الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على أشرف المرسلينوعلى آله وصحبه أجمعين امابعد: فكي نتربى تربية اسلامية فلنا أساليب جليلة منها:
1-التربية بالقدوة:
فالمتعلم يحتاج إلى نموذج عملي وقدوة يراها في كل مربّ من مربيه، ليوقن ويتحقق بأن ما يُطلب منه من السلوك والأخلاق هو أمر واقعي يمكن ممارسته، فهو يأخذ بالتقليد والمحاكاة أكثر مما يأخذ بالنصح والإرشاد، وعليه فإن إنجاح العملية التربوية يتوقف إلى حد كبير على وجود المربي، الذي يحقق بسلوكه وممارساته التربوية، المثال الصادق لأهداف المنهج التربوي، المراد إقامته وتحقيقه.
فقد أمر الله تعالى رسوله صلى الله عليه و سلم أن يقتدي بهَدْي مَن سبقه من الرسل، فقال: (أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده )(الأنعام:90).
وأمر الله المؤمنين بأن يقتدوا برسوله صلى الله عليه و سلم، فقال: (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجوا الله واليوم الآخر )(الأحزاب:21).
وخاطب اللهُ عز وجل رسولهَ والمؤمنين جميعًا بقوله: (لقد كان لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه ) (الممتحنة:4).
هكذا ارتبط التعليم في الإسلام من البداية بالقدوة الحسنة، فكان الصحابة -رضوان الله عليهم- يقتدون بسلوك الرسول صلى الله عليه و سلم، وكان هو يَطلب منهم محاكاته والأخذ عنه قائلاً: (صلوا كما رأيتموني أصلي ) (رواه البخاري من حديث مالك بن الحُوَيْرِث).. (يا أيها الناس خذوا مناسككم) (رواه مسلم والنسائي واللفظ له من حديث جابر).
2ـ التربية بالوعظ والتذكير:
حقيقة التذكير عند ابن باديس أن تقول لغيرك قولاً يذكر به ما كان جاهلاً أو ناسيًا أو عنه غافلاً،وحاجة العباد إلى هذا التذكير، أعظم ما يحتاجون إليه وأشرفه.
وكان النبي صلى الله عليه و سلم على سنّة إخوانه من الأنبياء والمرسلين -عليهم الصلاة والسلام- في القيام بتذكير العباد، متمثلاً أمر ربّه تعالى له: (فذكر إنما أنت مذكر لست عليهم بمصيطر )(الغاشية:21).
والموعظة الحسنة عند ابن باديس، هي التي ترقّق القلوب، لتحملها على الامتثال لما فيه خيري الدنيا والآخرة، وإنما تكون كذلك إذا حسن لفظها بوضوح دلالته على معناها، وحسن معناها بعظيم وقعه في النفوس، فَعَذُبَتْ في الأسماع، واستقرت في القلوب، وبلغت مبلغها من دواخل النفس البشرية، فأثارت الرغبة والرهبة، وبعثت الرجاء والخوف بلا تقنيط من رحمة الله، ولا تأمين من مكره، وانبعثت عن إيمان ويقين، وتأدت بحماس وتأثر، فتلقتها النفس من النفس، وتلقاها القلب من القلب.
3ـ التشجيع على التحصيل النفسي، وتنمية القدرات الذاتية للطالب:
لا شك أن الدروس والبرامج المدرسية إنما تُحصّل فيها قواعد بعض العلوم، وتبقى فنون كثيرة من فنون العلم يحصّلها الطالب ويصل إليها عن طريق البحث والمطالعة بنفسه أو مع زملائه.
(فالتحصيل الدرسي يؤدي إلى فهم قواعد العلم وتطبيقها حتى تحصل ملكة استعمالها، وأما توسيع دائرة الفهم والاطلاع فإنما يتوصل إليها الطالب بنفسه، بمطالعته للكتب).
4 ـ التربية بتفريغ الطاقة وملء الفراغ بما ينفع:
إن استغلال طاقة الشباب، وتوجيهها وجهتها الصحيحة، بطريقة تستهوي ميولهم ورغباتهم وتبعث فيهم المرح والحيوية، له ما يدعمه في سنة المصطفى صلى الله عليه و سلم، فقد أرشد صلى الله عليه و سلم أصحابه إلى بعض تلك الطرق فقال: (علِّمُوا أبناءكم السباحةَ والرمايةَ وركوبَ الخيل ).. وكان صلى الله عليه و سلم يسابق بين خيل الصحابة، ليعرفوا أن ذلك ليس من العبث، بل من الرياضة المحمودة الموصلة إلى تحصيل المقاصد في الغزو، والانتفاع بها عند الحاجة.
والحقيقة أن الطاقة المتولدة لدى الإنسان عمومًا والشباب خصوصًا، ينبغي إطلاقها وتوجيهها نحو عمل إيجابي بنّاء، وأن كبحها وتخزينها من غير مبرّر، مخل بالتوازن الجسمي والنفسي للإنسان.
وقد اعتنت المدرسة الحديثة بهذا الجانب، واستحدثت ما يُسمى بالنشاط المدرسي، الذي أصبح جزءًا من المناهج المعمول بها في أغلب المؤسسات التعليمية.
وقد أدرك الإمام ابن باديس رحمه الله، الأهمية البالغة لعملية توجيه طاقة الشباب المخزنة، وتفريغها في ما يعود عليهم بالمصلحة لحمايتهم من الانحراف والشذوذ، فكان ينهى متعلّميه عن تبديد أوقاتهم وجهودهم فيما لا فائدة فيه، ويرشدهم إلى الترويح عن أنفسهم بما يطيب لهم من المباحات والمستحبات، كالسباحة، والخروج إلى الطبيعة، والاستمتاع في أحضانها، والتفكر في مبدعها.