(2) المشكلة الثانية
[المشكلة والإشكالية]
متى يثير فينا، السؤال الدهشة و الإحراج؟
***
مقدمة: طرح المشكلة
I- هل كل سؤال هو مشكلة؟
أولا: ما هو السؤال؟
ثانيا: وما هي المشكلة؟
ثالثا: وما العلاقة بينهما؟
II- وهل الإشكالية ترادفها؟ هل نتحدث عن مشكلة أم إشكالية؟
أولا: ما هي الإشكالية؟
ثانيا: الإشكالية لا ترادف المشكلة
ثالثا: مشكلة أم إشكالية؟
III- متى يثير السؤال الفلسفي الدهشة والإحراج؟ وما هي شروطه في تحقيق غاياته ووظيفته؟
أولا: تحديد المفاهيم
ثانيا: علاقة السؤال بالدهشة وبالإحراج
IV- وما طبيعة هذه الإثارة؟ طبيعة العلاقة بين متفارقين
أولا: الإثـارة متوقفة على بنية السؤال واستعداد المتعلم
ثانيا: صور التقابل أو التعارض
ثالثا: لماذا يقلقنا السؤال؟
V- وما نطاقها؟ وما نهايتها؟
أولا: نطاقها
ثانيا: نهايتها
خاتمة: حل المشكلة
مقدمة: طرح المشكلة
من جملة العوامل الأساسية التي تقوم عليها، أية عملية تربوية أو تعلُّمية، وجودُ المتعلم، وموضوع التعلم، والحافز عليه. نقول المتعلم، لأنه المعني الأول بالعملية، ولأنه مصدر الشعور والإرادة والقرار؛ ونقول الموضوع، لأنه المادة المعرفية أو السلوكية التي يحتاج إليها المتعلم في مسعاه؛ ونقول أخيرا، الحافز على التعلم، لأنه المحرك الذي يقف وراء ميول المتعلم، وإرادته، وينشط فيه القريحةَ، ويَشْحَذ فيه الفضولَ، و يفتح له باب المزيد من التعلُّمات والاكتسابات.
ولا يخفى ما لهذا العامل الأخير، من أهمية في عملية التعلم. إنه بمثابة همزة وصل بين المتعلم ومادة التعلم. فهو يثير في العامل الأول، نوعا من الرغبة المتحمسة في طلب الموضوع، ويزرع في العامل الثاني، الحركة عندما ينبجس منه في شكل سؤال، وكأنه يريد تقديم المادة كإجابة عنه، تبرر العلاقة بينهما. وهذا يعني أن غياب السؤال أي الحافز والدافع، تترتب عنه انزلاقاتٌ تربوية خطيرة: منها، نقل المادة التعلمية بشكلها الجاف إلى متعلم لا يتمتع بإرادة ولا تحركه رغبات ولا تدفعه مشاعر الحماسة؛ ويقع ذلك، عن طريق معلمٍ، لم يَعُدْ يرى من أسلوبٍ في عمله سوى التلقين والتحفيظ.[1]
وعليه، فإن السؤال، ما يزال يحتل صدر المسارات التعلمية من غير منازع؛ وعلى أساس هذا المبدأ العام، قام كثير من علماء النفس البيداغوجي، ينادون بترسيخ قيمة السؤال وتأصيلها لدى الدارسين والمدرسين. وإذا كان الأمر كذلك، فماذا نقول في شأن ممارسة التفلسف، التي لا مبرر لوجودها إطلاقا، سوى أن تنطلق من السؤال الإشكالي. إن الشروع في عملية التفلسف يتطلب منا أن ندرك السؤال، وأن نفهم طبيعة العلاقات المنطقية التي تربط الحدود فيما بينها، و التي يحتوي عليها السؤال؟
هذا، وإذا كان لا يعقَل أن نبدأ فعل التفلسف من لا شيء، فإنه يتعين علينا ـ في هذا السياق، ونحن نجتاز عتبة التمهيد للفلسفة ـ أن نطرح معنى مفهوم السؤال، ومجال امتداداته، وأن نتساءل: متى ولماذا يثير الدهشةَ والإحراج؟وبتعبير منهجي، نتساءل، عما هي علاقة السؤال بالمشكلة الفلسفية؟ وما علاقة هذه المشكلة بالإشكالية؟ وما علاقة السؤال بإثارة الدهشة و الإحراج، وما طبيعة هذه الإثارة؟ وأخيرا، ما نطاقها وما نهايتها؟
I ـ هل كل سؤال هو مشكلة؟
أولا: ما هو السؤال؟
1- هو لغة، الطلب و المطلب؛
2- وهو اصطلاحا يكتسي معان متعددة ، وذلك حسب التخصص الذي نأخذ به:
أ ـ فهو عند كثير من علماء البيداغوجيا، يعني الموضوع (Sujet ) أو المطلب؛
ب ـ وهو لدى أهل التربية والتعليم، ما يستوجب جوابا أو يفترضه؛
ج ـ وهو عند السياسيين، القضية كأن نقول: القضية أو المسألة الفلسطينية والمسألة الاستعمارية؛
د ـ وهو في معناه العام، الحاجة لدى الفقهاء المسلمين، على أساس أن السؤال هو السؤل، والمسألة هي السؤلة؛ وهو في معناه الخاص، النازلة أي الأمر الطارئ الصعب ؛ ويقصدون بهذا على وجه الدقة، القضية الصعبة أو المستجَدَّة التي تتطلب حلا شرعيا واستعجاليا، في مجال الدين والدنيا.
هـ ـ والسؤال لدى الفلاسفة، هو على حد سواء، المشكلة والإشكالية.[2]
ثانيا: و ما هي المشكلة؟
1- من الناحية اللغوية
أ - المشكلة ج. مشاكل ومشكلات ــ هي الأمر الصعب أو الملتبِس. وإذا نحن قلنا، أشكل علينا الأمرُ، يكون معناه التبس علينا، واشتبه؛ والأشكل من الأمور عند العرب، هو خليط اللونين. والشواكل من الطرق هي ما انشعب عن الطريق الأعظم[3].
ب- وللمشكلة كما نقرؤها في المعاجم الفرنسية، (Le problème)، معنيان: الأول يفيد بأنها المسألة التي تحتاج إلى حل بالطرق العلمية أو الاستدلالية؛ والثاني يضيف بأنها، كل ما يستعصي على الشرح والحل. فهي القضية المبهَمة التي تستعصي عن الإدراك، بل هي المعضلة النظرية أو العملية التي لا يتوصل فيها إلى حل يقيني، مع العلم بأن المعضلة (Le dilemme) ، تعني حالة لا نستطيع فيها تقديمَ شيء، لأنها تزُجُّ بنا في التأرجح بين موقفين بحيث يصعب ترجيحُ أحدهما على الآخر[4].
والفـرق بين المشكلة والمعضلة [والمُعَضِّلة]، والقـضية، والمسـألة: هو فرق بين الالتباس، والحيلولة، والفكرة التي تدعو إلى البحث، والصعوبة التي يمكن حلها:
* إن المشكلة تنطـوي على الالتباسات والمغلَـقات، بينما المعضـلة ـ وهي أيضا، المسألة المشكِلة ـ هي مسألة تضيق فيها الخطة، وهي كل ما يشكِّل حاجزا يضيِّـق عليّ، ويحول بيني وبين المراد الذي أقصده.[5]
* وأماالقضية ج قضايا، فهي عند المناطقة: الحكم، وهي [ ما يُحتاج فيه، إلى القطع والفصل] أو هي عند المفكرين، موضوعٌ فكري يدعو إلى البحث والتفكير.
* وأما المسألة، فهي لغة، طلب حاجة أو مطلب؛ أقول: سألتُه الشيءَ أي استعطيته؛ وسألته عن الشيء، استخبرته. وهي في مجال التعليم، والحياة العامة، تمرين أو صعوبة، يمكن حلُّها بآليات معروفة تحتاج إلى بعض المهارات.
وفي هذا الجدول، نقرأ أربعة أنواع من الأسئلة، وما يقابل كل واحد منها من خصائص ووسائل تستعمل في الحل، وأمثلة مناسبة:
تشخيص السؤال خصائصه وسائله أمثلة
1- المشكلة الالتباس محاولة فتح الملتبس والمنغلق هل يصح القول بأن لكل سؤال جوابا؟
2- المعضلة الحيلولة و الانسداد خطة مفرغة (أ) مشتقة من (ب)
و (ب) مشتقة من (أ)، أيهما المصدر؟
3- القضية قابلة للبحث تُبحث بأدواتها للنجاح في الفلسفة، لا بد من المطالعة، و لكن كيف لي ذلك، و أنا في منطقة نائية؟
4- المسألة قابلة للحل تُحل بمهارة إذا كان هذا خليطا من الأحمر والأسود، فما هي خصوصية كل واحد منها؟
2- الناحية الاصطلاحية
والمشكلة اصطلاحا، هي مسألة فلسفية يحدها مجال معين حيث يُحصَرُ الموضوع، ويُطرح الطرح الفلسفي. وهي أطروحة أو أطروحات. ويُفضِّل عدد من الباحثين في الفلسفة، أن يجمع مشكلة جمع مؤنث سالم، فيقول مشكلات، ولعله بذلك، يرقى إلى التمييز بينها، وبين كلمة "مشاكل" التي تغلغلت في لغة العوام، ولغة الاجتماعيين، والنفسانيين، وأهل السياسة، والصحافة، وغيرهم.
ثالثا: و ما العلاقة بينهما؟
1- ليست علاقتهما طردا ولا عكسا
ليس كل سؤال مشكلة بالضرورة، لأن الأسئلة المبتذلة التي لا تتطلب جهدا في حلها، والتي لا تثير فينا، إحراجا ولا دهشة، لا يمكن أن ترقى إلى أسئلة مشكِلةٍ حقيقية؛ وفي مقابل ذلك، يمكن القول بأن المشكلة جديرة بأن تكون سؤالا، عند القراءة الأولى، إذا هو أثار قضية مستعصية عن الحل، وإذا جاء في صيغة استفهامية. إلا أن هناك حالات، تثبت فيها المشكلة، ويغيب عنها الاستفهام. فقد تكون المشكلة الفلسفية مَثار دهشة أمام العقل، دون أن تقدَّم في صياغة استفهامية [؟]، كما هو الحال في عرض مجرد أطروحة فقط، نُدعَى للنظر فيها بعد "مَشكَلَتها"، كما هو شأن الأطروحتين الآتيتين: "قد يجتمع الضدان، الحرية والحتمية"؛ و"بين السلب و الإيجاب علاقة تكاملية"؛ وكما في حالة إضافة المطلوب التالي، إلى كلا الطرحين: ((حلل وناقش)).
والمشكلة ليست أيضا، سؤالا من حيث إنه مجرد موضوع ومبحث أو مطلب (sujet)، ما دام لم يترك في الذهن بعض التساؤلات، ولم يخلف وراءه استفهامات صريحةً أو ضمنية. هذا، بالإضافة إلى أنه ليست كل مشكلة مطلبا فلسفيا؛ فبإمكاني أن أواجه مشكلة تسرب المياه على مستوى سقف بيتي، لأنها مشكلة عملية. كما أنه لا يجب الخلط من جهة، بين المشكلة الفلسفية التي تسعى إلى البحث عن الحقيقة البعيدة ، والمشكلة العلمية التي تهتم بالحقيقة القريبة، من جهة أخرى.[6]
ولهذا، فإنه في حالة تقدم السؤال على شكل وضعيات مستعصية ـ بحيث تأخذ الصعوبات في الظهور وتشتد، فتصل إلى غاياتها بالنظر إلى طبيعة المجال الذي تنبثق منه، وإلى حجم وقوة الانفعال الذي تثيره ـ يعسر الجواب، فيُعلَّق بين الإثبات والنفي تارة، ويطرح في حلقة مفرغة، تارة أخرى؛ وقد يُسكت عنه، في حالة من الحيرة، والارتياب؛ وعندئذ، نقول: إن السؤال ما يزال ينتظر جوابا. وهذا النوع من الأسئلة، يُقحمنا بلحمنا ودمنا، وبكل جوارحنا وكياننا في وضعية، تُربك سكينـتنا العقلية والمنطقية والنفسية. وهذا هو الذي يتحدث عنه الفلاسفة، في تعرضهم للمواقف المشكِلة.
أ- التفكير أساس العلاقة بينهما
إن مصير السؤال الفلسفي، يتوقف على الإنسان، ككائن عاقل وفضولي، يعيش على الفطرة، ويعيش أيضا، على الاكتساب؛ وليس بالضرورة، أن يكون هذا في سِنِّ دون أخرى؛ فللأطفال حقهم في ذلك، إذ يحملون من الانشغالات، ومن التساؤلات، ما يحرجوننا به، ونقف أمامهم حائرين عاجزين.[7] لقد أكد علم النفس التربوي على أن التعلم يتأسس على التساؤل، وعلى أنه لا تعلُّمَ إلا عن طريق التساؤل الذي يحركه الفضول. وهذا يعني، أنه لا معرفة واضحة، ولا ناجعة، ولا حقيقية، دون أن تكون ردَّ فعل عن سؤال. من هنا، تنشط المحفزات، ويتحمس المتعلم للسعي إلى العمل الفكري.
وبصورة عكسية، كلُّ معرفة اكتسبناها أو سوف نكتسبها، هي في الحقيقة، جواب عن سؤال، نكون قد واجهناه أو بادرنا إلى طرحه. ولهذا، فإننا عندما نكون أمام أي نص معرفي، ترانا نحاول استسآله، علّنا نصل إلى الإحاطة بالسؤال الذي كان دافعا وسببا في الجواب. وهذا معناه الانتقال من الحلِّ إلى السؤال.
يمكننا إذن، اعتبار التساؤل مفتاح التعلم والمعرفة، وحافزا على تقدم العمل الفكري.
ب- ونستنتج مما سبق، أنه لا يجب أن نأخذ العلاقة بين السؤال والجواب، على أساس الاطراد والعكس؛ فقد يكون للسؤال جواب، وقد يبقى معلقا من غير جواب. وفي هذه الحالة الأخيرة، يجب أن نأخذ السؤال، على أنه قضية صعبة تثير التوتر، ومن ثمة، تدعو إلى التفكير ومحاولة البحث عن الإجابة. وإذا كانت هناك علاقة بين الطرفين، فإنه يجب أن تقوم على أساس فكري محض، بحيث نقرِّب السؤال الإشكالي إلى التفكير. وفي هذا السياق، يقول جون ديوي: إن التفكير لا ينشأ إلا إذا وُجدت مشكلة، وأن الحاجة إلى حل أي مشكلة، هي العامل المرشد دائما، في عملية التفكير.
II ـ وهل الإشكالية ترادفها؟ هل نتحدث عن مشكلة أم إشكالية؟
أولا: ما هي الإشكالية؟
الإشكالية (La Problématique)هي على وجه العموم، المسألة التي تثير نتائجُها الشـكوك، وتحمل على الارتياب والمخاطرة. ويرى بعض الفرنسيين أنها أيضا، جملة من المسائل التي يطرحها العالم أو الفيلسوف طرحا يكون مقبولا بالنظر إلى وسائله، وإلى موضوع انشغاله وتصوره.[8] وهي على وجه الخصوص، القضية التي يمكن فيها الإقرار بالإثبات أو بالنفي، على حد سواء أو تحتمل النفي والإثبات معا.
ثانيا: الإشكالية لا ترادف المشكلة
إذا كانت الإشكالية هي المعضلة الفلسفية التي تترامى حدودها، وتتسع أكثر وتنضوي تحتها المشكلات الجزئية، فإن المشكلة كما ترشد إلى ذلك، الممارسة الفلسفية، مجال بحثها في الفلسفة، أقل اتساعا من الإشكالية، حتى أننا نضع على رأس كل قضية فلسفية أساسية، سؤالا جوهريا يقوم مقام الإشكالية، ثم نفصّل السؤال الجوهري هذا، إلى عدد من الأسئلة الجزئية، تقوم مقام المشكلات. وإذا كان مصدر اشتقاقهما واحدا، فإن الاستعمال المريح، يفصل بينهما فصل الكل عن أجزائه.
هذا فضلا عن أن الإشكالية قضية تثير قلقا نفسيا، وتشوّشا منطقيا؛ والباحث فيها، لا يقتنع بحل أو بأطروحة أو بجملة من الأطروحات، ويبقى مجال حلها مفتوحا.
ثالثا: مشكلة أم إشكالية؟
1- إذا كانت العلاقة بينهما، هي علاقة المجموعة بعناصرها، أدركنا جيدا، متى نستعمل لفظ المشكلة، ومتى نستعمل لفظ الإشكالية. ولتوضيح هذه العلاقة، يجب أن نشير إلى أن الإشكالية ـ على صيغة إفعالية مثل إكمالية وإقطاعية وإباحية ـ هي في تركيبها اللغوي، مصدر (أشكل)، وهو إشكال، أضيفت إليه ياء المذكر ليصبح (إشكالي)، ثم أضيفت إلى هذه الصيغة الأخيرة، تاء التأنيث لتصبح إشكالية. وكلتا الصيغتين منسوبة إلى الإشكال، كمصدر أو كأصل يحتضن كل المشتقات، وكذا الأمر بالنسبة إلى إكمال وإكمالي وإكمالية.[9] وعلى هذا الأساس، تكون الإشكالية محتضِنة لمختلف المشكلات؛ وإذا حددنا موضوع الإشكالية، عرفنا المشكلات التي تتبعها، كما تتبع الأجزاءُ الكلَّ الذي يحتضنها.[10]
2- وفي شأن تحويل قضية ما أو مسألة ما، من مستوى صعوبتها المألوفة، إلى مستوى الإحراج العقلي، يقولون مَشْـكَلَ يمشكل، وأشكل يؤشكل، وهي ألفاظ تقابل في لغة الفرنسيين (Problématiser)، ويقابلون المصدرين: مشكلةً وأشكلةً بـ (La Problématisation). أما الشكلانية (Le Problématisme)، فهي نزعة سوقية، يستشكل أصحابها أتفه القضايا، ويستعظمون أبسط الأشياء، وينظرون إليها، على أنها أشياء مشكِلة. ولقد شاعت في لغـة الناس، وكثير من أهل التعليم؛ فالتمرين عندهم، إشكالية، والصعوبات المهنية إشكالية، وتأجيل الرحلة الجوية إشكالية، وهكذا... وهي أيضا، تعبير عن القلق الذي يعيشه الناس في حياتهم اليومية.[11]
هكذا إذن، وعلى هذا الأساس، نستعمل الإشكالية باعتبارها المعضلة الأساسية التي تحتاج إلى أكثر من علاج، والتي تستوجب مقاربتُها أكثر من زاوية. فهي بمثابة المصدر الذي لا تنقضي عجائبه. وفي مقابل ذلك، نستعمل المشكلة باعتبارها القضية الجزئية التي تساعد على الاقتراب من الإشكالية.
III ـ متى يثير السؤال الفلسفي الدهشة و الإحراج؟
أولا: تحديد المفاهيم
1- السؤال الفلسفي: إنه ثلاثة أنواع، سؤال فلسفي يطرح إشكالية؛ وسؤال فلسفي يطرح مشكلة؛ وسؤال فلسفي يطرح الإشكالية والمشكلة في آن واحد. الأول يستوعب مشكلتين على الأقل؛ والثاني يتضمن أطروحة واحدة أو أكثر، أو تحليلا للقضية بشتى الطرق، كما هو الشأن في هذا الدرس؛ وفي الثالث وهو أصعبهما، تذوب المشكلة في الإشكالية، نظرا إلى درجة صعوبتها، في انتظار مبادرات المفكرين ومحاولات الفلاسفة،[12] كما هو شأن السؤال التالي: هل هناك ما يدعو إلى الحديث عن الثوابت المطلقة، في عصر المتغيرات؟ وهنا نتساءل، هل هناك من لا يؤمن بالتغير، وهو يجترفنا؟ ما معنى أن نحيا، إذا كنا غير منسجمين مع زماننا ومكاننا؟
2- الدهشة
أ- للدهشة (أو الحيرة) عدة معان أهمها:
1- هي شعور المرء بِجهل وجه الصواب حيث لم يدر أين منفذه؛
2- وهي الاضطراب في السير، والتردد في الاتجاه، وهي أيضا، معاناة المتردد الذي يضل الطريق، ولم يحظ بالاهتداء إلى سبيله؛
3- وهي غشيان البصر؛
4- وهي في اللغة اللاتينية الكلاسيكية، أطونار (attonare) ومعناها، هزيم الرعد؛
5- أما الدهشة التي نعنيها هنا، فليست تلك الدهشة العادية الخاصة بمن يفاجأ بأمر غير عادي، وإنما على العكس من ذلك، هي الدهشة الفلسفية التي تتعلق بأشياء الطبيعة وما ورائها، الأشياء التي نراها ونتخيلها، يوميا. والفيلسوف هو الذي يتساءل لماذا جاءت الأشياء هكذا. وبالدهشة، يأخذ الفيلسوف في الوعي بجهله، ويسعى إلى التحرر منه، ويستيقظ فضوله، أمام عالم سحري، يشتبك فيه المرئي وغير المرئي، ويجتهد في اختراق أسراره. ونحن هنا، لا نقصد بالدهشة أيضا، ذلك الانفعال القوي الذي يذهب بسكينة الجسم والنفس ويذهب بمنطق العلاقات الاجتماعية. فهناك ما يدعو إلى التمييز بين هذا النوع من الدهشة الذهولية الذي يشل الفكر، وما كان يسميه ديكارت في كتابه محن الروح: (Les passions de l'âme) "الدهشة والإعجاب"، وهو نوع من الدهشة الفلسفية التي يتولد عنها، الفضول لا الشرود. والدهشة لا يجب أن تقف عند مجرد المفاجأة، بل يجب أن تحرك الفكر، ولا تشله في البحث عن الحقيقة. إنها تستجيب لأسمى تطلعات الفكر الذي يبحث بالطبيعة عن أن يعرف، من أجل أن يعرف.
6- إنها لحظة شخصية وأخلاقية، أعانيها بلحمي ودمي؛ بل قل، إنها ملكيتي الفردية، ملكية الأنا المتكلم. وشؤون الأنا المتكلم، ليست قضية الجميع ولا قضية المخاطب الشريك. إن مركز مشكلة الدهشة،[13] هو اسْمِي الشخصي لا غير. ولهذا، فالحديث عن التفلسف، هو حديث عن معاناتي الذاتية للتفكير الفلسفي.
ب- مصدرها
وإذا كان لا تفلسف من غير دهشة، فإنه لا دهشة من غير حافزيْن أساسيين: الوعي بالجهل، وإدراك صعوبة السؤال. فبقدر اتساع الوعي بالجهل، يكون الشعور بضرورة البحث عن أسباب المعرفة، وهذا حافز يدعو إلى التفكير والتأمل. ولقد اشتهر عن سقراط، أنه قال: "كل ما أعرف هو أنني لا أعرف شيئا".
وبقدر إدراك العقبات التي تطرحها المشكلة الفلسفية، يكون اندفاع الفضول نحو الكشف عن مصدر الانفراج والتخفيف من الجهل. يقول كارل ياسبرس، في هذا السّياق، "يدفعني الاندهاش إلى المعرفة، فَيُشعرني بجهلي".
3- تعريف الإحراج؟
هو لغةً، من حرِج يحرَج الشيءُ: ضاق؛ وأحرجه: صيّره إلى ضيق وحصْر وانغلاق؛ وعكسُه، الانشراح والاتساع لقبول أمر أو قضية. وضاق بالأمر ذرعا أي شق عليه. والحرج هو الأمر الذي لا منفذ له؛ والضيق هو ما يكون له مدخل دون مخرج. وقيل الحرج أضيق الضيق، أي أضيق من أمرٍ، فيه مطلق الصعوبة. ولا يصدق الضيق إلا على ما كان في غاية الصعوبة والشدة.
والحرج اصطلاحا، هو "كل ما يؤدي إلى مشقة زائدة في الدين أو النفس أو المال حالا أو مالا"؛ وهو أيضا، الشك لأن الشاكَّ في ضيق من أمره حتى يلوح له اليقين[14].
وفي النهاية، إن الإحراج من الحرج، وهو الضيق الذي لا مدخل له ولا مخرج. والمحرَج هو من يعاني مشقة زائدة على اللزوم، فيما يملك من نفس، وعقيدة، ومال أو يعيش حالة من الشك والارتياب، فيما يبدو له يقينيا؛ وهذه هي الحالة التي تهمنا في موضوعنا أكثر من غيرها.
ثانيا: علاقة السؤال بالدهشة وبالإحراج
تقوم علاقته بهما، على أساس شروط، قصد تحقيق وظيفته:
1- ما هي شروط السؤال الفلسفي
يمكن إجمالها في سبع نقاط، بحيث يجب أن:
أ- تتضمن قضية فكرية عالمية، وتأملية إنسانية؛
ب- تتضمن مفارقات، وتناقضات؛[15]
ج- تتعرض لموضوع يهز في طرحه، الإنسانَ في أعماقه النفسية والمنطقية والاجتماعية؛ وتدعوه إلى الانتقال من الحيرة التامة، إلى الرضا العقلي والنفسي؛ كأن نقدم أمورا، تتعارض مع أفكاره وتصوراته واعتقاداته. ومعنى هذا، أنها تشد فضوله، وتُقلقه، وتحيره، فيندفع من ثمة، إلى البحث والتأمل؛ هذا، وعندما كان يقول أفلاطون: إن خاصية الفلاسفة هي الاندهاش من كل الأشياء، كان يضع الحيرة في موقع المحرك للفلسفة. ولقد وضع هيجل من جهته، محركا ثانيا، هو تعارض الآراء: أطروحة ونقيض أطروحة وتركيب أو تجاوز. فكلما كان هناك جديد أو تناقض، كانت هناك فلسفة؛ فالجديد يردنا إلى أفلاطون، والتناقض يردنا إلى هيجل.
د- أن يكون الإحراج حقيقيا، لأنه لا اعتبار للإحراج التوهُّمي. ولهذا، فالخطوة الأولى للشروع في ممارسة التفلسف، هي الشعور بالجهل، وهو شعور لا توجد بدونه، أية رغبة في التعلم ولا في طلب الحقيقة: لقد كان سقراط يبدأ بإزالة العقبة الرئيسية للمعرفة، بإقناع متعلمه بجهله: فيخترق معه المألوف[16]، وينازعه فيه، في المجال الاجتماعي والدينـي والمنطقي والعلمي والإبستيمولوجي.
هـ تدعو إلى بناء أطروحة مؤسسة، وبناء فكري شمولي تتسق فيه المتناقضات؛[17]
و- تسمح بعرض مواقف وقضايا من دون تحديد نهايات لها، لإتاحة الفرصة للمتعلمين للبحث عن نهايات مقبولة حول المشكلة، من مصادر متعددة.
ز- تصاغ بدقة وبلغة سليمة وواضحة.
2- تحقيق وظيفته
هكذا، تتحقق الغايات التي من أجلها نصوغ السؤال، وهي إدراك ما تنطوي عليه مسألةٌ فكرية مُحيِّرة من التباسات وصعوبات، وتشخيص مصدر إعجازها، والسعي إلى إمكانية حلها أو القطع فيها، بآليات معروفة تحتاج إلى التفكير والتأمل والبحث. وليس الغرض من ذلك، الوصولَ إلى مجرد الحل فقط، وإنما وبوجه أخص، الوصول إلى التغلب على الجهل والحيرة، والانتقال من ثمة، إلى حسن تسيير الموقف، وتهذيب ما كان يبدو غير قابل للتهذيب.
3- إن الإشكاية والمشكلة تشخَّص كلتاهما، على أساس ما تخلّفه هاته أو تلك من آثار الاضطراب في الإنسان. فإذا كان هذا الاضطراب إحراجا، كانت القضية المطروحة إشكالية، وإذا كان هذا الاضطراب دهشة، كانت القضية مشكلة. وكأن الفرق بينهما هو فرق بين الإحراج و الدهشة.
IV ـ وما طبيعة هذه الإثارة؟
أولا: الإثـارة متوقفة على بنية السؤال واستعداد المتعلم
لماذا تترتب عن السؤال الفلسفي، الإثارةُ؟ إن الرد على ذلك، يستوجب التساؤل عن طبيعة العلاقة بين السؤال والإثارة. وهنا، يجب التذكير بأنه لا معنى للسؤال الفلسفي في غياب من يتوجه إليه وهو الإنسان، وفي غياب المشكلة؛ ولا تكون المشكلة قابلة لإثارة الحيرة والإحراج، دون علاقة معينة تربط الحدود والمفاهيم فيما بينها. ومعرفة طبيعة هاته العلاقة هي التي تكشف لنا سر القضية المطروحة.
إن إدراك طبيعة العلاقة بين متفارقين أو متنافرين أمر ضروري، لأنه لا يُعقل أن نبدأ التفلسف، دون الاهتمام بآليات التفكير المنطقي، وخاصة آليات التمييز بين مختلف صور المفارقات فيما بين طرفين أو أكثر، وهي مفارقات تعتبر أصلا، في إثارة الحيرة والقلق.
ثانيا: صور التقابل أو التعارض
نكتفي تحت العنوان، بعرض الصور الأربع الآتية:
1- (إدراك) التناقض
التناقض هو ثبوت أمر ونفيه، كثبوت الحركة ونفيها، وهي حالة لا يوجد بينهما أو بين مُساويهما واسطة؛ فهما لا يصدقان معا، و لا يكذبان معا، لأنهما يستنفدان كل أفراد عالَم المقال، كالحركة واللاحركة والأبيض واللاأبيض. وبتعبير آخر، المتناقضان هما معطيان متعارضان بحيث لا يكونان صحيحين معا أي إذا كان أحدُهما صحيحا، كان الآخر بالضرورة كاذبا، والعكس بالعكس.
ولكن، ماذا لو تقدم المتناقضان بحيث يصدقان معا؟ وهل في صدقهما يتساويان ويتطابقان؟ وهذا ما يجعلنا نطرح السؤال التالي: هل كل المتناقضات هي مشكلات فلسفية؟ كلا! لا يكفي أن نواجه متناقضات حتى نقول، إننا أمام مشكلة فلسفية؛ لأنه يجب فضلا عن ذلك، أن يكون حدا التناقض صحيحيْن معا، وهذا لسد احتمال إيجاد كل المبررات لاختيار هذا أو ذاك. وفي كلمة، لطرح المشكلة الحقيقية، وجب أن تظهر القضيتان المتناقضتان صحيحتين على الأقل.
وهذا يعني، أنه إذا كانت كل المشكلات الفلسفية متناقضات، فإنه ليس كل المتناقضات مشكلات فلسفية: فإن المشكلات حيث يكون أحد الحدين كاذبا، هي مجرد متناقضات، يسهل فيها الفصل ـ (لأنه إذا كان أحدهما صحيحا، فالآخر يكون بالضـرورة كاذبا) ـ ولكنها ليست بالنسبة إلينا مشكلات، إلا في حالةٍ حيث يكون فيها البحث عن الحقيقة، معاقا أو مسدودا.
مثلا: إذا سقط الثلج، انخفضت الحرارة، لكن الثلج سقط، فإذن، انخفضت الحرارة.
إما أن يسقط الثلج، فتنخفض الحرارة أو تزرق السماء، فتحلو النزهة؛
* احتمال أول: لكن الثلج يسقط، فتنخفض الحرارة؛
* احتمال ثان: لكن، تزرق السماء، فتحلو النزاهة.
2- إدراك التضاد
التضاد لغة، هو التخالف؛ ومِن صُدَف المفارقات أن الضد نفسه ينطوي على معنيـين متضادين وهو المخالف والنظير؛ والتضاد اصطلاحا، هو كل مناف وجوديا كان أو عدميا. والضدان هما المعنيان الوجوديان اللذان بينهما، غاية الخلاف، أي غاية التنافي، ولا تتوقف عقلية أحدهما، على عقلية الآخر، كالبياض والسواد. والمقصود بغاية الخلاف، أن بينهما وسطا طويلا جدا، كالصُّفرة و الحمرة و الزرقة، عـلى خلاف ما نجده بين المتناقضين. وهما لا يجتمعان، وقد يرتفعان، لعدم محلهما الذي هو الجرم، كالحركة والسكون. فالحركة ليست نقيضا للسكون، وإنما نقيضها هو لاسكون. فكلاهما مساو لنقيض الآخر: لأن نقيض السكون لا سكون، وهو مساو للحركة؛ و نقيض الحركة لاحركة، وهو مساو للسكون.[18]
3- إدراك التعاكس
العكس لغة، هو ردُّ آخِرِ الشيء على أوَّله [أو قلب الشيء في اتجاه مخالف]؛ والمعاكسة هي المخالفة؛ والتعاكس انقلاب الشيء كما في المرآة بحيث يُجعل أعلاه أسفله أو يُجعل باطنُه ظاهرَه...؛ وهو أحد وجوه المخالفة حيث تعنِي اللاموافقة واللاتفاق. والعكس في المنطق الصوري الأرسطي، هو عكس القضية في مجال التقابل، وهو الحصول على قضية أخرى، بتبديل كل من طرفي القضية الأصلية بالآخر، أي جعل الموضوع محمولا، والمحمولِ موضوعا، مع إبقاء الصدق والكيف، أي الإيجاب والسلب، كقولنا مثلا، الإنسان فان، وعكسه بعض الفاني إنسان؛[19] ويبقى مفتوحا على شتى أنواع التخالف والتنافي.
4- إدراك التنافر
التنافر هو الصورة الشاملة لكل هذه الحدود المتقابلة، وكأن التنافر هو القاسِم المشترك بين المتناقضين، وكذا بين المتضادين، وكذا بين المتعاكسين. فالتناقض تنافر، والتضاد تنافر، والتعاكس تنافر.
ثالثا: لماذا يقلقنا السؤال؟
1- يجب شرح ما يُقلق
ما هو الشيء المقلق؟ هو الارتباك في الاختيار بين إجابتين (أطروحتين) تظهران صحيتيْن على الرغم، من تنافرهما، نعتقد أوليا، أن الجواب الصحيح عنهما، هو بالضرورة واحد من اثنين.
يقع مشكل فلسفي، عندما يكون اتخاذ موقف منه، ليس من قبيل البداهة ولا من قبيل التماسك العقلي، نظرا إلى وجود عقبة حاجبة لمعقولية الشيء، موضوعِ الاهتمام؛ وإنما يقع المشكل دائما، في خط البحث عن التماسك، سواء كان ذلك، في المجال العلمي أو في مجالي الفلسفة والدين. والمشكل يستوجب تحديدَ وتبيين الصعوبة التي يلزم تجاوزها، لأنه هو هنا، غياب البداهة في إثبات العقل من جهة، وإمكانية التعبير عن رأيٍ مقابل، من جهة أخرى. والسبب في ذلك، التحليلات اللغوية، وتحديد عناصر الفكر، وتحديد العلاقة التي تعبر عنها هذه العناصر.[20] ولكن، يجب توضيح كيف يتقدم المشكل، لنرى كيف نتمكن من تجاوزه.
2- كيف يتقدم المشكل؟
العلاقات بين الحدود[21] التي يتضمنها السؤال ـ ( وأقلها عددا: اثنان) ـ متعددة ومتنوعة، لا يمكن الإحاطة بها كلُّها؛ نكتفي على سبيل المثال، بخمسة أنواع، هي: علاقة هوية، وعلاقة تلازم، وعلاقة شرط بمشروط، وعلاقة تنافر أو تلازم، وعلاقة تلازم و تنافر. نقرأ في الجدول التالي، نماذج من أسئلة فلسفية، وما يقابلها من طبيعة علاقتها، ورموزها، والتعليق عليها:
نماذج من أسئلة فلسفية و طبيعة علاقتها
رقم نص السؤال طبيعة العلاقة رمز العلاقة تعليق
I برهن على أن التفلسف ضروري[.] علاقة هوية (بين التفلسف و حتمية ممارسته) (أ) س (أ) يسائل=
(أ)× س=
(أ) ←
II هل السؤال والجواب يلازم أحدهما الآخر[؟] علاقة تلازم (أ1) س (أ2) أو
(أ2) س(أ1) جواز تبادل الموقع بين
(أ1) و(أ2)
III متى يثير السؤال الفلسفي الإحراج[؟] علاقة شرط بمشروط (أ) س (ب) (أ)←(ب)
IV هل الضدان يرتفعان أو يجتمعان[؟] علاقة تنافر
أو تلازم (أ) س(ب1)/(ب2) (أ) ←(ب1) أو (ب2)
V فنٍّد القول بأن الضدين
لا يجتمعان، ولا يرتفعان[.] علاقة تلازم
وتنافر (أ) س(ب1)
و (ب2) (أ) ←(ب1) و(ب2)
إن إدراك طبيعة العلاقة الموجودة بين عناصر السؤال، لا يساعدنا فقط، على فهم المطلوب، بل يمكِّننا أيضا وبوجه خاص، من معاناة المشكلة التي يوحي بها السؤال؛ وهذه المعاناة تترجمها حالاتٌ من الحيرة والإحراج، وتدفع بنا إلى تأمل المشكلة والبحث عن حقيقتها. وفي الجدول أمامنا، نقرأ خمسة أنواع فقط، من العلاقات التي تنظم منطق الأسئلة.
أ- ففي الموضوع الأول، "برهن على أن التفلسف ضروري[.]"[22]، إن المطلوب هو إثبات صدق القول بأن بين التفلسف وضرورة ممارسته، علاقةً حتمية تقوم على مبدأ الهوية بحيث إذا ارتفعت "الضرورة"، ارتفعت مبررات وجود التفلسف، ومعناه. وبالرموز، يمكننا التعبير عن هذه العلاقة بهذا الشكل: (أ) تسأل عن مبرر وجودها، في حتمية ضرورة ممارستها من طرف الإنسان؛ وكأن (أ) تسأل نفسها، عن هويتها ومصير وجودها، ويمكن التعبير عن هذا التساؤل، بما يلي: (أ)× س أو (أ) ←.
ب- و في الموضوع الثاني، "هل السؤال والجواب يلازم أحدهما الآخر[؟]"،[23] نلاحظ أن القضية مؤسسة على مدى صحة علاقة التلازم بين السؤال والجواب. ويوحي الموضوع، بأن التلازم، قد يتجه من السؤال إلى الجواب أي (أ1) س (أ2) أو من الجواب إلى السؤال أي (أ2) س(أ1). فقد يكون السؤال، ويكون الجواب، وقد يكون الجواب، ويكون السؤال؛ وهي حالة، تتضح فيها، علاقة التلازم التي تجمع بين الطرفين. إلا أن هذه العلاقة تختل في حالة وجود السؤال، يغيب فيها الجواب عنه، فتكون علاقة تقاطع على الرغم، من استمرار علاقة التلازم في اتجاهها، بين الجواب والسؤال.
ج- وفي الموضوع الثالث، "متى يثير السؤال الفلسفي الإحراج[؟]"، لا تخفى علاقة الشرط بالمشروط؛ فمتى، هو اسم استفهام وشرط يفيد الزمان ويفيد أيضا، ظرف امتداد الشروط وحجمها. و لا يخفى فيه، الحدان المتباينان لفظا، و معنىً. و يمكن ترجمة هذه العلاقة بما يأتي: السؤال يثير الإحراج، ولكن متى؟ وبشكل آخر، السؤال (أ) [متى] يثير (س) الإحراج (ب)؟ (أ) س (ب) = (أ)←(ب).
د- أما الموضوع الرابع، "هل الضدان يرتفعان أو يجتمعان[؟]"، فيطرح محتواه، قضيةً منطقية وفلسفية، تتناول طبيعة العلاقة بين الضدين، فهل يتنافيان؟ أو يجتمعان (أي يتلازمان)؟ والمشكلة ليست في تنافيهما، لأن هذا هو الأصل، ولكنها في اجتماعهما وتلازمهما. ولقد عبرنا عن هذا النوع من العلاقة، بهذا الشكل: هل الضدان (أ) س يرتفعان(ب1) أو [باعتبار(أو) هنا، أداة تردد] (/) يجتمعان (ب2)؟ وكذا، هل (أ) ←(ب1) أو(ب2)؟
هـ و الموضوع الخامس والأخير، "فـنِّد القول بأن الضديْن لا يجتمعان، ولا يرتفعان[.]"، يطرح محتواه، قضية منطقية وفلسفية تتناول طبيعة العلاقة بين الضدين، حيث يتجه المطلوب إلى إبطال القول، بأن الضدين لا يجتمعان معا، ولا ينتفيان معا. وحل المشكلة ليست في معاكسة علاقة اللارتفاع و اللااجتماع (أي اللاتلازم)، بقدر ما هي في دحضها، ورفعها بعد مناقشتها. ويمكن التعبير عن هذه العلاقة، في الشكل التالي: أبطل القول بأن الضدين (أ) س. لا يجتمعان (ب1) ولا ينتفيان (ب2)، و كذا، (أ) ←(ب1) و(ب2).
وفي هذه القائمة، نلاحظ صنفين من الأسئلة: الأوَّل يمثله سؤال مفتوح كما هو حال رقم (III) وهو صنف الأسئلة التي لا توحي بأي جواب لا بـ (نعم) ولا بـ(لا)، ولا بأية طريقة خاصة، إلا إذا حُوّلت إلى مشكلات مقيدة؛ وصنف الأسئلة المغلوقة، كما هو حال الأسئلة الأربعة الباقية في الجدول؛ وهي تلك التي يحتمل بعضها الجواب بـ(لا) أو بـ(نعم)، ويحتمل بعضها الآخر تجاوز إقرار الإيجاب أو النفي، وانصرافها إلى إجابة جديدة، قد تكون جمعا بينهما أو تهذيبا لتنافرهما.
هكذا إذن، يتوقف معنى السؤال الفلسفي على ثلاثة عوامل أساسية، الشخص المجيب عن السؤال، والمشكلة التي يتضمنها السؤال، وإثارة الدهشة التي تربط الشخص بالمشكلة.
V ـ وما نطاقها؟ وما نهايتها؟
أولا: نطاقها
إن المقصود بالنطاق، هو مجال الموضوعات الذي تنشغل به الفلسفة، ومستوى البحث فيه. إن السؤال الفلسفي لا تهمه كثيرا، الظواهر الجزئية والحقائق القريبة، لأن هذا من قبيل عالَم الحسيات؛ وما هو من هذا القبيل، يدخل في دائرة اهتمامات العلماء. وإنما ما يهمه، هو طرح القضايا الفكرية التي تتجاوز الحسيات نحو العقليات، حيث ينصب البحث على حقيقة الحقائق، وأصل الأصول، ومبدأ المبادئ الذي يفسر كل ما يجري في الطبيعة، وما وراء الطبيعة. ويتصل بمجال الموضوعات هاته، موقعُ مستوى الدراسة. فالمشكل الفلسفي، ليس مشكلا ذاتَ طابَع حسي وعملي كما رأينا، ليس فقط، لدى العلماء في مختلف التخصصات، بل لدى جميع الناس في حياتهم المعيشية؛ إنه يتموقع في مستوى الأفكار، ومنطقها، وأنساقها، ومستوى التصورات الكلية، والتطلعات الشمولية. إنه إذن، صعوبة عقلية على درجة عالية من التجريد، تواجه العقل، فتزعج سكينته. وهنا، يجب أن نذكر بأن الدهشة التي ينطلق منها التفلسف، أشد وأبلغ في سؤال، يتقدم كأطروحة عقلية ومجردة، منها في سؤال يتقدم كوضعية عملية مشكلة؛ لأنها تهز الإنسان في كل كيانه، بلحمه ودمه، وفي كل أعماق حياته الذهنية والاجتماعية. إن الموضوعات التي تناولها السؤال الفلسفي لدى اليونان مثلا، كانت مغرقة في التجريد، ومثيرة للاندهاش والإحراج؛ ومن ذلك، نسجل التساؤل عن أصل الوجود من أعلى الألوهية إلى أدنى موجود، وعن طبيعة الأشياء، في تركيبها وتغيرها أو ثباتها.
ثانيا: نهايتها
وإذا كان الناس يقولون لكل سؤال جواب، ولكل مشكلة حل، فهل في الفلسفة وبوجه أخص، في هذا النوع من الطروحات، يصل البحث إلى نهايته؟ أجل! إنه يصل ولا يصل؛يصل من حيث إن لكل بداية نهايةً، أي لكل منطلق فكري نهاية يصل إليها؛ ولكن النهاية هنا، ليست نهاية مطلقة، كما هو الشأن في العلم مثلا، ولا نهاية مبدئية، تستجيب لمنطق التفكير وقواعده. فقد تكون النهاية مجرد علامة لتوافُق المقدمات مع النتائج، ومجرد إجابة مقنعة عن مشكلة ما، ضمن إشكالية عامة. وقد تكون في طابعها الإقناعي، إجابة يختلف الناس في الأخذ بها، أو إجابة مفتوحة على قضايا فكرية أخرى، تشكل مباحث متواصلة، ونطاقا يحتاج إلى اهتمامات مستمرة.
خاتمة: حل المشكلة
إن الانفعال الذي يثيره السؤال الفلسفي، إحراجا كان أو دهشة، لا مرد له، أمام إشكالية واضحة في لغتها، وفي التزام طرحها بقواعد المفارقات. إنه يتحدى عقولنا، ويحرك مشاعرنا، ويحفز فضولنا نحو كشف الحقيقة، ومصارعة الجهل. وهذه المهمة اللانهائية، نضال مستمر، ما دام الإنسان كائنا عاقلا، لا تنقطع فضوليته عن السؤال.
***
وكمخرج من الإشكالية الأولى، إن السؤال الفلسفي صنفان: الأول يثير المفارقات المنطقية فيهز عقولنا ويحيرها ويدفعها إلى البحث عن الحل المناسب ليهدأ ولا يتنازع مع نفسه. والثاني يذهب خلف العقل، ليتغلغل في الإنسان، فيغوص في أعماقه وفي شؤونه الحميمية المتعلقة مثلا، بهوية الأنا ومعتقداته وما ألفه من قيم ومفاهيم. الأول مشكلة بالنسبة لأي إنسان، لأنه يتعامل مع المجردات، والثاني إشكالية (أي مشكلة المشكلات) حيث يقع الانصراف من العامِّ المشترك إلى ما هو خاص، فيقحم الإنسان بلحمه ودمه وبكل كيانه، لا أحد غيره يستطيع أن يواجهها، وكأن الإشكالية قضية تهمه هو ذاته لا غيره؛ وهذا الصنف يتعامل مع كل ما هو ملتصق بالشخص كشخص في كل امتداداته وأبعاده المتداخلة. هناك إذن، فرق بين الحيرة العقلية والمعاناة الذهنية الشاملة، بين قضية ينطلق فيها الباحث متفائلا في الخروج منها بحل مناسب ومتماسك، وقضية تشعره بالإحراج فتصاحبه وتلاحقه وتقذف به إلى تأملات فلسفية حقيقية ومستمرة.
وعليه، فإنه عندما يَطرح السؤال الفلسفي عموما، لا يكون بالضرورة، في فلك أمهات المشاكل ما دام لم يمس من كيانه إلا جزءا واحدا لا يتعدى دائرة العقل المجرد. وما يقدمه عموما، بشأن المشكلة من حلول ما هو سوى حلول تناسب منطق نزعته: حتى إذا استطاع تهدئة فضوله وإقناعه، فهو لا يقضي عليه إطلاقا. وأغرب ما في الأمر، هو أن هذه الحلول التي يصل إليها الفلاسفة للمشكلات المطروحة ضمن الإشكالية، لا توفر لهم وهي مجتمعة، سبل الخروج النهائي من الإشكالية. وليس من المبالغة القول بأن الاستشكال الفلسفي الحقيقي ليس في طرح الأسئلة المشكلة ومحاولة حلها أو على الأقل فهم حلولها بقدر ما هي في التساؤل المستمر وتأمل الأسئلة الإشكالية.
________________________________________
[1]- جدول موقع السؤال من الفعل التربوي، في آخر هذا الدرس.
[2]- إلا أن الاختلاف يكمن في تصنيفه؛ فهناك صنف الأسئلة من قبيل وضعيات مشكلة، وهي وضعيات يطغى عليها الطابع العملي التجريبي، وصنف الأسئلة الفلسفية المحضة التي هي من قبيل مواقف مشكِلة حيث يطغى عليها الطابع النظري، لأنها تُطرح في مجال مجرد. ومعنى هذا، أن هناك من الأسئلة الفلسفية أو "النوازل" الفلسفية بتعبير فقه الواقعات، ما هو ممكن الحل، وهناك ما يبقى بدون حل.
[3]- لسان العرب لابن منظور.
وإذا نحن عرفنا أن اسم الفاعل هو اسم مشتق من لفظ الفعل مثل المصدر وهو أيضا، ما دل على ما وقع منه الفعل، عرفنا مدلول بعض الكلمات التي تهمنا في هذا السياق، مثل المشكِل و الإشكال؛ فالفعل أشكل مصدره إشكال، واسم فاعله هو مشكِل للمذكر ومشكِلة للمؤنث؛ ومنه الأمر المشكِل والقضية المشكِلة أي الأمر الملتبس والقضية الملتبسة. والمشكل أو المشكلة قد يكون نعتا لمنعوت محذوف تقديرُه أمرٌ أو قضية. وقد يكون مجرد اسم يعني الملتبِس. والسؤال المشكِل هو في النهاية، السؤال الملتبِس.
[4]- يرى كانط في شأن الأحكام الإشكالية، بأنها تلك التي يكون فيها الإيجاب أو السلب ممكنا لا غير.
