منذ أن أعلن الحجر على بنك الخليفة في الرابع من مارس 2003، بدأ العد العكسي لحكاية إمبراطور (الورق) رفيق عبد المؤمن، الذي شغل الناس وجرّهم خلفه وهو يبني إمبراطوريته المالية في لمح البصر والسمع، وشغلهم أكثر وهو يجرّ جيوشا من المشاهير والساسة نحو المحاكم كشهود وكمتهمين وسيظل يشغلهم وهو ينعم بحريته في إنجلترا ويعاني (جيشه) من ويلات المساءلة.
في الفاتح من أكتوبر الماضي 2006، بلغ سن عبد المؤمن رفيق الأربعين (فقط).. وإسمه الحقيقي هو رفيق عبد المؤمن خليفة، من مواليد مدينة بجاية، ويقال أن والده "لعروسي خليفة" شارك في الثورة التحريرية، ويقال أيضا أنه ساهم في إنشاء المخابرات الجزائرية، ولكن المؤكد أن الوالد بعد الإستقلال تقلد عدّة مناصب مرموقة، خاصة في وزارة الطاقة والصناعة، وعندما بلغ عبد المؤمن رفيق سنته الأولى عام 1967، حرمه هواري بومدين من أبيه، إذ تمّ الزج به في السجن بسبب نشاطه السياسي المعارض.
إنتقل الوالد لعروسي إلى باريس، حيث واصل دراسته وحصل على شهادة مهندس في الزراعة، وفي بلدية الشراقة بنواحي العاصمة، عرف خلال الثمانينات بالصيدلية التي فتحها وذاع صيتها إلى أن توفي عام 1990 وعمر إبنه رفيق لا يتجاوز الرابعة والعشرين ومستواه المادي متوسط على العموم ومهدّد بالفقر بعد* رحيل الوالد.. ولكنه مع ذلك ورث صيدلية وليس شيئا آخر.
يشهد رفقاء "رفيق خليفة"، على ثقافة الشاب الذي كان يقرأ الكتب التاريخية والدينية باللغات الثلاث الإنجليزية والفرنسية وخاصة العربية برغم دراسته في الصيدلة التي انتزع فيها ديبلوما وعمره 20 سنة، ولم يمر على رحيل أبيه إلا سنتين أي في عام 1992، حتى جسّد فكرة تصنيع الأدوية واكتسح سوق هذه التجارة الجديدة في الجزائر، وفي عام 1998، أنشأ بنك الخليفة وازدان فراشه بابنته البكر (ميليسا) التي بلغت الآن عامها التاسع، لتعيش طفولة متميّزة مع أب ألحق البنك بمشروع أبان الخليفة للعالم بأسره وهو الخليفة للطيران عام 1999 التي امتلكت في زمن قياسي 21 طائرة، وكان يقول قبل انهيار إمبراطوريته بأنه رصد حوالي ملياري دولار لشراء 18 طائرة إيرباص، وبينما كانت شركات الطيران الشهيرة الإيطالية والسويسرية والفرنسية تبتلع (مسامير) الأزمة كانت شركة الخليفة تتعملق وتسيطر على الفضاء حتى قارب عدد عمال الشركة 13 ألف (نسمة أو عامل) وبلغ رقم أعماله 2000 مليار دولار وبرقم فوائد خيالي طرق الربع مليار دولار، فدخل عالم المليارديرات من الباب الواسع وقالت حينها جريدة Libération الفرنسية أنه يمشي محروسا بـ18 رجلا مارسوا كل أنواع الرياضات القتالية وهم من جنسيات مختلفة.
حفلة هزت العالم.. والعرش
رفض رفيق عبد المؤمن، البقاء في الظل، فهزّ عالم كرة القدم في 15 جوان 2001، عندما منح فريق مارسيليا مبلغ 90 مليون فرنك فرنسي (9 ملايير بالعملة الجزائرية)، ثم أقام في 3 سبتمبر 2002 حفلة خُرافية نقلتها مختلف وسائل الإعلام، بل وصفها البعض بحفلة القرن، إذ جرت أحداثها في أجمل قاعة في العالم في مدينة النجوم (كان) الفرنسية وحضرتها ملكات جمال العالم والفن مثل كلوديا شيفر وناعومي كمبل وستينغ وبونو ودونيف وديبارديو وميلاني غريفيت وباميلا أندرسن، ثم نقل الضيوف إلى أفخم فندق في العالم على شواطئ "الكوت دازير" وهو "ماجستيك بالاس" ليصبح رفيق عبد المؤمن عام 2002 أحد أشهر رجالات المعمورة، ولكنه حافظ على رفضه إجراء الحوارات فكان يرفض المقابلات الإعلامية، وربما هذا هو السبب في فشله الإعلامي عندما حاول شراء قناة ANN التي كان يديرها شقيق الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد، كما فشل في بعث الروح في صحيفة فرنسية ميتة وكان يقول دائما أنه مدمن على قراءة جريدة "الحياة" اللندنية المعرّبة وأحسن صحيفة قامت بتشريح حقيقة (رفيق) هي Le parisein الفرنسية التي قالت أن (بيل غاتس) أغنى رجل في العالم لم يجمع المال بسرعة رفيق عبد المؤمن، وقالت أنه إذا واصل على ذات السرعة، فسيصبح أغنى رجل في جميع الأوقات..
الرجل إنفجرت أحلامه وقال مرة أنه قرّر إنشاء مدينة أحلام في الجزائر تحمل إسم (خليفة) وبها أعجب وأعظم مطار في العالم.. ولأن البداية حلم والمسار حلم، فإن النهاية كانت كلها كوابيس، وما يحدث في محكمة البليدة حاليا هو النهاية الحتمية لبناء بدأ بالغلط وتواصل إلى أن تبخر نهائيا.
منقول