براءة الاسلام ممن يختطف الأجانب ويقتلهم. - الصفحة 2 - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الدين الإسلامي الحنيف > قسم النوازل و المناسبات الاسلامية ..

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

براءة الاسلام ممن يختطف الأجانب ويقتلهم.

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2012-11-13, 17:16   رقم المشاركة : 16
معلومات العضو
قطــــوف الجنــــة
عضو متألق
 
الصورة الرمزية قطــــوف الجنــــة
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

الفصل الثاني
طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس

وقد توبع طاووس- عليه- عن ابن عباس؛ تابعه علي بن أبي طلحة عنه بلفظ :« من جحد ما أنزل الله؛ فقد كفر، ومن أقرّ به ولم يحكم ؛ فهو ظالم فاسق».
أخرجه الطبري في «جامع البيان» (6/166)، وابن أبي حاتم في «تفسيره» (4/1142/6426و1146/6450) عن المثنى بن إبراهيم الآملي وأبي حاتم الرازي كلاهما عن عبد الله بن صالح عن معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة به.
قلت: وهذا سند حسن؛ رجاله ثقات، وفي معاوية بن صالح وعلي بن أبي طلحة كلام يسير لا ينزل حديثهما عن رتبة الحسن.
وقد أعلَّ (الهدام) هذه الطريق (ص34) بالانقطاع بين علي بن أبي طلحة وابن عباس ، والضعف الذي في علي بن أبي طلحة ، والكلام الذي في عبد الله ابن صالح.
وليس هذا كله بشيء- إن شاء الله- عند التحقيق العلمي:
أما الانقطاع ؛ فقد قال الحافظ ابن حجر في «تهذيب التهذيب» (7/339): «علي بن أبي طلحة... روى عن ابن عباس ولم يسمع منه، بينهما مجاهد».
وقال -أيضاً- في «العجاب في بيان الأسباب» (1/207-ط دار ابن الجوزي): «وعلي؛ صدوق لم يلق ابن عباس، لكنه إنما حمل عن ثقات أصحابه؛ فلذلك كان البخاري وابن أبي حاتم وغيرهما يعتمدون على هذه النسخة»([31]).
وقال الذهبي في «ميزان الاعتدال» (3/134): « أخذ تفسير ابن عباس عن مجاهد ؛ فلم يذكر مجاهداً بل أرسله عن ابن عباس».
وقال: «...روى معاوية بن صالح عنه عن ابن عباس تفسيراً كبيراً ممتعاً».
وقال أبو جعفر النحاس في «الناسخ والمنسوخ» (ص75) :«والذي يطعن في إسناده يقول: ابن أبي طلحة لم يسمع من ابن عباس ، وإنما أخذ التفسير عن مجاهد وعكرمة، وهذا القول لا يوجب طعناً؛ لأنه أخذه عن رجلين ثقتين، وهو في نفسه ثقة صدوق».
وقال السيوطي في«الإتقان» (2/188):« قال قوم : لم يسمع ابن أبي طلحة من ابن عباس التفسير ، وإنما أخذه عن مجاهد أو سعيد بن جبير؛ قال الحافظ ابن حجر : بعد أن عرفت الواسطة- وهو ثقة- ؛ فلا ضير في ذلك».
أما ضعف علي بن أبي طلحة؛ فكلُّ صدوق فيه ضعف ولا بد، وإلا؛ فَلِمَ ينزل عن مرتبة الثقة؟ وهذا معروف لا يحتاج لبيان، وقد فصلت -بعض الشيء - في هذا فيما تقدم؛ فلا أعيد.
أما الكلام الذي في عبد الله بن صالح شيخ البخاري؛ فهو كثير طويل لكن لشيخ الإسلام وأمير المؤمنين في الحديث الحافظ ابن حجر- رحمه الله - كلمات رائعات تجمل الكلام فيه ؛ فقال في «هدي الساري» (ص414)- بعد ذكر الكلام فيه- : «ظاهر كلام هؤلاء الأئمة أن حديثه في الأول كان مستقيماً ثم طرأ عليه فيه تخليط؛ فمقتضى ذلك: أن ما يجيء من روايته عن أهل الحذق كـ( يحيى بن معين، والبخاري، وأبي زرعة ، وأبي حاتم) ؛ فهو من صحيح حديثه، وما يجيء من رواية الشيوخ عنه؛ فيتوقف فيه» أ.هـ.
قلت : وهذا منها ؛ فإن من الرواة المشار إليهم في كلام الحافظ أبا حاتم الرازي، وقد رواه هنا عن عبد الله بن صالح ، وروايته عند ابنه في «التفسير»؛ فثبت الأثر وبطل النظر، ولله الحمد والمنّة على الإسلام والسنّة.
وَهَب -جدلاً- أن هذه الطريق أُعلت بالانقطاع؛ لكن لا بأس بها في المتابعات والشواهد ؛ كما لا يخفى ، ولكن(الهدام) لا يعترف بقاعدة تقوية الحديث بمجموع طرقه وإن كان فيها ضعفاً ؛ فهو مكابر ماكر!
فهذا شيخنا أسد السنة العلامة الألباني- رحمه الله- في «الصحيحة» (6/114) مع إعلاله بالانقطاع -فيما اجتهد به- لم يسكت، بل قال: «لكنّه جيّد في الشواهد».
فانظر البون الشاسع بين كلام العلماء المخلصين الصادقين، وبين الناشئة الجهلة المتعالين الكاذبين!!
وبالجملة ؛ فمقولة عبد الله بن عباس- رضي الله عنهما-: «كفر دون كفر» ثابتة -رواية ودراية-؛ وإذا لم تصح؛ فلا يصح شيء!
وأختم هذا الباب بنصائح علمية؛ لتكون ذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.
قال الحافظ الذهبي -رحمه الله- في «المقدمة الموقظة» (ص320-بشرحي): «والكلام في الرّواة يحتاج إلى ورع تامّ، وبراءة من الهوى والميل، وخبرة كاملة بالحديث، وعلله، ورجاله.
ثم نحن نفتقر إلى تحرير عبارات التعديل والجرح، وما بين ذلك من العبارات المتجاذبة.
ثم أهمّ من ذلك أن نعلم بالاستقراء التّامّ: عرف ذلك الإمام الجهبذ، واصطلاحه، ومقاصده بعباراته الكثير
ة».
وقال -أيضاً- في «تذكرة الحفاظ» (1/4): «ولا سبيل إلى أن يصير العارف يزكي نقلة الأخبار ويحرجهم جهبذاً إلا بإدمان الطلب، والفحص عن هذا الشأن، وكثرة المذاكرة والسهر والتيقظ والفهم، مع التقوى والدين المتين، والإنصاف، والتردد إلى مجالس العلماء، والتحري والإتقان. وإلا تفعل:
فدع عنك الكتابة لست منها


ولو سودت وجهك بالمداد



قال الله تعالى: {فاسئلوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون}.
فإن آنست يا هذا من نفسك فهماً وصدقاً وديناً وورعاً، وإلاّ فلا تتعنَّ.
وإن غلب عليك الهوى والعصبية لرأي ولمذهب فبالله لا تتعب.
وإن عرفت أنك مخلط مخبط مهمل لحدود الله فأرحنا منك، فبعد قليل ينكشف البهرج، وينكب الزغل، ولا يحيق المكر السَّيِّء إلا بأهله، فقد نصحتك.
فعلم الحديث صلف، فأين علم الحديث؟ وأين أهله؟ كدت لا أراهم إلا في كتاب، أو تحت التراب».
وقال الحافظ ابن حجر -رحمه الله- في «نزهة النظر» (ص73): «وليحذر المتكلم في هذا الفن من التساهل في الجرح والتعديل؛ فإنه إن عدّل أحداً بغير تثبُّت، كان كالمثبت حكماً ليس بثابت؛ فيخشى عليه أن يدخل في زمرة من روى حديثاً وهو يظن أنه كذب.
وإن جرّح بغير تحرُّز أقدم على الطعن من مسلم بريء من ذلك، ووسمه بميسم سوء يبقى عليه عاره أبداً
».










 


رد مع اقتباس
قديم 2012-11-13, 17:22   رقم المشاركة : 17
معلومات العضو
قطــــوف الجنــــة
عضو متألق
 
الصورة الرمزية قطــــوف الجنــــة
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

الآثار السلفية الموافقة لتفسير عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما-

وفيه فصلان:
الأول: عطاء بن أبي رباح -رحمه الله-.
الثاني: طاووس اليماني -رحمه الله-.






الفصل الأول
عطاء بن أبي رباح -رحمه الله-

وقد صحّ هذا الأثر عن جمع من جِلَّة التابعين، ممن تلقوا العلم عن ترجمان القرآن عبد الله بن عباس- رضي الله عنهما-، مما يدلُّك على أنهم للصحابة في فهم الكتاب والسنة مقتفون، وأنهم على آثارهم ماضون.
قال عطاء: «كفر دون كفر، وظلم دون ظلم ، وفسق دون فسق»
أخرجه الإمام أحمد في «الإيمان» (4/159-160/1417و161/1422) وفي «مسائل أبي داود» (ص209)، والطبري في «جامع البيان» (6/165و166)، ومحمد بن نصر المروزي في «تعظيم قدرالصلاة» (2/522/575)، وابن بطة في «الإبانة» (2/735/1007و736-737/1011)، وابن أبي حاتم في «تفسيره»(4/1149/6464)، والقاضي وكيع في «أخبار القضاة» (1/43) من طريق سفيان الثوري عن ابن جريج عن عطاء به.
قلت: وهذا سند صحيح رجاله ثقات، وصححه شيخنا الألباني- رحمه الله- في «الصحيحة» (6/114).
أما ذاك (الهدام) ؛ فلم يرفع رأساً لهذا الأثر، ولم يأبه به؛ بل ضعَّفه بجهل بالغ وكذب سابغ؛ مُعِلاً إياه بعلل باردة مثله، وبشبهات خبيثة لا تصدر إلا من شاكلته.
فقال (ص29): «وهذا الإسناد رجاله ثقات؛ إلا ما يخشى من تدليس ابن جريج عن عطاء ؛ ولم يصرح بالسماع .
ومسألة رواية ابن جريج عن عطاء: هل هي محمولة على السماع أم لا؟ موضع نزاع!!».
أقول: ابن جريج معروف بالتدليس مع جلالته وثقته، لكن استثنى أهل العلم روايته عن عطاء بخاصة ؛ فقد روى ابن أبي خثيمة بسند صحيح عن ابن جريج أنه قال: «إذا قلت: قال عطاء؛ فأنا سمعته منه، وإن لم أقل: سمعت»([32]).
قال شيخنا أسد السنة العلامة الألباني - رحمه الله - في «إرواء الغليل» (4/244): «وهذه فائدة هامّة جدّاً، تدلنا على أن عنعنة ابن جريج عن عطاء في حكم السماع».
وقال - أيضاً- (5/202): «وهذه فائدة عزيزة ؛فاحفظها ؛ فإني كنت في غفلة منها زمناً طويلاً ، ثم تنبهت لها ؛ فالحمد لله على توفيقه».
وقال في «صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم»: «مدلس، ولكن قد صحَّ عنه أنه قال: (وذكر ما تقدم). فإذا قيل في قوله: (عن عطاء ) أنه كقوله: (قال عطاء) ؛ فلا يضرّ عدم تصريحه بالسماع؛ كما هو ظاهر، ولعل هذا من الأعذار في إخراج الشيخين لحديثه المعنعن عن عطاء».
وقال في «الصحيحة» (1/86) : «فهذه فائدة هامة، وهل قوله: (عن عطاء) حكمها واحد أم يختلف؟ الظاهر- عندي- الأول، والله أعلم».
ثم ذكر (المأفون) (ص30) أن الإمام أحمد قال: «كلّ شيء قال ابن جريج: قال عطاء أو عن عطاء؛ فإنه لم يسمعه من عطاء.
أقول: ذكر هذا النقل عن الإمام أحمد ابنُ عبد الهادي في «بحر الدم» (ص278) من رواية ابن إبراهيم، ففي الاستدلال بهذا النقل عن الإمام أحمد نظر من وجوه:
الأول: لم يعيُّن الإمام أحمد من هو عطاء! هل هو ابن أبي رباح أو ابن أبي مسلم الخراساني؟
وعندي- والله أعلم- أنه الثاني ؛ فهو الذي قيل فيه: إن ابن جريج لم يسمع منه، بخلاف ابن أبي رباح؛ فإن الإمام أحمد أثبت رواية ابن جريج عنه، وأنه لازمه سنين، وأنه من أثبت الناس في ابن أبي رباح.
قال علي بن المديني:« سألت يحيى بن سعيد عن حديث ابن جريج عن عطاء الخراساني؛ فقال : ضعيف، قلت ليحيى : إنه يقول: أخبرني ، قال: لا شيء ، كله ضعيف؛ إنما هو كتاب دفعه إليه» ذكره الحافظ في «التهذيب» (6/406)وغيره.
فهذا نص صريح أن في سماع ابن جريج من الخراساني نظراً؛ لأنه روى عنه من كتاب دفعه إليه.
الثاني: أن ابن جريج أخبر عن نفسه أنه إذا روى عن عطاء خبراً ما؛ فإنه سمعه منه، وإن لم يصرح بالسماع، كيف لا وقد لازمه أكثر من خمس عشرة سنة، والرجل أدرى بحاله و بنفسه من غيره؛ فلا يلغي كلام أحمد- إن سلمنا أنه أراد: ابن أبي رباح- كلام ابن جريج؛ لأن ابن جريج أدرى بنفسه وبحاله من الإمام أحمد بلا ريب.
الثالث: أن كلام ابن جريج مثبت للسماع، وكلام أحمد ناف، والمثبت مقدم على النافي؛ كما هو معلوم، وبخاصة أن لابن جريج أحاديث في «الصحيحين» عن عطاء بن أبي رباح، ولم يصرح بالسماع فيها.
ثم قال (المأفون): «لعل ما ذكر عن أحمد أقرب إلى الصواب لأمرين:
الأول: ما علم من أن ابن جريج ترك عطاء بن أبي رباح في آخر عمره؛ كما ذكر علي بن المديني، وهذا يستدعي أن يروي أشياء عن عطاء من أصحابه أو...!».
قلت: هكذا يلقي الكلام على عواهنه ، ويحمّل كلام أهل العلم ما لا يحتمل، ويستنبط من كلامهم فهماً باطلاً عاطلاً لم يقله أحد قبله بل قالوا خلافه، وإنما يفعل ذلك للتشكيك؛ وهذا مما لا يعجز عنه أجهل الناس وأخبث الناس، وحكاية كلامه هذا يغنينا عن الرد عليه؛ لوضوح تفاهته وسقوطه، لكني- مع ذلك- أضع بين أيدي القراء تفسير أهل العلم لكلام ابن المديني؛ ليرى القارىء الكريم الفرق بين كلام أهل العلم من الفحول وبين كلام الأغمار أمثال هذا الجهول.
قال الإمام الحافظ الذهبي في «سير أعلام النبلاء» (5/86-87) ، و«تاريخ الإسلام» (7/423-ط دار الكتاب العربي) : «قال علي بن المديني: كان عطاء اختلط بأخره، تركه ابن جريج وقيس بن سعد . قلت: لم يعن علي بقوله تركه هذان الترك العرفي، ولكنه كبر وضعفت حواسه، وكان قد تكفيا منه وتفقها وأكثرا عنه؛ فَبَطّلا؛ فهذا مراده بقوله: تركاه».
وقال في «ميزان الاعتدال» (3/70): «لم يعن الترك الاصطلاحي، بل عنى أنهما بَطّلا الكتابة عنه، وإلا؛ فعطاء ثَبْتٌ رِضَىً».
وعليه؛ فابن جريج حدث بهذا الحديث ورواه عن عطاء قبل اختلاطه؛ لأن ابن جريج لم يكتب عنه في اختلاطه -بنص كلام الإمام الذهبي- فأين العلة، وأين الوهم والخطأ؟ وإنما هو العفن استفحل في رؤوس القوم وأفهامهم.
ثم قال (المأفون): «الثاني: منازعة راو مجهول له في الرواية» ثم ذكر ما أخرجه الطبري والقاضي وكيع من طريق حماد بن سلمة عن أيوب بن أبي سهلة ! عن عطاء به ، قال: « وأيوب بن أبي سهلة؛ هذا مجهول ، لا يعرف له غير هذا الخبر...».
قلت: وهذا من أسلوبه الخبيث في هدم السنة؛ فإنه يقدم رواية المجهول الضعيف- بزعمه- على رواية الثقة الثبت خلافاً لقاعدة علماء المصطلح؛ بل العقلاء جميعاً.
على أنه لا تعارض بينهما (ولا منازعة)، بل هي متابعة لابن جريج منه، وهذا مما كتمه (الهدام) عن البقية الباقية من قرائه!؛ ليحملهم على تقليد جهله، ويصرفهم عن اتباع أهل العلم والبصيرة من علمائهم الذين صححوا هذا الأثر، وأصلوا به -وأمثاله- عقائدهم.
فأين المخالفة؟
ومن خالف من؟
لكن هذه التعابير اللولبية والإنشاءات الحلزونية التي يحدثها هذا الهدام الجهول: هي من باب التكلف والتنطع المنهي عنه؛ كما في الحديث الصحيح: «هلك المتنطعون».
وإلا ؛ فلماذا أعرض عن الاصطلاح العام المعروف عند علماء الإسلام أن رواية الثقة تقدم- بلا خلاف- على رواية المجهول؟!
لا لشيء سوى حبّ المشاكسة والمخالفة الذي حاد به عن سبيلهم -غاية وأسلوباً-، لكنه ينطلق في كل ما يكتب من تلك القاعدة اليهودية الدخيلة: (الغاية تسوغ الوسيلة)؛ ولذلك لا بدّ من الوصول إلى (مآربه) بكل(مكر ودهاء وحيلة).










رد مع اقتباس
قديم 2012-11-13, 17:24   رقم المشاركة : 18
معلومات العضو
قطــــوف الجنــــة
عضو متألق
 
الصورة الرمزية قطــــوف الجنــــة
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

مسرد العلماء الأعلام الذين صرحوا بصحة
تفسير عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما- أو احتجوا به

يكفي القارىء الكريم أن يعلم: أنّ أهل السنّة والجماعة من أصحاب الحديث والأثر أتباع السلف الصالح متفقون على تلقي هذا الأثر عن حبر الأمة ابن عباس- رضي الله عنهما- بالقبول، ومجمعون على صحته؛ فهم عاملون به، داعون إليه:
1- قال الحاكم - رحمه الله - في «المستدرك» (2/393) :«هذا حديث صحيح الإسناد ، ولم يخرجاه»، ووافقه الذهبي.
2- ونقل الحافظ ابن كثير -رحمه الله- في «تفسير القرآن العظيم» (2/64) عنه قوله: «صحيح على شرط الشيخين»، واحتج به([35]).
3- وقال شيخ المفسرين الطبري -رحمه الله- في«جامع البيان» (6/166-167): «وأولى هذه الأقوال عندي بالصواب: قول من قال: نزلت هذه الآيات في كفّار أهل الكتاب، لأن ما قبلها وما بعدها من الآيات ففيهم نزلت، وهم المعنيون بها، وهذه الآيات سياق الخبر عنهم، فكونها خبراً عنهم أولى.
فإن قال قائل: فإن الله -تعالى ذكره- قد عمّ بالخبر بذلك عن جميع من لم يحكم بما أنزل الله، فكيف جعلته خاصاً؟!
قيل: إن الله -تعالى- عمّ بالخبر بذلك عن قوم كانوا بحكم الله الذي حكم به في كتابه جاحدين، فأخبر عنهم أنهم بتركهم الحكم على سبيل ما تركوه كافرون، وكذلك القول في كلّ من لم يحكم بما أنزل الله جاحداً به، هو بالله كافر؛ كما قال ابن عباس».
4- قال الإمام القدوة محمد بن نصر المروزي - رحمه الله -في «تعظيم قدر الصلاة» (2/520): «...ولنا في هذا قدوة بمن روى عنهم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والتابعين ؛ إذ جعلوا للكفر فروعاً دون أصله، لا تنقل صاحبه عن ملة الإسلام، كما ثبتوا للإيمان من جهة العمل فرعاً للأصل لا ينقل تركه عن ملة الإسلام، من ذلك قول ابن عباس في قوله: { ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون}».
5- وقال الإمام أبو المظفر السمعاني -رحمه الله- في «تفسير القرآن» (2/42): «قال ابن عباس: الآية في المسلمين وأراد به كفر دون كفر، واعلم أن الخوارج يستدلون بهذه الآية ، ويقولون: من لم يحكم بما أنزل الله؛ فهو كافر، وأهل السنة قالوا: لا يكفر بترك الحكم.
وللآية تأويلان:
أحدهما معناه: ومن لم يحكم بما أنزل الله رداً وجحداً فأولئك هم الكافرون.
والثاني معناه: ومن لم يحكم بكل ما أنزل الله فأولئك هم الكافرون، والكافر هو الذي يترك الحكم بكل ما أنزل الله دون المسلم».
6- وذكره الإمام البغوي -رحمه الله- في «معالم التنزيل» (3/61) وثبته -جازماً به- بقوله: «وقال ابن عباس وطاووس: ليس بكفر ينقل من الملة، بل إذا فعله؛ فهو به كافر، وليس كمن كفر بالله واليوم الآخر».
7- وقال أبو بكر بن العربي - رحمه الله- في «أحكام القرآن» (2/624-625): «اختلف فيه المفسرون؛ فمنهم من قال: الكافرون والظالمون والفاسقون كلّه لليهود، ومنهم من قال: الكافرون للمشركين، والظالمون لليهود، والفاسقون للنصارى، وبه أقول ؛ لأنه ظاهر الآيات ، وهو اختيار ابن عباس، وجابر بن زيد ، وابن أبي زائدة، وابن شبرمة.
قال طاووس وغيره: ليس بكفر ينقل من الملَّة، ولكنه كفر دون كفر، هذا يختلف إن حكم بما عنده على أنه من عند الله؛ فهو تبديل له يوجب الكفر، وإن حكم به هوى ومعصية؛ فهو ذنب تدركه المغفرة على أصل أهل السنة في الغفران للمذنبين».
8- وقال القرطبي -رحمه الله- في «الجامع لأحكام القرآن»(6/190): «..فأما المسلم فلا يكفر، وإن ارتكب كبيرة . وقيل : فيه إضمار ؛ أي: ومن لم يحكم بما أنزل الله ردّاً للقرآن ، وجحداً لقول الرسول -عليه الصلاة والسلام-؛ فهو كافر ؛ قاله ابن عباس ومجاهد...».
9- وقال البقاعي- رحمه الله- في «نظم الدرر» (2/460) « ولما نهى عن الأمرين، وكان ترك الحكم بالكتاب إما لاستهانة أو لخوف أو رجاء أو شهوة، رتب ختام الآيات على الكفر والظلم والفسق، قال ابن عباس - رضي الله عنهما- من جحد حكم الله كفر، ومن لم يحكم به وهو مقرّ؛ فهو ظالم فاسق».
10- وذكره الواحدي في «الوسيط» (2/191) :« وقال طاووس: قلت لابن عباس: ومن لم يحكم بما أنزل الله فهو كافر؟ قال هو به كفر، وليس كمن كفر بالله واليوم الآخر وملائكته وكتبه ورسله».
11- وقال صديق حسن خان - رحمه الله- في «نيل المرام من تفسير آيات الأحكام»(2/472): « وأخرج الفريابي وسعيد بن منصور وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم- وصححه- والبيهقي في «سننه» عن ابن عباس في قوله -تعالى- هذا؛ قال: إنه ليس بالكفر الذي يذهبون إليه، وإنه ليس كفراً ينقل من الملة بل كفر دون كفر».
12- وقال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي- رحمه الله- في «أضواء البيان» (2/101): «...وروي عن ابن عباس في هذه الآية أنه قال : ليس الكفر الذي تذهبون إليه، رواه عنه ابن أبي حاتم،والحاكم وقال: صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه؛ قاله ابن كثير»
13- وقال أبو عبيد القاسم بن سلام- رحمه الله- في «الإيمان» (ص45): «وأما الفرقان الشاهد عليه في التنزيل: فقول الله -عز وجل-: {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون} [ المائدة:44]، وقال ابن عباس: «ليس بكفر ينقل من الملة»، وقال عطاء بن أبي رباح: «كفر دون كفر» .
فقد تبيَّن لنا إذا كان ليس بناقل عن ملّة الإسلام أن الدين باق على حاله، وإن خالطه ذنوب، فلا معنى له إلا أخلاق الكفار وسنتهم.. لأن من سنن الكفار الحكم بغير ما أنزل الله.
ألا تسمع قوله:{أفحكم الجاهلية يبغون} [ المائدة:50]، تأويله عند أهل التفسير: أن من حكم بغير ما أنزل الله، وهو على ملّة الإسلام كان بذلك الحكم كأهل الجاهلية، إنما هو أن أهل الجاهلية كذلك كانوا يحكمون».
14- وقال أبو حيان- رحمه الله- في «البحر المحيط» (3/492) «{ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون} ظاهر هذا العموم، فيشمل هذه الأمة، وغيرهم ممن كان قبلهم، وإن كان الظاهر: أنه في سياق خطاب اليهود، وإلى أنه عامة في اليهود وغيرهم، ذهب ابن مسعود وإبراهيم وعطاء وجماعة ، ولكن كفر دون كفر، وظلم دون ظلم ، وفسق دون فسق، يعني: أن كفر المسلم ليس مثل كفر الكافر، وكذلك ظلمه وفسقه لا يخرجه ذلك عن الملة، قاله ابن عباس وطاووس».
15- وأورد أبو عبد الله بن بطة في «الإبانة» (2/723) باباً فيه ذكر الذنوب التي يصير صاحبها إلى كفر غير خارج به من الملة.
ثم ذكر (2/733-737) الحكم بغير ما أنزل الله، وساق الآثار عن ابن عباس وابن مسعود ، والتابعين الدالة على أنه كفر أصغر غير ناقل عن الملّة.
16- وقال ابن عبد البر- رحمه الله- في «التمهيد» (4/237): «وقد جاء عن ابن عباس -وهو أحد الذين روي عنهم تكفير تارك الصلاة-، أنه قال في حكم الحاكم الجائر: كفر دون كفر. ثم ساقه بإسناده».
17- وقال الخازن في «تفسيره» (1/310-مختصره):«فقال جماعة من المفسرين:«إن الآيات الثلاث نزلت في الكفار، ومن غيّر حكم الله من اليهود؛ لأن المسلم وإن ارتكب كبيرة لا يقال: إنه كافر، وهذا قول ابن عباس، وقتادة والضحاك، ويدل على صحة هذا القول ما روي عن البراء بن عازب...».
18- وقال جمال الدين القاسمي - رحمه الله- في «محاسن التأويل» (6/1998): «كفر الحاكم بغير ما أنزل الله بقيد الاستهانة والجحود له، وهو الذي نحاه كثيرون وأثروه عن عكرمة وابن عباس».
19- وقال الشيخ السعدي- رحمه الله- في «تيسير الكريم الرحمن» (2/296-297): «فالحكم بغير ما أنزل الله من أعمال أهل الكفر، وقد يكون كفراً ينقل عن الملّة، وذلك إذا اعتقد حلّه وجوازه، وقد يكون كبيرة من كبائر الذنوب، ومن أعمال الكفر قد استحق من فعله العذاب الشديد...{ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون}. قال ابن عباس: «كفر دون كفر، وظلم دون ظلم، وفسق دون فسق»؛ فهو ظلم أكبر عند استحلاله، وعظيمة كبيرة عند فعله غير مستحل له».
20- وقال شيخ الإسلام ابن تيمية- رحمه الله- في «مجموع الفتاوى» (7/312): «وإذا كان من قول السلف: إن الإنسان يكون فيه إيمان ونفاق، فكذلك في قولهم: إنه يكون فيه إيمان وكفر، وليس هو الكفر الذي ينقل عن الملة؛ كما قال ابن عباس وأصحابه في قوله -تعالى-: {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون}، قالوا: كفروا كفراً لا ينقل عن الملّة. وقد اتبعهم على ذلك أحمد وغيره من أئمة السنة».
وقال في (7/522): «وقال ابن عباس وغير واحد من السلف في قوله- تعالى-: {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون} {فأولئك هم الفاسقون}{فأولئك هم الظالمون} كفر دون كفر، وفسق دون فسق، وظلم دون ظلم. وقد ذكر ذلك أحمد والبخاري وغيرهما».
وقال (7/350-351): «وقد يكون مسلماً، وفيه كفر دون الكفر الذي ينقل عن الإسلام بالكلية؛ كما قال الصحابة - ابن عباس وغيره: كفر دون كفر، وهذا قول عامة السلف، وهو الذي نص عليه أحمد وغيره... وهذا -أيضاً- مما استشهد به البخاري في «صحيحه»»([36]).
وقال (7/67): « قال ابن عباس وأصحابه:كفر دون كفر، وظلم دون ظلم، وفسق دون فسق، وكذلك قال أهل السنة؛ كأحمد بن حنبل وغيره».
وقال (11/140): «وقال غير واحد من السلف: كفر دون كفر، ونفاق دون نفاق ، وشرك دون شرك».
21- وقال ابن قيم الجوزية - رحمه الله- في «مدارج السالكين»(1/335-336): « فأما الكفر ؛ فنوعان: كفر أكبر ، وكفر أصغر.
فالكفر الأكبر هو الموجب للخلود في النار.
والأصغر : موجب لاستحقاق الوعيد دون الخلود... وهذا تأويل ابن عباس وعامة الصحابة في قوله -تعالى-: {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون}؛ قال ابن عباس:«ليس بكفر ينقل عن الملة، بل إذا فعله، فهو به كفر، وليس كمن كفر بالله واليوم الآخر» .
وكذلك قال طاووس.
وقال عطاء: «هو كفر دون كفر، وظلم دون ظلم، وفسق دون فسق».
ثم فصل -رحمه الله- حكم الذي لا يحكم بما أنزل الله بكلام رائع رائق سيأتي بتمامه - إن شاء الله-([37]).
22- وقال شيخنا أسد السنة العلامة الألباني- رحمه الله- في «الصحيحة» (6/109-116): «وقد جاء عن السلف ما يدعمها، وهو قولهم في تفسير الآية: «كفر دون كفر»، صحّ ذلك عن ترجمان القرآن عبد الله بن عباس- رضي الله عنه-، ثم تلقاه عنه بعض التابعين وغيرهم.
ولا بد من ذكر ما تيسر لي عنهم؛ لعل في ذلك إنارة للسبيل أمام من ضل اليوم في هذه المسألة الخطيرة ، ونحا نحو الخوارج الذين يكفّرون المسلمين بارتكابهم المعاصي- وإن كانوا يصلّون ويصومون-» .
ثم ساق -رحمه الله- بعض الآثار المتقدمة ، وخرجها ، وبين صحتها.
23-قال أستاذنا الشيخ العلامة محمد بن صالح العثيمين- رحمه الله- في تعليقه على كتاب «التحذير من فتنة التكفير»(ص68-69) :« لكن لما كان هذا [ الأثر ] لا يرضي هؤلاء المفتونين بالتكفير؛ صاروا يقولون : هذا الأثر غير مقبول! ولا يصحّ عن ابن عباس! فيقال لهم : كيف لا يصحّ؛ وقد تلقاه من هو أكبر منكم، وأفضل ، وأعلم بالحديث؟! وتقولون: لا نقبل .
ثم هب أن الأمر كما قلتم : إنه لا يصح عن ابن عباس؛ فلدينا نصوص أخرى تدلّ على أن الكفر قد يطلق ولا يراد به الكفر المخرج عن الملّة ؛ كما في الآية المذكورة ، وكما في قوله صلى الله عليه وسلم:« اثنتان في الناس هما بهم كفر: الطعن في النسب، والنياحة على الميت».
وهذه لا تُخرج من الملّة بلا إشكال، لكن كما قيل: قلّة البضاعة من العلم، وقلّة فهم القواعد الشرعية العامة : هي التي توجب هذا الضلال.
ثم شيء آخر نضيفه إلى ذلك ، وهو: سوء الإرادة التي تستلزم سوء الفهم؛ لأن الإنسان إذا كان يريد شيئاً؛ لزم من ذلك أن ينتقل فهمه إلى ما يريد، ثم يحرِّف النصوص على ذلك.
وكان من القواعد المعروفة عند العلماء أنهم يقولون: استدل ثم اعتقد لا تعتقد ثم تستدل؛ فتضل.
فالأسباب ثلاثة، هي :
الأول: قلّة البضاعة من العلم الشرعي.
الثاني: قلّة فقه القواعد الشرعية.
والثالث: سوء الفهم المبني على سوء الإرادة.
وأما بالنسبة لأثر ابن عباس؛ فيكفينا أن علماء جهابذة ؛ كشيخ الإسلام ابن تيمية ، وابن القيم- وغيرهما- كلهم تلقوه بالقبول ويتكلمون به، وينقلونه ؛ فالأثر صحيح».
فيا أيها القراء الكرام! هل يدخل في عقل مسلم أن هؤلاء العلماء الأجلاء كلّهم متساهلون، أو مقلّدون ، أو على الأقل مخطئون، وذاك (الهدام الفسل) و(شيخه المفتون به) هما الإمامان المجتهدان المصيبان؟!! وهما- والله- لا يصلحان أن يكونا تلميذين لأحد تلاميذهم... ووالله -وتالله-: إننا لفي زمان تكلّم (الرويبضة)؛ كما أخبر الصادق المصدوق، فماذا يقال عمن يفعل هذا؟!
وأقول هنا نصيحة لهذا الغمر الجاهل وشيخه المفتون به: ما قاله عبيد الله بن الحسن العنبري- رحمه الله- :«لأن أكون ذنباً في الحقّ أحبّ إليّ من أن أكون رأساً في الباطل»([38]).
وقال عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه- : «إنا نقتدي ولا نبتدي ، ونتَّبع ولا نبتدع ؛ ولن نضلّ ما تمسكنا بالأثر»([39]).
وأقول ما قاله الإمام الأوزاعي - رحمه الله- ناصحاً منبهاً:« اصبر نفسك على السنة ،وقف حيث وقف القوم، وقل فيما قالوا، وكف عما كفوا، واسلك سبيل سلفك الصالح؛ فإنه يسعك ما وسعهم»([40]).










رد مع اقتباس
قديم 2012-11-13, 17:31   رقم المشاركة : 19
معلومات العضو
قطــــوف الجنــــة
عضو متألق
 
الصورة الرمزية قطــــوف الجنــــة
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

الهامش:

([12])انظر :«الجرح والتعديل» (9/53-54) ، و«تاريخ الثقات» للعجلي (457/1729)، و«الثقات» لابن شاهين(250/1536) ، و«طبقات ابن سعد» (5/484)، و«الثقات» لابن حبان(7/567)، و«تهذيب الكمال» (30/179-181)، و«الكاشف» (2/335/5958) و«تهذيب التهذيب» (11/33)، و«التقريب» (2/317).
([13]) «القول المبين في تضعيف مقولة ابن عباس« كفر دون كفر» على آية {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون}» قدّم لها : محمد إبراهيم شقرة (!)
([14]) ولمعرفة قَدْرِ هذا المتعالم الهدام المتطفل على علم الحديث؛ انظر -غير مأمور- كتاب شيخنا محدث العصر الألباني- رحمه الله- الموسوم بـ «النصيحة بالتحذير من تخريب (ابن عبد المنان) لكتب الأئمة الرجيحة وتضعيفه لمئات الأحاديث الصحيحة».
([15]) انظر: «النصيحة» (ص6-7).
([16]) انظر: «الصحيحة» (1/906-907).
([17]) «النصيحة» (ص175).
([18]) كما هو واقع في حديثنا هذا.
([19]) «النصيحة» (ص126).
([20]) وهذا الأمر نعرفه عنه قديماً؛ فمرة -قبل نحو عشرين سنة، ولم يكن حاله مكشوفاً كالآن- سأل شيخنا -باستغراب واستنكار- عن هذه القاعدة؛ فأجابه شيخنا - رحمه الله-: ألم تقرأ قوله -تعالى- {أن تضل إحداهما فتذكر إحداهماالأخرى} [البقرة: 282]؛ فبهت، وفَغَرَ فاه.
وبهذه المناسبة أذكر أن هذا الهدام كتب -وهو في بواكير الصبا- رسالة في هدم النَّحو والصرف سماها: «الإعراب في هدم الإعراب وبيان ما فيه من خراب، ومباحث أخرى في الباب».
([21]) «الصحيحة» (1/940-941).
([22]) «النصيحة» (ص71).
([23]) «الصحيحة« (1/940-941).
([24]) «الصحيحة» (1/941) بتصرف.
([25]) انظر مقدمة محمد شقرة لرسالته: « القول المبين» (ص6).
([26]) «النصيحة» (ص40).
([27]) انظر: «تهذيب التهذيب» (10/245)، «هدي الساري» (ص571-572).
([28]) ومن أجل تضعيفه لحديث غيلان -هذا- يهمس لبعض من يلوذ به بجواز تزوّج الرجل المسلم أكثر من أربع نساء!! ...إنها آثار التشيُّع.
([29]) انظر -لزاماً- «هدي الساري» (ص571-572- دار المنار).
([30]) وقد ذكره الهدام في «رسالته» (ص27)، وعزاه له (برقم 273) وقد قال شيخنا -رحمه الله- في صنيع له -مثله- في «النصيحة» (ص14): «الأمر الذي يشعرك أنه لا يحسن النقل فضلاً عن البحث والتخريج، وهو في هذا كله يتظاهر أن ذلك من كدِّ يمينه وعرق جبينه! وإنما هو -حقيقة- ممن تقدمه من المخرِّجين السابقين أو اللاحقين، وقد يضيف- أحياناً- مصدراً جديداً أو رقماً؛ ستراً لسرقته، ولكن الأمر كما قيل:« من أسر سريرة ألبسه الله رداءها» ، وكما قال الشاعر:
ومهما تكن عند إمرىء من خليقة


وإن خالها تخفى على الناس تعلم»



([31]) انظر -غير مأمور-: «فتح الباري» (8/438-439).
([32]) ذكره الحافظ ابن حجر في «تهذيب التهذيب» (6/406).
([33]) تقدم تخريجه (ص 60).
([34]) «النصيحة» (ص7-8) بتصرف.
([35]) وجدت بالتتبع والاستقراء أن نقل ابن كثير -رحمه الله- لأقوال الحاكم وعدم مخالفته إيّاها موافقة له، لأنه إذا خالف بيَّن وإذا وافق ذكر القول، ومن كان عنده زيادة علم؛ فليدلنا عليه.
وهذا كلّه يهدم اعتراض (الهدام) (ص43-44) حيث زعم أن ابن كثير لم يوافق الحاكم؛ لأن الساكت لا ينسب إليه قول!
([36]) مراده - رحمه الله- تبويب الإمام البخاري في «صحيحه»: ( باب كفران العشير، وكفر دون كفر).
قال القاضي ابن العربي المالكي؛ كما في «فتح الباري» (1/83): «مراد المصنف؛ يعني: البخاري: أن يبين أن الطاعات؛ كما تسمى إيماناً؛ كذلك المعاصي تسمى كفراً ؛ لكن حيث يطلق عليها الكفر: لا يراد الكفر المخرج من الملة».
([37]) (ص 116).
([38]) انظر:«الإبانة»(2/882) و«تاريخ بغداد» (10/308).
قلت: ولكن عجبي لا ينقضي من شيخه المفتون به؛ فلقد كان رأساً في الحقّ؛ فَلِمَ رضي أن يكون ذنباً في الباطل؟! نسأل الله لنا ولهما الهداية.
([39]) «حلية الأولياء» (1/80).
([40]) انظر: «الإبانة» (2/882) ، و«الشريعة» (ص58)، و«السنة» للخلال (3/568)، و« سير أعلام النبلاء» (8/543).










رد مع اقتباس
قديم 2012-11-13, 17:32   رقم المشاركة : 20
معلومات العضو
قطــــوف الجنــــة
عضو متألق
 
الصورة الرمزية قطــــوف الجنــــة
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

قرة العيون
في تصحيح تفسير عبد الله بن عباس-رضي الله عنهما- لقوله -تعالى-: {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون} روايةً ودرايةً ورعايةً»

لفضيلة الشيخ سليم الهلالي حفظه الله
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله؛ نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله؛ فلا مضل له، ومن يضلل؛ فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له.
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد: فإن محاسن دين الله وفضائل تطبيقه وثمار الحكم به والتحاكم إليه؛ تثير ساكن شوق المؤمنين به، ويشعل حبُّها لهيب حرصهم عليه؛ فلذلك شُغفت قلوبهم توقاً إلى إقامة حكم الله في أرض الله، واستئناف حياة إسلامية راشدة على منهاج النبوة ؛ لأن وجوب إقامة شرع الله وتطبيق أحكامه في كلّ زمان ومكان لا يختلف فيه اثنان من المسلمين؛ لأنه محل إجماعهم -من جهة- ومرتبط بالتوحيد -من جهة أخرى-
وبينما هم يطلبون ذلك يعلمون يقيناً: أنه لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح عليه أولها؛ فعضوا على كتاب الله وصحيح سنة رسوله، بفهم السلف الصالح بالنواجذ.
لأن فهم الوحيين بفهم السلف ليس نافلة أو منّة، بل هو فرض واجب وحتم لازم؛ فهو حرز من مضلات الهوى، وعصمة من فتنة الشهوات والشبهات.
ومن أهمِّ ذلك فهم السلف الصالح لقوله -تعالى-: {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون} [ المائدة: 44]، وقوله: {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون} [المائدة:45]، وقوله: {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون}[ المائدة: 47].
ولقد سقط أتباع السلف دعاة منهجهم في تأويل هذه الآيات الكريمة على المقولة الذهبية المنقولة عن الخبير الخرّيت؛ الذي دعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم بالفقه في الدين والعلم في التأويل ؛ فكان حبر الأمة وترجمان القرآن؛ فهدؤوا إلى قوله، واطمأنوا إلى تفسيره؛ لما فيه من سعة إحاطة، ودقّة نظر، وحسن تأويل؛ يجلّي مراد الله في كتابه، ويوضح مقصد رسول الله صلى الله عليه وسلم في سنته، ويصرخ الواحد منهم -مطمئناً- بأعلى صوته: هذا هو فهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ليس بينهم اختلاف أو تفاوت.
ولذلك لم يزل أهل العلم الأكابر على ذلك؛ لأن الحق سلسلة ذهبية مترابطة الحلقات، متراصة الصفوف، منضبطة الأحكام، دقيقة الإحكام، لا يعتريها زيغ، ولا يفسدها تردّد، ولا يقطعها انحراف، بل الثبات نورها، والهدى سبيلها، والصواب واسطة عقدها.
وتناقل أخيار الخلف هذا الفهم عن أئمة السلف، وورثوه كابراً عن كابر، وتسليم كفٍّ بكف!
...حتى كنا بأخرة ؛ فنبتت نابته سوء يتصل سَمْتُهم بسلفهم الطالح من شاكلة ذي الخويصرة التميمي ونسله؛ ممن نبغت على أيديهم فتنة التكفير في صدر هذه الأمة، وظنت هذه الشرذمة أنها على شيء من العلم والتحقيق، ولكنها وأيم الله -ووالله وتالله- لا تحسن إلا تسويد الصفحات بكلام مزوّر مزوّق، وتكرار القول بباطل منمّق، وصنع المتاهات ووضع العقبات؛ ليتردى فيها كلّ معوّق، فأداها غرورها إلى الطعن في ثوابت العقيدة والمنهج تحت دعاية براقة من التجديد وباسم صياغة العقل السلفي!
ومن ذلك طعنهم -أو تشكيكهم- في هذه المقولة الذهبية -رواية أو دراية- التي أجمع عليها علماء السنة والجماعة، واتفقوا على تلقيها بالقبول؛ لأنها من ميراث الرسول صلى الله عليه وسلم.
ولما كان الردّ على أهل البدع، وبيان باطلهم، وكشف زخرفهم؛ استمراراً لمعركة التأويل التي قادها أمير المؤمنين علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث وضعوا أسيافهم على عواتقهم، فأبادوا خضراء الخوارج يوم النهروان: وضعت هذا الكتاب الموسوم بـ«قرة العيون في تصحيح تفسير عبد الله بن عباس-رضي الله عنهما- لقوله -تعالى-: {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون} روايةً ودرايةً ورعايةً»؛ راجياً الله -عزّ وجلّ- أن يجعله قرة أعين إخواننا السلفيين؛ أهل الحديث والأثر، وشجى في حلوق الخوارج التكفيريين، وأفراخهم من الحزبيين والحركيين، وهداية للمسترشدين ، ونصحاً لعامة المسلمين وأئمتهم المرضيِّين، وصيانةً لكتاب الله من تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين؛ إنه -سبحانه- ولي ذلك والقادر عليه.
وقد جعلت كتابي هذا سبعة أبواب.
الباب الأول: طلائع الكتاب:
وفيه ثلاثة فصول:
الفصل الأول: حماية الثوابت من تحريف النوابت.
الفصل الثاني: معركة التأويل.
الفصل الثالث: منار السبيل في بيان منزلة عبد الله بن عباس- رضي الله عنهما- في التأويل.
الباب الثاني: تفسير عبد الله بن عباس- رضي الله عنهما- لآيات الحكم رواية:
وفيه فصلان:
الفصل الأول: طريق طاووس عن عبد الله بن عباس- رضي الله عنهما-، وتفصيل الطرق عنه.
الفصل الثاني: طريق علي بن أبي طلحة عن عبد الله بن عباس- رضي الله عنهما-.
الباب الثالث: الآثار السلفية الموافقة لتفسير عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما-.
وفيه فصلان:
الأول: عطاء بن أبي رباح -رحمه الله-.
الثاني: طاووس اليماني -رحمه الله-.
الباب الرابع: مسرد العلماء الذين صرّحوا بصحة تفسير عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما- أو احتجوا به.
الباب الخامس: تفسير عبد الله بن عباس- رضي الله عنهما - لآيات الحكم دراية:
وفيه ثلاثة فصول:
الفصل الأول : كفر دون كفر.
الفصل الثاني: هل الحكم بغير ما أنزل الله -مطلقاً من غير تفصيل- كفر ينقل عن الملة؟
الفصل الثالث: تناقضات الحركيين الجدد.
الباب السادس: آيات سورة المائدة في الحكم بغير ما أنزل الله.
الفصل الأول: تحرير النقول في أسباب النزول.
الفصل الثاني: من المقصود بهذه الآيات؟
الفصل الثالث: المناقشة والترجيح.
الباب السابع: كشف الشبهات وردُّ الاعتراضات.
الباب الثامن: تفسير عبد الله بن عباس- رضي الله عنهما- لآيات الحكم رعاية.


حمل الكتاب
https://www.spaadyshare.com/21evbr122...0al%203oun.rar










رد مع اقتباس
قديم 2012-11-13, 17:33   رقم المشاركة : 21
معلومات العضو
قطــــوف الجنــــة
عضو متألق
 
الصورة الرمزية قطــــوف الجنــــة
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

الباب الخامس
تفسير عبد الله بن عباس- رضي الله عنهما- لآيات الحكم دراية



وفيه ثلاثة فصول:
الفصل الأول: كفر دون كفر.
الفصل الثاني: هل الحكم بغير ما أنزل الله -مطلقاً، من غير تفصيل- كفر ينقل عن الملة؟
الفصل الثالث: تناقضات الحركيين الجدد.




الفصل الأول
كفر دون كفر

اعلم أيها المحبّ- لا زلت موصولاً بما تحبّ- أن تفسير عبد الله بن عباس -رضي الله عنه- لو لم يصحّ رواية؛ فهو صحيح دراية([41])؛ فإن آيات القرآن الكريم وأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقوال الصحابة والتابعين تؤصله، وتشهد له، وتؤكده.
فمن المتفق عليه عند أهل السنة والجماعة: أن الكفر مراتب أو كفر دون كفر، وهذا ما يقتضيه استقراء الآيات القرآنية والأحاديث النبوية في هذه المسألة المهمة الأصيلة والجمع بينهما في ذلك، وهاك البيان:
أولاً- سمى رسول اللهصلى الله عليه وسلم بعض الذنوب كفراً؛ كقوله صلى الله عليه وسلم:«سباب المسلم فسوق وقتاله كفر»([42]).
وقوله : « لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض»([43]).
وجعل الله مرتكب هذا الذنب من المؤمنين ، قال -تعالى-: { يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان ذلك تخفيف من ربكم ورحمة فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم} [البقرة:178].
وبالجمع بين الآية والأحاديث يتبين: أن المراد كفر دون كفر؛ يدّلك على ذلك أمور:
1-«فلم يُخْرج القاتل من الذين آمنوا، وجعله أخاً لولي القصاص، والمراد: أخوّة الدين بلا ريب»([44]).
2-ذكر التخفيف بعد عفو ولي المقتول، ولو كان كفراً ينقل من الملّة لما خفف حكمه -قولاً واحداً-.
3-ذكر الرحمة بعد التخفيف، والمغفرة من آثارها، والله لا يغفر أن يشرك به شيئاً، وإنما يغفر ما دون ذلك، فتبين أن هذا الذنب دون الشرك؛ فهو كفر لا ينقل من الملة.
وقال -تعالى-: {وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون} [ الحجرات: 9و10].
فبالجمع بين هذه الآية والأحاديث السابقة يتبين: أن المراد كفر دون كفر؛ يدل على ذلك أمور:
1-أنه جعل المتقاتلين من المؤمنين.
2-أنه وصفهم بأنهم إخوة ، والمراد: أخوة الدين بلا ريب.
3-أنه جعلهم أخوة المصلحين بين الفئتين ، ولا شك أنها أخوة الإيمان التي جمعتهم.
4-أنه وصف الفئة المعتدية بالطائفة الباغية؛ وهي تقاتل حتى تفيء إلى أمر الله، وهو الصلح، ولو كانت كافرة بفعلها كفراً ينقل عن الملّة لوجب قتالها حتى تؤمن بالله.
5-وقد ثبت في حكم الفئة الباغية ، أنها لا تسبى نساؤها، ولا يقسم فيؤها، ولا يتبع هاربها، ولا يقضى على جريحها ، ولو كانت كافرة؛ فحكمها غير ذلك، كما هو معلومٌ بالضرورة من فقه غزوات رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وكذلك جاءت أحاديث صحيحة صريحة في اعتبار أن المتقاتلين من المسلمين؛ كقولهصلى الله عليه وسلم في سبطه الحسن بن علي -رضي الله عنهما-:« ابني هذا سيد؛ ولعل الله يصلح به بين فئتين من المسلمين».([45]).
وقد أصلح الله به بين فرقتين من المسلمين عندما تنازل الحسن بن علي - رضي الله عنهما- عن الخلافة لمعاوية بن أبي سفيان - رضي الله عنهما- سنة(40هـ) المسمى عام الجماعة؛ لأن كلمة المسلمين اجتمعت وتوحدت بعد افتراق.
ولو صح أن ذنب الاقتتال كفر مخرج من الملة للزم تكفير الصحابة - رضي الله عنهم- وهذا باطل! ولهذا عندما زلق قدم الخوارج في هوة التكفير حكموا على بعض الصحابة بذلك، نعوذ بالله من الخذلان وعدم التوفيق والحرمان.
ثانياً- نفى رسول الله صلى الله عليه وسلم الإيمان عن مرتكبي بعض المعاصي مثل الزنى والسرقة وشرب الخمر؛ فقال-: «لا يزني الزاني حين يزني؛ وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها؛ وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق؛ وهو مؤمن»([46])
«إذ لو كان كفراً ينقل عن الملّة؛ لكان مرتداً يقتل على كل حال، ولا تجري الحدود في الزنى والسرقة وشرب الخمر، وهذا معلوم بطلانه وفساده من دين الإسلام...ونصوص الكتاب والسنة والإجماع تدل على أن الزاني والسارق والقاذف لا يقتل، بل يقام عليه الحدّ، فدلّ على أنه ليس بمرتدٍّ»([47]).
وقال الإمام أبو عبيد -رحمه الله- في «الإيمان» (ص88-89) في ردِّه على مكفري المسلم بالمعصية:
«ثم قد وجدنا الله -تبارك وتعالى- يكذّب مقالتهم، وذلك أنه حكم في السارق بقطع اليد، وفي الزاني والقاذف بالجلد، ولو كان الذنب يكفر صاحبه؛ ما كان الحكم على هؤلاء إلا القتل، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«من بدّل دينه فاقتلوه»([48]).
أفلا ترى أنهم لو كانوا كفّاراً؛ لما كانت عقوباتهم القطع والجلد؟
وكذلك قول الله فيمن قتل مظلوماً: { فقد جعلنا لوليه سلطاناً} الآية [الإسراء:33]، فلو كان القتل كفراً؛ ما كان للولي عفو، ولا أخذ دية، ولزمه القتل».
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله- في «مجموع الفتاوى»(7/287-288):



«وكذلك كل مسلم يعلم أن شارب الخمر والزاني والقاذف والسارق لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يجعلهم مرتدين يجب قتلهم ، بل القرآن والنقل المتواتر يبين أن لهم عقوبات غير عقوبة المرتد عن الإسلام؛ كما ذكر الله في القرآن جلد القاذف والزاني، وقطع يد السارق، وهذا متواتر عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولو كانوا مرتدين لقتلهم، فكلا القولين مما يعلم فساده بالاضطرار من دين الرسول صلى الله عليه وسلم».
قلت : فإذا كانت المعاصي لا تزيل إيماناً ولا توجب كفراً مخرجاً من الملة فالمراد بنفي الإيمان الوارد في هذه الأحاديث؛ هو نفي كمال الإيمان الواجب لا أصل الإيمان، يدلك على ذلك دليل وشاهد:
أما الدليل؛ فهو قوله صلى الله عليه وسلم : «إذا زنى العبد خرج منه الإيمان؛ وكان كالظلة؛ فإذا انقلع منه رجع إليه الإيمان»([49]).
وأما الشاهد؛ فهو مناظرة جرت بيني وبين أحد رؤوس التكفير -قديماً- حول هذه الأحاديث، حيث استدل بها على تكفير الزاني وشارب الخمر والسارق..الخ.
فانتصرت لمذهب أهل السنة والجماعة باللغة.
قلت له: هذه الأحاديث لا تدل على مرادك من الناحية اللغوية؛ فضلاً عن الآثار السلفية الواردة عن الصحابة والتابعين.
فقال: كيف ذلك؟
قلت: لأن من المقرر عند أهل اللغة أن الجمل بعد النكرات صفات وبعد المعارف أحوال.
فهذه الجملة بيّنت حال الزاني والسارق وشارب الخمر وهو يقارف الإثم والفحشاء، فإذا انخلع من معصيته عاد إليه إيمانه؛ فبهت ولم يَحْرِ جواباً.
قال الإمام أبو عبيد- رحمه الله- في «الإيمان»(ص90-91)
«فإن قال [قائل]: كيف يجوز أن يقال: ليس بمؤمن ، واسم الإيمان غير زائل عنه؟
قيل: هذا كلام العرب المستفيض عندنا غير المستنكر في إزالة العمل عن عامله إذا كان عمله على غير حقيقته، ألا ترى أنهم يقولون للصانع إذا كان ليس بمحكم لعمله: ما صنعت شيئاً، ولا عملت عملاً، وإنما وقع معناهم ههنا على نفي التجويد، لا على الصنعة نفسها، فهو عندهم عامل بالاسم وغير عامل في الإتقان، حتى تكلَّموا به فيما هو أكثر من هذا ،وذلك كرجل يعقّ أباه ويبلغ منه الأذى؛ فيقال: ما هو بولده، وهم يعلمون أنه ابن صلبه، ثم يقال مثله في الأخ والزوجة والمملوك، وإنما مذهبهم في هذه المزايلة من الأعمال الواجبة عليهم من الطاعة والبّر.
وأما النّكاح والرّقّ والأنساب، فعلى ما كانت عليه أماكنها وأسماؤها، فكذلك هذه الذنوب التي يُنفى بها الإيمان ، إنما أحبطت الحقائق منه الشرائع التي هي من صفاته، فأما الأسماء فعلى ما كانت قبل ذلك، ولا يقال لهم إلا مؤمنون، وبه الحكم عليهم.
وقد وجدنا مع هذا شواهد لقولنا من التنزيل والسنَّة»([50]).
وقد بسط هذه المعاني بسطاً وافياً، وأصَّل هذه القاعدة تأصيلاً كافياً، وبينَّها بياناً شافياً الإمام ابن قيم الجوزية -رحمه الله- في «الصلاة وحكم تاركها» (ص72-78) : فقال:« وههنا أصل آخر، وهو: أن الكفر نوعان:
كفر عمل.
وكفر جحود وعناد([51]).
فكفر الجحود: أن يكفر بما علم أن الرسول جاء به من عند الله جحوداً وعناداً ؛ من أسماء الرب، وصفاته، وأفعاله، وأحكامه.
وهذا الكفر يضاد الإيمان من كل وجه.
وأما كفر العمل: فينقسم إلى ما يضاد الإيمان([52])، وإلى ما لا يضاده:
فالسجود للصنم، والاستهانة بالمصحف، وقتل النَّبيِّ، وسبه؛ يضاد الإيمان. وأما الحكم بغير ما أنزل الله ، وترك الصلاة ؛ فهو من الكفر العملي قطعاً ([53])، ولا يمكن أن ينفى عنه اسم الكفر بعد أن أطلقه الله ورسوله عليه.
فالحاكم بغير ما أنزل الله كافر، وتارك الصلاة كافر -بنص رسول الله صلى الله عليه وسلم-، ولكن هو كفر عمل، لا كفر اعتقاد، ومن الممتنع أن يسمي الله -سبحانه- الحاكم بغير ما أنزل الله كافراً، ويسمي رسول الله صلى الله عليه وسلم تارك الصلاة كافراً ، ولا يطلق عليها اسم الكفر ، وقد نفى رسول الله صلى الله عليه وسلم الإيمان عن الزاني، والسارق ، وشارب الخمر، وعمن لا يأمن جاره بوائقه، وإذا نفي عنه اسم الإيمان؛ فهو كافر من جهة العمل، وانتفى عنه كفر الجحود والاعتقاد.
وكذلك قوله: « لا ترجعوا بعدي كفاراً، يضرب بعضكم رقاب بعض([54])» فهذا كفر عمل.
وكذلك قوله: « من أتى كاهنا فصدقه، أو امرأة في دبرها، فقد كفر بما أنزل على محمد»([55]).
وقوله:« إذا قال الرجل لأخيه: يا كافر؛ فقد باء بها أحدهما»([56]).
وقد سمى الله -سبحانه وتعالى- من عمل ببعض كتابه وترك العمل ببعضه مؤمناً بما عمل به، وكافراً بما ترك العمل به؛ فقال -تعالى-: {وإذ أخذنا ميثاقكم لا تسفكون دماءكم ولا تخرجون أنفسكم من دياركم ثم أقررتم وأنتم تشهدون ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم وتخرجون فريقاً منكم من ديارهم تظاهرون عليهم بالإثم والعدوان وإن يأتوكم أسرى تفادوهم وهو محرم عليكم إخراجهم أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب وما الله بغافل عما تعملون} [البقرة: 84و85]؛ فأخبر -سبحانه- أنهم أقروا بميثاقه الذي أمرهم به، والتزموه ، وهذا يدل على تصديقهم به، أنهم لا يقتل بعضهم بعضاً، ولا يخرج بعضهم بعضاً من ديارهم، ثم أخبر أنهم عصوا أمره، وقتل فريق منهم فريقاً ، وأخرجوهم من ديارهم. فهذا كفرهم بما أخذ عليهم في الكتاب ، ثم أخبر أنهم يفدون من أسر من ذلك الفريق، وهذا إيمان منهم بما أُخذ عليهم في الكتاب ، فكانوا مؤمنين بما عملوا به من الميثاق ، كافرين بما تركوه منه. فالإيمان العملي يضاده الكفر العملي، والإيمان الاعتقادي يضاده الكفر الاعتقادي.
وقد أعلن النبي صلى الله عليه وسلم بما قلناه في قوله في الحديث الصحيح: «سباب المسلم فسوق وقتاله كفر»([57])؛ ففرّق بين قتاله وسبابه، وجعل أحدهما فسوقاً لا يكفر به والآخر كفراً، ومعلوم أنه إنما أراد الكفر العملي لا الاعتقادي ، وهذا الكفر لا يخرجه من الدائرة الإسلامية والملة بالكلية، كما لا يخرج الزاني والسارق والشارب من الملة ، وإن زال عنه اسم الإيمان.
وهذا التفصيل؛ هو: قول الصحابة الذين هم أعلم الأمة بكتاب الله ، وبالإسلام والكفر ولوازمهما، فلا تتلقى هذه المسائل إلا عنهم، فإن المتأخرين لم يفهموا مرادهم؛ فانقسموا فرقين:
فريقاً أخرجوا من الملة بالكبائر، وقضوا على أصحابها بالخلود في النار([58]).
وفريقاً جعلوهم مؤمنين كاملي الإيمان([59]).
فهؤلاء غَلَوْا .
وهؤلاء جَفَوْا .
وهدى الله أهل السنة للطريقة المثلى، والقول الوسط الذي هو في المذاهب كالإسلام في الملل، فها هنا كفر دون كفر، ونفاق دون نفاق، وشرك دون شرك، وفسوق دون فسوق، وظلم دون ظلم.
قال سفيان بن عيينة عن هشام بن حجير عن طاووس عن ابن عباس في قوله -تعالى-: {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون} [المائدة:44]: «ليس هو بالكفر الذي يذهبون إليه».
وقال عبد الرزاق: أخبرنا معمر عن ابن طاووس عن أبيه قال: سئل ابن عباس عن قوله:{ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون} [المائدة:44] قال: «هو بهم كفر، وليس كمن كفر بالله، وملائكته، وكتبه ، ورسله».
وقال في رواية أخرى عنه: «كفر لا ينقل عن الملة».
وقال طاووس: «ليس بكفر ينقل عن الملة».
وقال وكيع: عن سفيان عن ابن جريج عن عطاء: «كفر دون كفر، وظلم دون ظلم، فسق دون فسق».
وهذا الذي قاله عطاء بَيِّنٌ في القرآن، لمن فهمه، فإن الله- سبحانه- سمّى الحاكم بغير ما أنزله كافراً ، وسمّى جاحد ما أنزله على رسوله كافراً، وليس الكافران على حدّ سواء([60]).
وسمّى الكافر ظالماً؛ كما في قوله -تعالى-: {والكافرون هم الظالمون} [البقرة: 254]، وسمّى متعدي حدوده في النكاح، والطلاق، والرجعة، والخلع؛ ظالماً، فقال: {ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه} [ الطلاق: 1] وقال نبيّه يونس: {لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين} [ الأنبياء: 87]، وقال صفيُّه آدم: {ربنا ظلمنا أنفسنا} [الأعراف: :23] وقال كليمه موسى: {رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي} [ القصص: 16]. وليس هذا الظلم مثل ذلك الظلم([61]).
ويسمى الكافر فاسقاً؛ كما في قوله:{ وما يضل به إلا الفاسقين الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه} [ البقرة :26و27] الآية، وقوله: { ولقد أنزلنا إليك آيات بينات وما يكفر بها إلا الفاسقون}[ البقرة: 99]، وهذا كثير في القرآن.
ويسمى المؤمن فاسقاً؛ كما في قوله: {يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين} [الحجرات:6] نزلت في الحكم بن أبي العاص، وليس الفاسق كالفاسق، وقال -تعالى-: {والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبداً وأولئك هم الفاسقون} [ النور: 4]، وقال عن إبليس :{ففسق عن أمر ربه} [ الكهف: 50]، وقال : { فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق}[ البقرة: 197]، وليس الفسوق كالفسوق.
والكفر كفران، والظلم ظلمان، والفسق فسقان، وكذا الجهل جهلان:
جهل كفر؛ كما في قوله -تعالى-: { خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين} [الأعراف: 199].
وجهل غير كفر ؛ كقوله -تعالى-: {إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب} [النساء: 17].
كذلك الشرك شركان:
شرك ينقل عن الملة، وهو الشرك الأكبر.
وشرك لا ينقل عن الملة، وهو الشرك الأصغر، وهو شرك العمل؛ كالرياء.
وقال -تعالى- في الشرك الأكبر:{إنه من يشرك بالله فقد حرّم الله عليه الجنة ومأواه النار} [ المائدة:72]، وقال : { ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير أو تهوى به الريح في مكان سحيق} [ الحج : 31].
وفي شرك الرياء:{ فمن كان يرجوا لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحداً } [الكهف:110]
ومن هذا الشرك الأصغر قوله صلى الله عليه وسلم: « من حلف بغير الله؛ فقد أشرك»([62]).
ومعلوم أن حَلِفَه بغير الله لا يخرجه عن الملة ، ولا يوجب له حكم الكفار.
ومِن هذا قوله صلى الله عليه وسلم :«الشرك في هذه الأمة أخفى من دبيب النمل»([63]).
فانظر كيف انقسم الشرك والكفر والفسوق والظلم والجهل إلى ما هو كفر ينقل عن الملة ، وإلى ما لا ينقل عنها.
وكذا النفاق نفاقان:
نفاق اعتقاد ، ونفاق عمل.
فنفاق الاعتقاد: هو الذي أنكره الله على المنافقين في القرآن، وأوجب لهم الدرك الأسفل من النار.
ونفاق العمل؛ كقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: «آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا أئتمن خان»([64]).
وفي «الصحيح» -أيضاً- : «أربع من كن فيه كان منافقاً خالصاً، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: إذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر، وإذا ائتمن خان»([65])
فهذا نفاق عمل قد يجتمع مع أصل الإيمان، ولكن إذا استحكم وكَمَلَ؛ فقد ينسلخ صاحبه عن الإسلام بالكلية ، وإن صلى وصام وزعم أنه مسلم ، فإن الإيمان ينهى المؤمن عن هذه الخلال، فإذا كَمَلَت في العبد ولم يكن له ما ينهاه عن شيء منها ، فهذا لا يكون إلا منافقاً خالصاً.
وكلام الإمام أحمد يدل على هذا ، فإن إسماعيل بن سعيد الشالنجي قال: سألت أحمد بن حنبل عن المصرِّ على الكبائر، يطلبها بجهده، إلا أنه لم يترك الصلاة والزكاة والصوم، وهل يكون مصرّاً من كانت هذه حاله؟قال: هو مصر، مثل قوله «لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن» ، يخرج من الإيمان ويقع في الإسلام، ونحو قوله: «لا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن ، ولا يسرق حين يسرق وهو مؤمن»([66])، ونحو قول ابن عباس في قوله - تعالى-:{ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون} [ المائدة :44]. قال إسماعيل؛ فقلت له: ما هذا الكفر؟
قال: كفر لا ينقل من الملة، مثل الإيمان بعضه دون بعض؛ فكذلك الكفر، حتى يجيء من ذلك أمر لا يختلف فيه»([67]).










رد مع اقتباس
قديم 2012-11-13, 17:34   رقم المشاركة : 22
معلومات العضو
قطــــوف الجنــــة
عضو متألق
 
الصورة الرمزية قطــــوف الجنــــة
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

الفصل الثاني
هل الحكم بغير ما أنزل الله -مطلقاً، من غير تفصيل- كفر ينقل عن الملة؟

اعلم يا عبد الله أن الحكم بغير ما أنزل الله قد يكون كفراً ينقل من الملة، وقد يكون كفراً دون كفر، وقد بسط أئمة السلف قديماً وحديثاً هذه المسألة على هذا التفصيل في كتب العقيدة والتفسير والحديث والفقه:
أولاً: كتب العقيدة:
1- قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله - (3/267-268) في « مجموع الفتاوى» :
«والإنسان متى حلَّل الحرام- المجمع عليه- أو حرّم الحلال- المجمع عليه- أو بدّل الشرع- المجمع عليه- كان كافراً مرتدّاً باتفاق الفقهاء، وفي مثل هذا نزل قوله على أحد القولين: {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون} [المائدة:44]؛ أي: المستحل للحكم بغير ما أنزل الله».
وقال في «منهاج السنة النبوية» (5/130): «لا ريب أن من لم يعتقد وجوب الحكم بما أنزل الله على رسوله؛ فهو كافر؛ فمن استحل أن يحكم بين الناس بما يراه هو عدلاً من غير اتباع لما أنزل الله؛ فهو كافر؛ فإنه ما من أمة إلا وهي تأمر بالحكم بالعدل، وقد يكون العدل في دينها ما رآه أكابرهم ، بل كثير من المنتسبين إلى الإسلام يحكمون بعاداتهم التي لم ينزلها الله؛ كسوالف البادية، وكأوامر المطاعين فيهم، ويرون أن هذا هو الذي ينبغي الحكم به دون الكتاب والسنّة، وهذا هو الكفر؛ فإن كثيراً من الناس أسلموا ولكن مع هذا لا يحكمون إلا بالعادات الجارية لهم، التي يأمر بها المطاعون؛ فهؤلاء إذا عرفوا أنه لا يجوز الحكم إلا بما أنزل الله، فلم يلتزموا ذلك؛ بل استحلّوا أن يحكموا بخلاف ما أنزل الله؛ فهم كفار ، (وإلا كانوا جهالاً)([68])».
وقال -رحمه الله- أيضاً- في «منهاج السنة النبوية»(5/130-131): «وقد أمر الله المسلمين كلهم إذا تنازعوا في شيء أن يردوه إلى الله والرسول ؛ فقال -تعالى-: {يا أيها الذين ءامنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلاً} [النساء:59].
وقال -تعالى-: {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً} [النساء:65].
فمن لم يلتزم تحكيم الله ورسوله فيما شجر بينهم ؛ فقد أقسم الله بنفسه أنه لا يؤمن، وأما من كان ملتزماً لحكم الله ورسوله باطناً وظاهراً، لكن عصى واتبع هواه ؛ فهذا بمنزلة أمثاله من العصاة.
وهذه الآية مما يحتج بها الخوارج على تكفير ولاة الأمر الذين لا يحكمون بما أنزل الله، ثم يزعمون أن اعتقادهم هو حكم الله.
وقد تكلّم الناس بما يطول ذكره هنا، وما ذكرته يدّل عليه سياق الآية».
2- وقال ابن قيّم الجوزية - رحمه الله- في «مدارج السالكين» (1/335-337):
«فأما الكفر؛ فنوعان: كفر أكبر، وكفر أصغر.
فالكفر الأكبر: هو الموجب للخلود في النار.
والأصغر: موجب لاستحقاق الوعيد دون الخلود.
كما في قوله -تعالى- وكان مما يُتلى فَنُسخ لفظه-: «لا ترغبوا عن آبائكم؛ فإنه كفر بكم»([69]).
وقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث: «اثنتان في أمتي هما بهم كفر: الطعن في النسب، والنياحة»([70]).
وقوله في «السنن» : «من أتى امرأة في دبرها؛ فقد كفر بما أنزل على محمد».([71])
وفي الحديث الآخر(3): «من أتى كاهناً أو عرافاً؛ فصدّقه بما يقول؛ فقد كفر بما أنزل الله على محمد».([72])
وقوله:« لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض»([73]).
وهذا تأويل ابن عباس وعامة الصحابة في قوله - تعالى-: {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون} [ المائدة: 44].
قال ابن عباس: « ليس بكفر ينقل عن الملة، بل إذا فعله؛ فهو به كفر، وليس كمن كفر بالله واليوم الآخر».
وكذلك قال طاووس.
وقال عطاء: «هو كفر دون كفر، وظلمٌ دون ظلم، وفسق دون فسق».
ومنهم: من تأول الآية على ترك الحكم بما أنزل الله جاحداً له.
وهو قول عكرمة ، وهو تأويل مرجوح ؛ فإن نفس جحوده كفر، سواء حكم أو لم يحكم.
ومنهم: من تأولها على ترك الحكم بجميع ما أنزل الله.
قال : ويدخل في ذلك الحكم بالتوحيد والإسلام.
وهذا تأويل عبد العزيز الكناني، وهو -أيضاً- بعيد؛ إذ الوعيد على نفي الحكم بالمنزل، وهو يتناول تعطيل الحكم بجميعه وببعضه.
ومنهم: من تأولها على الحكم بمخالفة النص، تعمداً من غير جهل به ولا خطأ في التأويل، حكاه البغوي عن العلماء عموماً.
ومنهم: من تأولها على أهل الكتاب، وهو قول قتادة والضحاك وغيرهما وهو بعيد ، وهو خلاف ظاهر اللفظ؛ فلا يصار إليه.
ومنهم: من جعله كفراً ينقل عن الملة.
والصحيح: أن الحكم بغير ما أنزل الله يتناول الكفرين: الأصغر والأكبر بحسب حال الحاكم، فإنه إن اعتقد وجوب الحكم بما أنزل الله في هذه الواقعة، وعدل عنه عصياناً، مع اعترافه بأنه مستحق للعقوبة؛ فهذا كفر أصغر.
وإن اعتقد أنه غير واجب، وأنه مُخَيَّر فيه، مع تيقُّنه أنه حكم الله، فهذا كفر أكبر.
إن جهله وأخطأه، فهذا مخطىء ، له حكم المخطئين.
والقصد: أن المعاصي كلها من نوع الكفر الأصغر؛ فإنها ضد الشكر، الذي هو العمل بالطاعة، فالسعي: إما شكر، وإما كفر، وإما ثالث: لا من هذا ولا من هذا ، والله أعلم» ([74]).
3- وقال ابن أبي العز الحنفي- رحمه الله- في «شرح العقيدة الطحاوية» (ص323-324):
«وهنا أمر يجب أن يُتَفَطَّن له، وهو : أن الحكم بغير ما أنزل الله قد يكون كفراً ينقل عن الملة، وقد يكون معصية : كبيرة أو صغيرة ، ويكون كفراً: إما مجازاً؛ وإما كفراً أصغر، على القولين المذكورين.
وذلك بحسب حال الحاكم:
فإنه إن اعتقد أن الحكم بما أنزل الله غير واجب، وأنه مخيَّر فيه، أو استهان به مع تيقنه أنه حكم الله؛ فهذا كفر أكبر.
وإن اعتقد وجوب الحكم بما أنزل الله، وعلمه في هذه الواقعة، وعدل عنه مع اعترافه بأنه مستحق للعقوبة ؛ فهذا عاص، ويسمّى كافراً كفراً مجازياً ، أو كفراً أصغر.
وإن جهل حكم الله فيها مع بذل جهده واستفراغ وسعه في معرفة الحكم وأخطأه؛ فهذا مخطىء، له أجر على اجتهاده، وخطؤه مغفور».
4- وقد ذكر الإمام أبو عبد الله ابن بطة في كتاب «الإبانة» (2/723): «باب ذكر الذنوب التي تصير بصاحبها إلى كفر غير خارج به من الملّة»، وذكر ضمن هذا الباب (2/733-737): الحكم بغير ما أنزل الله، وأورد آثار الصحابة والتابعين الدالة على أنه كفر أصغر غير ناقل عن الملة.
5- وقال العلامة صديق حسن خان -رحمه الله- في «الدين الخالص» (3/305): «الحكام ملزمون بأن يحكموا بالكتاب والسنة، وأما الحكام من أهل الرياسة والدولة، فحكمهم- أيضاً- حكم هؤلاء في إمضاء الأوامر والنواهي بما أنزل الله، وهو الكتاب المنزل من السماء على الرسول صلى الله عليه وسلم والحديث المنزل من قلب الرسول ولسانه على الأمة .
ولكن فسد الزمان فساداً بالغاً ، وظهر الشر في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس؛ فلا يوجد واحد في ألف من الولاة والقضاة وأهل الفتوى يحكم بذلك أو يعرفه أو يعلمه بل أكثر الرؤساء تابعون للفرق الضالة، لا يجدون بداً من طاعتهم في الحكم الطاغوتي، والقضاء الجبتي وإن كان بعضهم عالماً بما أنزل الله والآية الشريفة تنادي عليهم بالكفر، وتتناول كل من لم يحكم بما أنزل الله، اللهم إلا أن يكون الإكراه لهم عذراً في ذلك، أو يعتبر الاستخفاف أو الاستحلال ؛ لأن هذه القيود إذا لم تعتبر فيهم، لا يكون أحد منهم ناجياً من الكفر والنار أبداً».
وقال- أيضاً-( 3/309): «حكم الولاة والحكام المكرهين على الحكم بالقوانين الوضعية وأما من لا يقدر على ذلك وهو مكره من جهة المالك، ومقهور في مجاري أمور الممالك، ولا يجد بداً لنفسه ولأتباعه لمصالح هناك ومفاسد في مخالفة ذلك، ولا يستخف ، ولا يستحل شيئاً مما أنزله الله، وجاء به رسول الله ، فالله أرحم الراحمين ، وسيد الغافرين».
6- قال الشيخ العلامة عبداللطيف بن عبد الرحمن آل الشيخ -رحمه الله- في «منهاج التأسيس» (ص 71): «وإنما يَحْرُمُ إذا كان المستند إلى شريعة باطلة تخالف الكتاب والسنة، كأحكام اليونان والإفرنج والتتر، وقوانينهم التي مصدرها آراؤهم وأهواؤهم، وكذلك البادية وعاداتهم الجارية...
فمن استحلَّ الحكم بهذا في الدماء أو غيرها؛ فهو كافر، قال -تعالى-: {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأؤلئك هم الكافرون}...
وهذه الآية ذكر فيها بعض المفسرين: أن الكفر المراد هنا: كفر دون الكفر الأكبر؛ لأنهم فهموا أنها تتناول من حكم بغير ما أنزل الله، وهو غير مستحل لذلك، لكنهم لا ينازعون في عمومها للمستحل، وأن كفره مخرج عن الملة».
ثانياً: كتب التفسير:
1- روى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في تفسير قوله -تعالى-: {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون} [المائدة:44] قال :« من جحد ما أنزل الله، فقد كفر، ومن أقرّ به، لم يحكم به فهو ظالم فاسق»([75]).
2- وقال طاووس عن ابن عباس- أيضاً- في قوله: {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون}؛ قال: «ليس بالكفر الذي يذهبون إليه».
وفي لفظ : « كفر لا ينقل عن الملة».
ولفظ آخر : «كفر دون كفر، وظلم دون ظلم، وفسق دون فسق».
ولفظ ثالث: « هو به كفره، وليس كمن كفر بالله، وملائكته ، وكتبه ورسله»([76]).
3- وقال طاووس: «ليس بكفر ينقل عن الملة»([77]) .
4- وقال ابن طاووس: «ليس كمن كفر بالله وملائكته وكتبه ورسله»([78]).
5- وقال عطاء :«كفر دون كفر، وظلم دون ظلم، وفسق دون فسق»([79]).
6- وقال علي بن الحسين: «كفر ليس ككفر الشرك، وفسق ليس كفسق الشرك، وظلم ليس كظلم الشرك»([80]).
7- وقال إسماعيل بن سعيد: «سألت أحمد: {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون}، قلت: فما هذا الكفر؟
قال :«كفر لا يخرج من الملة»([81]).
ولما سأله أبو داود السجستاني([82]) عن قول الله - تعالى- : {ومن من لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون}؛ أجابه بقول طاووس وعطاء المتقدمين.
وذكر شيخ الإسلام ابن تيمية في «مجموع الفتاوى» (7/254)، وتلميذه البار ابن قيم الجوزية في «حكم تارك الصلاة» (ص59-60): أن الإمام أحمد -رحمه الله تعالى- سئل عن الكفر المذكور في آية الحكم؛ فقال: «كفر لا ينقل عن الملة؛ مثل الإيمان بعضه دون بعض، فكذلك الكفر، حتى يجيء من ذلك أمر لا يختلف فيه».
8- وقال مجاهد في هذه الآيات الثلاث: «من ترك الحكم بما أنزل الله رداً لكتاب الله؛ فهو كافر ظالم فاسق»([83]).

9- وقال عكرمة: « ومن لم يحكم بما أنزل الله جاحداً به، فقد كفر، ومن أقرَّ به، ولم يحكم به؛ فهو ظالم فاسق»([84]).
10- قال الخازن -رحمه الله- في«تفسيره» (1/310-مختصره) «وهذا قول ابن عباس أيضاً، وهو اختيار الزَّجّاج».
11- وقال شيخ المفسرين الإمام محمد بن جرير الطبري -رحمه الله- في «جامع البيان» (6/166-167): «وأولى هذه الأقوال عندي بالصواب قول من قال: نزلت هذه الآيات في كفار أهل الكتاب؛ لأن ما قبلها وما بعدها من الآيات ففيهم نزلت، وهم المعنيّون بها، وهذه الآيات سياق الخبر عنهم فكونها خبراً عنهم أولى.
فإن قال القائل: فإن الله- تعالى ذكره- قد عم بالخبر بذلك عن جميع من لم يحكم بما أنزل الله فكيف جعلته خاصاً؟
قيل: إن الله- تعالى- عمّ بالخبر بذلك عن قوم كانوا بحكم الله الذي حكم به في كتابه جاحدين، فأخبرهم عنهم أنهم بتركهم الحكم على سبيل ما تركوه، كافرون، وكذلك القول في كلّ من لم يحكم بما أنزل الله جاحداً به هو بالله كافر؛ كما قال ابن عباس؛ لأنه بجحوده حكم الله بعد علمه أنه أنزله في كتابه نظير جحوده نبوة نبيه بعد علمه أنه نبي».
12- وقال السمعاني -رحمه الله- في «تفسير القرآن» (2/42):{ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون} قال البراء بن عازب - وهو قول الحسن- : الآية في المشركين. قال ابن عباس: الآية في المسلمين، وأراد به كفر دون كفر، واعلم أن الخوارج يستدلون بهذه الآية، ويقولون: من لم يحكم بما أنزل الله؛ فهو كافر، وأهل السنة قالوا: لا يكفر بترك الحكم.










رد مع اقتباس
قديم 2012-11-13, 17:36   رقم المشاركة : 23
معلومات العضو
قطــــوف الجنــــة
عضو متألق
 
الصورة الرمزية قطــــوف الجنــــة
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

وللآية تأويلان:
أحدهما: معناه؛ ومن لم يحكم بما أنزل الله ردّاً وجحداً ، فأولئك هم الكافرون.
والثاني: معناه؛ ومن لم يحكم بكل ما أنزل الله فأولئك هم الكافرون، والكافر هو الذي يترك الحكم بكل ما أنزل الله دون المسلم».
13- وقال ابن الجوزي -رحمه الله- في «زاد المسير» (2/366-367):
«والمراد بالكفر المذكور في الآية قولان:
أحدهما : أنه الكفر بالله -تعالى-.
الثاني: أنه الكفر بذلك الحكم، وليس بكفر ينقل عن الملة.
وفصل الخطاب: أن من لم يحكم بما أنزل الله جاحداً له، وهو يعلم أن الله أنزله؛ كما فعلت اليهود؛ فهو كافر، ومن لم يحكم به ميلاً إلى الهوى من غير جحود؛ فهو ظالم فاسق، وقد روى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس ؛ أنه قال: من جحد ما أنزل الله؛ فقد كفر، ومن أقرّ به؛ ولم يحكم به؛ فهو ظالم فاسق»أ.هـ.
14- وقال البغوي- رحمه الله- في «معالم التنزيل» (2/41):
« وقال العلماء: هذا إذا رد نص حكم الله عياناً عمداً، فأما من خفي عليه أو أخطأ في تأويل؛ فلا».
15- وقال أبو بكر الجصاص -رحمه الله- في «أحكام القرآن» (2/439) : «وقوله -تعالى-: {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون} لا يخلو من أن يكون مراده كفر الشرك والجحود، أو كفر النعمة من غير جحود، فإن كان المراد جحود حكم الله أو الحكم بغيره مع الإخبار بأنه حكم الله؛ فهذا كفر يخرج عن الملة، وفاعله مرتد إن كان قبل ذلك مسلماً.
وعلى هذا تأوله من قال: إنها نزلت في بني إسرائيل وجرت فينا ، يعنون: أن من جحد حكم الله، أو حكم بغير حكم الله ثم قال: إن هذا حكم الله؛ فهو كافر؛ كما كفرت بنو إسرائيل حين فعلوا ذلك.
وإن كان المراد به: كفر النعمة، فإن كفران النعمة قد يكون بترك الشكر عليها من غير جحود ، فلا يكون فاعله خارجاً من الملة.
والأظهر: هو المعنى الأول لإطلاقه اسم الكفر على من لم يحكم بما أنزل الله».
16- وقال البيضاوي -رحمه الله- في «تفسيره» (1/468): { ومن لم يحكم بما أنزل الله} مستهيناً به منكراً له{فأولئك هم الكافرون} لاستهانتهم به، وتمردهم بأن حَكَموا بغيره، ولذلك وصفهم بقوله:{الكافرون} و{ الظالمون} و{ الفاسقون} ، فكفَّرهم لإنكاره ، وظلَّمهم بالحكم على خلافه، وفسقَّهم بالخروج عنه».
17- وقال أبو السعود -رحمه الله- في «تفسيره»: (2/64) «أي : من لم يحكم بذلك مستهيناً منكراً{ فأولئك هم الكافرون} لاستهانتهم به».
18- وقال النسفي -رحمه الله- في «تفسيره» (1/285): «{ ومن لم يحكم بما أنزل الله} مستهيناً به { فأولئك هم الكافرون}.
وقال الشيخ أبو منصور: يجوز أن يحمل على الجحود في الثلاث؛ فيكون كافراً ظالماً فاسقاً؛ لأن الفاسق المطلق والظالم المطلق هو الكافر».
19- وقال الواحدي -رحمه الله- في «الوسيط» (2/190): «قال جماعة : أن الآيات الثلاث نزلت في الكفار، ومن غيرّ حكم الله من اليهود، وليس في أهل الإسلام منها شيء، لأن المسلم- وإن ارتكب كبيرة- لا يقال له: كافر».
20- وقال ابن عطية -رحمه الله- في «المحرر الوجيز» (4/456):« وقالت جماعة عظيمة من أهل العلم: الآية متناولة كل من لم يحكم بما أنزل الله، ولكنه في أمراء هذه الأمة كفر معصية لا يخرجهم عن الإيمان».
21- وقال ابن العربي -رحمه الله- في«أحكام القرآن»(2/624): «وهذا يختلف: إن حكم بما عنده على أنه من عند الله، فهو تبديل له يوجب الكفر، وإن حكم به هوى ومعصية فهو ذنب تدركه المغفرة على أصل أهل السنة في الغفران للمذنبين».
22- وقال الفخر الرازي -رحمه الله- في «التفسير الكبير»(6/6): «وقال عكرمة: «قوله: {ومن لم يحكم بما أنزل الله...} إنما يتناول من أنكر بقلبه وجحد بلسانه»، أما من عرف بقلبه كونه حكم الله وأقر بلسانه حكم الله ، إلا أنه أتى بما يضاده ؛ فهو حاكم بما أنزل الله -تعالى-، ولكنه تارك له، فلا يلزم دخوله تحت هذه الآية، وهذا هو الجواب الصحيح، والله أعلم».
23- وقال الحافظ ابن كثير -رحمه الله- في «تفسير القرآن العظيم» (2/61): {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون} لأنهم جحدوا حكم الله قصداً منهم وعناداً وعمداً، وقال ههنا: {فأولئك هم الظالمون} لأنهم لم ينصفوا المظلوم من الظالم في الأمر الذي أمر الله بالعدل والتسوية بين الجميع فيه، فخالفوا وظلموا وتعدوا».
24- وقال علامة الشام الشيخ جمال القاسمي -رحمه الله- في «محاسن التأويل» (6/1998) :« كفر الحاكم بغير ما أنزل الله بقيد الاستهانة والجحود له، هو الذي نحاه كثيرون وأثروه عن عكرمة وابن عباس».
25- وقال ابن جُزَيٍّ -رحمه الله- في «تفسيره» (ص155): « وقال جماعة: هي عامّة في كلّ من لم يحكم بما أنزل الله من اليهود والمسلمين وغيرهم، إلا أن الكفر في حقّ المسلمين كفر معصية لا يخرجهم عن الإيمان».
26- وقال أبو عبد الله القرطبي -رحمه الله- في «الجامع لأحكام القرآن» (6/190-191): «...فأما المسلم؛ فلا يكفر وإن ارتكب كبيرة ، وقيل: فيه إضمار؛ أي: ومن لم يحكم بما أنزل الله ردّاً للقرآن، وجحداً لقول الرسول -عليه الصلاة والسلام-؛ فهو كافر؛ قاله ابن عباس ومجاهد؛ فالآية عامّة على هذا.
قال ابن مسعود والحسن: هي عامة في كل من لم يحكم بما أنزل الله من المسلمين واليهود والكفار.
أي: معتقداً ذلك ومستحلاً له؛ فأما من فعل ذلك وهو معتقد أنه راكبُ محرمٍ؛ فهو من فساق المسلمين، وأمره إلى الله- تعالى- إن شاء الله عذبه، وإن شاء غفر له.
وقال ابن عباس في رواية: ومن لم يحكم بما أنزل الله، فقد فعل فعلاً يضاهي أفعال الكفار.
وقيل: أي: ومن لم يحكم بجميع ما أنزل الله، فهو كافر، فأما من حكم بالتوحيد ولم يحكم ببعض الشرائع؛ فلا يدخل في هذه الآية.
والصحيح الأول.
وهذا يختلف: إنْ حكم بما عنده على أنه من عند الله، فهو تبديل له يوجب الكفر، وإن حكم به هوى ومعصية؛ فهو ذنب تدركه المغفرة على أصل أهل السنة في الغفران للمذنبين.
قال القشيري: ومذهب الخوارج: أن من ارتشى وحكم بغير حكم الله، فهو كافر، وعزا هذا إلى الحسن والسدي» .
27- وقال الآلوسي -رحمه الله- في «روح المعاني» (3/146) : «عن الشعبي أنه قال: «الثلاث الآيات التي في المائدة : أولها في هذه الأمة ، والثانية في اليهود، والثالثة في النصارى.
ويلزم على هذا أن يكون المؤمنون أسوأ حالاً من اليهود والنصارى إلا أنه قيل: إن الكفر إذا نسب إلى المؤمنين حمل على التشديد والتغليظ، والكافر إذا وصف بالفسق والظلم؛ أشعر بعتوِّه وتمُّرده فيه»أ. هـ.
28- وقال الشيخ محمد رشيد رضا-رحمه الله- في «تفسير المنار» (6/405-406): «وقد استحدث كثير من المسلمين من الشرائع والأحكام نحو ما استحدث الذين من قبلهم، وتركوا- بالحكم بها- بعض ما أنزل الله عليهم، فالذين يتركون ما أنزل الله في كتابه من الأحكام ، من غير تأويل يعتقدون صحته، فإنه يصدق عليهم ما قاله الله في الآيات الثلاث أو في بعضها، كلّ بحسب حاله:
فمن أعرض عن الحكم بحد السرقة ، أو القذف، أو الزنا، غير مذعن له لاستقباحه إياه، وتفضيل غيره من أوضاع البشر عليه؛ فهو كافر قطعاً.
ومن لم يحكم به لعلة أخرى؛ فهو ظالم إن كان في ذلك إضاعة الحق أو ترك العدل والمساواة فيه، وإلا؛ فهو فاسق فقط...
وإننا نرى كثيرين من المسلمين المتدينين يعتقدون أن قضاة المحاكم الأهلية الذين يحكمون بالقانون كفاراً أخذاً بظاهر قوله -تعالى-: {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون} ، ويستلزم الحكم بتكفير القاضي الحاكم بالقانون تكفير الأمراء والسلاطين الواضعين للقوانين، فإنهم وإن لم يكونوا ألفوها بمعارفهم، فإنها وضعت بإذنهم ، وهم الذين يولون الحكام ليحكموا بها...أما ظاهر الآية فلم يقل به أحد من أئمة الفقه المشهورين، بل لم يقل به أحد قط»!
29- وقال الشيخ العلامة الشنقيطي -رحمه الله- في «أضواء البيان» (2/104): «واعلم: أن تحرير المقام في هذا البحث: أن الكفر والظلم والفسق، كل واحد منها أطلق في الشرع مراداً به المعصية تارة ، والكفر المخرج من الملة أخرى:
{ ومن لم يحكم بما أنزل الله} معارضة للرسل، وإبطالاً لأحكام الله؛ فظلمه وفسقه وكفره كلها مخرج عن الملة.
{ ومن لم يحكم بما أنزل الله} معتقداً أنه مرتكب حراماً ، فاعل قبيحاً ، فكفره وظلمه وفسقه غير مخرج من الملة».
ثالثاً: كتب الحديث والفقه:
1- قال الإمام محمد بن نصر المروزي-رحمه الله-في«تعظيم قدر الصلاة»(2/517-518): « إن الكفر كفران:
كفر هو جحد بالله وبما قال ؛ فذلك ضده الإقرار بالله، والتصديق به وبما قال.
وكفر هو عمل ضد الإيمان الذي هو عمل، ألا ترى ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: « لا يؤمن من لا يأمن جاره بوائقه»، قالوا: فإذا لم يؤمن؛ فقد كفر، ولا يجوز غير ذلك إلا أنه كفر من جهة العمل؛ إذ لم يؤمن من جهة العمل؛ لأنه لا يضيع المفترض عليه...».
وقال (2/520): «ولنا في هذا قدوة بمن روي عنهم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والتابعين؛ إذ جعلوا للكفر فروعاً دون أصله لا تنقل صاحبه عن ملة الإسلام، كما ثبتوا للإيمان من جهة العمل فرعاً للأصل، لا ينقل تركه عن ملة الإسلام، من ذلك قول ابن عباس في قوله: «{ ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون}».
ثم روى بالأسانيد الصحيحة عن ابن عباس وطاووس وعطاء وغيرهم التفسير السلفي السابق الذي ذكرنا سابقاً.
وقال(2/523)- معقباً على أثر عطاء:«كفر دون كفر، وظلم دون ظلم، وفسق دون فسق»-: وقد صدق عطاء؛ قد يسمى الكافر ظالماً ، ويسمى العاصي من المسلمين ظالماً، فظلم ينقل عن ملة الإسلام وظلم لا ينقل .
قال الله: { الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم} [الأنعام: 82 ]، وقال: {إن الشرك لظلم عظيم} [لقمان: 13].
وقال(2/526-528): «وكذلك الفسق فسقان: فسق ينقل عن الملّة، وفسق لا ينقل عن الملّة، فيسمى الكافر فاسقاً، والفاسق من المسلمين فاسقاً، ذكر الله إبليس ؛ فقال:{ففسق عن أمر ربّه} [الكهف:50 ] وكان ذلك الفسق منه كفراً.
وقال -تعالى-: { وأما الذين فسقوا فمأواهم النار}؛ يريد: الكفار، دل على ذلك قوله: {كلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها وقيل لهم ذوقوا عذاب النار الذي كنتم به تكذبون} [السجدة:20 ]
وسمى القاذف من المسلمين فاسقاً، ولم يخرجه من الإسلام، قال الله: {والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبداً وأولئك هم الفاسقون} [ النور:4].
وقال الله: { فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج} [البقرة:197].
فقال العلماء في تفسير الفسوق ههنا: هي المعاصي.
قالوا: فكما أن الظلم ظلمان، والفسق فسقان، كذلك الكفر كفران:
أحدهما: ينقل عن الملة.
والآخر لا ينقل عنها.
فكذلك الشرك شركان:
شرك في التوحيد ينقل عن الملة.
وشرك في العمل لا ينقل عن الملة، وهو: الرياء.
قال الله-عز وجل-: {فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحداً} [ الكهف:110].
يريد بذلك: المراءاة بالأعمال الصالحة، وقال النبي صلى الله عليه وسلم :«الطيرة شرك»([85]).
وقال المروزي: فهذان مذهبان هما -في الجملة- محكيان عن أحمد بن حنبل في موافقيه من أصحاب الحديث.
حكى الشالنجي إسماعيل بن سعيد: أنه سأل أحمد بن حنبل عن قول ابن عباس في قوله: {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون}؛ فقلت له: ما هذا الكفر؟
قال : كفر لا ينقل عن الملة مثل الإيمان بعضه دون بعض؛ فكذلك الكفر حتى يجيء من ذلك أمر لا يختلف فيه».
2- وقال الحافظ ابن عبد البر -رحمه الله- في «التمهيد» (5/74-75): «وأجمع العلماء على أن الجور في الحكم من الكبائر لمن تعمد ذلك عالماً به ، رويت في ذلك آثار شديدة عن السلف ، وقال الله - عز وجل- : {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون} و{الظالمون}، و{الفاسقون} نزلت في أهل الكتاب .
قال حذيفة وابن عباس: وهي عامة فينا. قالوا : ليس بكفر ينقل عن الملة إذا فعل ذلك رجل من أهل هذه الأمة حتى يكفر بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر.
روي هذا المعنى عن جماعة من العلماء بتأويل القرآن ، منهم: ابن عباس وطاووس، وعطاء».
3- وقال أبو العباس القرطبي -رحمه الله- في «المفهم» (5/117-118): «وقوله: {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون} يحتج بظاهره من يكفر بالذنوب، وهم الخوارج!، ولا حجة لهم فيه؛ لأن هذه الآيات نزلت في اليهود المحرفين كلام الله -تعالى-، كما جاء في الحديث، وهم كفار، فيشاركهم في حكمها من يشاركهم في سبب نزولها.


وبيان هذا: أن المسلم إذا علم حكم الله -تعالى- في قضية -قطعاً- ثم لم يحكم به، فإن كان عن جحد كان كافراً، لا يختلف في هذا، وإن كان لا عن جحد كان عاصياً مرتكبَ كبيرةٍ، لأنه مصدق بأصل ذلك الحكم، وعالم بوجوب تنفيذه عليه، لكنه عصى بترك العمل به، وهكذا في كل ما يُعلم من ضرورة الشرع حكمه؛ كالصلاة وغيرها من القواعد المعلومة، وهذا مذهب أهل السنة.
وقد تقدم ذلك في كتاب الإيمان([86]) ؛ حيث بينا: أن الكفر هو الجحد و التكذيب بأمر معلوم ضروري من الشرع فما لم يكن كذلك؛ فليس بكفر([87]).
ومقصود هذا البحث : أن هذه الآيات المراد بها : أهل الكفر والعناد، وأنها [وإن] كانت ألفاظها عامة؛ فقد خرج منها المسلمون؛ لأن ترك العمل بالحكم مع الإيمان بأصله هو دون الشرك، وقد قال -تعالى-: {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} [ النساء:48]، وترك الحكم بذلك ليس بشرك بالاتفاق، فيجوز أن يغفر ، والكفر لا يغفر؛ فلا يكون ترك العمل بالحكم كفراً».
4- وقال العيني -رحمه الله- في «عمدة القاري» (20/129-130): «هذه الآية والآيتان بعدها نزلت في الكفار، ومن غيّر حكم الله من اليهود ، وليس في أهل الإسلام منها شيء ؛ لأن المسلم- وإن ارتكب كبيرة- لا يقال له: كافر».
5- وقال الشاطبي -رحمه الله- في «الموافقات» (4/39): «هذه الآية مع أنها نزلت في اليهود ، والسياق يدل على ذلك، فإن العلماء عموا بها غير الكفار، وقالوا: كفر دون كفر».
6- وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني -رحمه الله- في «فتح الباري» (13/120): «إن الآيات، وإن كان سببها أهل الكتاب، لكن عمومها يتناول غيرهم، لكن لما تقرر من قواعد الشريعة: أن مرتكب المعصية لا يسمى: كافراً، ولا يسمى -أيضاً- ظالماً؛ لأن الظلم قد فُسِّر بالشرك، بقيت الصفة الثالثة» ؛ يعني : الفسق.
7- وقال إسماعيل القاضي -رحمه الله- في «أحكام القرآن»؛ كما في «فتح الباري» (13/120)- بعد أن حكى الخلاف في تفسير الآية-:«ظاهر الآيات يدل على أن من فعل مثل ما فعلوا واخترع حكماً يخالف به حكم الله وجعله ديناً يعمل به؛ فقد لزمه مثل ما لزمهم من الوعيد المذكور حاكماً كان أو غيره»أ.هـ.
رابعاً: من المعاصرين:
1- قال الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ- رحمه الله-في« تحكيم القوانين» (ص 15-25): قال -تعالى-: {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون} [ المائدة: 44]، {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون} [ المائدة:45] ، {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون} [ المائدة: 47].
فانظر كيف سجّل -تعالى- على الحاكمين بغير ما أنزل الله الكفر والظلم والفسوق، ومن الممتنع أن يسمي الله -سبحانه- الحاكم بغير ما أنزل الله كافراً ولا يكون كافراً ، بل هو كافر -مطلقاً-: إما كفر عمل، وإما كفر اعتقاد([88])؟
وما جاء عن ابن عباس - رضي الله عنهما- في تفسير هذه الآية من رواية طاووس وغيره يدل على أن الحاكم بغير ما أنزل الله كافر([89]): إما كفر اعتقاد ناقل عن الملة، وإما كفر عمل لا ينقل عن الملة:










رد مع اقتباس
قديم 2012-11-13, 17:37   رقم المشاركة : 24
معلومات العضو
قطــــوف الجنــــة
عضو متألق
 
الصورة الرمزية قطــــوف الجنــــة
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

أما الأول: وهو كفر الاعتقاد:
فهو أنواع:
أحدهما: أن يجحد الحاكم بغير ما أنزل الله أحقِّيَّة حكم الله ورسوله.
وهو معنى ما روي عن ابن عباس، واختاره ابن جرير: أن ذلك هو جحود ما أنزل الله من الحكم الشرعي، وهذا ما لا نزاع فيه بين أهل العلم([90])؛ فإن الأصول المتقررة المتفق عليها بينهم: أن من جحد أصلاً من أصول الدين أو فرعاً مجمعاً عليه، أو أنكر حرفاً مما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم قطعياً؛ فإنه كافر الكفر الناقل من الملة.
الثاني: أن لا يجحد الحاكم بغير ما أنزل الله كون حكم الله ورسوله حقاً ، لكن اعتقد أن حكم غير الرسول صلى الله عليه وسلم أحسن من حكمه، وأتم واشمل لما يحتاجه الناس من الحكم بينهم عند التنازع، إما مطلقاً أو بالنسبة إلى ما استجد من الحوادث التي نشأت عن تطور الزمان وتغير الأحوال، وهذا أيضاً لا ريب أنه كفر؛ لتفضيله أحكام المخلوقين التي هي محض زبالة الأذهان، وصرف حثالة الأفكار، على حكم الحكيم الحميد.
وحكم الله ورسوله لا يختلف في ذاته باختلاف الأزمان ، وتطور الأحوال، وتجدد الحوادث؛ فإنه ما من قضية -كائنة ما كانت- إلا وحكمها في كتاب الله -تعالى- وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم نصاً أو ظاهراً أو استنباطاً أو غير ذلك، علم ذلك من علمه، وجهله من جهله.
وليس معنى ما ذكره العلماء من تغير الفتوى بتغير الأحوال، ما ظنّه من قل نصيبهم؛ أو عدم -من معرفة مدارك الأحكام وعللها-؛ حيث ظنوا: أن معنى ذلك بحسب ما يلائم إرادتهم الشهوانية البهيمية، وأغراضهم الدنيوية، وتصوراتهم الخاطئة الوبيّة؛ ولهذا تجدهم يحامون عليها، ويجعلون النصوص تابعة لها منقادة إليها، مهما أمكنهم؛ فيحرفون لذلك الكلم عن مواضعه.
وحينئذ معنى تغيّر الفتوى بتغير الأحوال والأزمان، مراد العلماء منه: ما كان مستصحبة فيه الأصول الشرعية، والعلل المرعية، والمصالح التي جنسها مراد الله -تعالى- ورسوله صلى الله عليه وسلم، ومن المعلوم: أن أرباب القوانين الوضعية عن ذلك بمعزل، وأنهم لا يقولون إلا على ما يلائم مراداتهم، كائنة ما كانت ، والواقع أصدق شاهد.
الثالث: لا يعتقد كونه أحسن من حكم الله ورسوله ، لكن اعتقد أنه مثله، فهذا كالنوعين اللذين قبله، في كونه كافراً الكفر الناقل عن الملة ، لما يقتضيه ذلك من تسوية المخلوق بالخالق، والمناقضة والمعاندة؛ لقوله -عز وجل-: {ليس كمثله شيء} [ الشورى: 11] ونحوها من الآيات الكريمة، الدالة على تفرد الرب بالكمال ، وتنزيهه عن مماثلة المخلوقين في الذات والصفات والأفعال، والحكم بين الناس فيما يتنازعون فيه.
الرابع: أن لا يعتقد كون حكم الحاكم بغير ما أنزل الله مماثلاً لحكم الله ورسوله، فضلاً عن أن يعتقد كونه أحسن منه، لكن اعتقد جواز الحكم بما يخالف حكم الله ورسوله، فهذا كالذي قبله يصدق عليه ما يصدق عليه؛ لاعتقاده جواز ما علم بالنصوص الصحيحة الصريحة القاطعة تحريمه.
الخامس: وهو أعظمها وأشملها وأظهرها؛ معاندة للشرع، ومكابرة لأحكامه، ومشاقة لله ورسوله، ومضاهاة بالمحاكم الشرعية، إعداداً وإمداداً وإرصاداً وتأصيلاً، وتفريعاً وتشكيلاً وتنويعاً وحكماً وإلزاماً، ومراجعَ ومستنداتٍ.
فكما أن للمحاكم الشرعية مراجع مستمدات ، مرجعها كلها إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم؛ فلهذه المحاكم مراجع، هي: القانون الملفّق من شرائع شتى، وقوانين كثيرة؛ كالقانون الفرنسي، والقانون الأمريكي، والقانون البريطاني، وغيرهما من القوانين، ومن مذاهب بعض البدعيين المنتسبين إلى الشريعة وغير ذلك.
فهذه المحاكم في كثير من أمصار الإسلام مهيأة مكملة ، مفتوحة الأبواب، والناس إليها أسراب إثر أسراب، يحكم حكامها بينهم بما يخالف حكم السنة والكتاب، من أحكام ذلك القانون، وتلزمهم به، وتقرّهم عليه، وتحتمه عليهم.
فأي كفر فوق هذا الكفر ، وأي مناقضة للشهادة بأن محمداً رسول الله بعد هذه المناقضة؟!
وذكر أدلة جميع ما قدمنا على وجه البسط معلومة معروفة، لا يحتمل ذكرها هذا الموضع([91]).
فيا معشر العقلاء! ويا جماعات الأذكياء وأولي النهى: كيف ترضون أن تجري عليكم أحكام أمثالكم، وأفكار أشباهكم، أو مَن هم دونكم ، ممن يجوز عليهم الخطأ، بل خطأهم أكثر من صوابهم بكثير ، بل لا صواب في حكمهم إلا ما هو مستمدّ من حكم الله ورسوله، نصاً أو استنباطاً، تدعونهم يحكمون في أنفسكم، ودمائكم ، وأبشاركم ، وأعراضكم، وفي أهاليكم من أزواجكم وذراريكم، وفي أموالكم وسائر حقوقكم ، ويتركون ويرفضون أن يحكموا فيكم بحكم الله ورسوله، الذي لا يتطرق إليه الخطأ، ولا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد.
وخضوع الناس ورضوخهم لحكم ربهم خضوع ورضوخ لحكم من خلقهم- تعالى- ليعبدوه، فكما لا يسجد الخلق إلا لله، ولا يعبدون إلا إياه، ولا يعبدون المخلوق؛ فكذلك يجب أن لا يرضخوا ولا يخضعوا أو ينقادوا إلا لحكم الحكيم العليم الحميد، الرؤوف الرحيم، دون حكم المخلوق، الظلوم الجهول، الذي أهلكته الشكوك والشهوات والشبهات، واستولت على قلوبهم الغفلة والقسوة والظلمات.
فيجب على العقلاء أن يربأوا بنفوسهم عنه؛ لما فيه من الاستعباد لهم، والتحكُّم فيهم بالأهواء والأغراض، والأغلاط والأخطاء، فضلاً عن كونه كفراً بنص قوله-تعالى- : {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون}[المائدة:44].
السادس: ما يحكم به كثير من رؤساء العشائر، والقبائل من البوادي ونحوهم، من حكايات آبائهم وأجدادهم وعاداتهم التي يسمونها«سلُّومهم»([92])، يتوارثون ذلك منهم، ويحكمون به ، ويحصلون على التحاكم إليه عند النزاع بقاءاً على أحكام الجاهلية، وإعراضاً، ورغبة عن حكم الله ورسوله، فلا حول ولا قوة إلا بالله.
وأما القسم الثاني من قسمي كفر الحاكم بغير ما أنزل الله، وهو الذي لا يخرج من الملة:
فقد تقدم أن تفسير ابن عباس - رضي الله عنهما- لقول الله -عز وجل-: {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون} [ المائدة: 44].
وقد شمل ذلك القسم ، وذلك في قوله - رضي الله عنه- في الآية:«كفر دون كفر» وقوله -أيضاً-: «ليس بالكفر الذي تذهبون إليه».
وذلك أن تحمله شهوته وهواه على الحكم في القضية بغير ما أنزل الله مع اعتقاده أن حكم الله ورسوله هو الحق، واعترافه على نفسه بالخطأ، ومجانبة الهدى.
وهذا وإن لم يخرجه كفره عن الملة؛ فإنه معصية عظمى أكبر من الكبائر، كالزنى، وشرب الخمر، والسرقة ، واليمين الغموس، وغيرها؛ فإن معصية سماها الله في كتابه: كفراً، أعظم من معصية لم يسمها كفراً.
نسأل الله: أن يجمع المسلمين على التحاكم إلى كتابه، ، انقياداً ورضاءاً ، إنه ولي ذلك والقادر عليه»([93]).
وقال الشيخ محمد بن إبراهيم -رحمه الله- أيضاً- في«مجموع الفتاوى» (1/80) -له-: «وكذلك تحقيق معنى محمد رسول الله: من تحكيم شريعته، والتقيد بها، ونبذ ما خالفها من القوانين والأوضاع وسائر الأشياء التي ما أنزل الله بها من سلطان، والتي من حكم بها [يعني: القوانين الوضعية] أو حاكم إليها؛ معتقداً صحة ذلك وجوازه ، فهو كافر الكفر الناقل عن الملة، وإن فعل ذلك بدون اعتقاد ذلك وجوازه؛ فهو كافر الكفر العملي الذي لا ينقل عن الملة»([94]).
2- وقال الشيخ أبو هبة الله إسماعيل بن إبراهيم الإسْعَرْدي -رحمه الله- في «تحذير أهل الإيمان عن الحكم بغير ما أنزل الرحمن»(ص 141) :«ومن لم يعتقد وجوب الحكم بما أنزل الله على رسوله، واستحل أن يحكم بين الناس بما يراه هو عدلاً من غير اتباع لما أنزل الله؛ فهو كافر...فهؤلاء إذا عرفوا أنه لا يجوز الحكم إلا بما أنزل الله، فلم يلتزموا ذلك، بل استحلوا أن يحكموا بخلاف ما أنزل الله؛ فهم كفار ، وإلا كانوا جهالاً ضلالاً لا يعلمون»([95]).
3- وقال شيخنا العلامة المحدث الفقيه المجدد إمام أهل السنة محمد ناصر الدين الألباني- رحمه الله وأسكنه الفردوس الأعلى بمنة وكرمه-؛ كما في «التحذير من فتنة التكفير» (ص56-72) ما نصه:«...ومن هؤلاء المنحرفين : الخوارج؛ قدماء وَمَحدثين؛ فإن أصل فتنة التكفير في هذا الزمان - بل منذ أزمان- هو آية يدندنون دائماً حولها؛ ألا وهي قوله -تعالى-: { ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون}؛ فيأخذونها من غير فهوم عميقة، ويوردونها بلا معرفة دقيقة.
ونحن نعلم أن هذه الآية الكريمة قد تكررت ، وجاءت خاتمتها بألفاظ ثلاثة، هي: {... فأولئك هم الكافرون} و{... فأولئك هم الظالمون} و{... فأولئك هم الفاسقون}؛ فمن تمام جهل الذين يحتجون من هذه الآية باللفظ الأول منها فقط -{...فأولئك هم الكافرون}- أنهم لم يُلِمّوا على الأقل ببعض النصوص الشرعية -قرآناً أم سنة- التي جاء فيها ذكر لفظة (الكفر)؛ فأخذوها- بغير نظر- على أنها تعني: الخروج من الدين ! وأنه لا فرق بين هذا الذي وقع في الكفر، وبين أولئك المشركين من اليهود والنصارى وأصحاب الملل الأخرى الخارجة عن ملة الإسلام!
بينما لفظة(الكفر) في لغة الكتاب والسنة لا تعني - دائماً- هذا الذي يدندنون حوله، ويسلطون هذا الفهم الخاطىء المغلوط عليه!
فشأن لفظة: { الكافرون} - من حيث إنها لا تدل على معنى واحد- هو ذاته شأن اللفظين الآخرين: { الظالمون} و{ الفاسقون} ؛ فكما أن من وصف بأنه ظالم أو فاسق لا يلزم بالضرورة ارتداده عن دينه ، فكذلك من وصف بأنه كافر، سواء بسواء.
وهذا التنوّع -في معنى اللفظ الواحد- هو الذي تدًّل عليه اللغة، ثم الشرع الذي جاء بلغة العرب- لغة القرآن الكريم-.
فمن أجل ذلك كان الواجب على كل من يتصدى لإصدار الأحكام على المسلمين - سواء أكانوا حكاماً أم محكومين- أن يكون على علم واسع بالكتاب والسنة، وعلى ضوء منهج السلف الصالح.
والكتاب والسنة لا يمكن فهمهما - وكذلك ما تفرّع عنهما- إلا بطرق معرفة اللغة العربية وآدابها معرفة خاصة دقيقة.
فإن كان لدى طالب العلم نقص في معرفة اللغة العربية: فإن مما يساعده في استدراك ذلك النقص الرجوع إلى فهم من قبله من الأئمة والعلماء، وبخاصة أهل القرون الثلاثة المشهود لهم بالخيرية.
ولنرجع إلى آية : {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون} ؛ فما المراد بالكفر فيها؟ هل هو الخروج عن الملة؟ أو أنه غير ذلك؟
فأقول : لا بد من الدّقة في فهم هذه الآية؛ فإنها قد تعني الكفر العملي؛ وهو الخروج بالأعمال عن بعض أحكام الإسلام.
ويساعدنا في هذا الفهم حبر الأمة، وترجمان القرآن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما-، الذي أجمع المسلمون جميعاً- إلا من كان من الفرق الضالة- على أنه إمام فريد في التفسير.
فكأنه طرق سمعه -يومئذ- ما نسمعه اليوم تماماً من أن هناك أناساً يفهمون هذه الآية فهماً سطحياً، من غير تفصيل، فقال - رضي الله عنه- :«ليس الكفر الذي تذهبون إليه»،و :«إنه ليس كفراً ينقل عن الملة» ، و: «هو كفر دون كفر» ، ولعله يعني: بذلك الخوارج الذين خرجوا على أمير المؤمنين علي -رضي الله عنه-، ثم كان من عواقب ذلك أنهم سفكوا دماء المؤمنين، وفعلوا فيهم ما لم يفعلوا بالمشركين، فقال: ليس الأمر كما قالوا! أو كما ظنوا! إنما هو: كفر دون كفر.
فهذا الجواب المختصر الواضح من ترجمان القرآن في تفسير هذه الآية؛ هو الحكم الذي لا يمكن أن يفهم سواه من النصوص التي أشرت إليها قبل.
ثم إن كلمة (الكفر) ذكرت في كثير من النصوص القرآنية والحديثية، ولا يمكن أن تحمل فيها -جميعاً- على أنها تساوي الخروج من الملة!! من ذلك-مثلاً- الحديث المعروف في «الصحيحين» عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه- قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :«سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر»؛ فالكفر هنا هو المعصية، التي هي الخروج عن الطاعة، ولكن الرسول عليه الصلاة والسلام- وهو أفصح الناس بياناً- بالغ في الزجر قائلاً:«... وقتاله كفر».
ومن ناحية أخرى ؛ هل يمكن لنا أن نَحمِلَ الفقرة الأولى من هذا الحديث -«سباب المسلم فسوق»- على معنى الفسق المذكور في اللفظ الثالث ضمن الآية السابقة: { ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون}؟!
والجواب: أن هذا قد يكون فسقاً مرادفاً للكفر الذي هو بمعنى الخروج عن الملة، وقد يكون الفسق مرادفاً للكفر الذي لا يعني الخروج عن الملة؛ وإنما يعني: ما قاله ترجمان القرآن: إنه كفر دون كفر.
وهذا الحديث يؤكد أن الكفر قد يكون بهذا المعنى؛ وذلك لأن الله -عز وجل- قال : {وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله} [الحجرات:9]؛ إذ قد ذكر ربنا -عز وجل- هنا الفرقة الباغية التي تقاتل الفرقة المحقة المؤمنة، ومع ذلك فلم يحكم على الباغية بالكفر، مع أن الحديث يقول:«...وقتاله كفر»!
إذاً ؛ فقتاله كفر دون كفر؛ كما قال ابن عباس في تفسير الآية السابقة تماماً.
فقتال المسلم للمسلم بغي واعتداء، وفسق وكفر، ولكن هذا يعني: أن الكفر قد يكون كفراً عملياً، وقد يكون كفراً اعتقادياً.
ومن هنا جاء هذا التفصيل الدقيق الذي تولى بيانه وشرحه الإمام- بحق- شيخ الإسلام ابن تيمية -يرحمه الله- ، وتولى ذلك من بعده تلميذه البار ابن قيم الجوزية ، إذ لهما الفضل في التنبيه والدندنة على تقسيم الكفر إلى ذلك التقسيم الذي رفع رايته ترجمان القرآن بتلك الكلمة الجامعة الموجزة ؛ فابن تيمية- يرحمه الله- وتلميذه وصاحبه ابن قيم الجوزية: يدندنان دائماً حول ضرورة التفريق بين الكفر الاعتقادي والكفر العملي، وإلا وقع المسلم من حيث لا يدري في فتنة الخروج على جماعة المسلمين التي وقع فيها الخوارج قديماً، وبعض أذنابهم حديثاً.
وخلاصة القول: إن قوله صلى الله عليه وسلم :«...وقتاله كفر» لا يعني- مطلقاً- الخروج عن الملة، والأحاديث في هذا كثيرة جداً؛ فهي- جميعاً- حجة دامغة على أولئك الذي يقفون عند فهمهم القاصر للآية السابقة، ويلتزمون تفسيرها بالكفر الاعتقادي.
فحسبنا -الآن- هذا الحديث؛ لأنه دليل قاطع على أن قتال المسلم لأخيه المسلم هو كفر بمعنى الكفر العملي، وليس هو الكفر الاعتقادي!
فإذا عدنا إلى (جماعة التكفير)- أو من تفرّع عنهم!- وإطلاقهم على الحكام- وعلى من يعيشون تحت رايتهم، وينتظمون تحت إمرتهم وتوظيفهم - الكفر والردة! فإن ذلك منهم مبني على وجهة نظرهم الفاسدة؛ القائمة على أن هؤلاء ارتكبوا المعاصي؛ فكفروا بذلك!!
ومن جملة الأمور التي يفيد ذكرها وحكايتها : أنني التقيت مع بعض أولئك الذين كانوا من جماعة التكفير، ثم هداهم الله -عز وجل- ، فقلت لهم: ها أنتم كفّرتم بعض الحكام، فما بالكم- مثلاً- تكفّرون أئمة المساجد، وخطباء المساجد، ومؤذني المساجد، وخدمة المساجد؟! وما بالكم تكفرون أساتذة العلم الشرعي في المدارس وغيرها؟!
قالوا: لأن هؤلاء رضوا بحكم الحكام الذين يحكمون بغير ما أنزل الله!!فأقول: إذا كان هذا الرضى قلبياً بالحكم بغير ما أنزل الله؛ فحينئذ ينقلب الكفر العملي إلى كفر اعتقادي! فأي حاكم يحكم بغير ما أنزل الله وهو يرى ويعتقد أن هذا الحكم هو الحكم اللائق تبنّيه في هذا العصر! وأنه لا يليق به تبنّيه للحكم الشرعي المنصوص في الكتاب والسنة! فلا شك أن هذا الحاكم يكون كفره كفراً اعتقادياً، و ليس كفراً عملياً فقط!! ومن رضي ارتضاءه واعتقاده: فإنه يلحق به!!
ثم قلت لهم: فأنتم - أولاً- لا تستطيعون أن تحكموا على كل حاكم يحكم بالقوانين الغربية الكافرة- أو بكثير منها- أنه لو سئل عن الحكم بغير ما أنزل الله!! لأجاب : بأن الحكم بهذه القوانين هو الحق والصالح في هذا العصر! وأنه لا يجوز الحكم بالإسلام !! لأنهم لو قالوا ذلك: لصاروا كفاراً -حقاً- دون شك ولا ريب !
فإذا انتقلنا إلى المحكومين- وفيهم العلماء والصالحون وغيرهم- فكيف تحكمون عليهم بالكفر بمجرد أنهم يعيشون تحت حكم يشملهم؛ كما يشملكم أنتم تماماً! ولكنكم تعلنون أن هؤلاء كفار مرتدون، والحكم بما أنزل الله هو الواجب! ثم تقولون معتذرين لأنفسكم: إن مخالفة الحكم الشرعي بمجرد العمل لا يستلزم الحكم على هذا العامل بـأنه مرتد عن دينه؟!
وهذا عين ما يقوله غيركم ، سوى أنكم تزيدون عليهم - بغير حق- الحكم بالتكفير والردة!
ومن جملة المسائل التي توضح خطأهم وتكشف ضلالهم: أن يقال لهم: متى يُحْكَم على المسلم الذي يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله- وقد يكون يصلي- بأنه ارتد عن دينه؟ أيكفي مرة واحدة؟ أم أنه يجب أن يعلن أنه مرتدّ عن الدين؟
إنهم لن يعرفوا جواباً! ولن يهتدوا صواباً!! ، فنضطر إلى أن نضرب لهم المثل التالي؛ فنقول:
قاض يحكم بالشرع؛ هكذا عادته ونظامه، لكنه في حكومة واحدة زلت به القدم؛ فحكم بخلاف الشرع؛ أي: أعطى الحق للظالم وحرمه المظلوم، فهذا -قطعاً- حكم بغير ما أنزل الله! فهل تقولون بأنه: كَفَرَ كُفْرَ ردّة؟
سيقولون: لا ؛ لأن هذا صدر منه مرة واحدة.
فنقول : إن صدر منه نفس الحكم مرة ثانية، أو حكم آخر، وخالف الشرع أيضاً، فهل يكفر؟
ثم نكرر عليهم: ثلاث مرات! أربع مرات... متى تقولون : إنه كفر؟! لن يستطيعوا وضع حدٍّ بتعداد أحكامه التي خالف فيها الشرع، ثم لا يكّفرونه بها‍‍‍‍([96])! في حين يستطيعون عكس ذلك تماماً إذا عُلم منه أنه في الحكم الأول استحسن الحكم بغير ما أنزل الله- مستحلاً له- واستقبح الحكم الشرعي، فساعتئذ يكون الحكم عليه بالردة صحيحاً ، ومن المرة الأولى!
وعلى العكس من ذلك: لو رأينا منه عشرات الحكومات في قضايا متعددة خالف فيها الشرع، وإذا سألناه : لماذا حكمت بغير ما انزل الله -عز وجل-؟ فرد قائلاً: خفت وخشيت على نفسي! أو : ارتشيت! مثلاً، فهذا أسوأ من الأول بكثير، ومع ذلك، فإننا لا نستطيع أن نقول بكفره حتى يعرب عما في قلبه: بأنه لا يرى الحكم بما أنزل الله -عز وجل-، فحينئذٍ -فقط- نستطيع أن نقول: إنه كافر كفر ردة.
وخلاصة الكلام: لا بد من معرفة أن الكفر- كالفسق والظلم- ، ينقسم إلى قسمين:
كفر وفسق وظلم يخرج من الملة، وكل ذلك يعود إلى الاستحلال القلبي.










رد مع اقتباس
قديم 2012-11-13, 17:41   رقم المشاركة : 25
معلومات العضو
قطــــوف الجنــــة
عضو متألق
 
الصورة الرمزية قطــــوف الجنــــة
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

1الأئمة المذكرين سلفيين وهم لم يخلطوا بين الراوي وبين الأثر كما تفعلون
-قولك أن الحديث موقوف فيه خلط بين أثر طاووس وبين أثر ابن عباس عن طاووس وهذا من تدليس الحزبيين والحركيين
2-يقول الشيخ سليم الهلالي"وأما تضعيف الإمام يحيى القطان له؛ فلم يبيِّن سببه؛ فإنه قال: «اضرب على حديثه»؛ فلا يلغي هذا الإجمال توثيق من وثقه.
وهب أنه ضَعّفه- وهو مُتَشَدِّد في الرجال- فهناك كثير من أهل العلم وثَّقوه وقبلوا حديثه، فهو إذن من الرواة المختلف فيهم؛ فبعضهم ضعَّفه والكثير منهم وثَّقه، فماذا نصنع ؟هل نلغي هذا التوثيق من أولئك الأئمة ونقدِّم الجرح؟ أم نوفِّق بينهما؟ وهذا مما لم يُقِم له هذا(الهدّام) وزناً، فإلى الله المشتكى من تعدي هذا (الغمر) على هذا العلم."
ارجوا أن تنير شمس الادلة والحجج قلبك يا شمس.










رد مع اقتباس
قديم 2012-11-14, 14:39   رقم المشاركة : 27
معلومات العضو
شمس الدين
محظور
 
إحصائية العضو










افتراضي










رد مع اقتباس
قديم 2012-11-14, 14:42   رقم المشاركة : 28
معلومات العضو
شمس الدين
محظور
 
إحصائية العضو










افتراضي

الإجابة للشيخ أبي محمد المقدسي – فك الله أسره- في كتابه (إمتاع النظر في كشف شبهات مرجئة العصر) بتصرف يسير



اعلم أن القوم - أعني مرجئة العصر - إنما موّّهوا في هذا الباطل كله، وخلطوا ولبسوا.. ليرقعوا لطغاة العصر من الحكام المشرعين مع الله ما لم يأذن به الله.. وليهونوا من جريمتهم النكراء هذه فيجعلونها من باب الذنوب والأعمال التي لا تناقض الإيمان ولا تهدمه، فيحكمون لهم بالإسلام وكلم ما يترتب على ذلك من موالاة وولاية وتولٍ، وما يتفرع عن ذلك من تحريم لأموالهم ودمائهم وأعراضهم ونصرة وتأييد ومظاهرة.. وبالتالي تسمية من كفرهم ودعى لمنازعتهم ومنابذتهم والبراءة منهم ومن جندهم وأنصارهم وأشياعهم.. بالخوارج، ويستشهدون لهم بما ينسب لابن عباس في رده على الخوارج: ”إنه ليس الكفر الذي تذهبون إليه، إنه ليس كفراًً ينقل عن الملة: (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ) [المائدة: 44] كفر دون كفر“. ولا مانع ما دمنا في صدد إبطال شبهاتهم أن أسوق ها هنا خلاصة القول في هذا الأثر من الناحية الحديثية ثم أتبع ذلك بخلاصة القول فيه من الناحية الفقهية بياناً للحق وكشفاً للتلبيس.




بيان حال هذه اللفظة عن ابن عباس من جهة الإسناد :


”هذا الأثر يُروى من طريق سفيان بن عيينة عن هشام بن حجير عن طاووس عن ابن عباس أنه قال: " إنه ليس الكفر الذي تذهبون إليه، إنه ليس كفراً ينقل عن الملة: (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ) [المائدة: 44] كفر دون كفر“ - رواه الحاكم وغيره من طريق هشام بن حجير المكي.


وهشام بن حجير ضعفه الأئمة الثقاة ولم يتابعه على هذه الرواية أحد.


قال أحمد بن حنبل في (هشام): ”ليس بالقوي“، وقال: ”مكي ضعيف الحديث“ وهذا طعن من جهة الرواية.


وضعفه يحيى بن سعيد القطان وضرب على حديثه، وضعفه علي بن المديني وذكره العقيلي في الضعفاء، وكذا ابن عدي.


وهشام صالح في دينه، لذا قال ابن شبرمة: ”ليس بمكة مثله“.


وقال ابن معين: ”صالح“ [1].. فهذا في الدين أو العبادة، بدليل أن ابن معين نفسه قد قال فيه: ”ضعيف جداً“.


وقال الحافظ ابن حجر: ”صدوق له أوهام“.


قلت: فلعل هذا من أوهامه. لأن مثل هذا القول مرويّ ثابت عن ابن طاووس فلعله وَهَمَََ فنسبه إلى ابن عباس.


وقال علي بن المديني: ”زعم سفيان قال كان هشام ابن حجير كتب كتبه على غير ما يكتب الناس أي اقتداراً عليه، فاضطربت عليه“ ا.هـ من معرفة الرجال (203/2).


وهشام من أهل مكة وسفيان كان عالماً عارفاً بأهل مكة، ”روى العقيلي بإسناده عن ابن عيينة أنه قال: لم نأخذ منه إلا ما لم نجده عند غيره“ اهـ.


فصح أن هذا الأثر مما تفرد به هشام لأنه من رواية ابن عيينة عنه.


وقال أبو حاتم: ”يُكتب حديثه“ وهذه أيضاً من صيغ التمريض والتضعيف، لأن هذا يعني أن حديثه لا يُقبل استقلالاً وإنما يؤخذ به في المتابعات فقط.


ولذلك لم يرو له البخاري ومسلم إلا متابعة أو مقروناً مع غيره وكانت أحاديثه من الأحاديث المنتقدة على الصحيحين.


أما البخاري فلم يرو له إلا حديثاً واحداً هو حديث (سليمان بن داود عليهما السلام): ”لأطوفن الليلة على تسعين امرأة... الحديث“. أورده في كفارة الأيمان من طريق هشام وتابعه في كتاب النكاح برواية عبد الله بن طاووس. ومن المعلوم أن الحافظ ابن حجر من عادته في مقدمة فتح الباري أن يذب عمن تكلم فيهم بغير حق ويدافع بكل ما أوتي من علم، أما من ظهر له ضعفهم وأن البخاري لم يعتمد عليهم وحدهم وإنما أوردهم في المتابعات أو مقرونين.. فمثل هؤلاء لا يكلف نفسه عناء الرد عنهم بل يذكر المتابعات الواردة لهم في الصحيح وكفى.. وكذلك فعل مع هشام بن حجير (راجع المقدمة).


أما مسلم فكذلك ليس له عنده إلا حديثان ولم يرو له إلا مقروناً.. وراجع في هذا ما قاله الشيخ الهروي في كتابه: ”خلاصة القول المفهم على تراجم رجال الإمام مسلم“.


والخلاصة أنه عرف مما سبق أنه لا حجة لمن حاول تقوية هشام بالاحتجاج برواية البخاري ومسلم له.. لأنهما لم يرويا له استقلالاً ولكن متابعة.. وهذا من الأدلة على تضعيفه إذا انفرد.


ومن أجل هذا كله لم يوثق هشام بن حجير إلا المتساهلون كابن حبان فإنه مشهور بالتساهل في التوثيق. ومثله العجلي، قال المعلم اليماني: ”توثيق العجلي وجدته بالاستقراء كتوثيق ابن حبان تماماً أو أوسع“. الأنوار الكاشفة ص: (68).


وقال الألباني: ”فالعجلي معروف بالتساهل في التوثيق كابن حبان تماماً فتوثيقه مردود إذا خالف أقوال الأئمة الموثوق بنقدهم وجرحهم“. انظر السلسلة الصحيحة ص(633/7).


وكذا توثيق ابن سعد فإن أغلب مادته من الواقدي المتروك كما ذكر ابن حجر في مقدمة الفتح عند ترجمة عبد الرحمن بن شريح.


فإذا كان هذا حال من وثقوه فإن رواياته لا تقوم بها حجة بتوثيقهم هذا.


فكيف وقد عارضهم وقال بتضعيفه الأئمة الجبال الرواسي كأحمد وابن معين ويحيى بن سعيد القطان وعلي بن المديني وغيرهم.


فخلاصة القول: أن هشام بن حجير ضعيف لا تقوم به حجة استقلالاً وحده. نعم هو يصلح في المتابعات كما عرفت، والمحتجون به لم يوردوا له على رواية ابن عباس هذه متابع، فيترجح ضعفها وعدم صحّة الجزم بنسبتها إلى ابن عباس.


بل قد روى ابن جرير الطبري عن ابن عباس بإسناد صحيح في تفسير هذه الآية غير ذلك فقال: ثنا الحسن بن يحيى قال: أخبرنا عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن ابن طاووس عن أبيه قال سئل ابن عباس عن قوله تعالى: (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ) [المائدة: 44]. قال: هي به كفر. قال ابن طاووس: ”وليس كمن كفر بالله وملائكته ورسله“[2] اهـ[3].




بيان مناط تلك المقولة وأمثالها :


هذا من جهة الرواية، أما من جهة الدراية، فنقول: أن قول ابن عباس هذا إن صح - إذ قد صح قريب من معناه عن غيره - فهو رد على الخوارج الذين أرادوا تكفير الحكمين، وعلي ومعاوية ومن معهما من المسلمين لأجل الخصومة والحكومة التي جرت بينهم في شأن الخلافة والصلح وما جرى بين الحكمين عمرو بن العاص وأبي موسى الأشعري.. إذ تلك الحادثة كانت أول مخرجهم - كما هو معلوم - فقالوا: ”حكّمتم الرجال“ : (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ) [المائدة: 44] [4] ولا شك أنهم مخطئون في ذلك ضالون.. إذ ذلك الذي وقع بين الصحابة ولو جار بعضهم فيه على بعض ليس بالكفر الذي ينقل عن الملة بحال، وقد بعث علي رضي الله عنه عبد الله بن عباس إلى الخوارج يناظرهم في ذلك، فخرج إليهم فأقبلوا يكلمونه، فقال: نقمتم من الحكمين وقد قال الله عز وجل: (فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِهَا) [النساء: 35] الآية. فكيف بأمة محمد صلى الله عليه وسلم.


قالوا له: ما جعل الله حكمه إلى الناس وأمرهم بالنظر فيه فهو إليهم وما حكم فأمضى فليس للعباد أن ينظروا في هذا.


فقال ابن عباس: فإن الله تعالى يقول: (يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ) [المائدة: 95].


قالوا: تجعل الحكم في الصيد والحرث، وبين المرأة وزوجها كالحكم في دماء المسلمين؟ وقالوا له: ”أعدل عندك عمرو بن العاص وهو بالأمس يقاتلنا؟ فإن كان عدلاً، فلسنا بعدول، وقد حكّمتم في أمر الله الرجال“.


والشاهد.. أنه بعد هذه المناظرة رجع منهم إلى الحق خلق.. وأصر آخرون على ضلالهم وانشقوا عن جيش علي بعد حادثة الحكمين هذه، وهم أصل الخوارج.


فعمد مرجئة العصر إلى تلك المقولة المنسوبة لابن عباس وما شابهها من أقوال أخرى لبعض التابعين.. كطاووس وابنه وأبي مجلز والتي كانت كلها في شأن الخوارج.. وطاروا بها كل مطير، لينزلوها زوراً وبهتاناً في محل غير محلها وواقع غير واقعها ومقام غير مقامها. بدليل أن هذه اللفظة التي يحتج بها هؤلاء، فيها قول ابن عباس مخاطباً أناساً بعينهم، عن واقعة بعينها: ”إنه ليس الكفر الذي تذهبون إليه“، فلفظة ”الذي تذهبون“ خطاب للخوارج ومن تبعهم في زمانه، في واقعة معلومة معروفة.. فقوله إذاً ليس في تفسير الآية، وإنما في المناط الخطأ الذي علّقها الخوارج خطأ فيه، بدليل أن الآية أصلاً تتكلم عن الكفار المبدّلين لشرع الله يهوداً كانوا أو غيرهم وسيأتي تفصيل هذا.. فهل يُعقل أن يقول ابن عباس أو غيره من أهل الإسلام في تبديل اليهود أو غيرهم لحكم أو حد من حدود الله - كالدية أو حد الزنا - انه كفر دون كفر؟؟ فمقولته هذه إذن - على تقدير صحتها - هي في المناط الباطل الذي أراد الخوارج إنزالها فيه وليست في بيان الآية وتفسيرها نفسها.. فتنبه، ولا تنخدع بتلبيسات الضالين..


يقول العلامة السلفي أحمد محمد شاكر في تعليقاته على (عمدة التفسير) عن هذه الآثار: ”وهذه الآثار - عن ابن عباس وغيره - مما يلعب به المضللون في عصرنا هذا، من المنتسبين للعلم، ومن غيرهم من الجرءاء على الدين: يجعلونها عذراً أو إباحة للقوانين الوثنية الموضوعة، التي ضربت على بلاد الإسلام“ اهـ (4/156).


وينقل رحمه الله تعالى في الموضع نفسه تعليق أخيه محمود شاكر على آثار مشابهة، يناقش فيها أبو مجلز وهو أحد التابعين بعض الخوارج في زمانه، أوردها الطبري في تفسيره (10/348)، قال: ”اللهم إني أبرأ إليك من الضلالة، وبعد، فإن أهل الريب والفتن ممن تصدروا للكلام في زماننا هذا، قد تلمّس المعذرة لأهل السلطان في ترك الحكم بما أنزل الله، وفي القضاء في الدماء والأعراض والأموال بغير شريعة الله التي أنزلها في كتابه، وفي اتخاذهم قانون أهل الكفر شريعة في بلاد الإسلام. فلما وقف على هذين الخبرين، اتخذهما رأياً يرى به صواب القضاء في الأموال والأعراض والدماء بغير ما أنزل الله، وأن مخالفة شريعة الله في القضاء العام لا تكفر الراضي بها، والعامل عليها..“.


وساق مناسبة تلك الآثار وأنها كانت مناظرة مع الخوارج الذين أرادوا تكفير ولاة زمانهم بالمعاصي التي لا تصل إلى الكفر.. ثم قال: ”وإذن فلم يكن سؤالهم عما احتج به مبتدعة زماننا، من القضاء في الأموال والأعراض والدماء بقانون مخالف لشريعة أهل الإسلام، ولا في إصدار قانون ملزم لأهل الإسلام، بالاحتكام إلى حكم غير حكم الله في كتابه وعلى لسان نبيه صلى الله عليه وسلم، فهذا الفعل إعراض عن حكم الله، ورغبة عن دينه، وإيثار لأحكام أهل الكفر على حكم الله سبحانه وتعالى، وهذا كفر لا يشك أحد من أهل القبلة على اختلافهم في تكفير القائل به والداعي إليه.“ اهـ.


فإذا عرف المنصف الذي وُفق لطلب الحق، هذا كله، وفهم مناط تلك الأقوال المنسوبة لابن عباس وغيره من السلف[5]. والواقع الذي قيلت فيه وصفة القوم الذين قيلت لهم وصفة مقالاتهم.


ثم نظر بعين البصيرة فيما نحن فيه اليوم من تشريع مع الله ما لم يأذن به الله، واستبدال الذي هو أدنى من زبالات القوانين الوضعية وأهواء البشر، بأحكام الله وتشريعاته وحدوده المطهرة.


عرف فداحة ذلك التلبيس العظيم والتضليل المبين الذي يقوم به مرجئة العصر بإنزال تلك النصوص على واقع مغاير كل المغايرة لواقعها الذي قيلت فيه، ترقيعاً لجريمة العصر هذه ومجرميها..


فهل كان علي ومعاوية ومن معهم من الصحابة يوم أن واجههم الخوارج بحججهم تلك، يدّعون لأنفسهم حق التشريع مع الله؟ أو اخترعوا قوانين ودساتير كفرية تنص على أن [السلطة التشريعية يتولاها الأمير ومجلس الأمة وفقاً للدستور] [6] - كما هو الحال في الدول التي تسمى إسلامية اليوم!!؟؟


حاشاهم، وألف حاشاهم، بل وحاشى مرجئة زمانهم من هذا الكفر البواح.


وبالتالي هل شرّع الصحابة قوانين وضعية وفقاً لحكم الشعب ورغبته أو تبعاً لهوى الأغلبية واستبدلوها بحدود الله تعالى المرفوعة المطهرة..؟؟


حاشا الصحابة.. بل وحاشى السفهاء والمجانين والرعاع والعوام في ذلك الزمان عن مثل هذا الكفر البواح.. أنّى يتصور فيهم مثل هذا، وهم الذين خضّبوا الغبراء بدمائهم الزكية من أجل رفعة شريعة دين الله وعزتها.. وإنما نقول، لو أن أحداً فعل يومئذ مثل ذلك، لما استشهد عليه الخوارج بتلك النصوص غير الصريحة في باب التشريع كقوله تعالى: (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ) [المائدة: 44]، ولما تركوا نصوصاً أخرى صريحة وقطعية الدلالة[7] على كفر المشرعين وكونهم طواغيت وأرباباً تعبد من دون الله، كقوله تعالى: (وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ) [الأنعام: 121]، وقوله تعالى: (أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّه) [الشورى: 21]، وقوله تعالى: (وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً) [الكهف: 26]، ونحوها مما لم يكن ليخفى على من كان يحقر الصحابة قراءتهم للقرآن إلى قراءته، أو قوله تعالى: (وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ) [آل عمران: 64]، وقوله تعالى: (اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ..) [التوبة: 31] ونحوها.. ولكنهم لم يذكروا شيئاً من ذلك، لأنه لم يكن شيئاً منه ليتنزل على واقعتهم تلك.. وما كان مثل هذا ليخفى على ابن عباس أصلاً لو أن واقعتهم كانت حولة - كيف وهو حبر القرآن - وراوي سبب نزول قوله تعالى: (وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ) [الأنعام: 121].


فقد روى الحاكم بإسناد صحيح عنه رضي الله عنه أنه قال: [إن ناساً من المشركين كانوا يجادلون المسلمين في مسألة الذبح وتحريم الميتة فيقولون: ”تأكلون مما قتلتم ولا تأكلون مما قتل الله؟“ فقال تعالى: (وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ) [الأنعام: 121]. فدل على أن المشرع أو متبع تشريع غير الله ولو في مسألة واحدة أنه مشرك كافر بالله، بخلاف الحاكم أو القاضي الجائر الذي لم يتخذ شرعاً ولا ديناً غير دين الله[8] ولا جعل لنفسه أو لغيره حق التشريع مع الله. فيحكم بغير ما أنزل الله بمعنى الظلم والجور والهوى لا بمعنى التشريع والاستبدال فهذا لا يعدو كونه حاكماً ظالماً جائراً ولا يكفر ولو حكم بمثل هذه الصورة مئات المرات ما لم يستحله..].


فلو كانت قضيتهم مثل طامتنا لما كان رضي الله عنه ليتردد - لا هو ولا غيره من الصحابة طرفة عين، في تكفير من فعله، إذ أنهم يعرفون جيداً أن التشريع ولو في قضية أو مسألة واحدة فيما لا يجوز إلا لله شرك بالله أكبر وكفر فوق كفر وظلم فوق ظلم وفسق فوق فسق، بل إن مجرد صرف حق التشريع أو ادعائه لأحد من الخلق (الأمير أو الرئيس أو الملك أو الشعب أو مجلسه) شرك وكفر أكبر سواء شرّع أم لم يشرّع، وسواء تابع صارف ذلك تشريعهم أم لم يتابعه.. فظهر أن واقعتهم كانت غير واقعتنا وفتنتهم كانت غير فتنتنا.. فافهم التفريق بين الواقعتين والقضيتين، وإياك والخلط والتلبيس المفضي إلى مرضاة الطواغيت وإبليس..




حجية قول الصحابي :


ثم هب يا أخا التوحيد أن ابن عباس، وهو بشر غير معصوم يصيب ويخطئ، أراد بذلك القول المنسوب إليه واقعتنا هذه - وهو محال كما عرفت إذ لم يكن لها مثيلٌ ساعتئذ - فهل نصادم بقول ابن عباس قول الله وقول الرسول وفي مسألة من مسائل التوحيد الذي بعثت بها الرسل كافة وهي الكفر بالطاغوت، شطر كلمة التوحيد؟؟


لا شك أن الإجابة على هذا يفهمها صغار الطلبة فضلاً عمن ينتسب إلى العلم والدعوة والدعاة، إذ لا حجة بشيء في ديننا إلا بقول الله وبقول الرسول صلى الله عليه وسلم.


أوليس ابن عباس نفسه هو القائل رداً على من احتج عليه في شأن متعة الحج بفعل أبي بكر وعمر، وهما هما - رضي الله عنهما -: ”توشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء، أقول قالها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتقولون قال أبو بكر وقال عمر“.


ونقول تكراراً حاشا ابن عباس أن يخلط أو يخبط أو يخالف في أصل من أصول الدين كهذا، وهو ترجمان القرآن.. ولكن المقصود التذكير بأن قول الصحابي ليس بدين ولا هو بحجة في دين الله عند النزاع[9]، فكيف إذا افترض أنه معارض لقول الله تعالى أو قول رسوله صلى الله عليه وسلم..


وإنما اضطرنا إلى التذكير بهذه البدهيات ما نسمعه مراراً وتكراراً من مرجئة زماننا المجادلين عن الطواغيت، من التقديم بين يدي الله ومعارضة كلامه الواضح البيّن في شرك اتخاذ الخلق أرباباً بالتشريع والتحليل والتحريم، بتلك المقولة المنسوبة لابن عباس (كفر دون كفر)..



--------------------------------------------------------------------------------


[1] قد يكون مقصود ابن معين، صلاح الدين وقد تكون هذه صيغة من صيغ التضعيف والتمريض فإنه والإمام أحمد يفعلان ذلك. قال ابن حبان في ترجمة عبد الرحمن بن سليمان بن عبد الله بن حنظلة الأنصاري: ”كان يخطىء ويهم كثيراً، مرََّّض القول فيه أحمد ويحيى وقالا: صالح“ ا.هـ انظر مقدمة الفتح لابن حجر، وانظر المجروحين لابن حبان.


[2] قلت: وكذا رواه مسلم بن نصر المروزي في تعظيم قدر الصلاة ص(570)، وفي هذه الطريق الصحيحة التصريح بأن قوله: ”وليس كمن كفر بالله...“ الخ، مدرج من قول ابن طاووس، وليس هو من قول ابن عباس كما قد يفهم من ظاهر رواية (سفيان عن معمر) المجملة عند الطبري، فهذه الرواية مبينة لها، هذا على فرض صحة تلك الرواية، إذ قد ضعفها بعض أهل الحديث لعنعنة سفيان إذ هو متهم بالتدليس.


[3] وهو مستفاد ومختصر من رد الشيخ أبي أيوب بن نور البرقوي على من صحح هذه اللفظة، أحببت إيراده هاهنا، كزيادة في الفائدة لطالب الحق، ولم أعوّل في الاعتماد على تضعيف الأثر كثيراً، إذ معلوم لديّ أن معناه ثابت عن بعض السلف، وإنما تعويلي على ما يأتي بعد هذا..


[4] لما قرىء كتاب التحكيم على الناس وسمعه عروة بن حدير أخو أبي بلال قال: أتحكّمون في دين الله الرجال (لا حكم إلا لله) وشد بسيفه، فضرب دابة من قرأ الكتاب، وكان ذلك أول ما ظهر الخوارج. انظر الفرق بين الفرق في (ذكر المحكمة الأولى) والبداية والنهاية (7/278) وغيرها..


[5] إذ أن كثيراً من السلف كالإمام أحمد، عند كلامه على قوله تعالى: (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ) [المائدة: 44] ينقلون ما اشتهر حول هذه الآية من مقالات الصحابة والتابعين، ويفسرونها بتلك الأقوال لأنهم يعرفون مناطها الذي قيلت فيه فيقرون تلك الأقوال ويستشهدون بها في مناطها أو نظائره، فلا يحل نقل أقوالهم واستشهادهم إلى غير مناطها.. إذ ذلك كذب عليهم وتقويل لهم ما لم يقولوه.. إلا بدليل من كلامهم يدل على أنهم أنزلوها في أمثال واقعنا اليوم، وحاشاهم عن أمثال هذه الأفهام السقيمة.. ومع ذلك فلا معصوم بعد النبي صلى الله عليه وسلم، فإن حصل مثل ذلك من أحد منهم، فسوف نقول: ”كل يؤخذ من قوله ويرد إلا النبي صلى الله عليه وسلم“.


[6] هذه المادة هي المادة (51) من الدستور الكويتي، وأختها غير الشرعية في الدستور المصري برقم (86) وبلفظ: ”يتولى مجلس الشعب سلطة التشريع“ وأختها في الدستور الأردني برقم (25) وبلفظ: ”تناط السلطة التشريعية بمجلس الأمة والملك..“ هذا مما كان تحت يدي الساعة من دساتيرهم ومن أراد المزيد فليراجعها.


[7] النص القطعي الدلالة: هو ما دل على معنى متعين فهمه منه ولا يحتمل تأويلاً ولا مجال لفهم معنى غيره منه. والظني الدلالة: هو ما دل على معنى ولكن يحتمل أن يؤول ويصرف عن هذا المعنى ويراد منه معنى غيره.


[8] ولمثل هذا المعنى أشار أبو مجلز في قوله عن شرع الله: ”هو دينهم الذي يدينون به“ في مناظرته مع الخوارج مشيراً إلى ولاة زمانه الذين لم يشرعوا ديناً غير دين الله ولا استبدلوا ولا قننوا، وإنما صدرت منهم بعض الهفوات التي أراد الخوارج تكفيرهم بها.. وراجع الآثار في ذلك في تفسير قوله تعالى: (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ) [المائدة: 44] من تفسير الطبري وتعليقات محمود شاكر عليها..


[9] يستثنى قول الصحابي في ”سبب النزول“ إذ حكمه حكم الرفع. ومثله كل ما لا يقال من قبل الرأي كما هو معلوم، لكن بشرط أن لا يكون الصحابي من المكثرين من الرواية عن بني إسرائيل.









رد مع اقتباس
قديم 2012-11-14, 15:03   رقم المشاركة : 29
معلومات العضو
قطــــوف الجنــــة
عضو متألق
 
الصورة الرمزية قطــــوف الجنــــة
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي



مقدمة الشيخ صالح الفوزان



الحمد لله على عظيم فضله وسابغ إحسانه ، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ، ومن تبعهم وسار على نهجهم إلى يوم الدين .

أما بعد:

فإن كتاب " تبديد كواشف العنيد في تكفيره لدولة التوحيد " رد على الكواشف الجلية لأبي محمد المقدسي ، وهذا الرد للشيخ : عبدالعزيز بن ريس الريس قد تأملته فوجدته رداً شافياً ولله الحمد يلجم هذا الحاقد بحجر ، ويرد كيده في النحر فجزاه الله خيراً على ما أبدى من الحق ودحر من الباطل . ونفع بعلمه وعمله .
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه .

كتبه
صالح بن فوزان بن عبدالله الفوزان

عضو هيئة كبار العلماء
في
12 / 10 / 1425هـ


تبديد كواشف العنيد


في
تكفيره لدولة التوحيد

رد على كتاب الكواشف الجلية
في تكفير الدولة السعودية
( لأبي محمد المقدسي )
ويليه رد على كتاب ملة إبراهيم


- عن حذيفة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: تسمع وتطيع للأمير وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك فاسمع وأطع " رواه مسلم
- لما حبس ابن سيرين- التابعي المعروف- في السجن ، قال له السجان: إذا كان الليل فاذهب إلى أهلك ، فإذا أصبحت فتعال . فقال ابن سيرين: لا والله ، لا أعينك على خيانة السلطان . ( تاريخ بغداد ( 5/334) )
- قال الشيخ عبدالعزيز ابن باز – رحمه الله --: فالعداء لهذه الدولة عداء للحق عداء للتوحيد .

تقديم


الشيخ العلامة / صالح الفوزان الشيخ/ عبد المحسن العبيكان الشيخ/ عبدالله العبيلان الشيخ /سعد الحصين


إعداد


عبدالعزيز بن ريس الريس


شعبان 1424هـ


الطبعة الثانية









رد مع اقتباس
قديم 2012-11-14, 15:05   رقم المشاركة : 30
معلومات العضو
قطــــوف الجنــــة
عضو متألق
 
الصورة الرمزية قطــــوف الجنــــة
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

مقدمة الشيخ عبدالمحسن العبيكان

الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الذي جعله رحمة للعالمين وقدوة للمهتدين صلى الله عليه وعلى آله وصحابته الغر الميامين والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين .
أما بعد :
فقد اطلعت على كتاب " تبديد كواشف العنيد في تكفيره لدولة التوحيد " الذي قام بتأليفه صاحب الفضيلة الأخ الشيخ عبدالعزيز بن ريس الريس فوجدته كتاباً قيماً ونافعاً يرد فيه المؤلف على أصحاب المنهج التكفيري ويفند مزاعمهم ، فنسأل اللهالكريم لنا وله التوفيق والسداد والإعانة من رب العباد والسير على نهج خير هادٍ صلى الله عليه وسلم ، ونسأله الإخلاص في القول والعمل والله من وراء القصد وهو المستعان وعليه التكلان ولا حول ولا قوة إلا به وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .

كتبه الفقير إلى عفو ربه
عبدالمحسن بن ناصر آل عبيكان
25 / 10 / 1425هـ
مقدمة الشيخ عبدالله العبيلان

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه
وبعد:
فإن حكمة الله بحفظ الدين اقتضت اجتماع المسلمين في هذه البلاد المباركة على كتاب الله وسنة رسوله ، وقامت المملكة العربية السعودية في وقت كان العالم منشغلاً فيه بالحروب العظيمة في أوربا وآسيا وهو ما يُعرف بالحرب العالمية الثانية ، والتي حصدت ما يزيد على عشرين مليون إنساناً ، وكانت الدول العربية والإسلامية تحت الاستعمار الأوروبي بعد سقوط الدولة العثمانية ، وبلادنا في ذلك الوقت لم تعرف ما يسمى بالحضارة : كالطائرات والكهرباء والسيارات وغيرها ، فكان أهلها كما سمى الله المؤمنين بالأميين ، فلم تتلوث قلوبهم وعقولهم بثقافة المستعمر كما حدث لغيرهم ، فترتب على هذا ظهور الدين ، عقيدة وشريعة ، وانتشار أنوار النبوة ، بعدما اقشعرت الأرض ، وأظلمت السماء ، وظهر الفساد في البر والبحر من ظلم الفجرة وذهبت البركات ، وقلت الخيرات ، وشكا الكرام الكاتبون والمعقبات إلى ربهم من تفشي الشرك بجميع مظاهره ، وكثرة الفواحش وغلبة المنكرات . ولم يقتصر النور على أهل هذه البلاد ، بل امتد ليصل إلى كثير من الخلق ، المجاور والبعيد ، وكان الأمر كما قال عبدالله بن المبارك – رحمه الله -:
لولا الأئمة لم تأمن لنا سبل وكان أضعفنا نهباً لأقوانا
فأمن الناس على دمائهم وأموالهم وأعراضهم ، وأمن الحاج على نفسه وماله بعد أن كان يتعرض للنهب والسلب ، وصار الناس يفدون إلى هذه البلاد ، وغدت مأوى للمضطهدين في دينهم وطالبي العلم الموروث عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم إن الله فتح على










رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
الأجانب, الاسلام, براءة, يختطف, ويقتلهم.

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 01:35

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2024 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc