بغض النظر عن تحصيلهم العلمي أو درجة خضوعهم، الأبناء هبة الله وأمانته التي يجدر بالأولياء صيانتها من كل أذية معنوية تنتج عن غياب العدالة الأسرية بينهم وبين أخوتهم، والتي من شأنها أن تخرج بهم من واقع يعاتبون فيه عن ذنب لم يقترفوه إلى عالم يبحثون فيه عن المساواة وعدم التمييز فيميلون إليه مهما كانت مخرجاته، وتختلف نوعية المميزات التي تملي على الأولياء التفرقة بين أبناء أصلابهم، لكنها مهما تعددت فهي خاطئة، تنبئ بسلوكات مستقبلية خطيرة عادة ما لا يدركها الوالدان.
احذروا التمييز الإيجابي
أي سلوك يكتسبه الفرد في مرحلة الطفولة أو يتعرض إليه هو مسؤولية الأولياء، لذلك يجدر بهم الحذر الشديد من الوقوع في الأخطاء التي من شأنها التأثير على نفسية أطفالهم أو شخصيتهم المستقبلية، والتي عادة ما تبدأ بالتمييز بين الإخوة، فتجد الوالدين يراعيان ويفضلان أحدهم عن الآخر، لأسباب تختلف حسب عقلياتهم وتوجهاتهم، فكثيرات جدا هن الأمهات اللواتي يميزن بين فلذات أكبادهن لاشعوريا، وانطلاقا من نية طيبة، الموقف الذي تفطنت إليه مليكة 48 سنة أم لثلاثة أولاد، أحدهم مريض بالسكري، وبفطرة الأم الرؤوم من دون أن تفرط في معاملتها الجيدة لأخويه توليه اهتماما ملفتا خوفا من أن يمسه مكروه، ".. العملية التي أجراها منصف كانت صاعقتي من أخويه، لم أنتبه يوما أن معاملتي له ستكون مصدر الغيرة والعداوة بين أبنائي، فأخوه الأصغر تمنى له الموت ليحظى بحبي واهتمامي.. "، ثم إن دراسات أجريت حول التمييز الإيجابي بين الأبناء وأثره على سلوكهم، أوصلت الباحثين إلى أن الطفل الذي يستفيد من تمييز ايجابي دائم الشعور بالذنب، بسبب تلقيه معاملة غير عادلة، فيترجم شعوره بسلوك مضطرب ليلفت بذلك إخوته بأنه بريء من عملية التمييز ضدهم، فيما قد يكتسب صفات بذيئة أخرى كالغرور والتكبر والأنفة قد تصاحبه طوال حياته، ويشددون على ضرورة مراقبة الأولياء لمعاملتهم مع الأطفال، ومحاولة النظر إليهم جميعهم بعين الرضا التي تحقق العدالة الأسرية، فإيثار بعضهم بمال أو هدية ولو على صغرها دون مناسبة ملحة من شأنه أن يوغر صدور إخوته ويؤجج الحساسية بينهم.
تفضيل الأخ على الأخت ظاهرة اجتماعية بتداعيات خطيرة
الباحثون في الشق الاجتماعي توصلوا إلى معرفة أخطر الأخطاء المتفشية في المجتمع الجزائري، المتعلقة بقضية التمييز بين الأبناء، حيث اعتبر الأستاذ الباحث الاجتماعي، شريف زهرة، ظاهرة تمييز الذكر عن الأنثى داخل الأسرة الجزائرية من أخطر الظواهر السلبية المغروسة فيها، تغذيها طرق التنشئة المتوارثة حضاريا وثقافيا، فمعظم الأسر لا تزال حتى اليوم تقدس الطفل الذكر أكثر من الأنثى، وتخصه بمعاملة فريدة، ما يؤثر سلبا في الفتاة ويشعرها بالدونية مقارنة بإخوتها الذكور، وينعكس على مكانتها ودورها داخل الأسرة أو المجتمع فيحرمها من المطالبة بحقوقها، فرغم كل النظريات السابقة التي تعزي الاختلاف بين الطفل والطفلة إلى سبب وحيد يكون أسلوب التربية التي يتلقونها فقط، فالأنثى في مجتمعاتنا تربى على عادات غير التي يربى عليها الذكر.
العدل بين الأبناء من تقوى الله
بما أن الإسلام دين محبة فإنه يبغض كل ما يورث العداوة والضغينة، لهذا حرمت فئة من علماء الدين أي فعل يفضل به الوالدان ابنا على الآخر، سواء بعاطفة أو بشيء محسوس لأن هذا التصرف لا يقود إلى خير وأفضل مثال عن ذلك واقعة سيدنا يوسف مع إخوته الذين كادوا له بسبب غيرتهم من كونه محل حظوة عند والده، ودليل ذلك قصص ومواقف النبي عليه الصلاة والسلام، مثلا حين جاءه النعمان بن بشير قائلا تصدق علي أبي ببعض ماله، فقالت أمي لا أرضى حتى تشهد رسول الله، فقال عليه الصلاة والسلام لبشير: ألك ولد سوى هذا، قال نعم، فقال أكلهم وهبت له مثل هذا، قال لا، قال فلا تشهدني إذا فإني لا أشهد على جور، "اتَّقُوا اللَّهَ وَاعْدِلُوا فِي أَوْلَادِكُمْ"."