طلباتكم اوامر لأي بحث تريدونه بقدر المستطاع - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات التعليم المتوسط > قسم النشاطات الثقافية والبحوث واستفسارات الأعضاء > قسم البحوث و الاستفسارات و طلبات الأعضاء

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

طلباتكم اوامر لأي بحث تريدونه بقدر المستطاع

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2011-12-07, 23:44   رقم المشاركة : 11
معلومات العضو
محب بلاده
مراقب منتديات التعليم المتوسط
 
الصورة الرمزية محب بلاده
 

 

 
الأوسمة
وسام التميز وسام المسابقة اليومية 
إحصائية العضو










افتراضي

الدراسة الأولى واقع الدراسات والبحوث الاجتماعية في الوطن العربي

توطئة:‏

إذا كان تعدّد المنطلقات النظرية ومناهج البحث في العلوم الاجتماعية الغربيّة، يمثّل نوعاً من الأزمة والفوضى العلمية (باعتراف أغلب المختصين)، فإن المشكلة أشدّ وطأة في البلدان النامية، ومنها وطننا العربي، حيث تجاوز الجدل بين المشتغلين في علم الاجتماع دائرة الاختيار بين علم الاجتماع الوضعي أو الإنساني أو الماركسي.. الخ، واتجه ليطرح بديلاً إضافياً يتمثّل في التطلّع نحو صياغة نظرية سوسيولوجية وطنية، لها طابعها المتميز الناتج عن خصوصية هذه المجتمعات. فلقد ثار جدلٌ طويل بين علماء الاجتماع حول هذه القضية، وطُرح التساؤل التالي: هل ننقل عن المشتغلين بعلم الاجتماع في الغرب أو الشرق، أم نطوّر نظرية جديدة في علم الاجتماع قادرة على خدمة البلدان النامية في معاركها ضد التخلف والفقر والتبعية؟!(1).‏

ومن ناحية أخرى يؤكد أحد الباحثين الاجتماعيين العرب أن كثيراً من العرب المختصين في العلوم الاجتماعية يكرّسون أوقاتاً ثمينة وجهوداً طائلة لاثبات نظريات واتجاهات وُلدت وترعرعت في مجتمعات أخرى وفي ظروف مغايرة، فنراهم يتفانون في تدقيق بعض المصطلحات ويسلّطونها من أعلى على الأوضاع الاجتماعية العربيّة. والحال أنّ تلك المفاهيم وإنْ كانت طريفة في ذات نفسها وجديرة بالاهتمام والدرس والعناية، فإنّها أصلاً وليدة المجتمع المُصنّع الغربي واستخدامها باسم كونية المعرفة العلمية غير وارد وغير مشروع لأنها لم تأخذ بالحسبان كل الأوضاع الممكنة إنسانياً، ولكن بعضاً منها فقط، فنقْلها بتلك السرعة والبساطة إلى المجتمع العربي يكون حجر العثرة في مسيرة البحوث الاجتماعية العربيّة(2).‏

والمُلاحظ أنّ السنوات الأخيرة شهدت ظهور عدد هام من الكتابات، التي تناقش مشروعية استخدام بعض المفاهيم والمصطلحات الاجتماعية الغربيّة. وهي ضرب من الشك المنهجي، القائم على إعادة النظر في الجهاز المعرفي الغربي، دون رفضه بصورة كليّة ونهائية، كما لا تنتهي إلى نسف النزعة الوضعية المؤسّسة له. وإنْ كانت تتساءل حول مفاهيم تُعدّ مركزية في النظريات الاجتماعية الغربية، مطالبة بتوسيع وتحريك وتطوير تلك المفاهيم والمقولات والمناهج، إنقاذاً للعلم والعقلانية والموضوعية من مخاطر الاختصار والهيمنة والاستلاب. وعموماً فإنّ أصحاب هذه النزعة لا يطالبون بقطيعة نهائية مع الغرب، من حيث أنه مصدر معرفة حقيقية ونسبية، وإنما يدعون إلى رفض الأطروحة التي تزعم أنّ الغرب مصدر المعرفة المطلقة.‏

"فهي تدعو إلى التقويم النقدي للجهاز المفاهيمي الغربي، أي إلى إبراز حدوده المعرفية من جهة، وإلى قدراته الكشفية عند التقائه بالواقع اللاغربي من جهة ثانية"(3). وبالمقابل يدعو عدد من الباحثين الاجتماعيين العرب إلى التخلي عن التقوقع على الذات، لأنهم لا ينظرون إلى الجهاز المعرفي الغربي كإنتاج للتاريخ الغربي فقط، وإنما من حيث أنه حصيلة لإسهام الشعوب والثقافات والحضارات الإنسانية كلها. إنّ الاعتراف بالحضور الغربي في شكل ثقافة ذات بعد شمولي يحتّم علينا أن نستغل تلك الثقافة دون شعور بالذنب، دون شعور بالاستلاب، دون شعور باختلاف وحشي -وهمي. ويرى أصحاب هذه النظرة وجوب الإفادة القصوى من الجهاز المعرفي الغربي واستغلاله، واستيعابه كفكر عقلاني وتقدّمي بالمعنى الواسع للكلمة. وهو "يفرض نفسه على جهازنا العقلي، شئنا ذلك أم كرهنا. لقد أصبح يشكل الإطار المرجعي العام"(4). إنّ ما تقدم يقودنا إلى مزيد من التفصيل والتحليل لواقع الدراسات والبحوث الاجتماعية في الوطن العربي، وذلك انطلاقاً من معالجة النقاط التالية:‏

أوّلاً- تصوّرات الاجتماعيين العرب ومساهماتهم:‏

في دراسة إحصائية تهدف لمعرفة تصوّرات علماء الاجتماع العرب، وحجم إسهاماتهم النظرية والتجريبية والميدانية قامت بها جهينة العيسى والسيّد الحسيني تبيّن أنّ الغالبية العُظمى من المشتغلين بعلم الاجتماع في الوطن العربي(82.4 بالمائة) أنجزت بالفعل خلال حياتها الأكاديمية بحثاً امبريقياً واحداً على الأقل في مقابل 17.6 بالمائة لم ينجزوا أي بحث امبيريقي. أمّا بالنسبة لاهتماماتهم الأكاديمية، فمن المُلاحظ أن علم اجتماع التنمية احتلّ المرتبة الأولى. في حين سجّل حوالي ربع أفراد العّينة الأولوية الثانية لعلم الاجتماع الصناعي. ويأتي بعد ذلك (أي في المرتبة الثالثة) علم الاجتماع الريفي والحضري. أمّا بقيّة فروع علم الاجتماع فقد نالت مراتب أقل وأدنى على ساحة "الخريطة الأكاديمية" لعلم الاجتماع في الوطن العربي(5).‏

وقد حاول الباحثان (العيسى والحسيني) التعرّف إلى تصوّرات المشتغلين بعلم الاجتماع في الوطن العربي حول أهم النظريات الاجتماعية شيوعاً وانتشاراً. وتبيّن أنّ النظرية البنائية الوظيفية بشكليها التقليدي والمعدّل تمثّل النظرية الاجتماعية الشائعة في الوطن العربي. أمّا نظرية التفاعل الاجتماعي فتبدو أقلّ انتشاراً، وكذلك النظرية النفسيّة الاجتماعيّة. أمّا أقلّ النظريات الاجتماعية شيوعاً في الوطن العربي في نظر أفراد عيّنة البحث فهي النظرية الايكولوجيّة. ويعتقد 81.48 بالمائة من أفراد المجتمع البحث أنّ علم الاجتماع في الوطن العربي يخضع لسيطرة علم الاجتماع الغربي (أوروّبا الغربية وأمريكا). وفي مقابل ذلك وجدت الدراسة أنّ أقلّ من خُمس أفراد العيّنة بقليل (18.52بالمائة) يعتقد أنّ المادية التاريخية تمثّل واحدة من النظريات الاجتماعية الشائعة في الوطن العربي. وفي كل الأحوال لاحظت الدراسة أنّ أفراد مجتمع البحث يعبّرون عن تبعية علم الاجتماع في الوطن العربي للاتجاهين الفكريّين العالميين في الثمانينات (البنائية الوظيفيّة والماديّة التاريخيّة) اللّذين يمثّلان تعبيراً عن الخبرة التاريخية للمجتمعات الغربيّة(6).‏

ومن ناحية أخرى، فإنه يسود اعتقادٌ بين الباحثين الاجتماعيّين والمُهتّمين بالعلوم الإنسانية والاجتماعية بأنّ علماء الاجتماع العرب لم يساهموا إلى الآن في فهم دقيق وبنّاء لمجتمعاتهم المحليّة وثقافاتها. وبالرغم من أنّ هذا الشعور يشير إلى نوع ضروري من النقد الذاتي، إلاّ أنه يعكس واقعاً حقيقياً، بصرف النظر عن أسبابه وظروفه وملابساته. ونستطيع اليوم أنْ نتفهم مقولات مُتداولة بشكل واسع، مثل "التبعية الفكرية"، و"الاغتراب الثقافي" و"القراءات غير النقديّة" لفكر "الآخر". ومعنى ذلك أنّ ثّمة وعياً متزايداً لدى علماء الاجتماع العرب بأنهم لم يساهموا حتى الآن فيما ينبغي عليهم المساهمة في فهم واقع المجتمعات العربيّة(7).‏

والواقع أنّ علم الاجتماع العربي لم يَعُدْ مقصوراً على نُخبة مُثقفة موصولة بالغرب أو بالشرق (النُخبة السوسيولوجية)، في حين أنّ الواقع يُظهر إنه إذا كانت الترجمات السوسيولوجية تحتلّ الواجهة في المكتبة الاجتماعية العربية وفي الجامعات العربية، وإذا كان هناك اعتماد نسبي على الخبرات الأجنبية، فهناك في المقابل جهود عربية أكاديميّة وبحثية لوضع المصطلح العلمي الاجتماعي، ورصد التحوّلات الاجتماعية العربية رصداً علمياً ودقيقاً، وهناك توجّهات نحو إنشاء المعاهد العلمية الاجتماعيّة التطبيقية ونحو المختبرات الاجتماعية، كما أنّ هناك مجلاّت للعلوم الإنسانية عامة والعلوم الاجتماعية خاصّة.‏

فالتقدم الاجتماعي الذي يقرع أبواب المجتمعات العربية، لا يتحدّاها من الخارج وحسب، بل يتحدّاها من الداخل أيضاً، لا سيما وأنّ الوعي القومي للعرب لا ينفصل عن وعيهم الحضاري، الثقافي، المعرفي، والإسلامي عمقاً. وهذا كلّه يجعلنا نشعر بالحاجة الماسّة إلى التسلّح العلمي بالمناهج والقوانين المجُرّبة والصحيحة(8).‏

وقد لفت انتباه "ديل إيكلمان" أُستاذ الأنثروبولوجيا في جامعة نيويورك التغيّرات الحاصلة في الدراسات الاجتماعية العربيّة إزاء النظريات والمناهج والمفاهيم الغربيّة قياساً لما كانت عليه منذ عقدين من الزمن. فلم تعد تلك الانتقادات المُعمّمة على كل ما يُنتج في الغرب مُتداولة بالشكل الذي كانت عليه في السابق. وبدلاً من التعميم أصبح الانتقاد ظرفياً وموجّهاً لدراسات بعينها أو لمقاربات نظرية مُحدّدة. بل على العكس، ظهر اهتمام مُجدّد بفهم الأبحاث الغربية في إطارها الأصلي، حتى وإنْ كانت خلفياتها غير مرغوب فيها(9).‏

ولكن تبقى مسألة الصلة الواقعية بين العلوم الاجتماعية وقضايا الإنسان العربي إشكالية، سواء لجهة النتائج أو لجهة الأهمية والحيوية. ففي ندوة عُقدت بقسم الاجتماع والخدمة الاجتماعية في جامعة الكويت (1984) أكّد الدكتور سعد الدين ابراهيم: "أنّ النمو النوعي في علم الاجتماع لم يتواءم مع جوانب النمو الأخرى في الوظيفة أو الدور الذي يمكن أن يقوم به علم الاجتماع في صياغة الحاضر وفي التمهيد للمستقبل العربي. إذ أنّ المتخصّصين لم يساهموا بالقدر الكافي أو بالدرجة المطلوبة في صياغة مشكلات المجتمع العربي المعاصر وتفسيرها، أو في اقتراح الحلول المطلوبة لهذه المشكلات"(10).‏

أمّا الدكتور عبد الباسط عبد المعطي، فإنه يرى أن القضايا التي يدرسها علم الاجتماع في البلدان العربية معظمها قضايا جزئية، ومنها قضايا مرتبطة بمشكلات اجتماعية غير سويّة من وجهة النظر المجتمعية والضبط الاجتماعي مثل الجريمة وانحراف الأحداث. أما الدراسات السوسيولوجية الحقيقية التي تتناول قضايا التجزئة والوحدة ومسألة التبعية، فهي محدودة جداً، وغالباً ما تتناول القضايا ذات الطابع السلبي أكثر من القضايا ذات الطابع البنائي التي تسهم في عملية التغيير والتخطيط في حين أنّنا بحاجة إلى بحوث حول متطلبات وشروط إقامة مجتمع بنائي أو إحداث تغيرات مُعيّنة في بُنية اجتماعية عربية لها واقع وظروف ولها ثقافة ولها خلفيّة(11).‏

ويعتقد الدكتور سعد الدين إبراهيم أنه لم تظهر مساهمة علمية نظرية يُعتَدّ بها في الوطن العربي.. وربما كان السبب (وفق رأيه) يرجع إلى أن التطوير النظري لم يكن الهدف الأوّل للمشتغلين بهذا الميدان، بينما يزداد الاعتراف بإنتاج المفكرين العرب من الخارج أكثر من داخل الوطن العربي نفسه، خصوصاً أولئك الذي تتبنّاهم الدول الأجنبية، فيعاد تسويق أفكارهم إلى بلدانهم الأصليّة مثلما يتم تسويق الملابس والسلع الأخرى(12).‏

ونحن لا نتفق في هذا السياق مع التقييم السلبي لمجمل "الفكر الشرقي"، والذي يرى أصحابه أنّ دراساتنا الاجتماعية ليست مفيدة، لأنها عبارة عن نقل غير دقيق وغير أمين للفكر الغربي وأنّه " وحتّى عندما يُوّجه النقد إلى الفكر الأجنبي في الوسط العلمي يُنقَل هذا النقد حرفياً، وهذا أُسمّية التبعيّة في النقل والنقد، وهو ما يخفي في الوقت نفسه الضعف المعرفي والضعف الفكري للمشتغلين بعلم الاجتماع في البلاد العربية"(13).‏

الواقع إن وضع الدراسات والبحوث الاجتماعية عموماً ووضع علماء الاجتماع العرب على وجه الخصوص، هو امتداد لوضع الجامعة في الوطن العربي، التي لم ترتبط بعد مع المجتمع ارتباطاً عضوياً في نطاق التغيّرات الكميّة والكيفية. وذلك في جميع التخصّصات الإنسانية والعلمية، ما عدا التخصّصات المهنيّة كالطب والهندسة والمحاماة. بينما نجد أنّ ما يقوم به علماء الاجتماع والأنثربولوجيا في جامعات العالم الصناعي يختلف كثيراً عمّا يجري في مجتمعنا. فمثلاً في جامعات الغرب يقوم علماء الاجتماع بإجراء البحوث والدراسات حول قضايا مجتمعيّة كثيرة في مجال العمل والبطالة والجريمة والأمن الصناعي وتلوث البيئة وتعاطي المخدّرات.. الخ بتمويل من الحكومة أو المؤسّسات المدنيّة أو البلديات، وتُسند تلك الأبحاث والدراسات إلى عدد من ذوي الاختصاص، ثم تجري مناقشة النتائج في أوساط علمية لتفسير وتحليل أبرز مظاهر المشكلة والحلول المُقترحة، وبعد ذلك تُطرح علنياً وعلى نطاق جماهيري واسع، وبذلك يجري ربطٌ عمليّ بين الجامعة ومراكز البحث العلمي والمشكلات التي يبحث المجتمع عن حلول فعّالة لها. والأمر نفسه يحصل في مجالات أخرى كالصناعة والزراعة والتعليم وقضايا الأسرة والمعوقين وكبار السن.. الخ.‏

أمّا بالنسبة إلى الوضع في الوطن العربي، فإنّ الدراسات الاجتماعيّة ما تزال أسيرة الصراعات والمجادلات الأيديولوجية "فحين نتكلم عن قضيّة اجتماعية مُعينة يجري تصنيف الآراء والأفكار المطروحة بأنها يمينّية أو يساريّة أو مع الإسلام أو ضدّ الإسلام.."(14).‏

وبرغم إيماننا بأنّ الأيديولوجيا تُعَدّ من أهم معوقات تحقيق الموضوعية في العلوم الاجتماعية، إلا أننا نرى بالمقابل أنّ محاولات تجنّب الأيديولوجيا من الصعوبة بحيث تكاد أن تصل إلى طريق مسدود. فالأيديولوجيا هي أحد المتغيّرات الهامّة (شئنا ذلك أم لم نشأ) في النظرية الاجتماعية ومن العسير تجنّبها في دراسات علم الاجتماع والأنساق المعرفية المتفرّعة عنه، بدءاً باختيار الموضوع وانتهاء بمحاولات المناقشة والتفسير، وذلك لتمحور الدراسات والبحوث الاجتماعية حول الإنسان وقضاياه المجتمعيّة المختلفة، وهي قضايا تتّسم أيضاً بالنسبية، وترتبط بالقائم بالدراسة وهو الإنسان أيضاً، الذي تتباين رؤيته للأمور وتختلف أيديولوجيته ومعتقداته ومن ثم أحكامه. فالإنسان الباحث يظلّ أسير انتماءاته الاجتماعية والطبقية والقومية والسياسية والدينية والثقافية، وتظلّ محاولات تحرّره أملاً يراود هؤلاء الذين يرون أنّ تحقيق الموضوعية في علم الاجتماع رهنٌ بهذا التحرّر النسبي. ومن المحقّق أن بعض علماء الاجتماع الغربيّين مّمن ينتمون إلى جناح التوازن في علم الاجتماع قد اعترفوا بالدور الذي لعبته وما زالت تلعبه الأيديولوجية في علم الاجتماع، فها هو روبرت ميرتون R.MERTON يعترف بأنّ الولايات المتحدة وحدها تضمّ حوالي خمسة آلاف عالم اجتماع، ولكل واحد منهم علم اجتماع خاص به His own sociology" " وما هذا التعدّد -فيما يرى ميرتون -إلاّ نتيجة لتعدّد التصورات أو بالأحرى كنتيجة لتعدّد الأيديولوجيات(15).‏

وهناك عدد من الباحثين الاجتماعيين، الذين يرون أنّ صراع الأيديولوجيات (الليبرالية -المُحافظة- الراديكالية..) قد ساعد على تطوير النظريات العلمية المتناسقة مع وجهات النظر الأيديولوجية المعنية وطوّر من قدراتها على التفسير والتنبؤ، ولكن من جهة أخرى يمكن القول أنّ التحليل السوسيولوجي المرتبط ارتباطاً أعمى بمنطلق أيديولوجي مُعيّن يُشكّل احتكاراً لقدرات عالم الاجتماع في التفسير وتطويع المعطيات النظرية والمنهجية لتتناسب مع موضوع البحث وخاصيّة الظاهرة(16).‏

ومن ناحية أخرى يبدي بعض الدارسين الاجتماعيين والكُتاب العرب تشاؤماً كبيراً حول مستقبل الدراسات السوسيولوجية في الوطن العربي، نظراً لما يعتقدونه من تبعية مطلقة في كل شيء ينتجه الغرب بشقّيه الرأسمالي والماركسي، حيث أنّ مسألة "المرجعية العلمية" لم تجد لها حّلاً بعد. "فالبُنية المدرسيّة والجامعية المُعاصرة في الوطن العربي والعالم الثالث هي بُنية تُقلّد الغرب بشكل كاريكاتوري، ليس في المسار العام فقط، بل في التفاصيل أيضاً. ولأنّ الكتابات المدرسيّة هي كتابات تاريخية في الأساس، وعلم الاجتماع ببنيته الحالية هو علم غربي، فإنّ هذه الكتابات تأتي على صورة البحوث الغربية في هذا المجال(17).‏

ولكنْ أين تكمن التبعية العربية في ميدان الدراسات والبحوث الاجتماعية، هل في النظرية، أم في المفاهيم، أم في الطرائق؟!‏

الدكتور رضوان السّيد يجزم بأنّ تبعية الدراسات الاجتماعيّة العربيّة، خاصّة في المُصطلح والمجال والاستبيان والرؤية التحليليّة والشاملة للمجتمع. وهو يرى أنّ الامبريقيّين الغربيين وضعوا مصطلحات وطرائق للبحث الحقلي نابعة من مشكلاتهم هم، تلك التي تواجهها مجتمعاتهم أو تبدو فيها. فإذا كان استخدام الرؤية الغربية لدى المؤرخين الاجتماعيين العرب يخرج مجتمعاتنا واهتماماتنا الاجتماعية التاريخية من مجال الرؤية هذه، فإنّ تبعية الميدانيين مُصطلحاً وطرائق للطرائقيّين الغربيّين تجعل منطلقاتهم خطأ، ونتائجهم أقلّ دقّة ومصداقية(18).‏

ويؤكد الدكتور السيّد أنّ الدراسات الميدانية التي تنطلق من مقولة الطبقات الاجتماعية أو تلك التي تنطلق من رؤية تجريبية أو نظرية غربيّة -لعلاقة السّلطة بالمجتمع -ليس بوسعها مهما وجدت جزئيات مؤيّدة أنْ تقدّم كثيراً مفيداً في مجال دراسة مكافحة الظواهر المرضيّة أو المتخلّفة(19).‏

وتلقى النظرة السابقة رواجاً واسعاً في الأوساط الأكاديمية العربية، التي تتحدّث دائماً عن التبعية الفكرية لمناهج الغربيين ونظرياتهم وطرائقهم. و"الاتّهام" الأساسي يتمثل في أنّنا "نكتب عن مجتمعاتنا من خلال ما يكتبه الآخرون في علم الاجتماع أو عن مجتمعاتهم، ونطبّق ما نستطيع تطبيقه على مجتمعاتنا، والمجتمع الذي لا ينتج صناعته وبضائعه وموادّه قلّ أنْ يستطيع إنتاج فكر لا يكون تلفيقياً أو توفيقياً، نأخذ بسهولة ويسر موادّنا ومصنوعاتنا ومنتوجاتنا الاستهلاكية، وذلك عينه هو ما يبدو أنّنا نفعله في الميدان الكتابي أو في ميدان الفكر والتفكير، نفضّل السهل، ونقع في الاستيراد وفي الاستهلاك والمضغ"(20)‏

هذا ويعتقد الدكتور علي زيعور بأنّ تضارب التوجّهات (أو التّيارات) في دراساتنا الاجتماعية، لا يعود إلى تنوّع فكر الباحثين وغنى مناهجهم بل إلى الارتباط الفكري بين الباحث والمدرسة الأجنبية أو السلطة الغربية التي يتبعها بلده، لأننا -كما يقول- "لا ننتمي إلى مدرسة عربية محدّدة في علم الاجتماع أو في علم النفس الاجتماعي أو في الفلسفة، إننا نستهلك، إننا نأخذ المنهج والتوّجه دون أن ننصبّ على إنتاج المنهج المستقل والتوجّه النابع من واقعنا"(21).‏

وقد غالى الدكتور زيعور في وصوفاته السلبية -النفسانيّة للدراسات الاجتماعية العربية، التي تنْظُمُها "التيارات الأميركية المنهج، حيث تجمع بيانات معطيات (في ميادين الفولكلور /خ.ج) لا تقودها نظرية وتؤدي إلى معرفة بلا وظيفة وعديمة المعنى"(22). بل وصل به الأمر إلى حدّ الإعلان: "إنّ علم الاجتماع الأميركي، في الكثرة الكثيرة من أبحاثه، يخدم السياسة الأميركية والنظام الأميركي، ويعمل ضدّ التطور بل وضدّ الإنسانية الساعية لرفع مستويات الإنسان"(23).‏

ونحن بدورنا نرى عدم فائدة التبسيط الشديد للمواقف والاتجاهات والتيارات، وأنّ التعميم في الأوصاف والتقييمات السلبية يوقعنا في تكرار الأخطاء، والرفض المتبادل، وإطلاق الاتهامات المجانيّة، التي تبعدنا عن التدبّر الشامل والدراسات الميدانية للبنية الاجتماعية العربية، وصولاً إلى ملامح نظرية عامّة تحكم تطور مجتمعاتنا وتشكل إطاراً ينظم اتجاهاتها المستقبلية.‏

ثانياً- معوقات التطور والإبداع في الدراسات الاجتماعية العربية:‏

يختلف الباحثون والدارسون الاجتماعيون العرب في تشخيص العوامل والظروف المسبّبة لقلّة الدراسات والبحوث الاجتماعية المبتكرة والأصيلة في البلدان العربيّة. ويصنّفها بعضهم ضمن العوائق التالية(24):‏

1-العائق النظري: ويتمثّل في الضعف النظري لدى الاجتماعيين العرب، حيث أنّ ما يعرفونه عن المدرسة الثقافية الأمريكية -مثلاً- ينبع من قراءات مختصرة ومطالعات سريعة، لمقالات ودراسات انتقائية مُعرّبة. وغالبيتهم لا يطّلعون على النصوص الأساسية (الأصليّة) للنظريات المطروحة، لذلك يواجهون صعوبات حقيقية في الحكم الموضوعي على تلك الآراء والتيارات والاتجاهات.‏

2-العائق المنهجي: يلعب هذا العائق دوراً كبيراً في عرقلة تطوّر العلوم الاجتماعية في الوطن العربي. ويتجسّد في إهمال بعض الاختصاصات الهامة في دراسة مشكلاتنا الاجتماعية (كعلم الاجتماع البدوي والريفي وعلم الاجتماع الديني). كما يتمثّل في بعثرة الجهود المبذولة من الباحثين الاجتماعيين على امتداد الأرض العربية. ويمكن الموافقة هنا جزئياً على الرأي القائل إنّ دراساتنا الاجتماعية تعود إمّا إلى الاتجاه المادي الجدلي والتركيز على الصراعات، أو إلى الاتجاه البُنيوي والوظيفية، أو إلى الاتجاه الذي لا يتقيّد باتجاه ولا يلتزم بنظرية أو منهج، بقدر ما يوفّق ويلفّق عن وعي تارة أو تسهيلاً للدراسة وبدون وضوح تارات أخرى. فالخاصيّة الكبرى لعلم الاجتماع العربي أنّه لا ينتمي إلى اتجاه وحيد، أو إلى منهج معين، أو مدرسة اجتماعية بعينها.‏

بكلمة أخرى، لا توجد مدرسة اجتماعية عربية، بل مجموعة واسعة من الدراسات في علم الاجتماع منها التجزيئي الإقليمي، ومنها الجهوي والمحلّى. وهي مدرسة متأثرة بالأيديولوجيات والتيارات الاجتماعية العالمية. "ويبقى فكرنا يدور في حلقة مفرغة: يأخذ من الأجنبي ويعزّز الأجنبي بذلك الأخذ. ومن هنا أيضاً، كسبب أو كنتيجة معاً، إنّ علم الاجتماع عندنا غير متميز بخصوصيات، ولا يحمل سمات الواقع وتطلّعات المجتمع.. وعلم الاجتماع العربي غير ملتصق بذلك الوجود ولا بمصيرنا، وأعمالنا تطبيقية لمناهج أجنبية، وأخذ ونقل وترجمة، إنها إعداد وليست عملاً نظرياً أو صناعة "أهل النظر" المتخصّصين المكرّسين"(25).‏

وفي الإطار ذاته، يُلاحظ انقسام الباحثين الاجتماعيين العرب إلى فريقين: فريق يناقش الموضوعات المطروحة من منطلق النزعة الشمولية، وفريق آخر ينطلق منن خصوصيات الظواهر والفولكلور والعادات والأعراف المحلّية في البلدان العربية المختلفة. فالشموليون يرون أنّ المجتمع العربي ما يزال وحدة بالمعنى السوسيولوجي رغم تفاقم الاقليمية والقطرية، وتفاقم ظواهر التفتت والانقسام والتناحر، وكثرة الحدود والخلافات والصراعات والصدامات المباشرة وغير المباشرة والقيود على الحركة الاجتماعية.. الخ. أمّا الامبيريقيّون (الميدانيون/ التجريبيّون)، فإنّهم يتمسكون بالأبحاث الأنتروبولوجية والخصوصيات الفولكورية البادية على السطح. ويبدو الوطن العربي أمام ناظر الباحث الاجتماعي ذي النزعة التجزيئية جُزراً معزولة، تحكم كلاً منها قوانين تنتج ظواهر متباينة. رغم أن العرب ما يزالون أمّة واحدة في الثقافة والدين واللغة والتاريخ وأنماط المعيشة.‏

لكن الانصاف يقتضي القول إنّ هذه الاشكالية لا تصدق على الاجتماعيين فقط، بل على الباحثين العرب في تخصّصات أخرى كثيرة.‏

والواقع أنّه رغم ظهور بعض المحاولات التي كانت تهدف إلى إبراز نوع من النظرية الاجتماعية العربية (قسطنطين زريق، ساطع الحصري، عبد العزيز الدوري وغيرهم)، فإنّ من المسلّم به أنه -بخلاف نظرية ابن خلدون -لا توجد إلى الآن نظرية اجتماعية نوعية متكاملة عن المجتمع العربي، غير متشرّبة بالمسائل والأفكار والأطروحات الأيديولوجية.‏

إنّ الارتباكات والاضطرابات والصراعات الحاصلة في الدراسات والمناهج البحثية الاجتماعية العربيّة، تعود -حسب تقدير بعض المختصين- لعوامل عدّة، في طليعتها(26):‏

أ-التعميم والإطلاقية أو المواقف الحدّية كالمبالغة في عمومية المجتمع العربي من جهة، أو في خصوصية مجتمعات أقطاره من جهة أخرى.‏

ب-فقدان الصلة بين التنظير والعمل الميداني الذي أدى إلى اتساع الفجوة بين المنّظرين والممارسين.‏

جـ- اشكالية المنهج وغياب الموضوعية عن الكثير من التحليلات السوسيولوجية. وهو ارتباك يرتبط تارة ارتباطاً مباشراً بأنماط النظرية وتارة أخرى بنوعية الموضوعات المبحوثة. ويُعزى هذا الارتباك المنهجي لعوامل عدة، من بينها: ضعف مستوى التدريب الجامعي في المنطقة في مجالات تصميم البحوث واستعمالات المنهج وطرق البحث الكمية، ندرة الفرص المتاحة لعلماء الاجتماع والمتخّصصين لإجراء بحوث مسحية أو حقلية، ولجوء كثيرين منهم إلى استبدال ذلك النقص بتبنّي مناهج كيفية ونقدية في معظمها، بدائية تقنية البحوث الاجتماعية العربية وبخاصة في مجالات طرق تجميع البيانات وتنسيقها وتبويبها وتحليلها وكذلك في مجالات البحوث التطبيقية.‏

ومن أهم المواقف تجاه إشكالية المنهج في البحث السوسيولوجي العربي، نشير إلى موقفين عريضين:‏

الموقف الأول يحبّذ الاهتمام بالتنظير على حساب المنهج، ويرى البحث السوسيولوجي من منظور مناقشة ومقارنة وتوليف المواقف والمفاهيم الواردة في أفكار الروّاد.‏

أما الموقف الثاني، فإنه يحبّذ الاهتمام بالمنهج على حساب النظرية، ويفضّل تقديم أعمال امبريقية كمية مُبسّطة معتمدة على الدراسات الميدانية والمسحيّة.‏

على صعيد آخر حذّر بعضٌ من دعاة المحلية من استيراد منهجيات بحث غريبة عن المجتمع العربي ومن تطبيقها دون دراسة للأوضاع السائدة. وعبّروا عن ضرورة إعادة النظر في الأساليب المنهجية ومحاولة ابتداع وتطويع أدوات بحثية ومنهجية ملائمة لخصوصية الواقع العربي ومشكلاته (عزّت حجازي، سيكولوجية الإنسان المقهور).‏

بينما يرى الفريق الآخر أنه لا ضرر من الإطلاع على المناهج العلمية المُستعملة في التحليل السوسيولوجي الغربي، وتمثّلها واستعمالها في الحالات المناسبة، وخصوصاً أنها قدمت الأسانيد القاطعة عن قدرتها على التفسير والتطور والتعبير.‏

3-العائق الاجتماعي: حيث يشكو الاجتماعيون العرب من أن المؤسّسات التي يعملون في إطارها لا تشّجعهم على إثارة المشكلات الجديدة والموضوعات الخلافية. فالباحث في البلدان العربية يُصنّف ضمناً أو عُرفاً، الموضوعات إلى "حسّاسة" و"غير حسّاسة". وهو نهجٌ له دور فعّال على صعيد الانتاج السوسيولوجي في البلدان العربية.‏

من تلك الموضوعات "الحسّاسة" يذكر الباحث فردريك معتوق، على سبيل المثال: المرأة ومشكلاتها؛ والدين والجماعات الدينية ودورها الفعلي، في الحياة الاجتماعية والسياسية العربية. ثم إنّ الباحث الاجتماعي يفضّل عدم الخوض في مايسمّيه البعض حقول الألغام الاجتماعية.‏

من هذا الموقف المستسلم، ومن هذه الاستقالة الصامتة والمعّممة تنبع المعالجات الهامشية لواقعنا الاجتماعي، لدرجة أنّ مطالعة بعض الروايات العربية الناجحة أو مشاهدة بعض الأفلام العربية الجريئة والواقعية، تعطينا فكرة أوسع عمّا يجري في الواقع الاجتماعي من الأبحاث والدراسات الاجتماعية(27).‏

ويؤيّد هذه الرؤية الباحث الاجتماعي محمد حافظ دياب، الذي يؤكّد -في معرض دراسته للخطاب السوسيولوجي في الجزائر -أنّ الفعل السوسيولوجي في منطقتنا العربيّة يتخلّف أو يتأخر عن مجمل أفعال التغيير الاجتماعي الجارية فعلاً. بمعنّى آخر، إن تجارب التنمية وإجراءات تحديث البنية الاقتصادية، وصياغة أسس عمليّة لثقافة وطنية، وكل ما تثيره من ردود اجتماعية أسبق من الدراسات والبحوث السوسيولوجية. مثال ذلك، أنّ إعادة هيكلة المنشآت الصناعية التي تمّت في الفترة ما بين عامي 1982 و1985، قد استتبعتها أبحاث سوسيولوجية عديدة، وهو ما قد تبدو معه الممارسة السوسيولوجية كفّعالية تابعة. وما يزال سائداً الاتجاه القائل إنّ مهمة السوسيولوجيا هي الاقتصار على دراسة المعطيات الظاهرة والمباشرة، التي تتفادى الموقف الأصعب، القائم على إعادة هيكلة الواقع، واستخراج قوانينه ودينامياته، عبر تجاوز الظواهر والعلاقات المباشرة إلى البحث عن المحرّكات والعناصر الفاعلة في آلية حركية البُنية الاجتماعية -الاقتصادية. ويأخذ الباحثُ دياب على السوسيولوجيا المُطبقة في الجزائر هروبها من بحث مشكلات البُنية البيروقراطية واختلالاتها الوظيفية في المنشآت الانتاجية والخدمية، ومشكلات الهجرة الداخلية والخارجية، وقضايا بطالة الشباب، وآثار النظام الاقتصادي على البُنية الاجتماعية -الطبقية، ومظاهر الاستهلاك الترفي، وظاهرة المدّ الإسلامي (الأصولي). وكلّها موضوعات لم يستطع البحث السوسيولوجي في الجزائر أن يضعها في صلب اهتماماته بعد(28).‏

4-العائق السياسي: يرى عددٌ كبير من الباحثين العرب أنّ المؤسّسات الرسمية، خصوصاً صاحبة القرار تنظر بحذر بالغ إلى ما يقوم به الباحثون الاجتماعيون من دراسات وغوص في أعماق المجتمع وأنساقه المختلفة. وهناك قطيعة واضحة بين أصحاب القرار والذين يمتلكون ناصية المعارف العلمية- الاجتماعية. وفي هذا السياق يقول الباحث الاجتماعي المعروف سيّد ياسين: "إنّ عملية اتخاذ القرار محتكرة في يد نخبة سياسية لا تؤمن بالمنهج العلمي الإيمان الكافي، وهذا أحد أسباب عدم فاعلية العلوم الاجتماعية في الوطن العربي"(29).‏

هناك إذاً أزمة ثقة بين العلوم الاجتماعية في البلدان العربيّة وبين المؤسّسات الرسمية، بعكس ما يحصل في الدول المتقّدمة صناعياً في العالم. والجدير ملاحظته أن سبب حذر القيّمين على الأمور السياسية، قد يعود إلى عدم اكتشافهم لأهمية الدراسات والبحوث الاجتماعية في ميدان التخطيط الاجتماعي والاقتصادي ودراسات الرأي العام وأساليب التوقّع والتنّبؤ والاستطلاعات الاجتماعية والسياسية والنفسية.. الخ. حيث أن العلوم الاجتماعية تظلّ سلاحاً مزدوجاً، يمكن أن يختار كل طرف يستخدمه ما يتناسب مع مصلحته أو توجهاته وتطلعاته.‏

كما أنّه لا بّد من الإشارة إلى حصر موضوعات البحث والدراسات السياسية، أو بالأحرى موضوعات "علم الاجتماع السياسي" حتى داخل حدود المؤسّسة الجامعية نفسها. ومنها المسائل المتعلقة بطبيعة النُخَب الحاكمة والبيروقراطية وحجم الفساد في المؤسسات الرسمية(30)".‏

وقد توقف عددٌ من الدارسين والمفكّرين والكتّاب العرب عند إشكالية العلاقة بين المثقفّين عموماً والباحثين الاجتماعيين بصفة خاصة والسلطات الرسمية. ونشير في هذا المنحى إلى ما تحدّث به الدكتور رضوان السيّد في أثناء تحليله "لمشكلات البحث الاجتماعي العربي"، حيث يقول: "إنّ السياسيّين العرب في غالبيتهم لا يميلون إلى الدارسين الاجتماعيين، ولا يشجّعون البحوث الاجتماعية بالوطن العربي، وفي ربط كراسي الدراسات الاجتماعية بالنفسّيات والفلسفيات في بلدان عربية متعدّدة. ومن المعروف أنّ الاجتماعي المعاصر شأنه في ذلك شأن الاقتصادي يعتمد على الاحصائيات والبيانات الكمّية التي تُصدرها مؤسّسات الدولة المتخصّصة. لكن هذه الإحصائيات والبيانات الكمية لا تظهر أو لا تُنشر في عدّة بلدان عربية لأسباب مختلفة، فتزيد عمل الدارس صعوبة وعُسراً خصوصاً مع فقدان الدعم أو القرار السياسي الضروريّين لإجراء مثل هذه البحوث"(31).‏

والواقع أنّ المؤسّسات الرسميّة في الوطن العربي ما تزال تتجاهل الدور الحقيقي، الذي يمكن أن يلعبه علم الاجتماع في التأثير الإيجابي في التحولات الجارية في المجتمع. لكنْ من الملاحظ أن هناك محاولات للاستفادة من الفرص التي تقدّمها العلوم الاجتماعية (ولا سيّما علم النفس الاجتماعي أو سيكولوجيا الحشد) في ترسيخ الهيمنة والحفاظ على السيطرة، التي تتمتع بها النخبات الحاكمة، سواء في الميادين السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية أو الإعلاميّة.‏

فالباحث الجزائري العياشي عنصر يرى أنّ أصعب ما يتعرّض له علم الاجتماع الجزائري اليوم، إنّما يتمثّل في سيطرة السلطة السياسية، التي سعت تحت شعار "تأسيس علم اجتماعي ملتزم بقضايا المجتمع" إلى بسط نفوذها على هذا الفرع الهام من فروع المعرفة. وقد قَبِلَ علمُ الاجتماع هذا الدور الامتثالي، مكتفياً بلعب دور الصدى للقراءات والإجراءات السياسيّة، وتبرير سيطرة القوى الاجتماعية التي بيدها الحكم. "لقد أدّى الخلط بين الالتزام والامتثالية إلى فقدان علم الاجتماع في الجزائر لكل مصداقية"(32).‏

وإذا ما اتّجهنا صوب منطقة الخليج العربي، فإنّنا نعثر على أصداء المشكلات ذاتها، التي يثيرها الاجتماعيون العرب دائماً، حيث يُلاحظ "أنّ بعض الاجتماعيين الخليجيينّ مُستهلك للمعرفة السوسيولوجية أكثر من قدرته على تسخير المعرفة لفهم الواقع في الخليج العربي. كما أنّ مراكز البحوث لم تساهم بالقدر الكافي في طرح مشكلات المجتمعات الخليجية وقضاياها، ولم تساهم حتى الآن مساهمة حقيقية في بناء هذه المجتمعات.. وأنّ قصور البحوث الاجتماعية في منطقة الخليج العربي مرتبط بالتخلّف في المجتمع والنظرة العدائية للبحوث الاجتماعية بصفة عامة"(33).‏

ومن خلال دراستها الاستقصائية- التحليلية للبحوث والمؤلفات والدراسات الاجتماعية لمجمل بلدان الخليج العربي على مدى عشر سسنوات (من 1980 إلى 1990) توصّلت الباحثة الاجتماعية/ الأستاذة جُهينة سلطان العيسى إلى أنّ البحث الاجتماعي، في المجتمع الخليجي، قد عجز عن إعطاء حركة المجتمع مفاهيم وتبريرات اجتماعية وسياسيّة بخاصة في الجوانب الآتية(34):‏

1-لم يستطع البحث الاجتماعي تقديم تفسير للظواهر المستّجدة في المجتمع الناتجة عن التطور المادي المتمثّل في استخدام التقانة الغربية، والتطور الاقتصادي الناجم عن الطفرة المادية غير المقترنة بتغيّر إيجابي في السلوك الاجتماعي والثقافي والسياسي.‏

2-عجز البحث الاجتماعي عن إعطاء تفسيرات لحالة الاغتراب التي يعانيها المواطن بصورة أبعدته عن أداء دور المواطنية المسؤولة.‏

3-وقفَ البحث الاجتماعي عاجزاً عن تفسير الظواهر السلطوية، ووقوف المواطن موقف العاجز والمسيّر، والسكوت عن غياب الديمقراطية.‏

4-لم يقم البحث الاجتماعي بدراسة القيم المستّجدة المنتشرة في المجتمع، وهي في أغلبها بعيدة عن قيم المجتمع الأصيلة.‏

5-عجزَ الباحثون والدارسون عن الخروج من دائرة التخلف والقهر، المرتبطين بالتخلف الاجتماعي والقهر السياسي، الأمر الذي دفع دراساتهم إلى الابتعاد إلى المجالات الوصفية، واختيار المداهنة بين فلسفة العلم وفلسفة الدولة. وهو ما يؤهلهم، تحت كل التفسيرات، للخروج من دور المثقف والصفوة إلى أدوار أخرى.‏

إضافة إلى مجموعة عقبات سياسية وثقافية وإدارية تحول دون تقدّم البحوث والدراسات الاجتماعية في الوطن العربي، منها: تبعية السوسولوجيا للسلطات الرسمية، التي تعمل لتلبية حاجات الدولة، وليس تبعاً لاستنتاجات علماء الاجتماع أو الواقع الاجتماعي، وقلّة الإمكانات المادية والفنية اللازمة للبحوث الاجتماعية؛ والقيود المفروضة على اختيار موضوعات البحث، وندرة المصادر الاحصائية الدقيقة الضرورية للبحث، وما يطرأ على هيئات البحوث من تغيّر دائم، وسوى ذلك من عقبات(35).‏

ثالثاً- تصوّرات لتجاوز الأزمة وتطوير الدراسات الاجتماعية العربيّة:‏

الواقع أنّ الاجتماعيّين العرب بسبب عدم اتفاقهم بخصوص مناهج البحث والنظريات الاجتماعية، وأيضاً بسبب الاختلافات الأيديولوجية والرؤى السياسية، لا يتفقون بالتالي على نوعية الأساليب والوسائل والممارسات، التي من شأنها إخراج الدراسات الاجتماعية العربية من جمودها الراهن. فالدكتور محمود عبد الفضيل يعتقد أنّ المخرج يكمن في إثراء وتطويع منهج المادّية التاريخية، وتطبيقه بصورة حيّة وخلاّقة لدراسة الأوضاع والعلاقات الطبقية في المجتمعات العربية. وفي الوقت نفسه يجب الاستفادة من اسهامات ومناهج التحليل التاريخي لدى ابن خلدون حول القبيلة والدولة والعصبية، وكذلك من منهج التحليل الاجتماعي لدى ماكس فيبر حول الدور الذي تحتله "جماعات المكانة"- المرتبطة بالبناء الفوقي للمجتمع -في البنيان الاجتماعي والطبقي للمجتمع، وما تحفل به كتابات التراث العربي والإسلامي عموماً(36).‏

أمّا الدكتور حليم بركات، فإنه يقترح اعتماد المنهج الاجتماعي التحليلي المقارن والنقدي، الذي يشدّد على الدينامية والتناقض وتداخل الظواهر، وذلك من منظور عربي شامل(37). ومع أنّ أطروحة الدكتور بركات تُشدّد بالدرجة الأولى على الأهمية الكبرى للبُنى التحتية، إلا أنها لا تنظر إلى البنى الفوقية الثقافية بوصفها مجرّد نتيجة، بل كفعل أيضاً له مؤثراته على البنية التحتية. وهذا يعني أنّ الثقافة بما تتضّمنه من معتقدات ومبادئ وقيم ونظريات ومقولات وآراء ومفاهيم تتصل اتصالاً وثيقاً بالتناقضات الاجتماعية القائمة. والأهم من ذلك كلّه دراسة المجتمع العربي من منظور قومي التزاماً بقضاياه وفي سبيل تغيير الواقع. ولا بدّ من الاعتماد على علم اجتماع عربي يصرّ في آنٍ واحد على الالتزام وما يتّصل به من معتقدات وقيم ضرورية تقتضيها الموضوعية نفسها(38).‏

ومن ناحيته يرى الدكتور عبد الوهاب بوحديبة أنّ الوطن العربي كسائر البلاد النامية، في حاجة إلى إبراز خصوصياته عن طريق البحث الميداني وعن طريق التنظير أكثر مّما هو في حاجة إلى تجاوز تلك الخصوصيات نحو معرفة في نهاية التجرّد كما تدعونا إلى ذلك البنويّة أو الماركسية. وعلينا ألاّ ننسى أنّ تأخّرنا هو تأخر أيضاً في التعرّف بدقّة على تفاصيل أحوالنا الاجتماعية والاقتصادية والثقافية(39). لكنّ المنطلق الأساس لإنشاء "علم اجتماع عربي" (وفق رأي الدكتور بوحديبة): ينبغي أن يكون واقع المجتمعات العربية باعتبارها تكوّن وحدة متنوعة "أو إن شئنا تنوعاً في الوحدة"... وأن نرمي إلى مزيد من التعرّف على هذه الخصوصيات وأن نعتبر تجربة كل بلد كجزء من تجربة أوسع ينبغي التعرّف عليها ووضعها تحت تصرف أهل الذكر في البلاد وخاصة أصحاب القرار منهم(40).‏

ويبقى علينا أن نفكك المنهاجيات المتّبعة في الدراسات الغريبة، "حتّى لا تطغى علينا النقدية المفرطة فلا نتقّبل ما يكتبونه عن مجتمعاتنا إلاّ بعين تُميّز بين الاتجاهات وتغربل بين "الحقائق".. ونكسب الامكانيات المنهاجية (الأخرى/ خ.ج) وذلك على شرط أن نحوّلها من "الخارج" إلى "الداخل" ومن "الداخل" إلى "الذاتي" وهذا يتطلّب نقد المفاهيم وتزكية المواقف وضبط الفرضيات وتدقيق الاستنتاجات(41).‏

وإلى نتيجة مماثلة -تقريباً- يصل الدكتور رضوان السيّد، الذي يعتقد أنّ أفضل ردّ على "التبعية" التي تعاني منها الدراسات الاجتماعية العربية، يتمثّل في: "ضرورة قيام علم اجتماع عربي لا يهتم بالتمايز عن الغرب بقدر ما يهتم باستنباط مصطلح وطرائق قادرة على التصديّ لقراءة الظواهر الاجتماعية العربيّة واقتراح الحلول المناسبة لها. ومن هنا تأتي ضرورة تكوين جمعية للدارسين الاجتماعيين العرب على مستوى الوطن العربي تتجاوز اختلافات المدارس الاجتماعيّة الغربيّة للوصول إلى "تطبيقات عربيّة" لميدانية تنطلق من مشكلاتنا نحن؛ وإن لم يكن ضرورياً أنْ تنتهي بهذه المشكلات"(42).‏

وعموماً لا بدّ من توحيد وتنسيق بين الجهود البحثّية والتنظيرية التي يقدّمها المختصّون الاجتماعيون في الوطن العربي، بحيث لا تبقى دراساتهم اقليمية أو جزئية أو مغلقة فاقدة الانفتاح والاتساع والشمولية. كما يجب أن تنفتح في الوقت ذاته على التيّارات الكبرى في الفكر الاجتماعي الإنساني المعاصر، عبر مواكبة فكريّة مستمرة وروح علميّة واعية.‏

إنّ أغلب المشتغلين في حقل الدراسات والبحوث الاجتماعية في الوطن العربي يتفقون على ضرورة أن نفهم حضارتنا وواقعنا وأنفسنا، كما حاولنا فهم حضارة "الآخر" وحفظ مناهجه، واستخدام مصطلحاته العلمية والأيديولوجيّة والقيميّة في دراساتنا الأكاديمية ووسائل الإعلام المختلفة، وذلك بغية تحديد مواقف علمية -موضوعية واعية من "الأنا" و"الآخر". على أنْ ننطلق من النقاط والعموميات التالية"(43):‏

1-لا توجد حضارة بلا تضاريس وتباينات وتناقضات أيديولوجية وفكرية واجتماعية. والحضارات والمجتمعات كلها اشتملت في معظم مراحلها التاريخية على عناصر عقلية وعاطفية، مادية وروحية، عناصر أصيلة -تراثية، وأخرى وافدة ومُستعارة ومُكيّفة، وإنْ تفاوتَ التركيز على هذا العامل أو ذاك، وعلى الكيفية التي تمتزج وتتصل بها هذه الأبعاد والعناصر والاتجاهات.‏

2-إنّ العرب المعاصرين لا يعيشون في جزيرة منعزلة جغرافياً، كما أنّهم لا يعيشون خارج العصر ومتغيّراته ومتطلباته ومستحدثاته. لكن اختلاف التركيبة الاجتماعية العربية عن تلك التي بالغرب المعاصر يجعل مشكلات العصر وقضاياه تنعكس على مجتمعاتنا على شكل أفعال وظواهر وردود أفعال تختلف عن المجتمعات والتطلعات القومية. ومن مقولة "شرعية الاختلاف"- وهي مقولة غير قيمية- تبدو ضرورة الخروج من أشر التبعية في المصطلح والتحليل ومجالات الاهتمام. وليست هذه دعوة للانقطاع عن العالم، بل هي دعوة للدخول في العصر من خلال ثقافتنا المحلّية ومشكلاتنا الخاصّة. وهو ما عبّر عنه بعض الباحثين بمقولة "الاعتماد على الذات علمياً" أو "الممارسة العلمية المستقلّة" حيث تتطلب تنويعاً لمصادر المعرفة، والتعامل معها تعاملاً نقدياً واعياً ومستوعباً، وتحديد ما نريد من تراثنا الغني ومن تراث الشعوب الأخرى.‏

3-إنّ معركة "الاستقلال العلمي" لا تُحسم داخل المؤسّسات العلمية والأكاديمية فقط، بل هي بحاجة إلى تضافر جهود وتنسيق عمليات وخطوات كثيرة على مستويات تعليميّة وإعلامية وثقافية وسياسيّة. وإذا سلّمنا بأهمية هذا المنطلق، فإنّ ثمّة آليّات تمهّد الطريق للتخلّص الجدّي من "التبعية" الفكرية، ومواجهة عناصرها ومفرداتها، ووضع اللبنات القويّة على طريق طويل يمهّد حقيقة لبناء ممارسة علمية عربيّة مأمولة، ولعلّ من بين الآليات والإجراءات العملية المثمرة الخطوات التالية:‏

أ-التخطيط لإجراء دراسات وبحوث واقعية -ميدانيّة حول مظاهر وأشكال التبعية في الأنساق المعرفية المختلفة على أن تستوعب (هذه الدراسات والبحوث) الحالات والمؤسسات العلميّة العربيّة كافّة.‏

ب- تحليل التاريخ الاجتماعي والتراث العربي بصورة منهجية منظمة، لمعرفة ثوابته ومتغيراته، وشروط النهوض ببعض أنساقه وأطروحاته الأصلية.‏

ج- الاهتمام بالأعمال النقدية للتراث الفكري العالمي، على أن تكون مصادره متنوعة ومتعدّدة (من الشرق والغرب، من آسيا وافريقيا، من أمريكا شمالها وجنوبها)، وأن لا يكون التركيز فيه على سؤال "ماذا يوجد؟" كما درج عدد غير قليل من الباحثين عند التعامل مع تراث الآخر، ولكن استكمال التناول بأسئلة من نوع "كيف؟" و"لماذا"؟ و"لمن"؟.‏

د- تشجيع ودعم الجمعيات العلمية الاجتماعية (على صعيد وطني وكذلك على مستوىً قومي) حتى تساعد في الارتقاء بالعلم، وتبادل الخبرات، وإقامة المؤتمرات والندوات العلمية لتطوير الدراسات والبحوث وتبادل الخبرات في معالجة المشكلات المطروحة. والتفكير (كهدف مأمول) بإقامة أكاديمية عربية للدراسات والبحوث الاجتماعية، لتحقيق أهداف ومرامي وصيغة الممارسة العلمية المستقلة، وتعبئة الطاقات والإمكانات البشرية العلمية العربية، على أن يتجاوز إنشاء هذه الأكاديمية النظرة القُطرية، وأن تتوفر سبل حماية تلك الجمعيات والعاملين فيها من "المضايقات" الفكرية والسياسية والمادية، التي تعوق التفرغ للعلم والإبداع. ويرتبط بذلك ضرورة إصدار المزيد من الدوريات المتخصّصة في العلوم الاجتماعية، لتغطية بلدان الوطن العربي كافة، والإسهام في إنضاج الوعي الأكاديمي الاجتماعي السليم، وتشجيع الباحثين الشباب لخوض معترك هذا الميدان الصعب.‏

هـ-العمل على أن تكون موضوعات الأطروحات الاجتماعية للدارسين العرب في البلدان الأجنبية متعلّقة بمشكلاتنا الخاصّة، وأن تجري بمتابعة وتنسيق مع الجمعيات الاجتماعية في البلدان العربية، بحيث يجري الاستفادة من هذه الأطروحات والرسائل الجامعية في الوطن العربي ذاته.‏

و-إنّ المدخل المعقول للتصدّي لأزمة الدراسات الاجتماعية العربية، لا بدّ أن ينطلق من رؤية الاجتماعي والسياسي في سياق مجتمعي مترابط، أي النظر إلى السياسي كجزء من الاجتماعي وليس كبُنية غربية أو مفروضة من خارج. والمدخل المناسب لفهم العامل السياسي، يمكن أن يكون مفهوم "الوظيفة الاجتماعية" أو"الدور" الاجتماعي لهذا العامل الهام والمؤثر جدّاً في واقع الوطن العربي. الأمر الذي يعني أهمية توجيه البحوث والدراسات الاجتماعية نحو القضايا "الساخنة" والحيوية في حياتنا الاجتماعية -السياسيّة الراهنة، سواء بالنسبة للمجتمع أو بالنسبة للسلطة والمؤسّسات الرسمية والتخطيطية والتشريعية والتنفيذية. وذلك من شأنه تأكيد مصداقية علم الاجتماع وواقعيّة. ولا بدّ من التركيز في الوقت ذاته على الدراسات الخاصّة بـ "استشراف المستقبل"، فهي مسألة استراتيجية لا يستغني عنها أي مجتمع مُعاصر، ومن شأنها تنمية "التخطيط الاجتماعي" على أسس علمية تنبؤية احصائية دقيقة، وبالتالي ربط العلم بالمجتمع وبالواقع والمستقبل.‏

الهوامش :‏

1-الدكتورة زينب شاهين، "الاتجاه الاثنوميتودولوجي في علم الاجتماع"، مجلة "الفكر العربي"، السنة السادسة، العددان السابع والثلاثون والثامن والثلاثون، كانون الثاني (يناير)- أيار (مايو)، 1985-ص292.‏

2-عبد الوهاب بوحديبة، "تطوّر مناهج البحث في العلوم الاجتماعية"، مجلّة "عالم الفكر" (الكويت)، المجلد العشرون، العدد الأول، ابريل- مايو- يونيو 1989-ص23.‏

3-الدكتور عبد الصمد الديالمي، "اشكالية الكتابة السوسيولوجية في المغرب"، مجلّة "المستقل العربي"، السنة السابعة، العدد السابع والستّون، أيلول (سبتمبر) 1984، ص31‏

4-المصدر نفسه، ص33‏

5-الدكتورة جهينة سلطان العيسى والدكتور السيّد الحسيني، "علم الاجتماع والواقع العربي: دراسة لتصورات علماء الاجتماع العرب"، مجلة "المستقبل العربي"، السنة الخامسة، العدد الواحد والأربعون، تموز (يوليو) 1982 ص38‏

6-المصدر نفسه، ص40‏

7-المصدر نفسه، ص47‏

8-الدكتور خليل أحمد خليل، "تاريخية علم الاجتماع: اتجاهات وتطوّرات، مجلّة "الفكر العربي"، السنة الثالثة، العدد التاسع عشر، كانون الثاني -شباط (يناير- فبراير) 1981-ص56.‏

9-ديل إيكلمان، "الكتابة الأنثروبولوجية عن الشرق الأوسط"، مجلة "المستقبل العربي"، السنة السابعة، العدد الثاني والسبعون، شباط (فبراير) 1985. ص125.‏

10-مناقشات ندوة "علم الاجتماع وقضايا الإنسان العربي"، مجلّة "المستقبل العربي". السنة السابعة، العدد الثاني والسبعون، شباط (فبراير) 1985، ص125.‏

11-المصدر نفسه، ص127‏

12-المصدر نفسه، ص128‏

13-المصدر نفسه، ص129‏

14-انظر: عبد الباسط عبد المعطي، في المصدر نفسه، ص129‏

15-نقلاً عن: الدكتور نبيل محمد توفيق السمالوطي، الأيديولوجيا وأزمة علم الاجتماع المعاصر: دراسة تحليلية للمشكلات النظرية والمنهجية (الاسكندرية: الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1975)، ص115.‏

16-مصطفى ناجي، "علم الاجتماع في العالم العربي بين المحليّة والدولية"، "مجلّة العلوم الاجتماعية" (جامعة الكويت)، العدد الخامس عشر- الثاني لصيف 1987- ص185.‏

17-رضوان السيّد، "مشكلات البحث الاجتماعي العربي"، مجلّة "الفكر العربي"، السنة السادسة، العددان السابع والثلاثون والثامن والثلاثون، كانون الثاني (يناير) -أيار (مايو) 1985- ص7-8.‏

18-المصدر نفسه، ص8‏

19-المصدر نفسه، ص8-9.‏

20-الدكتور علي زيعور، "تيارات متعددة داخل المدرسة العربية في علم الاجتماع"، في المصدر السابق (الفكر العربي)، العددان 37-38 لعام 1985)، ص249.‏

21-المصدر نفسه، ص235‏

22-المصدر نفسه، ص250‏

23-المصدر نفسه، ص250-251‏

24-انظر: الدكتور فردريك معتوق، "علومنا الاجتماعيّة والمسألية المفقودة"، "الفكر العربي"، السنة السادسة، العددان 37-38، كانون الثاني (يناير) -أيار (مايو) 1985- ص264-268.‏

25-الدكتور علي زيعور، "تيارات متعددة داخل المدرسة العربية في علم الاجتماع، في المصدر السابق، ص255-256.‏

26-عالج هذه المسألة بالتفصيل الباحث الاجتماعي مصطفى ناجي في دراسته "علم الاجتماع في العالم العربي بين المحلية والدولية"، مصدر سبق ذكره في هذا البحث، ص182-183.‏

27-فريدريك معتوق، "علومنا الاجتماعية والمسألية المفقودة"، في مصدر سبق ذكره في هذا البحث، ص266.‏

28-محمد حافظ دياب، "علم الاجتماع في الجزائر: الهويّة والسؤال"، مجلّة "المستقبل العربي"، السنة الثانية عشرة، العدد مائة وأربعة وثلاثون، نيسان (ابريل) 1990، ص94‏

29-نقلاً عن فردريك معتوق، "علومنا الاجتماعية والمسألية المفقودة"، في مصدر سبق ذكره، ص267.‏

30-المصدر نفسه.‏

31-الدكتور رضوان السيّد، "مشكلات البحث الاجتماعي العربي" المصدر السابق، ص7.‏

32-العياشي عنصر، "أزمة أم غياب علم الاجتماع" في "المستقبل العربي"،السنة الثالثة عشرة، العدد مائة وسبعة وثلاثون، تموز (يوليو) 1990-ص41.‏

33-جهينة سلطان العيسى، "البحوث الاجتماعية في الخليج العربي: رؤية نقدية"، مجلة "المستقبل العربي"، السنة الثالثة عشرة، العدد مائة وأربعة وأربعون، شباط (فبراير)، ص108-113.‏

34-المصدر نفسه، ص115-117‏

35-جهينة سلطان العيسى والسيّد الحسيني، "علم الاجتماع والواقع العربي: دراسة لتصورات علماء الاجتماع العرب"، مصدر ذكر سابقاً، ص28-51‏

36-الدكتور محمود عبد الفضيل، التشكيلات الاجتماعية والتكوينات الطبقية في الوطن العربي: دراسة تحليلية لأهم التطورات والاتجاهات خلال الفترة 1945 -1985 (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 1988)، ص39.‏

37-الدكتور حليم بركات، المجتمع العربي المعاصر: بحث استطلاعي اجتماعي (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، الطبعة الثالثة، 1986)، ص29-32.‏

38-المصدر نفسه، ص29-30‏

39-الدكتور عبد الوهاب بوحديبة، "تطوّر مناهج البحث في العلوم الاجتماعية"، مجلّة "عالم الفكر"، المجد العشرون، العدد الأول، إبريل -مايو- يونيو 1989 ص23.‏

40-المصدر نفسه، ص24-25‏

41-المصدر نفسه، ص24‏

42-الدكتور رضوان السيّد، "مشكلات البحث الاجتماعي العربي"، في مصدر سابق، ص9‏

43-استناداً إلى دراسة الدكتور عبد الباسط عبد المعطي، "التبعية في العلم الاجتماعي: اشكالياتها، مظاهرها، آلياتها ومدخل التحرّر منها". مجلّة "الوحدة" السنة الرابعة، العدد الرابع والخمسون، حزيران (يونيو)، 1988، ص101-113.‏











رد مع اقتباس
 

الكلمات الدلالية (Tags)
المستطاع, اوامر, تريدونه, تقدر, طلباتكم


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 14:28

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2024 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc