العنوسة
أيها المسلمون!
فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
عباد الله!
مما لا شك فيه أن دين الإسلام الحنيف جاء بكل ما فيه مصلحة للفرد والمجتمع، وأمر به، وحث عليه، وحذر من كل ما فيه مضرة ومن الأمور التي حث عليها الإسلام ورغب فيها لما فيها من المصالح الزواج؛ فقد ورد الأمر بذلك في العديد من آيات القرآن الكريم والأحاديث النبوية:
قـال تعـالى: فانكحـوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع [النساء:3].
وقال تعالى: وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله والله واسع عليم [النور:32].
عباد الله!
ومما ينبغي أن يعلم أن الزواج فطرة قبل أن يكون شرعة؛ فهو فطرة أودعها الله الخلق يوم خلقه:
قال تعالى: سبحان الذي خلق الأزواج كلها مما تنبت الأرض ومن أنفسهم ومما لا يعلمون [يس:36].
وقال تعالى: ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون [الذاريات:49].
والإنسان أشرف من خلق الله، اشتمل على نفس التكوين ذكر وأنثى، وفطر كل شطر بالميل إلى الشطر الآخر، وقد ذكرنا الله تعالى بأصلنا ليزداد إيماننا وشكرنا.
قال تعالى: هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن إليها فلما تغشاها حملت حملا خفيفاً فمرت به فلما أثقلت دعوا الله ربهما لئن آتيتنا صالحاً لنكون من الشاكرين % فلما آتاهما صالحاً جعلا له شركاء فيما آتاهما فتعالى الله عما يشركون [الأعراف:189-190].
عباد الله!
وحري بدين الإسلام الذي راعى مصلحة الفرد والمجتمع أن لا يصادم هذه الفطرة، وهذا هو ما حصل؛ فالإسلام هذب هذه الفطرة ولم يصادمها، فشرع التقاء الرجل بالمرأة التقاء شرعياً عن طريق عقد النكاح، وبه يحصل غض البصر وحفظ الفرج والعون على الطاعة والتسابق في الخيرات، وبه تقام الأسرة التي جعلها الإسلام لبنة المجتمع، ومنه النسل المبارك الذي به تباهي أمة محمد ، ويباهي به رسول الله الأمم يوم القيامة:
قال : ((يا معشر الشباب! من استطاع منكم الباءة؛ فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج))1.
وعن أنس بن مالك؛ قال: جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي يسألون عن عبادة النبي ، فلما أخبروا، كأنهم تقالوها، فقالوا: وأين نحن من رسول الله قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر. قال أحدهم: أما أنا؛ فأصلي الليل أبداً. وقال آخر: أما أنا فأصوم الدهر ولا أفطر. وقال آخر: وأما أنا فأعتزل النساء فلا أتزوج أبداً. فجاء رسول الله ، فقال: ((أنتم الذين قلتم كذا وكذا؟! أما إني لأخشاكم لله وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء؛ فمن رغب عن سنتي؛ فليس مني))2.
وفي الزواج عدة فوائد: الولد، وكسر الشهوة، وتدبير المنزل، وكثرة العشيرة، ومجاهدة النفس بالقيام بهن، وهو مصدر سعادة الطرفين؛ لأن فيه سكناً، وفي السكن طمأنينة وراحة، وفي السكن سكون للنفس.
عباد الله!
وإذا كان الإسلام قد رغب في الزواج وحث عليه؛ فإنه قد نهى عن الامتناع منه، وحذر الأولياء من ظلم مولياتهم ومنعهن من التزوج أو الحجر عليهن، فقال تعالى: وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن إذا تراضوا بينهم بالمعروف ذلك يوعظ به من كان منكم يؤمن بالله واليوم الآخر ذلكم أزكى لكم وأطهر والله يعلم وأنتم لا تعلمون [البقرة:232]. وذلك لما يترتب على منع المرأة من الزواج من المفاسد والمضار التي تعود عليها وعلى المجتمع المسلم.
عباد الله!
هناك ظاهرة خطيرة، بدت بوادرها في مجتمعنا، وهي ناشئة من تصرف خاطئ لبعض الأولياء، وهذه الظاهرة هي ما يسمى بـ (العنوسة)، وهي أن تبلغ البنت من الكبر عتياً، وتذهب نضارتها، وتذبل زهرة شبابها، وهي لم تتزوج، حتى وجد بعض الفتيات اللاتي أعمارهن من الثلاثين إلى الأربعين ولم يتزوجن ليسمعن من يناديهن: يا أماه! ومن هذه حالها؛ لو لم يأت لها الخطاب؛ لقلنا: على وليها أن يبحث لها عن كفء يحفظ له هذه العورة.
عباد الله!
وهذه الظاهرة ترجع إلى أمرين:
أحدهما: من تصرف البنت نفسها؛ حيث إنها خدعت أولاً، فقالت: لا أريد أن أتزوج حتى أكمل دراستي!! وهذا في نظري غزو فكري عن طريق المجلات الوافدة والقصص والأفلام التي تحذر من الزواج المبكر، حتى إذا تقدمت بالفتاة السن؛ عزف عنها من تريد، وعزفت عمن يريدها، حتى تقدم بها سنها زيادة، فأوشكت أن تبلغ سن الإياس، والسعيد من وعظ بغيره.
وما تلك الصيحة التي أطلقتها إحدى الطبيبات عبر (مجلة اليمامة)، والتي قالت فيها: خذوا شهادتي وأسمعوني كلمة ماما!! إلا جرس إنذار لمن عقل.
فكم من فتاة ظنت أن الزواج يتعارض مع الدراسة، وهذا وهم رفضت على أساسه الزواج أيام دراستها، وظنت أنها متى طلبت الزواج؛ كان ذلك سهلاً مهما بلغت من العمر، فخانها تقديرها، وتقدم بها عمرها، فأصبحت حبيسة بيت أهلها، وعضت أصابع الندم، ويزداد ندمها وحسرتها حينما ترى من هن في سنها قد أصبحن أمهات لأولاد، ولم يتأخرن في الدراسة.
عباد الله!
الأمر الثاني في تأخر بعض الفتيات عن الزواج حتى يتقدم بهن العمر: يرجع إلى تصرف وليها الخاطئ؛ فأحياناً يسند الولي الأمر في الاختيار إلى النساء، ويكون دوره تنفيذياً، وغالبا ما تكون نظرة بعض النساء قاصرة، فيرد كفء البنت، وهو صاحب الدين؛ بناء على مقاييس تحددها بعض النساء؛ كالجاه، والمال، والقرابة، والوظيفة؛ بغض النظر عن الدين، وقد لا يأتى أحد هؤلاء، فيطلبوا انتظاره، والزمن يمر سريعاً، وقد يأتي من فيه إحدى الصفات التي حددوها، ومن ثم يوافق عليه، فيتزوج، ثم لا تستقيم الأحوال، فترجع إلى بيت أهلها مطلقة.
ثم تتعنت بعض النساء وتطلب مستحيلاً، والضحية هي تلك البنت التي لا زوج لها، ومن كان زمامها بيده من النساء مع زوجها آمنة مستقرة هادئة البال مرتاحة الضمير، ولو قيل لها، وطلب منها الإسراع في تزويج هذه البنت؛ لقالت: العجلة مذمومة، ليس هناك داع للعجلة، والضحية هي تلك الزهرة التي قد تصبح هشيماً، قبل أن يأتي من يقطفها.
فالمرأة ضعيفة، وهي محتاجة إلى قوامة الرجل وبعد نظره؛ قال تعالى: الرجال قوامون على النساء ….. [النساء:34].