|
قسم الكتاب و السنة تعرض فيه جميع ما يتعلق بعلوم الوحيين من أصول التفسير و مصطلح الحديث .. |
في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .
آخر المواضيع |
|
القواعد الحسان لتفسير القرآن (71 قاعدة) - إبن السعدي رحمه الله -
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
2015-01-08, 14:46 | رقم المشاركة : 1 | ||||
|
القاعدة الثالثة والعشرون:
إرشادات القرآن على نوعين أحدهما: أن يرشد أمراً ونهياً وخبراً إلى أمر معروف شرعاً أو معروف عرفاً كما تقدم. والنوع الثاني: أن يرشد إلى استخراج الأشياء النافعة من أصول معروفة، ويعمل الفكر في استفادة المنافع منها. وهذه القاعدة شريفة جليلة القدر. أما النوع الأول: فأكثر إرشادات القرآن في الأمور الخبرية والأمور الحكمية داخلة فيها وأما النوع الثاني: وهو المقصود هنا، فإنه دعا عباده في آيات كثيرة إلى التفكر في خلق السماوات والأرض، وما خلق الله فيها من العوالم، وإلى النظر فيها. وأخبر أنه سخرها لمصالحنا ومنافعنا، وأنزل الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس: {وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ} [الجاثية: 13] فنبه العقول على التفكر فيها، واستخراج أنواع العلوم والفوائد منها. وذلك أننا إذا فكرنا فيها، ونظرنا حالها وأوصافها وانتظامها، ولأي شيء خلقت ولأي فائدة أبقيت؟ وماذا فيها من الآيات وما احتوت عليه من المنافع؟ أفادنا هذا الفكر فيها علمين جليلين: أحدهما: أننا نستدل بها على ما لله من صفات الكمال والعظمة، والحكم البالغة، وما له من النعم الواسعة والأيادي المتكاثرة، وعلى صدق ما أخبر به من المعاد والجنة والنار، وعلى صدق رسله وحقيقة ما جاءوا به. وهذا النوع قد أكثر منه أهل العلم. وكلٌّ ذكر ما وصل إليه علمه، فإن الله أخبر أن الآيات إنما ينتفع بها أولو الألباب. وهذا أجل العِلْمين وأعلاهما، وأكملهما. والعلم الثاني: أننا نتفكر فيها ونستخرج منها المنافع المتنوعة، فإن الله سخرها لنا، وسلطنا على استخراج جميع ما لنا فيها من المنافع والخيرات الدينية والدنيوية. فذلل لنا أرضها لنحرثها ونزرعها ونغرسها، ونستخرج معادنها وبركتها، وجعلها طوع علومنا وأعمالنا لنستخرج منها الصناعات النافعة. فجميع فنون الصناعات على كثرتها وتنوعها وتفوقها ـ لاسيما في هذه الأوقات ـ كل ذلك داخل في تسخيرها لنا. وقد عُرفت الحاجة بل الضرورة في هذه الأوقات إلى استنباط المنافع وترقية الصنائع إلى ما لا حد له. وقد ظهر في هذه الأوقات من موادها وعناصرها أمور فيها فوائد عظيمة للخلق. وقد تقدم لنا في قاعدة اللازم: أن ما لا تتم الأمور المطلوبة إلا به فهو مطلوب. وهذا يدل على أن تعلم الصناعات والمخترعات الحادثة من الأمور المطلوبة شرعاً، كما هي مطلوبة لازمة عقلاً، وأنها من الجهاد في سبيل الله، ومن علوم القرآن. فإن الله نبه العباد أنه جعل الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس، وأنه سخر لهم ما في الأرض. فعليهم أن يسعوا لتحصيل هذه المنافع من أقرب الطرق إلى تحصيلها، وهي معروفة بالتجارب. وهذا من آيات القرآن. وهو أكبر دليل على سعة علم الله وحكمته ورحمته بعباده بأن أباح لهم جميع النعم، ويسر لهم الوصول إليها بطرق لا تزال تحدث وقتاً بعد وقت. وقد أخبر أن القرآن تذكرة يتذكر بها العباد كل ما ينفعهم فيسلكونه وما يضرهم فيتركونه، وأنه هداية لجميع المصالح.
|
||||
2015-01-08, 14:48 | رقم المشاركة : 2 | |||
|
القاعدة الرابعة والعشرون:
التوسط والاعتدال وذم الغلو القرآن يرشد إلى التوسط والاعتدال وذم التقصير والغلو ومجاوزة الحد في كل الأمور. قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْأِحْسَانِ} [النحل: 90] وقال: {قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ} [الأعراف: 29] والآيات الآمرة بالعدل والإحسان والناهية عن ضدهما كثيرة. والعدل في كل الأمور: لزوم الحد فيها وأن لا يغلو ويتجاوز الحد، كما لا يقصر ويدع بعض الحق. ففي عبادة الله أمر بالتمسك بما كان عليه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في آيات كثيرة ونهى عن مجاوزة ذلك، وتعدي الحدود وذم المقصرين عنه في آيات كثيرة. فالعبادة التي أمر الله بها ما جمعت الإخلاص للمعبود والمتابعة للرسول، فإذا خلت من الأمرين أو أحدهما فهي لاغية. وفي حق الأنبياء والرسل ـ صلى الله عليهم وسلم ـ أمر بالاعتدال وهو الإيمان بهم، ومحبتهم المقدمة على محبة الخلق، وتوقيرهم واتباعهم، ومعرفة أقدارهم ومراتبهم التي أكرمهم الله بها. ونهى في آيات كثيرة عن الغلو فيهم وهو أن يُرفعوا فوق منزلتهم التي أنزلهم الله، ويجعل لهم من حقوق الله التي لا يشاركه فيها مشارك شيء. كما نهى عن التقصير في حقهم بتكذيبهم أو ترك محبتهم وتوقيرهم أوعدم اتباعهم. وذمَّ الغالين فيهم كالنصارى ونحوهم في عيسى، كما ذمَّ الجافين لهم كاليهود حين قالوا في عيسى ما قالوا، وذمَّ من فرق بينهم فآمن ببعض دون بعض، وأخبر أن هذا كفر بجميعهم. وكذلك يتعلق هذا الأمر في حق العلماء والأولياء فتجب محبتهم ومعرفة أقدارهم، ولا يحلُّ الغلو فيهم، وإعطاؤهم شيئاً من حق الله، وحق رسوله الخالص، ولا يحلُّ جفاؤهم ولا عداوتهم، فمن عادى لله ولياً فقد بارزه بالحرب. وأمر بالتوسط في النفقات والصدقات، ونهى عن الإمساك والتقصير والبخل، كما نهى عن الإسراف والتبذير. وأمر بالقوة والشجاعة بالأقوال والأفعال، ونهى عن الجبن، وذم الجبناء وأهل الخور وضعفاء النفوس، كما ذم المتهورين الذين يلقون بأيديهم إلى التهلكة. وأمر وحث على الصبر في آيات كثيرة، ونهى عن الجزع والهلع والتسخط، كما نهى عن التجبر والقسوة وعدم الرحمة في آيات كثيرة. وأمر بأداء الحقوق لكل من له حق عليك: من الوالدين والأقارب والأصحاب ونحوهم والإحسان إليهم قولا وفعلاً، وذمَّ من قصر في حقهم أو أساء إليهم قولاً وفعلاً، كما ذم من غلا فيهم وفي غيرهم حتى قدم رضاهم على رضا الله وطاعتهم على طاعة الله. وأمرنا بالاقتصاد في الأكل والشرب واللباس، ونهى عن السرف والترف، كما نهى عن التقصير الضار بالقلب والبدن. وبالجملة فما أمر الله بشيء إلا كان بين خلقين ذميمين: تفريط وإفراط (1) . |
|||
2015-01-08, 14:50 | رقم المشاركة : 3 | |||
|
القاعدة الخامسة والعشرون:
حدود الله قد أمر بحفظها ونهى عن تعديها وقربانها قال تعالى: {وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ} [التوبة: 112] وقال: {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوهَا} [البقرة: 229] وقال: {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوهَا} [البقرة: 187] . أما حدود الله: فهي ما حده لعباده من الشرائع الظاهرة والباطنة، التي أمرهم بفعلها، والمحرمات التي أمرهم بتركها. فالحفظ لها يكون بأداء الحقوق اللازمة، وترك المحرمات الظاهرة والباطنة. ويتوقف هذا الفعل وهذا الترك على معرفة الحدود على وجهها، ليعرفَ ما يدخل في الواجبات والحقوق، فيؤديها على ذلك الوجه كاملة غير ناقصة، وما يدخل في المحرمات ليتمكن من تركها، ولهذا ذمَّ الله من لم يعرف حدود ما أنزل الله على رسوله، وأثنى على من عرف ذلك. وحيث قال الله تعالى: {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوهَا} [البقرة: 229] كان المراد بها: ما أحله لعباده، وما فصله من الشرائع. فإنه نهى عن مجاوزتها وأمر بملازمتها. كما أمر بملازمة ما أحله من الطعام والشراب واللباس والنكاح، ونهى عن تعدي ذلك إلى ما حرم من الخبائث. وكما أمر بملازمة ما شرعه من الأحكام في النكاح والطلاق والعدة وتوابع ذلك، ونهى عن تعدي ذلك إلى فعل ما لا يجوز شرعاً. وكما أمر بالمحافظة على ما فصله من أحكام المواريث ولزوم حده. ونهى عن تعدي ذلك، وتوريث من لا يرث، وحرمان من يرث، وتبديل ما فرضه وفصله بغيره. وحيث قال تعالى: {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوهَا} [البقرة: 187] كان المراد بذلك: المحرمات. فإن قوله: {فَلا تَقْرَبُوهَا} نهي عن فعلها، ونهي عن مقدماتها وعن أسبابها الموصلة إليها والموقعة فيها. كما نهاهم عن المحرمات على الصائم، وبين لهم وقت الصيام فقال: {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوهَا} . وكما حرم على الأزواج أن يأخذوا مما آتوا أزواجهم شيئاً إلا أن يأتين بفاحشة مبينة، قال: {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوهَا} وكما بين المحرمات في قوله: {وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى} [الإسراء: 32] {وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [الإسراء: 34] فالخير والسعادة والفلاح في معرفة حدود الله، والمحافظة عليها. كما أن أصل كل الشر وأسباب العقوبات الجهل بحدود الله، أوترك المحافظة عليها أو الجمع بين الشرين. والله أعلم. |
|||
2015-01-09, 15:31 | رقم المشاركة : 4 | |||
|
جزاك الله عنا كل الخير والبركة آخر تعديل نور المستقبل 2015-01-09 في 15:32.
|
|||
2015-01-09, 21:28 | رقم المشاركة : 5 | |||
|
|
|||
2015-01-14, 09:57 | رقم المشاركة : 6 | |||
|
جزاك الله خيرا ورحم الله الشيخ السعدي
|
|||
2015-01-15, 21:22 | رقم المشاركة : 7 | |||
|
وإياك أبا همام
جزيت خيرا وبارك الله فيك |
|||
2015-02-13, 16:12 | رقم المشاركة : 8 | |||
|
بارك الله فيك |
|||
2015-02-22, 09:51 | رقم المشاركة : 9 | |||
|
القاعدة الأربعون:
في دلالة القرآن على أصول الطب أصول الطب ثلاثة: حفظ الصحة باستعمال الأمور النافعة، والحمية من الأمور الضارة، ودفع ما يعرض للبدن من المؤذيات. ومسائل الطب كلها تدور على هذه القواعد. وقد نبه القرآن عليها في قوله تعالى في حفظ الصحة ودفع المؤذي: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا} ، [لأعراف: من الآية31] ، فأمر الله بالأكل والشرب اللذي لا تستقيم الأبدان إلا بهما، وأطلق ذلك ليدل على أن المأكول والمشروب بحسب ما يلائم الإنسان، وينفعه في كل وقت وحال. ونهى عن الإسراف في ذلك، إما بالزيادة في كثرة المأكولات والمشروبات، وإما بالتخليط في المطعوم والأوقات، وهذا حمية عن كل ما يؤذي الإنسان. فإذا كان القوت الضروري من الطعام والشراب يصير بحالة يتأذى منه البدن ويتضرر منع منه، فكيف بغيره؟. وكذلك أباح الله للمريض التيمم إذا كان استعمال الماء يضره، حمية له عن المضرات كلها. وأباح للمحرم الذي به أذى من رأسه أن يحلقه ويفدي، وهذا من باب الاستفراغ وإزالة ما يؤذي البدن، فكيف بما ضرره أكبر من هذا؟. ونهى عن الإلقاء باليد إلى التهلكة، فيدخل في ذلك استعمال كل ما يتضرر به الإنسان من الأغذية والأدوية، ودفع ما يضر بمدافعته الذي لم يقع، والتحرز عنه وبمعالجة الحادث بالطرق الطبية النافعة. وكذلك ما ذكره الله في كتابه من الأعمال كلها كالجهاد والصلاة والصوم والحج وبقية الأعمال والإحسان إلى الخلق فإنها وإن كان المقصود الأعظم منها نيل رضا الله وقربه وثوابه، والإحسان إلى عبيده، فإن فيها صحة للأبدان وتمريناً لها، ورياضة وراحة للنفس، وفرحاً للقلب وأسراراً خاصة تحفظ الصحة وتنميها وتزيل عنها المؤذيات. وبالجملة فإن جميع الشرائع ترجع إلى صلاح القلوب والأرواح والأخلاق والأبدان والأموال والدنيا والآخرة، والله أعلم. |
|||
2015-02-28, 14:22 | رقم المشاركة : 10 | |||
|
يرشد الله عباده في كتابه من جهة العمل إلى قصر نظرهم على الحالة الحاضرة التي هم فيها، ومن جهة الترغيب في الأمر والترهيب من ضده إلى ما يترتب عليها من المصالح، ومن جهة النعم إلى النظر إلى ضدها. وهذه القاعدة الجليلة دعا إليها القرآن في آيات عديدة، وهي من أعظم ما يدل على حكمة الله، ومن أعظم ما يرقى العاملين إلى كل خير ديني ودنيوي، فإن العامل إذا اشتغل بعمله الذي هو وظيفة وقته، فإن قصر فِكره وظاهره وباطنه عليه نجح، ويتم له الأمر بحسب حاله. وإن نظر وتشوقت نفسه إلى أعمال أخرى لم يحن وقتها بعدُ فترت عزيمته، وانحلت همته وصار نظره إلى الأعمال الأخرى ينقص من إتقان عمله الحاضر وجمع الهمة عليه. ثم إذا جاءت وظيفة العمل الآخر جاءه وقد ضعفت همته وقل نشاطه، وربما كان الثاني متوقفاً على الأول في حصوله أو تكميله، فيفوت الأول والثاني، بخلاف من جمع قلبه وقالبه، وصار أكبر همه هو القيام بعمله الذي هو وظيفة وقته؛ فإنه إذا جاء العمل الثاني فإذا هو قد استعد له بقوة ونشاط ويتلقاه بشوق، وصار قيامه بالأول معونة على قيامه بالثاني. ومن هذا: قوله تعالى مصرحاً بهذا المعنى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً} ، [النساء: من الآية77] ،. فانظر كيف حالهم الأولى وأمنيتهم وهم مأمورون بكف الأيدي، فلما جاء العمل الثاني ضعفوا عنه كل الضعف. ونظير هذا ما عاتب الله به أهل أُحد في قوله: {وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ} ، [آل عمران: 143] ، وقد كشف هذا المعنى كل الكشف قوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً} ، [النساء: 66] ، لأن فيه تكميلاً للعمل الأول، وتثبيتاً من الله، وتمرناً على العمل الثاني. ونظيره قوله تعالى: {وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ {75} فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ {76} فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً فِي قُلُوبِهِم} ، [التوبة: 75/77] ،. فالله أرشد العباد أن يكونوا أبناء وقتهم، وأن يقوموا بالعمل الحاضر ووظيفته، ثم إذا جاء العمل الآخر صار وظيفة ذلك الوقت، فاجتمعت الهمة والعزيمة الصادقة عليه، وصار القيام بالعمل الأول معيناً على الثاني، وهذا المعنى في القرآن كثير. وأما الأمور المتأخرة فإن الله يرشد العاملين إلى ملاحظتها لتقوى هممهم على العمل المثمر للمصالح والخيرات. وهذا كالترغيب المتنوع من الله على أعمال الخير، والترهيب من أفعال الشر، بذكر عقوباتها، وثمرتها الذميمة. فاعرف الفرق بين النظر إلى العمل الآخر الذي لم يجىء وقته، وبين النظر إلى ثواب العمل الحاضر الذي كلما فترت همة صاحبه، وتامل ما يترتب عليه من الخيرات استجد نشاطه، وقوي عليه وهانت عليه مشقته، كما قال تعالى: {إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لا يَرْجُونَ} ، [النساء: 104] ،. وأما إرشاده من جهة النعم التي على العبد مِنَ الله بالنظر إلى ضدها ليعرف قدرها، ويزداد شكره لله تعالى عليها، ففي القرآن منه كثير، يُذكِّر عباده نعمته عليهم بالدين والإسلام وما ترتب على ذلك من النعم، كقوله في سورة آل عمران: {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ} ، [آل عمران: 164] ، وفي قوله في سورة آل عمران: {وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} ، [آل عمران: 103] ، أي إلى الزيادة لشكر نعم الله. وقوله في سورة الأنفال: {وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} ، [لأنفال: 26] ،. وقوله في سورة القصص: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَداً إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَة ... } ، [القصص: 72] ، إلى آخر الآيات، حيث يذكرهم أن ينظروا إلى ضد ما هم فيه من النعم والخير، ليعرفوا قدر ما هم فيه منها. وهذا الذي أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم، حيث قال: " انظروا إلى من هو أسفل منكم، ولا تنظروا إلى من هو فوقكم، فإنه أجدر أن لا تزدروا نعمة الله عليكم " (1) وقوله تعالى: {فاذْكُرُوا آلاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} ، [الأعراف: من الآية69] ، وقوله: {أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَى {6} وَوَجَدَكَ ضَالاً فَهَدَى {7} وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنَى} ، [الضحى: 6/8] ، إلى آخرها. |
|||
2015-03-04, 13:55 | رقم المشاركة : 11 | |||
|
القاعدة الثانية والأربعون:
الحقوق لله ولرسوله قد ميز الله في كتابه بين حقه الخاص وحق رسوله الخاص والحق المشترك. واعلم بذلك أن الحقوق ثلاثة: حق لله وحده، لا يكون لغيره: وهو عبادته وحده لا شريك له بجميع أنواع العبادات. وحق خاص لرسوله صلى الله عليه وسلم: وهو التعزير والتوقير والقيام بحقه اللائق واتباعه والاقتداء به. وحق مشترك: وهو الإيمان بالله ورسوله وطاعة الله ورسوله ومحبة الله ومحبة رسوله. وقد ذكر الله الحقوق الثلاثة في آيات كثيرة من القرآن، فأما حقه الخاص: فكل آية فيها الأمر بعبادته وإخلاص العمل له، والترغيب في ذلك، وهذا شيء لا يحصى. وقد جمع الله ذلك في قوله في سورة الفتح: {لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ} ، فهذا مشترك {وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ} ، فهذا خاص بالرسول {وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً} ، [الفتح: 9] ، فهذا حق لله وحده. وقوله: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} ، في آيات كثيرة. وكذلك: {آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ} . وكذلك قوله في سورة التوبة: {وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوه} [التوبة: 62] ، وقوله تعالى: {سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ} ، فهذا مشترك {إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ} [التوبة: 59] ، وهذا مختص بالله تعالى. ولكن ينبغي أن يعرف العبد أن الحق المشترك ليس معناه أن ما لله منه يثبت لرسوله مثله ونظيره في كل خصائصه، بل المحبة والإيمان والطاعة لله لابد أن يصحبها التعبد والتعظيم لله والخضوع رغبة ورهبة. وأما المتعلق بالرسول من ذلك: فإنه حب في الله، وطاعة لله فمن أطاع الرسول فقد أطاع الله بل حق الرسول على أمته من حق الله تعالى عليهم، فيقوم المؤمن بحق رسوله وطاعته امتثالاً لأمر الله، وعبودية له. وإنما قيل له حق الرسول، لتعلقه بالرسول، وإلا فجميع ما أمر الله به وحث عليه من القيام بحقوق رسوله، وحقوق الوالدين والأولاد والأزواج والأقارب والجيران والعلماء والولاة والأمراء، والكبير على الصغير والصغير على الكبير وغيرهم، كله حق لله تعالى، فيقوم به العبد امتثالا لأمر الله وتعبداً له، وقياماً بحق ذي الحق، وإحساناً إليه، إلا الرسول فإن الإحسان منه كله إلى أمته فما وصل إليهم خير إلا على يديه صلى الله عليه وسلم تسليماً. |
|||
2015-03-04, 13:56 | رقم المشاركة : 12 | |||
|
وهذه القاعدة في القرآن كثيرة: قال تعالى في القسم الأول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا} ، [النساء: 94] ، وفي قراءة: {فتثبتوا} ، وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ} ، [الحجرات: 6] ،. وقد عاب الله المتسرعين إلى إذاعة الأخبار التي يخشى من إذاعتها، فقال تعالى: {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} ، [النساء: 83] ، وقال تعالى: {بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ} ، [يونس: 39] ، ومن هذا الباب: الأمر بالمشاورة في الأمور، وأخذ الحذر، وأن لا يقول الإنسان ما ليس له به علم، وفي هذا آيات كثيرة. وأما القسم الثاني: كقوله: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْض} ، [آل عمران: 133] ، وقوله: {فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ} ، [البقرة: 148] ، وقوله: {أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ} ، [المؤمنون: 61] ، وقوله: {وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ} ، [الواقعة: 10] ، أيْ: السابقون في الدنيا إلى الخيرات: هم السابقون في الآخرة إلى الجنات والكرامات. والآيات في هذا المعنى كثيرة. وهذا الكمال الذي أرشد الله عباده إليه، هو أن يكونوا حازمين لا يفوتون فرص الخيرات، وأن يكونوا متثبتين خشية الوقوع في المكروهات والمضرّات. ومن أحسن من الله حكماً لقوم يوقنون؟. |
|||
2015-03-04, 13:57 | رقم المشاركة : 13 | |||
|
شكرا لك الاخ كثيرا |
|||
2015-03-04, 14:00 | رقم المشاركة : 14 | |||
|
|
|||
2015-03-05, 23:25 | رقم المشاركة : 15 | |||
|
القاعدة الرابعة والأربعون:
علاج ميل النفوس إلى ما لا ينبغي عند ميل النفوس أو خوف ميلها إلى ما لا ينبغي، يذكرها الله ما يفوتها من الخير، وما حصل لها من الضرر بهذا الميل. وهذا في القرآن كثير، وهو من أنفع الأشياء في حصول الاستقامة، لأن الأمر بالمعروف والنهي المجرد لا يكفي أكثر الخلق في كفهم عما لا ينبغي، حتى يقرن بذلك ما يفوت من المحبوبات التي تزيد أضعافاً مضاعفة على الذي يكرهه الله، وتميل إليه النفس، وما يحصل من المكروه المرتب عليه كذلك. قال تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ} ، [الأنفال: 28] ، فهنا لما ذكر فتنة الأموال والأولاد التي مالت بأكثر الخلق عن طريق الاستقامة، قال مذكراً لهم ما يفوتهم إن افتتنوا بها، وما يحصل لهم إن سلموا من فتنتها {وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ} ، [الأنفال: 28] ،. وقال تعالى: {هَا أَنْتُمْ هَؤُلاءِ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَنْ يُجَادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً} ، [النساء: 109] ، وقال تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ} ، [الشورى: 20] ، وقوله تعالى: {أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ {205} ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ {206} مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ} ، [الشعراء: 205- 207] ،. والآيات في هذا المعنى الجليل كثيرة جداً. فإذا بان للناظر أصلها وقاعدتها سهل عليه تنزيل كل ما يرد منها على الأصل المقرر، والله أعلم. |
|||
الكلمات الدلالية (Tags) |
التفسير, تلقي, كيفية |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|
المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية
Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc