اقترب موعد الانتخابات في تلك المحافظة الهادئة ، و تفاءل الجميع بموسم مليئ بالأفراح و الخير و البركة ، و بدا السباق للضفر بالانتخابات محموما ، و تزينت الطرقات بأرصفة جديدة و علقت الاعلام و الأضواء الملونة في كل مكان . أما صور المرشحين فلم تكد تعدم من لافتة او حائط أو محل أو بنيان مهدوم . في كل يوم ينظم المترشحون لقاء مع سكان المحافظة و يتلون عليهم في خطاب جزل برامجهم السحرية للنهوض بالمحافظة إلى مكانة سامقة . سنجلب لكم الغاز و نعبد الطرق و نبني لكم المدارس و المسابح و الشقق . سوف نفعل المستحيل من أجلكم يا سكان المحافظة الطيبين . لن يعتاص علينا من أجلكم أمر. صفق الجميع بكل حرارة و هتفت الحناجر من القلوب بحياة المرشحين . و في يوم الانتخاب تدافعت الصفوف اللامتناهية على مكتب الاقتراع و تلونت السبابات بالحبر الأزرق كدليل على آداء واجب الاقتراع . و في كل مكان من المحافظة تناثرت جفان الكسكس المكللة باللحم و الزبيب ، و فارت أفواه القناني بالمشروبات الغازية حتى تجشأت الكروش العظيمة أما الابتسامة فكانت تعبث بالوجوه طيلة ذلك اليوم .
حتى أن شعورا بالاطمئنان و الرضى سرى في أركان المحافظة ، غدا ستعلن نتائح الانتخابات و لا شك ، و ستتحقق الوعود و في غد سيرتاح سكان المحافظة من الشؤم و مرارة العيش و نقمة الضياع ... أخيرا فاز المترشح المأمول و حقق انتصارا كاسحا على خصومه ، فراحوا رغم الخسارة يهنئونه مدارين شماتة مريرة في أجوافهم ، إنه الصفي الذي ارتاحت له قلوب الناس من سكان المحافظة ، و هو صاحب الوعود و البرامج و الطموحات ، ها هي موجة من السعادة المسعورة تسحق الأرجاء و ها هي البنادق تفرقع في الأجواء بارودا و صخبا ، في اليوم الموالي وقف المحافظ الجديد أمام جمع من السكان غفير و تبدى في بدلته الأنيقة و قميصه الرمادي ذي الياقة المتوجة بربطة عنق حمراء ، و سروال رمادي يعلوه حزام جلدي فاخر و قد لمع عند أقدامه حذاء جلدي إيطالي ، و توج رأسه بتسريحة عصرية تغطي صلعه .... نظر إليهم .... ابتسم .... طلب منهم الهدوء ثم صاح فيهم مخاطبا :
- البارحة قمتم جميعكم باختياري و تزكيتي ، فشكرا لكم جميعا على هذه الثقة التي منحتموني إياها ، اليوم سنقوم بالشروع في الوفاء بوعودنا لكم و لكنني فقط أطلب منكم ثقتكم وحسب ... سننظم غدا مسابقة لتكريم كل ساكن من سكان المحافظة يشبه اسمه اسم أحد رموز الحب عبر التاريخ .......
* تعجب الجميع .... نظروا إلى بعضهم البعض في ريبة ... و لكنهم سلموا آخر الأمر.
- و في الغد أقبل العشاق و الرجال و النساء من كل مكان ، و جاء من اسمهم جميل و روميو و كازانوفا و بثينة و ليلى و قيس .... ضج الشارع الرئيسي بهم حتى آخر نقطة فيه و لكنهم كانوا كلهم من الأيسين و الأيسات و العجائز و الكهول .
- أطل المحافظ من شرفته السامقة و أمر مساعديه بتوزيع الجوائز و الهبات و العطايا ، و هكذا فرح الجميع من القلوب و لكن شابا كان جالسا بقرب الجمع الغفير صاح في المحافظ ثائرا :
- و ماذا عن الوعود و البرامج ؟
فقال المحافظ حازما :
- لا تزعجني ..... دعني اليوم أحتفل بالعشاق
و استمر الحفل إلى ما لا نهاية .