مذكرات مادة الفلسفة مجانا - الصفحة 2 - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات التعليم الثانوي > منتدى أساتذة التعليم الثانوي > قــسم المذكرات

قــسم المذكرات مذكرات تربوية لجميع المواد و لكل مستويات التعليم الثانوي

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

مذكرات مادة الفلسفة مجانا

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2012-10-02, 11:33   رقم المشاركة : 16
معلومات العضو
smail philo
عضو جديد
 
إحصائية العضو










افتراضي

أخي هذه ليست مذكرة يمكن أن يقدمها استاذ ولا أظنها وظيفية تماما









 


رد مع اقتباس
قديم 2012-10-03, 18:03   رقم المشاركة : 17
معلومات العضو
philo_souf
عضو فعّال
 
إحصائية العضو










Hot News1

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة smail philo مشاهدة المشاركة
أخي هذه ليست مذكرة يمكن أن يقدمها استاذ ولا أظنها وظيفية تماما
السلام عليكم
أعطينا ما في جعبتك.. ما يمكن أن يقدم .. ولمن ؟
وننتظر منك ما هو وظيفي حقا.. أدلي بدلوك..
فاقد الشيء لايعطيه.. النقد.. النقد.. لا للانتقاد فقط .....البنيوية ...البنيوية.... في التفكير
الفيلسوف السوفي









رد مع اقتباس
قديم 2012-10-05, 21:25   رقم المشاركة : 18
معلومات العضو
انانيس
عضو مميّز
 
الصورة الرمزية انانيس
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

ممكن اخي تزدني بمذكرات فلسفة للسنة التناية ادبي والسنة التالتة تسيير واقتصاد وعلوم تجريبية او حتى علمني كيفية اعداد هذه المذكرات انا استاذة جديدة في الفلسفة










رد مع اقتباس
قديم 2012-10-25, 09:27   رقم المشاركة : 19
معلومات العضو
philo_souf
عضو فعّال
 
إحصائية العضو










افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة انانيس مشاهدة المشاركة
ممكن اخي تزدني بمذكرات فلسفة للسنة التناية ادبي والسنة التالتة تسيير واقتصاد وعلوم تجريبية او حتى علمني كيفية اعداد هذه المذكرات انا استاذة جديدة في الفلسفة
مرحبا أستاذة
من معي ومن أين ؟
ان شاء الله أزودك بما أستطيع
الفيلسوف السوفي









رد مع اقتباس
قديم 2012-10-26, 15:48   رقم المشاركة : 20
معلومات العضو
philo_souf
عضو فعّال
 
إحصائية العضو










افتراضي

هل نتحدث عن مشكلة ام إشكالية ؟ ما المشكلة وما الإشكالية ، وما هي شروطهما في تحقيق غايتهما ووظائفهما ؟ و إذا كان الناس يقولون لكل سؤال جواب و لكل مشكلة حل ، فهل في الفلسفة يصل البحث الى نهاته ؟

هل لكل سؤال جواب ؟ ( أمثلة عن بعض الأسئلة )
كم عدد أيام الأسبوع ؟ هذا سؤال عام ومباشر لا يثير مشكلة في ذهن السامع ويكون جوابه بديهي
ما دور الغدة الدرقية ؟ هذا سؤال خاص بالعلوم الطبية و يفترض جوابا واحدا تؤكده الأدلة التجريبية
ما الذي يجعل المرء سعيدا ؟هذا سؤال يتعلق بشيئ معنوي(ميتافيزيقاMétaphysique ) ،يحتاج الى تأمل وتفكير ، يحتمل أجوبة كثيرة ومختلفة فهو إذن سؤال فلسفي
إذن الأمر يتوقف على طبيعة السؤال ، فان تناول السؤال قضية بديهية ، أو ظاهرة علمية كان له جواب ، أما اذا تناول مسألة فلسفية لن يكون له جواب بل أجوبة وقد تكون احتمالية يتحول فيها الجواب الى سؤال كل مرة يقول الفيلسوف الألماني كارل يسبرس K.JASPERS ( إن السؤال في الفلسفة أهم من الجواب ، و ينبغي على كل جواب أن ينقلب إلى سؤال جديد.)
و الفلسفة Philosophie مصطلح يوناني الأصل ، يتركب من لفظين هما فيلو= حب ، صوفيا= حكمة ( حب الحكمة) و الحكمة عند فلاسفة اليونان تعني المعرفة و الرغبة في التماس الحقيقة
فيثاغورس = صاحب مصطلح الفلسفة عندما قال ( لست حكيما لأن الحكمة لا تضاف لغير الآلهة و ما أنا إلا فيلسوف °) أي محب للحكمة.
*السؤال و المشكلة
يرتبط مفهوم المشكلة بمفهوم السؤال أشد ارتباط ، فوراء كل مشكلة سؤال ، مع أنه ليس بالضرورة أن يكون وراء كل سؤال مشكلة بالمعنى الفلسفي !
*ما المشكلة ؟ problème هي القضية المبهمة التي يصعب حلها ،. ومن الناحية الفلسفية نعني بالمشكلة القضية التي لا نتوصل فيها الى حل يقيني ،لذلك يرى الفيلسوف الالماني هيدغر Heidgger إن المشكلة الفلسفية سؤال لم يجد حلا مقبولا لدى الجميع ، فهي سؤال حي لا يزال يوضع ، إنها إذن مفعمة بالحياة . إن المشكلة هي ” بؤرة التوتر “ التي تؤرق الإنسان .
وتعتبر المشكلة الحجر الأساس في البناء الفلسفي فهي التي تمد الفلسفة بالحياة منذ آلاف السنين يقول كانط KANT تبدأ الفلسفة عندما ” نقول “ شيئا ما ، وتبدأ المشكلة الفلسفية عندما نؤكد ذلك يقول فتجنشتين ” إن تناول الفيلسوف لمشكلة ما ، يشبه علاج أحد الأمراض

*ما الإشكالية Problématique ؟لغة . يقال: أشكل عليه الأمر بمعنى التبس واختلط عليه. فهي عبارة عن مشكلات تحولت بحكم ترابطها الى معضلة كبيرة بحيث لا يمكن تصور حل لها الا في اطار شامل و كلي ، فاذا كانت المشكلة تعني صعوبة الحل ، فان الإشكالية تعني الاحتمال و تعذر الاختيار نظرا للجدل القائم حولها . مثلا :
هل المال يحقق السعادة ؟ رأي 1- المال يحقق السعادة لأنه يمكن الإنسان من تلبية جميع حاجياته . رأي 2- المال لا يحقق السعادة بل هو مصدر كل شر ، يولد الاستغلال و يفسد الأخلاق . رأي 3- المشكلة ليست في المال و إنما في صاحب المال ، فلا بد أن نبحث في الأخلاق قبل المال و الأخلاق تربطنا بالمجتمع و أحواله... هكذا كونت المشكلات ا إشكالية السعادة و علاقتها بالأخلاق والمجتمع
، والأحكام الإشكالية عند كانط Kant هي الأحكام التي يكون الإيجاب أو السلب فيها ممكنا لا غير ، وتصديق العقل بها يكون مبنيا على التحكم ، أي مقررا دون دليل . وهي مقابلة للأحكام الخبرية
ويذكر لالاند في موسوعته الفلسفية بأن الإشكالية problématique هي : ” سمة حكم أو قضية قد تكون صحيحة لكن الذي يتحدث لا يؤكدها صراحة . “
يعرفها الجابري بقوله الإشكالية هي، في الاصطلاح المعاصر، منظومة من العلاقات التي تنسجها، داخل فكر معين (فكر فرد أو فكر جماعة), مشاكل عديدة مترابطة لا تتوفر إمكانية حلها منفردة ولا تقبل الحل، -من الناحية النظرية- إلا في إطار حل عام يشملها جميعا
ما العلاقة بين المشكلة والإشكالية ؟ هي علاقة المجموع بعناصره او علاقة الكل بأجزائه أي علاقة تداخل وتضمن.، ولذلك لانستطيع ان نفهم الجزء الا اذا فهمنا الكل ولانفهم الكل الا من خلال فهم الجزء. ومثالنا في ذلك إشكالية المعرفة وعلاقتها بمشكلاتها الجزئية المتعلقة باصل المعرفة ووسائلها وحدودها.ولهذا السبب تزداد الإشكالية الفلسفية تعقيدا عندما تذوب المشكلة الفلسفية في الإشكالية الأم.
السؤال الفلسفي ثلاثة أنواع / سؤال يطرح مشكلة ، و سؤال يطرح إشكالية ، و سؤال يطرح مشكلة و إشكالية ، و هو الأصعب و الاكثر تعقيدا ، حيث تذوب المشكلة في الإشكالية: و كل سؤال فلسفي يولد فينا
* ا-الدهشة الفلسفية / أو الحيرة الفكرية ، و هي متولدة من كون السؤال الفلسفي يفاجئ السامع ، فيطرح قضية مألوفة في صورة غير مألوفة ، تتعارض مع معارفنا و خبرتنا و عادتنا و معتقداتنا ، و يهز ثقتنا و إيماننا ، فيتحول اليقين الى شك و ، العلم الى جهل ، و ينتابنا شعور بالاضطراب و القلق ، و ندرك جهلنا بالحقيقة مثل محاورة سقراط للسفسطائي حول النفس هل هو ساخن أمبارد ؟
لكن الذي لا يخاف على مصيره شجاع ..الخ و كلما اشتد الحيرة ازداد الفضول للكشف عن الانفراج و التخفيف من الجهل ، و الوقوف على طريق الحقيقة يقول كارل يسبرس ' يدفعني الاندهاش الى المعرفة ، فيشعرني بجهلي'
*ب- الإحراج الفلسفي / هو الشعور بالضيق و انسداد المنافذ ، فتزداد المعاناة و يبقى السؤال عالقا يطلب منا الجواب ،
***و الإحراج ناتج كذلك من كون السؤال الفلسفي يتضمن تناقضات و مفارقات رغم أن المسألة واحدة ، فيضعنا أمام رأي و رأي آخر مناقض أو معاكس له ، و أمام هذه المفارقات يسعى العقل الى ادراك العلاقة بينها ، و جمعها في سياق منطقي واحد ، مثل قول سقراط الذي جمع بين متناقضين هما العلم و الجهل ، فبلغ رسالة مفادها أن الجهل هو أساس المعرفة ، و أن الحقيقة لا تدرك بأتمها أبدا قال سقراط Socrate .( كل ما أعرفه هو أني لا أعرف شيئ)
و كان الفيلسوف الالماني هيجل Heggel يستعمل هذه الطريقة الجدلية في بناء فلسفته ، حيث يأخذ بالقضية و يقابلها بنقيضها ، ثم يركب بينهما و هكذا ...ففي مسألة الشجاعة مثلا / نجد رأي يقول أن الشجاعة هي عدم الخوف . لكن هناك من يقول من لا يخاف فهو متهور و عديم الوعي ، و عندما نركب بين الرأيين ندرك العلاقة بينهما فنقول أن الشجاعة لا تتعارض مع الخوف الذي يعبر عن صميم الوعي يقول هيجل ( الفلسفة تبحث في المتناقضات الشاملة التي يغوص فيها وجود الإنسان )
***- و ما يسبب الإحراج أيضا هو أن السؤال الفلسفي يطرح القضية في صورة فكرية عالمية و إنسانية تتجاوز ما هو فردي و خاص ، فهو يتناول المبادئ العامة للوجود لأننا عندما نتحدث عن الشجاعة أو السعادة أو الأخلاق لا نعني بها شجاعة الجندي ، و سعادة الأمير ، و أخلاق المصلحين ، و إنما نعني بها شجاعة و سعادة وأخلاق كل إنسان على وجه المعمورة ، و عليه يتوجب أن تتوفر لدينا رؤية واسعة و تأمل عميق ، و أن يتوجه خطابنا الفلسفي الى العالم حتى و ان حركتنا قضية جزئية أو خاصة .










رد مع اقتباس
قديم 2012-10-26, 15:54   رقم المشاركة : 21
معلومات العضو
philo_souf
عضو فعّال
 
إحصائية العضو










افتراضي

مــذكرة درس :الإشكالية الأولى:السؤال بين المشكلة والإشكالية
المشكلة الأولـى:الســـــــؤال والمشكلــــــــــــــة
المستــــــــوى:
الحجم الساعي:
الأهداف
الأهداف


مقدمة : طرح المشكلة
من العبارات التي ألفنا سماعها واستعمالها في حديثنا اليومي،أنه لكل سؤال جواب،وهذا الجواب قد يكون سهلا ،وقد يكون صعبا،فهل هذا الرأي صحيح دائما؟
1- ملاحظة وضعيات والتعليق عليها:
أولا:ملاحظة وضعيات:
1- ما اسم الثانوية التي تدرس فيها.
2- 1+1 كم يساوي؟
3- متى إستقلت بلادك؟
4- هل الماء جسم مركب أم بسيط؟
5- نسيان كتاب النصوص قبل دقائق،ماذا تفعل؟
6- هل الإستنساخ الباثولوجي حرام أم حلال؟،خير أم شر؟ نافع أم ضار؟
ثانيا:التعليق عليها:
إن الإجابة عن السؤال الأول سهل لأن الجواب بديهي ونفس الشيء بالنسبة إلى السؤال الثاني لأنه عبارة عن عملية حسابية رياضية بسيطة ،وكذلك بالنسبة إلى السؤال الثالث الذي يحتاج إلى التذكر وكذلك بالنسبة إلى السؤال الرابع الذي يحتاج إلى عمل مخبري وكذلك بالنسبة إلى السؤال الخامس الذي يحتاج إلى إدراك حل بسرعة،أما بالنسبة إلى السؤال الأخير فإن الإجابة لن تكون سهلة وبديهية،بل تحتاج إلى إطلاع كاف،كما أن هنا السؤال هو محل إختلاف .
ثالثا:تصنيف الأسئلة:
1-أسئلة مبتذلة:وهي أسئلة تكون الإجابة عنها سهلة لأنها من قبيل العادة والحفظ؛ (الأسئلة الثلاثة الأولى)
2-أسئلة مكتسبة :وهي عبارة عن معطيات عملية مثل:هل الماء جسم مركب أم بسيط؛ (السؤال الرابع)
3-أسئلة عملية :وهذا الصنف يقحمنا في وضعيات عملية محرجة تدعونا إلى التفكير وإعمال الفكر من أجل التوصل إلى المحرج؛( الوضعية الخامسة)
4-أسئلة انفعالية :وهدا النوع يثير فينا توتر نفسي وعقلي يقحمنا في مشكلات فلسفية وهذا النوع الأخير هو الذي يتمم الفلسفة؛(الوضعية السادسة)
وإذا نحن تجاوزنا الأصناف الثلاثة الأولى لكونها - نسبيا - أسئلة في متناول كثير من الناس،ووقفنا عند الصنف الأخير،دفعنا فضولنا إلى توسيع معرفتنا بطبيعة الإنفعال التي تثيرها الأسئلة المنضوية تحت هذا الصنف.
2- ملاحظة وضعيات والتعليق عليها:
أولا:ملاحظة وضعيات:
*الوضعية الأولى: تدور حول الاختيار بين قضاء العطلة على شاطئ البحر،وقضائها في دار الثقافة للبلدية،مع تقديم المبررات،مع إحتمال تجاوز الاختيارين فنختار البقاء في البيت أو الخروج للهواء الطلق.
*الوضعية الثانية:نقد تورتشلي فكرة صعود الماء لأن الطبيعة تخشى الفراغ(أرسطو)؛بحيث أرجعها إلى الضغط الجوي.
ثانيا:التعليق عليها:
إن الوضعية الأولى،أدى المخرج منها،إلى تجاوز الاحتمالين نحو احتمال ثالث مع تقديم المبررات المناسبة للموقف.
أما الوضعية الثانية الحاملة للتناقض،فلقد أفضى المخرج منها إلى إثبات خطأ الفكرة الشائعة و إرساء حقيقة علمية على أساس البحث و التجريب.لكن مهما كانت الوضعيتان مثيرتين لبعض الإحراج و القلق،فإن هناك ما يدعوا إلى التمييز بين السؤال العلمي و السؤال الفلسفي.
3- السؤال العلمي والسؤال الفلسفي :
أولا- السؤال العلمي : مجاله المحسوسات أو عالم الطبيعة وهو يدرس الظواهر الطبيعية من زوايا مختلفة وجزئية والأمور المستعصية تحل بالتجريب وما يقتضي من فروض وتجريب و إستعمال الرياضيات.
والعقبات العلمية تتفاوت حسب البساطة والإحراج.
والسؤال العلمي يتخذ من الظواهر الطبيعية مجالا له،لأنها تخضع للحواس.
ثانيا- السؤال الفلسفي : يدرس مواضيع ليست بديهية بل ما وراء الطبيعة،وهذه المواضيع تثير فينا دهشة و إنفعال و الأجوبة تكون عبارة عن إقتراحات مفتوحة.
4- متى لا يكون للسؤال جواب؟:
لا يكون للسؤال جواب،عندما يتحول السؤال إلى مشكلة أو إشكالية،أي عندما تكون الإجابة معلقة أو تحتمل صدق وكذب الحالتين المتناقضتين معا.وهذا يعني أن الجواب إذا وجد،فإنه يكون محل إستغراب،لأن الجمع بين المتناقضين مثلا،قضية مرفوضة في قواعد المنطق.
أولا:ملاحظة بعض المشكلات المختلفة:
* أيهما أسبق البيضة أم الدجاجة؟
* هل اللانهائي لا نهائي حقيقة؟
* هل التسامح يحتضن اللاتسامح؟
* هل الديمقراطية تتعايش مع اللاديمقراطية؟
* "أنا أسكن في مدينة(س)،وكل من يسكنها كاذب"،هل هذه القضية صادقة أم كاذبة؟
ومهما كان نوع هذه الأسئلة الفلسفية،فإن الجواب يدور في حلقة مفرغة.
ثانيا:التعليق عليها:
* في القضية الأولى:نجد أنفسنا أمام مفارقة وهي:أن البيضة هي الكائن الحي الأول في الزمان،لأنها مصدر وجود الدجاجة ولكن البيضة هي نفسها تستمد وجودها من الدجاجة وأمام هذا الوضع نقع في أمر غريب وهو أن أ أي البيضة أصدر ب أي الدجاجة و صادر عنه أي عن ب،وهذا موضوع فلسفي يبحث عن حل ومازال.
* في القضية الثانية:
ومن هنا يمكننا القول بأن لكل سؤال جواب إذا كان الجواب يسير و معروفا لا يتطلب جهدا كبيرا أما إذا كان الجواب عسيرا،فلأنه أثار فينا دهشة وإحراج وذلك نظرا للصعوبات التي نجدها للإجابة عن هذا السؤال فنبقى ندور في حلقة مفرغة ومن هنا يبغى السؤال يتطلب جواب.














المشكلة الثانية: متى يثير فينا السؤال الدهشة و الإحراج؟
1-هل لكل سؤال جواب:
* مفهوم السؤال:
أ- لغة:الطلب أو المطلب .
ب- إصطلاحا:هناك عدة معاني :
- عند علماء التربية يعني ما يتطلب جواب.
- عند علماء السياسة نعني به القضية مثل:القضية الفلسطينية.
- عند علماء الدين عند الحاجة أو الإلحاح للتفسير أي تفسير أمر طارئ.
- عند الفلاسفة السؤال هو المشكلة والإشكالية.
* تعريف المشكلة :
أ- لغة: هي الأمر الصعب أو الملتبس وفي المعاجم الفرنسية المشكلة هي مسألة تحتاج إلى حل أو هي أمر مستعصي.
وتختلف المشكلة على المعضلة و ذلك لأن المعضلة تحول دون وجود حل أو حتى محاولة الحل،مثـــــــال: أ مشتق من ب و ب مشتق من أ،أيهما المصدر؟.
ومن هنا فإننا في المعضلة ندور في حلقة مفرغة،كما أن المشكلة تختلف على المسألة والتي ترتبط أكثر بالعلم،و المسألة قابلة الحل وهذا راجع إلى مهارة المسِؤول،مثال:إذا كان لدينا خليط من الأحمر والأسود ، فما خصوصية كل واحد منهما.
كما تختلف المشكلة عن القضية التي تقبل البحث والوصول إلى نتائج بأدواتها،مثال:القضية الفلسطينية ، النجاح في الفلسفة وأنا في منطقة نائية.
ب- إصطلاحا:هي مسألة فلسفية يحدها مجال معين يحمل موضوع ويطرح طرحا فلسفيا و يفضل عدد من الباحثين أن نجمع كلمة مشكلة لتصبح مشكلات وذلك من أجل تفريقها على كلمة مشاكل والتي تتغلغل في لغة العوام والعلماء.
ومن هنا فليس كل سؤال مشكلة بالضرورة،لأن الأسئلة المبتذلة أو المكتسبة أو العملية لا تتطلب جهدا في حلها ولا تثير فينا إنفعال ولا إحراج ولا دهشة،ومن هنا فهذه الأسئلة لا ترقى إلى الأسئلة الفلسفية،ويمكن أن نقول هنا بأن السؤال الفلسفي هو السؤال الذي يثير فينا وعند القراءة الأولى دهشة و إنفعال ،والمشكلة الفلسفية قد تكون على صيغة إستفهامية،مثال:هل الإنسان حر أم مقيد؟،أو قد يكون مجرد عرض يطلب منا الحل مثل قولنا:«الحرية والحتمية» حلل وناقش؟.
ومن هنا فإن المشكلة الفلسفية هي عبارة عن سؤال يثير فينا إنفعال و الدهشة و الإحراج بحيث يتحرك الذهن نتيجة الجواب غير السهل.
وفي الأخير فإن مصير المشكلة الفلسفية يتوقف على الإنسان،لكونه كائن عاقل و فضولي وهو مدعوا إلى القيام بمحاولة رفع الغموض عن هذه المشكلة الفلسفية،وذلك من خلال عملية التفكير الواسعة،ومن هنا فإن المشكلة الفلسفية و نتيجة للتساؤل الذي تطرحه أدت بنا إلى القيام بحلها ولعل علم النفس التجريبي كان على حق حينما أكد على أن السؤال هو أساس التعلم
* تعريف الإشكالية:
هي عبارة عن مسألة تثير نتائجها الشكوك،ويرى بعض الفرنسيين أنها عبارة عن جملة من المسائل يطرحها الفيلسوف ويمكن الإقرار في هذا بالإثبات أو النفي،وإذا كانت الإشكالية عبارة عن سؤال فلسفي فهي مترامية الحدود وتنطوي تحتها عدة مشكلات جزئية،ومن هنا فإن المشكلة مجال بحثها أقل إتساع من الإشكالية بحيث أن الإشكالية عبارة عن سؤال عام جوهري وهذا السؤال يتكون من عدة أسئلة جزئية هي المشكلات.
وإذا كانت الإشكالية محتضنة لعدة مشكلات فإن معالجة المشكلات عبارة عن وسيلة ........للوصول إلى حل الإشكالية.
ومن هنا يكون السؤال الفلسفي إما مشكلة أو إشكالية أو مشكلة و إشكالية معا.
* الدهشة: هي شعور المرء بالجهل وهي أيضا المعاناة و هي أيضا غشيان البصر أي عدم رؤية الحقيقة ، وفي اللغة اللاتينية الدهشة هي:أطو نار«attonare» وتعني :هزيم الرعد.
والدهشة هنا لا نقصد بها تلك الدهشة العادية،بل الدهشة الفلسفية عن مشكلة تؤدي بالفيلسوف إلى الوعي بالجهل،وبالتالي إلى التفكير في حل المشكلة ومن هنا فإن الدهشة تحرك الفكر،تحرك الإنسان من أجل رفع الغموض.
* الإحراج:نقول حرج الشيء أي ضاق وانغلق,وعكسه الإتساع و الأمر المحرج هو الأمر الذي لا .......له الإحراج هو الضيق الذي لا مدخل ولا مخرج له،وهو بصورة خاصة ما نعاني فيه من مشقة للوصول إلى اليقين،بحيث يرتابنا الشك و الإرتياب.
ونصل إلى القول بأن الدهشة و الإحراج هي أساس السؤال الفلسفي.
*الإثارة في الفلسفة:إن الإثارة في الفلسفة تحدث نتيجة السؤال الفلسفي (المشكلة أو الإشكالية ) ودلك ناتج عن صعوبة السؤال الفلسفي،وهذا راجع إلى العلاقة الموجودة بين الحدود و المفاهيم في القضية الفلسفية،مما يحدث للإنسان دهشة و إحراج و هاته العلاقة هي التناقض.
1- التناقض:هو ثبوت الأمر ونفيه مثل: الحركة و اللاحركة،أبيض و لاأبيض و في التناقض الأمران لا يصدقان معا و لا يكذبان.
2- التضاد:نعني به التخالف أو المنافاة مثل: البياض و السواد،الحرية و الحتمية,الحركة و السكون.
3- العكس:نعني به قلب الشيء وفي المنطق الصوري أو الأرسطي هو قلب القضية مثال:
كل إنسان فان
عكسها:بعض الفانين ناس
4- التنافر:ونقص به التناقض و التضاد والعكس.
*موضوع الفلسفة(نطــــــاقها):
إن الفلسفة لا تهتم بالظواهر الجزئية بل القضايا الفكرية التي تتجاوز الفكريات وينصب البحث على حقيقة الحقائق وكل ما يجري في الطبيعة وما بعد الطبيعة،ومن هنا فإن المشكل الفلسفي ليس ذا طابع حسي بل فكري،و قد قسم الفلاسفة نطاق الفلسفة إلى ثلاثة أقسام :
1- الوجود:يدرس العالم والإنسان و الخالق.
2- القيم:الأخلاق،الفن و المنطق.
3- المعرفة:المعرفة الإنسانية.
*نهايتـــــها:
إن الناس يقولون أن لكل سؤال جواب ولكن الفلسفة حلولها تبقى مفتوحة،إما عن مشكلة أو إشكالية.
ونصل في الأخير إلى القول بأن السؤال الفلسفي يختلف عن السؤال العادي،وهو إما مشكلة أو إشكالية يثير فينا الدهشة و الإحراج،و الإجابة عنه ليست سهلة بل مجرد إقتراحات مفتوحة.










رد مع اقتباس
قديم 2012-10-26, 16:01   رقم المشاركة : 22
معلومات العضو
philo_souf
عضو فعّال
 
إحصائية العضو










افتراضي

(2) المشكلة الثانية
[المشكلة والإشكالية]
متى يثير فينا، السؤال الدهشة و الإحراج؟
***
مقدمة: طرح المشكلة
I- هل كل سؤال هو مشكلة؟
أولا: ما هو السؤال؟
ثانيا: وما هي المشكلة؟
ثالثا: وما العلاقة بينهما؟
II- وهل الإشكالية ترادفها؟ هل نتحدث عن مشكلة أم إشكالية؟
أولا: ما هي الإشكالية؟
ثانيا: الإشكالية لا ترادف المشكلة
ثالثا: مشكلة أم إشكالية؟
III- متى يثير السؤال الفلسفي الدهشة والإحراج؟ وما هي شروطه في تحقيق غاياته ووظيفته؟
أولا: تحديد المفاهيم
ثانيا: علاقة السؤال بالدهشة وبالإحراج
IV- وما طبيعة هذه الإثارة؟ طبيعة العلاقة بين متفارقين
أولا: الإثـارة متوقفة على بنية السؤال واستعداد المتعلم
ثانيا: صور التقابل أو التعارض
ثالثا: لماذا يقلقنا السؤال؟
V- وما نطاقها؟ وما نهايتها؟
أولا: نطاقها
ثانيا: نهايتها
خاتمة: حل المشكلة


مقدمة: طرح المشكلة
من جملة العوامل الأساسية التي تقوم عليها، أية عملية تربوية أو تعلُّمية، وجودُ المتعلم، وموضوع التعلم، والحافز عليه. نقول المتعلم، لأنه المعني الأول بالعملية، ولأنه مصدر الشعور والإرادة والقرار؛ ونقول الموضوع، لأنه المادة المعرفية أو السلوكية التي يحتاج إليها المتعلم في مسعاه؛ ونقول أخيرا، الحافز على التعلم، لأنه المحرك الذي يقف وراء ميول المتعلم، وإرادته، وينشط فيه القريحةَ، ويَشْحَذ فيه الفضولَ، و يفتح له باب المزيد من التعلُّمات والاكتسابات.
ولا يخفى ما لهذا العامل الأخير، من أهمية في عملية التعلم. إنه بمثابة همزة وصل بين المتعلم ومادة التعلم. فهو يثير في العامل الأول، نوعا من الرغبة المتحمسة في طلب الموضوع، ويزرع في العامل الثاني، الحركة عندما ينبجس منه في شكل سؤال، وكأنه يريد تقديم المادة كإجابة عنه، تبرر العلاقة بينهما. وهذا يعني أن غياب السؤال أي الحافز والدافع، تترتب عنه انزلاقاتٌ تربوية خطيرة: منها، نقل المادة التعلمية بشكلها الجاف إلى متعلم لا يتمتع بإرادة ولا تحركه رغبات ولا تدفعه مشاعر الحماسة؛ ويقع ذلك، عن طريق معلمٍ، لم يَعُدْ يرى من أسلوبٍ في عمله سوى التلقين والتحفيظ.[1]
وعليه، فإن السؤال، ما يزال يحتل صدر المسارات التعلمية من غير منازع؛ وعلى أساس هذا المبدأ العام، قام كثير من علماء النفس البيداغوجي، ينادون بترسيخ قيمة السؤال وتأصيلها لدى الدارسين والمدرسين. وإذا كان الأمر كذلك، فماذا نقول في شأن ممارسة التفلسف، التي لا مبرر لوجودها إطلاقا، سوى أن تنطلق من السؤال الإشكالي. إن الشروع في عملية التفلسف يتطلب منا أن ندرك السؤال، وأن نفهم طبيعة العلاقات المنطقية التي تربط الحدود فيما بينها، و التي يحتوي عليها السؤال؟
هذا، وإذا كان لا يعقَل أن نبدأ فعل التفلسف من لا شيء، فإنه يتعين علينا ـ في هذا السياق، ونحن نجتاز عتبة التمهيد للفلسفة ـ أن نطرح معنى مفهوم السؤال، ومجال امتداداته، وأن نتساءل: متى ولماذا يثير الدهشةَ والإحراج؟وبتعبير منهجي، نتساءل، عما هي علاقة السؤال بالمشكلة الفلسفية؟ وما علاقة هذه المشكلة بالإشكالية؟ وما علاقة السؤال بإثارة الدهشة و الإحراج، وما طبيعة هذه الإثارة؟ وأخيرا، ما نطاقها وما نهايتها؟
I ـ هل كل سؤال هو مشكلة؟
أولا: ما هو السؤال؟
1- هو لغة، الطلب و المطلب؛
2- وهو اصطلاحا يكتسي معان متعددة ، وذلك حسب التخصص الذي نأخذ به:
أ ـ فهو عند كثير من علماء البيداغوجيا، يعني الموضوع (Sujet ) أو المطلب؛
ب ـ وهو لدى أهل التربية والتعليم، ما يستوجب جوابا أو يفترضه؛
ج ـ وهو عند السياسيين، القضية كأن نقول: القضية أو المسألة الفلسطينية والمسألة الاستعمارية؛
د ـ وهو في معناه العام، الحاجة لدى الفقهاء المسلمين، على أساس أن السؤال هو السؤل، والمسألة هي السؤلة؛ وهو في معناه الخاص، النازلة أي الأمر الطارئ الصعب ؛ ويقصدون بهذا على وجه الدقة، القضية الصعبة أو المستجَدَّة التي تتطلب حلا شرعيا واستعجاليا، في مجال الدين والدنيا.
هـ ـ والسؤال لدى الفلاسفة، هو على حد سواء، المشكلة والإشكالية.[2]
ثانيا: و ما هي المشكلة؟
1- من الناحية اللغوية
أ - المشكلة ج. مشاكل ومشكلات ــ هي الأمر الصعب أو الملتبِس. وإذا نحن قلنا، أشكل علينا الأمرُ، يكون معناه التبس علينا، واشتبه؛ والأشكل من الأمور عند العرب، هو خليط اللونين. والشواكل من الطرق هي ما انشعب عن الطريق الأعظم[3].
ب- وللمشكلة كما نقرؤها في المعاجم الفرنسية، (Le problème)، معنيان: الأول يفيد بأنها المسألة التي تحتاج إلى حل بالطرق العلمية أو الاستدلالية؛ والثاني يضيف بأنها، كل ما يستعصي على الشرح والحل. فهي القضية المبهَمة التي تستعصي عن الإدراك، بل هي المعضلة النظرية أو العملية التي لا يتوصل فيها إلى حل يقيني، مع العلم بأن المعضلة (Le dilemme) ، تعني حالة لا نستطيع فيها تقديمَ شيء، لأنها تزُجُّ بنا في التأرجح بين موقفين بحيث يصعب ترجيحُ أحدهما على الآخر[4].
والفـرق بين المشكلة والمعضلة [والمُعَضِّلة]، والقـضية، والمسـألة: هو فرق بين الالتباس، والحيلولة، والفكرة التي تدعو إلى البحث، والصعوبة التي يمكن حلها:
* إن المشكلة تنطـوي على الالتباسات والمغلَـقات، بينما المعضـلة ـ وهي أيضا، المسألة المشكِلة ـ هي مسألة تضيق فيها الخطة، وهي كل ما يشكِّل حاجزا يضيِّـق عليّ، ويحول بيني وبين المراد الذي أقصده.[5]
* وأماالقضية ج قضايا، فهي عند المناطقة: الحكم، وهي [ ما يُحتاج فيه، إلى القطع والفصل] أو هي عند المفكرين، موضوعٌ فكري يدعو إلى البحث والتفكير.
* وأما المسألة، فهي لغة، طلب حاجة أو مطلب؛ أقول: سألتُه الشيءَ أي استعطيته؛ وسألته عن الشيء، استخبرته. وهي في مجال التعليم، والحياة العامة، تمرين أو صعوبة، يمكن حلُّها بآليات معروفة تحتاج إلى بعض المهارات.
وفي هذا الجدول، نقرأ أربعة أنواع من الأسئلة، وما يقابل كل واحد منها من خصائص ووسائل تستعمل في الحل، وأمثلة مناسبة:

تشخيص السؤال خصائصه وسائله أمثلة
1- المشكلة الالتباس محاولة فتح الملتبس والمنغلق هل يصح القول بأن لكل سؤال جوابا؟
2- المعضلة الحيلولة و الانسداد خطة مفرغة (أ) مشتقة من (ب)
و (ب) مشتقة من (أ)، أيهما المصدر؟
3- القضية قابلة للبحث تُبحث بأدواتها للنجاح في الفلسفة، لا بد من المطالعة، و لكن كيف لي ذلك، و أنا في منطقة نائية؟
4- المسألة قابلة للحل تُحل بمهارة إذا كان هذا خليطا من الأحمر والأسود، فما هي خصوصية كل واحد منها؟

2- الناحية الاصطلاحية
والمشكلة اصطلاحا، هي مسألة فلسفية يحدها مجال معين حيث يُحصَرُ الموضوع، ويُطرح الطرح الفلسفي. وهي أطروحة أو أطروحات. ويُفضِّل عدد من الباحثين في الفلسفة، أن يجمع مشكلة جمع مؤنث سالم، فيقول مشكلات، ولعله بذلك، يرقى إلى التمييز بينها، وبين كلمة "مشاكل" التي تغلغلت في لغة العوام، ولغة الاجتماعيين، والنفسانيين، وأهل السياسة، والصحافة، وغيرهم.
ثالثا: و ما العلاقة بينهما؟
1- ليست علاقتهما طردا ولا عكسا
ليس كل سؤال مشكلة بالضرورة، لأن الأسئلة المبتذلة التي لا تتطلب جهدا في حلها، والتي لا تثير فينا، إحراجا ولا دهشة، لا يمكن أن ترقى إلى أسئلة مشكِلةٍ حقيقية؛ وفي مقابل ذلك، يمكن القول بأن المشكلة جديرة بأن تكون سؤالا، عند القراءة الأولى، إذا هو أثار قضية مستعصية عن الحل، وإذا جاء في صيغة استفهامية. إلا أن هناك حالات، تثبت فيها المشكلة، ويغيب عنها الاستفهام. فقد تكون المشكلة الفلسفية مَثار دهشة أمام العقل، دون أن تقدَّم في صياغة استفهامية [؟]، كما هو الحال في عرض مجرد أطروحة فقط، نُدعَى للنظر فيها بعد "مَشكَلَتها"، كما هو شأن الأطروحتين الآتيتين: "قد يجتمع الضدان، الحرية والحتمية"؛ و"بين السلب و الإيجاب علاقة تكاملية"؛ وكما في حالة إضافة المطلوب التالي، إلى كلا الطرحين: ((حلل وناقش)).
والمشكلة ليست أيضا، سؤالا من حيث إنه مجرد موضوع ومبحث أو مطلب (sujet)، ما دام لم يترك في الذهن بعض التساؤلات، ولم يخلف وراءه استفهامات صريحةً أو ضمنية. هذا، بالإضافة إلى أنه ليست كل مشكلة مطلبا فلسفيا؛ فبإمكاني أن أواجه مشكلة تسرب المياه على مستوى سقف بيتي، لأنها مشكلة عملية. كما أنه لا يجب الخلط من جهة، بين المشكلة الفلسفية التي تسعى إلى البحث عن الحقيقة البعيدة ، والمشكلة العلمية التي تهتم بالحقيقة القريبة، من جهة أخرى.[6]
ولهذا، فإنه في حالة تقدم السؤال على شكل وضعيات مستعصية ـ بحيث تأخذ الصعوبات في الظهور وتشتد، فتصل إلى غاياتها بالنظر إلى طبيعة المجال الذي تنبثق منه، وإلى حجم وقوة الانفعال الذي تثيره ـ يعسر الجواب، فيُعلَّق بين الإثبات والنفي تارة، ويطرح في حلقة مفرغة، تارة أخرى؛ وقد يُسكت عنه، في حالة من الحيرة، والارتياب؛ وعندئذ، نقول: إن السؤال ما يزال ينتظر جوابا. وهذا النوع من الأسئلة، يُقحمنا بلحمنا ودمنا، وبكل جوارحنا وكياننا في وضعية، تُربك سكينـتنا العقلية والمنطقية والنفسية. وهذا هو الذي يتحدث عنه الفلاسفة، في تعرضهم للمواقف المشكِلة.
أ- التفكير أساس العلاقة بينهما
إن مصير السؤال الفلسفي، يتوقف على الإنسان، ككائن عاقل وفضولي، يعيش على الفطرة، ويعيش أيضا، على الاكتساب؛ وليس بالضرورة، أن يكون هذا في سِنِّ دون أخرى؛ فللأطفال حقهم في ذلك، إذ يحملون من الانشغالات، ومن التساؤلات، ما يحرجوننا به، ونقف أمامهم حائرين عاجزين.[7] لقد أكد علم النفس التربوي على أن التعلم يتأسس على التساؤل، وعلى أنه لا تعلُّمَ إلا عن طريق التساؤل الذي يحركه الفضول. وهذا يعني، أنه لا معرفة واضحة، ولا ناجعة، ولا حقيقية، دون أن تكون ردَّ فعل عن سؤال. من هنا، تنشط المحفزات، ويتحمس المتعلم للسعي إلى العمل الفكري.
وبصورة عكسية، كلُّ معرفة اكتسبناها أو سوف نكتسبها، هي في الحقيقة، جواب عن سؤال، نكون قد واجهناه أو بادرنا إلى طرحه. ولهذا، فإننا عندما نكون أمام أي نص معرفي، ترانا نحاول استسآله، علّنا نصل إلى الإحاطة بالسؤال الذي كان دافعا وسببا في الجواب. وهذا معناه الانتقال من الحلِّ إلى السؤال.
يمكننا إذن، اعتبار التساؤل مفتاح التعلم والمعرفة، وحافزا على تقدم العمل الفكري.
ب- ونستنتج مما سبق، أنه لا يجب أن نأخذ العلاقة بين السؤال والجواب، على أساس الاطراد والعكس؛ فقد يكون للسؤال جواب، وقد يبقى معلقا من غير جواب. وفي هذه الحالة الأخيرة، يجب أن نأخذ السؤال، على أنه قضية صعبة تثير التوتر، ومن ثمة، تدعو إلى التفكير ومحاولة البحث عن الإجابة. وإذا كانت هناك علاقة بين الطرفين، فإنه يجب أن تقوم على أساس فكري محض، بحيث نقرِّب السؤال الإشكالي إلى التفكير. وفي هذا السياق، يقول جون ديوي: إن التفكير لا ينشأ إلا إذا وُجدت مشكلة، وأن الحاجة إلى حل أي مشكلة، هي العامل المرشد دائما، في عملية التفكير.
II ـ وهل الإشكالية ترادفها؟ هل نتحدث عن مشكلة أم إشكالية؟
أولا: ما هي الإشكالية؟
الإشكالية (La Problématique)هي على وجه العموم، المسألة التي تثير نتائجُها الشـكوك، وتحمل على الارتياب والمخاطرة. ويرى بعض الفرنسيين أنها أيضا، جملة من المسائل التي يطرحها العالم أو الفيلسوف طرحا يكون مقبولا بالنظر إلى وسائله، وإلى موضوع انشغاله وتصوره.[8] وهي على وجه الخصوص، القضية التي يمكن فيها الإقرار بالإثبات أو بالنفي، على حد سواء أو تحتمل النفي والإثبات معا.
ثانيا: الإشكالية لا ترادف المشكلة
إذا كانت الإشكالية هي المعضلة الفلسفية التي تترامى حدودها، وتتسع أكثر وتنضوي تحتها المشكلات الجزئية، فإن المشكلة كما ترشد إلى ذلك، الممارسة الفلسفية، مجال بحثها في الفلسفة، أقل اتساعا من الإشكالية، حتى أننا نضع على رأس كل قضية فلسفية أساسية، سؤالا جوهريا يقوم مقام الإشكالية، ثم نفصّل السؤال الجوهري هذا، إلى عدد من الأسئلة الجزئية، تقوم مقام المشكلات. وإذا كان مصدر اشتقاقهما واحدا، فإن الاستعمال المريح، يفصل بينهما فصل الكل عن أجزائه.
هذا فضلا عن أن الإشكالية قضية تثير قلقا نفسيا، وتشوّشا منطقيا؛ والباحث فيها، لا يقتنع بحل أو بأطروحة أو بجملة من الأطروحات، ويبقى مجال حلها مفتوحا.
ثالثا: مشكلة أم إشكالية؟
1- إذا كانت العلاقة بينهما، هي علاقة المجموعة بعناصرها، أدركنا جيدا، متى نستعمل لفظ المشكلة، ومتى نستعمل لفظ الإشكالية. ولتوضيح هذه العلاقة، يجب أن نشير إلى أن الإشكالية ـ على صيغة إفعالية مثل إكمالية وإقطاعية وإباحية ـ هي في تركيبها اللغوي، مصدر (أشكل)، وهو إشكال، أضيفت إليه ياء المذكر ليصبح (إشكالي)، ثم أضيفت إلى هذه الصيغة الأخيرة، تاء التأنيث لتصبح إشكالية. وكلتا الصيغتين منسوبة إلى الإشكال، كمصدر أو كأصل يحتضن كل المشتقات، وكذا الأمر بالنسبة إلى إكمال وإكمالي وإكمالية.[9] وعلى هذا الأساس، تكون الإشكالية محتضِنة لمختلف المشكلات؛ وإذا حددنا موضوع الإشكالية، عرفنا المشكلات التي تتبعها، كما تتبع الأجزاءُ الكلَّ الذي يحتضنها.[10]
2- وفي شأن تحويل قضية ما أو مسألة ما، من مستوى صعوبتها المألوفة، إلى مستوى الإحراج العقلي، يقولون مَشْـكَلَ يمشكل، وأشكل يؤشكل، وهي ألفاظ تقابل في لغة الفرنسيين (Problématiser)، ويقابلون المصدرين: مشكلةً وأشكلةً بـ (La Problématisation). أما الشكلانية (Le Problématisme)، فهي نزعة سوقية، يستشكل أصحابها أتفه القضايا، ويستعظمون أبسط الأشياء، وينظرون إليها، على أنها أشياء مشكِلة. ولقد شاعت في لغـة الناس، وكثير من أهل التعليم؛ فالتمرين عندهم، إشكالية، والصعوبات المهنية إشكالية، وتأجيل الرحلة الجوية إشكالية، وهكذا... وهي أيضا، تعبير عن القلق الذي يعيشه الناس في حياتهم اليومية.[11]
هكذا إذن، وعلى هذا الأساس، نستعمل الإشكالية باعتبارها المعضلة الأساسية التي تحتاج إلى أكثر من علاج، والتي تستوجب مقاربتُها أكثر من زاوية. فهي بمثابة المصدر الذي لا تنقضي عجائبه. وفي مقابل ذلك، نستعمل المشكلة باعتبارها القضية الجزئية التي تساعد على الاقتراب من الإشكالية.
III ـ متى يثير السؤال الفلسفي الدهشة و الإحراج؟
أولا: تحديد المفاهيم
1- السؤال الفلسفي: إنه ثلاثة أنواع، سؤال فلسفي يطرح إشكالية؛ وسؤال فلسفي يطرح مشكلة؛ وسؤال فلسفي يطرح الإشكالية والمشكلة في آن واحد. الأول يستوعب مشكلتين على الأقل؛ والثاني يتضمن أطروحة واحدة أو أكثر، أو تحليلا للقضية بشتى الطرق، كما هو الشأن في هذا الدرس؛ وفي الثالث وهو أصعبهما، تذوب المشكلة في الإشكالية، نظرا إلى درجة صعوبتها، في انتظار مبادرات المفكرين ومحاولات الفلاسفة،[12] كما هو شأن السؤال التالي: هل هناك ما يدعو إلى الحديث عن الثوابت المطلقة، في عصر المتغيرات؟ وهنا نتساءل، هل هناك من لا يؤمن بالتغير، وهو يجترفنا؟ ما معنى أن نحيا، إذا كنا غير منسجمين مع زماننا ومكاننا؟
2- الدهشة
أ- للدهشة (أو الحيرة) عدة معان أهمها:
1- هي شعور المرء بِجهل وجه الصواب حيث لم يدر أين منفذه؛
2- وهي الاضطراب في السير، والتردد في الاتجاه، وهي أيضا، معاناة المتردد الذي يضل الطريق، ولم يحظ بالاهتداء إلى سبيله؛
3- وهي غشيان البصر؛
4- وهي في اللغة اللاتينية الكلاسيكية، أطونار (attonare) ومعناها، هزيم الرعد؛
5- أما الدهشة التي نعنيها هنا، فليست تلك الدهشة العادية الخاصة بمن يفاجأ بأمر غير عادي، وإنما على العكس من ذلك، هي الدهشة الفلسفية التي تتعلق بأشياء الطبيعة وما ورائها، الأشياء التي نراها ونتخيلها، يوميا. والفيلسوف هو الذي يتساءل لماذا جاءت الأشياء هكذا. وبالدهشة، يأخذ الفيلسوف في الوعي بجهله، ويسعى إلى التحرر منه، ويستيقظ فضوله، أمام عالم سحري، يشتبك فيه المرئي وغير المرئي، ويجتهد في اختراق أسراره. ونحن هنا، لا نقصد بالدهشة أيضا، ذلك الانفعال القوي الذي يذهب بسكينة الجسم والنفس ويذهب بمنطق العلاقات الاجتماعية. فهناك ما يدعو إلى التمييز بين هذا النوع من الدهشة الذهولية الذي يشل الفكر، وما كان يسميه ديكارت في كتابه محن الروح: (Les passions de l'âme) "الدهشة والإعجاب"، وهو نوع من الدهشة الفلسفية التي يتولد عنها، الفضول لا الشرود. والدهشة لا يجب أن تقف عند مجرد المفاجأة، بل يجب أن تحرك الفكر، ولا تشله في البحث عن الحقيقة. إنها تستجيب لأسمى تطلعات الفكر الذي يبحث بالطبيعة عن أن يعرف، من أجل أن يعرف.
6- إنها لحظة شخصية وأخلاقية، أعانيها بلحمي ودمي؛ بل قل، إنها ملكيتي الفردية، ملكية الأنا المتكلم. وشؤون الأنا المتكلم، ليست قضية الجميع ولا قضية المخاطب الشريك. إن مركز مشكلة الدهشة،[13] هو اسْمِي الشخصي لا غير. ولهذا، فالحديث عن التفلسف، هو حديث عن معاناتي الذاتية للتفكير الفلسفي.
ب- مصدرها
وإذا كان لا تفلسف من غير دهشة، فإنه لا دهشة من غير حافزيْن أساسيين: الوعي بالجهل، وإدراك صعوبة السؤال. فبقدر اتساع الوعي بالجهل، يكون الشعور بضرورة البحث عن أسباب المعرفة، وهذا حافز يدعو إلى التفكير والتأمل. ولقد اشتهر عن سقراط، أنه قال: "كل ما أعرف هو أنني لا أعرف شيئا".
وبقدر إدراك العقبات التي تطرحها المشكلة الفلسفية، يكون اندفاع الفضول نحو الكشف عن مصدر الانفراج والتخفيف من الجهل. يقول كارل ياسبرس، في هذا السّياق، "يدفعني الاندهاش إلى المعرفة، فَيُشعرني بجهلي".
3- تعريف الإحراج؟
هو لغةً، من حرِج يحرَج الشيءُ: ضاق؛ وأحرجه: صيّره إلى ضيق وحصْر وانغلاق؛ وعكسُه، الانشراح والاتساع لقبول أمر أو قضية. وضاق بالأمر ذرعا أي شق عليه. والحرج هو الأمر الذي لا منفذ له؛ والضيق هو ما يكون له مدخل دون مخرج. وقيل الحرج أضيق الضيق، أي أضيق من أمرٍ، فيه مطلق الصعوبة. ولا يصدق الضيق إلا على ما كان في غاية الصعوبة والشدة.
والحرج اصطلاحا، هو "كل ما يؤدي إلى مشقة زائدة في الدين أو النفس أو المال حالا أو مالا"؛ وهو أيضا، الشك لأن الشاكَّ في ضيق من أمره حتى يلوح له اليقين[14].
وفي النهاية، إن الإحراج من الحرج، وهو الضيق الذي لا مدخل له ولا مخرج. والمحرَج هو من يعاني مشقة زائدة على اللزوم، فيما يملك من نفس، وعقيدة، ومال أو يعيش حالة من الشك والارتياب، فيما يبدو له يقينيا؛ وهذه هي الحالة التي تهمنا في موضوعنا أكثر من غيرها.
ثانيا: علاقة السؤال بالدهشة وبالإحراج
تقوم علاقته بهما، على أساس شروط، قصد تحقيق وظيفته:
1- ما هي شروط السؤال الفلسفي
يمكن إجمالها في سبع نقاط، بحيث يجب أن:
أ- تتضمن قضية فكرية عالمية، وتأملية إنسانية؛
ب- تتضمن مفارقات، وتناقضات؛[15]
ج- تتعرض لموضوع يهز في طرحه، الإنسانَ في أعماقه النفسية والمنطقية والاجتماعية؛ وتدعوه إلى الانتقال من الحيرة التامة، إلى الرضا العقلي والنفسي؛ كأن نقدم أمورا، تتعارض مع أفكاره وتصوراته واعتقاداته. ومعنى هذا، أنها تشد فضوله، وتُقلقه، وتحيره، فيندفع من ثمة، إلى البحث والتأمل؛ هذا، وعندما كان يقول أفلاطون: إن خاصية الفلاسفة هي الاندهاش من كل الأشياء، كان يضع الحيرة في موقع المحرك للفلسفة. ولقد وضع هيجل من جهته، محركا ثانيا، هو تعارض الآراء: أطروحة ونقيض أطروحة وتركيب أو تجاوز. فكلما كان هناك جديد أو تناقض، كانت هناك فلسفة؛ فالجديد يردنا إلى أفلاطون، والتناقض يردنا إلى هيجل.
د- أن يكون الإحراج حقيقيا، لأنه لا اعتبار للإحراج التوهُّمي. ولهذا، فالخطوة الأولى للشروع في ممارسة التفلسف، هي الشعور بالجهل، وهو شعور لا توجد بدونه، أية رغبة في التعلم ولا في طلب الحقيقة: لقد كان سقراط يبدأ بإزالة العقبة الرئيسية للمعرفة، بإقناع متعلمه بجهله: فيخترق معه المألوف[16]، وينازعه فيه، في المجال الاجتماعي والدينـي والمنطقي والعلمي والإبستيمولوجي.
هـ تدعو إلى بناء أطروحة مؤسسة، وبناء فكري شمولي تتسق فيه المتناقضات؛[17]
و- تسمح بعرض مواقف وقضايا من دون تحديد نهايات لها، لإتاحة الفرصة للمتعلمين للبحث عن نهايات مقبولة حول المشكلة، من مصادر متعددة.
ز- تصاغ بدقة وبلغة سليمة وواضحة.
2- تحقيق وظيفته
هكذا، تتحقق الغايات التي من أجلها نصوغ السؤال، وهي إدراك ما تنطوي عليه مسألةٌ فكرية مُحيِّرة من التباسات وصعوبات، وتشخيص مصدر إعجازها، والسعي إلى إمكانية حلها أو القطع فيها، بآليات معروفة تحتاج إلى التفكير والتأمل والبحث. وليس الغرض من ذلك، الوصولَ إلى مجرد الحل فقط، وإنما وبوجه أخص، الوصول إلى التغلب على الجهل والحيرة، والانتقال من ثمة، إلى حسن تسيير الموقف، وتهذيب ما كان يبدو غير قابل للتهذيب.
3- إن الإشكاية والمشكلة تشخَّص كلتاهما، على أساس ما تخلّفه هاته أو تلك من آثار الاضطراب في الإنسان. فإذا كان هذا الاضطراب إحراجا، كانت القضية المطروحة إشكالية، وإذا كان هذا الاضطراب دهشة، كانت القضية مشكلة. وكأن الفرق بينهما هو فرق بين الإحراج و الدهشة.
IV ـ وما طبيعة هذه الإثارة؟
أولا: الإثـارة متوقفة على بنية السؤال واستعداد المتعلم
لماذا تترتب عن السؤال الفلسفي، الإثارةُ؟ إن الرد على ذلك، يستوجب التساؤل عن طبيعة العلاقة بين السؤال والإثارة. وهنا، يجب التذكير بأنه لا معنى للسؤال الفلسفي في غياب من يتوجه إليه وهو الإنسان، وفي غياب المشكلة؛ ولا تكون المشكلة قابلة لإثارة الحيرة والإحراج، دون علاقة معينة تربط الحدود والمفاهيم فيما بينها. ومعرفة طبيعة هاته العلاقة هي التي تكشف لنا سر القضية المطروحة.
إن إدراك طبيعة العلاقة بين متفارقين أو متنافرين أمر ضروري، لأنه لا يُعقل أن نبدأ التفلسف، دون الاهتمام بآليات التفكير المنطقي، وخاصة آليات التمييز بين مختلف صور المفارقات فيما بين طرفين أو أكثر، وهي مفارقات تعتبر أصلا، في إثارة الحيرة والقلق.
ثانيا: صور التقابل أو التعارض
نكتفي تحت العنوان، بعرض الصور الأربع الآتية:
1- (إدراك) التناقض
التناقض هو ثبوت أمر ونفيه، كثبوت الحركة ونفيها، وهي حالة لا يوجد بينهما أو بين مُساويهما واسطة؛ فهما لا يصدقان معا، و لا يكذبان معا، لأنهما يستنفدان كل أفراد عالَم المقال، كالحركة واللاحركة والأبيض واللاأبيض. وبتعبير آخر، المتناقضان هما معطيان متعارضان بحيث لا يكونان صحيحين معا أي إذا كان أحدُهما صحيحا، كان الآخر بالضرورة كاذبا، والعكس بالعكس.
ولكن، ماذا لو تقدم المتناقضان بحيث يصدقان معا؟ وهل في صدقهما يتساويان ويتطابقان؟ وهذا ما يجعلنا نطرح السؤال التالي: هل كل المتناقضات هي مشكلات فلسفية؟ كلا! لا يكفي أن نواجه متناقضات حتى نقول، إننا أمام مشكلة فلسفية؛ لأنه يجب فضلا عن ذلك، أن يكون حدا التناقض صحيحيْن معا، وهذا لسد احتمال إيجاد كل المبررات لاختيار هذا أو ذاك. وفي كلمة، لطرح المشكلة الحقيقية، وجب أن تظهر القضيتان المتناقضتان صحيحتين على الأقل.
وهذا يعني، أنه إذا كانت كل المشكلات الفلسفية متناقضات، فإنه ليس كل المتناقضات مشكلات فلسفية: فإن المشكلات حيث يكون أحد الحدين كاذبا، هي مجرد متناقضات، يسهل فيها الفصل ـ (لأنه إذا كان أحدهما صحيحا، فالآخر يكون بالضـرورة كاذبا) ـ ولكنها ليست بالنسبة إلينا مشكلات، إلا في حالةٍ حيث يكون فيها البحث عن الحقيقة، معاقا أو مسدودا.
مثلا: إذا سقط الثلج، انخفضت الحرارة، لكن الثلج سقط، فإذن، انخفضت الحرارة.
إما أن يسقط الثلج، فتنخفض الحرارة أو تزرق السماء، فتحلو النزهة؛
* احتمال أول: لكن الثلج يسقط، فتنخفض الحرارة؛
* احتمال ثان: لكن، تزرق السماء، فتحلو النزاهة.
2- إدراك التضاد
التضاد لغة، هو التخالف؛ ومِن صُدَف المفارقات أن الضد نفسه ينطوي على معنيـين متضادين وهو المخالف والنظير؛ والتضاد اصطلاحا، هو كل مناف وجوديا كان أو عدميا. والضدان هما المعنيان الوجوديان اللذان بينهما، غاية الخلاف، أي غاية التنافي، ولا تتوقف عقلية أحدهما، على عقلية الآخر، كالبياض والسواد. والمقصود بغاية الخلاف، أن بينهما وسطا طويلا جدا، كالصُّفرة و الحمرة و الزرقة، عـلى خلاف ما نجده بين المتناقضين. وهما لا يجتمعان، وقد يرتفعان، لعدم محلهما الذي هو الجرم، كالحركة والسكون. فالحركة ليست نقيضا للسكون، وإنما نقيضها هو لاسكون. فكلاهما مساو لنقيض الآخر: لأن نقيض السكون لا سكون، وهو مساو للحركة؛ و نقيض الحركة لاحركة، وهو مساو للسكون.[18]
3- إدراك التعاكس
العكس لغة، هو ردُّ آخِرِ الشيء على أوَّله [أو قلب الشيء في اتجاه مخالف]؛ والمعاكسة هي المخالفة؛ والتعاكس انقلاب الشيء كما في المرآة بحيث يُجعل أعلاه أسفله أو يُجعل باطنُه ظاهرَه...؛ وهو أحد وجوه المخالفة حيث تعنِي اللاموافقة واللاتفاق. والعكس في المنطق الصوري الأرسطي، هو عكس القضية في مجال التقابل، وهو الحصول على قضية أخرى، بتبديل كل من طرفي القضية الأصلية بالآخر، أي جعل الموضوع محمولا، والمحمولِ موضوعا، مع إبقاء الصدق والكيف، أي الإيجاب والسلب، كقولنا مثلا، الإنسان فان، وعكسه بعض الفاني إنسان؛[19] ويبقى مفتوحا على شتى أنواع التخالف والتنافي.
4- إدراك التنافر
التنافر هو الصورة الشاملة لكل هذه الحدود المتقابلة، وكأن التنافر هو القاسِم المشترك بين المتناقضين، وكذا بين المتضادين، وكذا بين المتعاكسين. فالتناقض تنافر، والتضاد تنافر، والتعاكس تنافر.
ثالثا: لماذا يقلقنا السؤال؟
1- يجب شرح ما يُقلق
ما هو الشيء المقلق؟ هو الارتباك في الاختيار بين إجابتين (أطروحتين) تظهران صحيتيْن على الرغم، من تنافرهما، نعتقد أوليا، أن الجواب الصحيح عنهما، هو بالضرورة واحد من اثنين.
يقع مشكل فلسفي، عندما يكون اتخاذ موقف منه، ليس من قبيل البداهة ولا من قبيل التماسك العقلي، نظرا إلى وجود عقبة حاجبة لمعقولية الشيء، موضوعِ الاهتمام؛ وإنما يقع المشكل دائما، في خط البحث عن التماسك، سواء كان ذلك، في المجال العلمي أو في مجالي الفلسفة والدين. والمشكل يستوجب تحديدَ وتبيين الصعوبة التي يلزم تجاوزها، لأنه هو هنا، غياب البداهة في إثبات العقل من جهة، وإمكانية التعبير عن رأيٍ مقابل، من جهة أخرى. والسبب في ذلك، التحليلات اللغوية، وتحديد عناصر الفكر، وتحديد العلاقة التي تعبر عنها هذه العناصر.[20] ولكن، يجب توضيح كيف يتقدم المشكل، لنرى كيف نتمكن من تجاوزه.
2- كيف يتقدم المشكل؟
العلاقات بين الحدود[21] التي يتضمنها السؤال ـ ( وأقلها عددا: اثنان) ـ متعددة ومتنوعة، لا يمكن الإحاطة بها كلُّها؛ نكتفي على سبيل المثال، بخمسة أنواع، هي: علاقة هوية، وعلاقة تلازم، وعلاقة شرط بمشروط، وعلاقة تنافر أو تلازم، وعلاقة تلازم و تنافر. نقرأ في الجدول التالي، نماذج من أسئلة فلسفية، وما يقابلها من طبيعة علاقتها، ورموزها، والتعليق عليها:
نماذج من أسئلة فلسفية و طبيعة علاقتها
رقم نص السؤال طبيعة العلاقة رمز العلاقة تعليق
I برهن على أن التفلسف ضروري[.] علاقة هوية (بين التفلسف و حتمية ممارسته) (أ) س (أ) يسائل=
(أ)× س=
(أ) ←
II هل السؤال والجواب يلازم أحدهما الآخر[؟] علاقة تلازم (أ1) س (أ2) أو
(أ2) س(أ1) جواز تبادل الموقع بين
(أ1) و(أ2)
III متى يثير السؤال الفلسفي الإحراج[؟] علاقة شرط بمشروط (أ) س (ب) (أ)←(ب)
IV هل الضدان يرتفعان أو يجتمعان[؟] علاقة تنافر
أو تلازم (أ) س(ب1)/(ب2) (أ) ←(ب1) أو (ب2)
V فنٍّد القول بأن الضدين
لا يجتمعان، ولا يرتفعان[.] علاقة تلازم
وتنافر (أ) س(ب1)
و (ب2) (أ) ←(ب1) و(ب2)
إن إدراك طبيعة العلاقة الموجودة بين عناصر السؤال، لا يساعدنا فقط، على فهم المطلوب، بل يمكِّننا أيضا وبوجه خاص، من معاناة المشكلة التي يوحي بها السؤال؛ وهذه المعاناة تترجمها حالاتٌ من الحيرة والإحراج، وتدفع بنا إلى تأمل المشكلة والبحث عن حقيقتها. وفي الجدول أمامنا، نقرأ خمسة أنواع فقط، من العلاقات التي تنظم منطق الأسئلة.
أ- ففي الموضوع الأول، "برهن على أن التفلسف ضروري[.]"[22]، إن المطلوب هو إثبات صدق القول بأن بين التفلسف وضرورة ممارسته، علاقةً حتمية تقوم على مبدأ الهوية بحيث إذا ارتفعت "الضرورة"، ارتفعت مبررات وجود التفلسف، ومعناه. وبالرموز، يمكننا التعبير عن هذه العلاقة بهذا الشكل: (أ) تسأل عن مبرر وجودها، في حتمية ضرورة ممارستها من طرف الإنسان؛ وكأن (أ) تسأل نفسها، عن هويتها ومصير وجودها، ويمكن التعبير عن هذا التساؤل، بما يلي: (أ)× س أو (أ) ←.
ب- و في الموضوع الثاني، "هل السؤال والجواب يلازم أحدهما الآخر[؟]"،[23] نلاحظ أن القضية مؤسسة على مدى صحة علاقة التلازم بين السؤال والجواب. ويوحي الموضوع، بأن التلازم، قد يتجه من السؤال إلى الجواب أي (أ1) س (أ2) أو من الجواب إلى السؤال أي (أ2) س(أ1). فقد يكون السؤال، ويكون الجواب، وقد يكون الجواب، ويكون السؤال؛ وهي حالة، تتضح فيها، علاقة التلازم التي تجمع بين الطرفين. إلا أن هذه العلاقة تختل في حالة وجود السؤال، يغيب فيها الجواب عنه، فتكون علاقة تقاطع على الرغم، من استمرار علاقة التلازم في اتجاهها، بين الجواب والسؤال.
ج- وفي الموضوع الثالث، "متى يثير السؤال الفلسفي الإحراج[؟]"، لا تخفى علاقة الشرط بالمشروط؛ فمتى، هو اسم استفهام وشرط يفيد الزمان ويفيد أيضا، ظرف امتداد الشروط وحجمها. و لا يخفى فيه، الحدان المتباينان لفظا، و معنىً. و يمكن ترجمة هذه العلاقة بما يأتي: السؤال يثير الإحراج، ولكن متى؟ وبشكل آخر، السؤال (أ) [متى] يثير (س) الإحراج (ب)؟ (أ) س (ب) = (أ)←(ب).
د- أما الموضوع الرابع، "هل الضدان يرتفعان أو يجتمعان[؟]"، فيطرح محتواه، قضيةً منطقية وفلسفية، تتناول طبيعة العلاقة بين الضدين، فهل يتنافيان؟ أو يجتمعان (أي يتلازمان)؟ والمشكلة ليست في تنافيهما، لأن هذا هو الأصل، ولكنها في اجتماعهما وتلازمهما. ولقد عبرنا عن هذا النوع من العلاقة، بهذا الشكل: هل الضدان (أ) س يرتفعان(ب1) أو [باعتبار(أو) هنا، أداة تردد] (/) يجتمعان (ب2)؟ وكذا، هل (أ) ←(ب1) أو(ب2)؟
هـ و الموضوع الخامس والأخير، "فـنِّد القول بأن الضديْن لا يجتمعان، ولا يرتفعان[.]"، يطرح محتواه، قضية منطقية وفلسفية تتناول طبيعة العلاقة بين الضدين، حيث يتجه المطلوب إلى إبطال القول، بأن الضدين لا يجتمعان معا، ولا ينتفيان معا. وحل المشكلة ليست في معاكسة علاقة اللارتفاع و اللااجتماع (أي اللاتلازم)، بقدر ما هي في دحضها، ورفعها بعد مناقشتها. ويمكن التعبير عن هذه العلاقة، في الشكل التالي: أبطل القول بأن الضدين (أ) س. لا يجتمعان (ب1) ولا ينتفيان (ب2)، و كذا، (أ) ←(ب1) و(ب2).
وفي هذه القائمة، نلاحظ صنفين من الأسئلة: الأوَّل يمثله سؤال مفتوح كما هو حال رقم (III) وهو صنف الأسئلة التي لا توحي بأي جواب لا بـ (نعم) ولا بـ(لا)، ولا بأية طريقة خاصة، إلا إذا حُوّلت إلى مشكلات مقيدة؛ وصنف الأسئلة المغلوقة، كما هو حال الأسئلة الأربعة الباقية في الجدول؛ وهي تلك التي يحتمل بعضها الجواب بـ(لا) أو بـ(نعم)، ويحتمل بعضها الآخر تجاوز إقرار الإيجاب أو النفي، وانصرافها إلى إجابة جديدة، قد تكون جمعا بينهما أو تهذيبا لتنافرهما.
هكذا إذن، يتوقف معنى السؤال الفلسفي على ثلاثة عوامل أساسية، الشخص المجيب عن السؤال، والمشكلة التي يتضمنها السؤال، وإثارة الدهشة التي تربط الشخص بالمشكلة.
V ـ وما نطاقها؟ وما نهايتها؟
أولا: نطاقها
إن المقصود بالنطاق، هو مجال الموضوعات الذي تنشغل به الفلسفة، ومستوى البحث فيه. إن السؤال الفلسفي لا تهمه كثيرا، الظواهر الجزئية والحقائق القريبة، لأن هذا من قبيل عالَم الحسيات؛ وما هو من هذا القبيل، يدخل في دائرة اهتمامات العلماء. وإنما ما يهمه، هو طرح القضايا الفكرية التي تتجاوز الحسيات نحو العقليات، حيث ينصب البحث على حقيقة الحقائق، وأصل الأصول، ومبدأ المبادئ الذي يفسر كل ما يجري في الطبيعة، وما وراء الطبيعة. ويتصل بمجال الموضوعات هاته، موقعُ مستوى الدراسة. فالمشكل الفلسفي، ليس مشكلا ذاتَ طابَع حسي وعملي كما رأينا، ليس فقط، لدى العلماء في مختلف التخصصات، بل لدى جميع الناس في حياتهم المعيشية؛ إنه يتموقع في مستوى الأفكار، ومنطقها، وأنساقها، ومستوى التصورات الكلية، والتطلعات الشمولية. إنه إذن، صعوبة عقلية على درجة عالية من التجريد، تواجه العقل، فتزعج سكينته. وهنا، يجب أن نذكر بأن الدهشة التي ينطلق منها التفلسف، أشد وأبلغ في سؤال، يتقدم كأطروحة عقلية ومجردة، منها في سؤال يتقدم كوضعية عملية مشكلة؛ لأنها تهز الإنسان في كل كيانه، بلحمه ودمه، وفي كل أعماق حياته الذهنية والاجتماعية. إن الموضوعات التي تناولها السؤال الفلسفي لدى اليونان مثلا، كانت مغرقة في التجريد، ومثيرة للاندهاش والإحراج؛ ومن ذلك، نسجل التساؤل عن أصل الوجود من أعلى الألوهية إلى أدنى موجود، وعن طبيعة الأشياء، في تركيبها وتغيرها أو ثباتها.
ثانيا: نهايتها
وإذا كان الناس يقولون لكل سؤال جواب، ولكل مشكلة حل، فهل في الفلسفة وبوجه أخص، في هذا النوع من الطروحات، يصل البحث إلى نهايته؟ أجل! إنه يصل ولا يصل؛يصل من حيث إن لكل بداية نهايةً، أي لكل منطلق فكري نهاية يصل إليها؛ ولكن النهاية هنا، ليست نهاية مطلقة، كما هو الشأن في العلم مثلا، ولا نهاية مبدئية، تستجيب لمنطق التفكير وقواعده. فقد تكون النهاية مجرد علامة لتوافُق المقدمات مع النتائج، ومجرد إجابة مقنعة عن مشكلة ما، ضمن إشكالية عامة. وقد تكون في طابعها الإقناعي، إجابة يختلف الناس في الأخذ بها، أو إجابة مفتوحة على قضايا فكرية أخرى، تشكل مباحث متواصلة، ونطاقا يحتاج إلى اهتمامات مستمرة.
خاتمة: حل المشكلة
إن الانفعال الذي يثيره السؤال الفلسفي، إحراجا كان أو دهشة، لا مرد له، أمام إشكالية واضحة في لغتها، وفي التزام طرحها بقواعد المفارقات. إنه يتحدى عقولنا، ويحرك مشاعرنا، ويحفز فضولنا نحو كشف الحقيقة، ومصارعة الجهل. وهذه المهمة اللانهائية، نضال مستمر، ما دام الإنسان كائنا عاقلا، لا تنقطع فضوليته عن السؤال.
***
وكمخرج من الإشكالية الأولى، إن السؤال الفلسفي صنفان: الأول يثير المفارقات المنطقية فيهز عقولنا ويحيرها ويدفعها إلى البحث عن الحل المناسب ليهدأ ولا يتنازع مع نفسه. والثاني يذهب خلف العقل، ليتغلغل في الإنسان، فيغوص في أعماقه وفي شؤونه الحميمية المتعلقة مثلا، بهوية الأنا ومعتقداته وما ألفه من قيم ومفاهيم. الأول مشكلة بالنسبة لأي إنسان، لأنه يتعامل مع المجردات، والثاني إشكالية (أي مشكلة المشكلات) حيث يقع الانصراف من العامِّ المشترك إلى ما هو خاص، فيقحم الإنسان بلحمه ودمه وبكل كيانه، لا أحد غيره يستطيع أن يواجهها، وكأن الإشكالية قضية تهمه هو ذاته لا غيره؛ وهذا الصنف يتعامل مع كل ما هو ملتصق بالشخص كشخص في كل امتداداته وأبعاده المتداخلة. هناك إذن، فرق بين الحيرة العقلية والمعاناة الذهنية الشاملة، بين قضية ينطلق فيها الباحث متفائلا في الخروج منها بحل مناسب ومتماسك، وقضية تشعره بالإحراج فتصاحبه وتلاحقه وتقذف به إلى تأملات فلسفية حقيقية ومستمرة.
وعليه، فإنه عندما يَطرح السؤال الفلسفي عموما، لا يكون بالضرورة، في فلك أمهات المشاكل ما دام لم يمس من كيانه إلا جزءا واحدا لا يتعدى دائرة العقل المجرد. وما يقدمه عموما، بشأن المشكلة من حلول ما هو سوى حلول تناسب منطق نزعته: حتى إذا استطاع تهدئة فضوله وإقناعه، فهو لا يقضي عليه إطلاقا. وأغرب ما في الأمر، هو أن هذه الحلول التي يصل إليها الفلاسفة للمشكلات المطروحة ضمن الإشكالية، لا توفر لهم وهي مجتمعة، سبل الخروج النهائي من الإشكالية. وليس من المبالغة القول بأن الاستشكال الفلسفي الحقيقي ليس في طرح الأسئلة المشكلة ومحاولة حلها أو على الأقل فهم حلولها بقدر ما هي في التساؤل المستمر وتأمل الأسئلة الإشكالية.


________________________________________
[1]- جدول موقع السؤال من الفعل التربوي، في آخر هذا الدرس.
[2]- إلا أن الاختلاف يكمن في تصنيفه؛ فهناك صنف الأسئلة من قبيل وضعيات مشكلة، وهي وضعيات يطغى عليها الطابع العملي التجريبي، وصنف الأسئلة الفلسفية المحضة التي هي من قبيل مواقف مشكِلة حيث يطغى عليها الطابع النظري، لأنها تُطرح في مجال مجرد. ومعنى هذا، أن هناك من الأسئلة الفلسفية أو "النوازل" الفلسفية بتعبير فقه الواقعات، ما هو ممكن الحل، وهناك ما يبقى بدون حل.
[3]- لسان العرب لابن منظور.
وإذا نحن عرفنا أن اسم الفاعل هو اسم مشتق من لفظ الفعل مثل المصدر وهو أيضا، ما دل على ما وقع منه الفعل، عرفنا مدلول بعض الكلمات التي تهمنا في هذا السياق، مثل المشكِل و الإشكال؛ فالفعل أشكل مصدره إشكال، واسم فاعله هو مشكِل للمذكر ومشكِلة للمؤنث؛ ومنه الأمر المشكِل والقضية المشكِلة أي الأمر الملتبس والقضية الملتبسة. والمشكل أو المشكلة قد يكون نعتا لمنعوت محذوف تقديرُه أمرٌ أو قضية. وقد يكون مجرد اسم يعني الملتبِس. والسؤال المشكِل هو في النهاية، السؤال الملتبِس.
[4]- يرى كانط في شأن الأحكام الإشكالية، بأنها تلك التي يكون فيها الإيجاب أو السلب ممكنا لا غير.
[5]- وأصل العـضل المنع، والشدة؛ يقال: أعضل بي الأمرُ إذا ضاقت عليّ فيه الحِيَلُ، واستغلقت علي سبلُها؛ و الداء العُضال هو المرض الذي يُعجز الأطباء، فلا دواء له [لوجود موانع]. ومن الأمثلة التي تضيق فيها الحيل، ما يتناقله بعض المناطقة في موضوع الوضعيات المعضلة: تعيش في إحدى الجزر، جماعة من الجبابرة المعروفين بالتجبر وبالذكاء الخارق؛ ولأنهم متجبرون، كانوا يحكمون بالإعدام، على كل أجنبي يقترب من شواطئهم؛ ولأنهم كانوا جد أذكياء، وضعوا حيلة، تحمل الأجنبي إلى أن يقرر هو بنفسه، حكمَه بالإعدام. فطرحوا عليه سؤالا من الأسئلة؛ فإنْ جاءت إجابته صادقة، قُتل شنقا، وإن جاءت كاذبة، قطع رأسُه. ولكن، حدث أن جازفوا بالسؤال التالي: "ما هو مصيرك؟"، فأجاب الأجنبي الحاذق:" يجب أن تقطعوا رأسي"؛ وعلى إثر هذا، استمر نقاش مجلسهم من غير نتيجة، ولا نهاية. وذلك لأنه في حالة قطع رأسه، وجب أن يكون كاذبا، ولكنَّ إجابته صادقة. وفي حالة الشنق، وجب أن يكون كاذبا، ولكنه في إجابته، يطلب القطع.
[6]- ابحث عن العلاقة بين الفلسفة و العلم، بالرجوع إلى المصادر الخاصة بهذا الموضوع.
[7]- Voir, Michel Tozzi, (professeur des universités à Montpellier) et Le questionnement philosophique des enfants.
[8]- والإشكالية عند (لالاند)، هي على وجه الخصوص، سمة حكم أو قضية قد تكون صحيحة (ربما تكون حقيقية)، لكن الذي يتحدث لا يؤكدها صراحة. (Voir, A.Lalande, vocabulaire)
[9]- وليس من المستبعد أن يكون لفظ الإشكالي أو الإشكالية، صفة لاسمٍ محذوفٍ تقديره، الأمر الإشكالي والأمور الإشكـالية، مثل ما هو شأن المدرسة الإكمالية، والسلطة الإقطاعية، والفلسفة الإباحية.
[10]- عندما يكون عدد المشكلات في نفس القضية، اثنين فما فوق، يصبح وجود الإشكالية أمرا شرعيا، لأن ذلك، تقتضيه ضرورة منهجية. وتكون هذه الإشكالية بمثابة المظلة المفتوحة التي تنضوي تحتها كل المشكلات التي تناسبها. وكذلك الأمر بالنسبة للإشكاليات، فقد تجمعها على أساس نفس المبدأ، إشكالية واحدة أوسع نسميها إشكالية الإشكاليات أو أم الإشكاليات. وهكذا... فقد يَجمع بابُ الأخلاق، مشكلاتٍ تحت غطاء إشكالية واحدة؛ وقد تجمع أم الإشكاليات عددا من الأبواب كالأخلاق، والميتافيزيقا، وفلسفة العلوم، والمنطق.
[11]- ويمكن بمنطق المماثلة، فتح قائمة للتعبير عن ظاهرة التحويل هاته، وتسجيل ما يأتي: شَوْكل يشوكل شوكلةً، كما نقول فوعل فوعلة وعوضل عوضلة وحوسب حوسبة، أو مَشكَل مَشْكَلًة ومَعضل مَعضلة؛ ويمكن القول أيضا، وبنفس المنطق، شكـلل شكللة مثل فعلل فعللة وعضلل عضللة، وشكلن شكلنة مثل فعلنة وعضلن عضلنة. ولعل هذه الصيغة الأخيرة، أنسب نظرا إلى انتشار مثيلاتها واعتناقها من طرف المجمع اللغوي العربي، كما هو الشأن مثلا، في الصياغات التالية: عقلن وعـقلنة وعقلانية (Rationaliser, Rationalisation, Rationalisme).
[12]- إن الإشكالية هنا، لا تتضمن إلا مشكلة واحدة مفتوحة نظرا إلى صعوبتها.
[13]- قيل في هذا السياق: "اغطسْ في الدهشة وفي الحيرة التي لا حدود لها، تكنْ من غير حدود، ومن ثمة تكون لانهائيا".
[14]- انظر، الكشاف للزمخشري، ج.1 ص،254، النساء، 65. ولفظ الحرجة، معناه الوادي الكثير الشجر، المشتبك الذي لا طريق فيه. وفي القرآن ما يدل على هذه المعاني؛ يقول تعالي: "ومن يُرِدْ أن يُضِلَّه يََجعلْ صدْرَه ضيِّقا حَرِجًا كأنما يَصَّعَّدُ في السَّماء " (الأنعام، 125). إن العلم يشرح الصدر ويوسعه حتى يكون أوسع من الدنيا، والجهل يورثه الضيق، والحصر، والحبس، والالتباس، والانغلاق. فكلما اتسع علم العبد، انشرح صدره واتَّسع، وليس هذا لكل علم، بل للعلم الموروث عن الرسول (ص)، وهو العلم النافع؛ فأهله أشرح الناس صدرا، وأوسعهم قلوبا.
[15]- وسنرى تحت العنوان الرابع IV، أن القضيتين المتناقضتين قد تكون كلتاهما صحيحة، وهذا من أخطر وأعمق الأسئلة الفلسفية، وهو الذي أشرنا إليه بالإشكالية.
[16]- إن طرح الإشكالية يقتضي الانطلاق مما هو مألوف أو مسلم به لدى المتعلمين؛ فقد يكون هذا المألوف عادة اجتماعية أو عقائدية أو تصورا من التصورات بحيث تشكل عملية ضبط هذا التصور أو هذا المألوف مدخلا يمهد لطرح الإشكالية. ومن هنا، فإن ضبط التصور الذي يسبق الإشكالية في الطرائق التقليدية المعروفة في تدريس الفلسفة ما هو سوى مرحلةٍ تهيئ لعرض التساؤل الإشكالي.
[17]- وهذا ما يسمى بالمنطق الديناميكي أو الجدلي للوحدة و التركيب (وهناك من يميز بين المنطق الجدلي الهيجلي من جهة، ومنطق الوحدة وهو المقصود هنا، من جهة أخرى). وفيه، يسعى العقل إلى جمع كل المتنافرات التي تأتي من الواقع، في قاعدة واحدة ودستور واحد. والغرض منه إدماج هذه المتنافرات في مستوى منطقي أعلى حيث تلتقي فيما بينها دون أن تختلط.
[18]- محمد بن يوسف السنوسي، شرح أم البراهين، ص، 107-108.
[19]- انظر "العكس" لدى أرسطو، في المشكلة (3) من الكتاب.
[20]- يجب الانتباه إلى ما تفيده بعض الأدوات والعبارات اللغوية، من مدلول وما تؤديه من دور منطقي في السياق التي ترد فيه، مثل: لأن، إذن، أو، نستنتج، بقدر، بينما، بالتالي، إنما، إلخ.
[21]- أو المفاهيم.
[22]- يتقدم السؤال في صيغة غير استفهامية، والعلامة (؟) الدالة غير موجودة.
[23]- يتقدم السؤال في صيغة استفهامية.










رد مع اقتباس
قديم 2012-10-26, 16:03   رقم المشاركة : 23
معلومات العضو
philo_souf
عضو فعّال
 
إحصائية العضو










افتراضي

الإشكالية الثانية

كيف يمكن للفكر (الثابت) أن ينطبق مع نفسه، وكيف يمكنه أن ينطبق مع الواقع (المتغير)؟

3- المشكلة الأولى
متى ينطبق الفكر مع نفسه؟ وهل حصول هذا الانطباق كاف لضمان وفاق جميع العقول؟ وهل يكفي أن نعرف قواعد المنطق الصوري، حتى نكون في مأمن من الأخطاء؟
4- المشكلة الثانية
كيف ينطبق الفكر مع الواقع؟ وكيف يصل إلى هذا الانطباق، إذا عرفنا أنه قبل الخوض في دراسة الطبيعة، يأخذ بأحكام مسبقة غير مؤكدة علميا؟ كيف يستطيع بهذا الأسلوب المنطقي، أن يضمن لنا الوصول إلى الحقيقة؟ وهل الانطباق مع الواقع في هذه الحالة، يمنع الفكر من أن ينطبق مع نفسه أيضا؟




(3) المشكلة الأولى
[انطباق الفكر مع نفسه]
متى ينطبق الفكر مع نفسه؟ وهل حصولُ هذا الانطباق كافٍ لضمان وفاق جميع العقول؟ وهل يكفي أن نعرف قواعد المنطق الصوري، حتى نكون في مأمن من الأخطاء؟
***

مقدمة: طرح المشكلة
I- إلى أي حدٍّ يمكن الحذرُ من انزلاقات ما نعتقد أنه تفكير منطقي
أولا: عرض وضعية مشكلة
ثانيا: تحليلها: ملخص نتائجها وذكر مؤاخذات
II- متى ينطبق الفكر مع نفسه
أولا: معرفة وحدات الفكر المنطقي وقواعدِه
ثانيا: توافق النتائج مع المقدمات
III- وهل حصول هذا الانطباق كاف لضمان وفاق جميع العقول
أولا: قد يحصل الانطباق ولا تتفق العقول
ثانيا: من إمكان الإفحام إلى ضرورة الإقناع أو من الألفاظ إلى الإشارات ومن السكون إلى الحركة
IV- وهل يكفي أن نعرف قواعد الفكر المنطقي حتى نكون في مأمن من الأخطاء؟
أولا: تأثير الحتمية النفسية والاجتماعية على الحكم المنطقي
ثانيا: تأثير الفكر الفلسفي على الحكم المنطقي
خاتمة: حل المشكلة




مقدمة: طرح المشكلة
من الصفات التي يتميز بها العقلُ السليم، تماسُكُه الفكري واحترازه من الوقوع في التنازع مع ذاته، فضلا عن أنه قاسِم مشترك لدى جميع الناس. فهو مَلَكة ذهنية لا تتحرك حسب الأهواء والمصادفات، لأن لها نظاما دقيقا يحكمها. ولكن، هل معنى هذا، أن معرفة هذا النظام تقي عقولنا من الانزلاقات والأخطاء، وتضمن لها وفاقَ جميع العقول البشرية؟ هل هذا النظام الذي يحكمها، ثابت وعالمي أم أنه يتغير بتغيُّر مجالات التفكير؟
أمام هذه المعضلة، يتعيَّن علينا التعاملُ مع وضعية مشكلة، الغرضُ منها اكتشاف: إلى أي حدٍّ يمكن الحذر من انزلاقات ما نعتقد أنه تفكير منطقي، والرد على الاستفهامات التالية: متى ينطبق الفكر مع نفسه؟ وهل حصول هذا الانطباق كاف لضمان وفاق جميع العقول؟ وهل يكفي أن نعرف قواعد الفكر المنطقي حتى نكون في مأمن من الأخطاء؟
I- إلى أي حدٍّ يمكن الحذر من انزلاقات ما نعتقد أنه تفكير منطقي
أولا: عرض وضعية مشكلة
يحكي محمد المَغِيلي[1] حكايةً في مناظرة أهل السنة للمعتزلة دعا إليها بعض الملوك؛ فلما اجتمع الناس، جاء رئيس أهل السنة (س)، وأخذ نَعْلَه بيده، وجاز على الناس حتى انتهى لمكان المناظرة.
»فقال رئيس المعتزلة (م): انظروا إلى جهل هذا الرجل الذي يزعم أنه على الحق، كيف يمُرُّ بنعله في هذا المكان العظيم؟
ـ (س): خِفتُ على نعلي من المعتزلة. فإنه بلغني أنهم كانوا يسرقون النعال في عهد رسول الله (ص)؛
ـ (م): لم تكن المعتزلة في عصر رسول الله (ص)؛
ـ (س): صدقتَ، بل في عصر أبي بكر؛
ـ (م): انظروا كذبه، لم تكن المعتزلة في زمن أبي بكر؛
ـ (س): بل في زمن عمر؛
ـ (م): ولا في زمن عمر؛
ـ (س): لعل في زمن عثمانَ أو في زمن عليٍّ؛
ـ (م): ما أكذبَك ! لم تكن المعتزلة في زمن عثمان ولا في زمن عليٍّ؛
ـ (س): (متوجها لمن حضر): سمعتَ كيف أقرُّوا على أنفسهم بالضلال! مذهبٌ لم يكن في عهد رسول الله (ص)، ولا في عهد أصحابه؛ من أين جاؤوا به؟ إنما هو بِدْعَةٌ، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار«.[2]
والسؤال الذي يفرض نفسه هو هل الاستنتاج مؤسس، وهل المعتزلة مبتدعة؟
ثانيا: تحليل: ملخص نتائجها وذكر مؤاخذات
1- ملخصها نتائجها
نكتفي في تحليل هذه الوضعية المشكلة بتلخيص نتائجها: إن رئيس أهل السنة، يستدرج رئيس المعتزلة إلى الإقرار بأن مذهبه الاعتزالي لم يكن موجودا في عهد النبي (ص)، والاعترافِ بأنه أمر مستحدث؛ واستنادا إلى الحديث الشريف: [إنَّ] "كلَّ بدعة ضلالة، وكلَّ ضلالة في النار"،[3] يُبيح لنفسه إصدارَ الحكم على المعتزلة بأنهم مبتدعة ضالُّون يستحقّون النار.
2- انزلاقاتها
إن هذه النتائج مهما بدت للوهلة الأولى صحيحةً، فلنا عليها مؤاخذات تتعلق بالتغاضي عن الغاية الشرعية وعن قضايا المنطق.[4] وقبل عرض هذه المؤاخذات، تجدر الإشارة إلى أن المناظرة ينعدم فيها موضوعُ النقاش، وتنحط فيه أخلاقيات الجدال؛ وكأن النقاش كان يدور حول المرور في المجلس، وحول سرقة النِّعال. فهل هذه هي منزلة أهل السنة والمعتزلة؟
أ- التغاضي عن الغاية الشرعية
لقد اكتفى السُّنـِّيُّ بما جاء في رواية النَّسائي، وغَضَّ النظر عن الأصل في الحديث الذي كان يفتتح به النبي (ص) خطبه وخاصة منها خطبةَ الجمعة هو قوله (ص): "إن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد، وشرَّ الأمور محدثاتها، وكلَّ بدعة ضلالة".[5] انتهى. وعندما يغيب السياق، يخلو الجوُّ للأهواء و"التمَذْهُب". وفي سياق أصل المحدثات، يروي البيهقي بإسناده في "مناقب الشافعي" عن الشافعي قال: المحدثات من الأمور ضربان: أحدهما: ما أُحدث مما يخالف كتابًا أو سنةً أو أثرًا أو إجماعًا، فهذه البدعة الضلالة؛ والثاني: ما أُحدث من الخير لا خلافَ فيه لواحدٍ من هذا، وهذه محدثةٌ غير مذمومة. وجاء في كتاب (بيانٌ للناس) لشيخ الأزهر عليٍّ جاد الحق: ليس كل جديد بدعةً مذمومةً، فقد قال عمر عندما رأى اجتماع الناس على إمام واحد في صلاة التراويح: "نعُمت البدعةُ هذه"؛ ولم يُنكر عليه أحد. وقسم العلماء البدعة إلى بدعة دينية وأخرى دنيوية . فالبدعة في الدين هي: إحداث عبادة لم يشرّعها الله سبحانه وتعالى وهي التي تراد في الحديث الذي ذكِر وما في معناه من الأحاديث. وأما الدنيوية: فما غلب فيها جانب المصلحة على جانب المفسدة، فهي جائزة. فليست المحدثات في حد ذاتها ضلالا، وإنما القصدُ منها. فالعبرة بالجوهر، وعلى الله قصدُ السبيل، والأعمال بالنيات.
ب- التغاضي عن قضايا المنطق
* إبهام بعض الحدود الأساسية مثل "رئيس" و"أهل السنة" و"المعتزلة" و"البدعة" و"الضلالة".
"رئيس أهل السنة" هذا حَدٌّ مركب من (رئيس) و(أهل) و(سنة)، وهي كلها تحتاج إلى ضبط. فمن هو هذا الرئيس؟ وما دام رئيسا، فلا بد من أن يكون اسمه مشهورا، ما هو؟ وهل لأهل السنة رئيس؟ وإذا كان لفظا (أهل) و(السنة) معروفين لغة واصطلاحا، ومعناهما أصحاب الطريقة، فإن الحد المركب منهما، ليس بديهيا، خصوصا وأن بعض العلماء يشفعونه بالجماعة أحيانا، وبالجمهور أحيانا أخرى.[6] ومن الاختلافات في هذا الشأن:
أن أهل السنة في المعاجم اللغوية، هم الذين أفتوا بصحة إمامة أبي بكر بعد وفاة النبي (ص) على خلاف أهل الشيعة الذين يقولون إن الخلافة لعليٍّ وذويه؛ وأبطلوها عن سواه. والإسلام السني لدى بعض الباحثين مذاهبُ، انقسم على نحوٍ أشد خطورة بواسطة الفرق التي ظهرت منذ وقت مُبكِّر في هذا الدين. وأهم هذه الفرق أو الانقسامات التي وردت إلى المغرب: الخوارج والشيعة. وهوكلام فيه بعض المبالغة.[7]
وللمعتزلة عدد ليس بالقليل من التعاريف يذكر بعضَها أحمد أمين؛ يقول: سميت بالمعتزلة فرقةٌ خاصة قبل مدرسة الحسن البصري[8] بنحو مائة عام، وأن إطلاقها على مدرسة واصل بن عطاء وعمرو بن عبيد كان إحياءً للاسم القديم لا ابتكارا. وأُطلق اسم الاعتزال على الذين لم ينغمسوا في حرب الجَمَل، ولم يشتركوا في وقعة صِفِّين. واعتزال واصل لمجلس الحسن البصري كان أوَّلَ ما كان، حول مرتكب الكبيرة: أكافرٌ أم مؤمن؟ وهذه المسألة وإن كانت في ظاهرها مسألة دينية بحتة، إلا أن في أعماقها شيئا سياسيا خطيرا.[9]
و"البدعة" لعةً هي ما أُحدث على غير مثال سابق؛ وهي في الدين، عقيدة أُحدثت تخالف الإيمان أو إحداثُ عبادة لم يشرِّعْها الله سبحانه وتعالى؛ واختُلف في الحكم عليها وتصنيفها؛ فبعضهم يرى بأنه ليس هناك بدعة حسنة، وبعضهم الآخر قسَّم البدعة إلى خمسة أقسام: الواجبة، والمندوبة، والمحرمة، والمكروهة، والمباحة. وهذا يؤكد بأن وراء هذين الموقفين مَنطقيْن: منطقا ثنائي القيمة (بدعة) و(لا بدعة)، ومنطقا متعدد القيم (الواجب والمباح والمراتب الثلاثة بينهما).
و"الضلالة" تتأرجح بين الجَوْر والخروج عن القصد وفَقد الاهتداء[10]؛ وبين الميل عن الحق أو عن الدين، والباطل والهلاك.
هذا فضلا عن أن (أهل السنة) تصوُّر عام، يشمل جميع التابعين للسنة في الماضي وفي الحاضر وفي المستقبل، لا يقابله شيء محسوس. وهذا التصور له لدى المناطقة مفهومٌ وماصدقٌ. فالمفهوم هو مجموع الصفات والخصائص التي تشترك فيها كائنات عديدة؛ والمفروض أن تكون هنا، هذه الخصائص واضحةً ودقيقة لأن عليها يتوقف صدقُ الحكم؛ والماصَدَقُ هو مجموع الأفراد الذين يؤلفون الفرقة والذين يصدق عليهم حدُّ أهل السنة. ويبدو أنه بقدر ما جاء المفهوم محدودا، يبقى ماصدقُه شاملا ومجردا.
والحد صيغة لفظية تعبر عن المعنى المتصوَّر. وهو يختلف عن الكلمة. فقد يكون الحد مؤلفا من أكثر من كلمة واحدة مثل (أهل السنة) و (مذهب مالك) و(بعض الفلاسفة). ومفهوم تصور "أهل السنة" هو تعريفه. أي تحديدُ ماصدقِه وتحليلُ مفهومه. ولا يكون هذا التعريف صحيحا إلا إذا كان جامعا لأفراد النوع، مانعا لغيرهم من الدخول فيه. ويتمُّ التعريف (بالجنس القريب) أي الذي يأتي ماصدقُه مباشرة فوق ماصدق الحد المعرف و(بالفصل النوعي) أي بالخاصية التي تميز النوع المعرف. فإذا عرَّفنا أهل السنة بأنها جماعة تنتسب إلى السنة النبوية، عرَّفناها عن طريق الجنس القريب وهو الجماعة، وعن طريق الفصل النوعي وهو السنة النبوية. نلاحظ أن لفكرة الجماعة أوسعَ الماصادقات لصدقها على كل الجماعات، وأضيقَ المفاهيم لأنها منحصرة في صفة واحدة، هي صفة الانتساب إلى السنة. وفي مقابل ذلك، فإن السني لا يمكن تعريفه لاختصاصه بصفاته التي تميزه والتي لا يشاركه فيها غيره، فليس له ماصدق. أما مفهومه فأوسع مما يمكن حصره. ولا يتَّضح حد أهل السنة إلا بتعريفه؛ والتعريف قول شارحٌ، يتضمن في شرحه ما يصلح أن يكون محمولا للموضوع، أي محمولا يعبر عن ماهية الموضوع، وذلك بمراعاة قواعدَ منها، الماهية والجنس القريب والفصل النوعي.
* هشاشة أسلوب المناظرة
وقع الانطلاق من النتيجة بحثا عن المقدمات التي تناسبها. وصورتها "المنطقية المعكوسة" هي: أن مذهب المعتزلة في النار بحكم أن كل ضلالة في النار، وبعض الضلالة بدعة، وبحكم أن ابتداعه ناتج من كونه لم يكن موجودا في عهد الرسول. وكأن أهل السنة أرادوا التعبير عن هذا الحكم كما ورد في المناظرة، بالاستدلال التالي: مذهب المعتزلة لم يكن في عهد الرسول، وما لم يكن في عهده (ص)، فهو ضلال، إذن، مذهب المعتزلة ضلال.
ويُخشى في هذا السياق، الوصول إلى هذين الاستنتاجين:
الاستنتاج الأول: ليس المبتدع سُنِّيا، ومن ليس سنيا فهو معتزليٌّ، (المقدمة الثانية غير مقبولة نظرا إلى أن مَن ليس سنيا، ليس بالضرورة معتزليا؛ فقد يكون من المرجئة أو الشيعة...)، المعتزلي إذن، مبتدع. ونتيجةُ هذا الاستدلال غيرُ صحيحة، لأنه في صورته القياسية، لم يحترم من جهة، إحدى القواعد العامة في القياس وهي "لا إنتاج بين سالبتين"، ولا قواعد الشكل الرابع الذي ينتمي إليه من جهة أخرى، وهي : الأولى إذا كانت الكبرى موجبة، وجب أن تكون الصغرى كلية، والثانية إذا كانت الصغرى موجبة، وجب أن تكون النتيجة جزئية، والثالثة إذا كانت إحدى المقدمتين سالبة، وجب أن تكون الكبرى كلية.[11]
الاستنتاج الثاني: هو قياس من الشكل الأول، وهو: كل مذهب جاء بعد الرسول بدعة، المعتزلة مذهب جاء بعد الرسول، فهو إذن، بدعة. وهو وإن كان قياسا صحيحا من حيث الصورة، فهو مرفوض من حيث غموض المحمول في المقدمة الأولى[12]. فالبدعة أنواع متعددة، وهنا نتساءل عما هو النوع الذي ينطبق مع المذهب الذي جاء بعد عهد الرسول. هذا فضلا عن اضطراب مبدأ الاستغراق،[13] لأن مذهب المعتزلة جاء بعد الرسول، وليس بالضرورة، بدعة!
د- لم تكن المعتزلة في عصر رسول الله (ص) : هذه قاعدة يستند إليها كمقياس وهو أن مذهب المعتزلة لم يكن في عهد الرسول؛ وما لم يكن في عهده فهو في ضلال؛ المعتزلة إذن، في ضلال. وهذا الأسلوب في الجدال هو استدراجٌ إلى ما كان يريده السني؛ أوصله إلى هذا الاستنتاج: " سمعتَ كيف أقرُّوا على أنفسهم بالضلال!" (وهم في الحقيقة، لم يقروا بأنهم كانوا في ضلال، بل بأنهم لم يكونوا في عهد الرسول).
هكذا إذن، انطلقت المناظرة، وعندها كانت النتيجة بدءا تسبق المقدمات، بدليل أن السني كان يستدرج محاوره إلى حالةٍ تدعوه إلى الإقرار بأن مذهبه لم يكن في عهده (ص)؛ وبأن المرجع الذي كان يأخذ به هو الحديث الشريف. ثم إن علة الابتداع من حيث المواقفُ الفكرية غيرُ مصرح بها، والمصرح به هو أنهم كانوا يسرقون النعال. شأنه في ذلك، شأن المحتال الذي يعطيك النتيجة صحيحة، ولكنها مستنبطة من مقدمات غير صحيحة، ومثال ذلك: الإنسان سني، مالك بن أنس سني، إذن، مالك بن أنس إنسان. لا تتوفر في هذا القياس، القاعدة الأولى من الشكل الثاني الذي ينتمي إليه هذا القياس، وهي: "أن تكون إحدى المقدمتين سالبة، فتتبعها النتيجة في السلب".
وهي أيضا، مناظرة تقوم على مفاهيم لغوية، ولا يخفى مدى اختلاف المضمون الذي نعطيه لهذه المفاهيم نظرا إلى تنوع مذاهبنا وأساليبنا في التعبير. فلو عبرنا عنها برموز مثلا، ما كنا لنسجل كل هذه المؤاخذات، لأنها كانت ستُعفينا من تأثير الرصيد الثقافي، وما درج عليه المتناظران من مفاهيم. ولهذا، فلو اعتمدنا على مفهوم البدعة في إبهامه أو في معناه السلبي الوحيد، لوقعنا في انزلاق خطير، وهو أن كل ما جدَّ من جديد بعد الرسول (ص)، هو بدعة بهذا المفهوم، وهذا خطأ.
وعليه، فإنه لمن الضروري الاطلاع على المنطق، وخاصة منه المنطق الصوري الأرسطي،[14] ومحاولة الإجابة عن كل التساؤلات التي طرحناها قبل عرضنا، وتحليلنا للوضعية المشكلة.
II- متى ينطبق الفكر مع نفسه
يتجلى ذلك في معرفة وحدات الفكر المنطقي وقواعده، والحرص عمليا، على توافق النتائج مع المقدمات.
أولا: معرفة وحدات الفكر المنطقي وقواعده
وتتمثل هذه الوحدات في التصور وما يقتضيه من مفهوم وماصدق، والحد، والتعريف، والحكم والقضية، وبعض آليات الاستدلال.
1- التصور والحد
إن التصور فكرة مجردة كلية في مقابل الصور الحسية مثل "الإنسان" الذي ليس حكرا على زيد ولا على عمرو، وإنما هو مفهوم شامل يحتوي على جميع الناس. فهذا التصور لا تقابله صورة حسية بحيث يُختزل في هذا الشخص أو ذاك. فالتصور ذهني ليس له وجود في الخارج لأن العقل عندما يفكر يستغني عن المدركات الحسية وصورها الجزئية ليدرك رموزها التي هي معان كلية. فلا توجد صورة أو شيء بالذات يسمى إنسان،[15] ولكن الموجود هو سقراط و واصل بن عطاء و أبو حنيفة وديكارت... فالتصور عام ويشمل سائر الأفراد من نوع واحد أو جنس واحد.
وينظر علماء المنطق إلى التصور من وجهتين: وجهة المفهوم (أي التضمن)، ووجهة الماصدق (أي الشمول). مفهوم "الإنسان" هو مجموع الصفات والخصائص التي تشترك فيها كائنات بشرية عديدة، من مثل كونه حيوانا عاقلا اجتماعيا فانيا الخ. وماصدقُه هو مجموع الأفراد الذين يؤلفون الجنس البشري والذين يصدق عليهم حد الإنسان. والملاحظ أن بين المفهوم والماصدق علاقةً عكسية. فكلما اتسع المفهوم ضاق الماصدق، وكلما ضاق المفهوم اتسع الماصدق. [16]
والحقيقة أن مفهوم أي تصور هو تعريفه أي تحديد ماصدقه بتحليل مفهومه. ويكون هذا التعريف سليما إذا كان جامعا لأفراد النوع، مانعا لغيرهم من الدخول فيه. ولا يكون جامعا مانعا إلا عن طريق تحديده بالجنس القريب (أي الذي يأتي ماصدقه مباشرة فوق ماصدق الحد المعرَّف) وبالفصل النوعي (أي بالخاصية التي تميز النوع المعرَّف). فإذا عرفنا الإنسان بأنه حيوان مسؤول، كانت كلمة حيوان جنسا قريبا وكلمة مسؤولٌ فصلا نوعيا.
و"التصور ـ بهذا المعنى ـ هو إدراك الماهية من غير أن يُحكم عليها بنفي أو إثبات" مثل ماهية الإنسان والكتاب والخير. وهو يختلف عن الصورة الحسية التي تشير إلى هذا الإنسان (زيد) أو إلى هذا الكتاب (كتاب إشكاليات فلسفية) أو إلى هذا الفعل الخيِّر (صِدْقُ عمرو في معاملته للآخرين).[17] وأما الحد فهو التصور عندما تخلع عليه اللغة كلمةً أو اسما أي الصيغة اللفظية التي تُعبِّر عن المعنى المتصوَّر. وهو يختلف عن الكلمة. فقد يكون الحد مؤلفا من أكثر من كلمة واحدة مثل الحيوان المسؤول ، وأهل السنة، والمصالحة الوطنية.
2- التعريف: مقولاته وقواعده
التعريف كما رأينا، هو القول الشارح لمفهوم الشيء؛ أو القول الدال على ماهية الشيء، وفيه تُستوفَى جميعُ ذاتياته؛ وهو لهذا، يتم بالجنس والفصل القريبين. والشرط الأساسي الذي يقوم عليه، هو أن يكون ماصدق القول المعرِّف والشيء المعرَّف واحدا، وأن يكون مميَّزا، بمعنى أنه يجب أن ينطبق على كل المعرَّف ولا شيء سوى المعرَّف. ولكي يؤدي التعريف وظيفته، حدَّد المناطقة مقولات وقواعد؛ أهم المقولات هي:
أ- الجنس: هو الجامع لحقائقَ مُشترَكةٍ لمختلفِين وهو نوعان: جنس قريب يُسحب على جميع الحقائق المشتركة فيه كالحيوان بالنسبة إلى الإنسان والحصان، وجنسٌ بعيد يُسحب على بعض الحقائق المشتركة فيه كالجسم بالنسبة إلى الإنسان والجبل.
ب- النوع: وهو الجامع لِمتَّفقِين في الحقيقة، ومختلفين في الأشخاص كالإنسان بالنسبة إلى هذا أو ذاك من الناس.
ج- الفصل النوعي: وهو ما يميز الشيء من بقية الأنواع الداخلة تحت جنسه؛ كالعاقل أو المسؤول بالنسبة إلى الإنسان. أما الحيوانية في الجنس القريب، فهي صفة مشتركة بين الإنسان وأيِّ حيوان.
د- الخاصة: وهي الدالة على ما يتميز به الشيء من خاصة عَرَضيةٍ كالابتسامة أو الطموح بالنسبة إلى الإنسان.
هـ العرض العام: وهو الدالُّ على ما يتميز به الشيء كخاصة عامة يشترك فيها مع شيء آخر خارج نوعه كالتناسل بالنسبة إلى الإنسان والحيوان.
وأهم قواعد التعريف قاعدتان:
أ- يجب أن يكون التعريف معبِّرا عن ماهية الشيء، وماهيةُ الشيء تتألف من الجنس القريب والفصل النوعي، بحيث يمكن استبدال التعريف بشرحه أو العكس.
ب- يجب أن يكون التعريف جامعا مانعا؛ نقول: جامعا، لأن كل صفة يتركب منها فيه، تنطبق على كل أفراد المعرف؛ ونقول: مانعا، لأن مجموع الصفات التي يتركب منها تمنع دخول سواها.
3- الحكم والقضية
إن العالِم المنطقي يُعنى بشروط الأحكام لتكون صحيحة، ويحاول أن تكون منطقية لا تناقض بين حدودها، فلا يبحث إلا عن الأحكام الكاملة المؤلفة من حدين ورابطة بينهما، والأحكام الظاهرة المعبَّر عنها بقضايا لفظية.
فالحكم هو التصديق العقلي بوجود نسبة ما بين المعاني، أو إيجاد علاقة بين شيئين والتصديقُ بها إثباتا كان أو نفيا؛ وإذا وقع التعبير عنه في اللغة، سمي قضية. وما خرج عن نطاق هذا الإقرار، لا يعتبر حكما مثل الأمر والنهي والاستفهام.[18] والقضية تتألف من حدَّين: الموضوع والمحمول وبينهما رابطة تسمى الأداة وتتمثل في الضمير (هو أو هي…)؛ وسيان إن وُجدت أو حذفت كقولنا المعتزلة عقلانيون أو المعتزلة (هم) عقلانيون.
4- أنواع القضايا
والقضية نوعان: بسيطة، وتعرف بالقضية الحملية، لأن الموضوع فيها يُتبع بمحمول كما رأينا، وتفيد الاتحاد[19]؛ ومركبة من قضيتين، وتعرف بصفتها الشرطية، وهي على ضربين: شرطيةٌ متصلة، وتفيد الاستلزام كقولنا: إذا كانت المصالحة عروة المجتمع، فهي تسامح، وتسمى القضية الأولى في المركبة مقدما، والأخرى تاليا؛ وشرطيةٌ منفصلة وتفيد التنافر كقولنا: إما أن يكون القاضي عادلا أو ظالما. وتصنف القضايا الحملية عادة تبعا لمبدأي الكم والكيف، ولهذا فهناك أربعة أنواع من القضايا وهي:
الكليـة الموجبـة (ك): الإنسـان ذكي* الكليـة السالبة (ل) ليس الإنسان ذكـيا
الجزئية الموجبة (ب): بعض الناس أذكياء * الجزئية السالبة (س):ليس بعض الناس أذكياء
وتصنف القضايا الشرطية من حيث الكيف إلى:
الشرطية المتصلة الموجبة الشرطية المتصلة السالبة (وهي نفي للموجبة بليس)
الشرطية المنفصلة الموجبة الشرطية المنفصلة السالبة(وهي نفي للموجبة بليس).
5- آليات الاستدلال: المباشر والقياس
أ- الاستدلال المباشر:هو حركة الفكر من قضية إلى قضية أخرى لازمة عنها مباشرة ومن دون التوسط بقضية أخرى. و له صورتان: التقابل والعكس:
* التقابل هو ما ينتج عن القضية الواحدة بحكم تغير كيفها وكمها. فإذا وقع التغير في الكم والكيف ترتب عن ذلك، تناقض بين (ك) و(س) من جهة، وبين (ل) و(ب) من جهة أخرى؛ والمتناقضتان لا تصدقان معا، ولا تكذبان معا؛ وإذا صدقت الواحدة كانت الأخرى كاذبة بالضرورة. وإن هو مسَّ الكيف فقط، ترتب عنه أمران: الأول هو تضاد بين (ك) و(ل)، فلا تصدقان معا، وقد تكذبان معا؛ ولا يمكن تصديق الواحدة انطلاقا من كذب الأخرى؛ والثاني هو دخولٌ تحت التضاد بين (ب) و(س)، حيث تصدقان معا ولا تكذبان معا؛ ولا يمكن تكذيب الواحدة انطلاقا من صدق الأخرى. وإن مس التغير الكم ترتب عنه تداخل بين (ك) و(ب)، وكذا بين (ل) و(س)؛ حيث إذا صدقت الكلية صدقت الجزئية، وإذا كذبت الجزئية كذبت الكلية؛ ويتعذر استنتاج كذب الكلية من صدق الجزئية.
* والعكس هو استنتاج قضية من أخرى تخالفها في موقع كل من الموضوع والمحمول. فعكس قضية هو تحويلها إلى أخرى، موضوعُها محمول الأصل، ومحمولها موضوع الأصل مع الاحتفاظ بالصدق والكيف أي الإيجاب والسلب. مثلا: "لا إنسان خالد" (الأصل) معكوسته "لا خالد إنسان". وتُشترط في صحة عملية العكس، قاعدتان:
أن يتَّحدا في الكيف بأن يكون كيفُ المعكوسة هو كيف الأصل؛
وألا يُستغرق حد في المعكوسة لم يكن مستغرقا من قبلُ في الأصل.
وتطبيق هاتين القاعدتين تبيِّن إمكانية تحويل القضية الأصلية إلى معكوستها ما عدا الجزئية السالبة لاستغراق ما لم يكن مستغرقا في الأصل. وعلى هذا الأساس، تُعكس القضية من (ل) إلى (ل)، ومن (ب) إلى (ب)، ومن (ك) إلى (ب) فقط، مع تغيير الكم في موضوع المعكوسة.
ب- القياس (أو الاستدلال غير المباشر) وقواعده
* القياس هو على حد قول أرسطو "كلام متى وضعنا فيه شيئا لزم عنه شيء آخر بالضرورة". ويعني بالشيء الموضوع، المقدمتين (الكبرى والصغرى)، وبالشيء الآخر، النتيجة التي تلزم عنهما. فهو مؤلف من ثلاث قضايا. وهذه القضايا الثلاث يدعوها المناطقة على التوالي: المقدمة الكبرى، والمقدمة الصغرى، والنتيجة. ولو حللنا هذا القياس، لوجدنا أنه يحتوي على خصائص أساسية. إذا قلنا مثلا: (كل إنسان فان، أحمد إنسان، إذن، أحمد فان)، نكون قد استعملنا قياسا يتألف من مقدمتين ونتيجة. وكلٌّ من المقدمتين والنتيجة يتألف من حدين، أحدهما موضوع، والآخر محمول؛ وبين الحدين رباط مضمَر تقديره (هو). ثم لو نظرنا إلى القياس من زاوية أخرى، لوجدناه يتألف من ثلاثة حدود رئيسية: (إنسان) و(فان) و(أحمد)، وهي تختلف فيما بينها من حيث الشمولُ والتضمن، أي أن بعضها يشمل الآخر، والآخر متضمن فيه. فنحن ندعو (فان) حدا أكبر، لأنه يشمل كل إنسان، في حين ندعو (أحمد) حدا أصغر، لأنه متضمن في (إنسان) الذي ندعوه حدا أوسط. والمقدمة التي تحمل الحد الأكبر تُدعى كبرى؛ والمقدمة التي تحمل الحد الأصغر، تدعى صغرى. والحد الأوسط يختفي في النتيجة، لأن وظيفته تنحصر في الربط بين الحدين. ويُشترط فيه أن يكون مستغرَقا في إحدى المقدمتين. والقياس الذي نحمِّله أكثر من ثلاثة حدود، لا تترتب عنه نتيجة صحيحة، لأننا نقع فيما يدعوه المناطقة، بأغلوطة الحد الرابع. مثلا، إذا قلنا: (وردةُ ماءٌ مُنظِّفٌ، ووردةُ ابْنَتي)، فلا يجب أن نستنتج، ابنتي ماء منظِّف. فعلى الرغم من أن كلتا المقدمتين صحيحة، فإن النتيجة خاطئة، لأن الحدود الواردة فيهما، قد استُعملت لِمُغالطتنا: فكلمة (وردة) في الأول يختلف مدلولها عنه في الثانية. وشتان ما بين اسم السائل المنظف، واسم العَلَم الخاص بِالاِبنة. لدينا في هذا القياس أربعة حدود بدلا من ثلاثة، لأن الحد الأوسط يتضمن هويتين.[20] وينبه أرسطو إلى حقيقةٍ، وهي أن شكل القياس يتوقف على موقع الحد الأوسط من المقدمتين: فإذا كان الحد الأوسط موضوعا في الكبرى ومحمولا في الصغرى، كان الشكل الأول؛ وإذا كان محمولا في كلتا المقدمتين كان الشكل الثاني؛ وإذا كان موضوعا في كلتيهما، كان الشكل الثالث؛ ويذهب أرسطو إلى أن الأقيسة أنواع، وأنه ليس كل قياس برهانا. ولهذا اشترط في مقدمات القياس الصحيح: أن تكون حقيقيَّةً، وأن تكون أوليَّة وبديهيَّة، وإلا لاحْتاجت بدورها إلى برهان، وأخيرا، أن تكون أسبق من النتيجة وأبْيَنَ منها.
ولقد استبدل المدرسيون الحدود برموز تسهِّل عملية إدراك موقع الحد الأوسط. وتوضيحا لذلك، نرمز بـ(س) إلى الحد الأوسط، وبـ(م) إلى الحد الأكبر، وبـ(ض) إلى الحد الأصغر.
(س) هو (م ) (م ) هو (س) (س) هو (م ) هذا ما أشار إليه أرسطو، كما
(ض) هو (س) (ض) هو (س) (س) هو (ض) أسلفنا.
ولهم في ذلك شكل رابع، وإن اختلف فيه مناطقة القرون الوسطى، وهذا الشكل هو عكس الأول: (م ) هو (س)
(س) هو (ض)
* قواعد الأشكال الأربعة: للأول قاعدتان، الأولى أن تكون الصغرى موجبة، والثانية أن تكون الكبرى كلية؛ وللشكل الثاني، قاعدتان، الأولى أن تكون إحدى المقدمتين سالبة، والثانية أن تكون الكبرى كلية؛ وللشكل الثالث قاعدتان، الأولى أن تكون الصغرى موجبة، والثانية أن تكون النتيجة جزئية؛ وللشكل الرابع ثلاث قواعد، الأولى إذا كانت الكبرى موجبة، وجب أن تكون الصغرى كلية، والثانية إذا كانت الصغرى موجبة، وجب أن تكون النتيجة جزئية، والثالثة إذا كانت إحدى المقدمتين سالبة، وجب أن تكون الكبرى كلية.
ثانيا: توافق النتائج مع المقدمات
1- مبادئ العقل
إن الربط بين حدود الحكم والانتقال من قضية إلى أخرى، وحتى في فهم الموضوعات الخارجية وعلائقها، كل ذلك لا يكون اعتباطيا، وإنما يعتمد على مبادئ أولية تدعى بالمبادئ المديرة للمعرفة. ويسمى مجموعها "بالعقل". فإذا قلتَ "إن المعتزلة ليسوا بمفكرين" من قياس تتألف مقدمتاه من (كلُّ أهل العلم مفكرون)، و(المعتزلةُ من أهل العلم)، كان قولي هذا مخالفا للعقل ومبادئه أيضا. وإذا قلت "المثلث مربع" لم يَصِحَّ قولي هذا، لأن في ذلك تنافرا؛ وهذه المبادئ هي مبدأ الهوية (وما يتضمنه من مبدأي عدم التناقض والثالث المرفوع) ومبدأ السبب الكافي، التي تؤلف البنية المنطقية للعقل.[21] وهي مبادئ أولية لا تُستخلص من التجربة ولا من الاستنتاج انطلاقا من مبادئ أخرى، لأن كل تجربة تخضع لها؛ وهي مبادئ تشكل أساس كل المبادئ. إنها بديهية في حد ذاتها، ولا يمكن البرهنة عليها. وهي عالمية ومشتركة لكل العقول، وكل العقول محكومة بها. وهي أيضا، شرط للحوار، والضامن للتوافق الممكن بين كل العقول باختلاف أعمار أصحابها وأجناسهم وسلالاتهم وثقافاتهم. وإنها أخيرا، تحدد الممكن والمستحيل.
أ- مبدأ الهوية هو الشرط الجوهري للخطاب العقلي، لأنه إذا نحن لم نقبله، فإن مدلول المفاهيم يمكن أن يتغير في كل لحظة، وهذا معناه أنه لا يمكننا أن نقول كلاما متماسكا. وهو الأساس الذي يقوم عليه الاستنتاج الصوري والرياضي. فإذا قبلنا بصحة قانون كلي أو مبدأ عام، فلا بد لنا من أن نقبل بصحة الجزئيات المتضمَّنة في هذا القانون الكلي. ومفاده أن ما (هو) (هو) أو أن (أ) هو (أ) أو أن الشيء لا يمكن أن يكون هو وليس هو في آن واحد. ويحتوي ضمنيا، على مبدأين معروفين هما:
ب- مبدأ عدم التناقض: وبمقتضاه، لا يمكن أن يكون الشيء (هو) و (لاهو) في نفس الوقت أو أن يكون (أ) هو (لا أ). فمن قبيل المستحيل مثلا، القول بأن الأرض كروية ولاكروية.
ج- مبدأ الثالث المرفوع: وهو يقتضي الأخذ بأحد طرفي القضية: إما أن يكون الشيء (أ) أو (لا أ)، لأن المبدأ العقلي يفرض بالضرورة أن تكون الأرض مثلا، إما كروية أو لاكروية، ولا وسط بينهما.
د- مبدأ السبب الكافي يجسد اعتقاد أن لكل حادثة سببا يفسر حدوثها؛ وأن نفس الأسباب تُعطينا دائما نفس النتائج. إلا أن هذه العلاقة السببية لا تكفي لفهم الحادثة في المجال العلمي لأنه يتعين فيه، البحث عن العلاقات الثابتة بين الظواهر. وهو الأمر الذي يوضح إيمان العالم بمبدأين: الحتمية والاطراد.
2- انتقاء المقدمات واحترام الضرورة الملزمة
ويبدو أنه بقدر ما يأخذ الفكر بهذه المبادئ وقواعد الاستدلال مع الالتزام بها ميدانيا، وانتقاءِ أسلمِ المقدمات، يجد إمكانيات انطباقه مع نفسه. ولعل السبيل الذي يصل المقدمات بالنتائج المترتبة عنها بالضرورة، هو أكثر السبل استقامةً المؤدي إلى تمتين تماسك الفكر وتحصينه من التنازع مع نفسه. وبتعبير معكوس، فإن عدم وضوح المفاهيم والحدود وعدم ضبط العلاقات فيما بينها وبين القضايا، وعدم الاكتراث بدور مبدأ الهوية في تماسك الاستدلال، كل ذلك من شأنه أن يشوش العقل وبالتالي يترك خطابه فريسة للسفسطة والسذاجة. إلا أنه لا معنى لانطباق الفكر مع نفسه من الناحية الصورية، إذا لم تكن المقدمات سليمة وبديهية يأخذ بها كل واحد ولم يُحافظ على مبدأ الهوية ولم تضبط المفاهيم بدقة. فإذا لم نحدد مضمون الحدود وطبيعة علاقاتها فيما بينها، نقع في انزلاقات، وقد نُتَّهم بالسفسطة. فانطباق الفكر مع نفسه يتطلب حسن انتقاء المنطلقات، واحترام الضرورة المنطقية التي تستوجبها.
III- وهل حصول هذا الانطباق كاف لضمان وفاق جميع العقول
أولا: قد يحصل الانطباق ولا تتفق العقول
1- إن الفكر قد ينطبق مع نفسه من الناحية الصورية المجردة، ولكن دون أن يقتنع غيرُه بالمضمون الذي يحمله؛ فقد يعبر عن قضية دينية أو سياسية، وله كاملُ التصرف في إضفاء ما يريده من معنى على الحدود التي يستخدمها. إن استخدام اللغة الشائعة في المنطق الصوري أو التحليلي يؤدي إلى مغالطات والتباسات. يقول "بول فاليري": "ليس للمنطق إلا مزايا جدُّ متواضعة حينما يستخدم اللغة العادية، أي دون تعريفات مطلقة".[22] ويقول مويي: "إن اللغة غير دقيقة. فالكثير من أهم ألفاظها مبهم [...] و العلم يتكلم لغة في غاية الدقة، لغة الرياضيات التي تمكَّن بناؤها منذ ألفيتين من التخلص من المبهمات".[23] ويقول ثابت الفندي: ما دام المنطق يتعامل بالألفاظ لا بالرموز، فإنه يبقى مثار جدالٍ حول معاني المفاهيم والتصورات المستعملة، فضلا عن عُقمه إذا تعلق الأمر بالقياس الأرسطي.[24]
2- إن المنطق الصوري يصلح للمناقشة والجدل أكثر مما يصلح للبحث عن الحقيقة واكتشافها.[25] ولما كان الغرض منه هو إفحام الخصم لا اكتشاف الحقيقة الموضوعية، فإن المنطق يتحول إلى فلسفة للنحو من حيث إنه يُعنى بلغة البرهنة والمحاجة والتفنيد لكسب قضية.
3- هذا فضلا عن أنه ضيّق لا يعبّر عن كل العلاقات المنطقية، وأنه يكتفي فقط، بالتحليلات الفكرية. إن نتائج القياس لا تأتي بشيء جديد زائد على المقدمات، حتى مع افتراض مطابقة مقدماته للواقع. واستنتاجُ غير ما تتضمنه المقدمتان، يُفضي إلى الأخطاء؛ لأن القياس يكون صحيحا عندما يكون تحصيل حاصل (Tautologie)؛ فهو يبرز ما نعلمه ولا يكشف عما نجهله. و شرط الاستنتاج الصحيح أن ينتهي بنا إلى علم جديد، لا إلى إعادة ما تتضمنه المقدمتان. و لهذا يبدو المنطق الأرسطي "مغلقا ومُنقضيا".
ثانيا: من إمكان الإفحام إلى ضرورة الإقناع أو من الألفاظ إلى الإشارات ومن السكون إلى الحركة
وسدًّا للنقص الذي عرفه المنطق الصوري، وتماشيا مع البحث عن الجديد، وتكيُّفا مع متطلبات الواقع المتغير، اتجهت اهْتمامات المناطقة والرياضيين والعلماء إلى أساليب جديدة تسمح للفكر بالانتقال من اللفظ (أو التصور) إلى الرمز، ومن عالم المجردات إلى عالم المحسوسات، أي من المنطق الصوري إلى المنطق الرمزي، وكذا الموازاة إلى المنطق المادي.
1- المنطق الرمزي أو اللوجستيك
لم يعرف المنطق الصوري اتجاها مخالفا لاتجاه المنطق الأرسطي إلا في منتصف القرن التاسع عشر. والصفة المميِّزة لهذا الاتجاه هي التركيب أو الإنشاء، أي الاستدلال على قضايا جزئية بالاستناد إلى مبادئ أولية عامة كالبديهيات (مثل الكل أكبر من أحد أجزائه) والمصادرات (مثل أن المتساويين لثالث متساويان) والتعريفات. ونتائج هذا الاستدلال ليست متضمَّنة في المبادئ المسلم بصحتها سابقا. إنها "تـُبْنَى مع قضاياها". فلو كان علينا الرد على السؤال التالي: كم يساوي مجموع زوايا المثلث، لقلنا بأنه يساوي قائمتين لأننا نعتمد على مبدأ معلوم لدينا مسبقا، وهو أن زاوية الخط المستقيم لجهة واحدة تساوي قائمتين؛ ويبقى علينا انطلاقا من المعلوم، أن نبني استدلالنا غزوًا للمجهول، وذلك بأن نمدد أحد أضلاع المثلث. ومن المميزات الأساسية لهذا الاستنتاج، استعمال نظام ثابت من الرموز. وهنا وقع الانصراف من اللغة الشائعة إلى لغة الرموز الجبرية. وما أن أطل القرن العشرون حتى ازدهر المنطق. وهو لا يستخدم الرموز فقط، ولكنه يريد لنفسه أي يشير إشارة دقيقة إلى قواعد استعمال الرموز. وهذا ما يسمى باللوجستيك.
فلقد تواضع المناطقة المحدثون على بعض الرموز، ولم يتفقوا عليها اتفاقا كليا. وعندها، أصبح من الممكن مثلا، أن نشير إلى العطف أو الجمع بالرمز ( ) وإلى الأداة (أو) بالرمز ( ) وإلى التضمن بالرمز ( ). وعلى هذا الأساس يمكن أن نتصور العطف أو الجمع بين قضيتين بـ (أ ب). ولو تأملنا حالات صدق القضيتين، للاحظنا أن (أ ب) تكون صادقة عندما تكون (أ) صادقة و(ب) صادقة. أما إذا كانت (أ) صادقة و(ب) كاذبة أو كانت (أ) كاذبة و(ب) صادقة أو كاذبتين معا، فإن النتيجة تكون كاذبة. أما قضية (أ ب)، فهما يصدقان عندما تكون إحداهما على الأقل صادقة. أما إذا كانت (أ) كاذبة و(ب) كاذبة، فلا يمكن أن تكون (أ ب) صادقة.
هكذا إذن، لم تعد اللغة هنا، اللغة العادية كما في القياس أو الاستنتاج التحليلي. إنها مجموعة من الإشارات المؤلّفة على صورة الرياضيات (Algorithme). وعممها أصحابها على جميع أصحاب المقال من مادة و صورة أي على الحدود المفردة أو التصورية وعلى القضايا من حيث هي قضايا، وعلى العلاقات المنطقية ذاتها. وهذا ما يتلاءم مع روح العصر. ثم إن الارتباط بين المبادئ والنتائج ليس تحليليا كما في القياس، بل هو إنشائي أي يكسبنا معرفة جديدة زائدة على المقدمات، وينقل الفكر من المعلوم إلى المجهول.
ومن الخطأ أن يَظُنَّ ظان أن هذه المبادئ العقلية لا تتغير بتغير الزمان والمكان والظروف والأحوال، فإن استقراء تاريخ العلم عامة يشهد بأن هذه المبادئ قد نشأت على صورة أخذت في التطور حتى بلغت صورتُها الراهنة في أذهاننا، وفي مختلف الدراسات، ما يؤيد هذه الحقائق.[26]
2- المنطق الثابت والمنطق المتغير:
أ- يقسم المناطقة المنطق إلى صوري ومادي، الأول يهتم بالتصورات والمفاهيم والرموز أي بالفكر من حيث صورته، والثاني يتجه إلى الأشياء ويهتم بالفكر من حيث مادتُه. وعلى هذا الأساس، يذهب لالاند[27] إلى التمييز بين ما يسميه العقل المكوَّن والعقل المكوِّن؛ الأول عقل داخلي يفرض نفسه (وهو ساكن يمثل مجموعة المبادئ الثابتة المديرة للمعرفة)؛ والثاني عقل ديناميٌّ يتكوَّن في أثناء نشاطِه ليصبح قادرا على تشكيل أدواته (المبادئ) بنفسه أو تغييرها وتكييفها حسب ما يواجهه من معطيات حسية جديدة. فهو في نظر التجريبيين، دائما في تكوُّن مستمر، لأنه اللوحة التي تنطبع فيها معطيات التجربة. وما دامت المعرفة تأتي كلُّها من التجربة، فليس هناك إلا المبادئ البَعدية أي التي تأتي عن طريق الإحساس والعادة والاعتقاد وتداعي الأفكار.
لقد بين ليفي برول في عدد من كتبه[28]، أن الذهنية البدائية تختلف عن الذهنية المتحضرة اختلافا جذريا. فهي متمردة عن مبدأ الهوية وعدم التناقض إذ أن الأشياء يمكن أن تكون نفسها وشيئا آخر غيرَها؛ فهي ذهنية لا تدرك الأشياء كما ندركها نحن.[29] كما أن بعض الأنثروبولوجيين وفلاسفة العلوم بينوا أن مبدأ السببية ـ باعتباره مبدأ عالميا للعقل ـ أخذ يطرح تساؤلات أمام قضايا التفكير السحري واكتشافات تثير الشك في مبدأ الحتمية. إن الإيمان بالقوى المفارقة، لا يؤخذ في الذهنيات السحرية بمثابة الإيمان العلمي بالسبب في مفهومه المادي. كما أن مبدأ اللاحتمية القائل بأن هناك ظواهر تنفلت من نظام الكون وخاصة في الفيزياء الكوانتية الاحتمالية مع هيزنبرغ أخذ يجدد النظر في قواعد العلم وأسسه.
ب- المنطق المتعدد القيم
إن تطور الرياضيات والفيزياء (التي تمثل حاليا العلوم التي يسعى المناطقة على أساسها إلى استنباط الأدوات الواقعية للفكر الموضوعي) بيَّن أن هناك حالات لا يكفي فيها المنطق الثنائي القيمة. لنأخذ مثالين: هناك نظرية في الرياضيات تتعلق بخصوصية الأعداد الأولى (نظرية فيرما) التي ما تزال إلى اليوم، مثبَتة ولكننا لم نستطع البرهنةَ عليها. فهي ليست مسلَّمة من حيث إننا لسنا أحرارا في قبولها أو رفضها؛ إنها قانون حسابي غير كاذب (لأنه مثبت)، ولكنه ليس صادقا (لأننا لا نستطيع البرهنة عليه). ومن جهة أخرى وفي الفيزياء، فإن النظريتين حول الإشعاع الجُسَيْمي أو التموُّجي اللتين كانتا سابقا متناقضتين، تظهران اليوم، لامتناقضتين. فكل واحدة منهما لا هي صادقة ولا هي كاذبة، ولكنها تُعتبر صادقة أو كاذبة حسب المجموعة التجريبية التي نعمل فيها.
وفيما يتعلق بتجديد الفكر المنطقي، يمكن القول بأن تطور المنطق التركيبي من هيجل إلى هاملين، يكفي لتوعيتنا بوجود مبدأ ثالث للعقل، وهو المبدأ الجدلي للوحدة والتركيب. إنه ـ بفعل ممارسته في عملية الفهم العقلية (حيث يبحث العقل فكرة الجمع في صيغة واحدة، وقانون واحد أو في بنية واحدة، المعطياتِ المتنوعة والمتناثرة للتجربة). إن هذا المبدأ فاعل في الجهد الاندماجي للمتنافرات في صعيد منطقي سام حيث تلتقي دون أن تمتزج. إنه هو نفسه مبدأ التقدم الجدلي الذي هو جهد لتجاوز (تذليل) التناقض. إن الرضا الذي يشعر به العقل في تخطي تعارض الأطروحة ونقيضها داخل وحدة ثرية وعالية للتركيب، يبرهن على أننا هنا، في أحد المحاور الأساسية للعقل الدينامي.
إذا كان المنطق القديم يعتمد كليا على مبدأ الهوية الثابت الذي لا يتغير والذي يقضي برفض التناقض، فإن المنطق الجدلي يرفض التعامل مع هذا المبدأ من حيث إنه يعكس فكرا ساكنا لا يصلح للعالم الطبيعي والواقعي الذي لا يتوقف عن الحركة والسير. إن الحركية التي تتسم بها الحياة الخارجية تقوم على مبدأ التناقض أو التغاير، يعني أن (أ) لا يبقى (أ) لأنه حتما ينتقل إلى (س) أو (لاأ) الذي بدوره يتحول إلى كائن مغاير له، وهكذا. فالانتقال من (أ) إلى (أ) هو الحلقة المفرغة التي يدور فيها الفكر القديم الذي يرى نفسه دون غيره؛ وهذا لا يُرتجى منه جديدٌ ولا تقدم. ولهذا، فإن التغاير أو التناقض في هذا النوع من المنطق (إلى جانب مبدأ الهوية في هذا السياق) ضروري لفهم سيرورة الأشياء والحياة البشرية. و"هذا التناقض في الفكر وفي الأشياء، إنما يزول بما يسميه (هيجل) بالجدل الذي يتألف من ثلاث مراحل هي الموضوع ونقيضه والمركب منهما".[30] وهذا المركب كمرحلة جديدة، يشكل بدوره وضعا (الأطروحة) يستوجب ظهور نقيضه (نقيض الأطروحة)، وهكذا دواليك.[31]
وإلى جانب المنطق الجدلي، يتحدث بعض المؤلفين اليوم، عن منطق الوحدة الذي هو الآخر يتصف بالحركية والتعامل مع المتغاير والمتناقض، ولكنه في المجال الفكري يستوعب كل المحاولات والتصورات الفلسفية مهما كانت متنافرة ومتباينة، ليصنع منها مبدأ واحدا يجد كل مذهب موقعه كنسق متميز داخل الوحدة.[32] ولعل العولمة في مفهومها التعايشي المعاصر، تشكل ـ أمام تشتيت المعارف وترامي أطرافها، وتفتيت التخصصات العلمية والفنية ـ فرصة سانحة لتوسيع الروح الفلسفية الشمولية ومنطقها السمح.
IV- وهل يكفي أن نعرف قواعد الفكر المنطقي حتى نكون في مأمن من الأخطاء؟
صحيح إننا نعرف هذه القواعد، ولكننا قد نخطئ. وفي هذا السياق، نتناول نقطتين: تأثُّر الحكم المنطقي بالحتمية النفسية والاجتماعية، وتأثره بحتمية الفكر الفلسفي.
أولا: تأثير الحتمية النفسية والاجتماعية على الحكم المنطقي
لا أحد يشك في أن الحكم، وهو الوحدة الأساسية في المنطق، وظيفتُه عقلية تخص الذات المفكرة. فهو عمل من أعمال الإنسان الإرادية وأثر من آثاره الذهنية. ولكن لما كان الإنسان عاجزا عن العيش لنفسه، فهو لا يستطيع أن يفكر حسب ميوله وأهوائه. إنه كائن يعيش في المجتمع. والتصرفات الصادرة منه، في جميع مظاهرها، تكون بموجب ذلك، جماعية.
1- فهو يخص الذات المفكرة، لأنه مصدرُه أو كما قال بروتاغوراس: "الإنسان مقياس كل شيء". فما يراه الشخص أنه الحقيقة، يكون هو الحقيقة، وليس في ذلك خطأ، ولا شيء في ذاته حقيقة، وإنما هو حقيقة في رأيي أو في رأي هذا أو ذاك.
وليس من المستبعد أن تكون القوانين المنطقية الأساسية التي تنظم أحكامنا، تجريداتٍ وتعميمات لتجارب ذاتية. فقانون عدم التناقض ناشئ من التجربة التي نشعر فيها، بأن "الحركة والسكون لا يجتمعان وأن أحدهما يرفع الآخر". وفي هذا السياق، يقول كوندياك "الحكم جمْعٌ بين إحساسين في الذهن". والمرء عند جيمس، لا يعتقد بصحة شيء إلا إذا رأى نفعه ونجاحه. ولذا، فإن الأفكار التي نصدقها هي الأفكار الناجحة، والأفكار التي نكذبها هي الأفكار الخاطئة التي لا نجني منها أي عمل نافع. وهنا، ينزل الحكم إلى الواقع المحسوس الذي لا ينفصل عن الزمن ولا عن الوقائع التي تخضع لقانون العلية أي تَتْبع ما قبلها وتؤثر فيما يلحقها.
هذا فضلا عن أن الإنسان أحيانا، يستعمل الاستدلال العاطفي حيث تسبق النتائج مقدماتها والاستدلال بالمماثلة حيث يقيس الغائب على الشاهد؛ فكم هي النظريات الفلسفية التي تفسر الوجود، وكم هي متضاربة فيما بينها. وفي مجال العلم، ألم يسبق غاليلي أن فسر سرعة سقوط الأجسام عن طريق إقامة علاقة تناسب طردي بينها وبين المسافة التي تقطعها؟ ثم ألم يكتشف هو ذاتُه، أن هذه الفرضية متناقضة، لا بد من الإعراض عنها؟
2- الحكم عملية يكتسبها الفرد داخل الوسط الاجتماعي وليس في جوهره مسألة فردية ولا نفسية. وتفكيره هو تفكير الحياة الاجتماعية، وضميره ضميرها واعتقاده اعتقادها حتى إذا خالفها الفرد لقي مقاومة يتحدد نوعُها وقوتها بمبلغ المخالفة وشدة ضررها.
والناس لكي يتناقشوا فيما بينهم ويحكموا على الصواب والخطأ، لا بد من أن يتفقوا على أوضاع خاصة ومبادئ معينة يأخذون بها وينظمون سلوكهم على أساسها كالإجماع عند المسلمين. يقول غوبلو: "إن فكرة الحقيقة لا يمكن أن تُفهَم ولا أن تفسر إلا بالحياة الاجتماعية، ومن دونها لا يتعدى الفكر حدود الفرد، وحينئذ تكون طيبة أو رديئة، ولكنها لن تكون صائبة أو خاطئة".[33] فمبادئ العقل يفرضها المجتمع من الخارج على الإنسان. ونظرا إلى أن المجتمع يتطور، فإن العقل لا يمكنه ألا يسايره. ولهذا، فقد تُجمِع الجماعات أحيانا، على المغالط والأوهام، وهي حقائق مشتركة يصعب الإعراض عنها.
ثانيا: تأثير حتمية الفكر الفلسفي على الحكم المنطقي
إن كانت الرياضيات بأساليبها الرمزية قد تخلصت من كل تفكير فلسفي، فإن للمنطق علاقة بالفلسفة، يؤثر الواحد في الآخر، وتختلف وظيفته باختلاف تصوراته الفلسفية، الإيديولوجية أو العقدية. لقد ظل المنطقُ التَّقليدِيُّ بحثا فلسفيا بالدرجة الأولى، يُثيرُ مسائلَه في ضَوْءِ التَّفكير الفَلْسفيِّ، كما تَتراءَى لكلِّ فيلسوفٍ ناظرٍ في المنطقِ"؛[34] ظل مرتبطا بآراء ميتافيزيقية، ولم يتميز إلا قليلا عن الأنطولوجيا.[35] أما المنطق الحديث فإنه وضعي يساير الروح العلمية. فلما كان أساس العلم في العصر الحديث مختلفا عنه في عصر اليونان، وجب أن يختلف منطق العلم اليوم، عن المنطق الأرسطي الذي كان انعكاسا لمعارف عصره التي كانت تهتم بالأشياء الأنطولوجية الفلسفية والكيفية. ولكن على الرغم من ذلك، فإن الموضوع الذي يدرسه المنطقان واحد، هو شروط صحة الاستدلالات. ولكنهما يريدان ـ حول هذه الشروط ـ إعطاء معرفة يحكمها نظامٌ تبعا لتصورين مختلفين: تصور ميتافيزيقي، وتصور وضعي.[36] هذا، وتجدر الإشارة إلى أن النظرية المنطقية تختلف باختلاف الأساس الذي ينبني عليه التفكير العلمي أو الفلسفي لعصر ما.
»لا شَكَّ في أنَّ مَوْقِفَ الإنسانِ مِن فِكرةِ الحَقيقةِ، و مَدَى اليَقِينِ فيها، إنمَّا يَتأثَّرُ تمامًا بِاعْتِناقِه مَنطِقاً دَون آخَرَ مِن أنْواعِ المَنْطِقِ العَديدةِ المُمكِنةِ للإنسانِ.«[37] وهذا التأثير في صورته الجدلية، لا يوجه أحكامنا المنطقية فحسب، بل يجعلنا نفكر ضمنيا وبالضرورة، في إطار فلسفة ترتبط بالمنطق الذي يناسبها.
وأكثر من هذا، وفي نطاق انطباق الفكر مع نفسه وانطباقه مع الواقع، يجب التأكيد على أن ما يحمله الذهن من تصورات له علاقات ضمنية بظواهر العالم الخارجي. ولما كانت هذه الظواهر في تغير مستمر، فإنه ما كان لهذه التصورات أن تبقى متصلبة وأن تحجم عن التكيف. ومن هنا، يقرّب الفكر المنطقي مبادئه من الواقع والعكس بالعكس؛ وهذا أمر لا تخفى فائدته. يقول الفندي: "وهذه المسألةُ الجديدةُ هي مسألةُ التَّحقُّقِ و التأكُّد من أنَّ الاتِّفاقَ الذي حَصَل عليه الفِكرُ مع ذاته عند تألِيفِ التصوُّرات في قضايا واسْتِنباطاتٍ، هو في الوقْت عينِه، اتفاقٌ له مع الواقِعِ، ومطابَقةٌ له مع العالمَِ ِالخارِجِيِّ «.[38]
خاتمة: حل المشكلة
إن معرفة النظام الذي يحكم الفكر المنطقي، تؤثر في توجيه العقل في اختيار آلياته الفكرية وفي تحديد الغاية التي ينشدها ويسعى إلى تحقيقها. والخطر الذي يحدق بتحقيق هذه الغاية، لا يجيء من آليات المنطق بقدر ما يجيء من طريقة توظيف هذه الآليات نصرةً لمذهب ضد مذهب. وفي هذه الحالة، يصبح المنطق عبدا مسخرا لخوض قضايا فكرية بحثا عن كسبها ودفاعا عن انشغالاتها. ومع ذلك، فإن المنطق الصوري ـ الممثَّل في القياس ـ ومهما كانت فلسفته، وعلى الرغم من كثرة المؤاخذات الموجهة إليه، فإنه على جانب كبير من الفائدة العملية، وأننا نستخدمه غالبا وبدون شعور، في تفكيرنا العلمي والعامي والعاطفي. وبدونه يفقد الخطاب الحقيقي تماسكه ويؤول إلى سفسطة.
***
وكمخرج من الإشكالية الثانية، يمكننا القول، إن المشكلة الفلسفية التي يعرفها منطق انطباق الفكر مع نفسه ليست في الحدة التي يطرحها منطق انطباق الفكر مع الواقع من حيث إن الأول يتعامل مع مفاهيم وتصورات وافتراضات كمنطلقات مسلم بها، تَلزم عنها بالضرورة نتائجُ صحيحة، وأنه في شكله القياسي مرتبط بفلسفة أنطولوجية تحدد مصير الفكر واتجاهه الفلسفي ؛ وأن الثاني، لا يعتمد مباشرة على الملاحظة كخطوة أولى كما يقتضيها مبدئيا المنهج العلمي التجريبي، وإنما يدخل في حسابه قبل الانطلاق، افتراضين عقليين وغير تجريبيين هما "مبدأ الحتمية، و"مبدأ الاطراد"، وهذا مخالف للقاعدة. وأغرب ما في أمر هذا المنطق الثاني، أن المنطلقات على الرغم من أنها من قبيل الافتراضات الميتافيزيقية، إلا أنها تعطي نتائج يؤكدها ازدهار العلم يوما بعد يوم. وكأن القضية ليست فقط، انطباق الفكر مع الواقع، بل هي أيضا، وفي نفس المجال انطباق الواقع مع الفكر. وفي سياق هذا الوجه الأخير من منطق الواقع، فإن المشكلة تكمن في صعوبة التساوق بين الوقائع المتغيرة والمبادئ العقلية الثابتة عكسا وطردا. وما ظهور مبدأ الوحدة والتركيب إلا دليل على حاجة العقل إلى التكيف مع المتغير الجديد وحاجة المتغير إلى السير في نظام العقل في علاقة جدلية.
لقد حاول أهل الاستقراء تجاوز المنطق الأرسطي لكونه لا يصلح للعلم ولكونه أيضا، مرتبط بالفلسفة. ولكنهم وقعوا هم أنفسهم، تحت رحمة الفلسفة والتناقض من حيث إنهم خاطروا بفروض غير مؤكدة علميا وخالفوا من ثمة، تعاليم المنهج العلمي القائم على الملاحظة والتجربة لا على الافتراض والخيال. ولهذا، فإن الجدال بين العقلانيين والتجريبيين في هذا النطاق، يبقى عقيما طالما استمر الإصرار الدغماتي على تعزيز أطروحة على حساب أخرى.


________________________________________
[1] - عالم ولد بتلمسان في بداية القرن 15، صاحب مصباح الأرواح في أصول الفلاح، وله في منطقة توات (ولاية أدرار) مشاحنات ضد اليهود، ووقع بينه وبين جلال الدين السيوطي نزاع في علم المنطق؛ توفي بتوات ودفن بها سنة 1503م. (ابن مريم، البستان، ص، 253).
[2] - نقلا عن عمار طالبي، مقال في جريدة الشعب، الجزائر، بتاريخ 17-02-1988. ولقد نقلنا حكاية المناظرة كاملة.
[3] - رواه النسائي في "سننه" (3/188 ـ 189) من حديث جابر بن عبد الله. وحديث "وإياكم ومحدثات الأمور؛ فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة" [رواه الإمام أحمد في "مسنده" (4/126، 127)، ورواه أبو داود في "سننه" (4/200)، ورواه الترمذي في "سننه" (7/319، 320)؛ كلهم من حديث العرباض بن سارية].
[4] - ويجب هنا، التنبيه إلى أننا لا ننتقد راوي الحكاية، وإنما ننتقد المناظرة في حد ذاتها.
[5] - رواه مسلمٌ من حديث جابر.
[6] - وإذا قلنا بأن أهل السنة هم المتبعون للسنة و "السنة الأصل فيها الطريقة والسيرة، وإذا أطلقت في الشرع، فإنما يراد بها ما أمر به النبي (ص) ونهى عنه وندب إليه قولا أو فعلا مما لم ينطق به الكتاب العزيز؛ ولهذا يقال في أدلة الشرع، الكتاب والسنة أي القرآن والحديث.(تعليق أحمد فهمي محمد، الملل، ج. 1، ص، 51).
[7] - ألفرد بَل، الفرق الإسلامية في الشمال الإفريقي، ص، 134.
[8] - (642- 728م.) كان له مع واصل بن عطاء زعيم المعتزلة، مناظرة كلامية مشهورة حول مرتكب الكبيرة.
[9] - فجر الإسلام، ص، (290-291).
[10] - الزمخشري، تفسير الكشاف، ج. 1، تفسير الآية 16 من سورة البقرة.
[11] - وسنقف على هذه القواعد بشيء من التفصيل لاحقا.
[12] - وقد نقع في أغلوطة الحد الرابع.
[13] - استغرق الشيء معناه استوعبه؛ والاستغراق في المنطق هو احتواء مفهوم (أ) على مفهوم (ب) بحيث يكون الأول هو المحتوي والثاني المحتوى؛ وعلى هذا الأساس يكون (ب) مستغرَقا في (أ) وجزءا منه.
[14] - وأحينا يستعملون كلمة الاستنتاج التحليلي أو المنطق التقليدي، وما القياس سوى صورة منه.
[15] - فالتصور "كتاب" هو عام كذلك، لأنه يشمل جميع أنواع الكتب للكبار وللصغار وفي كل التخصصات من علوم وفنون.
[16] - انظر، النصوص الفلسفية المختارة، النص رقم: 10.
[17] - وينبغي التمييز بين التصور الذي هو عملية الإدراك والتصور الذي هو الموضوع المدرَك أي بين فعل التصور و الماهية التي تحصل في الذهن بواسطته.
[18] - الحكم نوعان: تحليلي وتركيبي؛ الأول هو الذي يكون فيه المحمول مستخلصا من ماهية الموضوع ، فلا يضيف جديدا، كقولك إن الجسم ممتد؛ والثاني هو الذي يكون فيه المحمول معبِّرا عن صفة لا تدخل في مفهوم الموضوع، فيضيف المحمول إلى الموضوع صفةً جديدة، كقولك الجسم ثقيل.
[19] - إن النسبة بين الحدين التي يصدق بها العقل، تكون على أنواع مختلفة: منها نسبة المساواة ، ونسبة المشابهة، ونسبة التتابع، ونسبة الغائية، ونسبة السببية. انظر، نصوص فلسفية مختارة، النص رقم: 7.
[20] - وفي حالة وجود ثلاثة حدود سليمة، يكون هذا القياس غير منتج لأنه يمثل الشكل الثالث من أشكال القياس الأربعة حيث تقضي القاعدة الثانية فيه بوجوب أن تكون النتيجة جزئية.
[21] - أو ما يسمى بالعقل المكوَّن.
[22] - اسْتنادُ علماء المنطق إلى الأساليب اللغوية العادية، يُبقيهم في حِضن الفلسفة في الوقت الذي تَرفع فيه، لغةُ الرموز الرياضياتِ فوق سلطة الفلسفات والإيديولوجيات.
[23] - Paul Mouy, Logique, P. 30
[24] - محمد ثابت الفندي، أصول المنطق الرياضي، ص، (34-35).
[25] - إنَّ مَنطقَ الفَلاسِفةِ يَستَنِدُ أساسا، إلى ألْفَاظِ اللُّغةِ العاديَةِ في عَرْضِ قَضاياهُ و بُرهانِها. و لم يَستطعْ هذا المنطقُ طِوالَ تاريخِه أن يَصْطنِعَ لِنفْسِه لُغةً عِلميَّةً، كالشأنِ في العُلوم الأخرى التي استَقلَّت عن الفلسفةِ، مع شِدَّةِ حاجَتِه إلى مِثلِ هذه اللُّغةِ؛ إذ أن العلومَ الأُخْرَى، وعلى رَأْسِها الريَّاضيَّاتُ، اِصْطَنعتِ اللغةَ "الرَّمزيةَ" التي أثْبَتَ اسْتِعمالُها أن العلومَ غيرُ مُمكِنةٍ بِدُونها، وفيها يَكمُنُ سِرُّ النجاحِ المنقطِعِ النظيرِ في العلوم المَضْبوطةِ«. (محمد ثابت الفندي، ن. م.، ن. الصفحة).
[26] - توفيق الطويل، أسس الفلسفة، ط. 5، ص، 366.
[27] - أ. لالاند (1867-1963 André Lalande) أستاذ فلسفة بالسربون وعضو أكاديمية العلوم الأخلاقية والسياسية. من مؤلفاته: قراءات في فلسفة العلوم، العقل المكوَّن والعقل المكوِّن (Raison constituée et raison Constituante)، نظرية الاستقراء والتجريب، معجم اللغة الفنية والنقدية للفلسفة.
[28] - وهي: "الوظائف الذهنية في المجتمعات السفلية" 1910، وفي "الذهنية البدائية" 1923، وفي "الروح البدائية" 1927.
[29] - ولكن الحقيقة كما يراها بعضهم، هي أن المفاهيم لدى البدائي لم تبلغ مبلغ التفكير العقلي المتحضر.
[30] - محمود يعقوبي، الوجيز في الفلسفة، ص، 244.
[31] - ولقد فسر ماركس الأوضاع الاجتماعية على ضوء هذا المنطق الجدلي.
[32] - فبالنسبة لكانط مثلا، "فإن العقل يحكم على كل الأفكار والأعمال قصد جمعها في نظرة عالمية، كما هو في فكرة الله وفكرة الإنسان وفكرة الكون. إنها موجودة في الفن والدين والسياسة للوصول إلى الحقيقة".
[33] - ليس الإنسان مجردا من تصورات وأحكام وقواعد إدراك عندما ينظر إلى موضوع مثل الحقيقة؛ فلا بد من أن يكون ممتلكا لمنطق معين، مع العلم بأن المنطق ليس واحدا.
[34] - محمد ثابت الفندي، ن.م. ص، (34-35).
[35] - من الشائع أن علم الكلام والمنطق مترادفان في الفكر الإسلامي.
[36]- ومعنى هذا، أن أساس المعرفة اليونانية أو القديمة القائمة على الصفات الكيفية، يختلف عنه في المعرفة الحديثة التي تنصرف إلى القياس الكمي للظواهر و تصويرها تصويرا رياضيا.
[37] - محمد ثابت الفندي، ن.م.، ص، (20-21).
[38] - أصول المنطق الرياضي، ص، (22-25). انظر نصوص فلسفية مختارة، النص، 13، والنص، رقم:










رد مع اقتباس
قديم 2012-10-26, 16:36   رقم المشاركة : 24
معلومات العضو
philo_souf
عضو فعّال
 
إحصائية العضو










B18

المــادة: فلسفة
النشاط: درس نظري
الإشكالية الثانية: المذاهب الفلسفية
المشكلة الثانية: المذهب البراغماتي و المذهب الوجودي
المستـــــــوى : 3 تسيير و إقتصاد
الحجم الساعي: 04 ساعات
الكفاءة الختامية: يتوصل المتعلم إلى التحكم في آليات الفكر النسقي
الكفاءة المحورية: إكتساب الفهم السليم والحوار المؤسس
الكفاءة الخاصة: إبراز ما يضمن الكفاءة في تبني المذهب وفي رفعه،.إدراك إشكالية المذهب ومنطقه ونسقه ومحتوى أطروحته واستثمار ذلك في محاولة تحرير المقالات.

الأسئلة

ماهي مشكلة الدرس؟
ما هي أسس المذهب البرغماتية؟
أين نشأ هذا المذهب ؟و على يد من؟
كيف ثار على الفلسفات التقليدية؟
ما هو مفهوم البرغماتية؟
ما هي أسس هذا المذهب؟
ما هي أسس الفكرية و المنطقية للمذهب الوجودي ؟
ما هو أنواع الوجود؟
ما هي ردود المذهب الوجودي على الفلسفات التقليدية؟
ما هو موقفها في فكرة الوجود والماهية؟
ما هو المنهج المناسب حسب المذهب الوجودي ؟ وكيف ذلك؟
ما هو موقف الفلسفة الوجودية من فكرة الحرية؟
ومن فكرة الموت؟
ما هو مفهوم فكرة تناقض الوجود؟
وهي علاقة الذات بالآخر في هذه الفلسفة؟
ماذا نستنتج في الأخير؟

التحليــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــل:

مقدمة (طرح المشكلة):
على الرغم من المفارقات التي نلمسها في المذهب البراغماتي و المذهب الوجودي ،ومن خصوصيات مصدرهما، فإننا نطرح التساؤلات التالية:
أيهما أصلح لي :المذهب الذي يقدم لي الوسائل و الأدوات التي تساعدني عل العمل و النجاح أم المذهب الذي يهيئ لي فرصة الرجوع إلى ماهية ذاتي أتملها ؟،هل هو الذي يعود علي بفائدة تحل مشاكلي النظرية و العملية التي تواجهني أم الذي يسوقني إلى أعماق نفسي فأعيها و أتدبرها و أعيش ما يخالجها من حالات نفسية؟
1) المذهب البرغماتي(الأسس الفكرية و المنطقية):
ظهر المذهب البرغماتي بعد التطور الذي شهدته أمريكا في مجال الحياة الاقتصادية لذلك فالبرغماتية تقوم على ركيزتين أساسيتين :
- رفض الفلسفات المجردة التي ليست في خدمة الحياة
- تأسيس فلسفة عملية.
أولا: رفض الفلسفات المجردة التي ليست في خدمة الحياة :
1 – نشوء المذهب :
نشأ المذهب البرغماتي في أمريكا مطلع القرن العشرين على يد ثلاثة من المفكرين "تشارل بيرس1839- 1914 "و "ويليام جيمس 1842-1910"و "جون ديوي1859-1952" بحيث تجاوزوا الفلسفات التقليدية وسعوا إلى بناء منهج جديد يساير حاجات الناس المتجمدة وتقلبات رغباتهم اليومية وهو منهج يدعوا إلى انصراف الفكر للفكر نحو العمل إستجابة لضروريات الحياة وإستشرافا للمستقبل
2- ثورته على الفلسفات المجردة:
بحيث رفضت البرغماتية الأبحاث المجردة و المذاهب المغلقة والحلول المعلقة في فضاء العلل الأولى و الأسباب القبلية لأن "جيمس" اعتبرها مجرد خرافات لأنه سيهتم بتحقيق منافعه ويبتعد عن التأمل الفارغ.
ثانيا: ما هي القواعد التي ساعدت على تأسيس فلسفة عملية:
1) تعريف المذهب :
البرغماتية أو الذرائعية هي مذهب فلسفي ،يجعل من كل منطلق و مسلمة غاية لتحقيق منفعة سواء كانت فردية أو جماعية كذلك مهما كانت طبيعة المنطلق حسي أو عقلي أو ميتافيزيقي ,ولفظ البرغماتية مشتق من الكلمة "براغما" باليونانية تعني العمل و المزاولة وبحيث يعتبر "ديوي"(الحياة هي توافق بين الفرد وبيئته))
2) العبرة بالنتائج:
إن أول مقياس يجعلونه مرجع في و المنطلقات هو تحديد منعة علمية بحيث يعتبرون الفكرة الناجحة هي التي لا تُحقق منفعة عملية ومقابل ذلك أن الفكرة التي لا تحمل في طياتها مشروع قابل لإنتاج آثار عملية يعتبر خرافة ، فالمعاني الميتافيزيقية و المعتقد الديني لا يكون مقبولا إلا إذا حقق منفعة عملية وأعطت فائدة في مجال الحياة الدنيا ,
3) العبرة بالنتائج الناجحة :
بحيث يعتبر المنهج الصحيح هو ذلك الذي يحدد الآفاق المستقبلية التي تحقق فيها التناغم العقلي بين تطلعات الأفراد وأحلامهم ،أي أن حلول المشكلات يتوقف ،بحيث يكون بالوقوف على نتائجها الملموسة ونتائجها الحسية التي تترك أثر نافع في الحياة وما دون ذلك فهو باطل لهذا يقول "جيمس"((إن آية النجاح وآية الباطل الإخفاق )).
4)المرونة والمراجعة المستمرة :
أي أن الصدق الذي نقف عليه اليوم ليس صدق ثابت بل هو متغير ومتقلب مع الواقع .
5) الصدق صدق لأنه نافع :
بحيث يعتبروا أن المقياس الصدق وسيلة لتحقيق أغراضنا الفكرية والعملية بحيث شبهه بالسلع ،التي تحدد قيمتها بقدر ثمنها الذي يدفع فيها فعلا في السوق ،كما إعتبروا أن الإنسان ليس مصدر الحكم علي الأشياء بالصدق أو الكذب بل هو ما يرشد إلى الصدق ذالك هو الصادق كما يقول "ديوي " (إن ما يرشدنا إلي الحق فهو حق)).
2) المذهب الوجودي: (الأسس الفكرية و المنطقية):
إن المنطلقات التي يأخذ بها الوجوديون في التقريب مختلف وجهاتهم الفلسفية يمكن ردها إلى أربعة تساؤلات:
أولا :هل الطبيعة التي يتصف بها وجود الأشياء تشيه طبيعة الوجود الإنساني ؟.
ثانيا:أليس بإمكان التمرد على نظام الاشياء؟.
ثالثا:هل المعرفة الحقيقية تأتينا من عالم الأشياء أم من العالم الداخلي للإنسان؟.
رابعا:هل يرتجى من كون الإنسان إنسان الحصول على السعادة أم الإرتماء في المخاطرة و ما يترتب عنها من قلق و شؤم ؟.
أولا:هل الطبيعة التي يتصف بها وجود الأشياء تشبه طبيعة وجود الإنسان:
يطرح الوجوديون عدة تساؤلات من أجل معرفة حقيقة الوجود الإنساني وطبيعة علاقته مع عالم الآخرين وعالم الأشياء ،وللرد على هذه التساؤلات التي تثيرها الوجودية يصرحون أن الوجود وجودان :
1)الوجود في ذاته:ويمثل عالم الأشياء وهي ظواهر خارجية قابلة لدراسة العملية تخضع لتجربة ويفهمها العقل.
2-الوجود لذاته :وهو ما يستدعيه البحث في الوجود بما هو موجود وهذا يعني الوجود الإنساني الذي يشعر به كل واحد وحيث يعتبر سار تر:إن الأحجار والأشجار هي مجرد كائنات وان الإنسان في هذا العالم هو وحده الذي يوجد لذاته أي يمتلك وجدانا
ثانيا - أليس بإمكان الإنسان التمرد على نضام الأشياء :
ويتضمن هذا السؤال عدة أسئلة يظهر عليها وهي هل أنا مشروع أم موضوع أي هما سيكون وهو سابق لوجوده ، أم العكس أي وجوده سابق لماهيتين ؟
هل أنا أقرر مصيري أم ّأن مصيري يتقرر قبل أن أوجد؟ أليس بإمكاني أن أتمرد عن النظام الذي تخضع له الأشياء ؟ ويتضمن نقطتين محوريتين :
1) التمرد على القول بأن الماهية سابقة للوجود :وأن الاختبار مناقض للفلسفات السابقة التقليدية خاصة الحركة العقلية و المثالية ذلك لأن هاته الفلسفات:
أ) افتقدت الإنسان الواقعي المشخص : بحيث إهتمت به كمفهوم فارغ من كل تعين بحيث يدعون إلى صب الناس في قوالب تذوب فيها العواطف و الاعتقادات .
ب)كما أضرت بفهم حقيقته: التي تتمثل في حضور الشعور و دوامه ،بحيث أن أبغض شيء إلى الفلسفة ، الأدب البعد عن دائرة الوجود الحق وجود الذات ، ولا يمكن أن يتساوى عندها وجود الإنسان الفرد ووجود الأشياء ،ولهذا فالوجودية تنفر من العلم وتتهمه بأبشع الإتهامات ،كالتعميم والتشيئ .
ج) جعلت الأشياء الخارجية مستقلة عن الذات العارفة ،و إعتبرتها مصدر الحقيقة
د) تنظر إلى الوجود بإعتباره لاحقًا للماهية :وليس سابقا لها ،بحيث أعتبر القاعدة تنطبق على عام الأشياء لا على الإنسان .
2) إثبات القول بأن الوجود سابقا للماهية والتمرد على نظام الأشياء:
أ) الوجود أولا: بحيث إنتقلت الفلسفة من دراسة الوجود المجرد إلى دراسة الإنسان المشخص في وجوده الجسمي.بحيث يبحث الفيلسوف عن المعرفة الصحيحة في أعماق نفسه،ومعني هذا أن وجودي يقوم في بداية الأمر ،بغير ماهية ،وأكون عند ولادتي ناقص الصورة ، لأني الكائن الوحيد الذي يكمن قي حريته ،على عكس الحال مع سائر الكائنات .
ب) التمرد على نظام الأشياء : أي أن الإنسان يوحد يحدد ماهيته ، أي وجب أن أختار،ولكي أختار وجب أن أكون موجودا ،ولأنني متمرد على طبيعة الأشياء ولأنني مشروع لا موضوع ،فأنا لا أتوقف عن الإختيار ولا عن تحمل المسؤولية بكل أبعادها،لذلك لا يمكن إعطاء تعريف ثابت للإنسان نحدد فيه ماهية لأن الإنسان عندما يوجد يبدأ في تحديد ماهيته حتى الموت .
ثالثا:هل المعرفة الحقيقة عالم الأشياء أو من العالم الداخلي للإنسان ؟
1) الشعور أو الحدس هو الوسيلة التي تناسبني :
أن العقل لا يستطيع أن يتقدم السبيل لينبئنا عن شيء أو ليقرر أمرا بعيدا عن الشعور ،ولقد جعل "سارتر" من الشعور الباطني نقطة البدء الأول لكل فن ولكل أدب ،ولكل فلسفة ،حتى أن التفلسف صار ينبع عنده من داخل الشعور وصميم الوجدان .
2) الشعور يتجه دائما إلى العالم الخارجي ولا يرضى لذاته أن يكون منطوية على نفسها :بحيث يعتبر أن وجود الأشياء يتوقف على وجود الإنسان الذي يستلهم منه أفكاره وعليه فالإنسان هو الذي يخلق العالم الحقيقي الموجود بالنسبة إلينا ،وليس هذا فحسب بل أن العلم المخلوق يتنوع تبعا للغايات التي يهدف إليها الإنسان .
3) الغرض من هذا :لقد جعلت الوجودية الوجود الذاتي في علاقته مع العالم أصلا لكل بحث ولكل فلسفة مقابل تصور "هيغل " الذي يفصل بين العقل والوجود.
رابعا: هل يرتجي من كون الإنسان إنسانا أي كونه مشروعا ووجودا تراميا،الحصول على السعادة أو على العكس من ذلك ،الإرتماء في يم المخاطر وما يترتب عنها من قلق وشؤم ؟
1) الحرية :إن الإنسان حر مختار و في اختياره يقرر تقصانه ،لأنه لا يملك تحقيق الممكنات كلها ،ويتم الاختيار على الرغم من أن اختياره لا يقترن برؤية ،وليكون مسبوق بتقدير عقلي أو تحديد للغاية ومعرفة البواعث ،مما يقضي به لا محالة إلى الضيق و القلق والحيرة .
و الحرية اختيار مطلق،والاختيار ينطوي على النبذ ،و لهذا كان الوجود هو ثغرة لا يمكن ملؤها أبدا .ولا سبيل إلى الخلاص من اليأس .
ومنشأ القلق عند "سارتر" هو مجموعة نتائج اختيارنا للقواعد التي يسير عليها سلوكه ولا بنشا عن الأحاسيس والعواطف على ما هو عند غيره من الوجوديين
2) الموت : بحيث نظر الوجوديون على الموت نظرتين :
أ) عند الملحدين : يرون أنه عندما نتساءل السؤال إذا كان لابد من الموت فماذا يبقي للحياة من معني ؟ وهذا السؤال يسبب الألم لدى الوجوديون ,
ب) عند المسيحيون :يثير الموت القلق بسب شعوره الحاد بسير نحو الموت لأن الإنسان معلق بالأم الإلهي الذي يحتفظ به في الوجود
3) تناقض الوجود :يرى "سارتر" أن الوجود في ذاته ملء ثابت ليس فيه من الدينامكية شيء فهو يستحيل أن يكون مجلوبا من غيره أو من موجود ممكن لأنه يتعلق بالموضوعات كالشجرة والجبل ،أما الوجود لذاته فيتصف بالتغير وعدم التماسك ,
لذلك فالأول أي الوجود في ذاته متناه لأنه مكون في تركيبته الزمان أما الوجود لذاته فهو وجود يدخل في مقاوماته العدم ،والعدم يكشف عن نفسه في حالة القلق وهذا الوجود تناقض لأنه نقطة التلاقي بين المتناهي و اللامتناهي بين الزمني والسرمدي بحيث فرديته مغمورة بالزمان والزمان منتهي والوجود بوصفه حضورا في و اللامتناهي والسرمدي .
4)تعدد الوجدانات مصدر النزعات :إن مغايرة الإنسان للأشياء تجعله كائن يتمرد عن نواميس هذه الأشياء لأن وجوده البشري سابق لماهيته،ولأنه الموجود الوحيد الذي يعيش وجوده في أعماقه وبكل كيانه ،ولأنه أخيرا وبوعيه هذا ،وعلى الرغم من حريته في إختيار أفعاله ، يشعر بضعفه أمام فهم الآخرين وبقصوره عن تحقيق كل رغباته الممكنة ،ويعجزه عن تجنب المخاطر ورفض الموت .
حل المشكلة:
إن الوقوف على هذه التناقضات يجعل الإنسان يعيش حالة من التمزق في الأفكار و المبادئ ، لذلك نجد "ابن رشد " حاول التوفيق بينهما تم تجاوز الثنائية المطروحة نحو توجه جديد ،إذن فقد يأخذ بهذا تارة وبذالك تارة أخرى وبالتناوب وليس ممنوعا أنه إذا أخذ بهذا الآن . لم يأخذ بعده بذالك .
مثال :أنه إذا كانت لدي مجموعة من الفواكه وخيرت في طريقة نتناولها فإنه تكون علي ثلاثة حالات علي الأقل :
إما أن أتناولها حسب ذوقي الخاص والظروف المحيطة بي .
أو أتناول بعضها عصيرا أو بعضها فاكهة .
أو أن أتناولها خليط طبيعيا منها (سلاطة )أو مربي مخلوطا أو خاصا بكل فاكهة.










رد مع اقتباس
قديم 2012-10-26, 16:39   رقم المشاركة : 25
معلومات العضو
Seifo Oo
عضو جديد
 
الصورة الرمزية Seifo Oo
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

شكرا يا استاذ دائما في الافضل









رد مع اقتباس
قديم 2012-10-26, 17:06   رقم المشاركة : 26
معلومات العضو
yasmine24
عضو مشارك
 
إحصائية العضو










افتراضي

merci. bcp










رد مع اقتباس
قديم 2012-10-26, 19:03   رقم المشاركة : 27
معلومات العضو
philo_souf
عضو فعّال
 
إحصائية العضو










افتراضي

الحصة: نظري. التاريخ: .../.../...20
الإشكالية االثانية: في انطباق الفكر مع ذاته و ومع الواقع الشعب:
3لغ أ/3ع تج
المشكلة الثانية : انطباق الفكر مع الواقع. المراجع: - كتاب إشكاليات فلسفية التقويم: شفوي، كتابي، مرحلي،
ختامي، ذاتي. - معاجم فلسفية وتراجم الفلاسفة.
الكفاءة المستهدفة: - وثائق مكتوبة وصور ذات صلة بموضوع الدرس
الكفاءة الختامية
الكفاءات الحورية والخاصة.

الـجــانـب المنهجي

الــــمضــــــاميـــــــــــــن الــمـعــرفـــــية

.

الكفاءة الختامية الأولى: أن

يتوصل المتعلم إلى التحكم في آليات الفكر
ألنسقي.


الكفاءة المحورية:


التحكم في آليات التفكير المنطقي




الكفاءة الخاصة:

ضبط المفاهيم المنطقية.


























الكفاءة الخاصة:

التحكم
في البرهنة.



















































الكفاءة الخاصة:

استخدام القياس في مجاله
وسياقه.


المجال الإشكالي:



المكتسبات القبلية
المفترضة:
- كفاءات وقدرات لغوية للتعبير والتواصل،
والكتابة.

- كفاءات معرفية تاريخية مرتبطة
بالحضارة اليونانية القديمة، والحضارة الإسلامية الوسيطة، والحضارة الغربية
الحديثة والمعاصرة.

- معارف علمية وتاريخية سابقة.

- التمكن من الكفاءات الفلسفية المكتسبة من دراسة
المشكلات الفلسفية المقررة السابقة.

المجال الإشكالي:


في آليات التفكير المنطقي كيف
يمكن للفكر أن ينطبق مع نفسه، وكيف يمكنه أن ينطبق مع الواقع؟






































































































انطباق الفكر مع الواقع

بما أن العقل يتوجه الى ذاته فهو كذالك يتوجه الى الواقع
وهذا التعامل مع الظواهر والاشياء يؤسس للمنهج التجريبي أي التعامل مع المحسوسات
بواسطة العقل، فكيف ينطبق العقل مع الواقع؟

تعريف الاستقراء : هو
الانتقال من الخاص الى العام أي من الجزئي الى الكلي : ويقول عنه ابن تيمية :
<هو الاستدلال الجزئي على الكلي ويكون يقينيا إذا كان إستقراء تام لانه حينئذ
نكون قد حكمنا على القدر المشترك بما وجدناه في جميع الافراد وإلا فهو ناقصا>

أنواع الاستقراء:الاستقراء
نوعان تام وناقص

01- الاستقراء
التام : هو إستقراء يقيني لأنه يقوم على إستقراء لكل جزئيات موضوع البحث .
02- الاستقراء
الناقص: هو إستقراء غير يقيني بصورة مطلقة لانه يقوم على تفحص بعض الجزئيات فقط.

خطوات المنهج التجريبي: يمكن التعرف على
الاستقراء من الناحية الاجرائية بذكر حطوات المنهج التجريبي وهي على النحو
التالي :

أ‌-
الملاحظة : ويقصد بها
الملاحظة العلمية المجهزة .

ب‌-
الفرضية: وهي عملية عقلية<تخمين> لتفسير
واقعة أو كما يقول ماخ :<تفسير مؤقت لوقائع معينة يلعب الخيال والحدس دورا
هاما فيها>

ج- التجريب: وهو إختبار الوقائع وتركها تعبر
عن ذاتها بكل موضوعية وروح وضعية كما أن التجريب خطوة حاسمة لتكذيب أو التحقق من
صحة الفرضية وإستخلاص القانون العلمي.


قواعد المنهج التجريبي:

طريقة التلازم في الحضور: تقوم على تلازم بين العلة
والمعلول في الوجود فإذا وجدت العلة قام المعلول بالضرورة .

طريقة التلازم في الغياب : تقوم على اساس التلازم بين
العلة والمعلول في عدم وجود الظاهرة .

طريقة التلازم في التغير : كل تغير يطرأ على العلة لا بد
من أن يجعل بالمقابل تغيرا يطرأ على المعلول، نظرا للتلازم القائم بينهم .

طريقة البواقي : وهي تعني أن العلة لشيئ ما لا تكون في
الوقت نفسه علة لشيئ آخر مغاير للشيئ الاول .

03- كيف نصل الى هذا الانطباق إذا كان يأخذ بأحكام مسبقة غير
مؤكدة علميا؟

يعتد المنهج العلمي على ضمنات كثيرة ويسلم في الوقت ذاته
بأحكام تسبق التجربة

01- مبدا السببية <العلية > هو من أسس الاستقراء
التجريبي الذي ينبني عليها وقاعدته أن لكل سبب مسبب ولكل علة معلول أي فكرة
الضرورة التي تقوم بين الظواهر في تتابعها تظل فكرة في الذهن .

02- مبدأ إطراد الظواهر : يمكن النظر الى مبدأ السببية
والاطراد على انهما مترابطان فكما أن العلاقة ضرورية بين العلة والمعلول في
العقل قبل التجربة وإنكار مبدأ الاطراد يفضي الى الايمان بفكرة عدم الانتظام
والفوضى وهو ما لا يقبله العقل .

03- مبدأ الحتمية :إن الظواهر يتحتم وقوعها متى توفرة
أسبابها ويستحيل أن تقع مع غياب هذه الاسباب بمعنى نفس الاسباب تؤدي الى نفس
النتائج .

04- كيف يتضمن هذا الاسلوب المنطقي الوصول الى الحقيقة ؟

يمكن حصر الاطار المنطقي لهذا المنهج في القوانين التالية:
وهي الافتراض والتقنين والتعميم والتنبؤ .

فما أهمية هذه المواضع في الاستقراء والمنهج التجريبي ؟

01- الوصول الى الحقيقة بضمانة من عقلنة الظواهر ولقد
إفترض العلماء أمثال نيوتن أن الوجود عقلاني بمعنى أن الكون يمكن فهمه بالقواعد
الذهنية ولهذا جاء الاطار المنطقي للقانون العلمي فكيف ذلك ؟

يعد القانون العلمي محصلة تضم نتائج البحث المعتمد خلال
المنهج التجريبي مصاغة غالبا صياغة رياضية بعد إخضاع الفرضية للتحقق التجريبي إن
الوظيفة االاساسية للعالم تتبلور في ربط الظواهر ببعضها من خلال العلاقات التي
تقوم بينها وصولا الى نظرية عامة ومجوعة قوانين تجريبية .بمعنى الوصول الى
القوانين العلمية بضمانة من إنتظام الظواهر .

01- التعميم: يهتم
الاستقراء بالنظريات العامة ذات الطابع التفسيري ان التعميم يتعدى حدود التجربة
المفردة في المكان الى كل تجربة فب اي مكان ضمن الشروط المتماثلة فقانون سقوط
الاجسام ينطبق على كل الاجسام مهما إختلفت البلدان والتظاريس .

02- التنبؤ : هو نوع
من الاحتمال وبذلك فهو مشروع ضروري في البحث العلمي يكفي أن نلاحظ مرة
واحدة لكي نحكم بأن القوانين ذاتها
بإعادة حدوث الظواهر.

02- هل الانطباق مع الواقع في هذه الحالة
يمنع الفكر من الانطباق مع نفسه أيضا؟:

يذهب المناطقة و العلماء على حد السواء الى ان العلم
الحديث احرز تقدما كبيرا بفضل استخدام المنهج التجريبي وهذا التقدم لا يعني انه
يستند الى ملاحظة والتجريب فقط فكيف
يتأتى للفكر أن ينطبق مع نفسه من خلال انطباقه مع الوقائع التجريبية.

اولا
النسق الرياضي يترجم انطباقه مع نفسه ومع الوقع :

يقومم الباحث على ضوء المعطيات الملاحظة و التجريب باجراء
عمليات أستبطانية تستخدم الرياضيات كاداة للتحليل وتصاغ القوانين وفق التحكم
الرياضي.

- النسق الرياضي المجرد يطابق العلم التجريبي:


ان المنهج التجريبي الحديث اصبح اذا يعتمد على منهج
الملاحظة و المنهج الرياضي كما ان
الرياضيات متد العلم التجريبي بلغته الدقيقة فالرياضيات تحتوي في مفاهيمها على
تحديد الكم والكيف بالارقام

تضمن النسق المنطقي وانطباقه مع نفسه ومع
الواقع:

ان الاستقراء يهدف الى الكشف عما هو جديد لانه ليس مجرد
تلخيص للملاحظات السابقة فقط بل انه يمنحنا القدرة على التنبؤ ويوحد الاستقراء العقل
مع نفسه بواسطة مبدا الهوية ويوحد الفكر مع نفسه ومع الواقع

خاتمة حل المشكلة :

ينطبق الفكر مع
الواقع حين يعتمد على المنهج التجريبي الاستقرائي ويحقق كذالك تطابق الفكر مع
نفسه إن المنطق الارسطي قام على الانطلاق من مسلمات وبديهيات ثم الاعتماد على
قواعد ومبادئ حددها العقل لاجل الوصول الى نتائج سليمة إلا أن المنطق المادي
والمنهج التجريبي تجاوز هذه المنطلقات بالاعتماد على منهج جديد تمثل في إستقراء
الموجودات والملاحظة ثم التجريب لاجل إستنطاق الظواهر الطبيعية والوصول الى
إنطباق الفكر مع نفسه ومع الواقع لقد حاول أهل الاستقراء تجاوز المنطق الارسطي
لكونه لا يصلح للعالم ولكونه أيضا مرتبط بالفلسفة من حيث أن المناطقة خاطروا
بفرض غير مؤكد علميا وخالفو تعاليم
المنهج العلمي القائم على الملاحظة والتجربة لا على الافتراض والخيال ولهذا فإن
الجدل بين العقلانيين والتجريبيين في هذا النطاق يبقى عميقا طالما إستمر تعنت كل
طرف.










رد مع اقتباس
قديم 2012-10-27, 11:16   رقم المشاركة : 28
معلومات العضو
philo_souf
عضو فعّال
 
إحصائية العضو










افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة yasmine24 مشاهدة المشاركة
merci. Bcp
السلام عليكم
عيدكم مبارك وكل عام وأنتم بألف خير
لا شكر على واجب
الفيلسوف السوفي









رد مع اقتباس
قديم 2012-10-27, 11:27   رقم المشاركة : 29
معلومات العضو
philo_souf
عضو فعّال
 
إحصائية العضو










افتراضي

المــادة: فلسفة
النشاط: درس نظري
الإشكالية الثانيــــة: الأخلاق الموضوعية والأخلاق النسبية
المشكلة الخامسة: الأخلاق بين الثوابت والمتغيرات
المستـــــــوى : 3 آداب وفلسفة
الحجم الساعي: 6 ساعات
الكفاءة الختاميــة: ممارسة التأمل الفلسفي في القضایا الفكریة التي تتعلق بالإنسان ومحيطه .
الكفاءة المحورية: التحكم في البحث الفلسفي في العلاقة المعقدة بين المبادئ والممارسات عن طریق تهذیب مَنْطقيٍّ الثوابت والمتغيرات.
الكفاءة الخاصــة: التحكم في فهم الأخلاق كمبادئ و إنجاز البحث فيها، وفهم سلوكات الناس الأخلاقية في مجال الحياة العامة وتحليلها وتأملها.
الأسئلة
ماهي مشكلة الدرس؟
هل المبادئ الأخلاقية ثابتة أم نسبية؟
ما هو موقف الإتجاه الديني؟
من ممثل هذا الموقف؟
ما هو موقف الإتجاهات العقلية؟
من ممثل هذا الإتجاه؟
ما هو موقف الإتجاه الإجتماعي؟
من ممثل هذا الإتجاه؟
ما هو موقف الفلاسفة النفعيون؟
من ممثل هذا الإتجاه؟
ألا يمكن إعتبار الأخلاق ثابتة ومتغيرة؟
ماذا نستنتج في الأخير؟
التحليــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــل
مقدمة(طرح المشكلة):
إن من أهم الإهتمامات في التاريخ البشري الأخلاق ،و هي بالجملة قيم و أفعال تقوم على أحكام تقديرية تهدف إلي توجيه سلوك الإنسان و غايتها من هذا السلوك إذن التقويم و الإرشاد،وليس هناك إختلاف بين الفلاسفة في أن الفعل قد يحمل قيمة الخير أو قيمة الشر،لكن الإختلاف موجود في الأساس الذي نعتمد عليه في معرفة الخير و الشر،و بالتالي فعلى أي أساس نقيم القيم الأخلاقية ؟
** هل يمكن القول بأن الأخلاق واحدة لمجرد قيامها على أساس من المبادئ و الثوابت:
أولا : وحدة الأخلاق في قدسيتها (الديـــــــن):
إن الدين بمفهومه العام هو الإعتقاد العاطفي بوجود مبدأ أعلى مفارق للطبيعة و يدفع هذا الإعتقاد إلى أداء واجب إتجاه هذا المبدأ(اللـــــه).
وانطلاقا من إرثنا الحضاري نجد أن الإسلام دعوى إلى الخير،فجاء في القران قوله تعالى:«ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير و يأمرون بالمعروف و ينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون».
وبهذا يتضح لنا أن الدين يشكل بعدا أخلاقيا نستند إليه في تقويم أفعالنا الخلقية وفق قيم العمل بالخير و الإبتعاد عن الشر فإبن حزم يرى بأن الله تعالى هو الذي سمى الحسن و القبح،فالخير أو الحسن هو ما أمر الله به،و الشر أو القبح هو ما نهى الله تعالى عنه،و معنى هذا أن معيار الخير و الشر عند ابن حزم يرتد إلى الإرادة الإلهية.
وقد مثل هذا الموقف أيضا فرقة الأشاعرة (هي فرقة كلامية إسلامية يعد أبو حسن الأشعري مؤسسها، توفي سنة324ه)،ويرى زعماء هذه الفرقة بأن حسن الأفعال و قبحها حددها الشرع،و بالتالي فإن الأفعال لا تحمل الخير و الشر بذاتها ،بل الشرع هو الذي حدد ذلك،وبالتالي نعرف قيم الأفعال عن طريق الشرع يقوا أبو الحسن الأشعري:«إن الخير و الشر بقضاء الله و قدره»،
و أيده في ذلك الإمام الجويني حيث يقول: «بالمعاني بالحسن ما ورد الشرع بالثناء على فاعله و المراد بالقبح ما ورد الشرع بذم فاعلها »،و عليه فالشرع أو الدين هو الأساس الوحيد لمعرفة القيمة الخلقية.
و قد أيد هذا الموقف ابن مسكويه الذي إعتبر أن الشريعة الإسلامية هي أساس التقييم الأخلاقي، ولهذا دعى في كتابه (تهذيب الأخلاق) إلى إتباع تعاليم الشريعة الإسلامية في تربية الأبناء،و توجيههم نحو الخير و إبعادهم عن الشر.
إن تأسيس الأخلاق على أساس ديني له ما يبرره بإعتبار أنه تشريع مطلق و مقدس لكن في الوقت ذاته هو يحمل دعوة إلى إعمال العقل و التدبر في النصوص الشرعية.
ثانيا : الأخلاق و مطلقية العقل:
إن الإتجاهات العقلانية ترجع حقيقة القيم الأخلاقية إلى العقل.و مثل هذا الموقف أفلاطون الذي يعتقد بوجود علم أو حكمة سامية غرضها الخير المطلق و معرفة هذا العلم يكون عن طريق العقل، و يرى بأنه لا وجود و لا كمال و لا سعادة إلا بالخير المطلق يقول أفلاطون: «إن الخير فوق الوجود شرفا و قوة».
و قد مثل هذا الموقف أيضا فرقة المعتزلة (هي فرقة كلامية يعد واصل بن عطاء مؤسسها)،و ترى هذه الفرقة بأن حسن الأفعال و قبحها يكمن في ذاتها،فجميع الأعمال الحسنة (الصدق،الكرم، العدل...إلخ)هي أعمال خيرة في حد ذاتها،وجميع الأعمال القبيحة (الكذب،الظلم،السرقة...إلخ)،هي أعمال شريرة في حد ذاتها.
وبالتالي فإن القيم الأخلاقية في الأفعال ذاتها،و العقل هو الذي يدركها و ليس الشرع، لأن الشرع في نظر المعتزلة عندما يأمرنا بأفعال و ينهانا عن أخرى إنما هو مخبر فقط،ومن هنا فإن العقل هو أساس القيمة الخلقية عند فرقة المعتزلة و ليس الشرع و استدلوا على ذلك بأن الناس أدركوا الحسن و القبح قبل نزول الوحي.
وقد مثل هذا الموقف أيضا الفيلسوف الألماني إيمانويل كانط الذي أكد أنه يجب أن نحكم على الفعل الأخلاقي في حد ذاته دون النظر إلى آثاره أو نتائجه،وقد إعتبر أن الإرادة الخيرة (النية الحسنة)،هي الدعامة الأساسية للفعل الأخلاقي،بل هي الشيء الوحيد الذي يعد خيرا في هذا العالم،لأنها تستمد هذا الخير من باطن ذاتها،وليس من الأهداف.و بالتالي فإن الفعل الأخلاقي الخير هو الصادر من الإرادة الخيرة للإنسان. و يرى كانط بأن الإرادة الخيرة تتبع ما يعرف بالواجب الأخلاقي،يقول كانط:«إن الفعل الذي يتم بمقتضى الواجب إنما يستمد قيمته الخلقية لا من الهدف الذي يلزم تحقيقه،بل من القاعدة التي تقرر تبعا لها».و القوانين الأخلاقية تظهر للإرادة في صورة أوامر يطلق عليها كانط بقوانين العقل العملي،بحيث تخاطبنا بلهجة الأوامر،و يرى كانط بأن الأوامر نوعــــــــــان:
* شرطية مقيدة: مثل:كن صادق تكسب ثقة الناس.
* قطعية مطلقة: تدعوا للقيام بأفعال دون أي إعتبار للنتائج مثل: كن خير، قل الصدق...إلخ.
يقول كانط:«إن الفعل الذي يتسم بالخيرية الخلقية،فعل نقي خالص و كأنما هبط من السماء ذاته ».
** ألا يمكن الإعتقاد بأنها متعددة بتعدد مشاربها،و متغيرة بتغير بنياتها و عصورها:
أولا : نسبية القيم من تنوع المجتمعات:
إن الإنسان لا يعيش لوحده،أي أنه ليس في عزلة عن غيره،بإعتباره كائن إجتماعي، وانطلاقا من هذه المسامة يؤكد الإجتماعيون بأن الأخلاق ظاهرة إجتماعية.
و مثل هذا الموقف إميل دوركايم الذي إعتبر بأن القيم الأخلاقية من صنع المجتمع، و أن المجتمع يتميز بنظام من القيم الأخلاقية تتجلى من خلال سلوكات الأفراد،و بالتالي فإن المجتمع هو السلطة الأخلاقية المتعالية التي تحكم كل فرد،و تحدد الأوامر و النواهي التي يكتسبها الفرد عن طريق التربية،وهي أوامر و نواهي قطعية إلزامية يجب على كل فرد الإلتزام بها بإعتباره عضو في مجتمع.
ومن هنا فإن فعل الخير أو فعل الشر نعرفه من خلال نظرة المجتمع للأفعال،وبالتالي فإن أي فرد إذا أراد أن يكون خيرا يجب عليه أن يلتزم بالقيم الأخلاقية الموجودة في مجتمعه،و الخروج عنها يعني الخروج عن أخلاق الخير، وهنا يصبح الفرد لا أخلاقيا، ويجب أن يعاقب.
والدراسة التاريخية للمجتمعات تؤكد هذا الأمر فسقراط و المسيح اعتبرا لا أخلاقيين لأنهما خرجا عن أخلاق مجتمعهما.
ومن هنا فدوركايم يؤكد بان المجتمع هو الأساس الوحيد لتقييم الفعل الأخلاقي حيث يقول: «ليس هناك سوى قوة أخلاقية واحدة تستطيع أن تضع القوانين للناس ،هي المجتمع».
ويقول أيضا: «إذا تكلم الضمير فينا فإن المجتمع هو الذي يتكلم».
ثانيا : السعادة في اللذة و الخير في تعدد المنافع:
يتفق الفلاسفة النفعيون بصفة عامة على أن اللذة أو المنفعة هي الخير وأن الألم أو المضرة هي الشر،وينشأ عن هذا الإعتقاد أن أفعال الإنسان لا تكون خيرة إلا إذا حققت لذة أو منفعة،وإذا حققت ألم أو ضرر كانت شرا،و بهذا تكون القيمة الأخلاقية للأفعال الإنسانية مرتبطة بنتائجها.
فاللذة إذا هي مقياس الخير،وهذا ما ذهب إليه أرستيب القورينائي وهو مؤسس مذهب اللذة في الأخلاق،فهو يعتقد أن اللذة هي صوت الطبيعة تفرض نفسها على الأفراد وما عليهم إلا الخضوع لها لأنها الخير الأسمى و مقياس كل فعل أخلاقي خير.
وهذا ما ذهب إليه أبيقور الذي إعتبر أن اللذة هي الخير و الألم هو الشر،وبين أن الفضيلة أو السعادة سبيلها السعي و راء الملذات.
لكن أبيقور عدل من مفهوم اللذة و إعتبر أن الإفراط في الملذات قد يؤدي إلى عواقب وخيمة،ومن هنا أكد على ضرورة إجتناب اللذات التي تنقلب إلى ألم،وتقبل الآلام التي تؤدي إلى لذات،ومن هنا نفهم أن أبيقور يعتبر أن عواقب الألم ليس شرا في كل الأحيان.
هذا ويعد جيرمي بنتام من أهم رواد مذهب المنفعة في العصر الحديث،وقد إعتبر بأن الأفعال التي تولد منفعة تعتبر أفعال خيرة و التي يتولد عليها مضرة،هي أفعال شر،وبالتالي فإن المنفعة هي المبدأ الأساسي لتقييم الفعل الأخلاقي،وهذا كله حسب النتائج،ولهذا عرف جيرمي بنتام لفظ نفعي بقوله: «صلاحية أي شيء لإنتاج النفع أو اللذة».
ولقد أكد بنتام أن المنفعة الخاصة أي منفعة كل فرد لوحده هي أساس المنفعة العامة،ولقد ركز هنا على الجانب الكمي،بحيث أن الإنسان الخير هو الأكثر تحصلا عن المنفعة.
غير أن جون ستيوارت مل وإن كان يتفق مع بنتام في أصول مذهب المنفعة ،إلا إنه إختلف معه في مسألة تقديم المنفعة الخاصة عن المنفعة العامة،ومن هنا نجده يعتبر بأن الآخرين هم وسيلة لتحقيق منفعة الفرد،أي يجب أن نقدم المصلحة العامة عن المصلحة الخاصة،و معنى هذا أن جون ستيوارت مل يعتبر أن مقياس الخير يتمثل في ضمان أكبر سعادة للآخرين.
حيث يقول:«ليست المنفعة سوى المبدأ الأخلاقي الذي يفضي إلى تحقيق أكبر سعادة ممكنة،فالخير ما هو نافع لنا،وما هو نافع لنا،إنما هو الذي يكون في الوقت نفسه نافع لغيره»،ويقول أيضا:«وهدف الأخلاق هو تحقيق أكبر قدر من السعادة لأكبر قدر من الناس».


** لكن أليس من الموضوعية إعتبارها ثابتة في مبادئها متغيرة في تطبيقاتها في آن واحد:
* متغيرات الأخلاق ضمن ثوابتها:
إن هدف أي نظام أخلاقي هو جلب المصالح و درء المفاسد،و المصلحة مستنبطة من الطبيعة الإنسانية و المعتبرة شرعا في الوقت نفسه،و المصلحة غاية يهدف إليها الإنسان،وفي الوقت نفسه إلى مجموعة من الوسائل لتحقيق هذه الغاية.ومن هنا تكون الأخلاق مبادئ من جهة أنها قيم مطلقة،وتكون سلوك قيم وسيلية.
حل المشكلة :
بالرغم من الإختلاف الظاهر حول الأسس التي يقوم عليها الفعل الخلقي إلا أنها تبقى في حقيقة الأمر أسس متكاملة و متداخلة في فهم السلوك الخلقي.










رد مع اقتباس
قديم 2012-10-27, 11:30   رقم المشاركة : 30
معلومات العضو
philo_souf
عضو فعّال
 
إحصائية العضو










افتراضي

الأخلاق بين النسبي و المطلق
مقدمة(طرح المشكلة):
إن من أهم الإهتمامات في التاريخ البشري الأخلاق ،و هي بالجملة قيم و أفعال تقوم على أحكام تقديرية تهدف إلي توجيه سلوك الإنسان و غايتها من هذا السلوك إذن التقويم و الإرشاد،وليس هناك إختلاف بين الفلاسفة في أن الفعل قد يحمل قيمة الخير أو قيمة الشر،لكن الإختلاف موجود في الأساس الذي نعتمد عليه في معرفة الخير و الشر،و بالتالي فعلى أي أساس نقيم القيم الأخلاقية ؟
** هل يمكن القول بأن الأخلاق واحدة لمجرد قيامها على أساس من المبادئ و الثوابت:
أولا : وحدة الأخلاق في قدسيتها (الديـــــــن):
إن الدين بمفهومه العام هو الإعتقاد العاطفي بوجود مبدأ أعلى مفارق للطبيعة و يدفع هذا الإعتقاد إلى أداء واجب إتجاه هذا المبدأ(اللـــــه).
وانطلاقا من إرثنا الحضاري نجد أن الإسلام دعوى إلى الخير،فجاء في القران قوله تعالى:«ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير و يأمرون بالمعروف و ينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون».
وبهذا يتضح لنا أن الدين يشكل بعدا أخلاقيا نستند إليه في تقويم أفعالنا الخلقية وفق قيم العمل بالخير و الإبتعاد عن الشر فإبن حزم يرى بأن الله تعالى هو الذي سمى الحسن و القبح،فالخير أو الحسن هو ما أمر الله به،و الشر أو القبح هو ما نهى الله تعالى عنه،و معنى هذا أن معيار الخير و الشر عند ابن حزم يرتد إلى الإرادة الإلهية.
وقد مثل هذا الموقف أيضا فرقة الأشاعرة (هي فرقة كلامية إسلامية يعد أبو حسن الأشعري مؤسسها، توفي سنة324ه)،ويرى زعماء هذه الفرقة بأن حسن الأفعال و قبحها حددها الشرع،و بالتالي فإن الأفعال لا تحمل الخير و الشر بذاتها ،بل الشرع هو الذي حدد ذلك،وبالتالي نعرف قيم الأفعال عن طريق الشرع يقوا أبو الحسن الأشعري:«إن الخير و الشر بقضاء الله و قدره»،و أيده في ذلك الإمام الجويني حيث يقول: «بالمعاني بالحسن ما ورد الشرع بالثناء على فاعله و المراد بالقبح ما ورد الشرع بذم فاعلها »،و عليه فالشرع أو الدين هو الأساس الوحيد لمعرفة القيمة الخلقية.
و قد أيد هذا الموقف ابن مسكويه الذي إعتبر أن الشريعة الإسلامية هي أساس التقييم الأخلاقي، ولهذا دعى في كتابه (تهذيب الأخلاق) إلى إتباع تعاليم الشريعة الإسلامية في تربية الأبناء،و توجيههم نحو الخير و إبعادهم عن الشر.
أن تأسيس الأخلاق على أساس ديني له ما يبرره بإعتبار أنه تشريع مطلق و مقدس لكن في الوقت ذاته هو يحمل دعوة إلى إعمال العقل و التدبر في النصوص الشرعية.
ثانيا : الأخلاق و مطلقية العقل:
إن الإتجاهات العقلانية ترجع حقيقة القيم الأخلاقية إلى العقل.و مثل هذا الموقف أفلاطون الذي يعتقد بوجود علم أو حكمة سامية غرضها الخير المطلق و معرفة هذا العلم يكون عن طريق العقل، و يرى بأنه لا وجود و لا كمال و لا سعادة إلا بالخير المطلق يقول أفلاطون: «إن الخير فوق الوجود شرفا و قوة».
و قد مثل هذا الموقف أيضا فرقة المعتزلة (هي فرقة كلامية يعد واصل بن عطاء مؤسسها)،و ترى هذه الفرقة بأن حسن الأفعال و قبحها يكمن في ذاتها،فجميع الأعمال الحسنة (الصدق،الكرم، العدل...إلخ)هي أعمال خيرة في حد ذاتها،وجميع الأعمال القبيحة (الكذب،الظلم،السرقة...إلخ)،هي أعمال شريرة في حد ذاتها.
وبالتالي فإن القيم الأخلاقية في الأفعال ذاتها،و العقل هو الذي يدركها و ليس الشرع، لأن الشرع في نظر المعتزلة عندما يأمرنا بأفعال و ينهانا عن أخرى إنما هو مخبر فقط،ومن هنا فإن العقل هو أساس القيمة الخلقية عند فرقة المعتزلة و ليس الشرع و استدلوا على ذلك بأن الناس أدركوا الحسن و القبح قبل نزول الوحي.
وقد مثل هذا الموقف أيضا الفيلسوف الألماني إيمانويل كانط الذي أكد أنه يجب أن نحكم على الفعل الأخلاقي في حد ذاته دون النظر إلى آثاره أو نتائجه،وقد إعتبر أن الإرادة الخيرة (النية الحسنة)،هي الدعامة الأساسية للفعل الأخلاقي،بل هي الشيء الوحيد الذي يعد خيرا في هذا العالم،لأنها تستمد هذا الخير من باطن ذاتها،وليس من الأهداف.و بالتالي فإن الفعل الأخلاقي الخير هو الصادر من الإرادة الخيرة للإنسان. و يرى كانط بأن الإرادة الخيرة تتبع ما يعرف بالواجب الأخلاقي،يقول كانط:«إن الفعل الذي يتم بمقتضى الواجب إنما يستمد قيمته الخلقية لا من الهدف الذي يلزم تحقيقه،بل من القاعدة التي تقرر تبعا لها».و القوانين الأخلاقية تظهر للإرادة في صورة أوامر يطلق عليها كانط بقوانين العقل العملي،بحيث تخاطبنا بلهجة الأوامر،و يرى كانط بأن الأوامر نوعــــــــــان:
* شرطية مقيدة: مثل:كن صادق تكسب ثقة الناس.
* قطعية مطلقة: تدعوا للقيام بأفعال دون أي إعتبار للنتائج مثل: كن خير، قل الصدق...إلخ.
يقول كانط:«إن الفعل الذي يتسم بالخيرية الخلقية،فعل نقي خالص و كأنما هبط من السماء ذاته ».
** ألا يمكن الإعتقاد بأنها متعددة بتعدد مشاربها،و متغيرة بتغير بنياتها و عصورها:
أولا : نسبية القيم من تنوع المجتمعات:
إن الإنسان لا يعيش لوحده،أي أنه ليس في عزلة عن غيره،بإعتباره كائن إجتماعي، وانطلاقا من هذه المسامة يؤكد الإجتماعيون بأن الأخلاق ظاهرة إجتماعية.
و مثل هذا الموقف إميل دوركايم الذي إعتبر بأن القيم الأخلاقية من صنع المجتمع، و أن المجتمع يتميز بنظام من القيم الأخلاقية تتجلى من خلال سلوكات الأفراد،و بالتالي فإن المجتمع هو السلطة الأخلاقية المتعالية التي تحكم كل فرد،و تحدد الأوامر و النواهي التي يكتسبها الفرد عن طريق التربية،وهي أوامر و نواهي قطعية إلزامية يجب على كل فرد الإلتزام بها بإعتباره عضو في مجتمع.
ومن هنا فإن فعل الخير أو فعل الشر نعرفه من خلال نظرة المجتمع للأفعال،وبالتالي فإن أي فرد إذا أراد أن يكون خيرا يجب عليه أن يلتزم بالقيم الأخلاقية الموجودة في مجتمعه،و الخروج عنها يعني الخروج عن أخلاق الخير، وهنا يصبح الفرد لا أخلاقيا، ويجب أن يعاقب.
والدراسة التاريخية للمجتمعات تؤكد هذا الأمر فسقراط و المسيح اعتبرا لا أخلاقيين لأنهما خرجا عن أخلاق مجتمعهما.
ومن هنا فدوركايم يؤكد بان المجتمع هو الأساس الوحيد لتقييم الفعل الأخلاقي حيث يقول: «ليس هناك سوى قوة أخلاقية واحدة تستطيع أن تضع القوانين للناس ،هي المجتمع»،ويقول أيضا: «إذا تكلم الضمير فينا فإن المجتمع هو الذي يتكلم».
ثانيا : السعادة في اللذة و الخير في تعدد المنافع:
يتفق الفلاسفة النفعيون بصفة عامة على أن اللذة أو المنفعة هي الخير وأن الألم أو المضرة هي الشر،وينشأ عن هذا الإعتقاد أن أفعال الإنسان لا تكون خيرة إلا إذا حققت لذة أو منفعة،وإذا حققت ألم أو ضرر كانت شرا،و بهذا تكون القيمة الأخلاقية للأفعال الإنسانية مرتبطة بنتائجها.
فاللذة إذا هي مقياس الخير،وهذا ما ذهب إليه أرستيب القورينائي وهو مؤسس مذهب اللذة في الأخلاق،فهو يعتقد أن اللذة هي صوت الطبيعة تفرض نفسها على الأفراد وما عليهم إلا الخضوع لها لأنها الخير الأسمى و مقياس كل فعل أخلاقي خير.
وهذا ما ذهب إليه أبيقور الذي إعتبر أن اللذة هي الخير و الألم هو الشر،وبين أن الفضيلة أو السعادة سبيلها السعي و راء الملذات ،لكن أبيقور عدل من مفهوم اللذة و إعتبر أن الإفراط في الملذات قد يؤدي إلى عواقب وخيمة،ومن هنا أكد على ضرورة إجتناب اللذات التي تنقلب إلى ألم،وتقبل الآلام التي تؤدي إلى لذات،ومن هنا نفهم أن أبيقور يعتبر أن عواقب الألم ليس شرا في كل الأحيان.
هذا ويعد جيرمي بنتام من أهم رواد مذهب المنفعة في العصر الحديث،وقد إعتبر بأن الأفعال التي تولد منفعة تعتبر أفعال خيرة و التي يتولد عليها مضرة،هي أفعال شر،وبالتالي فإن المنفعة هي المبدأ الأساسي لتقييم الفعل الأخلاقي،وهذا كله حسب النتائج،ولهذا عرف جيرمي بنتام لفظ نفعي بقوله: «صلاحية أي شيء لإنتاج النفع أو اللذة»،ولقد أكد بنتام أن المنفعة الخاصة أي منفعة كل فرد لوحده هي أساس المنفعة العامة،ولقد ركز هنا على الجانب الكمي،بحيث أن الإنسان الخير هو الأكثر تحصلا عن المنفعة.
غير أن جون ستيوارت مل وإن كان يتفق مع بنتام في أصول مذهب المنفعة ،إلا إنه إختلف معه في مسألة تقديم المنفعة الخاصة عن المنفعة العامة،ومن هنا نجده يعتبر بأن الآخرين هم وسيلة لتحقيق منفعة الفرد،أي يجب أن نقدم المصلحة العامة عن المصلحة الخاصة،و معنى هذا أن جون ستيوارت مل يعتبر أن مقياس الخير يتمثل في ضمان أكبر سعادة للآخرين،حيث يقول:«ليست المنفعة سوى المبدأ الأخلاقي الذي يفضي إلى تحقيق أكبر سعادة ممكنة،فالخير ما هو نافع لنا،وما هو نافع لنا،إنما هو الذي يكون في الوقت نفسه نافع لغيره»،ويقول أيضا:«وهدف الأخلاق هو تحقيق أكبر قدر من السعادة لأكبر قدر من الناس».
** لكن أليس من الموضوعية إعتبارها ثابتة في مبادئها متغيرة في تطبيقاتها في آن واحد:
* متغيرات الأخلاق ضمن ثوابتها:
إن هدف أي نظام أخلاقي هو جلب المصالح و درء المفاسد،و المصلحة مستنبطة من الطبيعة الإنسانية و المعتبرة شرعا في الوقت نفسه،و المصلحة غاية يهدف إليها الإنسان،وفي الوقت نفسه إلى مجموعة من الوسائل لتحقيق هذه الغاية.ومن هنا تكون الأخلاق مبادئ من جهة أنها قيم مطلقة،وتكون سلوك قيم وسيلية.
حل المشكلة :
بالرغم من الإختلاف الظاهر حول الأسس التي يقوم عليها الفعل الخلقي إلا أنها تبقى في حقيقة الأمر أسس متكاملة و متداخلة في فهم السلوك الخلقي،










رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
مادة, مذكرات, مجانا, الفلسفة

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 16:31

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2024 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc