هل فعلاً رأس سيدنا الحسين – رضى الله عنه – مدفونة في مقامها الذي بالقاهرة ؟
الجواب :-
قلت : ( جامعه ) قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله تعالى – في " مجموع الفتاوى " ( 4/ 508-509 ) : (وَأَمَّا الْحُسَيْنُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَقُتِلَ بِكَرْبَلَاءَ قَرِيبٌ مِنْ الْفُرَاتِ وَدُفِنَ جَسَدُهُ حَيْثُ قُتِلَ وَحُمِلَ رَأْسُهُ إلَى قُدَّامِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ زِيَادٍ بِالْكُوفَةِ هَذَا الَّذِي رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ وَغَيْرُهُ مِنْ الْأَئِمَّةِ . وَأَمَّا حَمْلُهُ إلَى الشَّامِ إلَى يَزِيدَ : فَقَدْ رُوِيَ ذَلِكَ مِنْ وُجُوهٍ مُنْقَطِعَةٍ لَمْ يَثْبُتْ شَيْءٌ مِنْهَا بَلْ فِي الرِّوَايَاتِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا مِنْ الْكَذِبِ الْمُخْتَلَقِ فَإِنَّهُ يُذْكَرُ فِيهَا أَنَّ " يَزِيدَ " جَعَلَ يَنْكُتُ بِالْقَضِيبِ عَلَى ثَنَايَاهُ ؛ وَأَنَّ بَعْضَ الصَّحَابَةِ الَّذِينَ حَضَرُوهُ - كَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ وَأَبِي بَرْزَةَ - أَنْكَرَ ذَلِكَ وَهَذَا تَلْبِيسٌ . فَإِنَّ الَّذِي جَعَلَ يَنْكُتُ بِالْقَضِيبِ إنَّمَا كَانَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ زِيَادٍ ؛ هَكَذَا فِي الصَّحِيحِ وَالْمَسَانِدِ . وَإِنَّمَا جَعَلُوا مَكَانَ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ زِيَادٍ " يَزِيدَ " وَعُبَيْدُ اللَّهِ لَا رَيْبَ أَنَّهُ أَمَرَ بِقَتْلِهِ وَحَمْلِ الرَّأْسِ إلَى بَيْنِ يَدَيْهِ . ثُمَّ إنَّ ابْنَ زِيَادٍ قُتِلَ بَعْدَ ذَلِكَ لِأَجْلِ ذَلِكَ وَمِمَّا يُوَضِّحُ ذَلِكَ أَنَّ الصَّحَابَةَ الْمَذْكُورِينَ كَأَنَسِ وَأَبِي بَرْزَةَ لَمْ يَكُونُوا بِالشَّامِ وَإِنَّمَا كَانُوا بِالْعِرَاقِ حِينَئِذٍ وَإِنَّمَا الْكَذَّابُونَ جُهَّالٌ بِمَا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى كَذِبِهِمْ . وَأَمَّا حَمْلُهُ إلَى مِصْرَ فَبَاطِلٌ بِاتِّفَاقِ النَّاسِ وَقَدْ اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ كُلُّهُمْ عَلَى أَنَّ هَذَا الْمَشْهَدَ الَّذِي بِقَاهِرَةِ مِصْرَ الَّذِي يُقَالُ لَهُ " مَشْهَدُ الْحُسَيْنِ " بَاطِلٌ لَيْسَ فِيهِ رَأْسُ الْحُسَيْنِ وَلَا شَيْءٌ مِنْهُ وَإِنَّمَا أُحْدِثَ فِي أَوَاخِرِ دَوْلَةِ " بَنِي عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْقَدَّاحِ " الَّذِينَ كَانُوا مُلُوكًا بِالدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ مِائَتَيْ عَامٍ إلَى أَنْ انْقَرَضَتْ دَوْلَتُهُمْ فِي أَيَّامِ " نُورِ الدِّينِ مَحْمُودٍ " وَكَانُوا يَقُولُونَ : إنَّهُمْ مِنْ أَوْلَادِ فَاطِمَةَ وَيَدَّعُونَ الشَّرَفَ وَأَهْلُ الْعِلْمِ بِالنَّسَبِ يَقُولُونَ لَيْسَ لَهُمْ نَسَبٌ صَحِيحٌ وَيُقَالُ : إنَّ جَدَّهُمْ كَانَ رَبِيبَ الشَّرِيفِ الْحُسَيْنِيِّ فَادَّعُوا الشَّرَفَ لِذَلِكَ . فَأَمَّا مَذَاهِبُهُمْ وَعَقَائِدُهُمْ فَكَانَتْ مُنْكَرَةً بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْعِلْمِ بِدِينِ الْإِسْلَامِ وَكَانُوا يُظْهِرُونَ التَّشَيُّعَ وَكَانَ كَثِيرٌ مِنْ كُبَرَائِهِمْ وَأَتْبَاعِهِمْ يُبْطِنُونَ مَذْهَبَ الْقَرَامِطَةِ الْبَاطِنِيَّةِ وَهُوَ مِنْ أَخْبَثِ مَذَاهِبِ أَهْلِ الْأَرْضِ أَفْسَدُ مِنْ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَلِهَذَا كَانَ عَامَّةُ مَنْ انْضَمَّ إلَيْهِمْ أَهْلُ الزَّنْدَقَةِ وَالنِّفَاقِ وَالْبِدَعِ : الْمُتَفَلْسِفَةُ والمباحية وَالرَّافِضَةُ وَأَشْبَاهُ هَؤُلَاءِ مِمَّنْ لَا يَسْتَرِيبُ أَهْلُ الْعِلْمِ وَالْإِيمَانِ فِي أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالْإِيمَانِ . فَأُحْدِثَ هَذَا " الْمَشْهَدُ " فِي الْمِائَةِ الْخَامِسَةِ نَقْلٌ مِنْ عَسْقَلَانَ . وَعَقِيبَ ذَلِكَ بِقَلِيلِ انْقَرَضَتْ دَوْلَةُ الَّذِينَ ابْتَدَعُوهُ بِمَوْتِ الْعَاضِدِ آخِرِ مُلُوكِهِمْ . وَاَلَّذِي رَجَّحَهُ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي مَوْضِعِ رَأْسِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - هُوَ مَا ذَكَرَهُ الزُّبَيْرُ بْنُ بكار فِي كِتَابِ " أَنْسَابِ قُرَيْشٍ " وَالزُّبَيْرُ بْنُ بكار هُوَ مِنْ أَعْلَمِ النَّاسِ وَأَوْثَقُهُمْ فِي مِثْلِ هَذَا ذَكَرَ أَنَّ الرَّأْسَ حُمِلَ إلَى الْمَدِينَةِ النَّبَوِيَّةِ وَدُفِنَ هُنَاكَ وَهَذَا مُنَاسِبٌ . فَإِنَّ هُنَاكَ قَبْرَ أَخِيهِ الْحَسَنِ وَعَمِّ أَبِيهِ الْعَبَّاسِ وَابْنِهِ عَلِيٍّ وَأَمْثَالِهِمْ . قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ بْنُ دِحْيَةَ - الَّذِي كَانَ يُقَالُ لَهُ : " ذُو النَّسَبَيْنِ بَيْنَ دِحْيَةَ وَالْحُسَيْنِ " فِي كِتَابِ " الْعِلْمِ الْمَشْهُورِ فِي فَضْلِ الْأَيَّامِ وَالشُّهُورِ " - لِمَا ذَكَرَ مَا ذَكَرَهُ الزُّبَيْرُ بْنُ بكار عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ : أَنَّهُ قَدِمَ بِرَأْسِ الْحُسَيْنِ وَبَنُو أُمَيَّةَ مُجْتَمِعُونَ عِنْدَ عَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ فَسَمِعُوا الصِّيَاحَ فَقَالُوا : مَا هَذَا ؟ فَقِيلَ : نِسَاءُ بَنِي هَاشِمٍ يَبْكِينَ حِينَ رَأَيْنَ رَأْسَ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ قَالَ : وَأَتَى بِرَأْسِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ فَدَخَلَ بِهِ عَلَى عَمْرٍو فَقَالَ : وَاَللَّهِ لَوَدِدْت أَنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لَمْ يَبْعَثْ بِهِ إلَيَّ قَالَ ابْنُ دِحْيَةَ : فَهَذَا الْأَثَرُ يَدُلُّ أَنَّ الرَّأْسَ حُمِلَ إلَى الْمَدِينَةِ وَلَمْ يَصِحَّ فِيهِ سِوَاهُ وَالزُّبَيْرُ أَعْلَمُ أَهْلِ النَّسَبِ وَأَفْضَلُ الْعُلَمَاءِ بِهَذَا السَّبَبِ قَالَ : وَمَا ذَكَرَ مِنْ أَنَّهُ فِي عَسْقَلَانَ فِي مَشْهَدٍ هُنَاكَ فَشَيْءٌ بَاطِلٌ لَا يَقْبَلُهُ مَنْ مَعَهُ أَدْنَى مُسْكَةٍ مِنْ الْعَقْلِ وَالْإِدْرَاكِ فَإِنَّ بَنِي أُمَيَّةَ - مَعَ مَا أَظْهَرُوهُ مِنْ الْقَتْلِ وَالْعَدَاوَةِ وَالْأَحْقَادِ - لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَبْنُوا عَلَى الرَّأْسِ مَشْهَدًا لِلزِّيَارَةِ . هَذَا ؛ وَأَمَّا مَا افْتَعَلَهُ " بَنُو عُبَيْدٍ " فِي أَيَّامِ إدْبَارِهِمْ وَحُلُولِ بَوَارِهِمْ وَتَعْجِيلِ دَمَارِهِمْ ؛ فِي أَيَّامِ الْمُلَقَّبِ " بِالْقَاسِمِ عِيسَى بْنِ الظَّافِرِ " وَهُوَ الَّذِي عُقِدَ لَهُ بِالْخِلَافَةِ وَهُوَ ابْنُ خَمْسِ سِنِينَ وَأَيَّامٍ لِأَنَّهُ وُلِدَ يَوْمَ الْجُمْعَةِ الْحَادِي مِنْ الْمُحَرَّمِ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَأَرْبَعِينَ وخمسمائة وَبُويِعَ لَهُ صَبِيحَةَ قَتْلِ أَبِيهِ الظَّافِرِ يَوْمَ الْخَمِيسِ سَلْخَ الْمُحَرَّمِ سَنَةَ تِسْعٍ وَأَرْبَعِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ وَلَهُ مِنْ الْعُمْرِ مَا قَدَّمْنَا فَلَا تَجُوزُ عُقُودُهُ وَلَا عُهُودُهُ وَتُوُفِّيَ وَلَهُ مِنْ الْعُمْرِ إحْدَى عَشْرَةَ سَنَةً وَسِتَّةُ أَشْهَر وَأَيَّامٌ لِأَنَّهُ تُوُفِّيَ لِلَيْلَةِ الْجُمْعَةِ لثلاث عَشْرَةَ لَيْلَةً بَقِيَتْ مِنْ رَجَبٍ سَنَةَ خَمْسٍ وَخَمْسِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ فَافْتَعَلَ فِي أَيَّامِهِ بِنَاءَ الْمَشْهَدِ الْمُحْدَثِ بِالْقَاهِرَةِ وَدُخُولَ الرَّأْسِ مَعَ الْمَشْهَدَيْ الْعَسْقَلَانِيِّ أَمَامَ النَّاسِ لِيَتَوَطَّنَ فِي قُلُوبِ الْعَامَّةِ مَا أَوْرَدَ مِنْ الْأُمُورِ الظَّاهِرَةِ وَذَلِكَ شَيْءٌ اُفْتُعِلَ قَصْدًا أَوْ نُصِبَ غَرَضًا وَقَضَوْا مَا فِي نُفُوسِهِمْ لِاسْتِجْلَابِ الْعَامَّةِ عَرْضًا وَاَلَّذِي بَنَاهُ " طَلَائِعُ بْنُ رزيك " الرافضي . وَقَدْ ذَكَرَهُ جَمِيعُ مَنْ أَلَّفَ فِي مَقْتَلِ الْحُسَيْنِ أَنَّ الرَّأْسَ الْمُكَرَّمَ مَا غَرُبَ قَطُّ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ بْنُ دِحْيَةَ فِي أَمْرِ هَذَا الْمَشْهَدِ وَأَنَّهُ مَكْذُوبٌ مُفْتَرًى هُوَ أَمْرٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ ) .أهـ .
قال النووي رحمه الله: و لا يتعلم إلا ممن تكلمت أهليته و ظهرت ديانته و تحققت معرفته و اشتهرت صيانته فقد قال محمد بن سيرين و مالك بن آنس و غيرهما من السلف " هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم
المصدر