وقفة تأمل و محاسبة - الصفحة 2 - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الدين الإسلامي الحنيف > القسم الاسلامي العام

القسم الاسلامي العام للمواضيع الإسلامية العامة كالآداب و الأخلاق الاسلامية ...

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

وقفة تأمل و محاسبة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2019-02-03, 18:35   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










#زهرة


اخوة الاسلام

أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته



5 وقفات لمن يريد النجاة

إن البلاد لا تعمر إلا بساكنيها , والدين لا يقوم إلا بأهله , ومتى قاموا به نصرهم الله مهما كان أعدائهم

, قال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ * وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْساً لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ }

وإذا كان الدين لا يقوم إلا بأهله فإن علينا - أهل الإسلام وحملة لوائه – أن نقوم بأنفسنا أولاً , لنكون أهلاً للقيادة والهداية , ومحلاً للتوفيق والسداد .

وإن الأجدر بنا أن ننطلق من البداية فنتأمل في شبابنا وما هم عليه من أفكار وأعمال, كي ننمي منها ما كان صالحاً ونصلح منها ما كان فاسداً , لأن الشباب اليوم هم رجال الغد ,

وهم الأصل الذي ينبني عليه مستقبل الأمة فإذا صلح الشباب وهم الأصل , وكان صلاحاً مبنياً على دعائم قوية من الدين والأخلاق , فسيكون للأمة مستقبل زاهر , ولشيوخها خلفاء صالحون إن شاء الله .


تساؤلات ؟؟؟


هل تأملت هذا الرجل الذي احدودب ظهره وابيض شعره وتثاقلت خطاه وخارت قواه وسقط حاجباه , وتناثرت أسنانه ؟

فهو يقوم بصعوبة , ويجلس بصعوبة , وينام بصعوبة , ويصلي بصعوبة , وصوم بصعوبة , ويأكل بصعوبة ويشرب بصعوبة , ويقضي حاجته بصعوبة !!

هل تأملت هذا الرجل ؟ ألم يكن شاباً مثلك ؟

يعيش حياة الشباب .. ويسير سيرهم .. ويلهوا لهوهم .. ويلعب لعبهم .. لقد ظن هذا الرجل أن أيام الشباب طويلة وأن قوة الشباب قاهرة , وأن نظرة الشباب تزهو على الليالي والأيام!!

واليوم .. وبعد أن كبرت سنه , وضعف بنيانه , وتنوعت أسقامه , يبكي على ما ضاع من عمره في اللهو واللعب , يبكي على قوة الشباب التي ولت , وعلى نضرة الحيوية التي استبدلت بالكبر والشيخوخة

, ويتمنى أن يعود إليه شبابه وقوته ليصرفها في طاعة الله ومرضاته ..

ولكن ... ولكن ماذا ؟‍!

أظنك تعرف الجواب .. فأنت ذو عقل راجح ولسان طلق وعضلات مفتولة وقوة على التعبير بليغة , ولذلك اخترتك لتقرأ رسالتي هذه ..

إنها لك لا لغيرك , نعم أنت من أريد .. أنت .. أنت من أبحث عنه طويل السنين

.. أنت من أرق عيني التفكير فيه , ومن أوجل قلبي شفقة عليه .. اخترتك لأنك حفيد العزة , وصاحب ميدان الإباء والطموح , أنت الذي في قلبك شجرة أصلها ثابت وفرعها في السماء ..

أكتب لك هذه الكلمات من قلب مفعم بالحب لك وحدك .. كلمات هي قطرات دم , وآهات نفس , ودموع عين , وزفرات قلب ... ولتعلم العلم اليقين أن ما خرج من القلب وافق القلب ينتج الشيء الكثير ...

حديث الروح للأرواح يسري *** وتدركه القلوب بلا عناء

وقفات عجلى .. وكلمات حرى ... ليس لك جامع إلا أنك قارئها ... ومن ثم ...


الأولى : بدون عنوان ؟‍! ..

ما الذي جعل أبو طالب – عم رسول الله صلى الله عليه وسلم – خالداً مخلداً في ضحضاحٍ من النار بعد أن كان على قاب قوسين أو أدنى من الإسلام ؟!!

إن كنت تعرف الجواب فانتقل للوقفة الثانية .. حيث إنك قد فهمت المقصود وإلا فازدد علماً ..

إنه أخي المبارك – صديق السوء : أبو جهل - ‍عليه لعنة الله

وإن الأصدقاء على قسمين : صديق مخلص , وفي إذا احتجت إليه كان نعم العون , وإن استشرته كان نعم المشير , وإن رآك على انحراف بين لك الصواب والطريق ,

وإن جالسك كان نعم الجليس الصالح يمدك بالمعارف , ويحافظ على وقتك بما هو نافع , مزاياه أكثر من أن تعد قال تعالى :{ الأَخِلاَّءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ الْمُتَّقِينَ} [الزخرف :67]

والقسم الثاني : صديق الرخاء والسوء وهو من إذا رجا منك غرضاً أو حاجة كان لك الصديق الحميم , لسانه أحلى من العسل وقلبه قلب ذئب , يموه الحقائق فيقلب الحسن قبيحاً والقبيح حسناً ,

ويسير بك نحو الغواية والشقاية وهو متبرأ منك لا محالة , إن في الدنيا وإن في الأخرة ,

قال تعالى { وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً * يَا وَيْلَتِي لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً } [الفرقان :27-28]

فاختر لنفسك ما تشاء إما عداوة براءة أو صداقة ملازمة ..


الثانية : وبكى إبليس !!


نعم بكى إبليس لما سمعها ويحق لك أن تأنس إذا سمعتها .

. لكن قبل أن تستأنس بها وتطير فرحاً معها ..

لا بد أن تأخذ على نفسك العهد – وهذا ديدنك – أن تعمل بها حتى تكون سعيداً ولا تفرط بما يسعدك ويسليك

... والآن جاء الموعد لتستمع لها ..

قال تعالى : {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أُوْلَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ} [آل عمران :135-136]

القضية باختصار أخي الشاب قرار جرئ وشجاع تتخذه , وبعد ذلك يتغير مجرى حياتك تلقائياً , ويهون ما بعده فهل تعجز عن اتخاذ هذا القرار ؟ لا أخالك كذلك وأنت الشاب الجريء في حياتك كلها ..

إن الوقت المناسب لاتخاذ هذا القرار هو هذه اللحظة .. إن أي تأخير في اتخاذ القرار الذي تجدد به حياتك وتصلح به أعمالك يعني بقائك على الشقاء والظلام ..

إن هذا القرار نقلة كاملة من حياة إلى حياة من الظلام إلى النور من التعاسة إلى السعادة من الضيق إلى السعة .. فبادر باتخاذ قرار التوبة وبسرعة لتبكي إبليس وحزبه ..


الثالثة : رأس المال ...

إن رأس مال المسلم في هذه الحياة هو الوقت , والوقت أنفس من المال وأغلى , وإليك الدليل: ولو أن محتضراً وضع أمواله جميعاً ليزاد في عمره يوم واحد .. هل يحصل له ذلك التمديد وتلك الزيادة ؟

ويكون تنمية رأس المال بحفظه فيما ينفع من تلاوة القرآن وقراءة الكتب النافعة وزيادة الأخوة في الله وصونه عما يضر من الملاعب والملاهي ثم مراقبة الله تعالى في جميع المجالات والأزمنة

والأمكنة فإن الله يراك ويسمعك ويعلم ما يكنه ضميرك وأنت مسئول عن وقتك في أي شيء قضيته والأوقات محدودة والأنفاس معدودة فاغتنم حياتك النفيسة

واحتفظ بأوقاتك العزيزة فلا تضيعها بغير عمل ولا تفرط بساعات عمرك الذاهب بغير عوض فإنك محاسب عليها ومسئول عنها ومجازى على ما عملت فيها ...


الرابعة : كن مساهماً ...

طالب الدنيا يساهم في كل فرصة مواتيه ولو بالقليل ...

ولا شك أن المساهمة في مجال الخير وفي كل أبوابه فضل عظيم وأجر كبير بالكلمة والعمل والمال فإنك لا تدري بماذا يغفر لك ؟ وماذا يقبل منك ؟

.. يقول الرسول صلى الله عليه وسلم " لا تحقرن من المعروف شيئاً ولو أن تلقي أخاك بوجه طلق

" ( رواه مسلم ) ويقول " اتقوا النار ولو بشق تمرة "(

رواه البخاري ومسلم )

ويقول :" إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله لا يلقي لها بالاً يرتفع بها درجات "

( رواه البخاري ).


الخامسة : نهاية المطاف ..

لعل خير ما نختم بها رسالتنا آية عظيمة تحكي رحلة .. وأي رحلة .. سفر وياله من سفر ..

هي قوله تعالى : { كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنْ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ } [آل عمران:185] نعم أخي .

. إنها رحلتك إلى الدار الآخرة ..إنه السفر الذي نسأل الله أن تكون نهايته الجنة ..

أستودعك الله الذي لا تضيع ودائعه ..


من أخوكم المحب

رياض بن ناصر الفريجي








 


رد مع اقتباس
قديم 2019-02-03, 19:54   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
بـــيِسَة
مشرفة الخيمة
 
الصورة الرمزية بـــيِسَة
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

سلام

كالعادة مقالات راقية في القمة

بركت على مجهوداتك و جعلها الله في ميزان حسناتك

ننتظر المزيد الاحسن

تحياتي










رد مع اقتباس
قديم 2019-02-11, 13:57   رقم المشاركة : 3
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة بيسة26 مشاهدة المشاركة
سلام

كالعادة مقالات راقية في القمة

بركت على مجهوداتك و جعلها الله في ميزان حسناتك

ننتظر المزيد الاحسن

تحياتي
الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اسعدني حضورك المميز مثلك
و مازلت في انتظار مرورك العطر دائما

بارك الله فيكِ
و جزاكِ الله عنا كل خير









رد مع اقتباس
قديم 2019-02-11, 14:24   رقم المشاركة : 4
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










vb_icon_m (5)


اخوة الاسلام

أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته



علامات و أسباب حسن الخاتمة و سوء الخاتمة


الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين:

أما بعد : -


أولاً : حسن الخاتمة

حسن الخاتمة هو: أن يوفق العبد قبل موته للتقاصي عما يغضب الرب سبحانه

والتوبة من الذنوب والمعاصي

والإقبال على الطاعات وأعمال الخير، ثم يكون موته بعد ذلك على هذه الحال الحسنة

ومما يدل على هذا المعنى ما صح عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال:

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا أراد الله بعبده خيراً استعمله) قالوا: كيف يستعمله؟

قال: (يوفقه لعمل صالح قبل موته) رواه الإمام أحمد والترمذي وصححه الحاكم في المستدرك.

ولحسن الخاتمة علامات، منها ما يعرفه العبد المحتضر عند احتضاره، ومنها ما يظهر للناس.

أما العلامة التي يظهر بها للعبد حسن خاتمته فهي ما يبشر به عند موته من رضا الله تعالى واستحقاق كرامته تفضلا منه تعالى، كما قال جل وعلا: (إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة

ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون) فصلت: 30

وهذه البشارة تكون للمؤمنين عند احتضارهم، وفي قبورهم، وعند بعثهم من قبورهم
.
ومما يدل على هذا أيضا ما رواه البخاري ومسلم في (صحيحيهما)

عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

(من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه) فقلت: يا نبي الله! أكراهية الموت

فكلنا نكره الموت؟ فقال: (ليس كذلك، ولكن المؤمن إذا بشر برحمة الله ورضوانه وجنته أحب لقاء الله، وإن الكافر إذا بشر بعذاب الله وسخطه كره لقاء الله وكره الله لقاءه) .

وفي معنى هذا الحديث قال الإمام أبو عبيد القاسم ابن سلام : (ليس وجهه عندي كراهة الموت وشدته، لأن هذا لا يكاد يخلو عنه أحد، ولكن المذموم من ذلك إيثار الدنيا والركون إليها

وكراهية أن يصير إلى الله والدار الآخرة)

وقال : (ومما يبين ذلك أن الله تعالى عاب قوما بحب الحياة فقال: (إن الذين لا يرجون لقاءنا ورضوا بالحياة واطمأنوا بها) يونس: 7

وقال الخطابي: (معنى محبة العبد للقاء الله إيثاره الآخرة على الدنيا، فلا يحب استمرار الإقامة فيها، بل يستعد للارتحال عنها، والكراهية بضد ذلك)

وقال الإمام النووي رحمه الله:

(معنى الحديث أن المحبة والكراهية التي تعتبر شرعا هي التي تقع عند النزع في الحالة التي لا تقبل فيها التوبة، حيث ينكشف الحال للمحتضر، ويظهر له ما هو صائر إليه)


أما عن علامات حسن الخاتمة فهي كثيرة، وقد تتبعها العلماء رحمهم الله باستقراء النصوص الواردة في ذلك، ونحن نورد هنا بعضا منها، فمن ذلك:


* النطق بالشهادة عند الموت، ودليله ما رواه الحاكم وغيره أن رسول صلى الله عليه وسلم قال : (من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة)

ومنها: الموت برشح الجبين، أي : أن يكون على جبينه عرق عند الموت، لما رواه بريدة بن الحصيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (موت المؤمن بعرق الجبين) رواه أحمد والترمذي.

* ومنها: الموت ليلة الجمعة أو نهارها لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما من مسلم يموت يوم الجمعة أو ليلة الجمعة إلا وقاه الله فتنة القبر).

* ومنها: الاستشهاد في ساحة القتال في سبيل الله، أو موته غازيا في سبيل الله، أو موته بمرض الطاعون أو بداء البطن كالاستسقاء ونحوه، أو موته غرقاً،

ودليل ما تقدم ما رواه مسلم في صحيحه عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ما تعدون الشهيد فيكم؟

قالوا: يا رسول الله ، من قتل في سبيل الله فهو شهيد، قال: إن شهداء أمتي إذا لقليل قالوا: فمن هم يا رسول الله ؟

قال: من قتل في سبيل الله فهو شهيد، ومن مات في سبيل الله فهو شهيد، ومن مات في الطاعون فهو شهيد، ومن مات في البطن فهو شهيد، والغريق شهيد).

* ومنها: الموت بسبب الهدم، لما رواه البخاري ومسلم عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الشهداء خمسة: المطعون، والمبطون، والغرق، وصاحب الهدم، والشهيد في سبيل الله) .

* ومن علامات حسن الخاتمة، وهو خاص بالنساء : موت المرأة في نفاسها بسبب ولدها أو هي حامل به، ومن أدلة ذلك ما رواه الإمام أحمد وغيره بسند صحيح عن عبادة بن الصامت أنه قال:

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أخبر عن الشهداء، فذكر منهم: (والمرأة يقتلها ولدها جمعاء شهادة، يجرها ولدها بسرره إلى الجنة) يعني بحبل المشيمة الذي يقطع عنه.

* ومنها الموت بالحرق وذات الجنب، ومن أدلته أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم عدد أصنافاً من الشهداء فذكر منهم الحريق، وصاحب ذات الجنب: وهي ورم حار يعرض في الغشاء المستبطن للأضلاع.

* ومنها: الموت بداء السل، حيث أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه شهادة.

* ومنها أيضاً : ما دل عليه ما رواه أبو داود والنسائي وغيرهما أنه صلى الله عليه وسلم قال: (من قتل دون ما له فهو شهيد، ومن قتل دون دينه فهو شهيد، ومن قتل دون دمه فهو شهيد) .

* ومنها: الموت رباطا في سبيل الله، لما رواه مسلم عنه صلى الله عليه وسلم قال: (رباط يوم وليلة خير من صيام شهر وقيامه، وإن مات جرى عليه عمله الذي كان يعمله، وأجري عليه رزقه، وأمن الفتان) .

ومن أسعد الناس بهذا الحديث رجال الأمن وحرس الحدود براً وبحراً وجواً على اختلاف مواقعهم إذا احتسبو الأجر في ذلك .

* ومن علامات حسن الخاتمة الموت على عمل صالح، لقوله صلى الله عليه وسلم: (من قال لا إله إلا الله ابتغاء وجه الله ختم له بها دخل الجنة، ومن تصدق بصدقة ختم له بها دخل الجنة) رواه الإمام أحمد وغيره.

* فهذه نحو من عشرين علامة على حسن الخاتمة علمت باستقراء النصوص، وقد نبه إليها العلامة الشيخ محمد ناصر الدين الألباني في كتابه القيم (أحكام الجنائز).

* واعلم أخي الكريم أن ظهور شيء من هذه العلامات أو وقوعها للميت، لا يلزم منه الجزم بأن صاحبها من أهل الجنة، ولكن يستبشر له بذلك

كما أن عدم وقوع شيء منها للميت لا يلزم منه الحكم بأنه غير صالح أو نحو ذلك. فهذا كله من الغيب.


أسباب حسن الخاتمة

* من أعظمها: أن يلزم الإنسان طاعة الله وتقواه، وراس ذلك وأساسه تحقيق التوحيد، والحذر من ارتكاب المحرمات، والمبادرة إلى التوبة مما تلطخ به المرء منها، وأعظم ذلك الشرك كبيره وصغيره.

* ومنها: أن يلح المرء في دعاء الله تعالى أن يتوفاه على الإيمان والتقوى.

* ومنها: أن يعمل الإنسان جهده وطاقته في إصلاح ظاهره وباطنه، وأن تكون نيته وقصده متوجهة لتحقيق ذلك، فقد جرت سنة الكريم سبحانه أن يوفق طالب الحق إليه، وان يثبته عليهن وأن يختم له به.


8 أسباب لحسن الخاتمة

1- الاستقامة :

قال تعالى : {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلاّ تَخَافُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ}

2- حسن الظن بالله :

عن أبي هريرة رضي الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( يقول الله تعالى أن عند حسن ظن عبدي بي )) رواه البخاري ومسلم .

3- التقوى :

قال تعالى : {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا}

4- الصدق :

قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ}

5- التوبة :

قال تعالى : { وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}

6- المداومة على الطاعات

7- ذكر الموت وقصر الأمل

8- الخوف من أسباب سوء الخاتمة :

كالإصرار على المعاصي وتسويف التوبة وحب الدنيا .

* تم إضافة 8 أسباب لحسن الخاتمة من كتاب العقد الثمين لعيد العنزي


ثانياً : سوء الخاتمة

أما الخاتمة السيئة فهي: أن تكون وفاة الإنسان وهو معرض عن ربه جل وعلا، مقيم على مسا خطه سبحانه، مضيع لما أوجب الله عليه

ولا ريب أن تلك نهاية بئيسة، طالما خافها المتقون، وتضرعوا إلى ربهم سبحانه أن يجنبهم إياها.

وقد يظهر على بعض المحتضرين علامات أو أحوال تدل على سوء الخاتمة، مثل النكوب عن نطق الشهادة -

شهادة أن لا إله إلا الله - ورفض ذلك، ومثل التحدث في سياق الموت بالسيئات والمحرمات وإظهار التعلق بها، ونحو ذلك من الأقوال والأفعال التي تدل على الإعراض عن دين الله تعالى والتبرم لنزول قضائه.

ولعل من المناسب أن نذكر بعض الأمثلة على ذلك:


فمن الأمثلة:-

* ما ذكره العلامة ابن القيم رحمه الله (في كتابه: الجواب الكافي) أن أحد الناس قيل له وهو في سياق الموت: قل لا إله إلا الله، فقال: وما يغني عني وما أعرف أني صليت لله صلاة؟! ولم يقلها.

* ونقل الحافظ ابن رجب رحمه الله (في كتابة: جامع العلوم والحكم ) عن أحد العلماء، وهو عبدالعزيز بن أبي رواد أنه قال: حضرت رجلا عند الموت يلقن لا إله إلا الله، فقال في آخر ما قال: هو كافر بما تقول . ومات على ذلك

قال: فسألت عنه، فإذا هو مدمن خمر، فكان عبدالعزيز يقول: اتقوا الذنوب، فإنها هين التي أوقعته.

* ونحو هذا ما ذكره الحافظ الذهبي رحمه الله أ، رجلا كان يجالس شراب الخمر، فلما حضرته الوفاة جاءه إنسان يلقنه الشهادة فقال له: اشرب واسقني ثم مات.

* وذكر الحافظ الذهبي رحمه الله أيضا (في كتابه: الكبائر) أن رجلا ممن كانوا يلعبون الشطرنج احتضر، فقيل له: قل لا إله إلا الله فقال: شاهك. في اللعب، فقال عوض كلمة التوحيد: شاهدك.

* ومن ذلك ما ذكره العلامة ابن القيم رحمه الله عن رجل عرف بحبه للأغاني وترديدها، فلما حضرته الوفاة قيل له: قل لا إله إلا الله، فجعل يهذي بالغناء ويقول: تاتنا تنتنا … حتى قضى، ولم ينطق بالتوحيد.

* وقال ابن القيم أيضا: أخبرني بعض التجار عن قرابة له أنه احتضر وهو عنده، وجعلوا يلقنونه لا إله إلا الله وهو يقول: هذه القطعة رخيصة

وهذا مشتر جيد، هذه كذا. حتى قضى ولم ينطق التوحيد نسأل الله العافية والسلامة من كل ذلك.

* وها هنا تعليق للعلامة ابن القيم رحمه الله نورد ما تيسر منه، حيث عقب على بعض القصص المذكورة آنفا، فقال: (وسبحان الله، كم شاهد الناس من هذا عبراً؟

والذي يخفى عليهم من أحوال المحتضرين أعظم وأعظم، فإذا كان العبد في حال حضور ذهنه وقوته وكمال إدراكه، قد تمكن منه الشيطان، واستعمله فيما يريده من معاصي الله

وقد أغفل قلبه عن ذكر الله تعالى، وعطل لسانه عن ذكره، وجوارحه عن طاعته، فكيف الظن به عند سقوط قواه، واشتغال قلبه ونفسه بما هو فيه من ألم النزع؟

وجمع الشيطان له كل قوته وهمته، وحشد عليه بجميع ما يقدر عليه لينال منه فرصته

فإن ذلك آخر العمل، فأقوى ما يكون عليه شيطانه ذلك الوقت، وأضعف ما يكون هو في تلك الحال، فمن ترى يسلم على ذلك؟

فهناك: (يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء) إبراهيم: 27 .

فكيف يوفق بحسن الخاتمة من أغفل الله سبحانه قلبه عن ذكره، واتبع هواه، وكان أمره فرطاً، فبعيد من قلبه بعيد عن الله تعالى غافل عنه

متعبد لهواه، أسير لشهواته،ولسانه يابس من ذكره، وجوارحه معطلة من طاعته، مشتغلة بمعصيته - بعيد أن يوفق للخاتمة بالحسنى) أ.هـ

* وسوء الخاتمة على رتبتين - نعود الله من ذلك: على القلب عند سكرات الموت وظهور أهواله: إما الشك وإما الجحود فتقبض الروح على تلك الحال وتكون حجابا بينه وبين الله، وذلك يقتضي البعد الدائم والعذاب المخلد .

* والثانية وهي دونها، أ، يغلب على قلبه عند الموت حب أمر من أمور الدنيا أو شهوة من شهواتها المحرمة، فيتمثل له ذلك في قلبه، والمرء يموت على ما عاش عليه، فإن كان ممن يتعاطون الربا فقد يختم له بذلك

وإن كان ممن يتعاطون المحرمات الأخرى من مثل المخدرات والأغاني والتدخين ومشاهدة الصور المحرمة وظلم الناس ونحو ذلك فقد يختم له بذلك، أي بما يظهر سوء خاتمته والعياذ بالله

ومثل ذلك إذا كان معه أصل التوحيد فهو مخطور بالعذاب والعقاب.


أسباب سوء الخاتمة

وبهذا يعلم أن سوء الخاتمة يرجع لأسباب سابقة، يجب الحذر منها.

* ومن أعظمها: فساد الاعتقاد، فإن من فسدت عقيدته ظهر عليه أثر ذلك أحوج ما يكون إلى العون والتثبيت من الله تعالى:

* ومنها: الإقبال على الدنيا والتعلق بها.

* ومنها: العدول عن الاستقامة والإعراض عن الخير والهدى.

* ومنها: الإصرار على المعاصي وإلفها ، فإن الإنسان إذا ألقت شيئا مدة حياته وأحبه وتعلق به، يهود ذكره إليه عند الموت، ويردده حال الاحتضار في كثير من الأحيان.

* وقال الحافظ ابن كثير رحمه الله: (إن الذنوب والمعاصي والشهوات تخذل صاحبها عند الموت، مع خذلان الشيطان له، فيجتمع عليه الخذلان مع ضعف الإيمان، فيقع في سوء الخاتمة

قال تعالى: (وكان الشيطان للإنسان خذولا) الفرقان:29

* وسوء الخاتمة - أعاذنا الله منها - لا يقع فيها من صلح ظاهره وباطنه مع الله، وصدق في أقواله وأعماله، فإن هذا لم يسمع به، وإنما يقع سوء الخاتمة لمن فسد باطنه عقدا

وظاهره عملا، ولمن له جرأة على الكبائر، وإقدام على الجرائم ، فربما غلب ذلك عيه حتى ينزل به الموت قبل التوبة) أ .هـ


اخوة الاسلام

لأجل ذلك كان جديرا بالعاقل أن يحذر من تعلق قلبه بشيء من المحرمات

وجديرا به أن يلزم قلبه ولسنانه وجوارحه ذكر الله تعالى، وأن بحافظ على طاعة الله حيثما كان، من أجل تلك اللحظة التي إن فاتت وخذل فيها شقي شقاوة الأبد.

الهم اجعل خير أعمالنا خواتيمها، وخير أعمارنا أواخرها، وخير أيامنا يوم نلقاك فيه

اللهم وفقنا جميعا لفعل الخيرات واجتناب المنكرات .

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.


خالد بن عبدالرحمن الشايع









آخر تعديل *عبدالرحمن* 2019-02-11 في 14:25.
رد مع اقتباس
قديم 2019-02-14, 15:14   رقم المشاركة : 5
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










vb_icon_m (5)


اخوة الاسلام

أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته



زفاف في الجنة

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد.

الحديث عن النعيم المقيم والإيمان الراسخ بالمنزل الكريم من الغفور الرحيم هو سلوة الأحزان، وحياء القلوب، وحادي النفوس، ومهيجها إلى القرب من ربها ومولاها.

الحديث عن النعيم والرضوان لا يسأمه الجليس، ولا يمله الأنيس، عزت دار الفردوس من دار، وجل فيها المبتغى والمرام، دار وجنان تبلغ فيها النفوس مناها، قصور مبنية طابت للأبرار

غرسها الرحمن بيده، وملأها برضوانه ورحمته، وموضع السوط فيها خير من الدنيا وما فيها.


اخوة الاسلام

المسلم في كل أحواله لا يفكر إلا بالجنان، يصلي من أجل رضا ربه ودخولها، يصوم الهواجر طلباً لها، يبذل الخير أينما كان من أجل أراضي الجنان، الصغير والكبير، الذكر والأنثى

الطائع والعاصي يتمنى أن تكون الجنة هي المقام، جعلها أناس نصب أعينهم يتذكرونها في أفراحهم وأحزانهم، وشغلهم وفراغهم

وفي سفرهم وإقامتهم، لأنهم قرءوا في كتاب ربهم { وَنُودُواْ أَن تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } [الأعراف:43]. وفي يوم القيامة، يوم الحسرة والندامة، يقف العالم بأكمله وقفة ما أشدها من وقفة

وقفة تحمل الخوف والرجاء، والنور والظلام، تحمل الألم والأمل، إنها وقفة تحمل دعاء واحداً، اللهم سلم سلم.. اللهم سلم سلم. وبعد الفصل بينهم تعلن أسماء الفائزين والفائزات والخاسرين والخاسرات

{ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَما الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ } [آل عمران:185]. تخيلوا أيها المؤمنون ذلك المؤمن كان في خوف وهلع، فيؤمر بدخول الجنان والخلود فيها

ويفرح بالنجاة من لهيب النار وحرها. ثم هاهو صاحبنا يطأ أرض الجنان، وينتقل في رياضها مع المتحابين، ويدخل حدائقها نزهة المشتاقين

وينظرُ لأول مرة إلى تلك الخيام اللؤلؤية وهي منصوبة على ضفاف الأنهار في أرض خضراء، ومناخ بهيج، ورائحة أزكى من المسك والزعفران، ثم يمعن النظر فيرى قصراً مشيداً به أنوار تتلألأ

وحوله فاكهةٌ كثيرةٌ لا مقطوعة ولا ممنوعة، تخيلوا أيها الأخوة شعور ذلك المؤمن في هذه اللحظات، ويعلم أنه خالد مخلد في ذلك النعيم.


اخوة الاسلام

مع الشعور الذي يجده ذلك المؤمن فثمة أمر ينتظره يسعد به سعادةً ويفرحه زيادةً زيادةً، فثمة أناس في الجنة خلقهن الله من أجل ذلك المؤمن وأمثاله، وزينتهن في أجمل زينة، لتزف إلى زوجها.

قال الله عنهن { فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ } [الرحمن:56]

وقال عنهن: { كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ } [الرحمن:58]، ووصفهن ربهن فقال: { كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ } [الواقعة:23]، ووصف نشأتهن وهيئتهن

فقال: { إِنَّا أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَاء } (35) { فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَاراً } (36) { عُرُباً أَتْرَاباً } [الواقعة:35-37]

وجوههن جمعت الجمال الباطن والظاهر من جميع الوجوه، في الخيام مقصورات، وللطرف قاصرات، لا يفنى شبابها، لا يبلى جمالها، ولو اطلعت إحداهن على الدنيا لملأت ما بين السماء والأرض ريحاً،

وعطراً، وشذاً، ولطمست ضوء الشمس كما تطمس الشمس ما في النجوم من ضياء، راضيات لا يسخطن أبداً.

ناعمات لا يبأسن أبداً، خالدات لا يمتن أبداً، جميلة حسناء، بكر عذراء كأنها الياقوت، كلامها رخيم، وقدها قويم، وشعرها بهيم، وقدرها عظيم، وجفنها فاتر، وحسنها باهر، وجمالها زاهر، ودلالها ظاهر.

كحيلٌ طرفها *** عذبٌ نُطقُها

عجبٌ خلقها *** حسنٌ خُلُقُها

كثيرة الوداد عديمة الملل، أيها الاخوة جمالها لا تتخيله العيون، ورائحتها، وملبسها، وجمال كلامها لا يخطر على قلب. فتعلم هناك -

وهناك فقط - أن فيها ما لا عينٌ رأت ولا أذنٌ سمعت ولا خطر على قلب بشر، وفي لحظات الجنان وبينما ذلك المؤمن ينعم ويمشي على بساط الجنة متنقلاً ما بين حدائقها، وخيامها

وأنهارها وإذا به ينظر نظرة أخرى لذلك القصر المشيد بأنواره المتلألئة وخضرته الناظرة، عندها يبشر المؤمن أن أقبل، فهذا قصرك، وداخله زوجتك تنتظرك منذ أن كنت في الدنيا

فينطلق إليها وتنطلق إليه في أجمل زفاف بينهم، السندس والإستبرق لباسهما، والذهب واللؤلؤ أساورهما، فتقبل إليه ونصيفها على كتفها خير من الدنيا وما فيها، فيعانق الحبيبان عناقاً لا تمله ولا يملها

ويجلسان في ظل ظليل بين الأشجار والرياحين، ومن حولهم أكواب موضوعة فيتبادلان كؤوس الرحيق المختوم، والتنسيم، والسلسبيل، وكأس من خمر لذة للشاربين، فيجلسان على تلكم البسط الحسان

ويتكئان على تلكم الوسائد المصفوفة، وتتوالى عليهم ومن بينهم المسرات، والخيرات، والإحسان، والمكرمات فيقولون: { وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ } [فاطر:34].

إنه عرس زفاف في هدوء ورضا يغمره السلام، والإطمئنان، والود، والأمان، ويبلغهم ربهم السلام: { سَلاَمٌ قَوْلاً مِن رَّبٍّ رَّحِيمٍ } [يس:58] والملائكة يقولون لهم: { سَلاَمٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ } [الرعد:24].

في هذا الجو العابق وهم على الأرائك متكئون يرون أنهار الجنان تتدفق من بينهم، أنهار، من ماء ولبن، وأنهار من عسل مصفى، وأنهار من خمر لذة للشاربين. يرون فاكهة كثيرة فيأكلون، ولحم طير مما يشتهون فيتلذذون.

فأبدانهم متنعمة بالجنان، والأنهار، والثمار، وقلوبهم متنعمة بالخلود والدوام في جنة الرحمن.

بعد ذلك تطيب الجلسة بينهم على ضفاف أنهار العسل فيتبادلان أجمل الأحاديث والذكريات في حب ونظرات وأترككم مع ابن الجوزي، ليصف لكم جلسته وحديثه فيقول:

( إن الحور العين تقول: لولي الله وهو متكيء على نهر العسل وهي تعطيه الكأس وهما في نعيم وسرور أتدري يا حبيب الله متى زوجني الله إياك؟ فيقول: لا أدري

فتقول: نظر إليك في يوم شديد حره وأنت في ظمأ الهواجر فباهى بك الملائكة

وقال: انظروا يا ملائكتي إلى عبدي، ترك شهوته، ولذته وزوجته وطعامه وشرابه، رغبة فيما عندي، أشهدكم أني قد غفرت له. فغفر لك يومئذ وزوجني إياك ).

فيا سبحان الله بصيام يوم شديد حره يتلذذ ذلك المؤمن وزوجته على ضفاف أنهار العسل، فهذا زفت عروسه لصيامه، وآخر لخشيته لربه وإشفاقه، وتُزفُّ العروس لأصحاب القلوب المتعلقة بالمساجد

تُزفُّ العروس للمنفقين سراً وجهراً، تُزفُّ العروس أيها الإخوة للذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش، تُزفُّ العروس لأهل القرآن الذين يرتقون في الجنان، تُزفُّ العروس للذين هم لفروجهم حافظون

ولأماناتهم وعهدهم راعون، تُزفُّ العروس لعيون طالما نفرت دموعها خشية من ربها، تُزفُّ لأجساد وقلوب وهبت نفسها لله، تُزفُّ لأهل التوبة والإستغفار

تُزفُّ العروس للعفيف المتعفف، والضعيف المتضعف، والمتواضع ذي الطمرين المدفوع بالأبواب، تُزفُّ العروس لتارك المراء ولو كان محقاً، وتارك الكذب ولو كان مازحاً، تُزفُّ لمن حسن خلقه

وكظم غيظه، وعفا عمّن ظلمه، تُزفُّ لمن أفشى السلام، وصلى بالليل والناس نيام، الله أكبر أهل الجنان والحور أقوام آمنوا بالله وصدقوا المرسلين: { وَنُودُواْ أَن تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } [الأعراف:43].

فيا خاطبَ الحسناءِ إن كنتَ باغياً
*** فهَذا زمانُ المهرِ فهو المقدمُ

وكن مبغضاً للخائنات لحبها
*** فتَحظى بها من دونهن وتنعمُ

وصم يومك الأدنى لعلك في غد
*** تفوزُ بعيدِ الفطرِ والناس صومُ


أخي:\ اختي

كلنا نريد أن تُزفَّ إلينا تلك العروس فلماذا تضيع من بين أيدينا بلذة ساعة ومتاع دنيا؟

محرومٌ محرومٌ من شرب الخمر في الدنيا وحرم نفسه شربها مع زوجته في الجنة، محرومٌ محرومٌ من انتهك الأعراض بالزنا وحرم نفسه التلذذ بالحور بالآخرة

محرومٌ محرومٌ من استمع إلى الغناء في الدنيا وحرم نفسه سماع غناء الأشجار مع زوجته في الجنان.

يقول ابن عمر رضي الله عنهما: ( والله لا ينال أحداً من الدنيا شيئاً إلا نقص من درجاته عند الله وإن كان عنده كريم ). ويقول ابن الجوزي رحمه الله في صيد الخاطر

: ( بقدر صعود الإنسان في الدنيا تنزل مرتبته في الآخرة )

وقبل ذلك يقول ربنا عز وجل: { مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاء لِمَن نُّرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُوماً مَّدْحُوراً (18) وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُوراً } [الإسراء:19،18].


اخوة الاسلام

الحور الحسان في الجنان تزفُّ إلى أفضل زوج لها بعد الأنبياء والصديقين إنه من باع نفسه من أجل الله، صاحب الدماء الطاهرة ذات الرائحة الزكية، إلى ذلك الرجل الذي يقبل على ربه بدمه الملون لون الدم

والريح ريح المسك، إنه الشهيد في سبيل الله تلكم العيون التي باتت تحرس وتجاهد في سبيل الله حتى بلغت المراد والمنى، ولن يجفّ دم شهيد حتى تتمتع عيناه بالحور الحسان.


أيها الأحبة:

فإليكم هذه القصة: في البصرة كان هناك نساء عابدات، وكان من بينهن أم إبراهيم الهاشمية توفي زوجها الصالح وترك لها إبراهيم فربّته أفضل تربية

حتى نشأ نشأة صالحة حتى أنَّ ولاة البصرة يتمنونه زوجاً لبناتهم، وفي يوم من الأيام أغار العدو على ثغر من ثغور الاسلام

فقام عبد الواحد بن زيد البصري خطيباً بالناس يحثهم على الدفاع عن الإسلام، وكانت أم إبراهيم تستمع إلى كلامه، وأخذ عبد الواحد يصف الحور الحسان فقال:

قادة ذات دلالٍ ومرح
*** يجد التائه فيها ما اقترح

زانها الله بوجهٍ جمعت
*** فيه أوصاف غريبات الملح

بدأ يصف اكثر واكثر، فماج الناس، وأقبلت أم إبراهيم فقالت له: يا أبي عبيد، أتعرف ولدي إبراهيم؟ رؤساء أهل البصرة يخطبونه لبناتهم، فأنا والله أعجبتني تلك الجارية

وأن أرضاها زوجاً لولدي فكرّرْ عليّ ما قلت من زصفها وجمالها، فقال عبد الواحد وزاد:

تولّد نورُ النُّور من نورِ وجهها
*** فمازج طيب الطيب من خالصِ العطرِ

فاشتاق الناس إلى الشهادة في سبيل الله، فقالت أم إبراهيم: يا أبا عبيد، هل لك أن تزوج إبراهيم تلك الجارية، فاتَّخذ مهرها عشرة آلاف دينار، ويخرج معك في هذه الغزوة، فلعل الله أن يرزقه الشهادة

فيكون شفيعاً لي ولأبيه يوم القيامة، فقال لها عبد الواحد: لأن فعلت لتفوزن أنت وزوجك فنادت ولدها إبراهيم من وسط الناس فقال لها لبيك يا أماه، فقالت: أي بني

أرضيت بهذه الجارية زوجة لك ببذل مهجتك في سبيل الله؟ فقال إبراهيم: أي والله يا أمي رضيت وأي رضا، فقالت: اللهم إني أشهدك أني قد زوجتُ ولدي هذا من هذه الحورية ببذل مهجته في سبيلك فتقبله مني يا أرحم الراحمين

ثم انصرفت فاشترت لولدها فرساً جيداً وسلاحاً، ثم خرج الجيش للقتال، وهم يرددون قول الله تعالى: { إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ } [التوبة:111].

فلما أرادت أم إبراهيم فراق ولدها أعطته كفناً وحنوطاً، وقالت له: أي بني إن أردت لقاء العدو فتكفّن بهذا الكفن وتحنّط بهذا الحنوط

وإياك أن يراك الله مقصراً في سبيله، ثم ضمّته إلى صدرها وقبّلته وقالت له: لا جمع الله بيني وبينك إلا بين يديه في عرصات القيامة، وارتحل الجيش، وودعت أم إبراهيم ولدها

قال عبد الواحد: فلما واجهنا العدو برز إبراهيم في المقدمة، فقتل من العدو خلقاً كثيراً، ثم تجمعوا عليه فقتلوه

وكتب الله النصر للمسلمين، فلما رجع الجيش إلى البصرة غانماً منتصراً، خرج أهل البصرة يستقبلونهم، ومن بينهم أم إبراهيم ترقب ولدها فلما رأت عبد الواحد قالت له: يا أبا عبيد

هل قبل الله هديتي فأهنَّأ فقال: قد قبلت هديتك فخرّت ساجدة لله تعالى وقالت الحمد لله الذي لم يخيِّب ظنِّي وتقبَّل نسكي مني

فلمّا كان من الغد جاءت أم إبراهيم إلى عبد الواحد بن زيد فقالت: يا أبا عبيد رأيت البارحة إبراهيم في منامي في روضة حسناء، وعليه قبة خضراء، وهو على سرير من اللؤلؤ، وعلى رأسه تاجاً وإكليلاً

وهو يقول لي: يا أماه أبشري فقد قُبِل المهر، وزُفَّت العروس.


يا عبد الله:


هذه الحور الحسان، وهذه الجنان، وهذا سبيلها، فهل رأيتم أشد غبناً ممن يبيع الجنان العالية بحياة أشبه بأضغاث أحلام يبيع الحور بلذة قصيرة وأحوال زهيدة؟

أي سفه ممن يبيع مساكن طيبة في جنان عدن بأعطان ضيقة، وخراب بوار.

فيا حسرة هذا المتخلف حين يرى ركب المؤمنين سائرين الى الجنان، ويمنع من دخولها، عندها سوف يعلم أي بضاعة أضاع.


العروس الأجمل:

تلكم المرأة الصالحة التي عاشت في هذه الدنيا نقية عفيفة صالحة مصلحة

تلكم المرأة التي باعت الدنيا بالآخرة

تقبل على ربها يوم القيامة، فتدخل الجنان، فتكون هي الأجمل

بل وأن الحور يكونون خدما لها، فهنيئا لها ولأمثالها.


وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.


محمد السيد









رد مع اقتباس
قديم 2019-02-14, 17:05   رقم المشاركة : 6
معلومات العضو
إيـــاب
عضو جديد
 
إحصائية العضو










افتراضي

أسأل الله أن يهديني ويهديك للحق يا عبدالرحمن










رد مع اقتباس
قديم 2019-02-14, 19:24   رقم المشاركة : 7
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة إيـــاب مشاهدة المشاركة
أسأل الله أن يهديني ويهديك للحق يا عبدالرحمن
اللهم امين و يثبتنا به حتي نلقاه

قال الله تعالى: {يوم لا ينفع مال ولا بنون * إلا من أتى الله بقلب سليم} (الشعراء:88-89)

بارك الله فيك









آخر تعديل *عبدالرحمن* 2019-02-18 في 18:20.
رد مع اقتباس
قديم 2019-02-17, 18:38   رقم المشاركة : 8
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










vb_icon_m (5)


اخوة الاسلام

أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته



إذا عصاني من يعرفني سلطت عليه من لا يعرفني

ذكر ابن أبي الدنيا عن الفضيل بن عياض قال: "أوحى الله إلى بعض الأنبياء:

" إذا عصاني من يعرفني سلطت عليه من لايعرفني"..

الجواب الكافي31، حلية الأولياء 1/91


هذا الأثر يحتوي أمرين:

- ذكر عصيان من يعرف الله تعالى…

- ذكر تسلط من لا يعرف الله تعالى على من عصى الله تعالى وهو عارف به..

فمن الذي يعرف الله تعالى؟

ومن الذي لا يعرف الله تعالى؟، وكيف يتسلط هذا على ذاك؟..

الذي يعرف الله تعالى هو الذي تعرف عليه بنعمه الدنيوية والدينية:


- فأما النعم الدنيوية فهي مجتمعة في شيئين:

الأمن والشبع..

قال تعالى: {فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف}..

- نعمة الأمن من أكبر النعم لا يعرفها إلا الخائف، وتتبين هذه النعمة وتكتمل

إذا اطلع الإنسان على أحوال الخائفين،

الذين لا يجدون الأمن، ممن تهدم مساكنهم، ويشردون من ديارهم، ولا يجدون ملجأ، ولا يأمنون على أنفسهم وأهليهم وأعراضهم وأموالهم.

فالأمن في ذاته نعمة، والأعظم من ذلك أن نرى ونسمع ونقرأ عن أحوال من لا يملكون الأمن، ويعيشون الخوف كل ساعة، فبذلك ندرك قدر هذه النعمة.

- ونعمة الشبع نعمة كبرى، يقابلها الجوع والفقر، وكل يوم نطلع على أحوال الفقراء والجوعى من حولنا

ما يذكر بهذه النعمة، إن بعضهم يأكل العشب لايجد غيره، وبعضهم يأس من القوت، فبادره بحفر قبره ينتظر الموت، فالجوع اليوم في كل مكان، حتى حولنا.

فهاتان النعمتان يتعرف الله بهما إلى عباده، لتكون تذكيرا بحقه في الطاعة: {فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف}

فمن عصاه بعدما تعرف عليه بنعمه الدنيوية، سلط الله عليه من لايعرف ربه ولايخافه..


- وأما النعم الدينية:

فهي أكبر من نعم الدنيا، وأعظمها الإسلام، فمن هدي إليه فقد هدي إلى الخير كله، قال تعالى: {ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين}..

ثم تليها في النعمة الهداية إلى أتباع سنة النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه رضوان الله عليهم من بعده

فمتبعهم هو الناجي من النار، فقد أخبر النبي فقال: (ستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين ملة

كلها في النار إلا واحدة)، هي تلك المتبعة لسنة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه..


ثم بعد ذلك إذا عرف الإنسان الحلال والحرام، فقد قامت عليه الحجة، وصار في عداد من يعرف الله تعالى، فلا عذر بعد ذلك في العصيان، فإن عصى فقد تعرض لسخط الجبار فلا يأمن من تسلط من لا يعرف الله.


وأعظم من أولئك نعمة، وأكثرهم معرفة بالله تعالى، من يسر الله له طلب العلم، بوجود العلم والعلماء

وكفاه هموم الدنيا، وفرغه للتعلم، فعلم الحلال والحرام والمكروه والمستحب والمباح، فتفقه في الدين وفهم أمر الله تعالى، وعرف ذرائع الخير وذرائع الشر، ووقف على مقاصد الشريعة وآدابها

وقرأ سير الغابرين وأخبار الصالحين والهالكين.. حتى تبين له ما يفعل وما يذر وما يتقي، وماينفع وما يضر، فكان بمنزلة من آتاه الله آياته، فمثل هذا الحجة عليه قائمة أتم قيام،..

فمثله لايوعظ، بل يعظ، فإن عصى وأصر وضل فقد تعرض لأمر خطير

وقد قيل: "شر الضلال ضلال بعد هدى"، وفي هذا جاءت النصوص متوعدة الذين يقولون ما لايفعلون، قال الله تعالى:

{يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون * كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون}.

* * *

إن معصية من أتم الله عليه نعمة الدين وعرف ربه حق المعرفة ليست كغيره، وقد ضرب الله لذلك أمثلة، من ذلك: الأنبياء، وزوجات الأنبياء.


- فأما الأنبياء..

فإن الله أعلى منزلتهم، ورفع شأنهم، واصطنعهم لنفسه، وأعطاهم الآيات والمعجزات

وشرح صدورهم بالإيمان، ونور صدورهم بمعرفته، ووعدهم الأجر الجزيل، فأتم عليهم النعمة، فليس لهم بعدها إلا الطاعة، ثم حذرهم من المعصية أشد تحذير، وتوعدهم بعقوبة مضاعفة

فقال تعالى:

{ذلك هدى الله يهدي به من يشاء من عباده ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعلمون}.
.
وقال: {ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين}..

وقال في حق نبينا صلى الله عليه وسلم خاصة:

{وإن كادوا ليفتنونك عن الذي أوحينا إليك لتفتري علينا غيره وإذاً لاتخذوك خليلا* ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا إذاً لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات ثم لاتجد لك علينا نصيرا}

وقال: {ولو تقول علينا بعض الأقاويل * لأخذنا منه باليمين * ثم لقطعنا منه الوتين* فما منكم من أحد عنه حاجزين}.


- وأما زوجات النبي صلى الله عليه وسلم فيقول الله لهن:

{يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين وكان ذلك على الله يسيرا}

، ويقول: {يا نساء النبي لستن كأحد من النساء إن اتقيتن فلاتخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض}

فهن عشن في بيت النبوة، فسمعن الآيات والحكمة:

{واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة}..

فشربن معاني الخير، وانشرحت صدورهن بالإيمان، نزلت عليهن السكينة والرحمة،

وأحاط بهن الخير من كل جانب، وكف الشر فلم يجد طريقا، فليس لهن بعد ذلك عذر في المعصية، فأبواب الخير مشرعة، وأبواب الشر مغلقة، فما تفتح إلا بشقاوة نفس.. وحاشاهن ذلك، رضوان الله عليهن.

وهكذا كل قوم اختصهم الله تعالى بنعمه على من سواهم

فإن الحساب يكون على ذلك الاختصاص، فالاختصاص وإن كان نعمة، فإنه من وجه آخر فتنة ومحنة، كالذي يرزقه مالاً ليرى فيم ينفعه، وملكا ليرى كيف به بين العباد

فإن أحسن أحسن الله إليه مرتين، مرة على الطاعة، ومرة على شكر النعمة:

{ومن يقنت منكن لله ورسوله وتعمل صالحا نؤتها أجرها مرتين وأعتدنا لها رزقا كريما}..

وإن أساء عوقب مرتين، مرة جزاء المعصية، ومرة جزاء كفران النعمة.


* * *

أما الذي لا يعرف الله تعالى، فهو الفاجر والظالم والحاقد والظالم، الذي لا يخاف الله تعالى

ولا يؤمن به، ولا يرعوي عن فعل شيء من الموبقات، فإذا تسلط فلا رحمة ولا شفقة، كأولئك الذين يقتلون الأبرياء من الأطفال والشيوخ والنساء والضعفاء، ويعتدون وينتهكون

ولا يتأثمون ولا يتحرجون، قد نزعت منهم كل معاني الإنسانية، والذين لا يرقبون في مؤمن

إلاّ ولا ذمة، الذين إن ثقفوا المؤمنين بسطوا إليهم أيديهم وألسنتهم بالسوء، وقد علمنا النبي صلى الله عليه وسلم أن ندعو الله تعالى أن يكفهم عنا، في الدعاء المشهور:

(ولا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك ولا يرحمنا).

أغلظ رجل على وكيع بن الجراح فدخل فعفر وجهه بالتراب، ثم خرج فقال: " زد وكيعا بذنبه، فلولاه ما تسلطت عليه"..

سير أعلام النبلاء 9/155


* * *

قال ابن كثير في حوادث سنة 615هـ (البداية والنهاية 13/81):


"وفي رجب منها أعاد المعظم ضمان القيان والخمور والمغنيات، وغير ذلك من الفواحش والمنكرات، التي كان أبوه قد أبطلها، بحيث إنه لم يكن أحد يتجاسر أن ينقل ملء كف خمر إلى دمشق إلا بالحيلة الخفية

فجزى الله العادل خيرا، ولا جزى المعظم خيرا على ما فعل، واعتذر المعظم في ذلك بأنه إنما صنع هذا المنكر لقلة الأموال على الجند، واحتياجهم إلى النفقات في قتال الفرنج

وهذا من جهله، وقلة دينه، وعدم معرفته بالأمور، فإن هذا الصنيع يديل عليهم الأعداء

وينصرهم عليهم، ويتمكن منهم الداء، ويثبط الجند عن القتال، فيولون بسببه الأدبار، وهذا مما يدمر، ويخرب الديار، ويديل الدول، كما في الأثر: (إذا عصاني من يعرفني، سلطت عليه من لا يعرفني)".


وقال كذلك: (البداية والنهاية 2/34): "وقال وهب بن منبه:


أوحى الله إلى نبي من أنبياء بني إسرائيل، يقال له أرميا، حين ظهرت فيهم المعاصي:

أن قم بين ظهراني قومك، فأخبرهم: أن لهم قلوبا ولا يفقهون، وأعينا ولا يبصرون، وآذانا ولا يسمعون، وأني تذكرت صلاح آبائهم فعطفني ذلك على أبنائهم، فسلهم:

كيف وجدوا غب طاعتي؟..

وهل سعد أحد ممن عصاني بمعصيتي؟..

وهل شقي أحد ممن أطاعني بطاعتي؟..

إن الدواب تذكر أوطانها فتنزع إليها، وان هؤلاء القوم تركوا الأمر الذي أكرمت عليه آباءهم والتمسوا الكرامة من غير وجهها:

أما أحبارهم فأنكروا حقي..

وأما قراؤهم فعبدوا غيري..

وأما نساكهم فلم ينتفعوا بما علموا..

وأما ولاتهم فكذبوا علي وعلى رسلي، خزنوا المكر في قلوبهم، وعودوا الكذب ألسنتهم..

وإني أقسم بجلالي وعزتي لاهيجن عليهم جيولا لا يفقهون ألسنتهم، ولا يعرفون وجوههم، ولا يرحمون بكاءهم، ولأبعثن فيهم ملكا جبارا قاسيا، له عساكر كقطع السحاب

ومواكب كأمثال الفجاج، كأن خفقان راياته طيران النسور، وكأن حمل فرسانه كر العقبان، يعيدون العمران خرابا، ويتركون القرى وحشة..

فياويل أيليا وسكانها:

كيف أذللهم للقتل، وأسلط عليهم السبا.. وأعيد بعد لجب الأعراس صراخا، وبعد صهيل الخيل عواء الذآب، وبعد شرافات القصور مساكن السباع

وبعد ضوء السرج وهج العجاج، وبالعز ذلا، وبالنعمة العبودية، وأبدلن نساءهم بعد الطيب التراب، وبالمشي على الزرابي الخبب، ولأجعلن أجسادهم زبلا للأرض، وعظامهن ضاحية للشمس، ولأدوسنهم بألوان العذاب..

ثم لآمرن السماء فتكون طبقا من حديد، والأرض سبيكة من نحاس، فإن أمطرت لم تنبت الأرض، وإن أنبتت شيئا في خلال ذلك فبرحمتي للبهائم..

ثم أحبسه في زمان الزرع، وأرسله في زمان الحصاد، فإن زرعوا في خلال ذلك شيئا سلطت عليه الآفة، فإن خلص منه شيء نزعت منه البركة..

فإن دعوني لم أجبهم، وإن سألوا لم أعطهم، وإن بكوا لم أرحمهم، وإن تضرعوا صرفت وجهي عنهم". رواه ابن عساكر بهذا اللفظ.


كتبة ابو سارة









رد مع اقتباس
قديم 2019-02-17, 18:52   رقم المشاركة : 9
معلومات العضو
Ali Harmal
مشرف منتدى الحياة اليومية
 
الصورة الرمزية Ali Harmal
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

سبحان الله ... ربي يحفظك ويجعل ما تدونة في ميزان حسناتك ليوم لا ينفع مال ولا بنون .
وجزاك الله عنا وعن الإسلام خيرا .









رد مع اقتباس
قديم 2019-02-18, 17:45   رقم المشاركة : 10
معلومات العضو
بسنت السيد
عضو جديد
 
إحصائية العضو










افتراضي

جزاكم الله خيرا










رد مع اقتباس
قديم 2019-02-18, 18:49   رقم المشاركة : 11
معلومات العضو
navigator
عضو نشيط
 
الصورة الرمزية navigator
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

بارك الله فيك










رد مع اقتباس
قديم 2019-02-18, 19:23   رقم المشاركة : 12
معلومات العضو
aboamine
عضو مميّز
 
الصورة الرمزية aboamine
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

بارك الله فيكم

أسأل الله أن يفتح علينا من واسع علمه ، وأن يغفر لنا ذنوبنا ، والله الهادي وغافر الذنب










رد مع اقتباس
قديم 2019-02-20, 15:10   رقم المشاركة : 13
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










vb_icon_m (5)


اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ali harmal مشاهدة المشاركة
سبحان الله ... ربي يحفظك ويجعل ما تدونة في ميزان حسناتك ليوم لا ينفع مال ولا بنون .
وجزاك الله عنا وعن الإسلام خيرا .
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة بسنت السيد مشاهدة المشاركة
جزاكم الله خيرا
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة navigator مشاهدة المشاركة
بارك الله فيك
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة aboamine مشاهدة المشاركة
بارك الله فيكم

أسأل الله أن يفتح علينا من واسع علمه ، وأن يغفر لنا ذنوبنا ، والله الهادي وغافر الذنب
الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اسعدني حضوركم الراقي مثلكم
ادام الله مروركم العطر دائما

بارك الله فيكم
و جزاكم الله عنا كل خير









رد مع اقتباس
قديم 2019-02-20, 15:39   رقم المشاركة : 14
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










vb_icon_m (5)


اخوة الاسلام

أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته



حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعد، أما بعد :

أخي المسلم الحبيب: هل خلوت بنفسك يوماً فحاسبتها عما بدر منها من الأقوال والأفعال؟

وهل حاولت يوماً أن تعد سيئاتك كما تعد حسناتك؟

بل هل تأملت يوماً طاعاتك التي تفتخر بذكرها؟!

