من لحظة الإحتضار حتى المواراة في التراب
للإمام علي زين العابدين
[frame="2 60"]ليس الغريب غريب الشام و اليمن *** إن الـغـريب غــريب الـلـحـد و الـكفن
إن الغريب لــــه حـــق لـغـربـتـــــه *** على المقيمين في الأوطان و السكن
لا تـنـهـرن غـريـبــاً حـــال غـربـته *** الــــدهـــر يـنـهـره بــالــذل والـمـحـن
سـفـري بعيد و زادي لـــن يبلغـني *** و قــوتي ضـعــفـت و الـموت يطلبني
ولـي بـقـايـا ذنـوب لــست أعلـمـها *** الله يـعــلـمـهـا فــي الـسـر و الـعـلــن
مــا احـلـم الله عـنـي حـيث أمهلني *** و قـــد تـماديـت فـي ذنبي و يسترني
تـمـر سـاعـات أيــامـي بــلا نـــــدم *** و لا بــكــاء و لا خـــوف و لا حـــزن
أنــا الـذي أغلق الأبواب مجتهداً *** عـلى المـعاصي و عين الله تـنـظرني
يــا ذلـة كـبـتـت فـي غـفـلـة ذهبـت *** يــا حـسـرة بـقـيت في القلب تحرقني
دعني أنــوح عـلى نفسي و أنـدبها *** و أقــطـع الـدهـر بـالـتـذكير و الحزن
دع عنك عدلي يا من كــان يعدلني *** لـــو كـنـت تعلم مــا بـي كنت تعذرني
دعني أسح دموعاً لا انقطاع لـهــا *** فـهــل عـسـى عـبـرة مـنـها تخلصني
كـأنـنـي بـيـن تـلك الأهل منطوحـاً *** عـــلى الـفـراش و أيـديـهم تـقـلـبـنـي
كـأنـنـي و حـولي مـن يـنـوح ومـن *** يــبــكــي عـلـي و يـنعـاني و يـنـدبني
و قـد أتـوا بـطـبـيب كـي يـعـالجني *** و لــم أر الـطـبـيـب الــيـوم يــنـفـعـني
وأشتد نزعي وصار الموت يجذبها *** مـن كـل عـرق بــلا رفـق و لا هــون
وأستخرج الروح مني في تغرغرها *** و صار ريقي مـريراً حـين غرغرني
وغمضوني وراح الـكـل وأنـصرفوا *** بعد الأياس و جـدوا في شراء الكفن
وقام من كان أحب الناس في عجل *** نــحـو الـمـغـسـل يـأتـيـنـي يـغـسـلني
وقـال يـا قـوم نبغي غـاسلاً حـذقـــاً *** حـــراً أديــبــاً أريــبــاً عــارفـاً فـطـنِ
فـجـاءنـي رجــل مـنـهـم فـجـردنـي *** مــن الـثـيـاب و أعــرانـي و أفــردني
و أودعوني عـلى الألواح منطوحـاً *** و صـار فـوقـي خـرير الـماء ينظفني
و أسكب الماء من فوقي و غسلني *** غـسـلاً ثـلاثـاً و نــادى الــقوم بالكفن
و ألـبسـونـي ثـيـابـاً لا أكـمـام لـهـا *** و صـار زادي حـنـوطي حين حنطني
و أخرجوني مــن الدنيا فـوا أسـفـا *** عــلــى رحــيــل بــلا زاد يــبــلــغــنـي
و حـمـلـونـي عـلى الأكتاف أربعة *** مـن الـرجـال و خـلـفي مـن يـشـيـعني
وقـدموني إلى المحراب وانصرفوا *** خـــلـف الإمام فـصـلـى ثــم ودعـنـي
صـلـوا عـلـي صلاة لا ركــوع لـهـا *** و لا ســــجـود لــعــل الله يــرحـمـنـي
و أنـزلوني إلى قـبـري عــلـى مهل *** و قــدمــوا واحــداً مــنـهـم يـلـحـدنـي
وكشف الثوب عن وجهي لينظرني *** و أسـبـل الـدمع من عينية و أغرقني
فـقام مـحـتـرمـا ًبـالـعـزم مـشـتـملا *** و صـفـف الـلبـن من فوقي و فارقنـي
وقـال هلوا علية التراب و اغتنموا *** حسـن الـثواب من الرحمن ذي المنن
و فـي ظلمة الـقبر لا أم هنـاك و لا *** أب شـــــفــيــق و لا أخ يـــــؤنـسـنـي
وهالني صورة فـي العين إذ نظرت *** مــن هولي مطلع ما قد كان أدهشني
مـن مـنـكـر و نـكير مـا أقـول لـهـم *** قـــد هــالــنـي أمـرهــم جـداً فأفزعني
و أقـعـدوني و جـدوا في سـؤليهـم *** مــالـي ســواك الـهي مـــن يخـلصني
فأمـنـن عـلـي بـعـفـو مـنك يـا أملي *** فــإنـنــي مــوثــق بـالـذنـب مـرتـهــن
تقاسـم الأهل مالي بعدمـا انصرفوا *** و صـار وزري عـلى ظـهري فأثقلني
و استبدلت زوجتي بـعلا ً لها بدلي *** و حـــكـمـتـة فــي الامــوال و الـسكـن
و صـيـرت أبـنـي عـبـدا ً لـيخدمـه *** و صـار مـالي لـهـم حــلا ً بــلا ثـمـن
فــلا تـغـرنـك الـدنـيـا و زيـنـتـهـا *** و أنظر إلى فعلها في الأهل و الوطن
وأنظر إلى من حوى الدنيا بأجمعها *** هـل راح مـنـها بـغـير الحنط و الكفن
خـذ القناعة من دنياك و أرض بها *** لــو لــم يـكن لك فيها إلا راحـة البدن
يـا زارع الـخـيـر تحصد بعدة ثمراً *** يــا زارع الشر موقوف عـلـى الوهن
يا نفس كفي عن العصيان واكتسبي *** فـعـلاً جـمـيـلا ً لــــعـــل الله يرحمني
يا نفس ويحك توبي وأعملي حسناً *** عـسى تـجـزين بـعــد الموت بالحسن
ثم الـصـلاة عـلى الـمخـتـار سيـدنا *** مـا وصا البرق في الشام و في اليمن
و الـحـمـد الله ممـسـيـنـا ومصبحنا *** بـالخير و العفو و الإحسان و الـمـنن[/frame]