[5]- وأصل العـضل المنع، والشدة؛ يقال: أعضل بي الأمرُ إذا ضاقت عليّ فيه الحِيَلُ، واستغلقت علي سبلُها؛ و الداء العُضال هو المرض الذي يُعجز الأطباء، فلا دواء له [لوجود موانع]. ومن الأمثلة التي تضيق فيها الحيل، ما يتناقله بعض المناطقة في موضوع الوضعيات المعضلة: تعيش في إحدى الجزر، جماعة من الجبابرة المعروفين بالتجبر وبالذكاء الخارق؛ ولأنهم متجبرون، كانوا يحكمون بالإعدام، على كل أجنبي يقترب من شواطئهم؛ ولأنهم كانوا جد أذكياء، وضعوا حيلة، تحمل الأجنبي إلى أن يقرر هو بنفسه، حكمَه بالإعدام. فطرحوا عليه سؤالا من الأسئلة؛ فإنْ جاءت إجابته صادقة، قُتل شنقا، وإن جاءت كاذبة، قطع رأسُه. ولكن، حدث أن جازفوا بالسؤال التالي: "ما هو مصيرك؟"، فأجاب الأجنبي الحاذق:" يجب أن تقطعوا رأسي"؛ وعلى إثر هذا، استمر نقاش مجلسهم من غير نتيجة، ولا نهاية. وذلك لأنه في حالة قطع رأسه، وجب أن يكون كاذبا، ولكنَّ إجابته صادقة. وفي حالة الشنق، وجب أن يكون كاذبا، ولكنه في إجابته، يطلب القطع.
[6]- ابحث عن العلاقة بين الفلسفة و العلم، بالرجوع إلى المصادر الخاصة بهذا الموضوع.
[7]- Voir, Michel Tozzi, (professeur des universités à Montpellier) et Le questionnement philosophique des enfants.
[8]- والإشكالية عند (لالاند)، هي على وجه الخصوص، سمة حكم أو قضية قد تكون صحيحة (ربما تكون حقيقية)، لكن الذي يتحدث لا يؤكدها صراحة. (Voir, A.Lalande, vocabulaire)
[9]- وليس من المستبعد أن يكون لفظ الإشكالي أو الإشكالية، صفة لاسمٍ محذوفٍ تقديره، الأمر الإشكالي والأمور الإشكـالية، مثل ما هو شأن المدرسة الإكمالية، والسلطة الإقطاعية، والفلسفة الإباحية.
[10]- عندما يكون عدد المشكلات في نفس القضية، اثنين فما فوق، يصبح وجود الإشكالية أمرا شرعيا، لأن ذلك، تقتضيه ضرورة منهجية. وتكون هذه الإشكالية بمثابة المظلة المفتوحة التي تنضوي تحتها كل المشكلات التي تناسبها. وكذلك الأمر بالنسبة للإشكاليات، فقد تجمعها على أساس نفس المبدأ، إشكالية واحدة أوسع نسميها إشكالية الإشكاليات أو أم الإشكاليات. وهكذا... فقد يَجمع بابُ الأخلاق، مشكلاتٍ تحت غطاء إشكالية واحدة؛ وقد تجمع أم الإشكاليات عددا من الأبواب كالأخلاق، والميتافيزيقا، وفلسفة العلوم، والمنطق.
[11]- ويمكن بمنطق المماثلة، فتح قائمة للتعبير عن ظاهرة التحويل هاته، وتسجيل ما يأتي: شَوْكل يشوكل شوكلةً، كما نقول فوعل فوعلة وعوضل عوضلة وحوسب حوسبة، أو مَشكَل مَشْكَلًة ومَعضل مَعضلة؛ ويمكن القول أيضا، وبنفس المنطق، شكـلل شكللة مثل فعلل فعللة وعضلل عضللة، وشكلن شكلنة مثل فعلنة وعضلن عضلنة. ولعل هذه الصيغة الأخيرة، أنسب نظرا إلى انتشار مثيلاتها واعتناقها من طرف المجمع اللغوي العربي، كما هو الشأن مثلا، في الصياغات التالية: عقلن وعـقلنة وعقلانية (Rationaliser, Rationalisation, Rationalisme).
[12]- إن الإشكالية هنا، لا تتضمن إلا مشكلة واحدة مفتوحة نظرا إلى صعوبتها.
[13]- قيل في هذا السياق: "اغطسْ في الدهشة وفي الحيرة التي لا حدود لها، تكنْ من غير حدود، ومن ثمة تكون لانهائيا".
[14]- انظر، الكشاف للزمخشري، ج.1 ص،254، النساء، 65. ولفظ الحرجة، معناه الوادي الكثير الشجر، المشتبك الذي لا طريق فيه. وفي القرآن ما يدل على هذه المعاني؛ يقول تعالي: "ومن يُرِدْ أن يُضِلَّه يََجعلْ صدْرَه ضيِّقا حَرِجًا كأنما يَصَّعَّدُ في السَّماء " (الأنعام، 125). إن العلم يشرح الصدر ويوسعه حتى يكون أوسع من الدنيا، والجهل يورثه الضيق، والحصر، والحبس، والالتباس، والانغلاق. فكلما اتسع علم العبد، انشرح صدره واتَّسع، وليس هذا لكل علم، بل للعلم الموروث عن الرسول (ص)، وهو العلم النافع؛ فأهله أشرح الناس صدرا، وأوسعهم قلوبا.
[15]- وسنرى تحت العنوان الرابع IV، أن القضيتين المتناقضتين قد تكون كلتاهما صحيحة، وهذا من أخطر وأعمق الأسئلة الفلسفية، وهو الذي أشرنا إليه بالإشكالية.
[16]- إن طرح الإشكالية يقتضي الانطلاق مما هو مألوف أو مسلم به لدى المتعلمين؛ فقد يكون هذا المألوف عادة اجتماعية أو عقائدية أو تصورا من التصورات بحيث تشكل عملية ضبط هذا التصور أو هذا المألوف مدخلا يمهد لطرح الإشكالية. ومن هنا، فإن ضبط التصور الذي يسبق الإشكالية في الطرائق التقليدية المعروفة في تدريس الفلسفة ما هو سوى مرحلةٍ تهيئ لعرض التساؤل الإشكالي.
[17]- وهذا ما يسمى بالمنطق الديناميكي أو الجدلي للوحدة و التركيب (وهناك من يميز بين المنطق الجدلي الهيجلي من جهة، ومنطق الوحدة وهو المقصود هنا، من جهة أخرى). وفيه، يسعى العقل إلى جمع كل المتنافرات التي تأتي من الواقع، في قاعدة واحدة ودستور واحد. والغرض منه إدماج هذه المتنافرات في مستوى منطقي أعلى حيث تلتقي فيما بينها دون أن تختلط.
[18]- محمد بن يوسف السنوسي، شرح أم البراهين، ص، 107-108.
[19]- انظر "العكس" لدى أرسطو، في المشكلة (3) من الكتاب.
[20]- يجب الانتباه إلى ما تفيده بعض الأدوات والعبارات اللغوية، من مدلول وما تؤديه من دور منطقي في السياق التي ترد فيه، مثل: لأن، إذن، أو، نستنتج، بقدر، بينما، بالتالي، إنما، إلخ.
[21]- أو المفاهيم.
[22]- يتقدم السؤال في صيغة غير استفهامية، والعلامة (؟) الدالة غير موجودة.
[23]- يتقدم السؤال في صيغة استفهامية.