استقبلت قبيلة قائد قوات المعارضة الليبية عبد الفتاح يونس نبأ مقتله باطلاق الرصاص والوعيد. واثار الحدث مخاوف من اندلاع نزاع قبلي يشق القوى المتحالفة الآن ضد نظام العقيد معمر القذافي.
واعلن رئيس المجلس الوطني الانتقالي مصطفى عبد الجليل مساء الخميس ان اللواء يونس قُتل برصاص مسلحين حين كان متوجها الى بنغازي للمثول امام لجنة قضائية تنظر في العمليات العسكرية دون ان يعطي تفاصيل اخرى.
وكان اللواء يونس وهو وزير داخلية سابق في نظام القذافي ، شخصية خلافية بين الثوار الذين ابدى بعضهم شكوكا في ولائه. ويبدو ان قبيلة العبيد التي ينتمي اليها يونس ، وهي من أكبر القبائل في شرق ليبيا ، تتهم قيادة المعارضة بالضلوع في مقتله.
وينذر شبح اندلاع نزاع قبلي عنيف في صفوف المعارضة بتحقيق اكبر مخاوف الدول الغربية التي تدعم الانتفاضة الليبية ، وهو اجهاض هدف الديمقراطية الذي اعلنته قيادة المعارضة واشتعال حرب اهلية على ثروات ليبيا النفطية. وكان القذافي حذر مرارا من مثل هذا الاحتمال في مجرى صراعه من اجل البقاء فيما أكدت المعارضة ان قضيتها تسمو على انقسامات ليبيا القبلية القديمة.
وكان اللواء يونس صديقا للعقيد القذافي قبل ان ينشق عليه في بداية الانتفاضة. وحاول تلفزيون النظام استثمار التكهنات بشأن ولاءاته الموزعة ، ذاهبا الى حد الاعلان عن عودته الى صف النظام.
وخلال مقابلة مع عائشة ابنة القذافي في نيسان/ابريل الماضي لمحت الى ان اللواء يونس ما زال مواليا لوالدها. وقالت ان واحدا على الأقل من اعضاء المجلس الانتقالي للمعارضة ما زال يتحادث مع اسرة القذافي وامتنعت باصرار عن استبعاد اللواء يونس.
واسهمت الخصومة المكشوفة بين اللواء يونس والقيادي الآخر في قوات المعارضة العقيد خليفة حفتر ، في تأكيد الاحساس الشائع بوجود فوضى في صفوف المعارضة بتنازع اللواء والعقيد على قيادة قوات المعارضة طيلة اشهر بعد اندلاع الانتفاضة.
وبدأت الشائعات عن وجود احتقانات قبلية وموقع اللواء يونس تسري بوتيرة متسارعة في بنغازي مساء الخميس إثر الاعلان عن استدعاء اللواء يونس للمثول امام لجنة قضائية تتألف من اربعة اعضاء عينهم المجلس الانتقالي. وكان المجهود العسكري بقيادة اللواء يونس تعثر ثم توقف عند خطوط ثابتة على الجبهة الشرقية.
وعندما اعلنت قيادة المعارضة عقد مؤتمر صحفي في احد فنادق بنغازي تجمع عشرات من افراد قبيلة اللواء يونس خارج الفندق وبدأوا يرددون هتافات منددة. وحذر آخرون داخل الفندق من عواقب عزل اللواء يونس.
ولكن بدلا من ذلك اعلن عبد الجليل بعد مرور ساعتين على الموعد المقرر للمؤتمر الصحفي عن مقتل اللواء يونس بكلمة مقتضبة جاءت صياغتها حذرة تركت كثيرين يهرشون رؤوسهم في حيرة.
واكد عبد الجليل استدعاء اللواء يونس للمثول امام اللجنة القضائية لكنه امتنع عن ذكر الأسباب. وقال عبد الجليل ان مجموعة مسلحة قتلت اللواء يونس وضابطين آخرين كانا معه وأُلقي القبض على قائد المجموعة دون ان يكشف عن اسمه أو القول ما إذا كانت الخلية التي نفذت عملية الاغتيال تعمل لصالح العقيد القذافي أو لصالح معارضين لا يثقون باللواء يونس أو قبيلة أخرى أو طرف آخر.
ثم اضاف عبد الجليل ان البحث مستمر عن جثث الضباط الثلاثة مثيرا تساؤلات عن تأكيده مقتلهم قبل التوثق من بذلك بالعثور على جثثهم.
ولكن رئيس المجلس الانتقالي للمعارضة لم يخف قلقه من رد فعل قبيلة العبيد التي ينتمي اليها اللواء يونس. وبدلا من ظهور عبد الجليل مع اعضاء المجلس الانتقالي ، كما هو متوقع ، جلس الى طاولة مع رجال قال انهم من شيوخ العبيد. وكرر عبد الجليل القول انه يريد ان يقدم احتراماته الى القبيلة على تضحياتها وتفهمها "العميق". وانهى عبد الجليل المؤتمر الصحفي دون ان يجيب عن اسئلة المراسلين.
بعد لحظات على ذلك وصلت سيارة بك آب محملة بمسلحين غاضبين من افراد قبيلة العبيد امام الفندق. وأطلق بعضهم النار على نوافذ الفندق فحطموها فيما أطلق آخرون أعيرة نارية في الهواء. واندفع احد رجال العبيد برشاشته داخل الفندق ونقلت صحيفة نيويورك تايمز عن شهود انهم سمعوا صوت اطلاق نار. واحتمى الحراس وضيوف الفندق وراء الحواجز الكونكريتية امام الفندق.
ولاحق آخرون من رجال قبيلة العبيد صحفيا حاول مغادرة الفندق وأمسكوا بتلابيبه. واندلعت مشادة كلامية صاخبة بين رجال قبيلة العبيد ومقاتلي المعارضة الذين يحرسون الفندق ثم بين مقاتلي المعارضة انفسهم. ومرقت امام الفندق سيارتان اخريان محملتان برجال قبيلة العبيد الذين اطلقوا النار في الهواء ، وكان احدهم يحمل قاذفة آر بي جي.
وقال احد حراس الفندق لمراسل صحيفة نيويورك تايمز ان رد فعل قبيلة العبيد كان متوقعا. واضاف "انها اكبر قبيلة وهي تسيطر على الشرق".
ويشكل اندلاع العداوات القبيلة داخل بنغازي نفسها ضربة لصورة المعارضة بوصفها حركة توحد الليبيين تحت راية الحرية والديمقراطية. وبدا ان طرابلس ومدنا اخرى غرب ليبيا قررت الانتفاض مع بنغازي قبل ان يتمكن القذافي من اعادة سيطرته.
وسعى نظام القذافي من جهته الى تصوير الانتفاضة على انها حركة تقسيمية تحرض قبائل الشرق على قبائل الغرب مستثمرا الخصومات التي تعود الى سنوات قبل انقلاب القذافي عندما كانت ليبيا يحكمها ملك في الشرق.
ويعترف انصار القذافي بأنه ما زال يتمسك بالسلطة في مواجهة قصف حلف شمالي الأطلسي اساسا بفضل ولاء قبائل كبيرة في الغرب. وكانت هذه القبائل الرابح الأكبر من مشاركتها في حكومة القذافي وارسال افرادها للانضمام الى ميليشيات نخبوية. ولعلها تشعر انها ستكون الخاسر الأكبر إذا تمكنت قبائل الشرق من اطاحة القذافي.