المسألة الثانية" العمل " و ما دليلها؟ " وَعَمِلُواْ الصَّالحِاتِ" ما ظابط العمل الصالح؟ كل مسلم يحب العمل الصالح لكن ما ظابط العمل الصالح؟ لا تنس الشرطين؟ ما ظابطه ؟ ما توفر فيه الإخلاص لله و المتابعة لرسول الله، ليس كل عمل صالح؟! العمل الصالح هذا هو.
و المسألة الثانية ما شاهدها؟ " وَ تَوَاصَوْاْ بِاْلحَقِّ" أي يوصي بعضهم بعضا بالحق، و الحق من أين يعرف؟ من الكتاب و السنة و إجماع السلف الصالح من الصحابة و أئمة التابعين و من بعدهم هو الحق، ليس الحق في أفكار البشر و مناهج البشر لأن كل فرقة من الثلاث و السبعين تدعي أن عملها حق، و التي قام الدليل على أحقية عملها فرقة واحدة فقط. أما اثنتان و سبعون فرقة فعملها باطل في الجملة. و أن كان يوجد عندها شيء من الحق. ما من فرقة من الثنتين و سبعين فرقة إلا و عملها فيه شيء لكن الفرقة الناجية و الطائفة المنصورة عملها كله حق في الجملة أما بقية الفرق فإنها ضالة كما اخبر النبي r في حديث افتراق الأمم قال" و ستفترق أمتي على ثلاث و سبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة. قالوا: من هي يا رسول الله؟ قال: الجماعة" هذه الرواية الصحيحة هذه الجماعة ناجية و منصورة و أما اثنتان و سبعون فرقة فهي خاسرة، هذه المسألة الثالثة التواصي بالحق، و الحق كما قلنا ما قام الدليل عليه من كتاب و سنة و إجماع من سلف الأمة.
المسألة الرابعة شاهدها اظنه واضحاً؟ " وَ تَوَاصَوْاْ بَالصَّبْرِ" هذه لفتة إلى أن أهل السنة و أهل السلف لا يستعجلون و لا يأخذهم الطيش و لا الشطط، يوصي بعضهم بعضاً بالصبر ينالهم ما ينالهم من الأذى و مع هذا يصبرون و يصابرون و يتواصون بالصبر، و الصبر لغة: الحبس و المنع و اصطلاحاً ما هو؟ حبس اللسان عن التشكي و التسخط و النفس عن الجزع و الجوارح عن لطم الخدود و شق الجيوب و نحو ذلك من القبائح المنافية للصبر و هو عند أهل الشرع ثلاثة أقسام:
ü صبر على طاعة الله حتى يؤديها كاملة و قريبة من الكلام لقول الله تعالى "َاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ " التغابن 16 يجب أن يؤدي الطاعة كاملة و إذا عجز يسدد و يقارب.
ü صبر عن معصية الله حتى يتجنبها.
ü الصبر على أقدار الله.
و الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد و قد ذكره الله عزوجل أكثر من ثمانين مرة في القرآن. و إذا نظرت في حال الأنبياء و المصلحين وجدت أنهم اصبر الناس على تبليغ الدين و تعليمه الناس على الوجه الصحيح و هذه المسائل الأربع هي جهاد النفس فالإنسان يجاهد نفسه أولا على معرفة الهدى و دين الحق و أنه سبب السعادة في الدنيا و الآخرة و بقدر ما يفوت النفس من معرفة الهدى و دين الحق بقدر ما يفوتها من السعادة في الدنيا و الآخرة و المرتبة الثانية العمل بما علمه الله من الهدى و دين الحق حتى لا يكون العلم حجة عليه و الثالثة دعوة الناس إلى ما من الله به عليه من الهدى و دين الحق لأن من دعا إلى هدى كان له مثل أجور تابعيه و لا ينقص من أجورهم شيء و الرابعة صبره على ما يصيبه في هذا السبيل تأسياً برسول الله r و من مضى قبله من النبيين و المرسلين و من جاء بعد نبينا من الصحابة و أئمة الهدى إلى اليوم و ليس المسلم قاصرا همه على هداية الناس على يديه بل يهتم بتبليغ حجة الله و أن الله مظهرا دينه على يديه أو على يدي من يأتي بعده أما أن يقصر همه على هداية الناس على يديه دون أن يفكر في العواقب فهذا خطأ و قصور.
قال الشافعي رحمه الله تعالى:" لو ما أنزل الله حجة على خلقه إلا هذه السورة لكفتهم"
[ الشرح]:
هذا القول لبعض مشائخنا يرى في نسبته إلى الشافعي نظر و لم أقف عليه في كتاب من كتب الشافعي مع أن البحث قليل و حجة الله قامت على الخلق بغير هذه السورة و على فرض صحة هذا القول عن الشافعي رحمه الله فإن هذه السورة على قصر لفظها فقد اشتملت على المعاني الواسعة و من تلكم المعاني ما تضمنته من حسن العاقبة لأهل الإيمان و التحذير من سوء العاقبة لغيرهم كما أن فيها التنويه بالدعاة إلى الله على بصيرة و أنهم متميزون عن غيرهم و ذلكم أنهم يتواصون بالحق و يتواصون بالصبر و ليس عندهم شطط كالفرق الضالة سماتهم الرفق في موضعه و القوة في موضعها فهم يتميزون بالدعوة إلى الله بالحكمة و الموعظة الحسنة و المجادلة بالتي هي أحسن و هذا واضح في سيرة الصحابة و التابعين و من بعدهم من أئمة الهدى. نعم.
وقال البخاري رحمه الله تعالى: باب العلم قبل القول والعمل و الدليل قوله تعالى " فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُوَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ" فبدأ بالعلم قبل القول و العمل. .
[ الشرح]
بابٌ التقدير هذا باب ٌ " العلم قبل القول و العمل " قبل أن يدعو يجب عليه أن يتعلم دين الله الذي يدعو إليه و هنا نقول إن الدعاة أو المنتسبين للدعوة ثلاثة أصناف:
ü الصنف الأول: هم أهل البصيرة أي الفقه في دين الله و الدعوة إليه بالحكمة و الموعظة الحسنة و بالحجج و البراهين و هؤلاء هم اسعد الناس. و هم الذين أثنى الله عليهم في قوله لنبيهr " قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إَلَى الله عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَ مَنِ اْتَّبَعَنيَ " يوسف:108
ü الثاني: دعاة الجهل و هم الذين يتصدرون ميادين الدعوة و لا فقه عندهم في دين الله أو عندهم فقه لا يؤهلهم و هؤلاء يفسدون في الأرض و لا يصلحون و هم في الحقيقة سلم لأهل الأهواء.
ü الصنف الثالث: دعاة الفتنة و الضلال دعاة الانحراف و أول فرقة خاضت هذه الميدان هم السبأية أصحاب عبدالله بن سبأ اليهودي اليمني الذي اسلم نفاقا. فأول حدث أحدثوه في الإسلام تحريض الناس على أمير المؤمنين و ثلاث الخلفاء الراشدين عثمان بن عفان t حتى قتلوه، تحريض و تهييج حتى قتل الخليفة و هؤلاء هم ( أي السبأيه) سلف الثوريين إلى اليوم لان من أصول أهل السنة و الجماعة اجتماع الكلمة على من ولاه الله أمر المسلمين و عدم شق العصا و عدم تفريق الكلمة فالثوريون من بني جلدتنا اخذوا هذا الجانب عن السبأيين و أحداثهم في الإسلام كثيرة، الزندقة و الرفض و غير ذلك.
و الفرقة الثانية هم الخوارج الذين خرجوا على علي بن أبي طالب " الحرورية" أصحاب النهروان و هما التكفيريون ضلوا و أضلوا كفروا عصاة الموحدين و فساق المسلمين بالكبائر كما سيأتي لهذا تفصيل لاحق ان شاء الله تعالى، فهذه أصناف المنتسبين إلى الدعوة ثلاثة أصناف.
و أسعدهم هم الصنف الأول دعاة البصيرة و البينة و الفقه في دين الله و قد قال رسول الله r" من يرد الله به خيرا يفقه في الدين"
الآية ((فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ)) سورة محمد آية: 19
((فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ)) الشيخ رحمه الله بين الشاهد فقال فبدأ بالعلم قبل القول و العمل " فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُوَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ " أولا العلم، اعلم قبل أن تدعو الناس إلى دين الله أن تتعلم و قد ذكر الشيخ ابن السعدي رحمه الله في تفسير هذه الآية ثمانية أسباب لحصول العلم بـ " لا اله إلا الله" ثمانية أسباب فارجعوا إليها تتمة للفائدة منها ما أقامه الله سبحانه و تعالى من الأدلة و البراهين على استحقاقه العبادة و منها ما يشاهد من النعم على العباد و منها اتفاق كلمة الرسل و الكتب و تواطؤها على ذلك على الدعوة لعبادة الله وحده إلى آخر ما ذكره من الأسباب رحمه الله.
و تكملة الآية قوله تعالى " وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ " في الآية غير ما تقدم من العلم بـلا اله إلا الله و هو العلم بمعناها و العمل بمقتضاها أي ما تدل عليه و ما تتطلبه من العباد أمران آخران ففي قوله " وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ " دليل على أن الفاسق الملي عاصي أهل القبلة لا يخرج من مسمى الإيمان و هذا ما اجمع عليه أهل السنة و الجماعة فقالوا في الفاسق الملي انه مؤمن بإيمانه فاسق بكبيرته أو يقولون مؤمن ناقص الإيمان خلافا للخوارج و المعتزلة، عرفنا مذهب أهل السنة و الجماعة و عقيدتهم في الفاسق الملي و هذا خلاف الخوارج و المعتزلة فإن الخوارج يكفرون مرتكب الكبيرة في الدنيا و يستحلون دمه و ماله و إن مات دون توبة فهو عندهم خالدُ ومخلدُ في النار و مذهب المعتزلة يخرجون الفاسق الملي من الإسلام و لا يكفرونه بل يجعلونه في منزلة بين المنزلتين لا مؤمن و لا كافر و أما في الآخرة فيقولون إن مات دون توبة فهو خالدُ مخلدُ في النار فوافقوا الخوارج في حكمه في الآخرة و اختلقوا معهم في حكمه في الدنيا و كلتا الطائفتين قد ضلت و أضلت و هدى الله سبحانه و تعالى أهل السنة و الجماعة إلى القول الحق و المعتقد الصحيح و المنهج السديد إذ كان عملهم وفق النصوص من القران و سنة رسول الله rفجمعوا بين الوعد و الوعيد فقالوا أي أهل السنة و الجماعة إن مرتكب الكبيرة في الدنيا مؤمن بإيمانه فاسق بكبيرته و أما في الآخرة فهو تحت مشيئة الله إن شاء الله غفر له و رحمه و ادخله الحنة و إن شاء عذبه تحت مشيئة الله و سيأتي كما قدمنا لهذا مزيد بيان و تفصيل لاحق إن شاء الله تعالى.
و الأمر الثاني الذي تضمنته الآية في قوله تعالى " وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ" فيه دليل على إحاطة علم الله سبحانه و تعالى بأعمال العباد و مجازاتهم عليها و هذا يقتضي من العبد مراقبة الله عزوجل في السر و العلانية.و الله اعلم و صلى الله و سلم نبينا محمد.
اعلم رحمك الله أنه يجب على كل مسلم ومسلمة تعلم ثلاثهذه المسائل والعمل بهن.
الأولى: أن الله خلقنا ورزقنا ولم يتركنا هملاً بلأرسل إلينا رسولاً فمن أطاعه دخل الجنة ومن عصاه دخل النار.
والدليل قوله تعالى"إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولًا شَاهِدًا عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولًا * فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْنَاهُ أَخْذًا وَبِيلًا" سورة المزمل آية: 15-16
[ الشرح]
فإن هذه المسائل التي ذكر الشيخ هي مسائل اعتقاديه و التي مضت مسائل عمليه المسألة الأولى ما ذكره من أن الله سبحانه و تعالى خلقنا أي أوجدنا من العدم، نعمة الإيجاد " و رزقنا" و هذه نعمة الإمداد " و لم يتركنا هملا" لم يجعلنا سدا مضيعين " بلأرسل إلينا رسولاً" هو محمد r فبعد نعمة الخلق و نعمة الرزق تأتي نعمة الإعداد للحكمة التي خلق الله الخلق من اجلها و هي عبادته و عبادته هذه لا يدركها الناس تمام الإدراك و لا يؤدونها حق الأداء كما يريد الله منهم إلا بإرسال الرسول و الرسول في اللغة: من بعث برسالة، فعول بمعنى مفعل، رسول بمعنى مرسل و في الاصطلاح: رجل من بنى آدم أوحى الله إليه بشرع و أمره بتبليغه، و لا بد قبل بيان معنى الآية ووجه دلالتها على هذه المسألة أن نبين مهام النبي r كما دل عليها الكتاب الكريم و سنة نبينا r.