نون التوكيد:
لتوكيد الأفعال نونان أحداهما مشددة ومبنية على الفتح تسمى نون التوكيد الثقيلة، والأخرى مخففة ومبنية على السكون تسمى نون التوكيد الخفيفة. وقد اجتمعت النونان في قوله تعالى: (وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِنَ الصَّاغِرِينَ)(يوسف من الآية/32) فالنون في (يُسجننَّ) نون التوكيد الثقيلة، وهي حرف مبني على الفتح لا محل له من الإعراب، و(يُسجننَّ) فعل مضارع مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد، ونائب فاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره: هو، أمّا النون في (ليكوننْ) فهي نون التوكيد الخفيفة، وهي حرف مبني على السكون لا محل لها من الإعراب، و(يكوننْ) فعل مضارع مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الخفيفة، واسم يكون ضمير مستتر جوازا تقديره: هو.
أحكام نوني التوكيد مع الأفعال: لنوني التوكيد أحكام مع الأفعال وعلى النحو الآتي:
أولًا: مع الفعل الماضي: يمتنع توكيد الفعل الماضي بالنون مطلقًا، لأنَّ زمن وقوعه قد فات.
ثانيًا: الفعل الأمر: يجوز توكيده بالنون دائمًا، نحو: ساعدن الضعيف، أو ساعد الضعيف.
الفعل المضارع: لتوكيد المضارع بالنون ثلاث حالات:
أولًا: وجوب التوكيد: يجب توكيده بالنون الثقيلة، أو الخفيفة: إذا وقع جوابًا للقسم، وكان مثبتًا مستقبلًا متصلًا بلامه، نحو قولنا: واللهِ لَأكُونَنَّ مُحِقًا لِلحَقِّ، ومنه قوله تعالى: (وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ) (الأنبياء/57)، وقوله تعالى: (قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ)(البقرة من الآية/144)، وقوله تعالى: (وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ)(التوبة/75)، وقوله تعالى: (وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَنْ يُعَمَّرَ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ)(البقرة/96)، ومنه قول الشاعر:
لأسْتَسْهِلّنَّ الَّعْبَ أو أدْرِكَ المُنَى فَمَا انْقَادَتْ الآمَالُ إلّا لِصَابِرِ
ثانيًا: جواز التوكيد: وذلك في الحالات الآتية:
? أن يقع الفعل بعد إمَّا الشرطية (إن المؤكَّدة المتصلة بـ ما الزائد)، نحو: إما تجتهدنَّ في دراستك تتفوق،وقد قال النحاة إنَ اقتران الفعل بنون التوكيد في هذه الحال قريب من الواجب، وبه جاء التنزيل، منه قوله تعالى: (قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ)(البقرة/38)، وقوله تعالى: (وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ اللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ)(يونس/46)، وقوله تعالى: (وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ)(الأنفال/58).
? أن يدلَّ الفعل المستقبل على الطلب، مقترنًا باللام نحو: لَتَفْعَلَنَّ الخير ما دمت قادرًا، أو بـ (لا) الناهية، نحو قوله تعالى: (وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا)(الكهف/23-24)، أو الاستفهام، نحو قوله تعالى: (مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ)(الحج/15)، أو لا النافية، نحو قوله تعالى: (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)(الأنفال/25)
ملاحظة:
يقل دخولها على الفعل المضارع الواقع بعد (ما) الزائدة إذا لم تصحبها (إن)، نحو قولهم: بِعَينٍ مَا أرَيَتَّكّ هَا هُنا، أو الواقع بعد لم، ومنه قول الشاعر:
يَحْسَبُهُ الجَاهِلُ مَا لَمْ يَعْلَمَا شَيْخًا عَلَى كُرْسِيِّه مُعَلَّمَا
أو الواقع بعد (النافية)، ومنه قوله تعالى: (الأنفال/25)، أو الواقع بعد غير (إمّا) من أدوات الشرط، كقولهم: (مَنْ نَثْقَفَنْ مِنْهُمْ فَلَيْسَ بِآيِبِ).
ثالثًا: امتناع التوكيد: وذلك في الحالات التالية:
? أن يكون منفيًا واقعًا جوابًا للقسم، نحو: واللهِ لا أنقضُ عهدَ أمّتي.
? أن يكون للحال، نحو: لأذهب الآن إلى بغداد.
? أن يأتي مفصولًا عن لامه بفاصل، نحو: قوله تعالى: (وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى) (الضحى/5).
? إذا لم يكن مسبوقًا بما يجيز توكيده، كالقسم، وأدوات الطلب، والنفي، والجزاء، و(ما) الزائدة.
أحكام النون والفعل المؤكد بها:
(1) الأفعال المسندة إلى ألف الاثنين، تحذف منها نون الرفع لتوالي الأمثال، وتثبت الألف، ثم تحرك نون التوكيد بالكسر لوقوعها بعد الألف، نحو: ليجلسَانِّ، ليخشيَانِّ، ليرجُوَانِّ، ليعطيَانِّ، ومنه قوله تعالى: (قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلَا تَتَّبِعَانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ)(يونس/89). علمًا أن النون الخفيفة لا تقع بعد ألف الاثنين.
(2) الأفعال المسندة إلى واو الجماعة المضموم ما قبلها، أو ياء المخاطبة المكسور ما قبلها، تحذف منها نون الرفع لتوالي الأمثال، وتحذف واو الجماعة، وياء المخاطبة لالتقاء الساكنين، وتبقى الضمة دليلا على الواو، والكسرة دليلا على الياء، نحو: لتكتبُنَّ، لتكتبِنَّ، من ذلك قوله تعالى: (لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ)(آل عمران/186)، وقوله تعالى: (فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا)(مريم/26).
(3) أما الفعل المعتل الآخر بالألف تحذف لامه لالتقاء الساكنين ، وتحذف النون لتوالي الأمثال، وتبقى معه واو الجماعة وتحرك بالضمة، وتبقى ياء المخاطبة، وتحرك بالكسر، نحو: ليرضَوُنَّ، لتسعَيِنَّ.
(4) الأفعال المسندة إلى نون النسوة ، يفرق فيها بين نون الرفع، وبين نون التوكيد بألف تسمى (الألف الفارقة)، ثم تحرك نون التوكيد بالكسر، نحو: ليلعبْنَانِّ، ليسعيْنَانِّ، ليدعوْنَانِّ، ليرميْنَانِّ. علمًا أنّ النون الخفيفة لا تقع بعد نةن النسوة.
(5) أفعال الأمر المبنية على حذف حرف العلة، والأفعال المضارعة المجزومة وعلامة جزمها حذف حرف العلة أيضًا، عند توكيدها بالنون يرد أليها المحذوف، ويفتح إن كان المحذوف واوا، أو ياء، وتقلب إلى ياء مفتوحة إن كان المحذوف ألفا، نحو: ادعُوَنَّ، لم يدعُوَنَّ، اجرِيَنَّ، لا تجرِيَنَّ، اخشيَنَّ، لتخشيَنَّ.