السلام عليكم ورحمة الله وبركاته,
في هذا العام 2012 من يوم 11 سبتمبر قامت مجموعة من الهواة في أمريكا بإنتاج فيلم قصير يسيء للرسول محمد صلى الله عليه وسلم وكان لدلك دلالة علي ارتباطه بالذين خططوا للهجمات الانتحارية علي كل من نيويورك وواشنطن في11 سبتمبر سنة2001 م. والتي هزت مشاعر العقلاء في العالم بأسره, ووقفوا في ذهول عاجزين عن فهم القوي الخفية التي خططت لها, ووقفت من ورائها, والدوافع الحقيقية لهذا الحادث الأليم الذي راح ضحيته آلالاف من الأبرياء و خسائر مادية بمئات المليارات من الدولارات, فتبادرت الشكوك وانقسمت الآراء حول من كان وراء هدا الجرم, فهناك من اتهم الموساد الإسرائيلي نظرا لغياب جميع اليهود من موظفي البرجين في هذا اليوم بالذات, وهناك من اتهم بأن المخططين لهذه الجريمة هم أجهزة المخابرات الأمريكية ذاتها, لاتخاذها ذلك الحادث ذريعة لغزو أفغانستان, وإقامة عدد من القواعد العسكرية الأمريكية في قلب آسيا والاستيلاء علي نفط بحر قزوين, وهناك رأي أخر وليس أخير طرحته الإدارة الأمريكية وإعلامها المملوك للصهاينة بأن الذين قاموا بتلك الهجمات الانتحارية هم مجموعة من المقاتلين المسلمين الذين شاركوا في الجهاد علي أرض أفغانستان , ثم اتضحت حقيقة المجرمين الذين قاموا بهذا التفجير الآثم وهم اليمين الأمريكي المتطرف. كذلك يؤكد هذا الرأي أن خمسة من الإسرائيليين ضبطوا علي سطح عمارة قريبة من مركز التجارة العالمي وهم يصورون الحادث لحظة ارتطام الطائرات به . وقد تم القبض علي هؤلاء الإسرائيليين للتحقيق في كونهم دخلوا إلي الأراضي الأمريكية بطرق غير مشروعة و لم يعلن شئ عن نتائج هدا التحقيق إلي اليوم. وقد تم ترحيلهم إلي فلسطين المحتلة دون أدني عقاب.
وانطلاقا من ذلك فإننا لا نستبعد أن يكون الشياطين الذين انتجوا هذا الفيلم الساقط هم أنفسهم شياطين11 سبتمبر سنة2001 من غلاة الصهاينة وغلاة الصليبيين الذين أفزعهم سرعة انتشار الإسلام في عالم اليوم كما أفزعهم ثورات الربيع العربي التي أعادت الإسلام إلي سدة الحكم في عدد من الدول العربية الحبيبة وللعلم فليست هده المرة الأولى التي يهان فيها نبينا الحبيب, ففي العام 1989 ألّف الأديب الهندي البريطاني "سلمان رشدي" روايته الشهيرة "آيات شيطانية"، وفي العام 2005 رسمت مجموعة من الفنانين الدنمركيين رسوما كاريكاتورية لنبي الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم ،
ولكن السؤال المطروح من لسان حكيم من عقل مفكر : هل مجرد رواية، أو بضعة رسوم، أو فيلم سينمائي يعد سببا كافيا لتلك الموجات العاتية من السخط والغضب ؟ وكيف تمكنت تلك الأعمال الصغيرة القدرة من تهييج المسلمين ؟ أم أن هناك من يدير هده الألاعيب ويستغل الإعلام لتحريض الناس على الخروج ؟
فإذا ما اعتبرنا أن ما يستفز المسلمين هو التعدي على الرموز الدينية فقط، فكم مسجدا أحرقه المستوطنون في الضفة الغربية هذا العام لوحده ؟ وكم مرة داس الجنود الصهاينة المصحف الشريف تحت بصاطيرهم في السجون الإسرائيلية ؟ كم مرة أحرق الجنود الأمريكان صفحات من القرآن الكريم في معتقل جوانتنامو ؟ وقبل هذا ألم يحرق الإسرائيليون المسجد الأقصى، بعد أن احتلوه ودنّسوه ؟فلماذا قوبل كل هذا بالصمت المريب ؟!
أم إن هدا الغضب ليس لله وإنما للدفاع عن ديننا الإسلام؟ كلا إنما الغضب لله يكون باستنكارنا التعدي على كل الرموز الدينية الإسلامية و الإساءة لكل الأنبياء وليس لنبينا الحبيب فقط.
فلو كان الغضب لله عز وجل لما تمادى المجرمون في التشويه برموزنا الدينية, ووقفنا لهم عند كل محاولة دنيئة ضد الإسلام ارتكبوها أم يخططون لها ومن دالك : ألا يرى العالم الإسلامي الذل والهوان الذي يكابده الفلسطينيون يوميا على الحواجز؟ ألم تصبح أفغانستان والعراق في القبضة الأمريكية تسرح وتمرح فيها كيفما تشاء؟ ألم تسقط بغداد أمام أعيننا وعلى الهواء مباشرة دون أن نحرك ساكناً ؟ ألم يكن موت مئات آلاف العراقيين وأكثرهم من الأطفال بسبب الحصار كافيا لاستفزاز المشاعر الإسلامية ؟ ألم يقتل متطرف إسرائيلي عشرات المصلين الفلسطينيين في الحرم الإبراهيمي وهم سجود ؟؟ ألم يُنتَهك الشرف العربي بالمعنى الحقيقي والمباشر في معتقل أبو غريب على يد مجندة أمريكية معتوهة ؟؟ ألم تجتاح الدبابات الإسرائيلية المدن الفلسطينية ؟ ومن قبلها سقطت بيروت ؟ ؟ ألا يعتبر احتلال فلسطين وتدنيس المقدسات إساءة لمشاعر المسلمين ؟ ألم يحزن أحد على ضحايا المجاعات في الصومال التي مزقتها حروب الطوائف ؟ ألا يكفي مسلسل القتل اليومي في سوريا لاستفزاز مشاعر المسلمين ؟...فلماذا يثرى لم نحرك ساكنا لهده الانتهاكات الصهيونية للكرامة الإسلامية والعربية.
غريب جدا كيف نجح بضعة ممثلين مغمورين بتصوير مقاطع فيديو مدتها 13 دقيقة وبأسلوب بدائي سطحي، وبتكلفة لا تتجاوز مئات الدولارات، وتسميته فيلما، ورفعه إلى "اليوتيوب"، وهو عمل قمة في الابتذال والسخافة، ويصعب وصفه بالفني بأي مقياس، كيف نجح هؤلاء الحاقدون بتحريك العالم الإسلامي ودفعه إلى حافة الجنون .
وما يثير الريبة في الاحتجاجات الحالية أنها خلت تماما من دعوات مقاطعة المنتجات الأمريكية ! علما بأن الاحتجاجات السابقة على رسوم الكاريكاتير كانت تتركز على الدعوة لمقاطعة المنتجات الدنمركية، التي وصلت عند البعض حد التحريم ! ألا يعني ذلك أن تلك الموجة الغاضبة ضد الدنمارك كانت مجرد هبة عاطفية صُبت في مصلحة حرب تجارية كانت تقودها وتؤججها الولايات المتحدة لخدمة أهدافها ومصالحها ؟
وبدلا من أن يوظف المسلمون ما حدث بإظهار الفلم كجزء من ممارسات عنصرية دأبت عليها دوائر الغرب، حصل العكس؛ حيث استفادت أمريكا مما حدث على المستوى الإعلامي، وعززت قناعات العالم بأن حربها المزعومة على الإرهاب مبررة، وأظهرت الجانب الغوغائي والهمجي في تصرفات المتظاهرين، سيما وأنها جاءت في ذكرى 11 سبتمبر، وكانت ذروتها مقتل السفير الأمريكي في ليبيا. هل راكم العالم الإسلامي تلك الإهانات في ذاكرته ؟ وهل تنبه هذه المرة، وبدأ يصحو ويعبر عن غضب حقيقي ؟ وهل يرى بوضوح المصائب والمخاطر التي تحيط به من كل الاتجاهات ؟
فأما مقام رسول الله ــ صلي الله عليه وسلم ــ فهو مرفوع عند كل من أهل السماء وأهل الأرض يصلي ويسلم عليه ملايين المسلمين عشرات المرات في كل يوم وليلة كما تمدحه الملائكة وتصلي وتسلم عليه في كل وقت وفي كل حين. وفوق كل ذلك كله يباركه رب العالمين الذي قال: إن الله وملائكته يصلون علي النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما]
وليس هذا فقط بل إن الله ــ تعالي ــ قد أمر جميع الأنبياء والمرسلين السابقين أن يؤمنوا بنبوته, وأن يبشروا بمقدمه الشريف. ولا يزال ما بقي من الحق القديم في كتب الأولين شاهدا علي ذلك.
كذلك انطق الله ــ تعالي ــ آلافا من غير المسلمين من كبار العلماء, والفلاسفة, والأدباء والشعراء, والمؤرخين أن يمتدحوا هذا الرسول الخاتم ــ صلي الله عليه وسلم ــ تقديرا لجهوده الجبارة في تنوير بصائر الناس في زمن كان قد عم فيه الكفر والشرك, والانحطاط, وكان من هؤلاء الفيلسوف الإنجليزي الشهير توماس كارلايل الحائز علي جائزة نوبل, والذي رد على مزاعم المتعصبين ضد هذا النبي فقال: يزعم المتعصبون من النصاري والملحدون أن محمدا لم يكن يريد بقيامه إلا الشهرة الشخصية ومفاخر الجاه والسلطان.. كلا وألف كلا!, لقد كانت في فؤاد ذلك الرجل الكبير ابن القفار, المتورد المقلتين, العظيم النفس المملوءة رحمة وخيرا وحنانا وبرا وحكمة وحجي وإربة ونهي, أفكار غير الطمع الدنيوي, ونوايا خلاف طلب السلطة والجاه, وكيف لا وتلك نفس صامتة, ورجل من الذين لا يمكنهم إلا أن يكونوا مخلصين جادين.ويقول أيضا: وقد رأيناه طول حياته راسخ المبدأ, صادق العزم, كريما برا, رؤوفا, تقيا, فاضلا, حرا, رجلا شديد الجد, مخلصا, وهو مع ذلك سهل الجانب, لين العريكة, دائم البشر والطلاقة, حميد العشرة, حلو الإيناس, بل ربما مازح وداعب, ولقد كان عادلا, صادق النية, ذكي اللب, شهم الفؤاد, لوذعيا, كأنما بين جنبيه مصابيح كل ليل بهيم, ممتلئا نورا, رجلا عظيما بفطرته, لم تثقفه مدرسة, ولا هذبه معلم, وهو غني عن ذلك.
وبعد أن أفاض كارلايل في إنصاف النبي محمد ختم حديثه بهذه الكلمات: هكذا تكون العظمة, هكذا تكون البطولة, هكذا تكون العبقرية كذلك ذكر الروائي والفيلسوف الروسي الكبير تولستوي في مقالة له بعنوان( من هو محمد؟): إن محمدا هو مؤسس ورسول, كان من عظماء الرجال الذين خدموا المجتمع الإنساني خدمة جليلة, ويكفيه فخرا أنه أهدي أمة برمتها إلي نور الحق, وجعلها تجنح إلي السكينة والسلام, وتؤثر عيشة الزهد و أنه خلص هذه الأمة الذليلة الدموية من مخالب شياطين العادات الذميمة ومن سفك الدماء وتقديم الضحايا البشرية, وفتح لها طريق الرقي والمدنية, وهو عمل عظيم لا يقدم عليه إلا شخص أوتي قوة, ورجل مثله جدير بالاحترام والإجلال وفي رأيي أن شريعة محمد, ستسود العالم لانسجامها مع العقل والحكمة. ويقول: وإني لأحب محمدا لبراءة طبعه من الرياء والتصنع.
هذه الشهادات وأمثالها بالمئات هي خير رد علي الشياطين الذين يحاولون التطاول علي سيد الأولين والآخرين من ولد آدم ولن يفلتوا من عقاب الله في الدنيا قبل الآخرة. ونسال الله تعالى إن يجمعنا معه على حوضه المبارك أمين والحمد لله رب العالمين .