تصدير الكتاب :إن الكتابة في رأيي مخاض عسير و هاجس يهزنا هزا ليحررنا من سلطة المجهول ,و يضعنا في محكمة المعلوم ويستدعي ضمائرنا المغيبة ليشهدها على مدى ما إقترفته نفوسنا من خير وشر ومليــــح وقبيـح وهكذا إلى آخر حدود المسؤولية عن الأخلاق وعن الإبداع ,أما أن يغادر المرء بالكتابة عن التراث فهذا لعمري ضرب من التحدي .
ولقد أولاني مؤلف هذه السطور تصديرها بكلمة وجيزة ,مقتضبة فلم أتردد في القبول لسببين :
أولهما : إنه من أكبر الصعوبات التي يواجهها الباحـــث في مجــال التراث أو الأثنو غرافــــيا هي المادة الإثنوغرافية , فنراه يتجشم عناء الســــفر والجري قصد تحصيل ما أمكنه من تلك المـــادة الهامـــة لبحثه الشيء الذي يؤدي به إلى إضاعة الكثير من الوقت الثمين الذي يؤثر سلبا فيما بعد على سير البحث .
وإختصارا للوقت كان هذا الكتاب بمثابة المونوغرافيا التي حاول فيها صاحبها جمع ما أمكنه من المــادة الفلكلورية (التراثية) . وعليه فالكتاب يلعب دور الوسيط بين المـــادة التراثية والبــاحث الأكاديمي ,وهنا تكمن أهمية مثل هذه الكتابات .
ثانيهما : ما لمسته من جد وعزم عند المؤلف وذلك من خلال قراءتي لهاته السطور ,فبالرغم مـن إفتقاره لأدوات الكتابة العلمية إلا أنه يملك روح البحث التي إفتقدناها عند الكثير من الباحثين , وهذا ليس غريبا على من إستهواه حب التراث ,فأمثال هؤلاء جديرين بالتشجيع والأخذ على أيديهم .
لهذين السببين أصدر هذا الكتــاب بتقرير حقيقة لا تغرب إلا عن البعـــداء عن ميدان الكتابـــــة والتأليف
هذه الحقيقة هي أن الكــاتب مهما كانت مقدرته الإبــداعية وتفـــوقه في العلم والمعــرفة , فإنه لا يستطيع أن يرضي بما كتب كل القراء على إختلاف طبقاتهم ومشاربـــهم , فهناك من يرضى وهناك من يسخــط وهناك من يــهز كتفيه ويمط شفتيه إستخفافا ,فإن رضى الناس غايــة لاتدرك , فالنــاس أذواق مختلفــــة ومذاهب متعددة ونظرات متباينـــة ,وأخـــلاق وأغراض ومشــارب ....وبما أن إرضاء النــــاس متعـذر غير ممكن قصي غير قريب صعب غير يسير فليحــاول المؤلف أن ينال بعمـــله رضى ربه ,وأن يكون مقتنعا بجدواه وبأنه قد أضاف به إلى عـــالم المعرفة فكرة هادية أو أحدث في جمــود العقل وشلل الفــكر ثقوبا تتسع منها أفواه تكشف وتهدي وتصــحح....والحقيقة أن البــحث في مجال التراث لا يتــأتى إلا لمن عشق التـــراث وعمل من أجل حفظه ثم صيــانته ليصل في الأخير إلى ترقيته ,لأن ذلك كله يعد عنصرا من عنــاصر شخصية المجتمع .ومهما يكن فإن إنتاج الأجــــداد عمل فني وأروع ما في الــفن إنه يـقول شيئا لا تقوله الحيـــــاة .
ويرسم باللون أو بالكلمة أو حتى بالحـجر نور المـعرفة , وقديما كان الفنان الأول يمد يده ليتكلـم ويرسم
وربما كان كلامـــه صلاة وربما كان رسمه محاولــة للخـروج إلى المــطلق , أو حتى إستغراق صوفي
في الكون ,غير أنه وقد بدأ بالأعاجيب الصغيرة ملك نفسه واطمأن أينما سار, فكان كمن يمر بحلم وراء
حلم حتى يستيقظ على الإيمـاء الصحيح ,وفي رحــلته تلك أفضى بكــل شيء ,وترك إفضـائه على لسان الزمان وديعة ؛ولم تستطع الأجيال أن تعيش ماضيها إلا بعد أن راحت تسأله وتحاوره .ذلك أنه لــــــيس أعظم من كل قديم يبعث .وما أجمل أن يبرز مع الحاضر نصب الماضي ..أذا يكون التكامل الحضاري ولا ضير من ثم أن يعقب سائل : أترى وراء هذه الموروثــات ما يجعلني أعيش ؟
إن الإجابة لن تكون نهائية ,ولكن السؤال يعني أنه بدأ يؤمــن بالفنان الأول ؛ونستطيع إذا آمنا بما أودعه
آباؤنا لسان الزمان أن نرى أنفسنا على حقيقتها , وهذا سر غايتنا بفعل الأولين ,إننا إمتدادا لهم ولا يمكن
في ظل التقدم الفكري الراهن أن ننكر أننا أكثر حاجة اليوم إلى بـــداهتهم .
الجلفة في : 12/06/2007
الأستاذ :/ بن عبد الله نور الدين