فإن وجدت أن كثيراً منها مشوباً بالرياء والسمعة وحظوظ النفس

فكيف تصبر على هذه الحال

وطريقك محفوف بالمكارة والأخطار؟!

وكيف القدوم على الله وأنت محمل بالأثقال والأوزار؟

قال الله تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ * وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ ) [الحشر:18،19].

وقال تعالى: ( وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمْ الْعَذَابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ) [الزمر:54].

وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوها قبل أن توزنوا، فإن أهون عليكم في الحساب غداً أن تحاسبوا أنفسكم اليوم، وتزينوا للعرض الأكبر، يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية).


عبادة وخشية

وقد مدح الله تعالى أهل طاعته بقوله: (إن الذين هم من خشية ربهم مشفقون

والذين هم بآيات ربهم يؤمنون، والذين هم بربهم لا يشركون، والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون، أولئك يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون) [المؤمنون:57-61).

وعن عائشة رضي الله عنها قالت: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية فقلت: أهم الذين يشربون الخمر ويزنون ويسرقون؟

فقال: (لا يا ابنة الصديق، ولكنهم الذين يصومون ويصلون، ويتصدقون، ويخافون ألا يتقبل منهم، أولئك يسارعون في الخيرات) [الترمذي وابن ماجه واحمد].

أخي المسلم : هكذا كان سلقنا الكرام، يتقربون إلى الله بالطاعات، ويسارعون إليه بأنواع القربات، ويحاسبون أنفسهم على الزلات، ثم يخافون ألا يتقبل الله أعمالهم.

فهذا الصديق رضي الله عنه: كان يبكي كثيراً، ويقول: ابكوا، فإن لم تبكروا فتباكوا، وقال: والله لوددت أني كنت هذه الشجرة تؤكل وتعضد.

وهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه: قرأ سورة الطور حتى بلغ قوله تعالى: (إن عذاب ربك لواقع) [الطور:7].

فبكى واشتد في بكاؤه حتى مرض وعادوه. وكان يمر بالآية في ورده بالليل فتخيفه، فيبقى في البيت أياماً يعاد، يحسبونه مريضاً، وكان في وجهه خطأن أسودان من البكاء!!.

وقال له ابن عباس رضي الله عنهما: مصر الله بك الأمصار، وفتح بك الفتوح وفعل، فقال عمر: وددت أني أنجو لا أجر ولا وزر!!.

وهذا عثمان بن عفان ـ ذو النورين ـ رضي الله عنه: كان إذا وقف على القبر بكى حتى تبلل لحيته

وقال: لو أنني بين الجنة والنار لا أدري إلى أيتهما يؤمر بي، لاخترت أن أكون رماداً قبل أن أعلم إلى أيتهما أصير!!.

وهذا علي بن أبي طالب رضي الله عنها: كان كثير البكاء والخوف، والمحاسبة لنفسه. وكان يشتد خوفه من اثنتين: طول الأمل واتباع الهوى. قال: فأما طول الأمل فينسى الآخرة، وأما اتباع الهوى فيصد عن الحق.


واعظ الله في القلب

عن النواس بن سمعان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ضرب الله مثلاً صراطاً مستقيماً

وعلى جنبتي الصراط سوران، فيها أبواب مفتحة، وعلى الأبواب ستور مرخاة، وعلى الصراط داع يدعو يقول: يا أيها الناس!! اسلكوا الصراط جمييعاً ولا تعوجوا، وداع يدعو على الصراط، فإذا أراد أحكم فتح شي

من تلك الأبواب قال: ويلك! لا تفتحه، فإنك إن تفتحه تلجه. فالصراط: الإسلام. والستور: حدود الله. والأبواب المفتحة: محارم الله. والداعي من فوق: واعظ الله يذكر في قلب كل مسلم) [أحمد والحاكم وصححه الألباني].

فهلا استجبت ـ أخي المسلم ـ لواعظ الله في قلبك؟

وهلا حفظت حدود الله ومحارمه؟ وهلا انتصرت على عدو الله وعدوك، قال تعالى: (إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدواً إنما يدعو حزبه ليكونا من أصحاب السعير) [فاطر:6]].

عن خالد بن معدان رضي الله عنه قال: ما من عبد إلا وله عينان في وجهه يبصر بهما أمر الدنيا

وعينان في قلبه يبصر بهما أمر الآخرة، فإذا أراد الله بعبد خيراً، فتح عينيه اللتين في قلبه، فأبصر بهما ما وعد الله بالغيب، وإذا أراد به غير ذلك، تركه على ما فيه ثم قرأ: (أم على قلوب أقفالها) [محمد:24].


أقوال في محاسبة النفس


1- كتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى بعض عماله: (حاسب نفسك في الرخاء قبل حساب الشدة، فإن من حاسب نفسه في الرخاء قبل حساب الشدة، عاد أمره إلى الرضا والغبطة

ومن ألهته حياته، وشغلته أهواؤه عاد أمره إلى الندامة والخسارة.

2- وقال الحسن: لا تلقي المؤمن إلا بحساب نفسه: ماذا أردت تعملين؟

وماذا أردت تأكلين؟

وماذا أردت تشربين؟

والفاجر يمضي قدماً لا يحاسب نفسه.

3- وقال قتادة في قوله تعالى: (وكان أمره فرطاً) [الكهف:28]

أضاع نفسه وغبن، مع ذلك تراه حافظاً لماله، مضيعاً لدينه.

4- وقال الحسن: إن العبد لا يزال بخير ما كان له واعظ من نفسه، وكانت المحاسبة همته.

5- وقال ميمون بن مهران: لا يكون العبد تقياً حتى يكون لنفسه أشد محاسبة من الشريك لشريكه، ولهذا قيل: النفس كالشريك الخوان، إن لم تحاسبه ذهب بمالك.

6- وذكر الإمام أحمد عن وهب قال: مكتوب في حكمة آل داود: حق على العاقل ألا يغفل عن أربع ساعات: ساعة يناجي فيها ربه، وساعة يحاسب فيها نفسه، وساعة يخلوا فيها مع إخوانه الذين يخبرونه

بعيوبه ويصدقونه عن نفسه، وساعة يخلي فيها بين نفسه وبين لذاتها فيما يحل ويجعل، فإن في هذه الساعة عوناً على تلك الساعات وإجماماً للقلوب.

7- وكان الأحنف بن قيس يجئ إلى المصباح، فيضع إصبعه فيه ثم يقول: حس يا حنيف، ما حملك على ما صنعت يوم كذا؟ ما حملك على ما صنعت يوم كذا؟

8- وقال الحسن: المؤمن قوام على نفسه، يحاسب نفسه لله، وإنما خف الحساب يوم القيامة على قوم حاسبوا أنفسهم في الدنيا، وإنما شق الحساب يوم القيامة على قوم أخذوا هذا الأمر من غير محاسبة.

إن المؤمن يفجأه الشيء ويعجبه فيقول: والله إني لأشتهيك، وإنك لمن حاجتي

ولكن والله ما من صلة إليك، هيهات هيهات، حيل بيني وبينك. ويفرط منه الشيء فيرجع إلى نفسه فيقول: ما أردت إلى هذا؟ مالي ولهذا؟ والله لا أعود إلى هذا أبداً.

إن المؤمنين قوم أوقفهم القرآن، وحال بينهم وبين هلكتهم.

إن المؤمن أسير في الدنيا يسعى في فكاك رقبته، لا يأمن شيئاً حتى يلقى الله، يعلم أنه مأخوذ عليه في سمعه وفي بصره، وفي لسانه وفي جوارحه، مأخوذ عليه في ذلك كله.

9- وقال مالك بن دينار: رحمه الله عبداً قال لنفسه: ألست صاحبة كذا؟ ألست صاحبة كذا؟ ثم ألزمها، ثم خطمها، ثم ألزمها كتاب الله عز وجل، فكان لها قائداً.

10- وقال ابن أبي ملكية: أدركت ثلاثين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كلهم يخاف النفاق على نفسه، ما منهم أحد يقول إنه على إيمان جبريل وميكائيل!!


أخي المسلم الموفق :

قال الإمام ابن الجوزي: أعجب العجاب أن النقاد يخافون دخول البهرج في أموالهم، والمبهرج آمن!! هذا الصديق يمسك لسانه ويقول: هذا الذي أوردني الموارد

وهذا عمر يقول: يا حذيفة هل أنا منهم ـ يعني من المنافقين ـ والمخلط على بساط الأمن!!

وقال الإمام ابن القيم رحمه الله: (ومن تأمل أحوال الصحابة رضي الله عنهم وجدهم في غاية العمل مع غاية الخوف، ونحن جمعنا بين التقصير، بل التفريط والأمن).

هكذا يقول الإمام ابن القيم رحمه الله عن نفسه وعصره، فماذا نقول نحن عن أنفسنا وعصرنا؟!


فيا أخي الحبيب:

لا تضيع أيامك، فإنها رأس مالك، فإنك ما دمت قادراً على رأس مالك قدرت على الريح، وإن بضاعة الآخرة كاسدة في يومك هذا، فاجتهد حتى تجمع بضاعة الآخرة في وقت الكساد، فإنه يجئ يوم تصير هذه البضاعة فيه عزيزة

فاستكثر منها في يوم الكساد ليوم العز، فإنك لا تقدر على طلبها في ذلك اليوم.


أقسام محاسبة النفس


محاسبة النفس نوعان: نوع قبل العمل ونوع بعده.

النوع الأول:

محاسبة النفس قبل العمل فهو أن يقف العبد عند أول همه وإرادته، ولا يبادر بالعمل حتى يتبين له رجحانه على تركه. قال الحسن رحمه الله: رحم الله عبداً وقف عند همه، فإن كان لله مضى، وإن كان لغيره تأخر.

النوع الثاني

: محاسبة النفس بعد العمل.


وهو ثلاثة أنواع:


أحدها :

محاسبة النفس على طاعة قصرت فيها في حق الله تعالى، قلم توقعها على الوجه الذي ينبغي.
وحق الله تعالى في الطاعة ستة أمور وهي:

1- الإخلاص في العمل.

2- النصيحة لله فيه.

3- متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم فيه.

4- شهود مشهد الإحسان فيه.

5- شهود منة الله عليه فيه.

6- شهود تقصيره فيه.

فيحاسب العبد نفسه هل وفى هذه المقامات حقها؟

وهل أتى بها جميعاً في هذه الطاعة؟


الثاني :

أن يحاسب نفسه على كل عمل كان تركه خيراً من فعله.

الثالث :

أن يحاسب نفسه على أمر مباح أو معتاد لم فعله؟

وهل أراد به الله والدار الآخرة؟

فيكون رابحاً، أو أراد به الدنيا وعاجلها؟

فيخسر ذلك الربح ويفوته الظفر به.


الأسباب المعينة على محاسبة النفس

هناك أساب تعين الإنسان على محاسبة نفسه وتسهل عليه ذلك منها:

1- معرفته أنه كلما اجتهد في محاسبة نفسه اليوم استرح من ذلك غداً، وكلما أهملها اليوم اشتد عليه الحساب غداً.

2- معرفته أن ربح محاسبة النفس ومراقبتها هو سكنى الفردوس، والنظر إلى وجه الرب سبحانه، ومجاورة الأنبياء والصالحين وأهل الفضل.

3- النظر فيما يؤول إليه ترك محاسبة النفس من الهلاك والدمار، ودخول النار والحجاب عن الرب تعالى ومجاورة أهل الكفر والضلال والخبث.

4- صحبة الأخيار الذين يحاسبون أنفسهم ويطلعونه على عيوب نفسه، وترك صحبة من عداهم.

5- النظر في أخبار أهل المحاسبة والمراقبة من سلفنا الصالح.

6- زيارة القبور والتأمل في أحوال الموتى الذين لا يستطيعون محاسبة أنفسهم أو تدرك ما فاتهم.

7- حضور مجالس العلم والوعظ والتذكير فإنها تدعو إلى محاسبة النفس.

8- قيام الليل وقراءة القرآن والتقرب إلى الله تعالى بأنواع الطاعات.

9- البعد عن أماكن اللهو والغفلة فإنها تنسي الإنسان محاسبة نفسه.

10- ذكر الله تعالى ودعاؤه بأن يجعله من أهل المحاسبة والمراقبة، وأن يوفقه لكل خير.

11- سوء الظن بالنفس،فإن حسن الظن بالنفس ينسي محاسبة النفس، وربما رأى الإنسان ـ بسب حسن ظنه بنفسه ـ عيوبه ومساوئه كمالاً.


أخوة الاسلام :

حق على الحازم المؤمن بالله واليوم الآخر ألا يغفل عن محاسبة نفسه والتضييق عليها في حركاتها وسكناتها وخطواتها ، فكل نفس من أنفس العمر جوهرة نفيسة

يمكن أن يشتري بها كنز من الكنوز لا يتناهى نعيمه أبد الآباد. فإضاعة هذه الأنفاس، أو اشتراء صاحبها ما يجلب هلاكه خسران عظيم، لا يسمح بمثله إلا أجهل الناس وأحمقهم وأقلهم عقلاً

وإنما يظهر له حقيقة هذا الخسران يوم التغابن (يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمد بعيداً) [أل عمران:30].


أخي الكريم :


كان توبة بن الصمة من المحاسبين لأنفسهم فحسب يوماً، فإذا هو ابن ستين سنة، فحسب أيامها، فإذا هي أحد وعشرون ألف يوم وخمسمائة يوم، فصرخ وقال: يا ويلي! ألقى ربي بأحد وعشرين ألف ذنب؟

كيف وفي كل يوم آلاف من الذنوب؟

ثم خر مغشياً عليهن فإذا هو ميت، فسمعوا قائلاً يقول: (يا لك ركضة إلى الفردوس الأعلى).


كيفية محاسبة النفس

ذكر الإمام ابن القيم رحمه الله أن محاسبة النفس تكون كالتالي:

أولاً: البدء بالفرائض، فإذا رأى فيها نقصاً تداركه.

ثانياً : ثم المناهي، فإذا عرف أنه ارتكب منها شيئاً تداركه بالتوبة والاستغفار والحسنات الماحية.

ثالثاً : محاسبة النفس على الغفلة ويتدارك ذلك بالذكر والإقبال على الله.

رابعاً: محاسبة النفس على حركات الجوارح، كلام اللسان، ومشي الرجلين، وبطش اليدين، ونظر العينين، وسماع الأذنين، ماذا أردت بهذا؟ ولمن فعلته؟ وعلى أي وجه فعلته.


فوائد محاسبة النفس


ولمحاسبة النفس فوائد جمة منها:

1- الإطلاع على عيوب النفس، ومن لم يطلع على عيب نفسه لم يمكنه إزالته.

2- التوبة والندم وتدارك ما فات في زمن الإمكان.

3- معرفة حق الله تعالى فإن أصل محاسبة النفس هو محاسبتها على تفريطها في حق الله تعالى.

4- انكسار العبد وزلته بين يدي ربه تبارك وتعالى.

5- معرفة كرم الله سبحانه وتعالى وعفوه ورحمته بعباده في أنه لم يعجل عقوبتهم مع ما هم عليه من المعاصي والمخالفات.

6- مقت النفس والإزراء عليها، والتخلص من العجب ورؤية العمل.

7- الاجتهاد في الطاعة وترك العصيان لتسهل عليه المحاسبة فيما بعد.

8- رد الحقوق إلى أهلها، وسل السخائم، وحسن الخلق، وهذه من أعظم ثمرات محاسبة النفس.


قطار العمر

أخي المسلم:

قال الفضيل لرجل: كم أتى عليك؟ قال: ستون سنة. قال له: أنت منذ ستين سنة تسير إلى ربك يوشك أن تصل!!

وقال أبو الدرداء : إنما أنت أيام، كلما مضى منك يوم مضى بعضك.

فيا أبناء العشرين ! كم مات من أقرانكم وتخلفتم؟!

ويا أبناء الثلاثين! أصبتم بالشباب على قرب من العهد فما تأسفتم؟

ويا أبناء الأربعين! ذهب الصبا وأنتم على اللهو قد عكفتم!!

ويا أبناء الخمسين ! تنصفتم المائة وما أنصفتم!!

ويا أبناء الستين ! أنتم على معترك المنايا قد أشرفتم، أتلهون وتلعبون ؟ لقد أسرفتم!!

وفي صحيح البخاري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أعذر الله إلى من بلغه ستين سنة).

أخي الحبيب :

كم صلاة أضعتها؟

.. كم جمعة تهاونت بها؟ .. كم صيام تركته؟

… كم زكاة بخلت بها؟

… كم حج فوته ؟

… كم معروف تكاسلت عنه؟

… كم منكر سكت عليه؟

… كم نظرة محرمة أصبتها؟

… كم كلمة فاحشة تكلمت بها؟ …

كم أغضبت والديك ولم ترضهما؟

… كم قسوت على ضعيف ولم ترحمه؟

.. كم من الناس ظلمته؟ …

كم من الناس أخذت ماله؟ ..

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أتدرون من المفلس؟

قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع؟

فقال: (إن المفلس من أمتي يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي قد شتم هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيعطي هذا من حسناته

وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه، أخذ من خطاياهم فطرحت عليه، ثم طرح في النار) [مسلم].

إنا لنفرح بالأيام نقطـــعها
*** وكل يوم مضى يدني من الأجـــــل

فاعمل لنفسك قبل الموت مجتهداً
*** فإنما الربح والخسران في العمل

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.


خالد بن حسين بن عبد الرحمن









رد مع اقتباس
قديم 2019-02-24, 18:29   رقم المشاركة : 15
معلومات العضو
malake1967
مشرفة عـامّة
 
الصورة الرمزية malake1967
 

 

 
الأوسمة
العضو المميز 
إحصائية العضو










افتراضي

السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
موضوع مميز يستحق التقييم
بارك الله فيك
وجعله الله في ميزان حسناتك.









رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 23:02

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2024 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc