تعالى " يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي ‏مرضات أزواجك والله غفور رحيم " التحريم /1 ، وذلك في القصة المشهورة مع بعض أزواجه – صلى الله عليه وسلم - .

- كذا عتاب الله تعالى للنبي – صلى الله عليه وسلم - في أسرى بدر :

فقد روى مسلم في صحيحه ( 4588 )

" قال ابن عباس : فلما أسروا الأسارى قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – لأبي بكر وعمر – رضي الله عنهما - : " ما ترون في هؤلاء الأسارى ؟

" فقال أبو بكر : يا نبي الله ! هم بنو العم والعشيرة , أرى أن تأخذ منهم فدية , فتكون لنا قوة على الكفار , فعسى الله أن يهديهم للإسلام ، فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -

: " ما ترى يا ابن الخطاب ؟! "

قال : قلت لا ، والله يا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ما أرى الذي رأى أبو بكر ، ولكني أرى أن تمكنا فنضرب أعناقهم ، فتمكن عليا من عقيل فيضرب عنقه ، وتمكني من فلان - نسيبا لعمر

فأضرب عنقه ، فإن هؤلاء أئمة الكفر وصناديدها ، فهوي رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ما قال أبو بكر ، ولم يهو ما قلت ، فلما كان من الغد جئت فإذا رسول الله – صلى الله عليه وسلم –

وأبو بكر قاعدين وهما يبكيان ، قلت : يا رسول الله ! أخبرني من أي شيء تبكي أنت وصاحبك ؟

فإن وجدت بكاء بكيت ، وإن لم أجد بكاء تباكيت لبكائكما ، فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم - : " أبكي للذي عَرَضَ عليّ أصحابُك من أخذهم الفداء ، لقد عُرِض عليّ عذابُهم أدنى من هذه الشجرة " –

شجرة قريبة من نبي الله – صلى الله عليه وسلم - وأنزل الله عز وجل :

" ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض " إلى قوله : " فكلوا مما غنمتم حلالا طيبا " الأنفال / 67–69 ، فأحل الله الغنيمة لهم .

ففي هذا الحديث اتضح أن اختيار النبي صلى الله عليه وسلم للعفو عن الأسرى إنما كان أمرا اجتهاديا منه بعد مشاورة أصحابه ، ولم يكن عنده صلى الله عليه وسلم فيه من الله تعالى نص .

- قوله تعالى : " عبس وتولى * أن جاءه الأعمى " عبس /1-2 ، وهذه قصة الصحابي الجليل عبد الله ابن أم مكتوم الشهيرة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم والتي عاتبه الله فيها .

قال شيخ الإسلام ( مجموع الفتاوى : ج4 / 320 ) :

" وعامة ما يُنقل عن جمهور العلماء أنهم ( أي الأنبياء ) غير معصومين عن الإقرار على الصغائر ، ولا يقرون عليها ، ولا يقولون إنها لا تقع بحال ، وأول من نُقل عنهم من طوائف الأمة القول بالعصمة مطلقاً

وأعظمهم قولاً لذلك : الرافضة ، فإنهم يقولون بالعصمة حتى ما يقع على سبيل النسيان والسهو والتأويل " انتهى .

وقد يستعظم بعض الناس مثل هذا ويذهبون إلى تأويل النصوص من الكتاب والسنة ‏الدالة على هذا و يحرفونها . والدافع لهم إلى هذا القول شبهتان :

الأولى : أن الله تعالى أمر ‏باتباع الرسل والتأسي بهم ، والأمر باتباعهم يستلزم أن يكون كل ما صدر عنهم محلاً ‏للاتباع ، وأن كل فعل

أو اعتقاد منهم طاعة ، ولو جاز أن يقع الرسول صلى الله عليه وسلم في معصية ‏لحصل التناقض

لأن ذلك يقتضي أن يجتمع في هذه المعصية التي وقعت من الرسول ‏الأمر باتباعها وفعلها ، من حيث إننا مأمورون بالتأسي به ، والنهي عن موافقتها ، من ‏حيث كونها معصية .‏

‏وهذه الشبهة صحيحة وفي محلها لو كانت المعصية خافية غير ظاهرة بحيث تختلط ‏بالطاعة ، ولكن الله تعالى ينبه رسله ويبين لهم المخالفة ، ويوفقهم إلى التوبة منها من غير ‏تأخير .‏

الثانية : أن الذنوب تنافي الكمال وأنها نقص . وهذا صحيح إن لم يصاحبها توبة ، فإن التوبة ‏تغفر الذنب ، ولا تنافي الكمال ، ولا يتوجه إلى صاحبها اللوم

بل إن العبد في كثير من ‏الأحيان يكون بعد توبته خيراً منه قبل وقوعه في المعصية ومعلوم أنه لم يقع ذنب من نبي إلا وقد سارع إلى التوبة والاستغفار، فالأنبياء لا يقرون ‏على ذنب

ولا يؤخرون توبة ، فالله عصمهم من ذلك ، وهم بعد التوبة أكمل منهم ‏قبلها .‏

3- الخطأ في بعض الأمور الدنيوية – بغير قصد - :

وأما الخطأ في الأمور الدنيوية ، فيجوز عليهم الخطأ فيها مع تمام عقلهم

وسداد رأيهم ، وقوة بصيرتهم ، وقد وقع ذلك من بعض الأنبياء ومنهم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ويكون ذلك في مناحي الحياة المختلفة من طب وزراعة وغير ذلك .

فقد روى مسلم في صحيحه ( 6127 ) عن رافع بن خديج قَالَ: قَدِمَ نَبِيّ اللّهِ - صلى الله عليه وسلم – الْمَدِينَةَ ، وَهُمْ يَأْبُرُونَ النّخْلَ . يَقُولُونَ يُلَقّحُونَ النّخْلَ . فَقَالَ : "مَا تَصْنَعُونَ ؟

" قَالُوا : كُنّا نَصْنَعُهُ. قَالَ : "لَعَلّكُمْ لَوْ لَمْ تَفْعَلُوا كَانَ خَيْراً " فَتَرَكُوهُ . فَنَفَضَتْ أَوْ قال : فَنَقَصَتْ . قَالَ : فَذَكَرُوا ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ : " إِنّمَا أَنَا بَشَرٌ ، إِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ مِنْ دِينِكُمْ فَخُذُوا بِهِ

وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ مِنْ رَأْيي ، فَإِنّمَا أَنَا بَشَرٌ" وبهذا يكون قد علم أن أنبياء الله تعالى معصومون عن الخطأ في الوحي ، ولنحذر ممن يطعنون في تبليغ الرسول صلى الله عليه وسلم

ويشككون في تشريعاته ويقولون هي اجتهادات شخصية من عنده حاشاه صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى : " وما ينطق عن الهوى * إن هو إلا وحي يوحى " النجم /3-4 .

وسئلت اللجنة الدائمة : هل الأنبياء والرسل يخطئون ؟

فأجابت :

نعم ، يخطئون ولكن الله تعالى لا يقرهم على خطئهم بل يبين لهم خطأهم رحمة بهم وبأممهم ، ويعفو عن زلتهم

ويقبل توبتهم فضلاً منه ورحمة ، والله غفور رحيم ، كما يظهر ذلك من تتبع الآيات القرآنية التي جاءت في هذا" اهـ

"فتاوى اللجنة الدائمة" (3/194) .

وللمزيد راجع السؤال القادم

والله اعلم .


و اخيرا

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اخوة الاسلام

اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء

و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير


وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين









قديم 2019-02-24, 19:39   رقم المشاركة : 340
معلومات العضو
Ali Harmal
مشرف منتدى الحياة اليومية
 
الصورة الرمزية Ali Harmal
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

جزاك الله خيرا اخي الحبيب .










قديم 2019-02-25, 17:47   رقم المشاركة : 341
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ali harmal مشاهدة المشاركة
جزاك الله خيرا اخي الحبيب .

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

كم يسعدني حضورك المميز مثلك
ادام الله مرورك العطر دائما

بارك الله فيك
و جزاك الله عني كل خير









قديم 2019-02-25, 17:53   رقم المشاركة : 342
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










vb_icon_m (5)


اخوة الاسلام

أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته



التفسير حول قوله عز وجل : ( فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ )

السؤال

قال تعالى : (فاستقم كما أمرت) ، ما قصة هذه الآية ؟

الجواب

الحمد لله

يقول الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم : ( فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) هود:/ 112.

قال ابن جرير رحمه الله :

" يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : فاستقم أنت ، يا محمد ، على أمر ربك ، والدين الذي ابتعثك به ، والدعاء إليه

كما أمرك ربك ، ومن رجع معك إلى طاعة الله والعمل بما أمره به ربه من بعد كفره ، ولا تعدوا أمره إلى ما نهاكم عنه ، إن ربكم بما تعملون من الأعمال كلِّها - طاعتها ومعصيتها - ذو علم بها

لا يخفى عليه منها شيء ، وهو لجميعها مبصرٌ ، فاتقوا الله ، أيها الناس ، أن يطَّلع عليكم ربكم وأنتم عاملون بخلاف أمره ، فإنه ذو علم بما تعلمون ، وهو لكم بالمرصاد "

انتهى باختصار يسير من "تفسير الطبري" (15 /499) .

وقال ابن كثير رحمه الله :

" يأمر تعالى رسوله وعباده المؤمنين بالثبات والدوام على الاستقامة ، وذلك من أكبر العون على النصر على الأعداء ومخالفة الأضداد ونهى عن الطغيان : وهو البغي

فإنه مَصرَعة حتى ولو كان على مشرك ، وأعلم تعالى أنه بصير بأعمال العباد ، لا يغفل عن شيء ، ولا يخفى عليه شيء "

انتهى من "تفسير ابن كثير" (4 /354) .

وقد جاء ذلك بعد ذكر الله عز وجل حال السعداء وحال الأشقياء

وبعد قوله تعالى مخاطبا نبيه صلى الله عليه وسلم : ( فَلَا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِمَّا يَعْبُدُ هَؤُلَاءِ مَا يَعْبُدُونَ إِلَّا كَمَا يَعْبُدُ آبَاؤُهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غَيْرَ مَنْقُوصٍ

* وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ * وَإِنَّ كُلًّا لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمَالَهُمْ إِنَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ) هود/ 109 – 111 .

فلما أخبر الله تعالى بحال الفريقين ، وأخبر بكفر أولئك الذين يعبدون الأصنام من دون الله

وعدم استقامة هؤلاء الذين اختلفوا في الكتاب فتفرقوا وتحزبوا ، " أمر نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم، ومن معه من المؤمنين، أن يستقيموا كما أمروا، فيسلكوا ما شرعه الله من الشرائع

ويعتقدوا ما أخبر الله به من العقائد الصحيحة، ولا يزيغوا عن ذلك يمنة ولا يسرة ، ويدوموا على ذلك ، ولا يطغوا بأن يتجاوزوا ما حده الله لهم من الاستقامة " .

انتهى من "تفسير السعدي" (ص 390) .

ولم نقف لهذه الآية على قصة معينة نزلت بسببها ، لكن دل سياق الآيات على أن معنى الآية مفرع على ما تقدم من ذكر حال السعداء والأشقياء ، وذكر حال المشركين والذين اختلفوا في الكتاب

فجاءت توجيها للنبي صلى الله عليه وسلم ومن آمن معه إلى الاستقامة وعدم الاعوجاج ومجاوزة الحد ؛ ولذلك جاء بالفاء في قوله : ( فاستقم ) وهي للتفريع على ما تقدم .

وحاصل ذلك : لقد علمت - أيها الرسول الكريم - حال السعداء وحال الأشقياء ، وأخبرناك بحال المشركين وحال الذين اختلفوا في الكتاب

وأعلمناك أن كل مكلف سيوفى جزاء عمله ، فالزم أنت ومن معك من المؤمنين طريق الاستقامة على الحق ، وداوموا على ذلك كما أمركم الله

بدون إفراط أو تفريط ، واحذروا أن تتجاوزوا حدود الاعتدال في كل أقوالكم وأعمالكم ، ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات ؛ حتى تكونوا من الذين سعدوا ، ولا تكونوا من الأشقياء .

ولذلك لما جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقَالَ: " يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخْبِرْنِي أَمْرًا فِي الْإِسْلَامِ لَا أَسْأَلُ عَنْهُ أَحَدًا بَعْدَكَ ، قَالَ: ( قُلْ آمَنْتُ بِاللَّهِ ثُمَّ اسْتَقِمْ ) .

رواه أحمد (14991) والترمذي (2410) وصححه الألباني في " صحيح الترمذي " .

والله أعلم .









قديم 2019-02-25, 18:00   رقم المشاركة : 343
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

تفسير قوله سبحانه وتعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ ) آل عمران/149.

السؤال

هل يمكنكم بيان تفسير الآيات 144، 149 من سورة آل عمران ؟


الجواب

الحمد لله

الآيات المقصودة في السؤال هي قول الله عز وجل : ( وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ ) آل عمران/144.

وقوله سبحانه وتعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ ) آل عمران/149.

أما الآية الأولى فقد سبق تفسيرها بتوسع في الفتوى القادمة

وأما الآية الثانية فالكلام في تفسيرها يمكن اختصاره في المباحث الآتية :

أولا : سياق الآيات

يقول سيد قطب رحمه الله :

" لقد انتهز الكفار والمنافقون واليهود في المدينة ما أصاب المسلمين من الهزيمة والقتل والقرح ، ليثبطوا عزائمهم ، ويخوفوهم عاقبة السير مع محمد ، ويصوروا لهم مخاوف القتال

وعواقب الاشتباك مع مشركي قريش وحلفائهم ، وجو الهزيمة هو أصلح الأجواء لبلبلة القلوب ، وخلخلة الصفوف ، وإشاعة عدم الثقة في القيادة

والتشكيك في جدوى الإصرار على المعركة مع الأقوياء ، وتزيين الانسحاب منها ، ومسالمة المنتصرين فيها

مع إثارة المواجع الشخصية والآلام الفردية ، وتحويلها كلها لهدم كيان الجماعة ، ثم لهدم كيان العقيدة ، ثم للاستسلام للأقوياء الغالبين !

ومن ثم يحذر الله الذين آمنوا أن يطيعوا الذين كفروا ، فطاعة الذين كفروا عاقبتها الخسارة المؤكدة ، وليس فيها ربح ولا منفعة ، فيها الانقلاب على الأعقاب إلى الكفر

فالمؤمن إما أن يمضي في طريقه يجاهد الكفر والكفار ، ويكافح الباطل والمبطلين ، وإما أن يرتد على عقبيه كافراً - والعياذ بالله -، ومحال أن يقف سلبياً بين بين ، محافظاً على موقفه

ومحتفظاً بدينه إنه قد يخيل إليه هذا ، يخيل إليه في أعقاب الهزيمة ، وتحت وطأة الجرح والقرح ، أنه مستطيع أن ينسحب من المعركة مع الأقوياء الغالبين وأن يسالمهم ويطيعهم

وهو مع هذا محتفظ بدينه وعقيدته وإيمانه وكيانه ! وهو وهم كبير ، فالذي لا يتحرك إلى الأمام في هذا المجال لا بد أن يرتد إلى الوراء

والذي لا يكافح الكفر والشر والضلال والباطل والطغيان لا بد أن يتخاذل ويتقهقر ويرتد على عقبيه إلى الكفر والشر والضلال والباطل والطغيان ! والذي لا تعصمه عقيدته ولا يعصمه إيمانه من طاعة الكافرين

والاستماع إليهم ، والثقة بهم ، يتنازل- في الحقيقة - عن عقيدته وإيمانه منذ اللحظة الأولى ، إنها الهزيمة الروحية أن يركن صاحب العقيدة إلى أعداء عقيدته ، وأن يستمع إلى وسوستهم

وأن يطيع توجيهاتهم ، الهزيمة بادئ ذي بدء . فلا عاصم له من الهزيمة في النهاية ، والارتداد على عقبيه إلى الكفر ، ولو لم يحس في خطواته الأولى أنه في طريقه إلى هذا المصير البائس

إن المؤمن يجد في عقيدته ، وفي قيادته غناء عن مشورة أعداء دينه وأعداء قيادته ، فإذا استمع إلى هؤلاء مرة فقد سار في طريق الارتداد على الأعقاب

حقيقة فطرية وحقيقة واقعية ، ينبه الله المؤمنين لها ، ويحذرهم إياها ، وهو يناديهم باسم الإيمان "

انتهى من " في ظلال القرآن " (1/490-491) .

ثانيا : الأقوال في الآية الكريمة

يقول ابن الجوزي رحمه الله :

وفي ( الَّذِينَ كَفَرُوا ) هاهنا ثلاثة أقوال :

أحدها : أنهم المنافقون ، على قول ابن عباس ، ومقاتل .

والثاني : أنهم اليهود والنصارى ، قاله ابن جريج .

والثالث : أنهم عبدة الأوثان ، قاله السدي .

قالوا : وكانوا قد أمروا المسلمين بالرجوع عن دينهم "

انتهى من " زاد المسير في علم التفسير " (1/333) .

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :

" وقوله : ( إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا ) : عامة ، تشمل اليهود والنصارى والمشركين والملاحدة الذين ليس لهم دين ، ولا يتعبدون بشيء ؛ أي واحد من الكفرة إذا أمرك بشيء فأطعته ، فإنه يردك على أعقابك فتنقلب خاسرا "

انتهى من "تفسير سورة آل عمران" (2/280) .

وقال الشيخ ابن سعدي رحمه الله :

" وهذا نهي من الله للمؤمنين أن يطيعوا الكافرين من المنافقين والمشركين ، فإنهم إن أطاعوهم لم يريدوا لهم إلا الشر ، وهم قصدهم ردهم إلى الكفر الذي عاقبته الخيبة والخسران .

ثم أخبر أنه مولاهم وناصرهم ، ففيه إخبار لهم بذلك ، وبشارة بأنه سيتولى أمورهم بلطفه ، ويعصمهم من أنواع الشرور .

وفي ضمن ذلك الحث لهم على اتخاذه وحده وليا وناصرا من دون كل أحد

فمن ولايته ونصره لهم أنه وعدهم أنه سيلقي في قلوب أعدائهم من الكافرين الرعب، وهو الخوف العظيم الذي يمنعهم من كثير من مقاصدهم، وقد فعل تعالى . "

انتهى من "تفسير السعدي" (151) .

ثالثا : اختلف العلماء في تحديد المراد بطاعة الكفار الذي جاء التحذير منها ، وذلك على أقوال:

جاء في " مفاتيح الغيب " (9/383) :

" قوله : ( إن تطيعوا الذين كفروا ) لا يمكن حمله على طاعتهم في كل ما يقولونه ، بل لا بد من التخصيص :

فقيل : إن تطيعوهم فيما أمروكم به يوم أحد من ترك الإسلام .

وقيل : إن تطيعوهم في كل ما يأمرونكم من الضلال .

وقيل : في المشورة .

وقيل : في ترك المحاربة ، وهو قولهم : ( لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا ) آل عمران/156"

انتهى باختصار .

ويقول العلامة الطاهر بن عاشور رحمه الله :

" أراد من هذا الكلام تحذير المؤمنين من أن يخامرهم خاطر الدخول في صلح المشركين وأمانهم ؛ لأن في ذلك إظهار الضعف أمامهم ، والحاجة إليهم ، فإذا مالوا إليهم استدرجوهم رويدا رويدا

بإظهار عدم كراهية دينهم المخالف لهم ، حتى يردوهم عن دينهم ؛ لأنهم لن يرضوا عنهم حتى يرجعوا إلى ملتهم ، فالرد على الأعقاب على هذا يحصل بالإخارة والمآل

وقد وقعت هذه العبرة في طاعة مسلمي الأندلس لطاغية الجلالقة

وعلى هذا الوجه تكون الآية مشيرة إلى تسفيه رأي من قال : ( لو كلمنا عبد الله بن أبي يأخذ لنا أمانا من أبي سفيان )، كما يدل عليه قوله : ( بل الله مولاكم )

ويحتمل أن يراد من الطاعة طاعة القول والإشارة ، أي الامتثال

وذلك قول المنافقين لهم : لو كان محمد نبيئا ما قتل ، فارجعوا إلى إخوانكم وملتكم ، ومعنى الرد على الأعقاب في هذا الوجه أنه يحصل مباشرة في حال طاعتهم إياهم "

انتهى من " التحرير والتنوير " (4/122) .

والله أعلم .









قديم 2019-02-25, 18:05   رقم المشاركة : 344
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

معنى قوله تعالى ( وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ ... ) والرد على الرافضة

السؤال

ما معنى تفسير قوله تعالى ( وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ )

قرأت تفسير الشيعة لهذه الآية ، وهم يرمون بها الصحابة رضوان الله عليهم ، فاحترت لعدم علمي بالتفسير الصحيح

فما تفسير هذه الآية لدينا ؟

وهل كان أحد ارتد بعد وفاة الرسول ؟

ومن هم ؟

وهل ذكر الحديث بقوله " ما تدري ماذا فعلوا من بعدك " يصلح تطبيقه على من ولدوا بعد عهد الرسول ، أي : الرسول لم يشهد صلاحهم ، فكيف يقال " بعدُ " ؟ .


الجواب

الحمد لله


أما قوله تعالى : ( وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ ) آل عمران/ 144 :

فإنها آية محكمة ، وللوقوف على معناها بتفصيل : نذكر الآتي :

1. أن هذه الآيات أنزلها الله تعالى بعد غزوة " أُحد " ، وهي مقدمة ، وتهيئة لموت النبي صلى الله عليه وسلم ، ففيها التذكير بأن الإسلام لا ينقطع بموت أو قتل نبيكم

كما فيها بيان ما حصل مع أنبياء سابقين حيث لم يؤثر قتلهم على أتباعهم ، ولم يستفد من هذا التنبيه والتذكير من ارتدَّ على عقبه من القبائل ، فخسروا الدنيا والآخرة .

قال ابن القيم – رحمه الله - :

وقعةَ " أُحُدٍ " كانت مُقَدِّمَةً ، وإرهاصاً ، بين يدي موتِ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فثبَّتهم ، ووبَّخهم على انقلابهم على أعقابهم إنْ ماتَ رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

أو قُتِلَ ، بل الواجبُ له عليهم أن يثبتُوا على دِينه ، وتوحِيدهِ ، ويموتوا عليه ، أو يُقتلُوا ، فإنهم إنما يعبدُون ربَّ محمد ، وهو حيٌّ لا يموت ، فلو ماتَ محمد أو قُتِلَ : لا ينبغي لهم أن يَصْرِفَهم ذلِكَ عن دينه ، وما جاء به

فكلُّ نفسٍ ذائِقةُ الموت ، وما بُعِثَ محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيخلَّد ، لا هُوَ ، ولا هُم ، بل لِيمُوتُوا على الإسلامِ ، والتَّوحيدِ ، فإن الموت لا بُدَّ منه ، سواء ماتَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

أو بَقِيَ ، ولهذا وبَّخَهُم على رجوع مَن رجع منهم عن دينه لما صرخ الشَّيْطَانُ : إنَّ محمَّداً قد قُتِلَ

فقال : ( وَمَا مُحَمَّدٌ إلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإن مَّاتَ أوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِى اللهُ الشَّاكِرِينَ ) آل عمران/ 144

والشاكرون : هم الذين عرفوا قدر النعمة ، فثبتوا عليها ، حتى ماتوا ، أو قُتِلُوا ، فظهر أثرُ هذا العِتَابِ

وحكمُ هذا الخطاب يومَ مات رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وارتدَّ مَن ارتدَّ على عقبيه ، وثبت الشاكِرُون على دينهم ، فنصرهم الله ، وأعزَّهم ، وظفَّرهم بأعدائهم ، وجعل العاقبة لهم .

ثم أخبر سبحانه أنه جعل لكل نفسٍ أجلاً لا بُدَّ أن تستوفيه ، ثم تلحَقَ به ، فيَرِدُ الناسُ كُلُّهم حوضَ المنايا مَوْرِداً واحِداً ، وإن تنوَّعت أسبابه ، ويصدُرونَ عن موقف القِيامة مصادِرَ شتَّى ، فريقٌ في الجنة ، وفريقٌ في السعير .

ثم أخبر سبحانه أن جماعةً كثيرةً من أنبيائه قُتِلُوا ، وقُتِلَ معهم أتباعٌ لهم كثيرون ، فما وَهَنَ مَنْ بقيَ منهم لِما أصابهم في سبيله ، وما ضَعُفُوا ، وما استكانُوا ، وما وَهَنُوا عندَ القتل

، ولا ضعفُوا ، ولا استكانوا ، بل تَلَقَّوا الشهادةَ بالقُوَّةِ ، والعزِيمةِ ، والإقْدَامِ ، فلم يُسْتَشْهَدُوا مُدَبِرِينَ ، مستكينين ، أذلةً ، بل استُشْهِدُوا أعزَّةً ، كِراماً ، مقبلينَ ، غير مدبرين ، والصحيح : أن الآية تتناول الفريقين كليهما.

" زاد المعاد في هدي خير العباد " ( 3 / 224 ، 225 ) .

2. هذه الآية تدل على تزكية أبي بكر الصدِّيق خاصة ، والصحابة الأجلاء عامة ؛ حيث وصف الله تعالى من يثبت في مثل هذه المصيبة ، ويعلم أن نبيه ما هو إلا بشر يبلغ ما أرسله الله تعالى به

ثم يغادر هذه الدنيا ، وصفهم الله تعالى بـ " الشاكرين " ، وأما ما في الآية من تزكية الصدِّيق : فمن جهتين :

الأولى : استدلاله بها – مع قوله تعالى ( إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ ) - عند موت النبي صلى الله عليه وسلم .

والثانية : أنه قاتل من ارتد على عقبه .

قال الشيخ عبد الرحمن السعدي – رحمه الله -
:
وفي هذه الآية الكريمة إرشاد من الله تعالى لعباده أن يكونوا بحالة لا يزعزعهم عن إيمانهم

أو عن بعض لوازمه فقدُ رئيسٍ ، ولو عظم ؛ وما ذاك إلا بالاستعداد في كل أمر من أمور الدِّين بعدة أناس من أهل الكفاءة فيه ، إذا فقد أحدهم قام به غيره

وأن يكون عموم المؤمنين قصدهم إقامة دين الله ، والجهاد عنه ، بحسب الإمكان ، لا يكون لهم قصد في رئيس دون رئيس ، فبهذه الحال يستتب لهم أمرهم ، وتستقيم أمورهم .

وفي هذه الآية أيضاً أعظم دليل على فضيلة الصدِّيق الأكبر أبي بكر ، وأصحابه الذين قاتلوا المرتدين بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنهم هم سادات الشاكرين .

" تفسير السعدي " ( ص 150 ) .

وبمعرفة ما مضى يتبين أن الصحابة الأجلاء قد استفادوا من درس " أحد " ، وأن ما أصاب بعضهم من صدمة عند موت النبي صلى الله عليه وسلم ليست صدمة أعقبتها ردَّة ، بل لعدم تحملهم عظَم الخبر

حتى ثبتهم الله تعالى بما تلاه على مسامعهم أبو بكر الصدِّيق من الآيات البينات ، وأخبرهم بثبات المؤمن :

( ... فَحَمِدَ اللَّهَ أَبُو بَكْرٍ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَقَالَ أَلَا مَنْ كَانَ يَعْبُدُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ مَاتَ وَمَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ حَيٌّ لَا يَمُوتُ وَقَالَ إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ وَقَالَ وَمَا مُحَمَّدٌ

إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ قَالَ فَنَشَجَ النَّاسُ يَبْكُونَ ... )

رواه البخاري (3670) .

فرجعوا إلى صوابهم ، وكأنهم لأول مرة تطرق هذه الآية مسامعهم

وقد عصم الله تعالى المهاجرين والأنصار من الردة ، وسقط فيها طوائف من العرب تصدَّى لهم الصدِّيق وأصحابه ، فعاد من عاد ، وبقي منهم على الكفر جماعات .

وانظر جواب السؤال القادم

والله أعلم









قديم 2019-02-25, 18:12   رقم المشاركة : 345
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

وقفات مهمة مع حديث الحوض ، وبيان الطوائف التي تردهم الملائكة عنده

السؤال

ما تفسير الحديث القدسي في ما معناه - أن الرسول صلى الله عليه وسلم عندما يرِد المسلمون إلى حوضه

يُرجع الله طائفة من الناس فيقول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( يا رب ، أمتي ، أمتي ) فيقول عز وجل : إنك لا تدري ما فعلوا بعدك ؟ .


الجواب

الحمد لله


أولاً:

اصطلح المحدثون على تسمية الحديث الوارد هنا : " حديث الحوض " ، وللحديث ألفاظ وروايات متعددة ، ليس بينها – بفضل الله – اختلاف .

وهذه بعض الروايات بألفاظها المختلفة :

عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنِّي فَرَطُكُمْ عَلَى الْحَوْضِ مَنْ مَرَّ عَلَيَّ شَرِبَ ، وَمَنْ شَرِبَ لَمْ يَظْمَأْ أَبَدًا ، لَيَرِدَنَّ عَلَيَّ أَقْوَامٌ أَعْرِفُهُمْ وَيَعْرِفُونِي ، ثُمَّ يُحَالُ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ

فَأَقُولُ : إِنَّهُمْ مِنِّي ، فَيُقَالُ : إِنَّكَ لَا تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ ، فَأَقُولُ : سُحْقًا ، سُحْقًا ، لِمَنْ غَيَّرَ بَعْدِي ) .

رواه البخاري ( 6212 ) ومسلم ( 2290 ) .

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَى الْمَقْبُرَةَ فَقَالَ : ( السَّلَامُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لَاحِقُونَ وَدِدْتُ أَنَّا قَدْ رَأَيْنَا إِخْوَانَنَا ) قَالُوا : أَوَلَسْنَا إِخْوَانَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ

قَالَ : ( أَنْتُمْ أَصْحَابِي ، وَإِخْوَانُنَا الَّذِينَ لَمْ يَأْتُوا بَعْدُ ) فَقَالُوا : كَيْفَ تَعْرِفُ مَنْ لَمْ يَأْتِ بَعْدُ مِنْ أُمَّتِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ فَقَالَ : ( أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا لَهُ خَيْلٌ غُرٌّ مُحَجَّلَةٌ بَيْنَ ظَهْرَيْ خَيْلٍ دُهْمٍ بُهْمٍ أَلَا يَعْرِفُ خَيْلَهُ )

قَالُوا : بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ ، قَالَ : ( فَإِنَّهُمْ يَأْتُونَ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنْ الْوُضُوءِ وَأَنَا فَرَطُهُمْ عَلَى الْحَوْضِ ، أَلَا لَيُذَادَنَّ رِجَالٌ عَنْ حَوْضِي كَمَا يُذَادُ الْبَعِيرُ الضَّالُّ ؛ أُنَادِيهِمْ : أَلَا هَلُمَّ . فَيُقَالُ : إِنَّهُمْ قَدْ بَدَّلُوا بَعْدَكَ . فَأَقُولُ : سُحْقًا سُحْقًا ) .

رواه مسلم ( 249 ) .

عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( إِنِّي عَلَى الْحَوْضِ أَنْتَظِرُ مَنْ يَرِدُهُ عَلَيَّ مِنْكُمْ ،

فَلَيُقَطَّعَنَّ رِجَالٌ دُونِي ، فَلَأَقُولَنَّ : يَا رَبِّ أُمَّتِي أُمَّتِي ، فَلَيُقَالَنَّ لِي : إِنَّكَ لَا تَدْرِي مَا عَمِلُوا بَعْدَكَ ، مَا زَالُوا يَرْجِعُونَ عَلَى أَعْقَابِهِمْ ) .

رواه أحمد ( 41 / 388 ) وصححه المحققون .

عن أَنَس بْن مَالِكٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( لَيَرِدَنَّ عَلَيَّ الْحَوْضَ رِجَالٌ مِمَّنْ صَاحَبَنِي

حَتَّى إِذَا رَأَيْتُهُمْ وَرُفِعُوا إِلَيَّ اخْتُلِجُوا دُونِي ، فَلَأَقُولَنَّ : أَيْ رَبِّ أُصَيْحَابِي أُصَيْحَابِي ، فَلَيُقَالَنَّ لِي : إِنَّكَ لَا تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ ) .

رواه البخاري ( 6211 ) ومسلم ( 2304 ) .

عن عَبْد اللَّهِ بنِ مسعود قال : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَنَا فَرَطُكُمْ عَلَى الْحَوْضِ لَيُرْفَعَنَّ إِلَيَّ رِجَالٌ مِنْكُمْ حَتَّى إِذَا أَهْوَيْتُ لِأُنَاوِلَهُمْ اخْتُلِجُوا دُونِي ، فَأَقُولُ : أَيْ رَبِّ أَصْحَابِي يَقُولُ : لَا تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ ) .

رواه البخاري ( 6642 ) ومسلم ( 2297 ) .

ثانياً:

عند التأمل في الأحاديث السابقة نجد أن الكلام قد انحصر في مجموعات ترِد حوض النبي صلى الله عليه وسلم لتشرب منه ، فتردهم الملائكة ، ويناديهم النبي صلى الله عليه وسلم بألفاظ هي " أمتي "

، " أصحابي " ، " أصيحابي " ، وليس بينها اختلاف تضاد ، بل هي محمولة على أناس تشملهم معاني تلك الكلمات ، ويمكننا أن نجملهم بهذه الطوائف :

1. مرتدون عن الإسلام بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ، وكانوا أسلموا في حياته ورأوه وهم على الإسلام .

2. مرتدون عن الإسلام في أواخر حياته صلى الله عليه وسلم ، ولم يكن يعلم بكفرهم .

3. أهل النفاق ممن أظهر الإسلام ، وأبطن الكفر .

4. أهل الأهواء الذين غيَّروا سنَّة النبي صلى الله وسلم وهديه ، كالروافض ، والخوارج .

5. وبعض العلماء يُدخل فيهم : أهل الكبائر ، وله ما يؤيد من السنَّة ، فقد روى الإمام أحمد في مسنده ( 9 / 514 ) عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

: ( سَيَكُونُ عَلَيْكُمْ أُمَرَاءُ يَأْمُرُونَكُمْ بِمَا لَا يَفْعَلُونَ فَمَنْ صَدَّقَهُمْ بِكِذْبِهِمْ وَأَعَانَهُمْ عَلَى ظُلْمِهِمْ فَلَيْسَ مِنِّي وَلَسْتُ مِنْهُ وَلَنْ يَرِدَ عَلَيَّ الْحَوْضَ ) وصححه المحققون .

ولفظ " أمتي " في الأحاديث يصدق على أهل القول الرابع ، والخامس ، ولفظ " أصحابي " و " أصيحابي " على الأقوال الثلاثة الأوَل .

ومما يدل على أنهم من أمته صلى الله عليه وسلم : أنه عرفهم بالغرة والتحجيل ، وهي سيما خاصة بهذه الأمة ، ويكون تعرف النبي صلى الله عليهم وسلم هناك بصفاتهم ، لا بأعيانهم ؛ لأنهم جاءوا بعده .

ومما يدل على دخول المنافقين في اسم " أصحابي "

: قوله صلى الله عليه وسلم ( لا يَتَحَدَّثُ النَّاسُ أَنَّهُ كَانَ يَقْتُلُ أَصْحَابَهُ ) رواه البخاري ( 3518 ) ، وهذا معنى لغوي بحت للصحبة ، ليس أنهم استحقوا شرفها ؛ لأن تعريف الصحابي الاصطلاحي لا يصدق على هؤلاء .

وهذه طائفة من أقوال أهل العلم في تلك الأحاديث :

1. قال النووي - رحمه الله – في شرح الحديث -
:
هذا مما اختلف العلماء في المراد به على أقوال :

أحدها : أن المراد به المنافقون ، والمرتدون ، فيجوز أن يُحشروا بالغرة والتحجيل

فيناديهم النبي صلى الله عليه وسلم للسيما التي عليهم ، فيقال : ليس هؤلاء مما وُعدتَ بهم ، إن هؤلاء بدَّلوا بعدك ، أي : لم يموتوا على ما ظهر من إسلامهم .

والثاني : أن المراد من كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم ارتد بعده ، فيناديهم النبي صلى الله عليه وسلم ، وإن لم يكن عليهم سيما الوضوء ، لما كان يعرفه صلى الله عليه وسلم في حياته من إسلامهم

فيقال : ارتدوا بعدك .

والثالث : أن المراد به أصحاب المعاصي والكبائر الذين ماتوا على التوحيد ، وأصحاب البدع الذين لم يخرجوا ببدعتهم عن الإسلام .

" شرح مسلم " ( 3 / 136 ، 137 ) .

2. وقال الحافظ ابن حجر – رحمه الله - :

وقال الخطابي : لم يرتد من الصحابة أحد ، وإنما ارتد قوم من جفاة العرب ، ممن لا نصرة له في الدين ، وذلك لا يوجب قدحاً في الصحابة المشهورين ، ويدل قوله : ( أصيحابي ) بالتصغير على قلة عددهم
.
" فتح الباري " ( 11 / 385 ) .

3. وقال الشيخ عبد القاهر البغدادي – رحمه الله - :

أجمع أهل السنَّة على أن الذين ارتدوا بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم من كِندة ، وحنيفة ، وفزارة ، وبني أسد ، وبني بكر بن وائل ، لم يكونوا من الأنصار ، ولا من المهاجرين قبل فتح مكة

وإنما أطلق الشرع اسم المهاجرين على من هاجر إلى النبي صلى الله عليه وسلم قبل فتح مكة ، وأولئك بحمد الله ومنِّه درجوا على الدين القويم ، والصراط المستقيم .

وأجمع أهل السنة على أن من شهد مع رسول الله بدراً : من أهل الجنة ، وكذلك كل مَن شهد معه بيعة الرضوان بالحديبية .

" الفَرْق بين الفِرق " ( ص 353 ) .

4. وقال الشاطبي – رحمه الله - :

والأظهر : أنهم من الداخلين في غمار هذه الأمة ؛ لأجل ما دل على ذلك فيهم ، وهو الغرة والتحجيل ؛ لأن ذلك لا يكون لأهل الكفر المحض ، كان كفرهم أصلاً ، أو ارتداداً .

ولقوله : ( قد بدلوا بعدك ) ، ولو كان الكفر : لقال : " قد كفروا بعدك " ، وأقرب ما يحمل عليه : تبديل السنة

وهو واقع على أهل البدع ، ومن قال : إنه النفاق : فذلك غير خارج عن مقصودنا ؛ لأن أهل النفاق إنما أخذوا الشريعة تقيةً ، لا تعبداً ، فوضعوها غير مواضعها ، وهو عين الابتداع .

ويجري هذا المجرى كل من اتخذ السنَّة والعمل بها حيلةً وذريعةً إلى نيل حطام الدنيا ، لا على التعبد بها لله تعالى ؛ لأنه تبديل لها ، وإخراج لها عن وضعها الشرعي .

" الاعتصام " ( 1 / 96 ) .

5. قال القرطبي – رحمه الله -
:
قال علماؤنا رحمة الله عليهم أجمعين : فكلُّ مَن ارتد عن دين الله ، أو أحدث فيه ما لا يرضاه الله ، ولم يأذن به الله : فهو من المطرودين عن الحوض ، المبعدين عنه ، وأشدهم طرداً : مَن خالف جماعة المسلمين

وفارق سبيلهم ، كالخوارج على اختلاف فرقها ، والروافض على تباين ضلالها ، والمعتزلة على أصناف أهوائها ، فهؤلاء كلهم مبدِّلون ، وكذلك الظلمة المسرفون في الجور ، والظلم ، وتطميس الحق

وقتل أهله ، وإذلالهم ، والمعلنون بالكبائر ، المستخفون بالمعاصي ، وجماعة أهل الزيغ ، والأهواء ، والبدع .

ثم البعد قد يكون في حال ، ويقربون بعد المغفرة إن كان التبديل في الأعمال ، ولم يكن في العقائد ، وعلى هذا التقدير يكون نور الوضوء ، يُعرفون به ، ثم يقال لهم ( سحقاً )

وإن كانوا من المنافقين الذين كانوا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يُظهرون الإيمان ، ويُسرون الكفر : فيأخذهم بالظاهر

ثم يكشف له الغطاء فيقول لهم : ( سحقاً سحقاً ) ، ولا يخلد في النار إلا كافر ، جاحد ، مبطل ، ليس في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان .

" التذكرة في أحوال الموتى والدار الآخرة " ( ص 352 ) .









 

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 09:21

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2024 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc