يكمن سر نجاح المعلم في إدارة الصف وتربية الطفل في التعرف عليه وتشخيص أحاسيسه وعواطفه وفهم ميوله وأفكاره ورؤاه . ليس المراد من ذلك أن يطابق المعلم نفسه عليه وإنما جذبه وهدايته الى سواء السبيل . و هكذا الام فيجب عليها أن تتحدث بلغته , وتوافقه في تفكيره , وتتملك عقله وقلبه وتستصحبه معها . لايمكن لأي معلم أن يقوم بهذا ولذلك يفر كثير من الأطفال من المعلم والمدرسة منذ أول يوم لدراستهم .
وعندما يُسأل الأطفال عن الأسباب التي دعت الى فرارهم من المدرسة , يعللون ذلك و بلغتهم الطفولية الى عدم الإهتمام بميولهم وأذواقهم الذاتية وليس الى عدم صلاحية التدريس في المدارس , فليس المهم للطفل سعة إطلاع المعلم على مختلف العلوم وخاصة في سنين دراسته الأولى بل المهم هو باي وسيلة أخلاقية يستطيع الملعم أن يكسبه ويجعله يميل إليه ويحبه , نلاحظ على آية حال أن هناك أطفالاً يفرون من المعلم والمدرسة ولايستقرون في مقاعد دراستهم ولايحبون حتى رؤيته .
الأم كمعلمة :
تعتبر الأم معلماً قيماً يتيمز بطريقته وأسلوبه الخاص الذي يختلف عن أساليب باقي المعلمين وإن لم تستطع بيانه أو تدوينه على الورق , فتـُعـبـّـد وتـُسهـّـل معرفتها لشخصية الطفل الممزوجة بالعاطفة وحنان الأمومة طريق النجاح والموفقية الدراسية له .
فستكون أفضل معلم له إذا أنصرفت بدقة وبصبر تغلب على عواطفها وأحاسيسها , وتسطيع أن تعلمه ما لايمكن للمعلم أن يعلمه أياه . يمكننا أن نقول في الحقيقة أن الأم المثالية أفضل من مائة معلم .
تستمع الأم وتصغي وتتأمل بما يقوله الطفل ويعانيه , فتهتم بمشاكله وتبحث عن الدواعي والأسباب لهروبه من المدرسة وتقوم بحلها وإزالة أسبابها أو على الأقل تقلل من آثارها وتستطيع بالتالي أن تحبب إليه المدرسة والكتاب والمعلم وتعبد طريق حياته .
أسباب تأثير الأم في الطفل :
نشير أولاً ؛ الى أنه تستطيع أي أم أن تؤثر في تعليم الطفل بدقة وتحل محل المعلم , وقد تنجح الأمهات في القيام بدور المعلم لأطفالهن عندما يتوفر فيهن ثلاثة شروط و هي : :
1 ــ الإطلاع والإستعداد الكافي لبرامج التدريس .
2 ــ تعرف طفلها جيداً ، أفكاره وذهنياته , تصوراته , توقعاته , وميوله .
3 ــ تسعى حقيقياً الى توفير السعادة للطفل , تحبه وتعطف عليه , وتعتبره جزءاً من وجودها وحياتها , وعندما يصدر منه خطأ ما تتعامل معه كمريض وتشرع بعلاجه .
تنبعث من تركيب الخصال الثلاثة أعلاه القدرة على كسب الطفل وترويضه ليهتدي ويتأدب في النهاية بتأثيرها .
حضن الأم ودوره البنـّاء :
تعتبر أحضان الأم مجالاً يستأنس به الطفل ومحيطاً مناسباً لبنائه , فالمتانة والليونة , والمحبة والعاطفة , ومحاكاة الطفل في أفكاره ولغته للأم , يشكل الأرضية المناسبة لأي نوع من التغيير والتحول في الطفل ويشجعه على إعتناق أفكارها ويتعلق بها .
تحرك الأم المثالية عواطف طفلها وتكتسب ثقته بها مما يشكل جواً مناسباً لتعليم الطفل , حيث يشعر الطفل بأن أفكاره ونظرياته محترمة عندما تصغي الأم لكلامه وحديثه بعناية . يعتبر تشجيع الطفل و مراعاة عزة نفسه من العوامل المؤثرة في التربية والإصلاح وتوجهه الى الجهة التي نتوخاها .
تمتلك الأم لذلك ، السبل المؤثرة في التربية مما يجعلها تطمئن بناجحها في عملها خلافاً للمعلم , فقد إكتسبت تجارب سنين طويلة عن طفلها وتستطيع بخبرتها وإطلاعها عنه أن تنتزع من لسانه ما تريد وتلقنه ما تبغي وتلقي في ذهنه ما تفكر فيه بشكل تجعله يفكر كما تفكر .
تستطيع الأم الواعية أن تحصل على رضى الطفل أكثر من المعلم وتهديه لأنتخاب طريقه في الحياة . وعندما يتعلل في واجباته المدرسية فأنها قادرة على أن تجره إليها وتغير نظرياته كمعلمة واعية مجربة وتنقذه من الضياع والتحلل .
دور الإرشاد :
يتذرع بعض الأطفال في سني دراستهم باسباب وأعذار واهية كي لايقوموا بواجباتهم وتكاليفهم المدرسية أو يقوموا بها ناقصة وبشكل غير مطلوب , ليفروا من معاقبة المعلم بعدها يتذرعوا بأمور كي يهربوا من العلم أو المدرسة . و في الطرف المقابل تقوم بعض الأمهات ولعلاج هذا الداء بكتابة واجبات أبنائهن المدرسية وأداء تكاليفهم حيث يعتبر عمل الأمهات هذا من الأساليب المغلوطة في علم التربية , فماذا سيكون مستقبل مثل هؤلاء الأطفال ؟ فهل أن الأم ستكون في قاعة الإمتحان بدل الطفل ؟ وهل سيتعلم مثل هذا الطفل شيئاً ؟
يجب على الأم إذا أرادت أن تساعد طفلها حقاً أن تقف على رأسه , وترشده وتهديه كي يقوم هو بأداء واجباته المدرسية , وتقف الى جانبه عندما لايقدر على عمل ما تساعده , ولاتحل محله , تعلمه ما يجهل , تمسك يداه ليكتب واجباته كأقصى مساعدة تقدمها .
تشدد المعلم :
يسبب الأسلوب الأستبدادي لبعض المعلمين هروب بعض الأطفال من المدرسة , حيث يفرضون الواجبات الصعبة ويقومون بالعقوبات الجماعية ويغرمون الأطفال ضرائب ثقيلة , فمثلاً يجبرون الطفل على طباعة صفحتين من الكتاب عشر مرات أو كتابة من الواحد للألف عشر مرات . . . وإلخ و لايفكرون كم سيسغترق ذلك من الوقت وكم سيتطلب من الورق وهل تستطيع أيدي الطفل الناعمة القيام بذلك ؟!
يجب على الأم في هذه الحالة أن تكون حامية للطفل ومدافعة عنه لا عاملاً لتثبيطه . فلا شك أنه لايستطيع أن يفرض كلامه المنطقي على المعلم ولايجد مفراً منه . وسيشعر بالضياع إن لم تقم الأم بحمايته أو إذا أجبرته على القيام بواجباته العقوبية . وستثبط عزائمه وييأس من الدراسة والحياة , فيجب عليها تهدئته ومواساته بان عمله كثير وعليه أن يكتب ما في وسعه ويترك الباقي وستذهب هي باكراً الى المعلم وتكلمه في ذلك .
الواجب التعليمي :
يجب على الأم التي تقوم بالواجب التعليمي للطفل بان تنزع عنها الى حد ما ثوب الأمومة ورقتها وعاطفتها وتتخذ أسلوباً إنضباطياً وحالة جدية . وفي نفس الوقت عليها ان لاتعطي الأوامر والواجبات بصورة التهديد والوعيد والمعاقبة الإفراطية . وتسعى على أية حال أن تلاحظ طاقات الطفل وقدراته وتطالبه بصبر وأناة القيام بواجباته .