الناقض الثامن مظاهرة المشركين ومعاونتهم على المسلمين - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الدين الإسلامي الحنيف > قسم خاص لطلبة العلم لمناقشة المسائل العلمية

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

الناقض الثامن مظاهرة المشركين ومعاونتهم على المسلمين

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2024-02-29, 07:33   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
عبدالله الأحد
عضو فعّال
 
إحصائية العضو










افتراضي الناقض الثامن مظاهرة المشركين ومعاونتهم على المسلمين

الناقض الثامن
مظاهرة المشركين ومعاونتهم على المسلمين
* أنواع موالاة الكفار: «المظاهرة والنصرة والمحبة بالقلب والثناء والمدح وغير ذلك».
* التولي على قسمين:
1- توليهم من أجل دينهم وهذا كفر مخرج من الملة.
2- توليهم من أجل طمع الدنيا مع بغضهم وبغض دينهم وهذا محرم وليس بكفر.
* مسألة: الاستعانة بالكفار على قتال الكفار:
اختلف فيها أهل العلم:
1- منهم من منع مطلقاً .
2- منهم من أجاز بقيود وشروط منها: الحاجة إليهم وأمن مكرهم وخيانتهم بالمسلمين.
* مسألة: الاستعانة بالكفار على قتال المسلمين:
منع ذلك أكثر العلماء وجماهيرهم: فإن كان في قتال هؤلاء البُغاة من المسلمين مما يقوي شوكة الكفار على المسلمين ويظهرهم عليهم فهذا داخل في قوله تعالى: [وَمَنْ يَتَوَلَّهمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ] {المائدة:51}. وأما الاستعانة بهم دون ذلك في الحكم فلا يصل إلى الكفر والردة والخروج من الملة.









 


رد مع اقتباس
قديم 2024-02-29, 07:33   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
عبدالله الأحد
عضو فعّال
 
إحصائية العضو










افتراضي

مظاهَرةُ المُشرِكين على المُسلِمين
المقصودُ بمظاهرةِ المُشرِكين على المُسلِمين: أن يكونَ قَومٌ من المنتَسِبين للإسلامِ أنصارًا وظُهورًا وأعوانًا للكُفَّارِ ضِدَّ مُسلِمين آخَرينَ، فهذا كُفرٌ يناقِضُ الإيمانَ .
والتوَلِّي يكونُ بمعنى الموالاةِ؛ فإنَّ التوَلِّيَ والموالاةَ من مادَّةٍ واحدةٍ، وهي: وَلِيَ بمعنى قَرُب، والوَلِيُّ: النَّاصِرُ، ضِدُّ العَدُوِّ .
وابن جريرٍ في عِدَّةِ مواضِعَ من تفسيرِه، يفسِّرُ معنى اتخاذِ الكُفَّارِ أولياءَ، بمعنى: جَعْلِهم أنصارًا ، وهو بمعنى توَلِّيهم.
وإذا كان التولِّي بمعنى الموالاةِ، فكما أنَّ مُوالاةَ الكُفَّارِ ذاتُ شُعَبٍ مَتفاوتةٍ، منها ما يُخرِجُ من المِلَّةِ، كالموالاةِ المُطلَقةِ لهم، ومنها ما دون ذلك؛ فإنَّ تولِّيَ الكُفَّارِ مِثلُ مُوالاتهم، فهناك التولِّي المطلَقُ التَّامُّ الذي يناقِضُ الإيمانَ بالكُلِّيَّةِ، وهناك مراتبُ دونَ ذلك .
قال السَّعديُّ: (إنَّ التولِّيَ التَّامَّ يوجِبُ الانتقالَ إلى دينِهم، والتوَلِّيَ القليلَ يدعو إلى الكثيرِ، ثم يتدرَّجُ شيئًا فشيئًا حتى يكونَ العبدُ منهم) .
وقال أيضًا: (وذلك الظُّلمُ يكونُ بحَسَبِ التوَلِّي؛ فـإن كان توليًا تامًّا صار ذلك كُفـرًا مُخرِجًا عن دائرة الإسلامِ، وتحت ذلك من المراتبِ ما هو غليظٌ، وما هو دونَ ذلك) .
وقد بَيَّن اللهُ أن توَلِّيَ الكُفَّارِ موجِبٌ لسَخَطِ اللهِ تعالى، والخلودِ في عذابِه، وأن متوَلِّيَهم لو كان مؤمنًا ما فعل ذلك؛ لأنَّ مُظاهرةَ الكُفَّارِ ضِدَّ المُسلِمين خيانةٌ لله تعالى، ولرَسولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وللمؤمِنين.
قال اللهُ تعالى: تَرَى كَثِيرًا مِّنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ أَن سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِالله والنَّبِيِّ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاء وَلَـكِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ [المائدة:80، 81].
قال ابنُ تيميَّةَ: (فذكر جُملَةً شَرطيَّةً تقتضي أنَّه إذا وُجِد الشَّرطُ، وُجِدَ المشروطُ بحرف «لو» التي تقتضي مع الشَّرطِ انتفاءَ المشروطِ؛ فقال: وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ والنَّبِيِّ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاء؛ فدلَّ على أنَّ الإيمانَ المذكورَ ينفي اتخاذَهم أولياءَ ويضادُّه، ولا يجتمِعُ الإيمانُ واتخاذُهم أولياءَ في القَلْبِ، ودَلَّ ذلك على أنَّ من اتخذهم أولياءَ ما فعل الإيمانَ الواجِبَ؛ من الإيمانِ باللهِ والنَّبيِّ وما أُنزِلَ إليه) .
وقال اللهُ سُبحانَه: لَّا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُوْنِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ [آل عمران: 28] .
قال ابنُ جريرٍ: (معنى ذلك: لا تتَّخِذوا -أيُّها المؤمنون- الكُفَّارَ ظُهورًا وأنصارًا، توالونَهم على دينِهم، وتُظاهِرونَهم على المُسلِمين من دونِ المؤمِنين، وتَدُلُّونَهم على عَوراتِهم؛ فإنَّه من يفعَلْ ذلك فليس من اللهِ في شيءٍ، يعني بذلك: فقد بَرِئَ من اللهِ، وبرئ اللهُ منه بارتدادِه عن دينِه، ودُخولِه في الكُفرِ) .
وقال سليمانُ بن عبد الله آل الشَّيخِ: (قَولُه تعالى: أَلَمْ تَر إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِن قُوتِلْتُمْ لَنَنصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ [الحشر: 11] ... فإذا كان وعدُ المشركين في السِّرِّ -بالدُّخولِ معهم ونُصرتِهم والخروجِ معهم إن أُجْلُوا- نفاقًا وكفرًا وإن كان كذبًا، فكيف بمن أظهر لهم ذلك صادقًا، وقَدِمَ عليهم، ودَخَل في طاعتهم، ودعا إليها، ونصَرَهم وانقاد لهم، وصار من جملتِهم، وأعانهم بالمالِ والرأي؟! هذا مع أنَّ المُنافِقين لم يفعَلوا ذلك إلَّا خوفًا من الدَّوائِرِ، كما قال تعالى: فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَن تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ [المائدة: 52] وهكذا حالُ كثيرٍ من المُرتَدِّين في هذه الفتنةِ؛ فإنَّ عُذرَ كثيرٍ منهم هو هذا العُذرُ الذي ذكره اللهُ عن الذين في قُلوبِهم مَرَضٌ، ولم يَعذِرْهم به) .
وقال عبد اللَّطيفِ بنُ عبدِ الرَّحمنِ آل الشيخ: (أمَّا قَولُه: وَمَن يَتَوَلَّهُمْ مِنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ [المائدة: 51] ، وقَولُه: لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ [المجادلة: 22] ، وقَولُه تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِّنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاء وَاتَّقُوا اللَّهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ [المائدة: 57] ؛ فقد فسَّرَتْه السُّنَّةُ وقيَّدَته وخصَّتْه بالموالاةِ المُطلَقةِ العامَّةِ) .
وقد يَخلِطُ البعضُ بين مسألةِ توَلِّي الكُفَّارِ ومُظاهَرتِهم، وبين مسألةِ الاستعانةِ بهم في قِتالِ الكُفَّارِ؛ فالمسألةُ الأُولى خروجٌ عن المِلَّةِ، ومحاربةٌ للهِ تعالى ورسولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ومفارَقةٌ لسَبيلِ المُؤمِنين.
قال عبدُ اللَّطيفِ بن عبد الرَّحمن آل الشَّيخ: (أكبَرُ ذَنبٍ وأضَلُّه وأعظَمُه منافاةً لأصلِ الإسلامِ: نُصرةُ أعداءِ اللهِ ومُعاونَتُهم، والسَّعيُ فيما يُظهِرُ به دينَهم وما هم عليه من التعطيلِ والشِّركِ والموبِقاتِ العِظامِ) .
وأمَّا مسألةُ الاستعانةِ بهم في قتالِ كُفَّارٍ آخَرينَ، فهي مسألةٌ خِلافيَّةٌ بين أهلِ العِلمِ؛ فهناك من منعها، وهناك من أجازها بشُروطٍ، كأن يحتاجَ إليهم، وتؤمَنَ خيانتُهم، وأن لا يكونوا أصحابَ صَولةٍ وشَوكةٍ... إلخ ، وأمَّا الاستعانةُ بالكُفَّارِ على بُغاةِ المُسلِمين فهذه ممنوعةٌ عند جماهيرِ عُلَماءِ الإسلامِ .
قال ابنُ حزمٍ: (قد عَلِمْنا أنَّ من خرج عن دارِ الإسلامِ إلى دارِ الحَربِ فقد أَبَق عن الله تعالى، وعن إمامِ المُسلِمين وجماعتِهم،... قال تعالى: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ [التوبة: 71] ، فصَحَّ بهذا أنَّ من لَحِقَ بدارِ الكُفرِ والحَربِ مختارًا محاربًا لمن يليه من المُسلِمين، فهو بهذا الفِعلِ مُرتَدٌّ، له أحكامُ المُرتَدِّ كُلُّها؛ من وجوبِ القتلِ عليه متى قُدِرَ عليه، ومن إباحةِ مالِه، وانفِساخِ نِكاحِه، وغيرِ ذلك؛ لأنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لم يَبرَأْ من مُسلِمٍ، وأمَّا من فرَّ إلى أرضِ الحَربِ لظُلمٍ خافه، ولم يحارِبِ المُسلِمين، ولا أعانهم عليهم، ولم يجِدْ في المُسلِمين من يجيرُه، فهذا لا شيءَ عليه؛ لأنَّه مضطَرٌّ مُكرَهٌ... وأمَّا مَن حمَلَتْه الحَمِيَّةُ من أهلِ الثَّغرِ من المُسلِمين، فاستعان بالمُشرِكين الحربيِّين، وأطلق أيديَهم على قَتْلِ من خالفَه من المُسلِمين، أو على أخْذِ أموالِهم أو سَبْيِهم، فإن كانت يدُه هي الغالبةَ، وكان الكُفَّارُ له كأتباعٍ، فهو هالِكٌ في غايةِ الفُسوقِ، ولا يكونُ بذلك كافرًا؛ لأنَّه لم يأتِ شيئًا أوجَبَ به عليه كُفرًا: قُرآنٌ أو إجماعٌ، وإن كان حُكمُ الكُفَّارِ جاريًا عليه، فهو بذلك كافِرٌ على ما ذكَرْنا، فإن كانا متساويَينِ لا يجري حُكمُ أحَدِهما على الآخَرِ فما نراه بذلك كافِرًا. واللهُ أعلَمُ) .
ومُظاهَرةُ الكُفَّارِ على المُسلِمين ناقِضٌ من نواقِضِ الإيمانِ؛ لعِدَّةِ أسبابٍ؛ منها:
1- قَولُ الله تعالى: وَمَن يَتَوَلَّهُمْ مِنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ [المائدة: 51] .
فبَيَّن اللهُ تعالى أنَّ من فَعَل ذلك فهو منهم، أي: من أهلِ دينِهم ومِلَّتِهم، فله حُكمُهم.
قال ابنُ جريرٍ: (من تولَّاهم ونصَرَهم على المؤمنين فهو من أهلِ دينِهم ومِلَّتِهم؛ فإنَّه لا يتولَّى متولٍّ أحدًا إلَّا وهو به وبدينِه وما هو عليه راضٍ، وإذا رَضِيَه ورَضِيَ دينَه فقد عادى ما خالفه وسَخِطَه، وصار حُكمُه حُكمَه) .
وقال ابنُ حزم: (صحَّ أنَّ قَولَ اللهِ تعالى وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ [المائدة: 51] إنَّما هو على ظاهِرِه بأنَّه كافِرٌ من جملةِ الكُفَّارِ فقط، وهذا حقٌّ لا يختَلِفُ فيه اثنانِ من المُسلِمين) .
وقال القُرطبي: (قَولُه تعالى: وَمَن يَتَوَلَّهُمْ مِنكُمْ أي: يُعَضِّدُهم على المُسلِمين فَإِنَّهُ مِنْهُمْ بيَّن تعالى أنَّ حُكمَه كحُكمِهم، وهو يمنَعُ إثباتَ الميراثِ للمُسلِمِ من المُرتَدِّ، وكان الذي تولَّاهم ابنُ أُبيٍّ، ثمَّ هذا الحُكْمُ باقٍ إلى يومِ القيامةِ في قَطْعِ الموالاةِ) .
وقال القاسمي: (فَإِنَّهُ مِنْهُمْ: أي: من جُملتِهم، وحُكمُه حُكمُهم، وإن زعم أنَّه مخالِفٌ لهم في الدِّينِ، فهو بدَلالةِ الحالِ منهم؛ لدَلالتِها على كَمالِ الموافَقةِ... إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ يعني: الذين ظَلَموا أنفُسَهم بموالاةِ الكَفَرةِ. روى ابنُ أبي حاتمٍ عن ابنِ سيرينَ قال: قال عبدُ اللهِ بنُ عُتبةَ: لِيَتَّقِ أحَدُكم أن يكونَ يَهوديًّا أو نصرانيًّا وهو لا يَشعُرُ، قال: فظَنَنَّاه يريدُ هذه الآيةَ) .
وقال اللهُ سُبحانَه: وَمَن يَتَوَلَّهُمْ مِنكُمْ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ [التوبة: 23] .
قال ابنُ جريرٍ: (يقولُ: ومن يتَّخِذْهم منكم بِطانةً من دونِ المؤمنينَ، ويؤثِرِ المقامَ معهم على الهِجرةِ إلى رَسولِ اللهِ ودارِ الإسلامِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ يقولُ: فالذين يَفعَلون ذلك منكم هم الذين خالفوا أمرَ اللهِ، فوَضَعوا الوَلايةَ في غيرِ مَوضِعِها، وعَصَوا اللهَ في أمْرِه. وقيل: إنَّ ذلك نزل نهيًا من اللهِ المؤمنينَ عن موالاةِ أقرِبائِهم الذين لم يُهاجِروا من أرضِ الشِّركِ إلى دارِ الإسلامِ) .
وقال السَّعديُّ: (وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنكُمْ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ؛ لأنَّهم تجَرَّؤوا على معاصي اللهِ، واتَّخَذوا أعداءَ اللهِ أولياءَ، وأصلُ الولايةِ: المحبَّةُ والنُّصرةُ، وذلك أنَّ اتخاذَهم أولياءَ موجِبٌ لتقديمِ طاعتِهم على طاعةِ اللهِ، ومحَبَّتَهم على محبَّةِ اللهِ ورَسولِه) .
والظُّلمُ إذا أُطلِقَ يرادُ به الشِّركُ الأكبرُ ، فدلَّ هذا على أنَّ مُظاهرةَ الكُفَّارِ على المُسلِمين خروجٌ عن المِلَّةِ.
وقال اللهُ سُبحانَه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ [الممتحنة: 13] .
قال ابنُ كثيرٍ: (ينهى تبارك وتعالى عن موالاةِ الكافرين في آخِرِ هذه السُّورةِ، كما نهى عنها في أوَّلِها، فقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَوَلَّوْا..... فكيف تُوالونَهم وتتَّخِذونَهم أصدِقاءَ وأخِلَّاءَ؟) .
2- أنَّ مُظاهرةَ الكُفَّارِ على المُسلِمين موالاةٌ تتضَمَّنُ بُغضًا لدينِ اللهِ تعالى، وحربًا لعبادِ اللهِ الصَّالحين، ونُصرةً للكُفَّارِ، ولا شَكَّ أنَّ الإيمانَ لا يمكِنُ أن يجتَمِعَ مع هذه الموالاةِ.
قال اللهُ تعالى: تَرَى كَثِيرًا مِّنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ أَن سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِالله والنَّبِيِّ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاء وَلَـكِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ [المائدة: 80-81] .
فبيَّن سُبحانَه وتعالى أنَّ الإيمانَ باللهِ والنَّبيِّ وما أُنزِلَ إليه مستلزِمٌ لعدمِ ولايتِهم، فثبوتُ ولايتِهم يوجِبُ عَدَمَ الإيمانِ؛ لأنَّ عَدَمَ اللازمِ يقتضي عدَمَ الملزومِ، كما سَجَّل على من تولَّى الكافرين بالمذَمَّةِ وحُلولِ السَّخَطِ عليهم والخُلودِ في العذابِ .
قال ابنُ تيميَّةَ: (قَولُه تعالى: لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ [المجادلة: 22] ، فأخبر أنَّك لا تجِدُ مُؤمِنًا يُوادُّ المحادِّين لله ورَسولِه؛ فإنَّ نَفْسَ الإيمانِ ينافي مُوادَّتَه، كما ينفي أحدُ الضِّدِّين الآخَرَ، فإذا وُجِد الإيمانُ انتفى ضِدُّه، وهو موالاةُ أعداءِ اللهِ، فإذا كان الرَّجُلُ يوالي أعداءَ اللهِ بقَلْبِه، كان ذلك دليلًا على أنَّ قَلْبَه ليس فيه الإيمانُ الواجِبُ.
ومِثلُه قَولُه تعالى في الآيةِ الأُخرى: تَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ * وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ فَاسِقُونَ [المائدة: 80، 81]، فذَكَر جُملةً شَرطيَّةً تقتضي أنَّه إذا وُجِد الشَّرطُ وُجِد المشروطُ بحرفِ «لو» التي تقتضي مع الشَّرطِ انتفاءَ المشروطِ، فقال: وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِالله والنَّبِيِّ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاء؛ فدَلَّ على أنَّ الإيمانَ المذكورَ ينفي اتخاذَهم أولياءَ ويُضادُّه، ولا يجتَمِعُ الإيمانُ واتخاذَهم أولياءَ في القَلْبِ، ودلَّ ذلك على أنَّ من اتخَذَهم أولياءَ ما فَعَل الإيمانَ الواجِبَ من الإيمانِ باللهِ وما أُنزِلَ إليه.
ومِثلُه قَولُه تعالى: لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ مِنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ [المائدة: 51] ، فإنَّه أخبر في تلك الآياتِ أنَّ مُتوَلِّيَهم لا يكونُ مؤمنًا، وأخبر هنا أنَّ مُتوَلِّيَهم هم منهم، والقُرآنُ يُصَدِّقُ بعضُه بعضًا) .
وقال سليمانُ بنُ عبد اللهِ آل الشيخ: (قَولُه تعالى: لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ [المجادلة: 22] فأخبر تعالى أنَّك لا تجِدُ من يؤمِنُ باللهِ واليومِ الآخِرِ يوادُّون من حادَّ اللهَ ورسولَه، ولو كان أقرَبَ قريبٍ، وأنَّ هذا منافٍ للإيمانِ مُضادٌّ له، لا يجتَمِعُ هو والإيمانُ إلَّا كما يجتَمِعُ الماءُ والنَّارُ) .
وقال أيضًا: (قَولُه تعالى: وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ فَاسِقُونَ [المائدة: 81] فذكر تعالى أنَّ مُوالاةَ الكُفَّارِ مُنافيةٌ للإيمانِ باللهِ والنَّبيِّ وما أُنزِلَ إليه، ثم أخبر أنَّ سببَ ذلك كونُ كثيرٍ منهم فاسقون، ولم يفَرِّقْ بين من خاف الدائرةَ وبين من لم يخَفْ، وهكذا حالُ كثيرٍ من هؤلاء المُرتَدِّين قبل رِدَّتِهم، كثيرٌ منهم فاسقون، فجَرَّهم ذلك إلى موالاةِ الكُفَّارِ، والرِّدَّةِ عن الإسلامِ. نعوذُ باللهِ من ذلك) .










رد مع اقتباس
قديم 2024-02-29, 07:33   رقم المشاركة : 3
معلومات العضو
عبدالله الأحد
عضو فعّال
 
إحصائية العضو










افتراضي

3- قال اللهُ تعالى: لَّا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُوْنِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَن تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً [آل عمران: 28] .
قال البيضاوي: (وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ أي: اتخاذَهم أولياءَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ أي: من وَلايتِه في شيءٍ يَصِحُّ أن يُسمَّى ولايةً؛ فإنَّ مُوالاتَي المتعادِيَيْن لا يجتَمِعانِ) .
وقال الشوكاني: (قَولُه: لَّا يَتَّخِذِ فيه النَّهيُ للمؤمِنين عن موالاةِ الكُفَّارِ لسببٍ من الأسبابِ،... وقَولُه: مِنْ دُوْنِ الْمُؤْمِنِينَ في محلِّ الحالِّ، أي: متجاوزينَ المؤمنين إلى الكافرينَ استقلالًا أو اشتراكًا،... ومعنى قَولِه: فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ أي: من وَلايتِه في شيءٍ مِن الأشياء، بل هو مُنسلِخٌ عنه بكُلِّ حالٍ) .
4- أنَّ مُظاهرةَ أعداءِ اللهِ تعالى كفرٌ ونِفاقٌ، وقد حكم اللهُ تعالى بذلك في قَولِه عزَّ وجَلَّ: فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللَّهُ أَرْكَسَهُم بِمَا كَسَبُوا أَتُرِيدُونَ أَن تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاء فَلَا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِيَاء حَتَّىَ يُهَاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ… [النساء: 88-89] .
قال السَّعديُّ: (المرادُ بالمُنافِقين المذكورينَ في هذه الآياتِ: المُنافِقون المظهِرون إسلامَهم، ولم يهاجِروا مع كُفْرِهم، وكان قد وقع بين الصَّحابةِ رِضوانُ اللهِ عليهم فيهم اشتباهٌ، فبعضُهم تحرَّج عن قتالِهم، وقَطَع موالاتَهم بسبَبِ ما أظهَروه من الإيمانِ، وبعضُهم عَلِم أحوالَهم بقرائِنِ أفعالِهم، فحَكَم بكُفْرِهم، فأخبرهم اللهُ تعالى أنَّه لا ينبغي لكم أن تشتَبِهوا فيهم ولا تشُكُّوا، بل أمْرُهم واضِحٌ غيرُ مُشكِلٍ، إنَّهم مُنافِقون قد تكرَّر كُفْرُهم، وودُّوا مع ذلك كُفْرَكم، وأن تكونوا مِثْلَهم، فإذا تحقَّقْتُم ذلك منهم فَلَا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِيَاءَ، وهذا يستلزِمُ عَدَمَ محبَّتِهم؛ لأنَّ الوَلايةَ فرعُ المحبَّةِ.
ويَستلزِمُ أيضًا بُغْضَهم وعداوتَهم؛ لأنَّ النَّهيَ عن الشَّيءِ أمرٌ بضِدِّه، وهذا الأمرُ مُوَقَّتٌ بهِجرتِهم، فإذا هاجروا جرى عليهم ما جرى على المُسلِمين، كما كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يُجري أحكامَ الإسلامِ لكُلِّ من كان معه وهاجر إليه، وسواءٌ كان مؤمِنًا حقيقةً أو ظاهِرَ الإيمانِ) .
فمُظاهَرةُ الكُفَّارِ على المُسلِمين خَصلةٌ من خِصالِ المُنافِقين، وشُعبةٌ من شُعَبِ النِّفاقِ، كما ورد في القُرآنِ الكريمِ:
قال اللهُ تعالى: بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ العِزَّةَ لِلّهِ جَمِيعًا [النساء: 138-139] .
قال ابنُ كثيرٍ: (يعني: أنَّ المُنافِقينَ من هذه الصِّفةِ، فإنَّهم آمَنوا ثمَّ كَفَروا، فطُبِع على قلوبِهم، ثمَّ وصَفَهم بأنَّهم يتَّخِذون الكافرين أولياءَ من دونِ المؤمنين، بمعنى أنَّهم معهم في الحقيقةِ، يوالونَهم ويُسِرُّون إليهم بالمودَّةِ، ويقولون لهم إذا خَلَوا بهم: إنَّما نحن معكم، إنَّما نحن مستَهزِئون، أي: بالمؤمنين في إظهارِنا لهم الموافَقةَ؛ قال اللهُ تعالى مُنكِرًا عليهم فيما سَلَكوه من مُوالاةِ الكافرين: أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ، ثمَّ أخبر تعالى بأنَّ العِزَّةَ كُلَّها لله وَحْدَه لا شريكَ له، ولمن جعَلَها له، كما قال في الآيةِ الأخرى: مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا [فاطر: 10] ، وقال تعالى: وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ [المنافقون: 8] ، والمقصودُ من هذا التهييجُ على طَلَبِ العِزَّةِ من جنابِ اللهِ، والالتجاءِ إلى عُبوديَّتِه، والانتظامِ في جملةِ عبادِه المؤمنين الذين لهم النُّصرةُ في هذه الحياةِ الدُّنيا، ويومَ يقومُ الأشهادُ) .
وقال اللهُ سُبحانَه: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِم مَّا هُمْ مِنكُمْ وَلا مِنْهُمْ وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا إِنَّهُمْ سَاء مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [المجادلة: 14-15] .
قال البغوي: (نزلت في المُنافِقين؛ توَلَّوا اليهودَ وناصَحوهم ونَقَلوا أسرارَ المؤمنين إليهم، وأراد بقَولِه: غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ اليهودَ، مَا هُمْ مِنْكُمْ وَلَا مِنْهُمْ يعني المُنافِقين، ليسوا من المؤمِنين في الدِّينِ والوَلايةِ، ولا من اليهودِ والكافرين، كما قال: مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ) .
وقال اللهُ عزَّ وجَلَّ: أَلَمْ تَر إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِن قُوتِلْتُمْ لَنَنصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ [الحشر: 11] .
قال ابنُ جريرٍ: (يقولُ تعالى ذِكْرُه لنبيِّه مُحمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ألم تنظُرْ بعينِ قَلْبِك يا مُحمَّدُ، فترى إلى الذين نافَقوا، وهم -فيما ذُكِرَ- عبدُ اللهِ بنُ أبيٍّ ابنُ سَلُولَ، ووديعةُ ومالكٌ ابنا نوفَلٍ، وسُوَيد وداعِس؛ بَعَثوا إلى بني النضيرِ حين نزل بهم رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم للحَرْبِ أنِ اثْبُتوا وتمنَّعوا؛ فإنَّا لن نُسْلِمَكم، وإن قوتِلْتُم قاتَلْنا معكم، وإن خرَجْتُم خرَجْنا معكم، فترَبَّصوا لذلك من نَصْرِهم، فلم يفعلوا، وقذف اللهُ في قلوبِهم الرُّعبَ، فسألوا رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أن يُجْلِيَهم، ويكُفَّ عن دمائِهم على أنَّ لهم ما حملت الإبِلُ من أموالِهم إلَّا الحَلْقةَ) .
وقال اللهُ تعالى: فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَن تُصِيبَنَا دَآئِرَةٌ [المائدة: 52] .
قال ابنُ جريرٍ: (إنَّ ذلك من اللهِ خبرٌ عن ناسٍ من المُنافِقين كانوا يوالون اليهودَ والنَّصارى، ويَغُشُّون المؤمنين، ويقولون: نخشى أن تدورَ دوائِرَ إمَّا لليهودِ والنَّصارى، وإمَّا لأهلِ الشِّركِ من عَبَدةِ الأوثانِ أو غيرِهم، على أهلِ الإسلامِ، أو تنزِلَ بهؤلاء المُنافِقين فيكونَ بنا إليهم حاجةٌ، وقد يجوزُ أن يكونَ ذلك كان من قَولِ عبدِ اللهِ بنِ أُبيٍّ، ويجوزُ أن يكونَ كان من قَولِ غيرِه، غيرَ أنَّه لا شَكَّ أنَّه من قولِ المُنافِقين) .
وقال ابنُ تيميَّةَ: (من قفز منهم إلى التَّتارِ كان أحَقَّ بالقتالِ مِن كثيرٍ من التَّتار؛ فإنَّ التَّتارَ فيهم المُكرَهُ وغيرُ المُكرَهِ، وقد استقَرَّت السُّنَّةُ بأنَّ عُقوبةَ المُرتَدِّ أعظَمُ من عقوبةِ الكافِرِ الأصليِّ، من وجوهٍ متعَدِّدةٍ) .
وقال ابنُ القَيِّمِ: (إنَّه سُبحانَه قد حَكَم، ولا أحسَنَ مِن حُكمِه، أنَّ من تولَّى اليهودَ والنَّصارى، فهو منهم وَمَن يَتَوَلَّهُمْ مِنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ [المائدة: 51] ؛ فإذا كان أولياؤُهم منهم بنَصِّ القُرآنِ، كان لهم حُكمُهم) .
وذكـر مُحمَّد بن عبد الوهَّابِ مُظاهرةَ الكُفَّارِ ضِدَّ المُسلِمين ضِمنَ نواقِضِ الإسلامِ، فقال: (النَّاقِضُ الثَّامِنُ: مُظاهَرةُ المُشرِكين ومعاونتُهم على المُسلِمين، والدَّليلُ قَولُه تعالى: وَمَن يَتَوَلَّهُمْ مِنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ [المائدة: 51] ) .
وسُئل سليمانُ بنُ عبد اللهِ آل الشيخِ عمَّن أظهر علاماتِ النِّفاقِ ممَّن يدَّعي الإسلامَ، هل يقالُ عنه: مُنافِقٌ، أم لا؟
فقال: (من ظهرت منه علاماتُ النِّفاقِ الدَّالَّةُ عليه؛ كارتدادِه عند التحزيبِ على المؤمنين، وخِذلانِهم عند اجتماعِ العَدُوِّ، كالذين قالوا: لو نعلَمُ قتالًا لاتَّبَعْناكم، وكونِه إذا غلب المشركون التجأ معهم، وإن غلب المُسلِمون التجأ إليهم، ومَدْحِه للمشركين بعضَ الأحيانِ، ومُوالاتِهم من دون المؤمنين، وأشباهِ هذه العلاماتِ التي ذكر اللهُ أنَّها علاماتٌ للنِّفاقِ، وصِفاتٌ للمُنافِقين؛ فإنَّه يجوزُ إطلاقُ النِّفاقِ عليه، وتسميتُه مُنافِقًا) .
وقال سليمانُ بنُ عبد اللهِ آل الشيخِ: (اعلَمْ -رحمك اللهُ- أنَّ الإنسانَ إِذا أَظهر للمُشْرِكين الموافقةَ على دينهِم؛ خوفًا منهم ومداراةً لهم، ومداهنةً لدفع شرِّهم؛ فإِنَّه كافِرٌ مِثْلَهم، وإنْ كان يَكرَهُ دينَهم ويُبغِضُهم، ويحبُّ الإسلامَ والمُسْلِمين، هذا إذا لم يقَعْ منه إلَّا ذلك، فكيف إذا كان في دارِ مَنَعةٍ، واستدعى بهم ودخل في طاعتِهم، وأظهر الموافَقةَ على دينِهم الباطِلِ، وأعانهم عليه بالنُّصرةِ والمالِ، ووالاهم وقَطَع الموالاةَ بينه وبين المُسلِمين، وصار من جنودِ الشِّركِ والقِبابِ وأهلِها بعد ما كان من جنودِ الإخلاصِ والتوحيدِ وأهلِه؛ فإنَّ هذا لا يشُكُّ مُسلِمٌ أنَّه كافرٌ من أشَدِّ النَّاسِ عداوةً للهِ ورَسولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ولا يُستثنى من ذلك إلَّا المُكرَهُ، وهو الذي يستولي عليه المُشْرِكون، فيقولون له: اكْفُرْ أو افْعَلْ كذا، وإلَّا فعَلْنا بك وقتَلْناك. أو يأخذونَه فيعذِّبونه حتى يوافِقَهم؛ فيجوزُ له الموافقةُ باللِّسانِ، مع طُمأنينةِ القَلْبِ بالإيمانِ، وقد أجمع العُلَماءُ على أَنَّ من تكلَّم بالكُفْرِ هازِلًا أَنَّه يكفُرُ، فكيف بمن أظهر الكُفْرَ خوفًا وطمعًا في الدُّنيا؟!) .
وقال حمدُ بنُ عتيقٍ: (فقد تقَدَّم أنَّ مُظاهرةَ المُشركين ودلالتَهم على عَوراتِ المُسلِمين أو الذَّبَّ عنهم بلسانٍ، أو رَضِيَ بما هم عليه: كُلُّ هذه مُكَفِّراتٌ ممن صدرت منه من غيرِ الإكراهِ المذكورِ، فهو مُرتَدٌّ، وإن كان مع ذلك يُبغِضُ الكُفَّارُ ويحِبُّ المُسلِمين) .
وقال عبدُ اللهِ بنُ عبدِ اللَّطيفِ آل الشيخ: (التوَلِّي كُفرٌ يخرِجُ من المِلَّة، وهو كالذَّبِّ عنهم، وإعانتِهم بالمالِ والبَدَنِ والرَّأيِ) .
وتعليقًا على قولِ ابنِ تيميَّةَ: (من جمز إلى مُعسكَرِ التَّتر ولحِقَ بهم؛ ارتَدَّ، وحَلَّ مالُه ودَمُه) ، قال مُحمَّد رشيد رضا: (وكذا كُلُّ من لحِقَ بالكُفَّارِ المحاربين للمُسلِمين وأعانهم عليهم، وهو صريحُ قَولِه تعالى: وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ) .
وقال أحمد شاكر: (أمَّا التعاونُ مع الإنجليزِ أثناء حَرْبِهم المُسلِمين بأيِّ نوعٍ من أنواعِ التعاوُنِ قَلَّ أو كَثُر، فهو الرِّدَّةُ الجامحةُ، والكُفرُ الصُّراحُ، لا يُقبَلُ فيه اعتذارٌ، ولا ينفَعُ معه تأوُّلٌ، ولا ينَجِّي من حُكمِه عَصَبيَّةٌ حَمقاءُ، ولا سياسةٌ خَرقاءُ، ولا مجاملةٌ هي النِّفاقُ، سواءٌ أكان ذلك من أفرادٍ أو حكوماتٍ أو زُعماءَ، كُلُّهم في الكُفرِ والرِّدَّةِ سواءٌ، إلَّا من جَهِلَ وأخطأ، ثم استدرك أمْرَه، فتاب وأخذ سبيلَ المؤمنين؛ فأولئك عسى اللهُ أن يتوبَ عليهم إن أخلصوا في قلوبِهم للهِ، لا للسِّياسةِ ولا للنَّاسِ) .
وقال ابنُ باز: (قد أجمع عُلَماءُ الإسلامِ على أنَّ من ظاهر الكُفَّارَ على المُسلِمين وساعدهم عليهم بأيِّ نوعٍ من المساعدةِ؛ فهو كافِرٌ مِثلَهم، كما قال اللهُ سُبحانَه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ مِنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللهَ لا يهدي القوم الظَّالمين، وقال تعالى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلى الْإيمَانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُوْلئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) .
منقول الدرر السنية










رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 02:41

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2024 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc