*«•¨*•.¸¸.»منتدى طلبة اللغة العربية و آدابها «•¨*•.¸¸.»* - الصفحة 16 - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الجامعة و البحث العلمي > منتدى العلوم الإجتماعية و الانسانية > قسم الآدب و اللغات

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

*«•¨*•.¸¸.»منتدى طلبة اللغة العربية و آدابها «•¨*•.¸¸.»*

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2013-02-22, 13:07   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
**د لا ل**
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي

البلاغة في القران والدقة في التعبير و البيان
بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله

متى تكون المرأة زوجاً ومتى لا تكون ؟

عند استقراء الآيات القرآنية التي جاء فيها اللفظين ، نلحظ أن لفظ \"زوج\" يُطلق على المرأة إذا كانت الزوجية تامّة بينها وبين زوجها ، وكان التوافق والإقتران والإنسجام تامّاً بينهما ، بدون اختلاف ديني أو نفسي أو جنسي ..

فإن لم يكن التوافق والإنسجام كاملاً ، ولم تكن الزوجية متحقّقة بينهما ، فإن القرآن يطلق عليها \"امرأة\" وليست زوجاً ،
كأن يكون اختلاف ديني عقدي أو جنسي بينهما ..

ومن الأمثلة على ذلك قوله تعالى : \"وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ\" ،
وقوله تعالى : \"وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا\" .

وبهذا الإعتبار جعل القرآن حواء زوجاً لآدم ، في قوله تعالى : \"وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ\" .
وبهذا الإعتبار جعل القرآن نساء النبي صلى الله عليه وسلم \"أزواجاً\" له ، في قوله تعالى : \"النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ\" .


فإذا لم يتحقّق الإنسجام والتشابه والتوافق بين الزوجين لمانع من الموانع فإن القرآن يسمّي الأنثى \"امرأة\" وليس \"زوجاً\" .

قال القرآن : امرأة نوح ، وامرأة لوط ، ولم يقل : زوج نوح أو زوج لوط ، وهذا في قوله تعالى : \"ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا\" .
إنهما كافرتان ، مع أن كل واحدة منهما امرأة نبي ، ولكن كفرها لم يحقّق الإنسجام والتوافق بينها وبين بعلها النبي . ولهذا ليست \"زوجاً\" له ، وإنما هي \"امرأة\" .

ولهذا الإعتبار قال القرآن : امرأة فرعون ، في قوله تعالى : \"وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ\" . لأن بينها وبين فرعون مانع من الزوجية ، فهي مؤمنة وهو كافر ، ولذلك لم يتحقّق الإنسجام بينهما ، فهي \"امرأته\" وليست \"زوجه\" .

ومن روائع التعبير القرآني العظيم في التفريق بين \"زوج\" و\"امرأة\" ما جرى في إخبار القرآن عن دعاء زكريا ، عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام ، أن يرزقه ولداً يرثه .
فقد كانت امرأته عاقر لا تنجب ، وطمع هو في آية من الله تعالى ، فاستجاب الله له ، وجعل امرأته قادرة على الحمل والولادة .


عندما كانت امرأته عاقراً أطلق عليها القرآن كلمة \"امرأة\" ، قال تعالى على لسان زكريا : \"وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ
وَلِيًّا\" .


عندما كانت امرأته عاقراً أطلق عليها القرآن كلمة \"امرأة\" ، قال تعالى على لسان زكريا : \"وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ
وَلِيًّا\" .

وعندما أخبره الله تعالى أنه استجاب دعاءه ، وأنه سيرزقه بغلام ، أعاد الكلام عن عقم امرأته ، فكيف تلد وهي عاقر ، قال تعالى : \"قَالَ رَبِّ أَنَّىَ يَكُونُ لِي غُلاَمٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ قَالَ كَذَلِكَ اللّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاء\" .

وحكمة إطلاق كلمة \"امرأة\" على زوج زكريا عليه السلام أن الزوجية بينهما لم تتحقّق في أتمّ صورها وحالاتها ، رغم أنه نبي ، ورغم أن امرأته كانت مؤمنة ، وكانا على وفاق تامّ من الناحية الدينية الإيمانية .

ولكن عدم التوافق والإنسجام التامّ بينهما ، كان في عدم إنجاب امرأته ، والهدف \"النسلي\" من الزواج هو النسل والذرية ، فإذا وُجد مانع حيوي عند أحد الزوجين يمنعه من الإنجاب ، فإن الزوجية لم تتحقّق بصورة تامّة .

ولأن امرأة زكريا عليه السلام عاقر ، فإن الزوجية بينهما لم تتمّ بصورة متكاملة ، ولذلك أطلق عليها القرآن كلمة \"امرأة\" .
وبعدما زال المانع من الحمل ، وأصلحها الله تعالى ، وولدت لزكريا ابنه يحيى ، فإن القرآن لم يطلق عليها \"امرأة\" ،
وإنما أطلق عليها كلمة \"زوج\" ، لأن الزوجية تحقّقت بينهما على أتمّ صورة . قال تعالى : \"وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ\" .

والخلاصة أن امرأة زكريا عليه السلام قبل ولادتها يحيى هي \"امرأة\" زكريا في القرآن ، لكنها بعد ولادتها يحيى هي \"زوج\" وليست مجرّد امرأته .
وبهذا عرفنا الفرق الدقيق بين \"زوج\" و\"امرأة\" في التعبير القرآني العظيم ، وأنهما ليسا مترادفين









 


رد مع اقتباس
قديم 2013-02-22, 13:08   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
**د لا ل**
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي

من جواهر الآمام الشافعي رحمه الله






في كتمان الأسرار
إذا المـَــرء أفشـَى سِـرَّهُ بلســــَــانـه ولامَ عليــــهِ غــَـــيْـرَهُ فهُـوَ أحمَـقُ
إذا ضَـاقَ صَدْرُ المَرْءِ عَنْ سِرِّ نفسِهِ فصَدْرُ الذي يَسْتودِعُ السِّــرَّ أضْيـَقُ


في الأصدقاء
لا خيرَ في ودِّ أمرءٍ متلوِّن إذا الريحُ مَالت، مَال حيثُ تَميـلُ
ومَا أكثـَرَ الإخوانِ حينَ تعدّهم ولكنهـــُـــــم في النائباتِ قليلُ


العيبُ فينا
نعيـبُ زماننا والعيبُ فينا وما لزمانـنا عَيـبٌ سِوانـَــا
ونهجو ذا الزمانِ بغيرِ ذنبٍ ولو نطـَقَ الزمَان لهَجَانا
وليسَ الذئبُ يأكلُ لحمَ ذئبٍ ويأكلُ بعضنا بعضا ًعيانا


شروط الصداقة
إذا المـَرءُ لا يَـرعَــاكَ إلا تكـَلـُّـفـا ، فدَعـْهُ ولا تـُـكـْثـِـر عـَليـْهِ تأسـّـُـفـا
ففي الناسِ إبدالٌ وفي التـَّركِ راحة ٌ وفي القلبِ صَبرٌ للحبيبِ وَلـَوْ جَفـَا
فـــمَا كلُّ من تـهــواهُ يهــواكَ قلبُهُ ولا كلُّ من صَافيتـَه لكَ قــَدْ صَـفــَــا
إذا لــم يـَكـُــنْ صَفـْوُ الوِدادِ طبـيـعَـة ً فـَلا خـيرٌ في خـِلٍّ يجيءُ تـَكَـلـُّـفـَا
ولا خيـرٌ في خـِلٍّ يـخـُـونُ خـليـلـَه ويـلقــَاهُ مِن بعـدِ الموَدَّةِ بالجــَفــَـــا
ويـُـنـْكــِرُ عـَيـْشـاً قـد تـقادَمَ عَهدُهُ ويـظـْهَـرُ سِرّاً كانَ بالأمس في خـَفـَا
سَـلامٌ على الدنيا إذا لم يكـُنُ بـِها صَديقٌ صَدوقٌ صَادِقُ الوَعْدِ مُــنصفـَا


في الدهر
الدّهـْرُ يومَانِ ذا أمْنٍ وذا خـَطـَرِ والعيشُ عيشَانِ ذا صَفـْوٍ وذا كــَدَر ِ
أمـَا تـَرَى البَحْرَ تـَعْـلـو فوقـَه جـِيـَفٌ وتـستـَقـِرُّ بأقصَى قاعه الدٌّرَر ِ
وفي السَّماءِ نـُجومٌ لا عـِدادَ لهَا وليسَ يـُكـْسَفُ إلا الشّمسَ والقـَمَر ِ


في حظوظ البشر
تموتُ الأسُودُ في الغاباتِ جُوعا ً ولحْمُ الضَّأنِ تأكـُلـُهُ الكـِلابُ
وعبـْدٌ قـَدْ ينـَامُ على حَرير ٍ وذو الأنـسَابِ مـفـَارشُـهُ الـتـُّرابُ


الرئيس الحقيقي
إنَّ الفـَقـيهَ هُوَ الفـَقـيهُ بـِفـِعـْلِهِ ... ليسَ الفـقـيهُ بـِنـُطـْقـِهِ ومَقـَالـِــهِ
وكـَذا الرَّئــيسُ هـُوَ الرَّئيسُ بـِخـُلـْقـِهِ ، ليس الرَّئيسُ بقومِهِ ورجَالِهِ
وكــَذا الغـَنـِيُّ هـُوَ الـغـَنـِيُّ بـِحـَالـِهِ ... ليسَ الغـَنـِيُّ بـِمُـلكِـهِ وبمَالــِهِ


الهـُموم والتوكـٌّل على الله
سَهــِرَتْ أعـْــيُــنٌ ونـَامَتْ عـُيـُونٌ في أمـُور ٍ تـكونُ أو لا تَــكـُونُ
فادْرأ الهـَمَّ ما استـَطـَعـْتَ عَنِ النـّفـسِ فـَحِـمْـلانكَ الهُـمـُوم جـُنُونُ
إنَّ ربـَّـكَ كـفـَاكَ بالأمـسِ مَـا كـَانَ سَـيـكـفيـكَ في غــَـدٍ مـا يَـكــُونُ


الرِّزق
تـَوَكـّلـْتُ في رزقي على الله خـَالـقـِي وأيـْقــَـنـْتُ أنَّ الله لا شـَـكَّ رَازقـِي
ومَا يـَكُ مـِنْ رزقٍ فـَليْسَ يـَفـُوتـُني ولوْ كـانَ في قاعِ البـِحَار الـعـَوامـِق ِ
سـَيأتـي بـِه ِالله العـَظــيــمُ بـِفـَضْـلِه ولوْ لمْ يـَكـُنْ مِـنّي اللـسَـانُ بـِنـَاطـِق ِ
فــَفــِي أيّ شَـيءٍ تــذهـَـبُ حـَـسـْـرةً وقـــَد قــَـسَــمَ الــرَّحــْمــَنُ رزقــِي










رد مع اقتباس
قديم 2013-02-26, 21:56   رقم المشاركة : 3
معلومات العضو
**د لا ل**
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي

أهمية العنوان في العمل الأدبي:
لقد أولت المناهج الحديثة و المعاصرة ، في نظريات القراءة، و سيميائيـات النص وجماليات التلقي، أهمية كبيرة لعنوان النص و مقدمته، و اعتبرتهمـا مكونين أسـاسيين و دالين فقد جعلهما جيرار جينيت (Gérard Génette) من النصوص الموازية Paratextes الدالة التي ترافق النصوص الرئيسة و التي لا يمكن الاستغناء أو التغاضي عنها .و تكمن أهمية هذين المكونين ( العنوان و المقدمة) في كونهما أول المؤشرات التي تدخل في حوار مع المتلقي ، فتثير فيه نوعا من الإغراء، و الفضول العلمي و المعرفـي و إليهما توكل مهمة نجاح الكتاب في إثارة استجابة القارئ بالإقبال عليه و تداوله ، أو النفور منه و استهجانه.
تنبثق أهمية العنوان ، بشكل خاص ، من كونه مكونا نصيا لا يقل أهمية عن المكونات النصية الأخرى، فالعنوان يشكل سلطة النص وواجهته الإعلامية، وهذه السلطة تمارس على المتلقي » إكراها أدبيا ، كما أنه [ أي العنوان ] الجزء الدال من النص و هذا ما يؤهــله للكشف عن طبيعة النص و المساهمة في فك غموضه« بـــل يعين مجموع النص و يظهر معناه، و هذا يعني أن العنوان هو مرآة النسيج النصي، وهو الدافع للقراءة، وهو الشرك الذي ينصب لاقتناص المتلقي، و من ثمة فإن الأهمية التي يحظى بها العنوان نابعة من اعتباره مفتاحا في التعامل مع النص في بعديه الدلالي و الرمزي، بحيث لا يمكن لأي قارئ أن يلج عوالم النص أو الكتاب، و تفكيك بنياته التركيبية و الدلاليـة و استكشاف مدلولاته و مقاصدها التداولية، دون امتلاك المفتاح ، أعني العنوان .
العنوان إذن هو الثريا التي تضيء فضاء النص، و تساعد على استكشاف أغواره، فيكون العنوان بكل ذلك ضرورة كتابية تساعد على اقتحام عوالم النص؛ لأن المتلقي يدخل إلى " العمل " من بوابة " العنوان " متأولا لــه، و موظفا خلفيته المعرفية في استنطاق دواله الفقيرة عددا و قواعد تركيب و سياقا، و كثيرا ما كانت دلالية العمل هي ناتج تأويل عنوانه، أو يمكن اعتبارها كذلك دون إطلاق« كما يأخذ العنوان أهميته من كونه علامة كاملة تحمل دالا و مدلولا.
على الرغم من أن العنوان نص مختصر مقلص فإنه يلعب دورا هاما وحاسما في الأعمال الأدبية خاصة وفي الأعمال الفنية عامة. فهو جزء لا يتجزأ من عملية إبداع الكاتب للعمل .
كما أنه يلعب دورا مركزيا في عملية إنتاج القارئ لمعنى العمل ودلالاته ويقوم بوظائف متعددة ومتنوعة." وتبرز أهمية العنوان في الأدب الحديث بصورة عامة وفي الشعر الحديث بصورة خاصة، اللذين لم يعد فيهما العنوان مجرد مرشد للعمل، يمر عليه القارئ مرورا سريعا متوجها إلى النص، وإنما أصبح جزءا من المبنى الاستراتيجي للنص." (1)
ويعزو "العلاق" ازدياد الوعي بأهمية العنوان إلى" كون علاقته بالنص أصبحت بالغة التعقيد وإلى امتلاكه طاقة توجيهية." (2) وتنبه فيري إلى" أن موقع العنوان فوق النص يمنحه سلطة، لأنه يخبر القارئ الذي لم يقرأ النص شيئا ما عن هذا النص." (3)
وتزداد أهمية العنوان، سواء في النثر أو في الشعر، خلال قراءة النص، وذلك لأن القارئ يتوجه إلى النص وقد علقت في ذهنه إيحاءات العنوان ورموزه، وهو يقوم بربط كل هذا بما يلاقيه أثناء عملية قراءة النص وتأويله. وإذا كان الحديث يدور عن قصيدة بشكل خاص، فإن العنوان يتخذ أهمية أكبر بعد قراءتها، لاتخاذه طبقات من المعنى أكثر عمقا في سياق ثيمات القصيدة المتعددة، هذا بالإضافة إلى أن العنـوان في حـالات كثيـرة يمكنه إعادة خلق قطعة أدبية ما.
لقد بذل الفنانون في الأدب الغربي في القرن التاسع عشر جهودا جمة في اختيار العنوان. وعلى الرغم من هذا فقد وجدت قصائد غير معنونة، لكنها تمكنت من أن تصمد مع عدم وجود عناوين لها. ونطرح سؤالا لا بد منه في هذا السياق: هل يقوم العنوان في الأدب الحديث بدور هام إلى درجة لا يمكننا معها اعتبار عمل أدبي ما كالقصيدة، لأنه لا يحمل عنوانا؟ إن هولاندر (Hollander) وفايسمن لا يوافقان علـى عـدم اعتبـار لوحة ما لوحة، أو قصيدة ما قصيدة، لأنها لا تحوي عنوانا. وتضيف فايسمن إلى هذا، وبشكل أكثر مباشرة من هولاندر، بأنه يمكن للأعمال سواء كانت أدبية أو غيرأدبية أن تصمد دون وجود عناوين لها.
كما ينبه هذان الباحثان إلى" أن العناوين برزت كغرض ضروري في نقطة تاريخية معينة ووفقا لعادة العنونة التي بدأت تسود، ولهذا السبب سعى الكتّاب بشكل دائب إلى وضع عناوين لأعمالهم."(1)
ولا بد أن نشير إلى أن وجود قصائد غير معنونة ليس مقصورا على أدب القرون الوسطى أو القرن التاسع عشر، وذلك لأننا نعثر في عصرنا الحالي على قصائد حديثة غير معنونة، وهي بنظرنا قصائد بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى. ولنأخذ مثالا على ذلك القصيدة التالية للشاعرة السريالية جويس منصور (1928-1986)، والتي هي بضمن أربعين قصيدة، ترجمها عن الفرنسية الشاعر عبد القادر الجنابي،ويستطيع قائل أن يقول بأنه لو حوت هذه القصيدة عنوانا لربما كانت ستبدو أجمل أو أغنى معنى و أكثر إيحاء. ربما! لكن لا يمكن بأي حال من الأحوال عدم اعتبارها قصيدة لأنها لا تحمل عنوانا، فكلماتها تحوي طاقة شعرية هائلة، تتجلى في الصور الشعرية المبتكرة الموجودة على طول القصيدة. ويجدر بنا أن ننبه إلى أن هناك قصائد من قصائد الشاعرة الأربعين تحوي عناوين، مما يدلنا على أن الشاعرة واعية لقضية العنونة.
وفوق ذلك إن هذا يدلنا على أن وضع عنوان للنص في الشعر الحديث أو عدم وضعه لا يتعلق على الغالب بوعي الشاعر لقضية العنونة، وإنما برغبته واختياره الشخصي.
في الليل شحّاذة أنا في وطن الدماغ
نفسي متمددة فوق قمرٍ من الأسمنت وقد روّضتها الريحُ تتنفسُ
وموسيقى أنصاف المجانين الذين يمضغون شعير المعدن ألق
الذين يطيرون ويطيرون ثم يسقطون على رأسي
بكلّ قواهم
ذا أنا أرقص رقصة الفراغ
أرقص فوق ثلوج التعاظم البيضاء
وأنت خلف نافذتك المحلاة بسكر الغيظ
تلطّخ فراشك بالأحلام انتظارًا لي (1)
لقد اعتبر العنوان إلى وقت قريب هامشا لا قيمة له وملفوظا لغويا لا يقدم شيئا إلى تحليل النص الأدبي؛ لذلك تجاوزه الكتاب إلى النص كما تجاوزوا باقي العتبات الأخرى التي تحيط بالنص.
ولكن ليس العنوان" الذي يتقدم النص ويفتتح مسيرة نموه- يقول علي جعفر العلاق- مجرد اسم يدل على العمل الأدبي: يحدد هويته، ويكرس انتماءه لأب ما. لقد صار أبعد من ذلك بكثير. وأضحت علاقته بالنص بالغة التعقيد. إنه مدخل إلى عمارة النص، وإضاءة بارعة وغامضة لأبهائه وممراته المتشابكة(...) لقد أخذ العنوان يتمرد على إهماله فترات طويلة، وينهض ثانية من رماده الذي حجبه عن فاعليته، وأقصاه إلى ليل من النسيان. ولم يلتفت إلى وظيفة العنوان إلا مؤخرا .(2)
وعلى الرغم من هذا الإهمال فقد التفت إليه بعض الدارسين في الثقافتين: العربية والأجنبية قديما وحديثا، وتنبه إليه الباحثون في مجال السيميـوطيقا وعلم السـرد والمنطـق
وأشاروا إلى مضمونه الإجمـالي في الأدب والسـينما والإشـهار نظرا لوظـائفه المرجعية واللغوية والتأثيرية والأيقونية.
وحرصوا على تمييزه في دراسات معمقة بشرت بعلم جديد ذي استقلالية تامة، ألا وهو علم العنوان(TITROLOGIE) الذي ساهم في صياغته وتأسيسه باحثون غربيون معاصرون منهم: جيرار جنيتG.GENETTE وهنري مترانH.METTERANDولوسيان ﮔولدمانL.GOLDMANN وشارل ﮔريفلCH.GRIVEL وروجر روفرROGER ROFER وليو هويك LEO HOEK الذي يعرف العنوان بكونه" مجموعة من الدلائل اللسانية [...]يمكنها أن تثبت في بداية النص من أجل تعيينه والإشارة إلى مضمونه الإجمالي ومن أجل جذب الجمهور المقصود"(1) هذا وقد نادى لوسيان كولدمان الدارسين والباحثين الغربيين إلى الاهتمام بالعتبات بصفة عامة، والعنوان بصفة خاصة. وأكد في قراءته السوسيولوجية للرواية الفرنسية الجديدة مدى قلة النقاد" الذين تعرضوا إلى مسألة بسيطة مثل العنوان في رواية الرائي le voyeur لذي يشير إلى مضمون الكتاب، ليتفحصوه بما يستحق من عناية "(2)
وتعتبر دراسة( العتبات SEUILS) لجيرار جنيت GERARD GENETTE أهم دراسة علمية ممنهجة في مقاربة العتبات بصفة عامة والعنوان بصفة خاصة؛ لأنها تسترشد بعلم السرد والمقاربة النصية في شكل مساءلة واستقصاء ، وتفرض عنده نوعا من التحليل.(3)
ويبقى ليو هويك LEO HOEK المؤسس الفعلي ( لعلم العنوان) ؛ لأنه قام بدراسة العنونة من منظور مفتوح يستند إلى العمق المنهجي والاطلاع الكبير على اللسانيات ونتائج السيميوطيقا وتاريخ الكتاب والكتابة. فقد رصد العنونة رصدا سيميوطيقيا من خلال التركيز على بناها ودلالاتها ووظائفها.
كما أن النقد الروائي العربي لم يول العنوان أهمية تذكر، بل ظل يمر عليه مر الكرام. لكن الآن بدأ الاهتمام بعتبات النص وصار يندرج" ضمن سياق نظري وتحليلي عام يعتني بإبراز ما للعتبات من وظيفة في فهم خصوصية النص وتحديد جانب أساسي من مقاصده الدلالية، وهو اهتمام أضحى في الوقت الراهن مصدرا لصياغة أسئلة دقيقة تعيد الاعتبار لهذه المحافل النصية المتنوعة الأنساق وقوفا عندما يميزها ويعين طرائق اشتغالها؟ (1)
أهم الدراسات العربية التي انصبت على دراسة العنوان تعريفا وتأريخا وتحليلا وتصنيفا نذكر ما أنجزه الباحثون المغاربة وغيرهم من النقاد العرب الذين كانوا سباقين إلى تعريف القارئ العربي بكيفية الاشتغال على العنوان: تنظيرا وتطبيقا، وهذه الدراسات هي على النحو التالي:
1 - (النص الموازي في الرواية) (إستراتيجية العنوان) ، مقال للدكتور شعيب حليفي منشور في مجلة الكرمل الفلسطينية في واحد وعشرين صفحة، العدد46 سنة 1992.
ويعد من المقالات الهامة التي درست العنوان دراسة تاريخية وبنيوية بطريقة منهجية وأهم مصدر استند إليه الدارسون في حديثهم عن العنوان.
2- مقاربة العنوان في الشعر العربي الحديث والمعاصر للدكتور جميل حمداوي، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا في الأدب العربي الحديث والمعاصر، تحت إشراف الدكتور محمد الكتاني، نوقشت بجامعة عبد المالك السعدي، كلية الآداب والعلوم الإنسانية ( تطوان) بالمغرب سنة 1996، ويطرح فيها صاحبها منهجية جديدة لدراسة العناوين سماها (المقاربة العنوانية)؛ وتعد أهم دراسة تحليلية شاملة للعنوان في الوطن العربي(562 صفحة من الحجم الكبير)
3- (العنوان في الرواية المغربية)، للدكتور جمال بوطيب، مقال منشور في كتاب الرواية المغربية، أسئلة الحداثة، منشورات دار الثقافة، الدار البيضاء، سنة 1996 ، و يوجد المقال في (12) صفحة؛
4- عتبات النص: البنية والدلالة، للدكتور عبد الفتاح الحجمري، منشورات الرابطة، الدار البيضاء، طبعة 1996، وفيه يدرس صاحبه العنوان على ضوء رواية الضوء الهارب لمحمد برادة في ست صفحات من الحجم المتوسط.
5- ( السميوطيقا والعنونة)، مقال للدكتور جميل حمداوي في33 صفحة، نشر في مجلة عالم الفكر، الكويت، المجلد 25، العدد3، يناير/ مارس، سنة 1997، وكان مصدرا ومرجعا للكثير من الدراسات التي انصبت على دراسة عتبة العنوان .
6- مقاربة النص الموازي في روايات بنسالم حميش، للدكتور جميل حمداوي، أطروحة دكتوراه الدولة ، ناقشها الباحث في 19 يوليوز سنة 2001 بجامعة محمد الأول بوجدة تحت إشراف الدكتور مصطفى رمضاني.
7- (صورة العنوان في الرواية العربية) للدكتور جميل حمداوي، مقال في حوالي 21 صفحة، نشر في التجديد العربي، في 22/07/2006.
8- العنوان وسيميوطيقا الاتصال الأدبي للدكتور محمد فكري الجزار، ، الهيئة المصرية العامة للكتاب،1998 .
9- العنوان في الأدب العربي(النشأة والتطور) للدكتور محمد عويس، ،على نفقة المؤلف،1992.
5- أصناف العنوان:
تصنف الأبحاث الحديثة العناوين من حيث دلالاتها وعلاقتها بمضمون النصوص التي تحملها إلى أنواع كثيرة ويمكن أن تقسم إلى مجموعتين أساسيتين: المجموعة الأولى هي مجموعة العناوين المؤشِّرة، والمجموعة الثانية هي مجموعة العناوين الدلاليّة. وننوي فيما يلي الأصناف التي تدخل في إطار كل مجموعة من المجموعتين مع إيراد شرح لكل منها1.
أ) العناوين المؤشِّرة:1
تشبه هذه العناوين الاسم الذي ندعو به غرضا أو إنسانا، وهدفها الأساسي هو مساعدة القارئ على إيجاد العمل المطلوب في فهرس الكتاب، وتمييز هذا العمل عن أعمال أخرى. كما تكون هذه العناوين قصيرة بصورة عامة، بحيث تتألف من كلمة أو عبارة، وتعرض الموضوع المعالج بشكل موضوعي وحيادي، دون الإفصاح عن رسالة النص، وإن تواجد هذا الصنف من العناوين في الشعر، فإنه يترك القصيدة مفتوحة، ولا يثير توقعات القارئ، وتتوزع هذه العناوين المؤشرة إلى ثلاثة أنواع:2
* "عناوين عبارة عن أرقام عددية أو ترتيبية ("القصيدة الأولى"، "القصيدة الأخيرة")، أو عناوين ذات صلة بمكان الكتابة، أو بتاريخ معيّن، لكن لا توجد لها أية علاقة بما يقال في العمل نفسه".
*"العناوين التي تعتمد على الكلمة الأولى أو القريبة من الأولى أو على مجموعة الكلمات الأولى من العمل".
* "إشارة نجمة أو ثلاث نجمات توضع في رأس العمل".
قد يظن القارئ أن النوعين الأول والثاني يشيران إلى مضمون القصيدة أو جودتها، وذلك لميل القارئ إلى الافتراض بأن العنوان غير اعتباطي، وإنما هو حكم خفي يطلقه الشاعر على قصيدته فالعنوان "القصيدة الأولى" قد يُفسَّر بأن القصيدة هي أفضل أو أهم قصيدة في المجموعة، وكذلك الأمر بالنسبة للعنوان الذي يتألف من مجموعة الكلمات الأولى من النص، فهذه الكلمات قد تُفسَّر بأنها الكلمات الأكثر مركزية، مما يجعل القارئ يبني توقعاته من القصيدة بالاستناد إليها، لكن بعد قراءته لهذه القصيدة يتضح له أن العنوان هو إرشادي وإشاري.
وهنا لا بد من التنبيه إلى أن هذا الأمر ليس صحيحا في كل الحالات، لأن هناك عناوين تبدو لنا مؤشرة لأنها عبارة عن تكرار لكلمات البداية، لكن بعد التعمق في قراءة النص يتضح لنا أن العنوان لا يهدف إلى الإشارة إلى النص، وإنما له هدف دلالي يتعلق بمضمون القصيدة. وهذا ما تؤكد عليه باروخ وفايسمن حين يقولان" بأن هناك مجموعة من العناوين تبدو مؤشرة، لكن عند الوصول إلى نهاية القصيدة تظهر هذه العناوين كعناوين دلالية" (1).
أما كليمان فيعتبر العناوين التي تكرّر السطر الأول من النص عامة أجزاء من التجربة الجمالية (2) . وهو بذلك يناقض فيري التي تقول بأنه" عندما يُملأ فضاء العنوان باقتباس يكرر سطرا أو عبارة من النص، فإنه ليس للكلمات المقتبسة- خاصة إن كانت عبارة عن السطر الأول من النص أو الكلمات الأولى منه- مكانة العنوان. أما إن كانت الاقتباسات من أماكن أخرى من النص فإن الأمر يختلف، لأن هذه الكلمات تبدو على الأقل وكأنها تقول شيئا ما عن القصيدة".(3)
والقول عن عنوان يكرر الكلمات الأولى من النص، بأنه مؤشر أو دلالي يتعلق بمقاصد الكاتب التي يمكن الوقوف عليها خلال قراءة النص. أما النوع الثالث من العناوين المؤشرة فيعتبر بنظر إشكاليا أكثر من سابقيه؛ إذ لا يمكنه الإشارة إلى النص أو التمييز بين نتاج وآخر، مما يعني أنه لا يستطيع القيام حتى بالوظيفة الإشارية.
ب) العناوين الدلاليّة: 1
بالإضافة إلى كون هذه العناوين تقوم بالوظيفة الإشارية، فإنها تهدف أيضا إلى الإشارة إلى مضمون العمل الأدبي، كالقصيدة مثلا، وتوجيه ذهن القارئ إليه بطرق مختلفة. وسنتعرض فيما يلي لكل طريقة من هذه الطرق من خلال الحديث عن كل قسم من أقسام العنوان الدلالي الآتية:
* العنوان الاختصاري: وهو يلخص فكرة العمل الأدبي المركزية، ويحوي بصورة عامة تلخيصا قصيرا للعمل من وجهة نظر الكاتب. وهذا العنوان يثير توقعات في القارئ، ومن ثم يقوم بتحقيقها. وإذا كان الحديث يدور عن عنوان قصيدة فيمكن القول بأنه كلما كانت الروابط بين تفاصيل القصيدة وهذا العنوان أكبر كلما ازدادت قوته الاختصارية. وفي مجال هذا الصنف من العناوين تدخل تلك العناوين التي تحوي أسماء مجردة أو محسوسة، يعتبرها الكاتب محور العمل الأدبي.
* العنوان الساخر: وهو يوجه توقعات القارئ لموضوع معيّن، إلا أن هذه التوقعات تكسر أثناء قراءة النص.
* العنوان المتمِّم: يعتبر هذا العنوان جزءا متمِّما للنص، قد يتضرر بدونه، وقد لا يُفهم على الإطلاق، وذلك لاحتواء العنوان على مركز العمل الأدبي. وغالبا ما يلعب هذا العنوان دور افتتاحية النص، وفي هذه الحالة نجد له ارتباطا مباشرا بالسطر الأول من النص، مما يجعله جزءا لا يتجزأ منه.
* العنوان المُحيط: هذا العنوان يناسب عوامل مختلفة في القصة أو القصيدة، ونجد فيه بعض التعقيد، ينبع من عدم التزامه لمضمون النص. وهو عنوان تعميمي بدرجة كبيرة، بحيث يمكنه أن يخلق جهاز توقعات متنوعا ومتعدد الإمكانيات. وقد يكون ذا علاقة بتفاصيل مختلفة في النتاج، كما قد يوجه القارئ إلى موضوع معيّن، لكنه يمكّنه من تفسير الأمور بأشكال مختلفة. وتكون العناوين المحيطة، بصورة عامة، عبارة عن أسماء (على الغالب أسماء مجردة)، لا تلزم القارئ بأي تأويل، وذلك لأن هذه الأسماء لا تمتلك صفة معيّنة. ومثال ذلك العناوين:
"أساطير"، "ندم" و"فشل". وتتحدث فايسمن عن أربعة طرق يحيط بها العنوان النص (1) :
أ) كلمة تلخص وضعا ما، وتكون بصورة عامة مجردة. مثال: "خطأ"، "كلمات"، "صورة"
ب) أسماء عامة، مثلا: "صديق"، "شاعر"، "فتاة" ج) أسماء شخصية، توجهات وإهداءات. وهناك عناوين تربط الأحداث الحاصلة في النص بشخصية معيّنة. مثلا: "فرعون"، "إلى روبرت فروست" د) أسماء غامضة، كأسماء الإشارة والضمائر التي تدل على الغائب، وتؤدي إلى غموض العنوان.وأهم
* العنوان الاتجاهي: وهو يشير إلى موقف الكاتب فيما يتعلق بموضوع معيّن، ويصاغ بقصد التأثير في رأي الجمهور وبلورته، وذلك من خلال الإقناع، النقد، التحذير، التشويق أو مساندة موقف معيّن.وقد تكون اتجاهية هذا العنوان واضحة، غامضة أو واقعة ما بين الوضوح والغموض.
* العنوان المثير: يهدف إلى جذب القارئ من خلال إبراز الجانب المسلي في النص وذلك بواسطة استخدام التضاد أو التأكيد على أمر شاذ.
* العنوان الموجِّه: وهو مفسر بعض الشيء، وموجه للقارئ. ويمكنه أن يعبر عن موقف، قصد أو ادعاء، أو يلخص مجموعة من الأفكار، أو يطرح سؤالا مبدئيا، أو يثير تداعيات، وهذا العنوان يدخل في إطار العناوين الواضحة في توصيل رسالة النص إلى القارئ.
* العنوان الإهدائي: وهو صنف معروف في الأدب، يُكرس لشرف شخص ما، قد تكون له علاقة بالنص أو لا تكون (2) . إن أغلب هذه العناوين (المؤشرة والدلالية)، يرد في أصناف، تناولت العنوان في الأدب عموما وفي الشعر خصوصا، أم عن أصناف العناوين في الأعمال الفنية (الرسم والموسيقى)، والتي عالجها ليفينسون في مقاله (1) فإن قسما منها يشترك مع بعض الأصناف السابقة في عدد من الميزات، ومع ذلك، نضيف أصنافا أخرى، وذلك لوجود ميزات إضافية ومختلفة فيه.إحدى النقاط التي يؤكد عليها ليفينسون في مقاله هي أنه لا يمكن أبدا أن يكون العنوان خاليا من القدرة الجمالية، التي بفضلها يمتلك قوة معيّنة ويسهم في عملية قراءة العمل (2). ويخوض ليفينسون في هذه القضية من خلال مناقشته لكيفية تأثير الأصناف السبعة الآتية في محتوى العمل (3):
*العناوين المحايدة (neutral titles): وهي تشبه العناوين المؤشرة إلى حد ما، ويعتبرها ليفينسون أبسط أصناف العناوين، لكون اختيارها أوتوماتيكيا عادة، ولكونها تعد هامشية للعمل. وهذه العناوين هي عادة عبارة عن أسماء شخصيات، أغراض وأماكن، تظهر بشكل بارز في جسد العمل. مجموعة أخرى من العناوين المحايدة، والتي قد تتواجد في القصائد، هي تلك العناوين التي تكرر الأسطر الأولى من القصيدة. ومثل هذه العناوين لا يلعب دورا جوهريا على الإطلاق، ولا يغير شيئا في القصيدة، ولا يؤثر في محتوى النص، ويهدف فقط إلى منح العمل اسما، أو السير وفق عادة منح العمل عنوانا.
ويجب التنبيه إلى أن ليفينسون لا يقصد بهذا أن يقول إن هذه العناوين لا تحوي قدرة جمالية ما، لأنه يوضح فيما بعد بأنه إن كان هناك اهتمام بمسألة العنونة فمن الضروري أن تمتلك هذه العناوين طاقة فنية .
* العناوين المشدِّدة (underlining titles): وهذه العناوين، بخلاف السابقة، تعتبر عامة أو جوهرية، لأنها تضيف وزنا إضافيا على لب محتوى العمل، أو تشدد على موضوع يعتبر جزءا منه. كما أن هذه العناوين تشهد على أهمية المسمى، وتؤكد وتثبّت ما يقوله جسد النص بشكل مستقل. وهي بذلك تشبه إلى حد ما العناوين الاختصارية.
* العناوين المركّزة/ المبئّرة (focusing titles): وهذه العناوين تلعب دورا فنيا بشكل أكبر. فالعنوان منها ينتقي موضوعا واحدا من المواضيع الرئيسية التي تكوّن لب محتوى النص ويجعله قائدا للعمل. وحتى نتمكن من اعتبار هذا العنوان مركزا، لا مشددا، يجب أن يكون هناك غنى معيّن في محتوى العمل، يتجلى في وجود عنصرين أو أكثر في داخله يعتبران هامين، وما يفعله العنوان المركز هو اقتراح ثيمة من بين الثيمات المتنازعة وإعطاؤها مكانة مركزية في عملية تأويل العمل. وينبه ليفينسون إلى أن العناوين المركزة لا تقوم بهذه الأمور بشكل مطلق، وإنما بنسبة معينة.
* العناوين المقوِّضة (undermining/ opposing titles): وتشبه إلى حد ما العنوانين الساخر والجزئي. إن ظاهر مضمون هذه العناوين مضاد لما تقصده بالفعل، وهي تناقض التصريح المؤقت بتصريح يميل إلى الاتجاه المعاكس. وعندما تستخدم هذه العناوين في الأعمال المركبة والطويلة، كالروايات والأفلام، فإنها تعتبر ساخرة (ironic)، لأنها تعني عكس ما تصرّح به. وبعض العناوين المقوِّضة لا يستوعب على أنه ساخر، بل كمؤكد من خلال تقويضه على فكاهة، هزة معيّنة أو حيرة.
* العناوين المربكة (mystifying titles): بدل أن تعزز هذه العناوين أو تحصر شيئا ما في جسد النص فإنها تنحرف تماما عن هذا الشيء. هذا الصنف من العناوين يعتبر الحيلة المفضلة عند السرياليين. ومثال ذلك عناوين بعض اللوحات السريالية التي لا توجد بينها وبين اللوحة التي تحملها علاقة واضحة، وتدفع المتأمل إلى اكتشاف أو اختراع صلة بينها وبين هذه اللوحة.
* العناوين غير الملبسة (disambiguating titles): وهي تشبه إلى حد ما العناوين المتممة. فهذا الصنف من العناوين يقوم بتحديد محتوى العمل بشكل أكبر مما كان عليه إن كان هذا العمل يبدو غامضا، ودون مساعدة هذه العناوين يبدو العمل طلسما.
* العناوين التلميحية (allusive titles): تتبع هذه العناوين بشكل غير مباشر لأعمال أخرى، لفنانين آخرين، لأحداث تاريخية وغير ذلك، فهي تربط العمل بأمور خارجية محددة. وبإمكان هذه العناوين أن تعمل على محتوى النص بالطرق الستة المذكورة، فتستطيع أن تشدّد، تبئّر، تقوّض وتخصّص محتوى العمل.
ويصنف الدكتور جميل حمداوي في مقال له (1) العنوان من حيث الشكل والموضع الى عناوين خارجية وعناوين داخلية وأخرى فرعية وفهرسية...
1- العنوان الخارجي:
يتوسط الغلاف الأمامي ويعتبر من أهم عناصر النص الموازي وملحقاته الأساسية. فهو أول عنصر يواجه القارئ أثناء تفاعله مع النص الروائي. ليس العنوان يافطة إشهارية إغرائية تستهدف دغدغة عواطف المتلقي فحسب، " بل هو استدعاء القارئ إلى نار النص، وإذابة عناقيد المعنى بين يديه.إن له طاقة توجيهية هائلة فهو يجسد سلطة النص وواجهته الإعلامية التي تمارس على القارئ إكراها أدبيا، ويمثل أيضا الجزء الدال على النص والرامي إلى إخضاعا لمرسل".(2)
ويقوم العنوان الخارجي بتقديم العمل الإبداعي والتعريف به وتوسيمه دلالة وبناء وتصورا. إنه بمثابة بطاقة ضيافة "carte visite" للنص مثلا، إنه يمنح القارئ مجموعة من الإشارات الضوئية حول مضمون هذا العمل. أي إنه يصف العمل الأدبي ويعكسه كليا أو جزئيا، أو قد لا يعكسه بطريقة مباشرة إذا كان العنوان يحمل أبعادا رمزية وشحنات انزياحية ثرية وهكذا، فالعنونة الخارجية طقس من طقوس التسمية (إعطاء اسم للكتاب).
وقد يتردد الكاتب كثيرا في اختيار اسم من الأسماء الكثيرة التي تراءى له أثناء تثبيت العنوان الخارجي، ينتقي منها في آخر المطاف ما هو ملائم ودال، ويصوغه بدقة وإحكام لأنه هو أول ما سيقرع السمع ويجذب النظر، ولأنه سينزل من الكتاب منزلة الوجه والغرة، وسيضطلع بمهام حاسمة تجعل الجمهور يفتتن به أو يتطير منه،وعليه سيكون العنوان مختارا بدقة معسول اللفظ يثير شهية الجمهور ويدغدغ مشاعره ويحرضه على الإقبال على الكتاب واقتنائه، كما يعتبر بمثابة نواة إخبارية عن محتويات النص وقضاياه المعالجة، ويشير جنيت G.GENETTE إلى "العلاقة الدالة التي تربط العنوان بالنص... العنوان هو اسم الكتاب، ومن حيث هو كذلك، فهو يستخدم لتسميته أي لتعيينه بأكبر قدر ممكن من الدقة مع تفادي أي خطر في الخلط، ولذا من الضروري معرفة تبريرات استخدامه".(3)
ويفرع الدكتور جميل حمداوي العنوان الخارجي إلى عناوين أخرى وذلك من خلال دراسة قارب فيها العنوان في الرواية العربية.1
1.1- العنوان التجنيسي:
يحدد هذا العنوان جنس الإبداع و هويته لذلك نجد مجموعة من الدواوين التجنيسية داخل العنونة الديوانية أو تفريعا عن العنوان الخارجي. فنجد العنوان الخارجي وتحته( غالبا) شعر أو قصة قصيرة أو رواية إشارة إلى جنس الإبداع الأدبي.
2.1- العنوان التشكيلي:
يمتح العنوان التشكيلي وجوده من فن الرسم و التشكيل و التبئير الأيقوني والتنويع في الألوان و الفضاءات الهندسية. وقد يترجم العنوان التشكيلي ملفوظات العنوان الخارجي اللغوي. ونجد هذه اللوحات العنوانية التشكيلية عند كثير من الشعراء الحداثيين مثل: إليوت، و بودلير، و رامبو، و صلاح عبد الصبور، وبدر شاكر السياب، و أمل دنقل، و نازك الملائكة...
3.1-العنوان الإشهاري:
يتخطى هذا العنوان المستوى الفني إلى المستوى التجاري والإشهاري، فيؤشر على مكان إصدار المنتوج و المطبعة التي سهرت على طبع الكتاب و نشره وتوزيعه وعنوان المطبعة و مكتب المؤسسة، بالإضافة إلى ثمن النسخة و شعار مؤسسة النشر أو الوزارة التي تكفلت بالإصدار. وهذا كله يدخل ضمن حيثيات النشر و سوسيولوجيا التسويق والتوزيع.
2- العنوان الداخلي:
1.2-العنوان الأساسي:
يتربع العنوان الأساسي قمة القصيدة و عرشها العلوي، وبالتالي، يحدد دلالات القصيدة وأبعادها الذاتية و الموضوعية.
2.2-العنوان السياقي:
يقصد بالعنوان السياقي ذلك العنوان الذي يحدد سياق القصيدة: تأريخا أو إهداء أو تحديدا لمناسبة القصيــدة، ويساعدنا هذا العنوان في اتســاق النص و خلق انسجامه، وفهم دلالاته و تأويله.
لذلك تذيل معظم القصائد بتاريخ النشر والكتابة ومكان الإبداع بتحديد اليوم أو الشهر أو السنة أو الفصل، علاوة على تحديد مكان النشر سواء خاصا كان أم عاما.
3.2-العنوان المقطعي أو الفرعي :
وهو عنوان مقطعي متفرع من العنوان الأساسي، كأن يتفرع عنوان مقطعي من ديوان شعري
4.2-العنوان الفهرسي أو المفهرس :
وهو إرفاق الدواوين الشعرية والقصص والروايات وأغلب الكتب في جميع المجالات بفهارس معنونة للنصوص الشعرية والعناصر الداخلية المشكلة لبنية النص .وقد صيغت بطريقة دلالية موضوعاتية مبوبة: ترقيما و تصنيفا و تقسيما.










رد مع اقتباس
قديم 2013-02-26, 22:02   رقم المشاركة : 4
معلومات العضو
**د لا ل**
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي

من روائع لغتنا الجميلة

من بلاغة الإمام أبو بكر الشبلي رحمه الله عندما سئل :
أي شئ أعجب ؟ قال : قلب عرف ربه ثم عصاه .
وقال : ( مكر الله بك يا ابن آدم ) في إحسانه فتناسيت ,
وأمهلك في غيك فتماديت ,
وأسقطك من عينه , فما دريت ولا باليت .
وقال : إذا وجدت قلبك مع الله فاحذر من نفسك ,
وإذا وجدت قلبك مع نفسك فاحذر من الله .

وفي اللغة العربية من الروائع والجمال مايغني عن الوصف .
قيل للمبرد : إن في كلام العرب حشوا فأنهم يقولون :
عبد الله قائم, ثم يقولون, إن عبد الله قائم , ثم يقولون إن عبد الله لقائم, والمعنى واحد.
فقال لهم : عبد الله قائم إخبارا عن قيامه ,
وقولهم : إن عبد الله قائم :
جواب عن سؤال سائل ,
وقولهم إن عبد الله لقائم ردا على منكر قيام عبد الله

ومن روائع اللغة العربية أيضاً :
في تَرْتيب حُسْـنِ المـرأَة :
إذا رأيت جمالها من قريب و بعيد فهي حسناء
إذا رأيت جمالها من بعيد فقط في جميلة.
إذا كانت بهـا مسـحةٌ من جمال فهي : وضيئةٌ وجميلةٌ .
إذا أشـبهَ بعضُها بعضاً في الحُسـنِ فهي : حُسـَّـانةٌ .
إذا اسْـتَغنتْ بجمـالها عن الزِّيـنةِ فهي : غـانيــةٌ .
إذا كانت لا تُبالي أنْ لا تَلْبسَ ثوباً حسناً فهي: مِعْطـَالٌ .
إذا كان حُسْنُها ثابتاً كأنه قد وُسِمَ فهي : وَســيمةٌ .
إذا قُسـِمَ لها حظٌ وافرٌ من الحسـنِ فهي : قسـيمةٌ .
إذا كان النظـرُ إليها يسُـــرُّ الرُّوعَ فهي : رائعـة .
إذا غَلبتِ النســــاءَ بحُسْــنِها فهي : باهِـرَةٌ

************************************************** *

من بلاغة العرب

قال معاوية بن أبي سفيان لصعصعة بن صوحان: صف لي عمر بن الخطاب!
فقال: كان عالماً برعيته، عادلاً في قضيَّته، عارياً من الكبر، قَبولاً للعذر، سهل الحجاب، مَصون الباب، متحرِّياً للصواب، رفيقاً بالضعيف، غير مُحاب للقريب، ولا جاف للغريب.
وقال معاوية -أيضاً- لضرار الصدائي: يا ضرار، صف لي علياً!
قال: اعفني يا أمير المؤمنين.
قال: لَتصفنَّه!
قال: أما إذ لابد من وصفه؛ فكان -والله- بعيد المدى، شديد القُوى، يقول فصلاً، ويحكم عدلاً، يتفجَّر العلم من جوانبه، وتنطق الحكمة من نواحيه، يستوحش من الدنيا وزهرتها، ويستأنس بالليل ووحشته.
وكان والله غزير العَبرة، طويل الفكرة، يقلِّب كفَّه، ويخاطب نفسه، يعجبه من اللباس ما قصر، ومن الطعام ما خشن.
وكان فينا كأحدنا، يجيبنا إذا سألناه، وينبئنا إذا استنبأناه، ونحن، مع تقريبه إيانا، وقربه منا، لا نكاد نكلمه لهيبته، ولا نبتدئه لعظمته، يعظِّم أهل الدين، ويحب المساكين،ولا يطمع القوي في باطله، ولا ييأس الضعيف من عدله.
وأشهد لقد رأيته في بعض مواقفه، وقد أرخى الليل سدوله، وغارت نجومه، وقد مثل في محرابه، قابضاً على لحيته، يتململ تململ السليم، ويبكي بكاء الحزين، ويقول:
يا دنيا، إليك عني، غُرِّي غيري! ألي تعرَّضْتِ؟ أم إليَّ تشوقتِ؟ هيهات! هيهات! لقد باينتك ثلاثاً لا رجعة فيها؛ فعمرك قصير، وخطرك حقير، وخطبك يسير. آه من قلة الزاد وبعد السفر ووحشة الطريق.
فبكى معاوية حتى أخضلت دموعه لحيته، وقال: رحم الله أبا الحسن، فلقد كان كذلك، فكيف حزنك عليه يا ضرار؟ قال حزن من ذُبِحَ وحيدُها في حجرها.










رد مع اقتباس
قديم 2013-02-28, 18:20   رقم المشاركة : 5
معلومات العضو
**د لا ل**
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي

النص الشعري القديم والنقد الحديث
مقاربة في نقد النقد
الدكتور حسين فيلالي

لا شك أن المناهج النقدية الحديثة قد أولت اهتماما بالغا لدراسة النص الأدبي، وزودت الدارس بآليات وأدوات إجرائية تساعده – إن هو أحسن استغلالها – على اكتشاف طاقات النص الإبداعية المحجبة، وجعلت النص الأدبي يتجدد بتجدد القراءة. القراءة التي تضيء أمكنة الشك، وتوسع من دائرة أمكنة اليقين حسب تعبير "مشال أوتون".
غير أن أول ما يواجه الدارس العربي هو اختيار المنهج النقدي وتطبيقه ومدى القدرة على التحكم في آلياته ذلك أننا وجدنا بعض الدارسين يأتي بمنهج جاهز أفرزته ظروف ثقافية واجتماعية مغايرة للظروف التي أفرزت النص الأدبي العربي،يسقطه بحذافيره عليه يمطط النص متى احتاج إلى ذلك أو يقص منه أجزاء ليستقيم مع التأويل الذي يقترحه فيقتل طاقاته ويشوه جماليته بدلا من أن يحييه، و يزينه.
إن المنهجية السليمة – حسب رأينا – تفترض أن يأتي الدارس إلى النص يحاوره، يستدره، بل يشاكسه حتى إذا ما عثر على إشارات تفضح أسراره أو أمارات يهتدي بها إلى سراديبه، وخباياه راح يكيف منهجه مع معطيات النص الإبداعي العربي مراعيا خصوصياته الجمالية والدّلاليّة. إن ما يجب أن نحذر منه هو الالتزام بالمنهج التزاما صارما إلى حد الإعلاء من صوته، والتعصب له حتى ولو أدى ذلك إلى خنق النص، وكتم صوته.
على الدّارس أن يراعي طبيعة النّص العربي القديم وألا يجعل المعنى الحرفي للدوال حكما على إبداعيته.
إن عليه أن يتساءل مثلا عن التشابه والاختلاف في توظيف موضوعة الطلل. لماذا نجد زهير يفصل في عناصر الطلل (النؤي ... الأثافي) ؟ في حين نجد امريء القيس في طلليته يقوم برسم جغرافية مرابع الحبيبة، ويحولها إلى مشاهد ماثلة أمام المتلقي تحركها خيوط الذاكرة.
إن البحث عن الدلالة في النص الشعري القديم معناه اللجوء إلى التأويل الذي يعتبره كوربان " مفتاح المعنى المتواري، والخفي وراء أو تحت العبارات الظاهرة المرئية".
إن فعل التأويل يعني الإنفراد بالنص في غياب مؤلفه، ودون إذنه ذلك أن الناص عندما يضع نقطة النهاية،فإنما هو يوقع ميثاق استقلالية النص،ويصبح مجرد قارئ كباقي القراء الآخرين،( وبعبارة أخرى عندما يتم إنتاج نص ما لا لكي يقرأه قارئ بعينه بل لكي يتناوله مجموعة كبيرة من القراء،فإن المؤلف يدرك أن هذا النص لن يؤول وفق رغباته هو بل وفق إستراتيجية معقدة من التفاعلات التي تستوعب داخلها القراء بمؤهلاتهم اللسانية باعتبارها موروثا اجتماعيا) .
فالنص هنا حسب إيكو أمبرطو إذ يستقل عن كاتبه، فإنه يؤول حسب رغبة ما ليست هي بالضرورة رغبة المؤلف، لأن هناك عوامل عديدة ذاتية وثقافية تتحكم في فعل القراءة.
إن رغبة التأويل يجب أن تخضع لمنهجية واضحة تأخذ بعين الاعتبار إستراتيجية تكوين النص المدروس وإلا تحولت إلى تهويل.

إن استقلالية النص عن صاحبه يجب ألا تفهم بالمعنى الذي يعني الانفصال التام ذلك أن روح المؤلف تظل تسري في أعماله، لا تفارقها حتى ولو فارقت الروح الجسد.إن استقلالية النص هنا هو انفصال في اتصال، فالنص مهما اكتسب شخصيته المادية بعد وضع المؤلف نقطة النهاية يظل ينتسب إلى صاحبه، يحمل جيناته الوراثية،الثقافية،والاجتماعية،والنفسية الواعية،واللاواعية والتي ستظل تسري في أنسجته وإلى الأبد.
إن التأويل هو توليد لمعنى النص وفق رؤية خاصة، تنطلق من خلفية ثقافة معينة،وتتسلح بمنهج ما غير أن هذا الفعل الممتع والخطير في الآن نفسه لا بد له من مولد يصبر على حمل النص حتى يبلغ تمامه، و لا يتعجل مخاضه ووضعه و إلا تسبب في إجهاضه، أو تشويه مولوده.
إن المكان / الطلل في الشعر الجاهلي دال، والصورة الشعرية دالة والطبيعة الحيّة، والصامتة دالتان، والزمن دال، واللغة في النظم الشعري قد تكون لها خلفية ميثية يوحي ظاهرها بما لا يضمر باطنها،و لها خطاب صريح وآخر مضمر.
وهذه الدوال الكبرى تتفرع إلى دوال صغرى ( الأثافي – النؤي - ألأواري – الجبل، الغزال، الناقة، الثور، الجبل-الزمن النفسي، الاجتماعي ...) ومن ثمة قد يجر تأويل دال من هذه الدوال إلى الوقوع في غواية النص، والافتتان به والميل نحوه، وتضخيمه، وحصر كل أبعاد القصيدة فيه أو إلى النفور من النص، والتقليل من شأنه ووصفه بالشفاف الذي يمكن لأي قارئ أن يتمكن من ولوجه وكشف معانيه.
وفي كلتا الحالتين نقع فيما يمكن أن نسميه التقول على النص، والتحدث نيابة عنه، وبالتالي ننتج خطابنا الخاص ونغيب خطاب النص، ونخنق صوته فيأتي متقطعا لا يبين عن حقيقة رسالته.
إن الافتتان بالنص في جوهره اتصال، والنفور منه انفصال، وقد يتحول الافتتان إلى انفصال عن النص، والنفور إلى اتصال بالنص، ذلك أننا قد نعجب بنصّ ونفتتن به ونكتب عنه، وننطقه بما هو ليس فيه إرضاء للنص أو للناص فيكون ذلك انفصالا عن النص، أي الكتابة خارج إستراتيجيته، أو تكون الكتابة رجعا لصوتنا.
وقد ننفر من نص ما لأنه يخالف رؤيتنا ولا يستجيب لذوقنا، فنحاول الكتابة ضده فنخلق اتصالا معه – دون وعي منا – ونجد أنفسنا مرغمين على الاستماع إلى صوته فننتج خطابا قد لا يعلو فوق خطاب النص، ويعجز عن التعمية على جماليته.
إن الثقافة هي التي تفرز المنهج، وتنتج المصطلح، والمنهج إذ يترعرع داخل ثقافة ما، فإنه يتجذر فيها، ويتشرب عناصر التربة التي غرس ونما فيها.
وحتى وإن بدا لنا ظاهريا أن المنهج مجرد من رواسب هذه التربة، ومتكيف مع كل المناخات الثقافية، فإن التحليل العميق يكشف خلاف ذلك.
ولذا لا يمكن نقل المنهج من تربة غريبة، وتطبيقه على أدب نما،وترعرع في بيئة ثقافية، ووجدانية مخالفة له دون نقل بعض رواسب هذه التربة، مهما بلغنا من جهد ومهما أوتينا من علم، وصدق النية، ولذا علينا أن نعمل – إن أفلحنا – على تكييف المنهج المستورد قدر المستطاع(تبيئته)، وألا نرغم النص الشعري القديم على البوح بما هو ليس فيه، أو الاعتراف القصري بسلطة المنهج المطلقة على النص تحيزا للمنهج، وإعلاء لصوته على صوت النص، فنغرب النص عن بيئته الثقافية، ونباعد بيننا وبينه.
ونعتقد أنه من الصعب أن نعقد ائتلافا ينصف النص الأصلي، ويرضي المنهج المستورد دون الميل مرغمين إلى أحدهما.
والمحصلة حسب رأينا لا تخرج عن أمرين :
1- إما أن يتنازل المنهج عن بعض خصائصه، ويخفف من صرامته ويذعن لشروط إنتاج النص: شرط الثقافة، والبيئة، والرؤية الجمالية، لأن النص حسب رأينا يعرّف بالثقافة التي نبت فيها.
2- وإما أن يتنازل النص، ويسلم أمره لمبضع المنهج يقص منه ما يشاء، ويرغمه على البوح بما لا يشاء. وفي اعتقادنا، فإن على المنهج أن يتنازل للنص عن شيء من صرامته حتى يستفيد من خدماته، وألا يأتيه من منطلق متعال، و يخاطبه من مكان بعيد.
إن على المنهج أن يستمع إلى صوت النص، ويحسن الإنصات، لأن المنهج متحول والنص ثابت، والنص مستغن بذاته، والمنهج تابع، متعلق بالنصوص لإثبات شرعيته.
والخلاصة، أن هذا الطرح قد يبدو في ظاهره مثبطا للعزائم، وداعيا إلى التقوقع على الذات، ورافضا لكل اقتراض من الثقافات الأخرى، ومعاد لكل دخيل على الثقافة الأم، ولكن من يتأمله في جوهره يجده دعوة إلى المصالحة مع النصوص العربية النقدية والشعرية -خاصة القديمة -التي ما فتئ بعض النقاد العرب يتلذذون بجلدها، وتقزيمها وإرغامها على لبس لباسا غريبا عنها، لا يواري سوءة، ولا يحمي جسدا، فكان هذا الفعل أشبه بالطبيب الذي يداوي قرحة المعدة بالأسبرين، فلا مرضا أشفى، ولا جسما عليلا أبقى.
إن النقد في جوهره تعريف للمنكر، واكتشاف للمضمر، وإبداع على إبداع وحرف الجر هنا يدل على الارتقاء، أي الارتقاء في سلم درجات النص الفكرية،و الجمالية.
وقد يعترض معترض علينا بالقول : إن المنهج لا يقبل التجزئة فهو سلسلة من الآليات والإجراءات المتوالية التي لا يمكن التفريق بينها أو الاستغناء عن حلقة من حلقاتها، وإلا اختل ميزان المنهج.
إن هذا التوالي المزعوم قد يكون مشروعا في العلوم المجردة كالرياضيات مثلا، لأن جدول التغيرات في الدوال، له علاقة بمجال التعريف، والنهايات لها علاقة بالرسم البياني...، ويفقد هذا الزعم مبرراته في العلوم الإنسانية، لأننا يمكن أن نجمع بين عناصر أكثر من منهج واحد في الممارسات التطبيقية، فنكون بنيويين وسيميائيين في الآن نفسه أو نأخذ بمنهج تكاملي، بحيث نستفيد من آليات أكثر من منهج وهو ما يقع بالفعل حتى عندما نتعصب لمنهج واحد، لأن الحدود بين المناهج تبقى افتراضات نظرية يستحيل احترامها في واقع التطبيق.
لكن المؤسف عندنا أن تتحول تطبيقات بعض نقادنا على النصوص العربية القديمة إلى تنكير لها، وتعمية عليها، وتقبيحا لجمالياتها، وتمزيقا لنسيجها، وبهذا يحتاج المتلقي العربي في الكثير من الأحيان إلى وسيط ثان يترجم له من لغة مكتوبة بأحرف عربية، صيروها غريبة عنه إلى لغة عربية مألوفة.
وقد يحتاج المتلقي إلى نساج يرتق ما مزقه النقد من أعضاء النص حتى يتمكن من التعرف على صورته الأصلية.
وهكذا أضحت اللغة النقدية على أيدي بعض الدارسين المحدثين عاجزة حتى عن القيام بوظيفة التواصل مع القارئ العربي، و صار النقد التطبيقي عند بعض المحدثين يتكلم بلغة تستعمل حروفنا لكنها لا تنتج أساليبنا ولا تراكيبنا، لغة ميتة لا أحاسيس فيها، فغدت غريبة عنا، وغدونا في أمس الحاجة إلى من يترجم بيننا، وبين ما يكتب هؤلاء النقاد، وهم من بني جلدتنا ويتكلمون لغتنا.
على المنهج أن يحاور النص، دون استعلاء، أو وصاية، فالنص ليس قاصرا حتى يحجر عليه الكلام، لخدمة المنهج النقدي، وعلى المنهج ألا يسعى إلى تجريد النص من خصوصياته بحجة علمنته.
لا يمكن أن يتحول النص الأدبي إلى علم مجرد من الأحاسيس، أو إلى رموز صماء، أو معادلات أو متراجحات رياضية خالية من الانفعالات، و المرجعيات الأيديولوجية مهما أوهمنا أنفسنا بذلك، وصدقنا أوهام النقاد، وبذلك يصبح النص الأدبي حسب اعتقادنا خارج دائرة العلم، وخارج قوانينه الصارمة فهو يتموقع خارج التقنين الجامد. لذا، لا أحد يدعي التفرد بمعرفة كامل أسرار النص حتى وإن كان كاتبه.
إن العلامة النصية على عكس العلامة المعجمية تخضع لمجموعة من الشروط، والقواعد النّصية، والتي تجعل بعضها يتعلق ببعض كما يقول الجرجاني، ويجر بعضها بعضا، ويؤثر بعضها في بعض، ويصبح للفظة أسرة نصية جديدة تحكمها القرابة النّصية.
ففي هذا الوضع الجديد تصبح العلامة وكأنها نقلت من بيتها القاموسي إلى بيت النص لتحيا حياة جديدة دون أن تقطع الصلة الكاملة مع مناخ بيتها القديم.
إن العلامة اللغوية حين يتم نقلها من بيت القاموس إلى بيت النص تصبح لها حياة ثانية تكتسبها من وضعها في التركيب الجديدة ذلك "أن الدلالة تمر فقط عبر النصوص التي هي الموضوع الذي يتولد منه المعنى، ويولد فيه (الممارسة الدلالية).
وفي هذا النسيج النصي لا يمكن علامات القاموس من حيث هي مرادفات مقنّنة أن تطفو على السطح إلا في حالة تصلب المعنى، وموته" .
وحسب إيكو، فإن المعنى النصي يمر عبر نسيج النص، و لا يمكن أن يطلب في علامات منفردة.
والعلامة النصية بهذا المفهوم تستمد روحها من روح النص،ولهذا يحذر الدارس أن يتسبب في إعلال النص كما يقول إيكو أمبرطو (تصلبه)، أو موته، وذلك بمحاولته عزل المفردة عن نسيج النص وتأويلها خارج السياق النصي.
إن مهمة دارس النص الإبداعي الأدبي هي- في الأصل- السعي إلى تحقيق شيئا من حياة النص، وبعثه ليحيا في زمن ليس هو بالضرورة زمن إنتاجه.
غير أن محاولة بعث النص فعل ممتع، وخطير، ممتع لأن النص إذا ما أحسنا محاورته فتح أمامنا عوالمه الثقافية، والحضارية، والجمالية. عوالم كانت مجهولة لدينا ، أو صورتها كانت تأتينا مشوشة بفعل بعد الزمن، أو بفعل بعض القراءات المتسرعة التي ترى النص الشعري الجاهلي –خاصة- على أنه نص شفاف ترى معانيه – حتى لقصار النظر- من مكان بعيد وهذا مكمن الخطر.
ولعل مثال القراءة المتسرعة، المبتسرة التي تقطع أوصال النص، وتتسبب في إعلاله، بل موته، وتتقول عليه، وتقرر النتائج قبل ولوج النص ما نجده في دراسة الدكتور أنور أبو سويلم المعنونة: قراءة جديدة في معلقة عنترة ابن شداد.
يقول أبوسويلم معلقا على مطلع معلقة عنترة وفي مطلع المعلقة إشارة واضحة تأتي من الأعماق المظلمة في نفسية عنترة تكشف عن إحساس مبهم قابع في نفس تحس الذل والمهانة من الهجنة والعجمة:
هل غادر الشعراء من متردم
أم هل عرفت الدار بعد توهم
أعياك رسم الدار لم يتكلم
حتى تكلم كالأصم الأعجم

ولقد حبست بها طويلا ناقتي
أشكو إلى سفع رواكد جثم)
وقد بحثت في مطلع المعلقة عن الإشارة الواضحة الدالة على الأوصاف التي ألصقها أبوسويلم بعنترة فلم أجد إلا سوء فهم للنص، وتأويلا يحمل النص ما لم يحتمل، و يفرض على النص خطابا غريبا عنه.
ويتابع أبو سويلم قوله( ...لذلك كان رسم الدار صامتا لا يستجيب لهذا الحب لأن العاشق غريب أعجمي...) .
ولا ندري لماذا تجاهل أبو سويلم كلام رسم الدار، والضمير العائد عليه في شطر البيت الثاني (حتى تكلم كالأصم الأعجم).؟
إن رسم الدار لم يبق صامتا كما اعتقد أبو سويلم،وإنما تكلم بلغته الخاصة لغة الأصم، الأعجم•، ( فالأجسام الخرس الصامتة ناطقة من جهة الدلالة ومعربة من جهة صحة الشهادة على أن الذي فيها من التدبير والحكمة مخبر لمن استخبره وناطق لمن استنطقه...).
وينتقل أبو سويلم من تحريف معاني النص إلى التقول عليه، وتمزيق نسيجه وذلك بعزل الألفاظ عن سياقاتها، وإعطائها دلالات مستجلبة من القواميس: <أن المشكلة التي بدأت من الرق والعبودية تتبلور في اختلاف الطبقة الاجتماعية بين العبيد والفقراء والأسياد و الأغنياء دار عبلة" بالجواء" وهذه إشارة إلى الخصب والغنى لأن" الجواء المنخفض من الأرض وبطن الوادي" وهذه المفارقة بين غنى عبلة وفقر عنترة نلحظها في البيت التالي:
وتحل عبلة بالجواء وأهلنا
بالحزن فالصمان فالمتثلم
ونتعجب من هذا الاستنتاج، إذ لا ندري أين تتجلى المفارقة في البيت المستشهد به على غنى عبلة وفقر عنترة؟
وهل يكفي في" القراءة الجديدة" ورود لفظة الجواء في البيت حتى يبني عليها الدارس كل هذه الأحكام، ويحملها كل هذه الدلالات دون مراعاة للجو العام للقصيدة؟
ألا يمكن أن يكون هذا الوادي جافا خاصة ونحن نعرف طبيعة أودية الصحراء؟
إن من يعود إلى شرح القدماء للمعلقات يجدهم أدق منهجية من أبي سويلم فهم لا يعزلون هذه اللفظة عن السياق الذي وردت فيه، ولم يحرفوا معناها النصي كما فعل أبو سويلم، فقد ذهب الزوزني في شرحه للمعلقات السبع إلى أن <الجو: الوادي، والجمع الجواء، والجواء في البيت موضع بعينه).
ولم يخرج الخطيب التبريزي في شرحه للمعلقات العشر عن هذه المعنى فالجو عنده ( بلد يسميه أهل نجد جواء عدنة، والجواء أيضا جمع جو وهو البطن من الأرض الواسع في انخفاض)
وقال أبو جعفر النحاس في شرحه للمعلقات: ( الجواء: بنجد والحزن لبني يربوع والصمان لبني تميم).
والجواء عند الأعلم الشنتمري هو موضع بعينه أو هو جمع جو، وهو المطمئن من الأرض المتسع.
وقد وجدنا فوزي عطوي- وهو من المحدثين - لا يخالف مذهب القدماء "فالجو عنده بفتح الجيم أو بكسرها: جمع الجو أي الوادي،وهنا بمعنى اسم مكان معين".
إن الجو العام للقصيدة لا يبرر النحو الذي نحاه أبو سويلم في قراءته "الجديدة "ذلك أن القصيدة –وخاصة البيت المستشهد به - لا يهدف إلى تجسيد الفارق الطبقي بين العبيد، والشرفاء كما حاول أبو سويلم أن ينطقه به قسرا وإنما أراد الشاعر- حسب فهمنا - أن يعبر عن نأي الحبيبة، وبعد مضاربها، ولعل في سياقات الأبيات التالية ما يدعم رأينا :

1"- وتحل عبلة بالجواء وأهلنا
بالحزن فالصمان فالمتثلم
2- شطت مزار العاشقين فأصبحت
عسرا علي طلابك ابنة مخرم
3-كيف المزار وقد تربع أهلها
بعنيزتين وأهلنا بالغيلم"
ويتابع أبو سويلم تعليقه على البيت رقم واحد: (من الضلال الأعمى تفسير هذا البيت وفق المفاهيم الجغرافية، لاستحالة أن يحل أهل عنترة في أماكن جغرافية متباعدة على نحو ما في البيت) .
وما فات أبو سويلم هو أن ما فعله الشاعر في البيت لم يعد كونه عدد مضارب أهل الحبيبة وهو فعل شائع في الشعر الجاهلي•، و لا ندري كيف لم ينتبه الدارس إلى حرف الباء،والفاء، فالباء تفيد الحلول بالمكان (بالحزن) غير أن الفاء تفيد التعاقب (فالصمان،فالمتثلم).
ويبلغ التقول على النص ذروته حين يتابع أبو سويلم تعليقه (..وتعميم الجغرافيا على الأدب يؤدي إلى التبسيط الساذج لأن اختيار الأماكن له ارتباط وثيق بالفكرة التي انتهى إليها في البيت السابق وهي المفارقة بين الأسياد، و الأغنياء، والعبيد، والفقراء فأهل عبلة أثرياء مخصبون و أهله فقراء مجدبون،أهل عبلة لهم نعم، وشاء، وفيهم ثراء، و أهله لا يملكون شيئا فهم يقطنون أماكن صخرية،جرداء ولفظ الجواء يوحي بالسعة والرحابة و ألفاظ الحزن والصمان والمتثلم تفيد القسوة والسغب والشظف. واستخدام التضاد الجغرافي هنا مشحون بإحساس عميق بالفارق الطبقي بين العرب الصرحاء والعبيد الهجناء....)
إن قراءة أبو سويلم تجعلنا نتساءل عن التضاد الجغرافي المزعوم الذي انتهى إليه البيت المذكور؟ وعن القرائن النصية التي تبين المفارقة المزعومة في البيت بين الأسياد، والأغنياء، والعبيد، والفقراء، وبين أهل عبلة الأثرياء،المخصبون، و أهل عنترة الفقراء، المجدبون،وبين أهل عبلة الذين لهم نعم، وشاء، وفيهم ثراء، وأهل عنترة الذين لا يملكون شيئا.؟
إن ما قام به أبو سويلم هنا يمكن أن نسميه بالقراءة الخارجة عن النص المتحدثة -من دون تفويض- نيابة عنه، المنطقة له بما تريد، المتغاضية عن سياق النص.
ويبلغ هوس البحث عن الصراع الطبقي بالدارس إلى حد الإساءة إلى النص والتقول عليه وذلك حين يشرع في التعليق على بعض الأبيات• (وقد نلحظ السخط من ذالك النظام الاجتماعي المثقوب في الكنية"ابنة مخرم" وقد نحس تهكما أليما من ثقوب المجتمع وعيوبه،والذي يساوي بين المرأة"الخرماء التي تثقب أذنيها لتزينها بالشنف" وبين أبناء القبيلة من الإماء"المخرومي الشفاه، والأذان والأنوف" رمزا للعبودية والرق.ويشير في البيت الأخير إلى صعوبة التقارب بين مستويين مختلفين متناقضين :أهلها في ربيع وخصب وغنى وأهله في جدب وقحل ومحل،أهلها سادة شيوخ وأهله أرقاء مستعبدون، أهلها بعنيزتين في ربوة عالية وأهله بالغيلم في ظلمات بئر سحيقة...)
ونعجب لهذا التناقض الذي سقط فيه الباحث ذلك أن عبارة " ابنة مخرم"في البيت التي بنى عليها الدارس كل تعليلاته هي كنية، أوصفة لوالد عبلة مما يجوز لنا - حسب منطق الباحث – أن ندخل والد عبلة في زمرة العبيد المخرومي الشفاه، وننفي عنه صفة السيد،الشريف الذي سبق للباحث أن وصفه بها .
ولعل التناقض الصريح، وسوء الفهم الواضح يتجلى في تأويل الباحث لدلالات الأبيات التالية:

إن كنت أزمعت الفراق فإنما
زمت ركابكم بليل مظلم
ما راعني إلا حمولة أهلها
وسط الديار تسف حب الخمخم
فيها اثنتان و أربعون حلوبة
سودا كخافية الغراب الأسحم

فهو يذهب إلى أن (الذين يرحلون ليلا لا يكونون إلا خائفين أو مهزومين والإبل تسف حب الخمخم لأن القوم مذعورون فزعون يحثون الإبل على السرعة فتلتقط الأوراق اليابسة سفا.)
ولعل وجه التناقض وسوء الفهم يكمن في:
- أن الباحث قد سبق له و أن وصف أهل عبلة بأنهم أسياد شرفاء، أغنياء، ومن كان هذا هو حالهم لا نخالهم يرحلون كما زعم الدارس ليلا خائفين مهزومين مذعورين.
ثم أن من أخبر الصحراء يعلم أن البدو يرحلون ليلا أو على الأقل في الصباح الباكر لأن طبيعة الصحراء الحارة ترغمهم على ذلك.
- أن الباحث لم يفهم الأبيات فحرف معناها ذلك أن الشاعر يصور في الأبيات المذكورة لحظة التأهب للرحيل وليس كما فهم هو –خطأ - من أن القوم كانوا خائفين، فزعين يحثون الإبل على المسير وهي تلتقط حب الخمخم.

ودليلنا على ذلك هو أن لفظة وسط الواردة في البيت:
ما راعني إلا حمولة أهلها
وسط الديار تسف حب الخمخم.
فالإبل ما تزال وسط الديار تسف حب الخمخم وهي إشارة إلى قرب الرحيل وهو ما ذهب إليه الزوزني حين علق على البيت بقوله: ( ما أفزعني إلا استفاف إبلها حب الخمخم وسط الديار أي ما أنذرني بارتحالها إلا انقضاء مدة الانتجاع والكلإ فإذا انقضت مدة الانتجاع علمت أنها ترحل إلى دار حييها)
ولعل إخضاع النص الشعري لفرضيات مسبقة خارجة عن سياقه ومحاولة البحث لها عن تبريرات في النص هي التي أدت بالباحث إلى التعسف في تأويل الأبيات التالية:
إذ تستبيك بأصلتي ناعم
عذب مقبله لذيذ المطعم
وكأنما نظرت بعيني شادن
رشإ من الغزلان ليس بتوأم
وكأن فارة تاجر بقسيمة
سبقت عوارضها إليك من الفم
أو روضة أنفا تضمن نبتها
غيث قليل الدمن ليس بمعلم
جادت عليه كل بكر حرة
فتركن كل حديقة كالدرهم
سحا وتسكابا فكل عشية
يجري عليها الماء لم يتصرم
فترى الذباب بها يغني وحده
هزجا كفعل الشارب المترنم
غردا يسن ذراعه بذراعه
فعل المكب على الزناد الأجذم.)
نقرأ في تعليق أبو سويلم على هذه الأبيات ما يلي: " لا تستطيع وأنت تقرأ وصف الروضة أن تلغي من ذهنك صورة عبلة المرأة الحرة الصريحة النسب التي تبحث عن السيادة والشرف وقد أرادها الشاعر أنفا لم يطأها رجل، ولم تخطر على قلب بشر، غمرها المطر الجود فاكسبها طهرا ونقاء وصفاء...وفي نعت السحابة ب"بكر"، و"حرة" رغبة مكينة في أن تكون عذراء طاهرة ولكن المشكلة تكمن في "الدرهم" والثروة والغنى الذي تسعى له المرأة ومن أين للعبيد في المجتمع الجاهلي المال والذهب؟ المال القليل لا يرضيها، لأنها تريده "سحا وتسكابا" لا حدود لهن ولا تجده إلا عند العربي الصريح الشريف النسب،الواسع الثروة لذلك لم يمتلكها إلا الغني الذي تفرد بها فرحا طربا نشوانا بوحدته وانفراده على الرغم من نقائصه الخلقية وعدم مروءته وخبث سجاياه وإلحاحه الكريه فهو بمثابة الذباب في البحث عن المتع وعدم العفة وهو المكب على الزناد الأجذم يشعل النار في الحطب أو هو الذي يسعى لإشعال الحرب أو على اقل تقدير في قلب الشاعر الملتهب وجعله أجذم رمزا لعجزه وخرقه.)

إننا فعلا أمام مشكلة أساسها إسقاطات لا يبررها السياق النصي و لا تتحملها الصور الشعرية، وليست المشكلة( في "الدرهم" والثروة والغنى الذي تسعى له المرأة ومن أين للعبيد في المجتمع الجاهلي المال والذهب؟ المال القليل لا يرضيها، لأنها تريده "سحا وتسكابا" لا حدود لهن ولا تجده إلا عند العربي الصريح الشريف النسب،الواسع الثروة لذلك لم يمتلكها إلا الغني الذي تفرد بها فرحا طربا نشوانا بوحدته وانفراده..).
إن المنهجية السليمة تدعونا ألا نطلق الأحكام دون قرائن نصية، وإلا أصبح فعلنا تقولا على الناص. إن قراءة النص ليست هي مجرد وصف له، وإنما هي كشف للمنكر من النص ولذلك لا بد لنا أن نستند على قرائن نصية تجعل فعلنا يأخذ شرعية القراءة الممنهجة.
إن الممنهجة السليمة تفترض على الدارس أن يقف عند حدود النص الدلالية وإلا أصبح فعله إخلالا بالميثاق المعنوي الموجود بين القراء والنص. إن ميثاق القراءة يفرض على القاري أن يحاور النص وأن يحصر فعله ضمن احتمالات دلالات النص الممكنة وإلا أصبح ما يقوم به اعتداء على النص ومساسا بحرمته.
ولكن كيف نضبط حدود النص الدلالية؟
ومن هو المؤهل للقيام بهذه العملية؟
إننا ندرك صعوبة الإجابة عن هذين السؤالين، ذلك أن لا أحدا يدعي التفرد بمعرفة رسم حدود ثابتة لدلالة العمل الأدبي حتى وإن كان كاتبه، لأن النص دائم الحركة، وحركته دليل حياته.
تحرك القراءة النص، وتنتقل به- في بعض الأحيان مرغما - من اتجاه إلى آخر قد لا يكون دائما وجهته السليمة، ولكن ما يمكن أن نحدده هو أن هذا الاتجاه، أو ذاك هو من الاتجاهات المنحرفة عن النص المحرفة لدلالته.
ولعل تحريف وجهة النص هي العبارة التي يمكن أن نصف بها عمل أبا سويلم .
إن التحكم في آليات المنهج النقدي تبقى من ألأمور المساعدة لدارس النص ما لم يتعصب للمنهج وينساق وراءه فيتسبب في خلق علاقة تنافر بين النص والمنهج.
إن الجمع بين المنهج والنص يدفعنا:
1 - إما أن نجعل النص يتكلم والمنهج يصغي لصوت النص فننتج خطاب النص وقليلا من خطاب المنهج،و إما أن نجعل المنهج متكلما والنص مستمعا فننتج خطاب المنهج وقليلا من خطاب النص كما هو الحال في دراسة أبو سويلم فلقد بحثنا عن احتمال معنى ما ذهب إليه الدارس في الأبيات المذكورة فلم نجد قرينة نصية واحدة تبرر ما ذهب إليه الباحث من أن عبلة تبحث عن المال والثروة، والغنى وتريده سحا وتسكابا بل وجدنا لفظ الدرهم الذي بنى عليه الباحث تعليلاته قد عزل من سياقه وافرد كما لو هو لفظ منبت الصلة مع ما يسبقه من الألفاظ في الجملة وما يتبعه.
إن اللفظ يتحرك هنا وفق أسلوب يقيده الاستعمال الخاص فهو في البيت يبقى صفة للحديقة ولا يفهم إلا في هذا الإطار:
جادت عليه كل بكر حرة
فتركن كل حديقة كالدرهم
فالزوزني، وغيره يذهب إلى أن معنى البيت هو أنه (مطرت على هذه الروضة كل سحابة سابقة المطر لا برد معها أو كل مطر يدوم أياما ويكثر ماؤه حتى تركت كل حفرة كالدرهم لاستداراتها بالماء وبياض مائها وصفائه. ..أصابها المطر صبا وسكبا فكل عشية يجري عليها ماء السحاب ولم ينقطع...)
2 - وإما أن نجعل النص يتحاور مع المنهج فيتقبل النص من المنهج ما يقع في حدود دلالته ويتم بذلك إنتاج حوار النص والمنهج.
إن أبا سويلم في دراسته الجديدة هذه لم يحترم الحدود الدلالية للنص وأظهر تحيزا سافرا للمنهج فأنتج خطاب المنهج، وغيب خطاب النص.إن ما يمكن لنا أن نستنتجه من هذه القراءة هو رغبة الدارس في توظيف المنهج الاجتماعي -وهو من حقه- لكن ما هو ليس من حقه أن يتكلم نيابة عن النص فلا يحسن الكلام فيصور عبلة مرة على أنها تلك المرأة التي تبحث عن الثروة والمال بل تريد المال كما يقول أبو سويلم سحا وتسكابا ومرة على أن لها ذيلا تشيل به كالناقة، وأنها ماسو كية تتلذذ بتعذيب الآخر وذلك حين يشرح الأبيات التالية:
هل تبلغني دارها شدنية
لعنت بمحروم الشراب مصرم
خطارة غب السرى زيافة
تقص الإكام بكل خف ميثم
وكأنما تقص الإكام عشية
بقريب بين المنسمين مصلم
يأوي إلى حزق النعام كما أوت
حزق يمانية لعجم طمطم
يتبعن قلة رأسه وكأنه
زوج على حرج لهن مخيم
صعل يعود بذي العشيرة بيضه
كالعبد ذي الفرو الطويل الأصلم
شربت بماء الدحرضين فأصبحت
زوراء تنفر عن حياض الديلم)
"فعبلة تشعر بالكبرياء والعجرفية فهي لذلك (خطارة وزيافة) تبحث عن الغنى والجاه لا تلتفت وراءها تندفع اندفاعا أعمى نحو المجد والذكر، لا تبالي الآلام، تستعذب الجرح في سبيل هواها وغرائزها وتقاليد مجتمعها....).
إن المتلقي لقراءة أبي سويلم" الجديدة " يجد نفسه أمام نصين متوازيين نص القاري أبو سويلم، ونص الشاعر عنترة.
إن مثل هذه القراءة المتعسفة لا تسهم في إحياء النص المدروس ولا تضمن له الاستمرار في الزمن بل توقف حياته وتحوله إلى جثة.
إن النص الجثة هو نتيجة القراءة المتسرعة غير الواعية بالمسؤولية، القراءة التي لا تحترم شروط إنتاج وحركيه النص، فتحول النص إلى أنقاض متوهمة أنها تعيد بناءه وهي لا تدري أنها تمارس اغتياله.
إن اغتيال النص معناه إجباره على أخذ الوجهة التي لا يحتملها، وتقويض أساسه فيتحول من نص ينبض بالحياة التي أودعها فيه كاتبه إلى جثة نصية.






هوامش الدراسة:


- 1 -لقد فصلنا في هذه المسالة في كتابنا-السمة والنص السردي- مقاربة سيميائية في شفرة اللغة-سلسلة بصمات4- منشورات رابطة أهل القلم-سطيف
-2 - محمد شوقي الزين –تأويلات وتفكيكات – فصول في الفكر الغربي المعاصر- المركز الثقافي العربي الدار البيضاء المغرب-ط1 /2002 / ص 27
3 - إيكو أمبرطو-التأويل بين السيميائية والتفكيكية- ترجمة سعيد بنكراد- المركز الثقافي الدار البيضاء-ط1/2000/ص:85/86

4 - إيكو أمبرتو، السيميائيات وفلسفة اللغة- ترجمة أحمد الصمعي-مركز دراسات الوحدة العربية-بيروت-ط1/2005/ص:66 ،
- - 4م،س، ن، ص,
-5- أنور أبوسويلم –دراسات في الشعر الجاهلي –دار الجيل – بيروت ط1 - 1987 ص 13
-6- م، ن ، ن ، ص .
• الأصم الأعجم: الأطرش الأخرس – المتردم: ما يصلح، على ما فيه من الوهن.والمعنى:هل ترك الشعراء قبلي شيئا يقال الشعر فيه،دون أن يقولوه؟ رسم الدار:ماتبقى من آثاره. الرواكد: الأثافي ،شرح المعلقات العشر-تحقيق فوزي عطوي –الشركة اللبنانية للكتاب – بيروت – ب.ط. 1969
- 7-أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ –كتاب الحيوان،ص :34
- - 9 أنور أبو سويلم م، س،ص: 14
10- - - عبد الله الحسن بن أحمد الزوزني –شرح المعلقات السبع –تحقيق محمد الفاضلي –المكتبة العصرية بيروت –ط. 1/ 1998 ,وفي شرح الخطيب التبريزي حل:يحل فهو حال إدا نزل.وحل يحل إدا وجب فهو حال,وحل من إحرامه يحل فهو حلال،ولا يقال حال,والصوان و"الصمان": موضع.ويقال جبل, والصمان والصوان في الأصل: الحجارة,والصوان يستعمل لحجارة النار خاصة,وكانت العرب تدبح بها.
- 11 - الخطيب التبريزي - شرح المعلقات العشر –تحقيق فخر الدين قباوة – دار الفكر- دمشق سوريا –ط,1/1997
- -12م، ن، ص: 211
13- - الأعلم الشنتمري، يوسف بن سليمان بن عيسى-أشعار الشعراء الستة الجاهليين- ج1 -دار الفكر بيروت – لبنان- ب,ط/1990 ,
-14شرح المعلقات العشر،تحقيق فوزي عطوي ، م ، س ، ص: 137
-15 أنور أبو سويلم – م ، س ص: 14/15
- 16 م، ن، ص: 15
• ينظر على سبيل المثال مطلعي معلقتي امريء القيس وعبيد ابن الأبرص .
-17أنور أبوسويلم ، م، س -ن ،ص.
• الأبيات المقصودة هي:
شطت مزار العاشقين فأصبحت
عسرا علي طلابك ابنة مخرم
علقتها عرضا واقتل قومها
زعما ورب البيت ليس بمزعم
ولقد نزلت فلا تظني غيره
مني بمنزلة المحب المكرم
كيف المزار وقد تربع أهلها
بعنيزتين وأهلنا بالغيلم
- -18 أنور أبو سويلم، م ، س، ص 16
-19وفي شرح الخطيب التبريزي ،م،س،شرح معلقة عنترة: يقال :أزمعت،وأجمعت،فأنا مزمع.والركاب لا يستعمل إلا في الإبل خاصة, والركب : الجماعة الدين يركبون الإبل, وقوله: زمت ركابكم أي شدت بالأزمة. راعني الشيء إدا أفزعني, والحمولة :الإبل التي يحمل عليها. وسط ظرف, وإذا لم يكن ظرفا حركت السين فقلت وسط الدار واسع، وتسف:تأكل, الخمخم:بقلة لها حب أسود إدا أكلته الغنم قلت ألبانها وتغيرت. ويروى :خلية في موضع حلوبة،والخلية: أن يعطف على الحوار ثلاث من النوق ثم يتخلى الراعي بواحدة منهن ، فتلك الخلية. والحلوبة:المحلوبة.الخوافي: أواخر ريش الجناح مما يلي الظهر. الأسحم :الأسود.
20 - - أنور أبو سويلم م، س، ص 17
- -21-الزوزني م،س، ص :200
22أنو أبوسويلم م، س، ص 17/18.وفي رواية الخطيب التبريزي،م،س:إذ تستبيك بذي غروب واضح. وتستبيك:تذهب بعقلك.وقولهم :سباه الله،أي:غربه الله.وغرب كل شيء:حده. وأراد بثغر دي غروب.وغروب السنان :حدها. والواضح:الأبيض.ويريد بالعذب:أن رائحته طيبة،فقد عذب،لدلك.ويريد بالمطعم:المقبل.وكأن فارة مسك.والتاجر هنا:العطار. وفارة المسك:وعاؤه.وقال الأصمعي :العوارض:منابت الأضراس.واحدها عارض.الروضة:المكان المطمئن، يجتمع إليه الماء،فيكثر نبته.ولا يقال في الشجر:روضة.الروضة في النبت والحديقة في الشجر.والأنف: التام من كل شيء.وقيل هو أول كل شيء،ومنه استأنفت الأمر.والغيث:المطر.والمعلم والعلم والعلامة واحد.
23 م، س ، ص 19
24 م، ن ،ن،ص
-25للمزيد ينظر الزوزني – المرجع السابق. ص 2002/ وما بعدها – وكذا التبريزي، ص:159- والأعلم الشنتمرى، ص:465
-26- أنور أبو سويلم ،م، س.
-27خطر البعير بذنبه يخطر خطرا و خطرانا إذا شال به. – شرح الزوزني،م،س، ص :204
- 28 أنور أبوسويلم، م،س، ص 22










رد مع اقتباس
قديم 2013-02-28, 21:05   رقم المشاركة : 6
معلومات العضو
**د لا ل**
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي

''إشكالية الغمـوض في الشعرالجزائري المعاصر''



بقلم: سعيد شيبان


لقد أولع شعراؤنا بالغموض، إذ كانوا يرون في الإبهام جمالا لا يتحقق في
الوضوح والظهور، وكان بول فرلين (Paul Verlaine) أحد رواد الرمزية يقول: ((
المعاني الخفية كالعينين الجميلتين تلمعان من وراء النقاب ))(1) .
وللرموز والأساطير التي أولع بها شعراؤنا مند السبعينات دخل كبير في غموض
القصائد الشعرية، الشيء الذي طرح إشكال التوصيل وصعوبته أحيانا، نتيجة ما
وراء هذا الغموض من فلسفة فنية وحياتية يشوبها الاغتراب والتعالي عن الواقع.



فالغموض في الفن ليس معضلة تأويلية جديدة، إذ أن طبيعة أي عمل فني يفترض
على من يتعامل معه أن يجد معاني متعددة ومتضاربة، وقديما أشار القاضي
الجرجاني إلى أن الغموض خاصية في التعبير الشعري (( وليس في الأرض بيت من
أبيات المعاني لقديم أو محدث إلا ومعناه غامض ومستتر، ولولا ذلك لم تكن إلا
كغيرها من الشعر، ولم تفرد فيها الكتب المصنفة، وتشغل باستخراجهما الأفكار
الفارغة )) (2) . أما حازم القرطاجني فهو يركز في تعريفه للشعر على عنصر
الغرابة قائلا: (( فإن الاستغراب والتعجب حركة للنفس إذا اقترنت بحركتها
الخيالية قوي انفعالها وتأثرها... فأفضل الشعر ما حسنت محاكاة هيئته
...وقامت غرابته ))(3) .

فمن حق الشاعر إذن أن يحلق في سماء المعاني الخفية ما شاء تلافيا للوقوع في
أسر الابتذال والتقريرية فالشعر يتطلب الرؤيا، والشعر نافذة تطل على
المطلق، وحالة لا يمكن إخضاعها للنظر البارد.

فالغموض– إذن– يلازم اللغة الشعرية الخيالية القائمة على المجاز والمفارقة
للغة العقل والمنطق والسهولة، فهو أنسب المسالك للتعبير عن الأغوار الذاتية
للنفس، لأن جوهر الشعر الذي يعبر عن عمق التجربة لا يبدو لنا على نحو واضح
ومحدد المعالم.

ويرى محمد بنيس أن ظاهرة الغموض مشروعة في الشعر الحديث كونها ناتجة عن
((انفجار النص وخروجه عن القوانين المقيدة للغة اليومية))(4) . ومنه فإن
لغة الشعر الفنية، يجب أن تختلف عن لغة التواصل العادية القائمة على المنطق
والوضوح، فالغموض عند بنيس ناتج عن انتقال نوعي من قوانين اللغة المعجمية
المتداولة والاستهلاكية إلى قوانين اللغة الشعرية التي تنحو نحو الحداثة
وما تقتضيه من شروط معقدة.

ونفس المنحي أكده إيليـا حـاوي الذي صرح أن التجربة الشعريـة تحمل قابليـة
الإبداع مادامت في حالتهـا الغامضـة (( أما إذا تحولـت إلـى أفكـار تفهم
ومعانـي تتضح، فإنها تكون قد نزحت عن الحالة الشعرية وسقطت إلى الحالة
النثرية))(5) .

فالغموض إذن صفة مشروعة من صفات الحداثة حين يصدر من أعماق التجربة التي
تحافظ على عمق الرؤية الفنية، وترفض السقوط في براثن النثرية والاستدلال
الذي يحول الخطاب الشعري إلى الكلام العادي أو النثر الذي قوامه العقل
والمنطق والوضوح.

ومن النقاد من يفرقون بين الغموض الفني المنشود وبين الإبهام والإلغاز
المرفوض من الناحية الفنية، فهذا أدونيس يصرح بأن (( الشعر نقيض الوضوح
الذي يجعل القصيدة سطحا بلا عمق، الشعر كذلك نقيض الإبهام الذي يجعل من
القصيدة كهفا مغلقا ))(6) . وفي موضع آخر يرفض أدونيس الحديث عن فكرة
الغموض والوضوح إذ ليس لهما على حد تعبيره قيمة فنية فيقول: (( وفي مجال
الشعر يتعلق الأمر أولا وأخيرا بدرجة الشعرية، لا بدرجة الوضوح والغموض في
ذاتهما ولذاتهما، والفرق بين مستويات التعبير إذن هو الفرق في اتساع الرؤيا
وعمق التعبير، وعلى هذا الأساس ينبغي دراسة الشعر ))(7) .

وقد يتجلى الغموض وتتضح صعوبته حين يكون موجودا في النص بصفة غير موضوعية،
فتزداد درجة الإبهام والإلغاز في ذهن المتلقي الذي يجد نفسه حائرا أمام حشد
من الرموز والأساطير.

وتصادفنا هذه الظاهرة لدى بعض الشعراء الشباب في الجزائر، فقد نتساءل عن
ماهية الرمز الأسطوري في هذا المقطع للشاعر مولود خيزر:

وفي "غازوز" "نواس"
رأى طفلة وهران
تلاشى في الصور
أذن المغرب... من وقت قريب
صاحت الحامل
"في بطني حجر"،
كان "سيزيف" على مرمى حجر،
يشغل الناس،
يسوي آخر الصيف (8)


فرمز "سيزيف" في هذا المقطع لم يحقق غايته الفنية، طالما لم تكن الحاجة
إليه نابعة من داخل البنية الشعرية ذاتها، وفي هذه الحالة يبلغ التعقيد
والغموض ذروتهما لأن الشاعر لم يقصد إلى الرمز قصد تفجير طاقته الشعرية
وإنما حبا في الظهور أمام القارئ بمظهر المثقف العارف بكل شيء، وهذا ما
أكده الباحث محمد حسين الأعرجي حين قال: (( ولا أكاد أشك في أن طائفة من
الشعراء ينحون هذا النحو، وآية ذلك أنك تقرأ قصائدهم ولا تجد للرمز الذي
استعمله من صدى في القصيدة))(9) .

فحين لا يتمثل الشعراء رموزهم من عمق التجربة الشعرية، تتحول قصائدهم إلى
مجرد طلاسم تحول دون تحقيق التواصل بينهم وبين القراء.

ومن المؤكد أن إعراض شرائح هائلة من الجمهور عندنا عن الاهتمام بالشعر،
مرده في الكثير من الأحيان إلى مشكلة التوصيل، خاصة أن الغموض أصبح المبتغى
الأسمى لدى الكثير من شعرائنا الشباب، فنراهم يندفعون نحو الإفراط في
الضبابية والتعقيد الذي لا يخدم العملية الشعرية بقدر ما يسئ إليها. والسبب
في رأينا أن الذاكرة الجماعية عندنا ظلت متمسكة ببنيات القصيدة التراثية
شكلا ومضمونا، ماعدا أهل الاختصاص الذين تمرسوا على القراءة ومسايرة المسار
الحداثي الذي شقته القصيدة الجزائرية لنفسها منذ أمد بعيد. فحين نقرأ قصيدة
"حوارية الرجل الميت" للشاعر نجيب حماش، نلاحظ أن طابع الغموض الذي يكسي
القصيدة، يحول دون النفوذ إلى ضلالها وفهمها عند المتلقي. يقول نجيب حماش :

يتعفر بالورد والفلسفات
الحصى وقته انزياح المعاني
غامضا أبدا في فيوضات أنساقه
لايحد ولا ينتهي،
لاتفاجئه الأزمنة
لا يقال له أنت أو هو
(ياملك المفردات)
ويقال له ما يشاء
الندى وقته والنساء (10)

إن الشاعر في هذا المقطع يعبر عن مواقف يصعب فهمها حتى على القارئ المتمرس

في قراءة الشعر، والمستوعب لأوهاج الحداثة الشعرية، فإضافة إلى الغموض
الدلالي الذي يشوب كلمات النص، فهناك غموض آخر ناشئ من غموض مرجعية الضمائر
الواردة في النص، الشيء الذي أضفى عليه غلالة من الإبهام حالت دون إيصال
الرؤية. فإذا كانت ظاهرة التجريب حقا مشروعا لكل نصّ شعري يريد أن يحقق
فرادته، ويؤكد أصالته ضمن منطق الاختلاف على حدّ تعبير الباحث أحمد يوسف ((
فلا ينبغي أن يتحول إلى حذلقة تنطلق من الفراغ، وتبني صرحا هشا يذهب في مهب
الريح وتلبس الغموض الذي يتجاوز الإيحاء إلى الألغاز دون معرفة أبسط
أبجديات لغة الشعر ))(11) .

وكثيرا ما يفك الغموض بقدرة المتلقي على فهم دلالات الرموز من خلال القراءة
الواعية والاستكشافية، فحداثة النص تفترض حداثة في التلقي، ومن ثمة فإن
درجات الغموض ترتبط إلى حد كبير بذاتية المتلقي. فقد يبدو نص ما غامضا، بل
مبهما بالنسبة إلى متلق ذي وعي تقليدي، وقد يبدو غير ذلك عند متلق ذي وعي
حداثي. تقول يمنى العيد : (( وهذا التواصل قد يكون أحيانا ممكنا وسهلا، لا
بحكم بساطة النظام الترميزي، ووضوح المرسلة فيه، ونمط التعبير الحي، بل
بحكم التكرار والألفة لهذا النظام الترميزي ونمطه التعبيري بحيث أن القارئ
يعتاد مثل هذا النمط من التركيب ))(12) .

فإشكالية الغموض إذن لا تتعلق فحسب بما يريد الشاعر بثه من خلال الرمز،
وإنما تتوقف كذلك - على حساسيته وثقافته بوجه عام. يقول الشاعر أزراج عمر :

إن تفهموني، تبصروا دمنا جسورا
إن الغموض حديقتي
والسطح كرمتهم جميعا
شيء يمضي هكذا ...
فكوا الرموز تروا وضوحي صارخا .(13)


إن جمالية تلقي الأثر الأدبي تكمن في تعدد تأويلاته، وفي قلق البحث عن
معانيه اللامتناهية الدلالات، فقارئ القصيدة الحداثية لا يقتصر على التلقي
السلبي لها، وإنما ينعم بألوانها، ويعيش في الجو الحالم الذي خلقه الشاعر
وهو في ذلك يواكب معنى غامضا، يحاول أن يجلوه فيمنحه تفسيرا ويضفي عليه ظلا
تجريديا جديدا .

فالغموض الفني المنشود إذن هو الذي يشوبه هاجس البحث عن الطريف والجديد
والرؤية، وهذا أمر طبيعي لدى كل فنان، ولا يمكن لهذا النوع من الغموض أن
ينال من شاعرية الشعراء، وقديما اتهم أبو تمام بالغموض كونه يقول مالا يفهم
من الشعر، إلا أن هذا لم ينقص من شاعريته شيئا، وقد أكد القاضي الجرجاني
على هذا الجانب في شعره قائلا: (( لو كان التعقيد والغموض في المعنى يسقطان
شاعرا لوجب أن لا يرى لأبي تمام بيت واحد، فإنا لا نعلم له قصيدة تسلم من
بيت قد وفر من التعقيد حظهما، وأفسد به لفظهما، ولذلك كثر الاختلاف في
معانيه ... )) (14).

وهناك من ربط ظاهرة الغموض بطبيعة الرؤية الجديدة التي طبعت ولازمت القصيدة
المعاصرة، الشيء الذي جعل النص الشعري المعاصر متفتحا على كل الاحتمالات
المعرفية والحدسية التي تجمع بين تناقضات الرؤية وحطام اللغة وتعدد الرموز.

فالشاعر المعاصر عبّر عن حساسية حضارية قوامها القلق والبحث عن اللانهائي
واللامحدود، فاصطبغت الرؤية المأساوية لديه بلهجة شديدة الغموض والتعقيد،
ومن ثمة كان الشاعر المعاصر على حد قول أدونيس: (( هو شاعر الانقطاع عما هو
سائد ومقبول ومعمّم، وهو شاعر المفاجأة والرفض، الشاعر الـذي يهـدم كـل حـد،
بحيـث لا يـبقـى أمامه غير حركة الإبداع وتفجرها في جميع الاتجاهات ))(15) .

فإذا كان للحداثة نسق جمالي محدد في التلقي الفني، فإن أي تعامل معه من
منظور التلقي التقليدي لن يؤدي بأي حال إلى استيعاب النصوص استيعابا نقديا
وافيا، ولذلك اعتاد بعض النقاد والقراء الشكوى من النصوص المعاصرة بدعوى
أنها مبهمة ومستغلقة في الحين أن بعضا منها يدخل في إطار الغموض الفني المقبول.

فإذا كان الشاعر يجنح إلى منح سمة الفرادة والإغراب لرؤيته الفنية من خلال
الترميز الإبداعي، فعلى القارئ القيام بالعملية المعاكسة، أي فك الرموز
واستكشاف ما توحي به من معان حتى ينفذ إلى أعماق النص فتحقق عملية التواصل
الشعري.

ويمكن أن نمثل للتفاعل الموجود بين مكونات الرمز وثقافة المتلقي بما يلي:


نلاحظ في الشكل " أ " تباعدًا بين المتلقي والرمز، بسبب ضيق الرصيد المعرفي
والحس الرؤيوي لدى المتلقي، مما يجعله عاجزا عن فك الغموض ومواكبة الحركة
الشعرية الجديدة.


نلاحظ في الشكلين "ب" و "ج" قدرا مشتركا بين المتلقي ومعطيات الرمز، مما
يؤدي إلى إدراك القيمة الجمالية للرمز ضمن التجربة.


--------------
* أستاذ مساعد مكلف بالدروس بجامعة بجاية- الجزائر

*الهوامش:*

1- ياسين الأيوبي، مذاهب الأدب الكبرى، الرمزية، ص 34.
2- القاضي علي عبد العزيز الجرجاني، الوساطة بين المتنبي وخصومه، تر محمد
أبو الفضل ابراهيم، المكتبة العصرية، بيروت، 1966، ص 417.
3- حازم القرطاجني، منهاج البلغاء وسراج الأدباء، تحقيق محمد الحبيب بن
خوجة، دار الكتب الشرقية، تونس، 1966، ص 71.
4- محمد بنيس، ظاهرة الشعر المعاصر في الغرب، ط 1، دار العودة، بيرو،
لبنان، 1984، ص 23.
5-إيليا حاوي، الرمزية والسريالية في الشعر الغربي والعربي، ص 118.
6- أدونيس، مقدمة للشعر العربي، ط 3، دار العودة، بيروت، لبنان، 1979، ص 142.
7- محمد آمين العالم وآخرون، قضايا الشعر العربي المعاصر، د ط، المنظمة
العربية للتربية والثقافة والعلوم، تونس، 1988، ص 195.
8- مولود خيزر، قصيدة "قصيدتان"، ديوان الحداثة، ص 209.
9- محمد حسين الأعرجي، مقالات في الشعر العربي المعاصر، مقالات في الشعر
العربي المعاصر، منشورات دار وهران للنشر، نقوسيا، قبرص، 1985، ص 63.

10- نجيب حماش، قصيدة "حوارية الرجل الميت" ، نقلا عن ديوان الحداثة
لواسيني الأعرج، ص 158.
11- أحمد يوسف، يتم النص، ط1، منشورات الاختلاف، الجزائر، 2002، ص 282.
12- يمنى العيد، في القول الشعري، ط 1، دار توبقال للنشر، الدار البيضاء،
المغرب، 1987، ص 25
13- أزراج عمر ، الجميلة تقتل الوحش، المؤسسة الوطنية للكتاب، الجزائر،
1986، ص110.
14- القاضي علي عبد العزيز الجرجاني، الوساطة بين المتبني وخصومه، ص 417.
15- أدونيس، الثابت والمتحول، ج 3، دار العودة، بيروت، لبنان، 1982، ص 117.










رد مع اقتباس
قديم 2013-02-28, 21:09   رقم المشاركة : 7
معلومات العضو
**د لا ل**
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي

النقد الأدبي في الجزائر

في الحديث عن النقدالأدبي في الجزائر قضايا متعددة لعل أبرزها قضية تلج منها سائر القضايا الهامة في حياتنا الأدبية هي قضية الوعي النقدي ومدى تمثله وتجسده في الممارسة.
ـ وإن هذا الموضوع الذي نحن بصدد معالجته يقتضي منا إزالة ما يمكن ان يحيط به من لبس أو غموض وبالتالي لا بد لنا أولاً من تحديد دقيق لحدود الإشكالية النقدية في
الجزائر وثانياً إبراز الترابط المنطقي بين الوعي الفكري والأدبي بين الممارسة النقدية ومسألة النص الإبداعي على ضوء المناهج النقدية المتعارف عليها على المساحة الأدبية.
ـ وإن إلقاء الضوء على طبيعة الممارسة النقدية في
الجزائر يقودنا إلى الشكف عن الوعي الأدبي وتأرجحه بين الذاتية والموضوعية، وذلك يخضع لتباين مستوى الفكري والثقافي عند النقاد، ولعل من الطريف ان نشير إلى أن التباين بين الممارسات النقدية يقود إلى تباين في مستوى الوعي المصاحب لكل عمل نقدي.
ـ طبعاً لا تعوزنا الأمثلة للبرهان على الطابع اللاعقلاني للتفاوت بين الأعمال النقدية، وأن هذا التفاوت يبدو لا موضوعياً في الشكل الظاهري فقط أما من حيث المضمون فإن الموضوعية العلمية تتجلى لنا في بعض الممارسات النقدية.
ـ إن منطق موقف النقدي هنا، لا يتوقف على طبيعة العمل النقدي المبذول بل على أسلوب أداء هذه الممارسة وعلى جملة من المعطيات الفكرية المتصلة بالقيم الجمالية والإبعاد الفنية الكاملة في الوعي النقدي وهذا ما يفسر تفاوت الوعي عند النقاد.
ولا مندوحة بالإعتراف بان الطرح الموضوعي لهذه الإشكالية النقدية طرق شاق تعترضه الإنزلاقات الفكرية الآتية التي تحكم بوعي وبغير وعي منهج البحث في الممارسة النقدية، ومناقشتنا هنا، تهتم بمجالات وإشكاليات
النقد بين الوعي والممارسة.
ـ فمن الأسباب التي حدت بي إلى دراسة هذه القضية ما لا حضناه من تفاوت بين
النقد في المشرق العربي وفي المغرب سواء على مستوى الوعي الأدبي والفكري أو على مستوى الممارسة النقدية التي لم تكن مبنية في معظمها على الفكر النقدي قادر على التمثل والإستيعاب وهذا مصدره هو انعدام نظريات نقدية الفلسفية تستند إلى مدارس النقدية الحديثة فرغم الدراسات التي كتبت بقصد توضيح اصول أزمة النقدالأدبي في الجزائر، فإن الحاجة ما زالت ماسة لإعادة النظر في المسلمات والأسس التي ترتكز عليها مفاهيمنا الثقافية ومنطلقاتنا الفكرية المسؤولة عن هذا المأزق الذي نستشعره فيكل المجالات الإبداعية والممارسات النقدية انه لامر صعب ان نقدم في هذه العجالة تعريفاً شاملاً ومفصلاً بالمذاهب النقدية وتياراته ومناهجه التي تشعبت فيها الآراء وكثر فيها النقاش واحتدام حولهما الجدال، حتى أضحى الناقد لا يدري كيف الخروج من وسط هذه التيارات العديدة من النظريات والمناهج، التي تضاربت في أصلها الأفكار النقدية بغية الخروج من هذه المتاهات النقدية إلى فضاء نقدي فسيح وموحد واضح المعالم.
ـ ونجد مثل هذا التنوع في المناهج النقدية خلال الممارسة النقدية التطبيقية إن هذا التنوع التعددي في شموليته يتضمن عدة مناهج وتيارات قد تتداخل فيما بينها خلال العملية النقدية منها المنهج التحليلي، المنهج اللغوي، المنهج النفسي، المنهج الجمالي، المنهج التاريخي، المنهج الاجتماعي، المنهج العلمي والموضوعي وغيرها من المناهج المتاصرعة فيما بينها.
ـ ونظراً لاتساع مفاهيم
النقد المنهجي نشير وبصورة سريعة إلى أربعة مناهج عرفتها الممارسة النقدية في الجزائر: هي المنهج العلمي الموضوعي، المنهج التاريخي، المنهج الجمالي ثم المنهج النفسي.
ـ ويمثل المنهج العلمي الموضوعي كل من الدكتور محمد مصايف والدكتور عبد الله الركيبي والدكتور عثمان سعدي والناقد واسيني الأعرج، ويحمل هذا المنهج في اتجاهه ومعناه عند هؤلاء النقاد منهجاً أكاديمياً علمياً وإخلاصاً لبحث النقدي، فهو منهج يجمع المادة الأدبية من مختلف مضامينها، ويقوم بتفسيرها وتحليلها وتتبع جزئيتها وأبراز أفكارها الأساسية ومتابعة تأثيرها وتبين جذورها والناقد في هذا المنهج يصدر أحكامه التقيمية والتقويمية من خلال مسألة النص، فتكون بعيدة عن الانطباعية أو الذاتية والتحيز.
ـ إن الاستقرار لمناهج النقاد الأكاديميين يعكس الاهتمام الذي أولاه هؤلاء الكتاب المتحفظين الجادين ودورهم في بلورة وخدمة
النقدالأدبي الجزائري فكتباتهم النقدية المتنوعة تدل على ثراء هذا المنهج وتحقيقه لكثير من النتائج الموضوعية المدروسة في مجال الشعر نذكر الدكتور صالح خرفي وعبد الله الركيبي وعثمان سعدي وأبو القاسم سعد الله وعبد الله شريط وفي مجال الرواية والقصة نذكر جهود محمد مصايف واسيني الأعرج وعمر بن قينة والدكتور أبو العيد دودو وغيرهم من الأكاديمين الذين استطاعوا استقراء الأدب الجزائري وتشريحه للكشف عن الجوانب المضيئة فيه لربطها بالحاضر الإبداعي والمستقبل الفكري والحضاري.
إن الناقد محمد مصايف (رحمه الله) صاحب عدة دراسات وأبحاث أكاديمية في مجال الأدب الجزائري منها (فصول في
النقدالأدبي في الجزائر) (الرواية العربية الجزائرية الحديثة بين الواقعية والالتزام) (النقد الأدبي الحديث في المغرب) (النثر الجزائري الحديث). فهو ناقد ذو ثقافة عميقة ومعرفة أدبية متنوعة وأصيلة لم يكن حديثه عن الأدب الجزائري مجرد تحصيل قراءة بل كان يعايش النصوص ويحسها ومفسراً لها بتوظيف المنهج العلمي الموضوعي فكان يسائل النصوص الأدبية يتحدث من خلالها ومعالجتها من خلال التفكير الاستقرائي والتفكير الاستنتاجي ثم النقد التقيمي الذي كان يصدر عن نظرة جمالية وموضوعية التي تبحث عن جماليات النص التي تقتضي قدراً من الواقعية والإلتزام النقدي والموقف الأدبي الواضح.
أم الدكتور مرتاض عبد المالك صاحب كتاب تحت عنوان (نهضة الأدب العربي المعاصر في الجزائر) وهو بحث نقدي حاول الكاتب رصد الإرهاصات الأولى لنهضة الأدب في
الجزائر فاتخذ من التسلسل التاريخي منهاجاً لعرض أفكاره حتى وصل بها إلى غايته من الفكرة ان نظراته النقدية والتاريخية كانت تقوده إلى الدراسة التي تنهج أسلوب الأدب، كموقف يشف عن ثقافة عالية وتذوق أدبي ونقدي، فهذا الكتاب من الدراسات النقدية الجادة التي وضعت
أسس الأدب الجزائري ولقد تجلت لنا ثقافة عالية وتذوق أدبي وتقدي.
فهذا الكتاب من الدراسات النقدية الجادة التي وضعت أسس الأدب الجزائري، ولقد تجلت لنا ثقافة مرتاض من خلال هذا البحث، فكانت عميقة وواسعة والمنهج النقدي الذي اتبعه الدكتور هو المنهج التاريخي الموضوعي لأنه وضع الأدب الجزائري موضعه من تاريخ النهضة الفكرية والثقافية في
الجزائر فوصله بسابقيه ليبين لنا عوامل نشأة هذا الأدب والمؤثرات التي أثرت في حركة تطوره ونموه ومسايرته للأدب العربي في المشرق، فكان يتناول خطوة خطوة ومسالة بعد مسالة يناقش مناقشة علمية موضوعية ويقيم تقيما عادلا ومنصفا دون إجحاف.
وعن الناقد عثمان سعدي، فقد غلب في نقده النظرة الاجتماعية والثورية بحيث جعل من المنهج التاريخي المقياس الأول في تحليل الشعر ونقده مما حجب عنه الجوانب الفنية الأخرى وأوقعه في أحكام هي أقرب إلى الجانب السياسي منها إلى جانب الفني الإبداعي.
_ أما الدكتور صالح خرفي فعند ما تقرأ كتاباته تحس في نقده ابداعا لا يقل عن إبداع العمل الفني نفسه أنه يطرح بصفة دائمة النظريات العملية ليكتشف في لغة متزنة هادئة وأسلوب علم متأدب، ليبحث عن جماليات النص فيحلل النص
الأدبي في قدر من الحرية تتجاوز المقالات السياسية والعواطف الوطنية.
ولكن الناقد بختي بن عودة ذو شخصية أدبية نقدية لا تخضع لقوالب أو تقع تحت طائلة من النظريات أنه ناقد متعدد الثقافة عرف الثقافة العربية قرأ القديم الجديد، ولم تكن معرفته مجرد تحصيل قراءة بل كان يعايش الأفكار ويحسها وينقدها ويكتشف قيمتها الإنسانية والجمالية ولكن بختي بن عودة ذلك الناقد الفيلسوف الذي ننقده والذي يكون قد توصل إلى أفكاره الخاصة والنابعة من ثرائه والمتعانقة مع عصره يدعو إلى التصالح بين الأصالة والمعاصرة في مجال
النقدالأدبي لتلقيح وتطعيم النقدالأدبي الجزائري بالمصطلحات والأفكار النيرة بغية تطوير حركتنا النقدية وجعلها مسايرة لروح العصر.










رد مع اقتباس
قديم 2013-02-28, 21:21   رقم المشاركة : 8
معلومات العضو
**د لا ل**
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي

الأسلوبية .. دراسة موجزة نظرية تطبيقية
أسماء السقيلي


لقد تقدمت المناهج النقدية في عالمنا العربي تقدماً ملحوظاً وإن لم تكن قد وصلت إلى المستوى الذي وصلت إليه أوروبا بيد أن النقاد العرب قد شغفوا بها وأخذوا بلجامها في دراسة وتحليل وتقويم النص الأدبي..
ومن هذه المناهج التي خدمت النصوص الأدبية وبلورت جمالياتها هي (الأسلوبية)..

فماذا يقصد بالمنهج الأسلوبي أو "الأسلوبية"؟

المنهج
كما عرفه الجيلالي: (طريقة موضوعية يسلكها الباحث في تتبع ظاهرة، أو استقصاء خبايا مشكلة ما لوصفها أو لمعرفة حقيقتها وأبعادها ليسهل التعرف على أسبابها وتفسير العلاقات التي تربط بين أجزائها ومراحلها وصلتها بغيرها من القضايا، والهدف من وراء ذلك هو الوصول إلى نتائج محددة يمكن تطبيقها وتعميمها في شكل أحكام أو ضوابط وقوانين للإفادة منها فكرياً وفنياً) (1).

أما الأسلوب:
ففي لسان العرب يقال للسطر من النخيل أسلوب، وكل طريق ممتد فهو أسلوب، والأسلوب الفن يقال أخذ فلان في أساليب من القول: أي أفانين منه.(2)
وعرف "ريافتير" الأسلوب بأنه: "كل شيء مكتوب وفردي قصد به أن يكون أدباً".(3)
ويعتبر شارل بالي الفرنسي النمساوي تلميذ دي سوسير "مؤسس المنهج البنيوي" من أوائل المؤسسين لهذا المنهج وتبعه جاكبسون الذي عرف الأسلوبية بأنها "البحث عما يتميز به الكلام الفني عن بقية مستويات الخطاب أولاً، وعن سائر أصناف الفنون الإنسانية ثانياً".(4)

وقد ألمح عبد القاهر الجرجاني إلى الأسلوب في نظرية النظم، فالنظم عند الجرجاني هو الأسلوب، ومن هذه النظرية بنى الأسلوبيون منهجهم الحديث "الأسلوبية" فأضحت بفضل الكثير من الملاحظات المتراكمة علماً خاصاً بدراسة جماليات الشعر والنثر.
ولم يعد المنهج الأسلوبي يعتمد على الألفاظ وعلاقاتها بالجمل والتراكيب والقواعد النحوية فحسب بل " توسع مفهوم علم الأسلوب ليشمل كل ما يتعلق باللغة من أصوات و صيغ و كلمات وتراكيب فتداخل مع علم الأصوات و الصرف و الدلالة و التراكيب لتوضيح الغاية منه, و الكشف عن الخواطر و الانفعالات و الصور , وبلوغ أقصى درجة من التأثير الفني , بل توسع أكثر من ذلك أخيرا (5) و اشتمل على علم النفس و الاجتماع و الفلسفة وعلوم أخرى شهدت دقة مناهجها ومدى صلاحيتها في إغناء المنهج الأسلوبي.
يقول غزوان " وقد أدى الاهتمام بدراسة الأسلوب وتحليله لغويا على وفق معايير لغته أو فنياً على وفق المعايير الفنية , إلى ظهور ما يسمى بالأسلوبية اللغوية التي ترى أن الأسلوب قد يكون انزياخا أو انحرافا, أو عدولا عن السياق اللغوي المألوف في هذه اللغة أو تلك , أو قد يكون تكرارا للمثال , أو النموذج النصي الذي يهتم به الذوق العام أو قد يكون كشفا خاصا لبعض أصول اللغة ومرجعياتها ولا سيما في الوجه الجمالي للتعبير أو ما يسمى بالوجه البلاغي أو البياني"(6)

ومن هنا نستخلص بأن الأسلوبية إنما تعتمد اعتمادا كبيرا على الدراسات اللغوية التي تمهد لدراسة النص الأدبي , لأن الناقد الأدبي -على حد تعبير غزوان- قبل كل شيء يجب أن يكون لغويا جيدا لأنه" لا وجود لأي نص أدبي خارج حدود لغته"(7) وهذا يدفعنا إلى أن الأسلوبية لا تكتفي البتة ببنية النص كما هي البنيوية بل تنظر إلى ما يحيط بها نظرة شمولية تهدف من ورائها إلى خلق جماليات النص الأدبي و تنويره للقارئ.
هذا بالإضافة إلى علاقتها بالبلاغة العربية وما يعرف بالانزياح والتكرار والإيحاءات التي يستشفها الناقد من السياقات المختلفة.
ويتحدد المنهج الأسلوبي وفق خمسة اتجاهات(8) :

1- الأسلوبية الصوتية:
وهي التي تهتم بالأصوات والإيقاع والعلاقة بين الصوت والمعنى.

2-الأسلوبية الوظيفية:
وتهتم بدراسة العدول أو ما يسمى بالانحراف أو الانزياح.
وتقوم على مبدأين:
أ‌-ـ دراسة نصوص كثيرة تمثل أنواعاً أدبية مختلفة وأجناسا متعددة وعصورا بغية الكشف عن الآليات التي تتحكم في تكوين الأسلوب الشعري.
ب‌- ـ الإفادة من نتائج علم النفس ..فدراسة العمل الأدبي أسلوبياً يتطلب التحرك بمرونة قصوى بين الأطراف والمركز الباطني للنص , والوصول إلى تلك النتائج يتطلب إعادة قراءة النص مرارا.

3-الأسلوبية التعبيرية:
وكان رائدها بالي الذي شق الطريق للتفريق بين أسلوبين أحدهما ينشد التأثير في القارئ والآخر لا يعنيه إلا إيصال الأفكار بدقة . وطور تلاميذه هذا الاتجاه عن طريق التوسع في دراسة التعبير الأدبي , فالكاتب لا يفصح عن إحساسه الخاص إلا إذا أتيحت له أدوات ملائمة , وما على الأسلوبي إلا البحث عن هذه الأدوات.

4-الأسلوبية الإحصائية:

تقوم على دراسة ذات طرفين , أولهما: هو التعبير بالحدث , والثاني هو التعبير بالوصف , ويعني بالأول الكلمات أو الجمل التي تعبر عن حدث و بالتالي الكلمات التي تعبر عن صفة , ويتم احتساب عدد التراكيب والقيمة العددية الحاصلة تزيد أو تنقص تبعاً لزيادة أو نقص عدد الكلمات الموجودة في هذه التراكيب , وتستخدم هذه القيمة في الدلالة على أدبية الأسلوب والتفريق بين أسلوب كاتب وكاتب .
فمثلاً كتاب " الأيام" لطه حسين تبين مثلاً أن نسبة الجمل الفعلية إلى الوصفية 39% في حين أن نسبة تكرار هذه الجمل في كتاب " حياة قلم" للعقاد لا تتعدى 18% , ومعنى ذلك أن كتاب الأيام أقرب إلى الأسلوب الانفعالي والحركي من كتاب العقاد الذي يميل فيه إلى الطابع الذهني العقلاني.


5-الأسلوبية النحوية:
تهتم بدراسة العلاقات والترابط والانسجام الداخلي في النص وتماسكه عن طريق الروابط التركيبية المختلفة , ومن هذه العلاقات : استخدام الضمائر والعطف والتعميم بعد التخصيص... وهذه العلاقات يلجأ إليها الكاتب لتنظيم جملة بعضها إلى جانب بعض مما يؤدي إلى تماسكها و ترابطها ..

وعلى هذا فإن الأسلوبية تواصل تأملها لعالم النص عن طريق القراءة متعددة الوجوه , وتتحدد هذه الاتجاهات بعضها مع بعض في كيان عضوي يجذب القارئ و يستثير تساؤلاته.
ولعلي أقف قليلا مع هذه الدراسة الموجزة على نص أدبي اعتمده الشاعر وفقاً للمنهج الأسلوبي...










رد مع اقتباس
قديم 2013-02-28, 21:23   رقم المشاركة : 9
معلومات العضو
**د لا ل**
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي


استقبال القمر

إبراهيم ناجي




أقبل بموكبك الأغرّ *** ما أظمأ الأبصار لك!



العين بعدك يا قمر *** عمياء! والدنيا حلك!





تمضي وراء سحابةٍ *** تحنو عليك وتلثمك!



وأنا رهين كآبةٍ *** بخواطري أتوهمك!





كن حيث شئت فما أنا *** إلا معنىً بالمحال



أغدو لقدسك بالمنى *** وأزور عرشك بالخيال





وأقول صبراً كلما *** عزّ الفكاك على الأسير



روحي وروحك ربما *** طابا عناقاً في الأثير





مهما تسامى موضعك *** وعلا مكانك في الوجود



فأنا خيالك أتبعك ***



قمر الأماني يا قمر *** إني بهم مسقمِ



أنت الشفاء المدَّخر *** فاسكب ضياءك في دمي





أفرغ خلودك في الشباب *** واخلع على قلبي الصفاء



أسفاً لعمر كالحبابِ *** والكأس فائضة شقاء





خذني إليك ونجِّني *** مما أعاني في الثرى



قدحي ترنِّق اسقني *** قدح الشعاع مطهرا





واهاً لأحلام طوال *** وأنا وأنت بمعزلِ



نعلو على قمم الجبال *** ونرى العوالم من علِى









رد مع اقتباس
قديم 2013-02-28, 21:23   رقم المشاركة : 10
معلومات العضو
**د لا ل**
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي

يحلل شكري عيّاد هذه القصيدة فيقول:

(يوحي عنوان هذه القصيدة بنوع من التفاؤل أو الفرح، فالاستقبال يكون لضيف عزيز نسعد بقدومه، أو لشخص عظيم نحتفل بلقائه، والوزن القصير المرن (مجزوء الكامل الذي تتعادل فيه المقاطع القصيرة والمتوسطة الطول) يزيد القصيدة إشراقاً.
ومناجاة القمر تستمر مع الشاعر من أول القصيدة إلى آخرها.
ولعلنا وقد استرعى نظرنا امتداد الحوار بين الشاعر والقمر على طول القصيدة، نجد من الأوفق أن نبدأ تحليلنا الأسلوبي لها بملاحظة طريقة خطاب الشاعر للقمر.
والسمة المميزة لخطاب القمر هنا هي كثرة أفعال الأمر التي يراد بها الدعاء أو الرجاء أو التمني، وفعل الأمر هنا يقوم بترقيم القصيدة أو بتحديد بدايات الفصول، فالمقطع الأول يبدأ بفعل أمر (أقبل)، والمقطع الثاني يبدأ بفعل أمر كذلك (كن)، وبعد ثلاثة مقاطع تأتي بداية مختلفة ولكنها تؤدي وظيفة "الترقيم" كفعل الأمر أو أقوى منه، وهي النداء المكرر "قمر الأماني يا قمر" ويمكننا أن نلاحظ هنا ما في إضافة القمر إلى الأماني من حذف حرف النداء ثم كرر النداء بـ (يا) في ذات البيت، وفي الفصل الأخير تتعاقب ستة أفعال أمر في ثلاثة مقاطع وهم "اسكب، أفرغ، اخلع، خذني، نجني، اسقني" أما المقطع الختامي فيبدو أنه مميز عن الفصل السابق إذ بدأ باسم فعل مضارع يدل على التعجب "واهاً" وخلا من أي فعل أمر.
ويبدو لنا أن تركز أفعال الأمر الدعائي في المقاطع الثلاثة التي سبقت المقطع الأخير يعبر عن تصاعد انفعال الشاعر، في حين أن خلو المقطع الأخير منها يدل على الوصول إلى نقطة إشباع. ويؤكد ذلك استعمال اسم الفعل الذي يدل على التعجب، والعطف بين ضمير المتكلم وضمير المخاطب.
ويستوقف نظرنا من بين هذه الأفعال قوله في ابتداء المقطع الثالث "كن حيث شئت" فهذا الأمر يختلف عن فعل الأمر السابق "أقبل"، وعن الأفعال التالية "اسكب...وأفرغ.." التي تدل على التضرع والدعاء.
إن الذي يقول كن حيث شئت يريد بها نوعاً من التحدي، وكأنه يقول "لا يهمني من أنت، ولا ابن من تكون" وبهذا يشعر خصمه أنه أعد له اللقاء المناسب، ولكن انظر إلى ما أعده الشاعر هنا "ما أنا إلا معنىً بالمحال" إن شجاعته هي شجاعة من استعد لأن يضرب حتى الموت وكأنه يقول "عظمتك لا تخيفني، لأني أعلم أني لا شيء".

أما إذا نظرنا إلى الصور فمخاطبة الشاعر للقمر كما لو كان إنساناً عاقلاً أمر غير مستغرب في لغة الشعر... فتلك الصور التي رسمها الشاعر تعبر عن شوقه إلى الانعتاق من هموم الدنيا، وقد عرف بسخطه على الحياة والأحياء، ناعياً سوء حظه وضياع عمره، ولكن لا بد أن نتوقف عند سلبية الصور التي يرسمها لنفسه، فهو لا يخوض صراعاً من أي نوع كان، وإنما هو فريسة الهم والسقم والشقاء، ولذلك فإن "القمر" يجب أن يصنع له كل شيء، ويجب أن يشفيه من همه المسقم، وأن يجعله خالداً مثله، ويأخذه بعيداً عن عالم المعاناة هذا، وربما خيل إلينا قوله "واخلع على قلبي الصفاء" أنه يعاني نوعاً من الصراع الداخلي، لكننا لابد أن نستبعد هذا الفهم حيث نجده يقول: قدحي ترنَّق فاسقني *** قدح الشعاع مطهرا
فهو (مستقبل) فحسب، الحياة تسقيه كدرا، وهو يريد شراباً صافياً، مع أنه لم يفعل شيئاً يستحق هذه النعمة إلا الصبر والتمني.
ولابد أن نلاحظ أيضاً أن تمثيل الشاعر للنعمة التي يرجوها من القمر قد غلبت عليها صورة "الشراب": "ما أظمأ الأبصار لك"، "ظمآن أرشف ما تجود"، "اسكب ضياءك في دمي"، "أفرغ خلودك في الشباب"، وإن كانت هناك صورة لمسية وهي صورة العناق "طابا عناقاً في الأثير"، وصورة بصرية "العين بعدك عمياء"، وثالثة مستعارة من اللبس "اخلع على قلبي الصفاء"... وغلبة صورة الشراب تجعلنا نميل إلى الظن بأن في القصيدة حزمة انفعالية ترجع في منشئها إلى المرحلة الفمية في حياة الطفل... فعلماء التحليل النفسي يقولون: ترتكز حياة الطفل النفسية في أشهره الأولى حول فمه، فالفم هو مصدر المعرفة ومصدر الوجدان والنزوع جميعاً، فهو يرضع بفمه، يحب بفمه، يناغي بفمه، ويميز الأشياء بفمه، والدليل على أن هذا الفم هو مصدر الأحاسيس الوجدانية لدى الإنسان في مراحل حياته الأولى هو أننا ربما لاحظنا أن الطفل عندما ينتهي من الرضاعة يتصبب عرقاً، وهذا يدل على الاندماج الكامل بين الأم والطفل، وعندما تنزع الأم طفلها قبل إتمام الرضاعة فإن إمارات الفزع والغضب تبدو واضحة عليه تماماً.
فالشاعر يريد أن يشعر بالاندماج الكامل بينه وبين القمر فيخلع عليه صفات الأم من العناق في قوله "طابا عناقاً في الأثير" فهو تعبير دقيق عن عناق الأم لطفلها، ومن الحنان في قوله "تحنو عليك وتلثمك"، أما في قوله "العين بعدك عمياء" فهي تطابق المعروف عن اكتمال الإحساسات البصرية لدى الرضيع وأنها أول ما تتركز على أمه.
فالصور تغوص في أعماق العقل الباطني وإن تشربت كثيراً من التجارب الواعية، فهو –الشاعر- يعيش وسط أحلام وأماني وأوهام يحاول أن يصل إلى السعادة المفتقدة من خلال مناجاته مع القمر وكأنه طفل يحاول أن يتشبث بتلابيب أمه الغائبة.
فرؤيا الشاعر المفتقدة التي يختم بها قصيدته رؤيا التوحد مع الأم، في وجود لا مكان فيه لغيرهما، وقد شعر بأنه مع ذلك الكائن العجيب القادر يحلق في الأعالي وهذا ما يقوله اللاوعي واللاشعور... أما وعي الشاعر فيقول إنه حلم مستحيل ولكنه وقد أعد نفسه له لا يملك إلا أن يسترسل فيه).(9)


*
*
*


إن قراءة نقدية كقراءة شكري عياد تعد من القراءات النقدية الحديثة التي خدمت القصيدة وبلورت معالمها، فلا تعد قراءة في –مجال النقد الأدبي- خاطئة وصائبة، ولكنها إما قاصرة أو كاملة... فالمجال النقدي مجال مرن يتقبل وجهات النظر المبنية على أسس ومناهج علمية مدروسة.

لقد أجاد الناقد في تحليله من حيث ترسمه للاتجاهات الأسلوبية الصوتية والتعبيرية والوظيفية والإحصائية والنحوية...
تلك الاتجاهات التي اتضحت جليةً في تحليله، فالمستوى الصوتي اتضح في بيانه للوزن والقافية ومدى أثرهما على النص، والتعبيري في بيانه استخدام الشاعر لخطابه الخاص الموحي بالحرمان والشوق إلى الانعتاق من هموم الدنيا، أما على المستوى الوظيفي ففي مدى أثر هذا النص على المتلقي، والصورة التي بُلورت في نفس المتلقي فتراءت له معان جديدة... كصورة الأم والطفل، بالإضافة إلى اعتماده على التحليل النفسي لمراد الشاعر في إيحائه للأم من خلال حديث الشاعر للقمر.

أما المستوى الإحصائي فتراءى من خلال بيانه لأفعال الأمر التي استخدمت في القصيدة وكيف أثرت فيها، وكذلك على المستوى النحوي في عرضه لأثر العطف على الجمل الذي أدى بها إلى التماسك والترابط.


بيد أن الناقد قد غض طرفه عن أمر مهم تهتم به الأسلوبية وهي مسألة (الانحراف أو العدول) فالقصيدة مليئة بالانحرافات في مثل قوله "سحابة تحنو عليك"، "اسكب ضياءك"، "أفرغ خلودك"، "قدح الشعاع" فهذه الانحرافات من المصادر الجمالية في النص الأدبي تعطيه مزيداً من التوهج والإثارة وتمارس سلطة على القارئ من خلال ما تحمله من عنصر المفاجأة والغرابة... فهي توسع دلالات اللغة وتولد أساليب جديدة لم تكن دارجة أو شائعة في الاستعمال.

وكذلك ما أحدثه التكرار لكلمة (قمر)، فقد تكررت في القصيدة أربع مرات، في العنوان وفي المقطعين الأول والسادس... ولا يخفى م لهذا التكرار الصوتي في النص من قيمة إيحائية ودلالية. فقد ارتبط القمر في عنوان القصيدة بالمصدر (استقبال) فإضافة القمر للمصدر أوضح أن ثمة لقاء سيأتي، وأن هذا اللقاء إلا لشخص بعيد عزيز لديه... لكن هل حدث هذا اللقاء أم لم يحدث لا ندري؟!.. فما إن ندلف إلى القصيدة حتى تخبرنا بأن هذا اللقاء لم يكن إلا أمانٍ وأوهام وأحلام تجلب الحسرات.. فارتباط القمر في المقطع الأول (بالعين العمياء) ليدل على استيائه ويأسه من حلول هذا اللقاء بأس شكل من الأشكال، كما هو الإنسان الأعمى الذي لن يستطيع يوماً أن تلتقي عينيه بالدنيا.
ثم يكشف الستار عن حقيقة مجلجلة في نفسه في المقطع السادس بأن هذا اللقاء الذي ينتظره –حقاً- ما هو إلا أحلام وأماني... وقد تكررت كلمة (قمر) في هذا المقطع مرتين لتدل على قيمة وجدانية علية، وأن الشاعر قد بلغ ذروة انفعاله!

يقول غريماس:"ثمة ما يبرر للتكرار وجوده، أنه يسهل استقبال الرسالة".(10)
ويقول عياشي:"غير أن وظيفة التكرار لا تقف عند هذا الحد، ذلك لأنها تخدم النظام الداخلي للنص، وتشارك فيه، وهذه قضية هامة لأن الشاعر يستطيع بتكرار بعض الكلمات أن يعيد صياغة بعض الصور من جهته كما يستطيع أن يكشف الدلالة الإيحائية للنص من جهة أخرى".(11)

فكلمة (قمر) في سياقها النصي هي الكلمة المحورية والجوهرية التي سلطت أضواءها على فضاءات النص وبلورت جمالياته


هذا بالنسبة إلى ذات النقد، أما بالنسبة إلى المنهج المتبع وهو المنهج الأسلوبي فإنه يعيد لنا نشوة التراث حيث "نظرية النظم" عند عبد القاهر الجرجاني، فقد دعا إلى النظرة الشمولية التي تمكن القارئ من الوقوف على جماليات النص الأدبي، فلا يستطيع القارئ الحكم على النص من قراءة بيت أو عدة أبيات، وإنما يقتضيه النظر والتأمل في القطعة الأدبية بكاملها.. ومن هنا يستطيع أن يتبين المزايا التي تجعله يقف على ما في النص من براعة النقش وجودة التصوير والتعبير. فلا مزية للألفاظ –عند الجرجاني- من غير سياق ولا تفاضل بينها، وإنما تأتي مزيتها وأهميتها من خلال علاقة اللفظة بما سبقها من ألفاظ وما يليها من ألفاظ... فاللفظة لا يمكن أن توصف إلا باعتبار مكانها في النظم. وهذه من الأدلة التي يستند عليها الأسلوبيون في منهجهم النقدي.

وبنظرة أكثر شمولية ينفرد "حازم القرطاجنّي" بتميزه عن غيره من أهل النظر في علوم البيان والبديع.
فهو أول من قسم القصيدة العربية إلى "فصول"، وأول من أدرك الصلة الرابطة بين مطلع القصيدة وآخرها الذي يحمل في ثناياه الانطباع الأخير والنهائي عن القصيدة.
وبناؤه لهذه النظرة على الاستهلال والخاتمة قائم على أسس نفسية تراعي شعور القارئ ونمو التأثير العاطفي والوجداني فيه، فمن طبيعة القارئ الإحساس والتجاوب مع المشاعر المتجانسة التي تفيض في جوٍ أو مناخ خال من التقلبات العاطفية".(12)
وتلتقي نظرة القرطاجني في تقسيمه للقصيدة إلى "فصول" مع نظرة الأسلوبيين المعاصرين في تقسيمهم النص الأدبي –بغض النظر عن جنسه- إلى "أبنية"، فما "البنية" إلا مصطلح مقابل لما أسماه القرطاجني بالفصل حين قصد به: التقاء أبيات القصيدة وترابطها مؤلفة وحدة معنوية.


لذا من الرائع بل من الأروع أن نجمع بين تلك المناهج النقدية قديمها وحديثها، ونأخذ منها ما نراه من نظرةٍ فاحصة أنها ستخدم النص الأدبي وتكسيه حلة جديدة، وتعطي كل ذي حق حقه سواء كان من جهة المبدع أو النص أو المتلقي أي (المرسل، والرسالة، والمرسل إليه).
-----
(1) مجلة الموقف الأدبي , العدد 404
(2)انظر لسان العرب مادة (سلب)
(3)اتجاهات البحث الأسلوبي , لشكري عياد
(4) النقد الأدبي الحديث أسسه الجمالية , للدكتور: سعد أبو الرضا
(5) المرجع السابق.
(6) أصداء دراسات أدبية نقدية , للدكتور: عناد غزوان.
(7) المرجع السابق.
(8) في النقد و النقد الألسني: للدكتور: إبراهيم خليل.
(9)مدخل إلى علم الأسلوب: للدكتور: شكري عياد.. "بتصرف"
(10)الأسلوبية وتحليل الخطاب: للدكتور: منذر عياشي.
(11)المرجع السابق.
(12)الأسلوبية ونظرية النص..للدكتور: إبراهيم خليل.

**


منقووووووووووول










رد مع اقتباس
قديم 2013-02-28, 21:36   رقم المشاركة : 11
معلومات العضو
**د لا ل**
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي

النقد الثقافي
لسنا نعني بالنقد الثقافي نقد الثقافة، وإنما نعني به قراءة الثقافة للبحث عن الأنماط المضمرة،التي تختبئ تحت عباءة الجمالي في النقد الأدبي، فالنقد الثقافي يعتمد على أدوات النقد الأدبي المعدلة تعديلاً ثقافيًا.
لذلك لابد أن نتحرك وراء مفهوم الثقافة، وكيفية ارتباطه بالنقد، حيث إن"الثقافة تنشأ عن روح الشعب وعن عبقريته، والأمة الثقافية تسبق الأمة السياسية وتستدعيها.وتبدو الثقافة كمجموعة من الفتوحات الفنية والفكرية والأخلاقية التي تشكل ميراث أمة ما ،وتعتبر هذا الميراث متحققًا بشكل نهائي وهو يؤسس وحدتها"([1]).وهي كلمة فضفاضة، لكنها غالبًا ما استخدمت بمعنى معياري.وخلع عليها مؤسسو علم الإناسة مضمونًا وصفيًا بحتًا. ولم يعد الأمر يتعلق،بالنسبة لهم، كما هو بالنسبة للفلاسفة، بقول ما ينبغي أن تكون عليه الثقافة، بل بوصف واقعها كما تبدو في المجتمعات البشرية([2]).
وتعددت مفاهيم الثقافة، بين العلماء، كلٍ حسب رؤيته لها، من خلال الفكر الذي يبحث فيه، وفيما يلي آراء العلماء في تعريف الثقافة:
تايلور
"الثقافة هي ذلك الكل المتكامل الذي يشمل المعرفة، والمعتقدات، والفنون، والأخلاقيات، والقوانين، والأعراف، و القدرات الأخرى، وعادات الإنسان المكتسبة؛ بوصفه عضوا في المجتمع"([3]). هذا التعريف الواضح والبسيط يستدعي بعض التعليقات.فهوكما نرى: تعريف وصفي، وموضوعي، وليس تعريفاً معياريًا.ومن جانب آخر، فهو يختلف عن التعاريف الأخرى الحصرية والفردانية للثقافة.يرى تايلور أن الثقافة تعبير عن شمولية الحياة الاجتماعية للإنسان،وتتميز ببعدها الجماعي. والثقافة،في نهاية الأمر،مكتسبة،وبالتالي فهي لا تنشأ عن الوراثة البيولوجية. ومع أنها مكتسبة فإن أصلها وطابعها غير واعيين إلى حد كبير([4]).
ت . س . اليوت
تختلف ارتباطات كلمة الثقافة بحسب ما نعنيه من نمو فرد، أو نمو فئة أو طبقة، أو نمو مجتمع بأسره. وجزء من دعواي أن ثقافة الفرد تتوقف على ثقافة فئة أو طبقة، وأن ثقافة الفئة أو الطبقة تتوقف على ثقافة المجتمع كله، الذي تنتمي إليه تلك الفئة أو الطبقة. وبناء على ذلك فإن ثقافة المجتمع هي الأساسية... "([5]) يبدو أن (ت. س. اليوت) حذر في إبداء آرائه في هذه القضية. ولكنه يرى أن الثقافة ليست نتاجاً حتميا لقوى أو عوامل محددة.
د/حسين الصديق
" الثقافة هي مجموع المعطيات التي تميل إلى الظهور بشكل منظم فيما بينها مشكّلة مجموعة من الأنساق المعرفية الاجتماعية المتعددة؛ التي تنظم حياة الأفراد ضمن جماعة تشترك فيما بينها في الزمان والمكان. فالثقافة ما هي إلا التمثيل الفكري للمجتمع، والذي ينطلق منه العقل الإنساني في تطوير عمله وخلق إبداعاته، فهي بهذا المعنى تختلط بالمجتمع فلا يمكن التفريق بينهما إلا في مستوى التمثيل، فهي بالتالي تحدّد هوية المجتمع في كافة أبعاده المادية والمعنوية"([6]). إن ثقافة مجتمع ما هي مصدر كلّ القيم والأفعال وردود الفعل التي تصدر عن الأفراد المنتمين إلى ذلك المجتمع، وهي بالتالي مقياس كل شيء فيه، ومن خلالها يجب أن يُفهم أو يُدرس ([7]).
مالك بن نبي
الثقافة " هي مجموعة من الصفات الخلقية، والقيم الاجتماعية، التي تؤثر في الفرد منذ ولادته، وتصبح لاشعوريًا العلاقة التي تربط سلوكه بأسلوب الحياة في الوسط الذي ولد فيه"([8]).وعن المعنى التاريخي للثقافة، يقول:"هي تلك الكتلة نفسها بما تتضمنه من عادات متجانسة، وعبقريات متقاربة، وتقاليد متكاملة، وأذواق متناسبة، وعواطف متشابهة، وبعبارة جامعة: هي كل ما يعطى الحضارة سمتها الخاصة ويحدد قطبيها: من عقلية ابن خلدون، وروحانية الغزالي، أو عقلية (ديكارت) وروحانية (جان دارك)، هذا هو معنى الثقافة في التاريخ"([9]).
د/محمد عبد المطلب
الثقافة " الإضافة البشرية للطبيعة التي تحيط بها، سواء أكانت إضافة خارجية في إعادة تشكيل الطبيعة، أم تعديل ما فيها، إلى آخر هذه الإضافات التي لا تكاد تتوقف، بل إن هذه الإضافة الخارجية تضمن قائمة العادات والتقاليد والمهارات والإبداعات. أم كانت إضافة داخلية، بمعنى أنها تتعلق بما هو غريزي وفطري وبيولوجي في الكائن البشري، وهذا المفهوم الموسع للثقافة لم ينل رضا جمهرة المفكرين، ومن ثم حاول البعض حصره في (الإنتاج الفكري) والمعرفي، وما يتصل بهما من العقيدة والأخلاق والقانون والفن، أي ما يمكن أن يندرج في السلوك البشري سمعًا ورؤية وحسًا وصناعة([10]).
من خلال عرض الآراء السابقة عن تصورات المفكرين العرب والغربيين لمفهوم الثقافة، يمكن استنتاج الآتي:
• الثقافة هي المعرفة، المعتقدات، الفنون والأخلاقيات، القوانين، الأعراف، القدرات الأخرى، والعادات والتقاليد الخاصة بمجموعة معينة من الناس.
• الثقافة داخل المجتمع حصن حصين، وقوة فعالة، وقانون القوانين، لا يستطيع أحد المساس بها لأنها تشتمل على المعتقدات الدينية.
• الإغراق في الثقافة المحلية، يؤدي إلى العالمية. فكتابات نجيب محفوظ المغرقة في الثقافة المصرية، أدت به إلى الوصول للعالمية. وتقدُّم الشعوب يؤدي إلى انتشار ثقافتها، فيما يعرف بالعولمة.
• لكل مجتمع ثقافته الخاصة التي تختلف بالطبع عن ثقافات المجتمعات الأخرى، وقد يوجد في المجتمع الواحد ثقافات متعددة، قد تكون متجانسة،وقد تكون متباينة.

• نشأت الدراسات الثقافية في حِجْر علماء الاجتماع ـ لذا فالثقافة تنحو دائمًا منحى الاتجاه الاجتماعي، وتصطبغ الدراسات الثقافية بالصبغة الاجتماعية ـ وانتقلت فيما بعد إلى علوم مختلفة (الأنثروبولوجيا، علم النفس، اللغويات، النقد الأدبي، نظرية الفن، الفلسفة، العلوم السياسية ).
• الدراسات الثقافية من أغنى الدراسات بالدلالات المضمرة، والأنساق المختفية، والتي تحمل تفسيرا لأشياء كثيرة، لا يمكن فهمها إلا بالعودة لدراسة الثقافة.
سمات الثقافة
ومن أهم تلك السمات أنها (إنسانية، مكتسبة، تطورية، تكاملية، استمرارية، انتقالية، تنبؤية).
ـ إنسانية بمعنى أنها من صنع الإنسان ولا تنقل إلا بوساطته.
ـ مكتسبة لأن الإنسان يكتسب ثقافته ممن يعيشون حوله منذ ولادته، سواء في ذلك الأسرة والحي والمجتمع والمدرسة، أي أن اكتسابه للثقافة ليس إراديًا، وإنما يتم بمساعدة الآخرين.
ـ تطورية لا تبقى على حالها بل تتغير وتتطور، ولكن هذا التطور والتغير لا يتم في جوهر الثقافة بل في الممارسة والتطبيق، ويكون ذلك نتيجة لحاجات الإنسان الجديد الذي يعيش في المجتمعات الحديثة.
ـ تكاملية بمعنى أنها تشبع حاجات الإنسان وتريح نفسه، لأنها تقدم له حلولاً وتصورات جاهزة تجمع بين كل المسائل والجوانب الدينية والسياسية والاجتماعية و"البيولوجية".
ـ استمرارية لأنها تنبع من وجود الجماعة ورضاهم عنها وتمسكهم بها ونقلها إلى الأجيال اللاحقة، فهي بذلك تراث جماعي ووعي مشترك يرثه جميع أفراد المجتمع، ويسهمون في نقله إلى الأجيال التالية. وعلى ذلك فإنه لا يمكن القضاء على ثقافة مجتمع ما إلا بالقضاء على كل أفراده، أو تذويبهم في جماعة أكبر منهم وأقوى.
ـ انتقالية لأنها تنتقل من جيل إلى آخر ومن مجتمع إلى آخر، فهي قابلة للتأثر والتأثير والانتشار بين الأمم الأخرى وخاصة عند توفر وسائل الاتصال الملائمة.
ـ ولعل السمة الأخيرة التنبؤية هي أهم سمات الثقافة عمومًا، فبما أن الثقافة تحدد أسلوب الأفراد وسلوكهم في المجتمع، فإنه بالإمكان التنبؤ بما يمكن أن يتصرف به فرد ما ينتمي إلى ثقافة معينة، لأن ثقافته تحتّم عليه أسلوبًا معينًا تجاه كل مشكلة من المشاكل التي تقابله في حياته اليومية ([11]).



تعريف النقد الثقافي
النقد الثقافي يبين الأبعاد الاجتماعية والتاريخية لنص معين، ومدى تفاعله مع الثقافة،
كما يربط بين البنية اللفظية والوضع الاجتماعي والفكري والثقافي فهو" فرع من فروع النقد النصوصي العام، ومن ثم فهو أحد علوم اللغة وحقول الألسنية مَعْنِىٌ بنقد الأنساق المضمرة التي ينطوي عليها الخطاب الثقافي بكل تجلياته وأنماطه وصيغه، ما هو غير رسمي وغير مؤسساتي وما هو كذلك سواء بسواء. من حيث دور كل منهما في حساب المستهلك الثقافي الجمعي. وهو لذا مَعْنِىٌ بكشف لا الجمالي، كما هو شأن النقد الأدبي، وإنما همه كشف المخبوء من تحت أقنعة (البلاغي/الجمالي)، وكما أن لدينا نظريات في الجماليات، فإن المطلوب إيجاد نظريات في (القبحيات) لا بمعنى البحث عن جماليات القبح، مما هو إعادة صياغة وإعادة تكريس للمعهود البلاغى في تدشين الجمالي وتعزيزه، وإنما المقصود بنظرية القبحيات هو كشف حركة الأنساق وفعلها المضاد للوعي والحس النقدي"([12]).
وحتى تقترب نظرية النقد الثقافي من الأفهام، يقارب د/ الغذامي مفهومها بمفهوم (علم العلل) عند (أهل الحديث)، لتشابه الغرض بين العلمين، فيقول:"هو إذن نوع من علم العلل كما عند أهل مصطلح الحديث، وهو عندهم العلم الذي يبحث في عيوب الخطاب ويكشف عن سقطات في المتن أوفي السند، مما يجعله ممارسة نقدية متطورة ودقيقة وصارمة. ولا شك أن البحث في علل الخطاب يتطلب منهجًا قادرًا على تشريح النصوص، واستخراج الأنساق المضمرة، ورصد حركتها. وكما هي الدلالة اللغوية المزدوجة لكلمة (جميل) التي تعنى الشحم مثلما تعنى (الجمال) فإن في الثقافة أيضًا جمالاً من تحته شحم، وكما أن الشحم لذيذ وجذاب إلا أنه ضار وفتاك بالصحة البدنية، وكأنما لذته هي الواسطة والقناع لمضاره، وكذا هي الجماليات البلاغية تضمر أضرارها و قبحياتها، والحاجة إلى كشف ذلك تصبح همًا نقديًا مشروعًا وضروريًا"([13]).
ويرى د/عبد المطلب أن الرمزية من أهم مقومات النقد الثقافي، فواقعة الزواج تصبح رمزا على العائلة ثم القبيلة ثم المجتمع، "فالنقد الثقافي يتعامل مع النص بوصفه نسقا من الرموز والأفكار، بدءا من مادة النص المحسوسة، وصولا إلى طبيعته التكوينية، ثم أثره التنفيذي، دون فصل بين هذه الثلاثية، مع ربطها بالواقع الخارجي وحركته الدائمة التي تحكمها ظواهر الاندفاع حينًا، والانفعال حينًا، والتذكر حينًا ثالثًا"([14]).

نظرية النقد الثقافي عند الغذامي



نظرية النقد الثقافي عند الغذامي
ينبني النقد الثقافي على نظرية (النسق المضمر) ـ أضاف الغذّامي عنصرًا سابعًا إلى عناصر النموذج اللغوي عند ياكبسون(المرسل، المرسل إليه، الرسالة، السياق، الشفرة، أداة الاتصال) وهو: (النسق) فتكون وظيفة الخطاب في هذه الحالة (نسقية) ـ وهو نسق ثقافي، وتاريخي، يتكون عبر البنية الثقافية والحضارية، ويتقن الاختفاء من تحت عباءة النصوص، ويكون له دور سحري في توجيه عقلية الثقافة، وذائقتها، ورسم سيرتها الذهنية والجمالية. وعليه فإن النقد الثقافي هو مشروع في نقد الأنساق، وهذا تحول جذري ونوعي يفترق فيه النقد الثقافي عن النقد الأدبي، بما أن الأخير معني بنقد النصوص، وهو بحث في جماليات اللغة وتوظيف للمجاز للكشف عن تلك الجماليات.
إن المجاز الكلي هو المفهوم البديل عن المجاز البلاغي، وفي المجاز الكلي تنشأ الجملة الثقافية وتنشأ الدلالة النسقية، والجملة الثقافية هي رديف مصطلحي للجملتين النحوية والأدبية، والفرق بين الجملة الثقافية وهاتين الجملتين يماثل - بل يفوق - الفرق بين الجملة الأدبية والجملة النحوية، وإن كانت النظرية البلاغية والنظريات النقدية قد ميزت تمييزا كبيرا بين الجملة النحوية والجملة الأدبية، وبين المعنى والدلالة، وبين الدلالة الصريحة والدلالة الضمنية، فإن النقد الثقافي يميز بين ذلك كله وبين الجملة الثقافية ومعها الدلالة النسقية ومفهوم المجاز الكلي كتطور نظري ومفاهيمي باتجاه نقد الأنساق لا نقد النصوص، وباتجاه التأسيس لوعي نظري ونقدي مختلف نوعيا وإجرائيا.
إن النقد الثقافي ـ عند الغذامي ـ نظرية نقدية/ألسنية الأدوات ومعرفية القيمة وثقافية المضمون وهي نقد للأنساق آخذة بالمجاز الكلي والتورية الثقافية والنسق المضمر والدلالة النسقية. ونقول إنه بديل عن النقد الأدبي بعد أن فقد هذا النقد وظيفته، حينما بلغ حد التشبع من جهة ولم يعد قادرا على كشف الأنساق، وقد كان همه منصبا على جماليات النصوص وليس على ما وراء ذلك من أنساق مضمرة([15]).

خصائص الدراسات الثقافية([16])عند زيودين ساردار وبورين فان لون
ـ تهدف الدراسات الثقافية إلى تناول موضوعات تتعلق بالممارسات الثقافية وعلاقتها بالسلطة، وتهدف من ذلك إلى اختيار مدى تأثير تلك العلاقات على شكل الممارسات الثقافية.
ـ على الرغم من كونها كينونة منفصلة عن السياق الاجتماعي والسياسي، فإن الدراسات الثقافية ليست مجرد دراسة للثقافة. فالهدف الرئيسي لها هو فهم الثقافة بجميع أشكالها المركبة والمعقدة وتحليل السياق الاجتماعي و السياسي في إطار ما هو جلي في حد ذاته.
ـ في الدراسات الثقافية تؤدى الثقافة دورين أساسين: فهي هدف الدراسة. ومناط الفعل والنقد السياسي على حد سواء. وتهدف الدراسات الثقافية لأن تكون التزاما فكريا وبرجماتيا في آن واحد.
ـ تحاول الدراسات الثقافية أن تظهر انقسام المعرفة، وتروضه من أجل تجنب الانقسام بين نمطين للمعرفة؛ أولهما:الضمني وهو المعرفة البديهية المبنية على الثقافات المحلية،وآخرهما: الأشكال الموضوعية للمعرفة التي يطلق عليها العالمية.
ـ تلتزم الدراسات الثقافية بالارتقاء بأخلاقيات المجتمع الحديث، وأيضا بالخط الجوهري للعمل السياسي. والدراسات الثقافية ليست مجالا للدراسة عديمة الجدوى؛ لكنها التزام تجاه إعادة هيكلة البناء الاجتماعي من خلال الانهماك في السياسات الحرجة، لذلك فالدراسات الثقافية تهدف إلى فهم شكل الهيمنة في كل مكان وتغييره وخاصة في المجتمعات الصناعية الرأسمالية ([17]).
خصائص النقد الثقافي عند ليتش
ـ لا يؤطر النقد الثقافي فعله تحت إطار التصنيف المؤسساتي للنص الجمالي، بل ينفتح على مجال عريض من الاهتمامات إلى ما هو غير محسوب في حساب المؤسسة، وإلى ما هو غير جمالي في عرف المؤسسة، سواء كان خطابا أمظاهرة.
ـ من سنن هذا النقد أن يستفيد من مناهج التحليل العرفية من مثل تأويل النصوص ودراسة الخلفية التاريخية، إضافة إلى إفادته من الموقف الثقافي النقدي والتحليل المؤسساتي.
ـ إن الذي يميز النقد الثقافي المابعد بنيوي هو تركيزه الجوهري على أنظمة الخطاب وأنظمة الإفصاح النصوصي، كما هي لدى بارت ودريدا وفوكو، خاصة في مقولة دريدا أن لا شيء خارج النص، وهي مقولة يصفها ليتش بأنها بمثابة البروتوكول للنقد الثقافي المابعد بنيوي، ومعها مفاتيح التشريح النصوصي كما عند بارت، وحفريات فوكو ([18]).
ومما سبق يمكن استخلاص أهم خصائص النقد الثقافي في الآتي:
• إبعاد الانتقائية المتعالية التي تفصل بين الإنتاج النخبوي والإنتاج الشعبي؛ فيقوم بدراسة ما هو جمالي وغير جمالي.
• كشف جماليات أخرى في النص لم يُلتفَت إليها من قبل .
• يعتمد النقد الثقافي على النقد الأدبي، ولا يقوم بدونه، فالنقد الثقافي مكمل للنقد الأدبي، لذا أضاف د/ الغذامي مستحدثات جديدة على النقد الأدبي، تطور منه لتجعل منه نقدا ثقافيا فعالا، ولم يبتر النقد الأدبي, وذلك عكس ما دعى إليه من موت النقد الأدبي ليحل مكانه النقد الثقافي.
• الدخول في عمق النص بدلاً من النظرة السطحية.
• كشف القيم الفضلى والحقيقية للنص.
• تذوّق النص بوصفه قيمة ثقافية، لا مجرّد قيمة جمالية، وذلك من خلال الكشف عن الأنساق المضمرة في الخطاب الثقافي.
• الكشف عن حقائق تحيط بالنص وقائله، من معرفة الخلفية التاريخية للنص وقائله، وأهم المقومات التي أثرت في شخصية القائل.
• ربط العلوم الإنسانية بالأدب ( علم الاجتماع ـ علم النفس ـ التاريخ ) ممّا يساهم في إثراء النص والساحة الثقافية.
• يرتبط النقد الثقافي بالعمل السياسي، فهو يربط عمل المثقف بالسلطة، والسلطة بالمثقف، ويدرس العلاقة المترتبة على ذلك.
•كشف حقائق متعلقة بالنصوص المهمّشة من خلال إلقاء الضوء عليها، حيث يهتمّ هذا النوع من النقد بنصوص المعارضة، والأدب الشعبي، والأدب النسوي، ونحو ذلك.
• يتناول النقد الثقافي النسق المضمر في الثقافات المحلية، للارتقاء بها وتسويقها إلى العالمية.
مهمة النقد الثقافي
إن الذي نصبو إليه أن تكون مهمة النقد الثقافي الوقوف ضد هيمنة النموذج الوافد، لا ضد النموذج في ذاته. وأن يعطي للنموذج العربي الصحيح الأصيل احترامه، وأن يتيح له الفرصة ليؤدي وظيفته الاجتماعية والأدبية، ولا نقصد هنا الوظيفة المغلوطة التي جلبتها أزمة الركود والجمود العربي، كما لا نقصد الوظائف المزيفة التي جلبتها أزمنة تفريغ الذاكرة العربية من هويتها وملئها بالثقافة المضادة التي تسعى جاهدة لتحميل الماضي كل أوزار الحاضر، وتسقط على هذا الماضي كل العور الذي أصاب الواقع العربي الحاضر من تسلط وقهر وإرهاب، ظنا أن هذا هو السبيل لدخول العولمة"([19]).
المنهج الثقافي عند العرب
لو انتقلنا إلى الوعي العربي بمفهوم الثقافة. فسوف نجد تقاربًا في هذا المفهوم مع الوافد الحداثي، وعلى مستوى الوعي اللغوي، تحتاج الثقافة إلى نوع من الفطنة ودقة الفهم، والمثقف ضابط محتوياته، وقائم بها، وهذا المحتوى يمثل جملة المعارف من ناحية، وجملة الاحتياجات من ناحية أخرى([20]).
فقد حمل المصطلح عند ابن سلام الجمحي معنى الإتقان، حيث يقول:" وللشعر صناعة وثقافة يعرفها أهل العلم، كسائر أصناف العلم والصناعات: منها ما تثقفه العين، ومنها ما تثقفه الأذن، ومنها ما تثقفه اليد، ومنها ما يثقفه اللسان"([21]).معنى هذا أن الشعر معطى ثقافي يوازى الثقافة في عمومها، ومن ثم نلحظ أن الوعي التراثي يلازم بين العروبة والشعر. بوصف الشعر مخزون الشخصية العربية([22]).
كما أن الثقافة ضرورة ملحة، أوجب ابن رشيق على الشاعر الإلمام بها وبمعطياتها، حيث يقول:" والشاعر مأخوذ بكل علم، مطلوب بكل مكرمة؛ لاتساع الشعر واحتماله كل ما حمل: من نحو، ولغة، وفقه، وخبر، وحساب، وفريضة، واحتياج أكثر هذه العلوم إلى شهادته، وهو مكتف بذاته، مستغن عما سواه؛ ولأنه قيد للأخبار، وتجديد للآثار...وليأخذ نفسه بحفظ الشعر والخبر، ومعرفة النسب، وأيام العرب؛ ليستعمل بعض ذلك فيما يريده من ذكر الآثار، وضرب الأمثال، وليعلق بنفسه بعض أنفاسهم ويقوى بقوة طباعهم، فقد وجدنا الشاعر من المطبوعين المتقدمين يفضل أصحابه برواية الشعر، ومعرفة الأخبار..."([23]).فهذا تأكيد لدعوى النقد الثقافي، وشموله لجميع الدراسات الإنسانية داخل الشعر ليصبح بذلك موسوعة شعرية ديوانية.

[1] دوني كوش، مفهوم الثقافة في العلوم الاجتماعية، ترجمة /قاسم المقداد، اتحاد الكتاب العرب، دمشق، 2002، ص: 19.

[2] المصدر السابق : 22.

[3] زيودين ساردار و بورين فان لون، الدراسات الثقافية، ترجمة /وفاء عبد القادر، المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة، 2003، ص: 8، و مفهوم الثقافة في العلوم الاجتماعية: 23.

[4] مفهوم الثقافة في العلوم الاجتماعية: 22.

[5] ت. س. اليوت، ملاحظات نحو تعريف الثقافة، ترجمة د/ شكري عياد، ضمن كتاب دراسات في الأدب والثقافة، المجلس
ملاحظات نحو تعريف الثقافة، ترجمة د/ شكري عياد، ضمن كتاب دراسات في الأدب والثقافة، المجلس الأعلى للثقافة، 2000، ص: 379.

[6] د/ حسين الصديق، الإنسان والسلطة، اتحاد الكتاب العرب، دمشق، 2001، ص: 18،17.

[7] المصدر السابق: 18.

[8] مالك بن نبي، مشكلة الثقافة، ترجمة عبد الصبور شاهين، دار الفكر ببيروت ودمشق، 2000، ص: 74.

[9] المصدر السابق: 77.

[10] د/محمد عبد المطلب ،النقد الأدبي، الهيئة العامة لقصور الثقافة، القاهرة، الطبعة الأولى، 2003، سلسة الشباب، العدد رقم 5.ص:90.

[11] الإنسان والسلطة: 19.

[12] د/عبد الله محمد الغذامي، النقد الثقافي (قراءة في الأنساق الثقافية العربية)، المركز الثقافي العربي، بالدار البيضاء وبيروت، ط/2، 2001.ص: 84،83.

[13] المصدر السابق: 84.

[14] النقد الأدبي: 93.

[15] النقد الثقافي: 89:55 .

[16] النقد الثقافي فرع من فروع الدراسات الثقافية.

[17] الدراسات الثقافية: 13.

[18] النقد الثقافي: 32.

[19] النقد الأدبي: 94.

[20] المصدر السابق: 91.

[21] ابن سلام الجمحي ، طبقات فحول الشعراء، تحقيق/ محمود شاكر، مطبعة المدني، القاهرة، (د.ت). ص: 5.

[22] النقد الأدبي: 91.

[23] ابن رشيق القيرواني ،العمدة في محاسن الشعر وآدابه ونقده، تحقيق / محمد محي الدين عبد الحميد، دار الجيل، بيروت (د.ت).ص: 1/197،196.










رد مع اقتباس
قديم 2013-02-28, 21:43   رقم المشاركة : 12
معلومات العضو
**د لا ل**
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي

النقد الانطباعي أو التأثري

بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم :

إن أقدمَ منهجٍ للنقدِ ظهرَ في التاريخ قدْ كانَ المنهج الانطباعي أو التأثري , لكن هذا المنهج لم يختفِ قط بل ظل قائمًا وضروريًا حتى اليوم . والنقد الانطباعي له ارتباط وثيق بالقيمة , لذلك فهذا النوع من النقدِ غيرَ مستقلٍ عنِ المدح أو الذم . وهذا النقد يقومُ به أناس اعتادوا بحكم طول مزاولتهم لقراءة الأدب وفنونه أن يتذوقوا ما يقرؤون ثم يحكموا له بالجودة أو الرداءة .1

ويقصد بالنقد التأثري : هو النقد الذي تكون الدوافع الذاتية هي التي تتحكم فيه , بمعنى أن يكون تقويم الناقد للعمل الأدبي مبنياً على أساس ما يبعثه في نفسه , ومدى ما يستثير من ذكرياته وعواطفه الكامنة في ذاته . فهو يعتمد إلى حد كبير على الخلفية الاجتماعية والثقافية , والعوامل المؤثرة في تكوين شخصية الناقد وحده .وهذا الأسلوب في النقد هو الذي نشأ مع الإنسان , وغلب على حياته الأولى , فإذا نظر الناظر في رسم أو قرأ عملاً أدبياً , انفعلتْ نفسه بما أثارت لوحة الرسام , أو صوت المنشد , أو قصيدة الشاعر فيبدي رأيه غيرَ ناظرٍ إلى رأي غيره , ولا إلى طبيعة هذا الشيء الذي أثاره أو أثر فيه , وإنما يعبر في هذا الرأي عن عواطفِه ومشاعره الخاصة تجاه هذا الشيء.2

وقد كان يؤمن الدكتور محمد مندور (1907م ـ 1965م) بالانطباعية , ويرى أنها الثابت النقدي الكبير في التحولات المنهجية المختلفة ( اللغوية ـ التاريخية ـ الايدلوجية ....) وذلك لاعتقاده أن (( المنهج التأثري الذي يسخر منه اليوم بعض الجهلاء , ويظنونه منهجا بدائيا عتيقا باليا لا يزال قائما وضروريا وبديهيا في كل نقد أدبي سليم , مادام الأدب كله لا يمكن أن يتحول إلى معادلات رياضية أو إلى أحجام تقاس بالمتر والسنتي أو توزن بالغرام والدرهم ))
والنقد التأثري هو الأساس الذي يجب أن يقومَ عليه كل نقد سليم وذلك لأننا لا يمكن أن ندرك القيم الجمالية في الأدب بأي تحليل موضوعي ولا بتطبيق أية أصول أو قواعد تطبيقا آليا , وإنما تٌدرك الطعوم بالتذوق المباشر ثم نستعين بعد ذلك بالتحليل والقواعد والأصول في محاولة تفسير هذه الطعوم وتعليل حلاوتها أو مرارتها . 3

وهذا النوع من النقد له مدارسه في القديم والحديث فمن أولئك [ لانسون الفرنسي ] الذي يتبنى هذا النقد ويذود عنه في كتابه : [ منهج البحث في الأدب ] فهو يقول : لا نستطيع أن نتطلعَ إلى تعريف أو تقدير لصفات عمل أدبي أو قوته مالم نعرض أنفسنا قبل كل شيء لتأثيره , تعريضاً مباشراً .
وهذا الكلام قريب جداً من كلام واحد من كبار نقادنا القدماء وهو عبدالقادر الجرجاني الذي يُقِرُ بتأثير المشاعر في الأحكام الأدبية في قوله [ إذا رأيت البصير بجواهر الكلام يستحسن شعراً أو يستجيد نثراً ثم يجعل الثناء عليه من حيث اللفظ , فيقول حلو رشيق , وحسن أنيق , وعذب سائغ , وخلوب رائع , فاعلم أنه ليس ينبئك عن أحوال ترجع إلى أجراس الحروف , وإلى ظاهر الوضع اللغوي , بل إلى أمر يقع من المرء في فؤاده , وفضل يقتدحه العقل من زناده .. انتهى كلامه من كتابه : أسرار البلاغة .
و يقول القاضي علي بن عبد العزيز الجرجاني في قوله في الشعر((: وهو باب يضيق مجال الحجة فيه , ويصعب وصول البرهان إليه.))
ثم يقول : (( والشعر لا يحبب إلى النفوس بالنظر والمحاجة , ولا يحلى في الصدور بالجدال والمقايسة , وإنما بعطفها عليه بالقبول والطلاوة , ويقربه منها الرونق والحلاوة , وقد يكون الشيء متقناً محكماً , ولا يكون حلواً مقبولاً , ويكون جيداً وثيقاً , وإن لم يكن لطيفاً رشيقاً . انتهى كلامه من كتابه : الوساطة بين المتنبي وخصومه ))
قال الدكتور بدوي طبانة : (( ومثل هذه الآراء في أدبنا العربي وفي الآداب الإنسانية كثير , وكلها يدل على الاعتراف بهذا ( النقد التأثري (الذي تكون ذات الناقد فيه , واستجاباته الخاصة هي الأساس الذي يبنى عليه تقدير الأعمال الأدبية والحكم عليها بالجودة أو بالرداءة(( ويقول في موضع آخر : (( ومن هذا يتضح أن النقد التأثري يعبر دائماً عن الرأي الذاتي لصاحبه , ومدى استجابته للعمل الأدبي , وانفعاله به ,وفي هذا النقد كثيراً ما تتعارض الآراء بتعارض الميول والنزعات, واختلاف العواطف والانفعالات .(( هنا انتهى ما نقلته من كتاب الدكتور بدوي طبانة. 4

ولعلنا نرى أحيانا بعض النقاد (الأكاديميين) الذين يعتمدون المقياس الموضوعي فقط , قد أنتجوا لنا نقدا باردا لا حياة فيه حين يتناولون نصوصا يتم معالجتها وفق مقاييسهم المعروفة، ولكن ذلك يكون لسببين: أولهما عدم الاعتماد بشكل أو بآخر على الذائقة الشخصية أو إهمالها تماما، وثانيهما أن الناقد المعني لا يمتلك موهبة النقد, والنقطة الأخيرة تشبه إلى حد بعيد من يحمل شهادة راقية في الشعر العربي مثلا , وهو ليس بشاعر ولكنه قد يكون ناظما للشعر, وذلك لا يعني أنه شاعر حقا أو الذي يحمل شهادة عالية في الترجمة , ولكنه لا يستطيع ترجمة نص إبداعي ترجمة مبدعة. وقد جرى استعمال اصطلاح (النقد الأكاديمي) على كل نقد يحمل سمات التعالي على نتاجات المبدعين ويؤطرها في قوالب جامدة لا روح فيها ولا حياة. لكن الاعتماد على النقد الذي يأتي بوحي الذائقة لوحدها له مخاطر الانزلاق في مطب الذاتية والتقويم المنحاز. وهذا معناه الركون إلى الانطباعية ومالها من مخاطر لا تعطي العمل الأدبي حقه من التقويم الذي يستحقه. 5

المقياس الأوحد الذي تقوم عليه هذه المدرسة هو مقياس التأثير , فلا يُقال إن هذه القصيدة قصيدة كلاسيكية أو قصيدة رومانتيكية , بل يُقال إنها قصيدة جميلة أو رديئة , المهم هو شعور القارئ والناقد وليس إلا قارئا مرهف الحس , سليم الذوق , المهم هو التأثير الذي يجده المتلقي من النص .
والذي يُقال في الأدب يُقال في سائر الفنون , ليس الفن تصويرًا للحقيقة , فمن ذا الذي يعرف حقائق الأشياء ؟ ليس الفن التزاما بالواقع , فكل منا يرى الواقع من زاويته الخاصة .6


.................................................. ...

المراجع :

1ـ النقد الانطباعي في النقد المغربي الحديث , د: محمد يحي قاسمي , كاتب وأكاديمي مغربي, مقالة صدرت 2009م, موقع ديوان العرب . بتصرف.

2ـ من أنواع النقد الأدبي , الأستاذ خالد المحيميد , نوفمبر2009م ,( بتصرف )

3ـ المنهج الانطباعي النشأة التاريخية للانطباعية ( مفاهيمها وأسسها)
وعد العسكري )الحوار المتمدن - العدد: 2022 - 2007 / 8 / 29 ) ( بتصرف)


4ـ من أنواع النقد الأدبي , الأستاذ خالد المحيميد , نوفمبر2009م , ( بتصرف )

5ـ فيصل عبد الوهاب ـ شاعر وناقد , ( بتصرف ) مقال نقدي .



6ـ من ( كتاب قضايا النقد الأدبي الأستاذ الدكتور بدوي طبانة عام 1404هـ , دار المريخ للنشر , الرياض , ص56 بتصرف).


.......

آمل لكم الفائدة .
تحياتي
منقوووووووووول












رد مع اقتباس
قديم 2013-02-28, 21:55   رقم المشاركة : 13
معلومات العضو
**د لا ل**
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي

الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله ....أما بعد :

هذه إطلالة على :

التحليل النصي التداولي للخطاب الشعري !
دراسة تطبيقية في قصائد نموذجية!

الفصل الثالث :

توطئة :


يقوم هذا الفصل على محاولة مقاربة نموذجين شعريين من زاوية لسانية نصية ، وفي ضوء وصف مقولتي الاتساق والانسجام في الخطاب الشعري ، وآلية توازي الأنساق الدالة مع المقام العام الذي تكشف عنه المهيمنات النصية ، وقد وقع اختيارنا على قصيدتي الشاعرين أبي القاسم الشابي وعبد الله الصيخان الموسومتين بفلسفة الثعبان المقدس و كيف صعد ابن الصحراء إلى الشمس؟ على الترتيب[1]..

تفاعل البنية والدلالة في فلسفة الثعبان المقدس

الشاعر والقصيدة

الشابي (أبو القاسم ) شاعر عربي تونسي المولد والنشأة ،ولد سنة1909 وتوفي سنة 1934 ،عرف بشعره الثوري التحرري الذي ألبسه حلة رومانسية ورمزية ،يستعير فيها الصور الطبيعية كدلالات موحية بقيم العدالة والحرية والأمل والإنسانية ،وفي الآن نفسه يستحضر من الطبيعة ذاتها كل الصور المضادة المنسجمة مع قيم اللاعدل والسيطرة والشر،وهذه القصيدة نموذج من نماذج شعره المعبر عن الصراع الأزلي بين الخير والشر بين القوة الظالمة والشعوب المستضعفة من ديوانه أغاني الحياة ،والذي يعده النقاد بحق نموذجا للتجربة الفنية الراقية شكلا ومضمونا
[2]، وحديث الشاعر في القصيدة تعبير عن فلسفة القوة المثقفة في كل مكان ،والتي يمثلها الثعبان المقدس في حواره مع الشحرور بلغة متصوفة تزين الهلاك وتعطيه صورة التضحية والفداء من أجل غاية سامية ومقدسة هي الخلود الأبدي،والقصيدة من هذا البعد تختزل الصراع بين القوى المهيمنة على العالم والكيانات الضعيفة ، ومحاولة إقناعها بعدم جدوى المطالبة بالحقوق إلا ماتقرره هذه القوى المهيمنة ،والتي تفرض نمطا من حياة الاحتواء والتبعية والعيش في كنف الآخر.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ



[1] - أغاني الحياة ،منشورات دار الكتب الشرقية ،تونس ،1955، المقدمة
2 -المرجع نفسه ،المقدمة.



* * *

تكملة :

درجت الدراسات في تحليل الخطاب على أن تنطلق من فضاءات إستراتيجية ناتئة في البنية النصية كالعنوان والمقدمة والخاتمة والمواضع الداخلية السميكة،مستنجدة بمعطيات جزئية في وصف المعطيات الكلية ،والتي يسمح إدراكها بالإحاطة بعالم النص في صفته الكلية ، ثم تأكيد ترابطه من خلال وصف العلاقات بين الأجزاء وتحديد نوعها في مستويي السطح والعمق ،مما يؤكد ضرورة الانتقال بالوصف النحوي من مجال الجملة الضيق إلى مجال أرحب يمثله الخطاب في صورته النصية والتي هي قادرة على الإفصاح والتأثير والفعل
[1]،ويرتكز بناء النص وانسجامه على جملة من العناصر النصية[2] ، تحقق تكامله وتلاحم أبنيته الجزئية ، بالإضافة إلى تضافر جملة من القرائن الحالية من طبيعة ثقافية واجتماعية متعددة الأبعاد تسهم بدورها في تحقيق الانسجام ، وتُحدث حوارية نصية بين بنية الخطاب وعالمه،فإذا انتقلنا إلى عناصر الربط المسْهمة في اتساق النصوص فمنها البسيط ومنها المركب ؛ فمن الأولى حروف العطف ،ومن الثانية أسماء الإشارة والأسماء الموصولة ، والضمائر الإحالية ،والمركبات الحرفية والظرفية،وقد بات من المعلوم أهمية هذه الروابط في تحقيق تداولية البنى النصية في السياقات المحيلة إليها .إن التحليل اللساني النصي يجمع بالضرورة بين القواعد التركيبية والدلالية والتداولية ،ذلك أن تحليل النصوص يتجاوز الوصف النحوي الجملي القائم على مبدأ التجزئة إلى المكونات المباشرة دونما نظر وعناية بالجوانب الدلالية والسياقية التي تضبط مقاصد المتكلم وغايات الخطاب المنجز علما أن السمة الدينامية للنصوص تعطي لها السلطة المطلقة في فرض نموذج من المعايير التحليلية التي ينطلق منها المحلل في توصيفه ،بعكس النحو الجملي الذي ينطلق من قواعد جاهزة معطاة سلفا لدراسة مكونات الكلام في أشكاله الجملية،ونأخذ الآن في الاقتراب من عالم القصيدة من خلال معرفة تكوينها المقطعي الذي يؤسس بنيتها الظاهرة،و يقوم وصفنا للبنية النصية على رصد تحولات الضمير كمفتاح سهل المنال للوقوف على تقطعات النفس الشعري المصاحب لهذه التجربة الشعرية ، فهذا النص شبيه بنصوص كثيرة للشابي اختارت القالب العمودي الذي يتجرد من تعمد القسمة الظاهرة ، تاركا للقارئ هذه المهمة، ولعل تحولات الضمائر تقلل نوعا ما من ذلك التكثيف الدلالي الذي يجعل من القصيدة لحمة واحدة يصعب فصلها،والجدول التالي يبين ذلك :

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] - سعد مصلوح ، نحو أجرومية للنص الشعري ، دراسة في قصيدة جاهلية فصول ، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة ، مجلد 16 ، عدد1، 1997، ص153 .معلوم أن الاهتمام الأول بإرساء قواعد وصف نحوي نصي كانت مع ايوالد لانغ في دراسته quand une grammaire de texte est elle plus adequate q uene grammaire de phrase ,langage,p26 .

[2] - بخصوص مفاهيم الاتساق والانسجام والتناص انظر دي بوجراند ، النص والخطاب والإجراء ، ترجمة تمام حسان ،، عالم الكتب ، القاهرة، ط1 ،1998، ص103 ومابعدها .

هناك جدول :


لم أستطع إدراجه فيمكن مشاهدته من البحث في الرابط الذي سوف أضعه!

تعليق :


إن معمار القصيدة قائم على المقاطع الخطابية التالية :

1-وصف2-سردٌ شعري3-وصفٌ وخطاب (خطابمدمج )4-سردٌ شعري5-وصفٌ وخطاب ( خطابمدمج)6-خطاب 7-وصفٌ وسرد ( خطابمدمج) والظاهر أن هناك توازيا في مستوى البنىالمقطعية مما يفيد في ربطها ببعضها ،وجعلها لبنات في نظام نصي متكامل يقوم علىتراتبية واضحة تستهل بوصف فسرد فخطاب فخاتمة وصفية، والقصد من هذا البناء تحقيقالغاية الإقناعية ،وتحقيق عنصر المحاججة في الرسالة الشعرية :
الشاعر...........النص.............الحجة.......المخ اطبون ( المستضعفون في كل مكان )
تزيين الهلاك في صورة تضحية من أجل بقاءالقوة........التهديد ....الإغراء ...الوعود البراقة. وما يمكنملاحظته في الخطاب اعتماده السرد الشعري الذي أضحى تقنية فنية يعتمد عليها الشعرالحديث والمعاصر ،إذ لم يعد محصورا في الرواية والخبر التاريخي إلا أن الغرض منتوظيف السرد الشعري ليس إنتاج حكاية بل تشكيل وضعية نصية معقدة ومتشابكة متجاوزةللوضعية الغنائية والانفعالية الظاهرة في الشعر الكلاسيكي [1]، وتقرر اللسانيات النصية على يد أحد أقطابها من المدرسة الفرنسية ج.م. آدام(J.M.Adam) أن النص بنية مقطعية غير متجانسة في الأساس، وبالإضافة إلى هذا يمكن أن نعين نوعا من المناسبة الغرضية بين مطلع النص في خاصيته الوصفية السردية وخاتمة القصيد في وصفيتها التقريرية ، واللافت للنظر الحصيف أن الشابي قد بنى نصه على رمزية عددية يحظى فيها العددخمسة(5) بمكانة متميزة ،والحقيقة أن الرمز 5 يحتل في سلم الثقافات الإنسانية مكانة متميزة ففي الهندية مثلا يعبر عن سلالة الآلهة بنضاف ،وربما هذا المعنى ينسجم مع الصفة التقديسية التي نعت بها ثعبان الجبال كسلطة روحية متحكمة تحكم الآلهة ، وفي البوذية يرمز العدد خمسة إلى عدد أتباع بوذا ومكونات الكون ، كما ارتبط العدد نفسه في الحضارة الإسلامية بعدد الفرائض وفي الثقافة اللغوية نجد الأسماء الخمسة ،وربما ارتبط هذا العدد بالحواس الخمسة والتي تثبت حضورها في الخطاب الشعري من حيث هي وسائل لتحسس الجمال والقبح فيما عبرعنه الشاعر ضمن حوارية الثعبان / الشحرور فجملة الأحاسيس المعبر عنها هاهنا ترتد إلى إحدى الحواس المدركة للحقيقة الوجودية [2] .

أولا-قواعد الاتساق (cohesion )

إنّ دراسة الرّبط في البنية النصية مهم لأن تأكيده يثبت صفة النصية ووحدة البناء ،وسيكون الطريق مفتوحا بالنسبة إلى الدارس لكي يحاور نصه ،و يؤوله انطلاقا من معرفته الخلفية ورؤيته للعالم ،وينقسم الربط إلى أقسام تناولها علماء لسانيات النص لعل أهمها :
أ-الربط التعليلي.
ب-الربط الإشاري.
ج-الربط الاستنتاجي.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــ

1 ـ محمد فكري الجزار ، لسانيات الاختلاف، الخصائص الجمالية لمستويات بناء النص في شعر الحداثة ،إتراك للطباعة والنشر ،ط1 ،2001 ، ص224 .
2 ـ العروسي القاسمي ،اللغة المثلى ونحو الأفكار عند الشابي ،الحياة الثقافية ،عدد113،السنة 25 ،مارس 2000،ص12.











رد مع اقتباس
قديم 2013-02-28, 21:59   رقم المشاركة : 14
معلومات العضو
**د لا ل**
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي


الاتساق النصي

الاتساق النصّي
دراسة تطبيقية
ــ د. عبد الجليل غزالة – المغرب


طرح الإشكالية
ما الوسائل اللغوية التي يستعملها القاص الليبي زياد علي لتسطير كيفيات الاتساق النصي داخل مجموعته الحكائية التي تحمل عنوان (الطائر الذي نسي ريشه)؟ هل تستطيع المفاهيم الغربية المنظمة لألسنية النص تحديد اتساق الخطاب الأدبي عند المؤلف؟
الإطار النظري:
تدرج ألسنية النص والخطاب وكذلك قطاعاً نحو النص وتحليل الخطاب. مصطلح الاتساق النصي في العديد من بحوثها الأساسية..
نوظف مصطلح الاتساق النصي في دراستنا الحالية لتحديد التماسك المتين بين الأقسام اللغوية المكونة للخطاب الحكائي الذي ينجزه زياد علي من خلال (الطائر الذي نسي ريشه) يقوم اتساق النص الحكائي على بعض الوسائل اللفظية التي تربط بين العناصر اللغوية البانية لجزئيات الخطاب المتلاحم داخل هذا العمل الأدبي.
سيقطع عملنا طريقا خطياً مترابطاً منذ البداية حتى النهاية، بغية وصف النصوص التي تخلق هذه المجموعة، وتحليل الضمائر والإشارات المحلية والإحالات (سابقة ولاحقة) كما سندرس أدوات الربط والعطف والاستبدال والحذف والوصل والتوظيف المعجمي للكلمات القابعة داخل هذه الحكايات.
والحقيقة أن مقاربتنا الألسنية ستبقى قاصرة عن بناء موضوع الخطاب الحكائي والبنية الكلية للإنتاج الأدبي الذي يقدمه زياد علي. فالظاهرتان تحتاجان إلى مقاربة خارجية، أما ممارستنا الحالية فستكون داخلية خالصة تبرز مظاهر الاتساق النصي أن كل إبداع أدبي يجسد لحمة خطابية موحدة، في حين أن غيابها فإنه يقصي هذا الاتساق ويدخل النص في دائرة العدم: أي وجود جمل مفككة ومبتورة. يشترط الاتساق النصي على كل مقطع لغوي خلق كلّ موحد، تتوفر فيه "خصائص معينة تعتبر سمة في النصوص ولا توجد في غيرها، ولا يقف الاتساق النصي عند المستوى الدلالي فقط، وإنما يتوغل أيضاً داخل مستويات أخرى مثل النحو والمعجم. وهذا مرتبط بتصور الباحثين للغة باعتبارها نظاماً يملك ثلاثة مستويات: الدلالة (المعاني)، النحو والمعجم (الأشكال) والصوت والكتابة (التعبير). يعني هذا التصور أن المعاني تتحقق كأشكال والأشكال كتعابير...)(1).
يهتم الاتساق النصي بالعلاقات الموجودة بين أقسام الخطاب الأدبي، لكي يحدد مجموعة من الوسائل والمظاهر التي تربط بين عنصرين لغويين: عنصر لاحق وآخر سابق.
الاتساق النصي في (الطائر الذي نسي رئيسه):
يرتكز الاتساق النصي عند زياد علي في هذه المجموعة الحكائية على عدة وسائل ومظاهر لغوية محددة تنسج البنى الداخلية بكل علاقاتها ووظائفها. نذكر من بين هذه الوسائل: الإحالة، الاستبدال، الحذف، الوصل والاتساق المعجمي.

1-الإحالة:
يطلعنا التحليل الألسني الخطابي أن مؤلف هذه المجموعة الأدبية يوظف عدة إحالات لغوية تبرز أن العناصر البانية للنصوص لا تستطيع بمفردها تأويل الخطابات الداخلية، بل لا بد من الرجوع إلى ما تحيل إليه مثل بعض الضمائر الوجودية المنفصلة والمتصلة وضمائر الملكية والنسبة وكذلك أسماء وظروف الإشارة الزمكانية وأدوات المقارنة (كمية وكيفية)..
يحكم زياد على نسج إحالاته اللغوية المشكلة لخطابات (الطائر الذي نسي ريشه) بواسطة نوعين من الضمائر:
1-1-ضمائر وجودية منفصلة: (أنا، أنت، هو، هي، نحن، أنتما، هما، هم، هن)
تنتظم هذه الضمائر داخل عدة صفحات من هذه المجموعة الحكائية. نجد في ص9: ".. وشربت ماء لا هو من الأرض ولا هو من السماء". فالاتساق النصي ينطبق هنا من الجملة الثانية المحتوية على الضمير المنفصل (هو) الذي يحيل إلى الكلمة السابقة (ماءً) المقيمة في الجملة الأولى.
إن هذه الإحالة تجعل الجملتين متسقتين نصياً وتمنع تكرار بعض الكلمات التي يعوضها الضمير المقيم في الجملة الثانية. ولذلك نقوم بتأويل الجملتين (الأولى والثانية) باعتبارهما لحمة متحدة تبنى نصاً أو جزءاً منه، تبعاً للطول والقصر. يتوالى نظم زياد علي للاتساق النصي داخل (الطائر الذي نسي ريشه) بالضمائر عينها. وهكذا نصادف الأمثلة الآتية في ص12 (أما الماء الذي شربه وهو ليس من الأرض) وفي ص23 : (وهو يحادثه في شأن الإفراج..) والصفحة 45 تبرز لنا الضميرين الوجوديين المنفصلين: (أنا/أنت) من خلال المقابلة: (أنا أفقرته، وأنت تغنيه.. أنا قتلته، وأنت تحييه).
فهذه العلاقات اللغوية بين الجمل اللاحقة والسابقة قامت على الضمائر المذكورة آنفاً. وهي التي ساعدت الكاتب على بناء خطاب حكائي متماسك..
إذن يشترط الاتساق النصي هنا توفر بعض الضمائر العائدة صحبة الكلمات التي تعود عليها، فالإحالة تكون تبادلية بين الضمائر والكلمات التي تحيل إليها أي أن الاثنين يحيلان إلى الشيء ذاته.
يبث الكاتب إرسالية لغوية محكمة إلى القارئ (العربي من خلال ضمائر منفصلة تربط بين جمل لاحقة وأخرى سابقة. فالقارئ لمجموعة (الطائر الذي نسي ريشه) لا يستطيع الفصل بين الضمائر العائدة والكلمات التي تحيل إليها لن تقوم للاتساق النصي قائمة إذا ألغى القارئ الضمائر قائلاً: (شربت ماءَ لا ماء من الأرض ولا ماء من السماء) فعدم تعويض كلمة (ماء) في الجملة الثانية والثالثة بضمير عائد مناسب يقصي الاتساق النصي ويبذر التفكك بين الجمل الثلاث.
تقف التحاليل الغربية الألسنية الخطابية التي ترصد الإحالة النصية عند مفهومي الضمائر المنفصلة والعلاقات السابقة، في حين أننا نجد في اللغة العربية مفهومي الضمائر المتصلة والعلاقات اللاحقة علاوة على المفهومين الغربيين السالفين. لذلك يعد طرح الإحالة النصية داخل اللغة العربية أوسع مما هو عليه داخل اللغات الغربية (الإنجليزية والفرنسية مثلاً) نجد عند زياد علي:
1-2-ضمائر وجودية متصلة:
ينتج المؤلف جملاً ثانية وثالثة ورابعة.. متماسكة نصياً ومرتبطة بالجملة الأولى عن طريق بعض الضمائر الوجودية المتصلة البانية للاتساق النصي.
تطالعنا الصفحة 5 بالقول التالي (شيخ وزوجته لم يخرجا من الدنيا إلاّ بولد عوضهما الله به عن الفقر وقسوة الزمان، فعاهدا نفسيهما أن يهباه للعلم والمعرفة) فضميرا المثنى (الألف/ هما) يجعلان الجمل اللاحقة تحيل إلى الجملة الأولى (شيخ وزوجته) يمكن توضيح هذه العلاقة السابقة بالمخطط الآتي:
يخرجا
شيخ وزوجته ــــــــ عوضـ ــــــــ (هما)ـــــ : علاقات سابقة
عاهدا
يهبا
يبنى ضمير المثنى السالف علاقات وثيقة مع الجملة الأولى (شيخ وزوجته) وهي علاقات تخلق اتساقاً نصياً بين الجمل. أن تأويلا عشوائياً يقصي ضمير المثنى العائد سينتج جملاً حكائية غير (أصولية) ويؤدي إلى تكرار بعض الكلمات التي تجعلنا الضمائر في غنى عنها.
يوظف القاص زياد علي في مجموعة (الطائر الذي نسي ريشه) إحالة لغوية أصيلة تقوم على عدة ضمائر وجودية متصلة ومنفصلة. إن هذه الإنجازات اللغوية المبدعة تسلك طريقين للإحالة:
1-3-طريق الإحالة المقامية:
يعانق المؤلف العالم الذي يقع خارج النص الحكائي.
1-4-طريق الإحالة النصية:
يلج المبدع إلى أعماق نصوص هذه المجموعة فينغمس فيها. يخلق الطريق الأول النصوص الحكائية، حيث يجعل الكاتب يحدد الفضاء الزمكاني للأحداث التواصيلية داخل عمله، وكذلك العلاقات الفيزيائية بين المتقاعلين مع الحكايات (بالنظر إلى إيماءاتهم وإشاراتهم وتعابير وجوههم)(2) ويجعل الطريق الأول المبدع زياد علي يربط لغته الواصفة بسياق المقام الحكائي. وقد أجاد ذلك بدقة متناهية.
تذكرنا التقنيات الحكائية الموظفة والمكونات المعرفية المضمرة، التي يغلفها الكاتب بطرق أسلوبية متينة، بحكايات (ألف ليلة وليلة) الشائعة في الكون وبـ (مائة ليلة وليلة) التي درسها الباحث التونسي محمود طرشونة وببعض الحكايات الروسية التي وضع لها "فلادمير بروب" تنظيراً شاملاً .. وبالحكاية المصرية الخلاقة (ياسين وبهية) وبغيرها من الحكايات في العالم، مما يجعل مؤلف مجموعة (الطائر الذي نسي ريشه) يتواصل عالمياً دون دونية أو زللٍ مع تقنيات وشروط الإنتاج الموضوعي للحكايات الكونية.
لا يوصل طريق الإحالة المقامية زياد علي إلى تأسيس اتساق مجمل داخل مجموعته الحكائية، في حين أن طريق الإحالة النصية يمثل سر الاتساق اللغوي عند هذا الكاتب.
1-5-علاقات لاحقة:
لا تتعرض الألسنية الخطابية الغربية لهذا المفهوم أثناء الممارسة التطبيقية. يقف تحديدها له عند المستوى النظري فقط..
تحكم الاتساق النصي، الذي يخلق تماسكاً متيناً بين الجمل المتوالية المكونة للخطاب الحكائي عند زياد علي، مجموعة من العلاقات اللاحقة كقوله في ص45:
((أنا أفقرته، وأنت تغنيه
أنا قتلته، وأنت تحييه)).
إن الضميرين المنفصلين الابتدائيين (أنا، أنت) يحيلان إلى الأفعال اللاحقة "أفقرت/ تغني، قتلت/ تحيي" فالعلاقة بين الضمير المنفصل والفعل هي علاقة السابق باللاحق من حيث الدلالة والتركيب. نجسد ذلك بالمخطط الآتي:
أ- أناـــــــ أفقرت+ ـــــــ علاقة لاحقة
أنا ـــــــ قتلت+ ـــــــ علاقة لاحقة
ب- أنت ــــــ تغني+ ـــــــ علاقة لاحقة
أنت ـــــــ تحييى+ ـــــــ علاقة لاحقة
يفرغ الكاتب نصوصه الحكائية في قوالب لغوية مقبولة تلوح بإنجازته الألسنية الموظفة لأسلوب شخصي متميز، يعتمد على المقابلات والمقارنات والإبراز أو الإخفاء لبعض العناصر اللغوية. وهي خصوصية أسلوبية لا مضارع لها عند مبدعي النصوص الحكائية لأنها تنسج الخطابات بلغة واصفة ترسم في بعض الصفحات معالم الخطاب الصوفي والسريالي بدقة فريدة.
يوزع زياد علي ادوار الكلام داخل نصوصه الحكائية المتسقة عن طريق الإحالة اللغوية المرتكزة على عدة ضمائر منفصلة وأخرى متصلة، كما أنه يغادر النص ليعانق الإحالة المقامية التي تقطع جذور الاتساق النصي، مما يجعل بعض الخطابات تتوغل في السرد. تضم الإحالة اللغوية، التي تمثل مظهراً قوياً من مظاهر الاتساق النصي في حكايات (الطائر الذي نسي ريشه)، مجموعة أخرى من الضمائر نطلق عليها:
1-6-ضمائر الملكية والنسبة:
أبرز التحليل الألسني الخطابي أن الكاتب يبدع اتساق نصوصه الحكائية بالاعتماد على استعمال ضمائر وجودية منفصلة ومتصلة تخلق علاقات سابقة ولاحقة بين الجمل المتتالية. ارتبطت هذه الضمائر كلها بالأفعال فقط.
نجد وسيلة أخرى للإحالة اللغوية عند زياد علي، وهي توظيفية لبعض ضمائر الملكية والنسبة المتعلقة بالأسماء فقط، مثل:
"أصحابه، أهله، خالي، عزمهما، أصحابك، لفرسه، جسدها، بأنغامه، موقفهما، ولدي، أغانيه، دكانك، صديقه، قصتك، والدك، رأسه، لكلبه، مهرها، سلوكه، طبعه، بعيادته، أمي، "بوي"، أحواله، تجارته، عملك، جوعه، سراحه، بأرجلها، بطنها، والده، خاله، بجناحيه، ريشه، صلاتكم، مشاكلكم، نفسه، ولدها، مضاربهم، أولادي، أختي، خالها..".
يوظف زياد علي ضمائر الملكية والنسبة ليبني اتساق النصوص الحكائية التي تحملها مجموعة (الطائر الذي نسي ريشه). يساعدنا هذا التوظيف على التمييز بين أدوار الكلام التي تنتمي إليها كل ضمائر الملكية والنسبة المتعلقة بالمتكلم: (ولدي، أمي، "أبوي"، أختي..) والمخاطب: (أصحابك، دكانك، قصتك، والدك، عملك صلاتكم، مشاكلكم، أولادك...) والغائب بأعداده الثلاثة: (أصحابه، أهله، عزمهما،
بفرسه، جسدها، بأنغامه، موقفهما، أغانيه، صديقه، رأسه، لكلبه، مهرها، سلوكه، طبعه، بعيادته، أحواله، تجارته، جوعه، سراحه، خالها..)
تحيل ضمائر الملكية والنسبة السالفة إلى السياق المرتبط بالمتكلم والغائب والمخاطب والفضاء الزمكاني. إنها ضمائر نعتبرها بنيوياً خارجة عن النص. وهو ما نعتناه سابقاً بالإحالة المقامية.. لا تلج هذه الإحالة عالم النص الحكائي إلاّ في الكلام المستشهد به" أو في خطابات مكتوبة متنوعة من ضمنها الخطاب السردي، وذلك لأن سياق المقام في الخطاب السردي يتضمن سياقاً للإحالة، وهو تخيل ينبغي أن ينطلق من النص نفسه، بحيث إن الإحالة داخله يجب أن تكون نصية"(3).
والحقيقة أن الخطاب الحكائي الذي يوظفه زياد علي لا يلغي الإحالة السياقية التي ترحل خارج نصوص (الطائر الذي نسي ريشه). يمكن اعتبار الضمائر التي يستعملها الكاتب: "أنا،نحن"، أو تلك التي تشير إلى القارئ العربي: "أنت، أنتم" بأنها سياقية. وهي عملية لغوية تؤدي إلى تنوع أدوار الكلام في خطابات هذه المجموعة.
يتجلى الدور الرائد للاتساق النصي عند زياد علي في بعض ضمائر الغيبة العددية (مفرد، مثنى، جمع) التي تؤدي أدواراً كلامية مخالفة للضمائر الوجودية المتصلة. هذه الضمائر هي: (هو، هي، هما، هم، هن) وقد سبق الذكر أنها تخلق علاقة سابقة مع الجملة الثانية: "وشربت ماءً لا هو من الأرض ولا هو من السماء".
إنها تربط عناصر النص ببعضها وتسدد كل فراغ بين الأقسام. والملاحظ أن ضمائر الملكية والنسبة الموظفة في هذه الحكايات تقوم بعمل مزدوج: فهي تضم المالك والمملوك أو المنسوب، والمنسوب إليه، من خلال التدقيق في كيفية عودة الضمائر على الكلمات المتعلقة بها.

الهوامش:
(1) محمد خطابي. لسانيات النص: مدخل إلى انسجام الخطاب. المركز الثقافي العربي: الدار البيضاء. المغرب.
ط1. 1991. ص15.
(2) المرجع نفسه. ص17
(3) المرجع نفسه. ص18.
منقووووووووووووول














رد مع اقتباس
قديم 2013-03-05, 21:46   رقم المشاركة : 15
معلومات العضو
**د لا ل**
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي

اهلا وسهلا










رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
*«•¨*•.¸¸.»منتدى, اللغة, العربية, «•¨*•.¸¸.»*, طلبة

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 03:02

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2024 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc