أختي الفاضلة السيدة الكريمة أم إدريس جزاك الله خيرا على دعائك، وكانت لك جنات الفردوس نزلا.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
وأشكر لك جوابك أخي سعداني، وتحياتي الخالصة لك ولأهل قمار ووادي سوف عموما.
ذكرت أخي الفاضل أنك أحلت على مرجعين، تقصد مقدمة الشيخ مفتاح عبد الباقي لكتاب المواقف، طبعة الجزائر عاصمة للثقافة العربية، وكتاب تحفة الزائر، ولا أظن أن الأمر كاف، فلا بد من اقتباسات ونقول مختارة، وتعليقات تشرح بها فهمك للنصوص، ومن ثم توظيفك لذلك في إثبات المواقف للأمير، أما الاكتفاء بالإحالة على مرجع!فأمر غير معهود في النقاش العلمي، وإلا فلا أسهل عليّ من أن أحيلك على القرآن الكريم والحديث الشريف وتنتهي المسألة.
والأميرة بديعة –وأنت تضع ردك على موضوعها- قد لا تكون مقتنية لكتاب المواقف طبعة الجزائر عاصمة للثقافة العربية، وهي التي فيها مقدمة الشيخ مفتاح عبد الباقي، ولا أظن مطالعي هذا الموضوع والذين يكتبون ردودا في مساحته وأنا منهم يملكون بالضرورة تلك الطبعة، فمادمت اقتنيتَ أنت الكتاب فالواجب يقتضي أن تنقل لنا منه ما تراه دليلا على ما ذهبت إليه.
وأنا أطمع يا أخي سعداني في أن تتفضل وتقرأ موضوع السيدة الفاضلة الأميرة بديعة، تقرأه كاملا وتصبر على ذلك.
أو أقترح عليك أن تطالع شبه الملخص لما ذكرته صاحبة الموضوع من أدلة، وقد أكون ذكرت رأيا في الثنايا، فتفضل:
أ- من الأدلة أن بعضمشايخ دمشق أرادوا جمع بعض أفكار الأمير من خلال أجوبة كان يجيبفيها على أسئلتهم، وجمعوا ونقلوا أقوالاً لمن يعتبرونهم علماء مماثلين للأمير، مثل محمود الأرناؤوطي باشا الذي ذكره أحد أصدقاء جد الأميرة بديعة برسالة هي في حوزتها –كما صرحت بذلك- يقول فيها أن محمود باشا كان يرسل من مصر ما ينقله عن العلماء الأعلام ويرسلهم إلى أصحابه ويبتهج بهذا العمل.
ب- كذلك شهادة الشيخ عبد المجيد الخاني بن محمد الخاني، في كتابه (الكواكب الدرية على الحدائق الوردية) قال: (أن والده الشيخ محمد الخاني كان صديقاً للأمير، وكثيراً ما كان يراجعه فيبعض المسائل التي تخفى عليه، ويسأله حل بعض الأمور من كتاب (فصوص الحكم والفتوحات المكية) وغيرها، فكان الأمير لكثرة حبه للخير مع وفرة موانعهوشغله، كان يقيد الأجوبة ويرسلها إليه، أي إلى والده، فكان والده من فرطحرصه على هذه الأجوبة يلحقها بالمواقف بإذنه، فما زال الوالد يضم كل مسألةإلى أخدانها ويقرنها بأقرانها، حتى اجتمع لديه من ذلك ثلاث مجلدات ضخمة، وقد ذيلها والده محمد الخاني بعد وفاة الأمير بالجزء الثالث منها بما وجدهفي كناشة بخطه.
ومما استفادته الأميرة من هذا النص/ الرسالة أن الأمير لم يكن مؤلف الكتاب، بل ولم يكن قائما ومشرفا على تأليفه، وكيف يكون ذلك والأمير يُطلب منه فيستجيب بالكتابة، ثم هو يرسل ولم يسلم رسالته يدا بيد، فهناك شخصية ثالثة بين الأمير ومحمد الخاني، ثم إن الرسالة تستعمل تعبير الضم إلىأخدان وأقران، فضم أجوبة الأمير إلى أخدان وأقران، يعني ضمها إلى كلام ليس من كلام الأمير، وإن كان في موضوعه، كما نبهتْ إلى أن الجزء الثالث من هذا الكتاب كتب بعد وفاة الأمير.
ويبدو لي أن هذا الكتاب (المواقف) كان محمد الخاني قد أنهى جزءا مهما منه، وتعذر عليه تتمة أجزاء منه وقف قلمه عاجزا أو مترددا دونها، فاستعان بالأمير، وحين تصله الأجوبة بعد وقت ما، وعبر واسطة (يلحقها بالمواقف)، والإلحاق هنا في تعبير عبد المجيد الخاني يدل على أن مادة من كتاب المواقف كان لها وجود قبل إلحاق كلام الأمير وضمه إليه، جاء في الصحاح (المُلحق: الدعي المُلْصق، واسْتلحقه أي ادعاه)، وجاء في التهذيب للأزهري (واللحَق ما يلحق بالكتاب بعد الفراغ منه فتلحق به ما سقط عنه).
وتضيف السيدة الفاضلة الأميرة بديعة دليلا آخر، وهو ما ذكره الأستاذ جواد المرابط في كتابه (التصوف والأمير عبد القادر) (وهوأن في أحد مجالس الأمير طلب منه ثلاثة من الزوار السماح لهم وتدوين أحاديثه في مجالسه، فكان ذلك نواة الكتاب الذي عرف فيما بعدبالمواقف).
وكنت أتمنى لو أن الأستاذ جواد ذكر معتمده في ذلك، فهو خبر مهم، ويحتاج إلى توثيق ليطمئن إليه الباحثون، وأنا لا أتكلم هنا عن نفسي.
ومن الأدلة أيضا التي ذكرتها السيدة الفاضلة: "وصية الأمير عبد القادر" ولا يوجد فيها أي ذكر لكتاب (المواقف)، فالمتوفي -كما تقول صاحبة الموضوع- أوصى بمبالغكبيرة للفقراء ولنسائه وغيرهم، فهل من المعقول أن لا يوصي بشيءلطباعة كتاب ألفه؟
وأنت يا أخي سعداني أحلتنا على كتاب تحفة الزائر، ومع أنك لم تنقل لنا النصوص التي تؤكد ما ذهبت إليه، فأذكرك بما قالته السيدة الفاضلة، وهو أنه أعلن عن كتاب (المواقف) في كتاب (تحفة الزائر) الذي صدر عام 1903 ميلادي، أي قبل الانتهاء من الجزء الأول والثاني عام 1911 ميلادي بثمانِ سنوات.
كما أن المعلومات غير الصحيحة التي في كتاب تحفة الزائر كانت السبب في سرقة إخوة المؤلف للكتاب بعد اطلاعهم عليه وإحراقه.
أرجو أن تحيلنا أيها الفاضل في رد قادم إلى أدلة، وسلمك الله وعافاك، وجعل الجنة مثواك.