من قال أنَّ أجدادنا يَجهلون سرَّ الموسيقى وتأثيرها على النّفس ، فقد كانت أمّهاتنا يٌهدئننا بأصوات رتيبة وأنغام شجية تبعث على النعاس وتُشْعرنا بالعطف والسّكينة ، وكانت هذه الأصوات تتغير حسب الموقف فقد تُخفِّضُ الأم الصوت إذا لاحظت تثاقل جُفون الطفل وغلبة النعاس عليه وترفعه كلّما اشتد بكاؤه وعلا صياحه تُشعره بوجودها إلى جانبه وحرصها على راحته .
ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل كان أجدادنا قديما يستعملون الموسيقى للتأثير والتعامل مع بعض الحيوانات في صورة صفير أو مقاطع صوتية معينة .
وقد تطورت الموسيقى بتطور العلوم الأخرى وتغيّرت آلاتها وتعدّدت ألوانها وطبوعها وتجاوزت الاستعمالات الضيِّقة القديمة كوسيلة طرب وتسلية واستمتاع ، فصارت فنّا له لغته ورموزه وروّاده ومُحِبُّوه خلّد أسماء شخصيات كثيرة أمثال زرياب ، الفاربي ، بتهوفن ، موزارت ، عبد الوهاب ، أم كلثوم و غيرهم ، كما أنها دخلت مجال التعبير عن الذات والعلاج وتجاوزت ذلك حتى أصبحت وسيلة تعبئة وإعداد للقتال كما هو الشأن في القوات المسلحة حيث تستعمل الموسيقى الصاخبة لإثارة حماس الجنود ، وأنغام أخرى رتيبة شجية هادئة تُبَثُّ إلى قوات العدوِّ فتُشْعِرُ جنود العدوّ بالهدوء والحاجة إلى الراحة والرغبة في الحياة وهذا من شَأنه أنْ يُضْعِف القُدرة القِتالية للعدو فيُمسوا طُعْما سهلا للقوات المُعادية .
ويُسْتَعمَل الإيقاع كطريقة علاجية ناجحة في كثيرا من ميادين علم النفس كتربية الانتباه والإدراك وتقوية الذاكرة ، كما يُستعمل النّغم لعلاج اضطرابات الكلام ، وتستعمل الموسيقى أيضا في جلسات الاسترخاء لعلاج القلق والتوتر وتهدئة المجانين وذوي النفوس المضطربة .
وتعتبر الموسيقى عنصرا أساسيا في الأعمال السينمائية والمسرحية للتعبير عن المواقف المختلفة فقد توحي بالفرح أو الحزن أو القلق أو الخوف ، وقد تكون وحدها كافية للتعبير عن مشهد كامل فتُوفِّرُ على الفنّان الكلمة والحركة ، هذا بالإضافة إلى استعمالها في مجال الأوبيرا والملاحم حيث تُعبّرُ الموسيقى عمّا قد يعجزُ عنه الكلام والشِّعْر .
هي إذا فنّ وتعبير وعلاج وسلاح ، يستعملها الإنسان حسب حاجته وتوجد حوله في الطبيعة في كل مكان فليس منا مَنْ لم تُطْربه زقزقة الطيور أو خرير المياه أو دقات قطرات المطر المتراقصة على الأسطح .
عثماني مسعود – المفيد في المطالعة