مقعد السيارة الأمامي - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الثّقافة والأدب > قسم الإبداع > قسم القصة ، الرّواية والمقامات الأدبية

قسم القصة ، الرّواية والمقامات الأدبية قسمٌ مُخصّصٌ لإبداعات الأعضاء في كتابة القصص والرّوايات والمقامات الأدبية.

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

مقعد السيارة الأمامي

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2012-03-13, 14:42   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
sollo44
عضو مشارك
 
الصورة الرمزية sollo44
 

 

 
إحصائية العضو










New1 مقعد السيارة الأمامي

مرة أخرى أشعر بذلك الطعم الغريب ، إنه غريب حقا ، على مر سنوات عديدة من عمري خبرته ، و كان ذلك الطعم يزداد غرابة و مرارة بالتقادم ،اليوم تذكرت تلك الرحلة الجميلة التي قمت بها رفقة والدي ، يوم رحنا في رحلة عجيبة للجبل حيث الثلوج و الأشجار و القمم الشامخة ،رفض والدي أن يجلسني رفقته في المقعد الأمامي و قال بأنني صغير كفاية لأجلس في المقاعد الخلفية فقط . تساءلت يومها : كيف لي أن أثبت للعالم أنني كبير ؟؟ بالسحر أم بالمعجزات أم بالكرة ؟ كيف ؟... الكل يراني صغيرا ، و كعقوبة لذلك أجلس في الخلف ، طارت طيور السماء بأرزاقها و أنا أتخبط كطير كسير ،........ في المقعد الأمامي يحضى الراكب بفرصة مذهلة للاستمتاع بالمناظر الجميلة و السيارات المتلاحقة ، و كذلك برؤية السماء المتوجة بسحابات الربيع الرائقة ، سألت أمي قائلا : متى سأكبر ؟ أريد أن أنمو بسرعة جنونية لأجلس في المقعد الأمامي . قالت بلغة عجز عقلي ذات يوم عن فهمها : بالإصرار و المثابرة تنال المرغوب .
و قبل أن أفهم كلامها جلست مرغما و لسنوات عديدة في المقعد الخلفي للسيارة . كنت أرمق من الزجاج الخلفي المناظر و الجبال و الغيوم بعين ساحرة مستيقنا أن السائق و من معه من رفقة قد حضوا برؤية هذه المشاهد قبلي ، شعرت بالأسى ، و تنامى الأسى ليتحول إلى هزيمة نكراء مشبعة بالإحباط ، دخلت البيت ، تفاجأت بعودة خطوط النمل إلى المطبخ رغم أن والدي أفرغ كمية كبيرة من الماء في جحرها لتدميره ، من الفزع صرخت خائفا : أمي أمي لقد عاود النمل رجوعه .
أقبل الوالد غاضبا و صاح قائلا : عاود رجوعه رغم أنني أشبعته بالماء غرقا ؟؟
و ها هو يصب مزيجا من الماء و الإسمنت على مدخل النملات ليمنع دخولها أو خروجها ، و سرعان ما انصرف تدفعه نشوة الانتصار العارمة ،و بعد مدة قصيرة أقبل النمل يثقب جدار المطبخ من الجهة الأخرى و ينقل عبر سلسلة طويلة من النملات المترنحات بيوضا صغيرة و حبوب قمح كانت قد خزنتها لموسم الشتاء القاسي ، و تراءت لي سلسلة النملات المضطربة خطا سحريا يشق للهدف المنشود طريقه ، كأن النملات تحاول رغم ضعفها التشبث بالبقاء بكل ما لديها من مثابرة غريزية . لماذا كل هذه العزيمة ؟ و من أين تستمد قوتها المرعبة ؟ تذكرت فجاة زمنا مضى ، زمن الكفاح و النضال و الهلوسة المقيتة ، زمن سالت فيه دموع العيون على الوجوه الحائرة ، و تلبدت فيه سماء الأحلام بمخاوف نكدة ، تعلم يقينا أنني أتحدث عن زمن الشباب الأول و لا شك ، فانا اليوم شيخ ستيني يحكي حكايته مع مقعد السيارة .
شيخ سار بخطى حافية مترنحة في أرض مليئة بالأشواك و الأشراك . مقعد السيارة الذي أرقني طويلا. و خلال رحلة طويلة من التأمل تساءلت إن كان هناك من يقاسمني لذة التأمل ، و ينعم مثلي بشعور غريزي للبحث عن الحقيقة ..........في صبيحة ذلك اليوم عاد والدي من رحلة تبضع قصيرة ، كان في يده كيس أصفر صغير ، دخل المطبخ مسرعا و لاذ بقليل من الصمت . نظرت إلى عينيه فوجدت فيهما غضبا محتقنا يمتد لمليون عام . و قال غاضبا : لا بد اليوم من القضاء على النمل . عرفت فورا أنه قد اقتنى مبيدا حشريا قويا لا تملك النملات منه نجاة . و فتح الكيس الأصفر و رش على مدخل النملات بودرة زرقاء و في الحين تململت النملات على الأرض في سرعة عجيبة . تناثرت في كل اتجاه . اصطدمت بعضها ببعض . صرخت في صوت غير مسموع و كأنها تستجدي رحمة الرجل ، واصل أبي رش البودرة حتى اختفت كل حركة على الأرض . ...... صاح الوالد مسرورا : بالإصرار قضيت على مشكل كاد يهد المطبخ .
في اليوم الموالي نهضت باكرا و ذرعت أرض المطبخ طولا و عرضا ،بحثت في زواياه و أركانه عن حركة خفيفة باهتة فلم أعثر على شيئ ، لقد زالت النملات تماما ،زالت بعد أن استنفذت كل طاقاتها و امكاناتها ، و أصرت رغم ضيق الحال على البقاء فلم يحل بينها و بين رغبتها إلا قوة المبيد القاتلة ، بعد مدة من الحادثة رأيت أبي مستعدا لإخراج سيارته من الكاراج ، طلبت منه الركوب في الأمام فرفض ، حاولت معه هذه المرة بكل طريقة فرفض ، و أمام رفضه المتواصل سيطرت علي قوة إصرار عجيبة كقوة النمل ،فرحت أكسر رأسه بالبكاء و الدموع و الاستلطاف ،فنزل أخيرا عند رغبتي و كانت تلك أول مرة أركب فيها في مقعد السيارة الأمامي.









 


رد مع اقتباس
 

الكلمات الدلالية (Tags)
مقعد, الأمامي, الصيارة


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 15:20

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2024 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc