فنون الحوار والاتصال
بسم الله الرحمن الرحيم الذى علمنا أن: " الرحمن ، علم القرآن ، خلق الإنسان ، علمه البيان " البيان عبر الاتصال ، إن دورنا هو توصيل الرسالة فى وضوح ونقاء : " ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة " بمعنى دعوة الناس وإرشادهم إلى طريق الله تعالى بأعقل الوسائل وأحلمها وأنسبها واستخدم أسلوب الموعظة الحسنة والحوار الجذاب .
وإذا كان للداعى مجموعة من الأدوات والرسائل يسعى من خلالها إلى نشر دعوته بين الناس فإن عليه أن يتذكر دائماً أن أداته الأولى المتقدمة على غيرها.
الحوار : من المُحاورة ؛ وهي المُراجعة في الكلام .
الجدال : من جَدَلَ الحبل إذا فَتَلَه ؛ وهو مستعمل في الأصل لمن خاصم بما يشغل عن ظهور الحق ووضوح الصواب ، ثم استعمل في مُقابَلَة الأدلة لظهور أرجحها .
والحوار والجدال ذو دلالة واحدة ، وقد اجتمع اللفظان في قوله تعالى : { قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ } (المجادلة:1) ويراد بالحوار والجدال في مصطلح الناس : مناقشة بين طرفين أو أطراف ، يُقصد بها تصحيح كلامٍ ، وإظهار حجَّةٍ ، وإثبات حقٍ ، ودفع شبهةٍ ، وردُّ الفاسد من القول والرأي .
وقد يكون من الوسائل في ذلك : الطرق المنطقية والقياسات الجدليَّة من المقدّمات والمُسلَّمات ، مما هو مبسوط في كتب المنطق وعلم الكلام وآداب البحث والمناظرة وأصول الفقة ( 1 ) .
غاية الحوار :
الغاية من الحوار إقامةُ الحجة ، ودفعُ الشبهة والفاسد من القول والرأي . فهو تعاون من المُتناظرين على معرفة الحقيقة والتَّوصُّل إليها ، ليكشف كل طرف ما خفي على صاحبه منها ، والسير بطرق الاستدلال الصحيح للوصول إلى الحق . يقول الحافظ الذهبي : ( إنما وضعت المناظرة لكشف الحقِّ ، وإفادةِ العالِم الأذكى العلمَ لمن دونه ، وتنبيهِ الأغفلَ الأضعفَ ) ( 2 ) .
هذه هي الغاية الأصلية ، وهي جليَّة بيِّنة ، وثَمَّت غايات وأهداف فرعية أو مُمهِّدة لهذا الغاية منها :
- إيجاد حلٍّ وسط يُرضي الأطراف .
- التعرُّف على وجهات نظر الطرف أو الأطراف الأخرى ، وهو هدف تمهيدي هام .
- البحث والتنقيب ، من أجل الاستقصاء والاستقراء في تنويع الرُّؤى والتصورات المتاحة ، من أجل الوصول إلى نتائج أفضل وأمْكَنَ ، ولو في حوارات تالية .
وقوع الخلاف بين الناس :
الخلاف واقع بين الناس في مختلف الأعصار والأمصار ، وهو سنَّة الله في خلقه ، فهم مختلفون في ألوانهم وألسنتهم وطباعهم ومُدركاتهم ومعارفهم وعقولهم ، وكل ذلك آية من آيات الله ، نبَّه عليه القرآن الكريم في قوله تعالى : { وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِلْعَالِمِينَ } (الروم:22)
وهذا الاختلاف الظاهريّ دالُّ على الاختلاف في الآراء والاتجاهات والأعراض . وكتاب الله العزيز يقرر هذا في غير ما آية ؛ مثل قوله سبحانه : { وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (118) إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ } (هود:119) .
يقول الفخر الرازي : ( والمراد اختلاف الناس في الأديان والأخلاق والأفعال ) .
ومن معنى الآية : لو شاء الله جعل الناس على دين واحد بمقتضى الغريزة والفطرة .. لا رأي لهم فيه ولا اختيار .. وإِذَنْ لما كانوا هذا النوع من الخلق المُسمّى البشر ؛ بل كانوا في حيلتهم الاجتماعية كالنحل أو كالنمل ، ولكانوا في الرّوح كالملائكة ؛ مفطورين على اعتقاد الحقِّ والطاعة ؛ لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون ، لا يقع بينهم اختلاف ولا تنازع . ولكنّ الله خلقهم بمقتضى حكمته كاسبين للعلم لا مُلْهَمين . عاملين بالاختيار ، وترجيح بعض المُمْكنات المتعارضات على بعض ؛ لا مجبورين ولا مضطرين . وجعلهم متفاوتين في الاستعداد وكسب العلم واختلاف الاختيار .
أما قوله تعالى : { وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ } (هود:119) .
فلتعلموا أن اللام ليست للغاية ؛ فليس المُراد أنه سبحانه خلقهم ليختلفوا ، إذ من المعلوم أنه خلقهم لعبادته وطاعته . وإنما اللام للعاقبة والصَّيْرورة ؛ أي لثمرة الاختلاف خلقهم ، وثمرته أن يكونوا فريقين : فريقاً في الجنة ، وفريقاً في السعير .
وقدّ تُحْملُ على التعليل من وجه آخر ، أي خلقهم ليستعدَّ كلٌ منهم لشأنٍ وعمل ، ويختار بطبعه أمراً وصنعة ، مما يَسْتَتِبُّ به نظام العالم ويستقيم به أمر المعاش ، فالناس محامل لأمر الله ، ويتخذ بعضهم يعضاً سخرياً ( 3 ) .
خلقوا مستعدين للاختلاف والتفرق في علومهم ومعارفهم وآرائهم ومشاعرهم ، وما يتبع ذلك من إراداتهم واختيارهم في أعمالهم ، ومن ذلك الإيمان ، والطاعة والمعصية ( 4 ) .
أهمية الحوار :
1- إجادة الحوار والاتصال من مكونات الشخصية السوية المساهمة فى بناء مجتمع سوى .
2- تحقيق أكبر قدر ممكن من المكاسب الدعوية .
3- الاقتداء بالقرآن والسنة واتباع المنهج الصحيح فى الدعوة : " ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة " وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب .
الحوار فى القرآن :
اهتم القرآن بالحوار اهتماماً بالغاً حتى أن القرآن فى كثير من آياته عبارة عن مجموعة من الحوارات واهتم القرآن بتسجيل جميع الحوارات ، حتى حوارات الكافرين المعاندين لله : " وقالوا إن هى إلا حياتنا الدنيا وما نحن بمبعوثين " .
وقدم لنا القرآن نماذج متعددة من الحوار مثل حوار الله عز وجل مع آدم ، حوار الله عز وجل مع عيسى فى سورة المائدة ، وحوار الله عز وجل مع إبراهيم عندما طلب منه أن يريه كيف يحيى الموتى ، وحوار الله عز وجل مع موسى عندما طلب منه أن يراه ، وحوار ابنى آدم ، وحوار صاحب الجنتين وغيره كثير .
الحوار فى السنة :
ورد فى السنة النبوية المطهرة عديد من الحوارات مثل حوار الرسول ( صلى الله عله وسلم ) مع عتبة بن ربيعة ، حوار الرسول ( صلى الله عله وسلم ) مع الأنصار بعد حنين ، حوار الرسول ( صلى الله عله وسلم ) مع الرجل الذى أنكر ولده ، حوار الرسول ( صلى الله عله وسلم ) مع بنى شيبان .
الحوار فى التراث :
وتراثنا الإسلامي زاخر بالعديد من الحوارات مثل حوار أبى بكر وعمر بعد وفاة الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) ، حوار الغضبان مع الحجاج .
القواعد الأساسية للحوار
بنى الحوار على 3 قواعد :
1. مادة الحوار.
2. صفات المحاور.
3. المنصت (الطرف الآخر).
أولا .. مادة الحوار:
1. أن تكون مادة الحوار معلومة الهدف واضحة الملامح.
2. تحليل الموضوع إلى :
• مقدمة منطقية ( ما الذي تريد أن تطرحه ؟ )
• نتيجة ( ماهي النتيجة التى ستصل إليها؟ )
3. أن لا تكون فيما يغضب الله..مثل الغيبة والنميمة والحث على الفساد.
4. أن يكون الحوار بلغة مفهومه بين الطرفين.
5. أن تكون في الموضع المناسب والوقت المناسب.
6. أن يأخذ الحوار المدة التي يستحقها فلا يزيد ولا ينقص.
ثانيا : صفات المحاور الناجح :
1. أخلص نيتك لله : أي إخلاص الحوار لله ، ابتغاء مرضاته وطلبا لثوابه.
2. لا تستطرد : لا تشعب موضوع المناقشة، فإنه مضيعه للوقت ومباعدة بين القلوب.
3. كن حنونا : لأن كسب القلوب أهم من كسب الموقف.
4. جامل ولكن بصدق : جامل الناس تحز رق الجميع رب قيد من جميل وصنيع
5. ربط آخر الحديث بأوله.
ثالثا : صفات المستمع ( المنصت):
1. جهز نفسك لعملية الإنصات ولا تشغل نفسك بما يبدد انتباهك لكلام الطرف الآخر.
2. لا تقاطع المحاور وأعطه فرصه كافيه للتعبير .
3. حاول أن تفهم كل ما يقوله محدثك ، واستفسر عن كل ما تفهمه ولكن في الأوقات المناسبة.
4. لا تجعل مشاعرك تؤثر في آرائك.
5. اصغ بهدف الفهم والاستيعاب ، وليس بهدف المناقضة والرد.
6. لا تصدر أحكاما مبكرة بينك وبين نفسك.
7. كن منشرح الصدر عند الاستماع .. وتذكر قول الشاعر:
تراه يصغي للحديث بسمعه وبقلبه ، ولعله أدرى به !!
كلمة أخيره :
بمقدار إجادتنا لفنون الحوار والإقناع يكون نجاحنا وتميزنا في علاقاتنا واتصالنا مع الآخرين .