" منذ قليل نشر أحد الإخوة الجزائريين خبرا مفاده أن تسجيلات الصندوق الأسود للطائرة العسكرية التى سقطت تؤكد أن قائد الطائرة _ رحمه الله _ طلب من الجنود نطق الشهادتين قبل السقوط وأبلغ برج المراقبة أنه سيتفادى التجمعات السكنية حتى لا تكون الخسائر مضاعفة !! . "
قلت : لله دره من بطل جَسوُر وما أضل وأظلم المنتقصين الناقصين الشامتين فوالله لا يَثبُت فى هذا الموقف إلا رجال قد أختصهم بهذه النعمة العظيمة فليس كل أحد وإن بلغ من الصلاح مبلغا يستطيع أن يثبت فى مواجهة الموت إلا من تغمده الله بلطفه ورحمته .
ومع كل هذا نجد أن هذا الطيار المغوار قد كسر كل القواعد النفسية والمسلمات العلمية التى تؤكد أن رؤية الموت المحقق تذهب بعقل كل ذي عقل ليضرب بذلك نموذجا فريدا في الصبر والثبات والإيثار بالدم والروح ولا أدل على ذلك من طلبه لجنوده بنطق الشهادتين رغم أنه كان فى مقدوره أن يقفز بمظلته ويترك الطائرة تسقط فى اى مكان ولن يلومه حينها أحد بعد أن أثبتت التسجيلات أنه بالفعل فقد السيطرة تماما على الطائرة إلا أنه آثر حياة غيره على حياته وفضل البقاء حتى تسقط فى أماكن غير مأهولة بالسكان تفاديا لتفاقم حجم الكارثة !! .
اعلم أيها الحبيب أن رؤية الموت لا يمكن التصنع أمامها أبدا بل ما هو دون الموت حين يأتي الخوف على جماعة ـ مثلا في داخل سيارة قد تتعرض لحادثة يغمى على بعضهم ، ولا يتأثر نفر منهم ، وحين يأتي الخوف على مجموعة في منزل قد يحترق مثلا أو يداهمه لصوص تُبصر فريقين ، فريق على الحال التي وصف الله في سورة الأحزاب ﴿فَإِذَا جَاء الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْت﴾ تدور عينهم وقد تصطك أسنانه وينادي في نفسه وربما بصوت عال أين المفر؟ وإن أُمسك به حاول الفكاك بكل ثمين .
وفريق يجد سكينة لم يكن يتوقعها . وحالة من الارتياح والبرود ربما لم تمر به من قبل . إنه لطف الله يتدارك العبد أو يفارقه ونحسب هذا الطيار وجنوده من هذا الفريق ولا نزكيهم على الله .
اعلم أيها الحبيب أن للثبات عند الممات مقياس آخر وهؤلاء الرجال ما كانوا أمام الجماهير حتى نقول أنهم أرادوا أن يسجلوا موقفا أو أن يَدّعوا بطولة ليسوا لها بأهل لكنه لطف الله بهم أكتنفهم قبل أكفانهم.
#منقولا
نسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يرحمهم رحمة واسعة وأن يتقبلهم في زمرة الشهداء والصالحين وأن يجعل ما قدموه فى موازين أعمالهم إنه ولى ذلك والقادر عليه . "