وَقَوْلُهُ: (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) فِي [سَبْعَةِ]
مَوَاضِعَ: [فِي سُورَةِ الأَعْرَافِ؛ قَوْلُهُ: (إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ )
وَقَالَ فِي سُورَةِ يُونُسَ ـ عَلَيْهِ السَّلاَمُ ـ : ( إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ )
وَقَالَ فَي سُورَةِِ الرَّعْدِِ: (اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ )
وَقَالَ فِي سُورَةِ طَهَ: ( الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى)
وَقَالَ فِي سُورَةِ الْفُرْقَـان ِ: ( ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ )
وَقَالَ فِي سُورَةِ آلم السَّجْدَةِ: ( اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْش )، وَقَالَ فِي سُورَةِ الْحَدِيدِ: (هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ )
/ش/ وقولـه: (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى... ) إلخ؛ هذه هي المواضع السبعة التي أخبر فيها سبحانه باستوائه على العرش، وكلها قطعية الثبوت؛ لأنها من كتاب الله، فلا يملك الجهميُّ المعطِّل لها ردًّا ولا إنكارًا، كما أنها صريحة في بابها، لا تحتمل تأويلاً، فإن لفظ: (اسْتَوَى ) في اللغة إذا عُدِّي بـ(على) لا يمكن أن يُفْهَمَ منه إلا العلو والارتفاع، ولهذا لم تخرج تفسيرات السلف لهذا اللفظ عن أربع عبارات؛ ذكرها العلاَّمة ابن القيم في ((النُّونية)) ؛ حيث قال:
فَلَهُمْ عِبَارَاتٌ عَلَيْهَا أَرْبَعٌ
قَدْ حُصِّلَتْ لِلْفَارِسِ الطَّعَّانِ
وَهِيَ اسْتَقَرَّ وَقَدْ عَلاَ وَكَذلِكَ
ارتَفَعَ الَّذِي مَا فِيهِ مِن نُّكْرَانِ
وَكَذَاكَ قَدْ صَعِدَ الَّذِي هُوَ رَابِعٌ
وَأَبُو عُبَيْدَةَ صَاحِبُ الشِّيبَانِي
يَخْتَارُ هَذَا القَوْلَ فِي تَفْسِيرِهِ
أَدْرَى مِنَ الْجَهْمِيِّ بِالْقُرآنِ
فأهل السنة والجماعة يؤمنون بما أخبر به سبحانه عن نفسه من أنه مستوٍ على عرشه، بائن من خلقه بالكيفية التي يعلمها هو جلَّ شأنه؛ كما قال مالك وغيره:
((الاستواء معلومٌ، والكيفُ مجهولُ) .
وأما ما يشغِّب به أهل التعطيل من إيراد اللوازم الفاسدة على تقرير الاستواء؛ فهي لا تلزمنا؛ لأننا لا نقول بأن فوقيَّتَهُ على العرش كفوقِيَّة المخلوق على المخلوق.
وأما ما يحاولون به صرف هذه الآيات الصريحة عن ظواهرها بالتأويلات الفاسدة التي تدُلُّ على حيرتهم واضطرابهم؛ كتفسيرهم : ??(اسْتَوَى ) بـ( اسـتولى ) ، أو حملهم (عَلَى ) على معنى ( إلى ) ، و (اسْتَوَى )؛ بمعنى: (قصد)… إلى آخر ما نقله عنهم حامل لواء التجهُّم والتعطيل زاهد الكوثري ؛ فكلها تشغيبٌ بالباطل، وتغييرٌ في وجه الحق لا يغني عنهم في قليلٍ ولا كثيرٍ.
وليت شعري! ماذا يريد هؤلاء المعطِّلة أن يقولوا؟!
أيريدون أن يقولوا: ليس في السماء ربٌّ يُقْصَدُ، ولا فوق العرش إله يُعْبَدُ؟!
فأين يكون إذن؟!
ولعلَّهم يضحكون منا حين نسأل عنه بـ(أين)! ونسوا أن أكمل الخلق وأعلمهم بربهم صلوات الله عليه وسلامه قد سأل عنه بـ(أين) حين قال للجارية: ((أين الله؟)).ورضي جوابها حين قالت: في السماء .
وقد أجاب كذلك مَن سأله بـ: أين كان ربنا قبل أن يخلق السموات والأرض؟ بأنه كان في عماء.. الحديث .
ولم يُرْوَ عنه أنه زجر السائل، ولا قال له: إنك غلطت في السؤال.
إن قصارى ما يقوله المتحذلق منهم في هذا الباب: إن الله تعالى كان ولا مكان، ثم خلق المكان، وهو الآن على ما كان قبل المكان.
فماذا يعني هذا المُخَرِّف بالمكان الذي كان الله ولم يكن؟!
هل يعني به تلك الأمكنة الوجودية التي هي داخل محيط العالم؟!
فهذه أمكنة حـادثة ، ونحن لا نقول بوجود الله في شيءٍ منها ؛ إذ لا يحصره ولا يحيط به شيء من مخلوقاته.
وأما إذا أراد بها المكان العَدَميَّ الذي هو خلاءٌ محضٌ لا وجود فيه؛ فهذا لا يقال: إنه لم يكن ثم خلق؛ إذ لا يتعلق به الخلق، فإنه أمر عدميٌّ، فإذا قيل: إن الله في مكان بهذا المعنى؛ كما دلَّت عليه الآيات والأحاديث؛ فأي محذورٍ في هذا؟!
بل الحق أن يقال: كان الله ولم يكن شيء قبله، ثم خلق السموات والأرض في ستة أيام، وكان عرشه على الماء، ثم استوى على العرش، وثم هنا للترتيب الزماني لا لمجرَّد العطف.