التاريخ الاسلامي - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الدين الإسلامي الحنيف > قسم التاريخ، التراجم و الحضارة الاسلامية

قسم التاريخ، التراجم و الحضارة الاسلامية تعرض فيه تاريخ الأمم السابقة ( قصص الأنبياء ) و تاريخ أمتنا من عهد الرسول صلى الله عليه و سلم ... الوقوف على الحضارة الإسلامية، و كذا تراجم الدعاة، المشائخ و العلماء

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

التاريخ الاسلامي

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2011-03-18, 16:38   رقم المشاركة : 27
معلومات العضو
yacine414
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










New1 المسألة المصرية وحلها

المسألة المصرية وحلها :

اعلم أن معاهدة هنكارا سكله سي التي تقربت بها الروسيا من الدولة العلية كانت الباعث لانتباه رجال السياسة في أوروبا حتى جعلوا المسألة المصرية كمسألة أوروباوية ولذا أخذت الدول تتذاكر فيها ملياً وكانت فرانسا وحدها تميل لمساعدة مصر حتى تسبب عن ذلك تغيير وزارة كيزو وتييرس وبسبب ذلك ضعفت سياسة لويس فيليب ملك فرانسا في المسائل الخارجية وبعد مذاكرات طويلة بين دول أوروبا عقدت انكلترة وأوستوريا وبروسيا والروسيا اتفاقية مع السلطنة العثمانية بخصوص مصر كما سيأتي وكان توجيه مسند الصدارة العظمى إلى خسرو باشا الكبير لا يرجى منه تسوية المسألة المصرية على ما يوافق صالح الدولة لعداوته الكبرى لمحمد علي باشا كما علمت.

ولما أصدر السلطان عند جلوسه فرمانا إلى محمد علي باشا وإلى الديار المصرية بالعفو قابل حامل هذا الفرمان المسمى عاكف أفندي أحد كتاب الباب العالي في أثناء ذهابه مع القبودان فراري أحمد باشا وأخبره بما حصل من التبديل في الوزارة وبصدور فرمان سلطاني بالعفو عن محمد علي باشا وعدم احتياج الحالة لأعمال الدوننما التي يلزم أن لا تبارح القلعة السلطانية ولذا كلفه بالعود بها إلى الآستانة فخاف أحمد فوزي باشا من التبديلات الوزارية ودار بخلده أن تنصيب خسرو باشا لمسند الصدارة مضرّ به شخصياً لما بينهما من العداوة الشديدة فافتكر أن نجاته هي أن يتحد مع محمد علي باشا ويسلمه الدوننما ثم أرسل أحد ضباطه بسفينة إلى استانبول لينوب عنه في تقديم واجب تبريك الجلوس السلطاني ليبعد عنه بذلك المظان.

ثم إنه بعد أن حبس مصطفى باشا الفريق في سفينة أقلع بالدوننما إلى ثغر الاسكندرية وبوصوله سلمها إلى محمد علي باشا وذلك في 25 جمادى الأولى سنة 1255هـ- 8 يوليو1839م وكانت الدوننما المذكورة تتركب من تسعة غلايين كبيرة و 11 فرقاطة و5 قرويتات عدد رجالها 16107 من الملاحين هذا خلاف ألايين من العساكر عدد 5000 رجالهما فيكون الجميع 21107 من الجنود وبذلك دخلت المسألة المصرية مع الدول في شكل جديد أكثر تعقيداً مما كانت ولهذا عزل خسرو باشا من الصدارة ووجهت إلى رؤف باشا ثانية .

واتفقت انكلترة والروسيا وأوستريا وبروسيا على حل المسألة المصرية حلاً نهائياً وعقدوا لذلك مؤتمراً بالآستانة تحت رياسة الصدر الأعظم 27 يوليو سنة 1839م وكانت فرانسا تظهر الميل والمساعدة لمحمد علي باشا وترغب إطلاق السراح له وعدم تقييده بشيء وسعي مسيو كيز ورئيس وزرائها لدى الدول ليحملها على عدم تداخلها لأن مسألة مصر يمكن انهاؤها بين التابع ومتبوعه مباشرة وكان يقصد بذلك أن يكون لفرانسا الزمن الكافي لنوال مرغوبها.

إلا أن دول أوروبا لما فهمت نوايا فرانسا اتفقوا على تنفيذ ما قرروه ومضمونه أن يعطي السلطان لمحمد علي مصر يحكمها هو وأولاده من بعده على طريق الوراثة وولايتي عكاء وصيدا مدة حياته فقط وأن يخلى بلاد العرب وسوريا وكريد وغيرها من الجهات التي بها عساكره في مدّة عشرة أيام وإن رفض الرضوخ لذلك ساعدت الدول المذكورة الدولة بالقوة.

ولما رأت فرانسا أن إرجاع دول أوروبا عما اتفقوا عليه من أصعب الأمور غيرت وزارتها وعينت مسيو تييرس رئيساً لها وأخذت في الاستعدادات الحربية خصوصاً بجهتي نهر الرين وسواحل البحر الأبيض المتوسط وفي تلك الأثناء أرسلت الدولة محمد رفعت بك مستشارا لصدارة لمصر لإبلاغ محمد علي باشا قرار الدول وقبول الدولة له وإنه إن لم يقبل ذلك في ظرف عشرة أيام استردت الدولة منه ايالتي صيدا وعكاء ولما لم يقبل أرسلت انكلترع وأوستريا والدولة أساطيلها فحاصروا سواحل الشام واستولوا على بيروت واللاذقية وطرسوس وطرابلس وصيدا وصور وفتحوا عكا عنوة بعد أن أطلقوا النيران عليها مدّة ثلاث ساعات ونصف وكان إبراهيم باشا يعتمد عليها أكثر من غيرها ولما كانت جميع الذخائر والأدوات الحربية المصرية بهذه المدينة وقعت في يد المتفقين انهزمت الجنود المصرية إلى منحدر جبال الدروز بعد محاربات طويلة والتزم إبراهيم باشا أن يتقهقر إلى وديان تلك الجهات وكانت الأهالي تظهر العداوة لإبراهيم باشا وجنوده حيث وجد ولما اشتدت به الحالة اضطر لأن يعود إلى مصر .

ثم توجهت فرقة من السفن المتفقة إلى الاسكندرية تحت قيادة الأميرال نايير (Napier) الذي ألزم محمد علي باشا بقبول القرار الدولي القاضي بأن لا يكون له إلا بلاد مصر 27 نوفمبر 1840م ثم أرسل المرحوم محمد علي باشا الدوننما العثمانية إلى الآستانة وسلمها للدولة في1256هـ-24 يناير سنة 1841م .

أما فرانسا فإن أمّتها لما رأت أنها صارت بمعزل عن دول أوروبا وأنها بذلك ربما أضاعت نفوذها الذي حازته بالمشرق هاجت واضطربت وعلى ذلك تغيرت الوزارة وتحوّل مجرى سياستها والتزمت أن تدخل في دائرة السياسة الأوروباوية التي أجمعت على إبطال معاهدة هنكارا سكله سي المذكورة وإنهاء المسألة المصرية في أقرب زمن واتفقوا على عقد معاهدة مع الدولة العثمانية بخصوص حق المرور من مضيقي البوسفور والدردانيل جمادى الأولى سنة 1257هـ-1841م .

وتعرف هذه المعاهدة بمعاهدة البواغيز وكانت بين الدولة من جهة وبين انكلترة والنمسا والروسيا وبروسيا وفرانسا من الجهة الأخرى وكان من مقتضاها الاعتراف من هذه الدول بالحق المطلق والحكم المستقل للدولة على البوغازين المذكورين وإنه لا يصرح لدولة أن تمر بسفنها الحربية من هذين البوغازين أصلاً ثم صدر فرمان الوراثة لعائلة محمد لي باشا مشتملاً على امتياز حكم القطر المصري بمصادقة الدول الأوروباوية وتوجه بعدها محمد علي باشا إلى استانبول لعرض طاعته على السلطان وبذلك تجددت الروابط الودّية بين مصر ودار الخلافة .

الترقيات في الدولة العلية وخط الكلخانة :

لما انتهت المشكلة بين مصر والدولة بتداخل الدول الأوروباوية اهتم السلطان عبد المجيد خان بتأييد النظامات الجديدة وأصدر الفرمان المعروف بفرمان الكلخانة فاتسعت به أسباب العمران في كافة المملكة العثمانية واستتب الأمن وتأسست المدارس 26 الرشدية شعبان 1255هـ وأدخلت النظامات والتحسينات في المدارس الحربية والملكية والبحرية وحصل اقتصاد كلي في ميزانيات البرية والبحرية معاً وتمت كل هذه النظامات بغاية الهمة.

وامتدت الاصلاحات إلى جميع الولايات وأبدلت الأسلحة القديمة التي كانت بأيدي الجيوش الشاهانية بأسلحة جديدة من آخر اختراع وهي بنادق الششخانة ذات الكبسول فأصبحت القوات العسكرية عمومها على وتيرة واحدة في النظام والترتيب وامتدت الاصلاحات أيضاً إلى معامل الطوبخانة وملحقاتها من باقي المعامل العسكرية السلطانية وبهذه الأعمال النظامية والمواد الإصلاحية قطعت الأمة العثمانية مراحل شاسعة في طريق التقدم والعمارية في أسرع زمن وبالأخص في جميع مصالحها وإداراتها وما يتبعهما من الفروع حتى صارت الأمة بسبب ارتياحها لهذا الإصلاح العظيم في غاية الأمن والراحة.

وقد وفقا السلطان إلى انفاذ جميع الرغائب والأماني لإصلاح شؤن الرعية وعمارة الممالك ونشر لواء الأمن والراحة وقطع جراثيم الدسائس الأجنبية وكان الوزير رشيد باشا المذكور لما له من سعة المعارف والوقوف على ضروب السياسة وجه همته أولاً لجعل دول أوروبا جميعها تعترف للدولة العثمانية بإخلاص النية وطهارة الطوية بما أوجدته في داخليتها من الإصلاح والتقدّم حتى سبقت كثيراً من دولها في هذا الشأن.

حروب القريم وأسبابها :

لما كانت دولة الروسيا على يقين من أن الإصلاحات التي أدخلتها الدولة في حربيتها وتنظيم جيوشها البرية والبحرية هي نفس الإصلاحات التي أكسبتها الانتصارات في وقائع حروبها مع الدولة العثمانية وكانت تتمنى أن لا ترى الدولة العلية متقدّمة في مراقي الفلاح لأن ذلك ينافي سياستها وأمانيها بالجهات الشرقية كانت تنظر إليها بعين الحقد وتودّ عرقلة مساعيها في الإصلاحات القائمة بها فقامت تنتحل سبباً يخوّل لها محاربة الدولة فقالت بحمايتها لجميع الأورثودوكسين التابعين للدولة العثمانية وأخذت تزرع بذور الدسائس كعادتها بين أولئك الأقوام.

ومن سوء الحظ أن أعمال بعض عمال الدولة كثيراً ما فتحت لدول أوروبا بابا تلج منه لمخاصمة الدولة وقد انتهزت الروسيا فرصة الاختلاف الواقع بين طائفتي الروم واللاتين في القدس من سنين مضت بسبب كنيسة القيامة وبعض الأماكن المقدّسة الأخرى وقامت كل طائفة منهما تدعى لنفسها حق الرياسة والتقدّم على الأخرى في حق السدانة على كنيسة القيامة.

ثم أخذت هذه المسألة تتعاظم بينهما وتمتد يوماً بعد يوم إلى أن آل الأمر إلى النزاع والجدال في سنة هجرية فوقع الباب العالي في الارتباك والحيرة واهتم بإخماد نار العداوة من بين الطائفتين المذكورتين لأن دولة الروسيا كانت تدافع عن حقوق الروم الأورثودوكسيين ودولة فرانسا تدافع عن اللاتينيين بمقتضى عدّة معاهدات قديمة تدعى أنها تخوّلها هذا الحق وعلى الخصوص بمقتضى الامتيازات الممنوحة لها في سنة 1740م ميلادية.

فتداخل سفير انكلترة في هذا المشكل ورسم ترتيباً لائتلاف الملتين المتخالفتين فقبلته فرانسا ولم تقبله الروسيا لأن مقصدها الأكبر ليس المحاماة عن حقوق الروم الأورثودوكسيين كما تقول بل كان لها غايات أخرى كثيراً ما كانت تجتهد في نوالها وتترقب الفرص للحصول عليها وهي إبعاد الدولة العثمانية عن المجتمع الأوروبي ليسهل عليها الاستيلاء على أملاكها فانتهز قيصرها نقولاً تلك المنازعة فرصة مناسبة لنوال بغيته وبلوغ أربه وأرسل ناظر بحريته البرنس منجيقوف إلى دار الخلافة العثمانية بصفة سفير مرخص للمخابرة في مسألة الخلاف الواقع بخصوص الأراضي المقدّسة بعد أن بعث جيشاً مؤلفاً من 144 ألف مقاتل إلى حدود الدولة.

ولما وصل رفض مواجهة فؤاد أفندي وزير الخارجية فعزلته الدولة ووجهت مسند نظارة الخارجية لرفعت باشا ثم تذاكر الوزراء في البلاغ الذي قدّمه البرنس المذكور لنظارة الخارجية 19 نيسان 1853م ولم يوافقوا عليه ولهذا أخذت الدولة تجهز الجيوش استعداداً لما يحدث من الطوارىء ولأنها رأت أن الروسيا لا زالت مستمرة على تحريض الأروام على العصيان ونبذ أوامر الدولة مشوّقة إياهم بكل ما تقدر عليه منأنواع المشوّقات ثم انفردت من بين دول أوروبا.

ووقفت في ميدان السياسة بمفردها مدّعية على الدولة العلية بأنها تسيء معاملة النصارى الأرثودوكس خصوصاً وتطالبها بإصلاح حالهم مع أن التنظيمات الخيرية تكفلت لهم ولغيرهم بذلك كما يعلم من مطالعة الفرمان الصادر بها ولما رأت الدولة أن الروسيا لا زالت مصرة على مدعياتها أخذت في التجهيزات الحربية ولكي تتمكن من ذلك ويكون لها الوقت الكافي قررت إعادة النظر في طلبات الروسيا وغيرت هيئة الوزراء .

فوجهت مسند الصدارة إلى مصطفى نائلي باشا ونظارة الخارجية لمصطفى رشيد باشا وكان من أصحاب الخبرة والذكاء ولما أعاد الوزراء المذكورون النظر في طلبات الروسيا ورأوا أن لا حق لها أصلاً وأنها خرجت بهذه الدعوى عن جادة الصدق قام وزير الخارجية معارضاً لها وتمكن بمهارته من الدخول مع دول أوروبا في المناظرة والمباحثة والمجادلة والمناقشة ولم ينته من عمله حتى أظهر لها الحجج الدامغة والأدلة الكافية على بطلان مدّعي الروسيا وعدم وجود أثر للصحة فيما تدعيه مثبتاً ما أوجدته الدولة العلية منذ أزمنة مديدة من الإصلاحات العميمة والنظامات القويمة في ممالكها المختلفة ونشرها العدل بين رعيتها على السواء وإيجادها كل ما من شأنه رفع أمتها إلى معارج السعادة والرفاهية.

وأيد جميع هذه الأقوال بما سبق من اعتراف الدول بوجود هذا الاصلاح في الممالك العثمانية ومصادقتها على تعميمه فيها وارتياحها للدولة العلية حيث قامت به على حسن النية وإخلاص الطوية ولم يخرج هذا الوزير من هذا الموقف المهم حتى تحقق للدول جميعها فساد قول الروسيا وإنها تبطن خلاف ما تظهر وبناء على ذلك رفضت الدولة العثمانية بلاغ الروسيا تماماً فقدم منجيقوف أوليماتوم بلاغاً نهائياً 21 مارس سنة 1853م وبارح استانبول مع عموم هيئة السفارة الروسية.

إعلان الحرب على الروسيا والوقائع بجهات الطونة والأناضول:

لقد كانت رجال الدولة ومحافل أوروبا تظن أن ما استعمله البرنس منجيقوف في مأموريته من الغلظة والجبروت ربما كان على غير رضا دولته إلا أنه أتى محرر ناظر خارجيتها الكونت نسلرود 31 مارس 1853 سنة اتضخت مقاصد الروسيا وظهر أن منجيقوف لم يصدع إلا بما كانت تأمره به دولته سيما وأن الجنرال غورجاقوف عبر نهر بروت بما كان تحت قيادته من القوّة السابق ذكرها وانتشرت جيوشه في أراضي المملكتين ولما رأت الدولة أن ذلك عبث بالعهود أعلنت الحرب على الروسيا سنة 1269هـ .

وكتب عند ذلك عمر باشا المجري قائد عموم جيوش الروم ايلي إلى القائد الروسي المذكور يطلب منه إخراج عساكره وإخلاء أرض المملكتين في مدّة خمسة عشر يوماً حسب الأصول المتبعة ولما علم عمر باشا أن جيوش الروسيا تقصد عبور الطونة من جهة ودين لتحريض الصربيين على العصيان أرسل قوّة كافية عبرت من ذلك المكان إلى جهة قلفات .1270هـ.

وأنشأت هناك بسرعة بعض استحكامات وطوابي لإشغال العدوّ ومنعه من التقدّم وأجاز أيضاً من طوترة قان إلى أولتانيجة ومن روسجق إلى يركوك قوّتين أخريين هدد بهما مدينة بكرش فشيدت هاتان القوّتان بعض القلاع وتمكنت من صدّ هجمات الروس ولما التقى عمر باشا مع عسكر الروس في أولتانيجة انتصر عليهم انتصاراً باهراً بعد حرب شديد 3 صفر سنة 1270هـ .

وكذا لما تجمعت قوّة الروسيا بقرية جتانة الكائنة بجوار قلفات عين رئيس أركان حرب الروم ايلي الفريق ناظر أحمد باشا بقلفات ثلاث فرق عسكرية تحت قيادة كل من جركس إسماعيل باشا ومصطفى توفيق باشا وعثمان باشا وهجمت هذه الجنود على الروس من ثلاث جهات فهزمتهم شر هزيمة الخميس 5 ربيع الأوّل .

واستولى العثمانيون على معسكرهم جميعه بعد أن ولوا الأدبار من جتانة وصدّتهم أيضاً العساكر العثمانية في روسجق وموطن أوغلى اطه سي وسلستره وقره لاش اطه سي وزشتوي ونيكبولي وماجين وايساقجي وانتصرت عليهم في كل سواحل الطونة ثم هزمهم أيضاً حليم باشا عندما هاجموا قلفات حتى اضطّرهم إلى الرجوع إلى ما وراء نهير آلوتا من جهة بلاد افلاق الصغيرة وقد كانت هذه الانتصارات المتتابعة سبباً لاندهاش العالم الأوروبي.

إلا أنه أقبل فصل الشتاء ببرده الشديد وتراكمت الثلوج الكثيرة التزم عمر باشا أن يلتجىء إلى الحصون وأن لا يتعقب الروس المنهزمين هذا بأوروبا أما الجيوش العثمانية بالحدود الآسيوية فكانت تحت قيادة عبد الكريم نادر باشا تتقدّم أيضاً منصورة في جهات آخسخه وأربه جايي واستولى العثمانيون بما بذله رئيس أركان حرب الجيش تاجرلي أحمد باشا على قلعة كمري وحاصر الروس في آخسخة ثم أن نظارة الحربية باستانبول رأت من عبد الكريم باشا التواني في الحركات العسكرية فعزلته ونصبت مكانه قائداً آخر يدعى أحمد باشا ولما أقبل فصل الشتاء تعطلت الأعمال الحربية بتلك الجهات أيضاً.

واقعة سينوب البحرية 27 صفر سنة 1270:

كتب هنري نابرل اسكواير تاريخاً مخصوصاً لوقائع حرب القريم ذكر فيه محاربة سينوب هذه نلخصها على الكيفية الآتية قال إنه في شهر محرم من سنة 1270هـ-1853م أرسلت الدولة العثمانية إلى البحر الأسود أسطولين أحدهما مشكل من خمس سفن حربية تحت قيادة البطرونة مصطفى باشا بها أدوات وذخائر حربية لإيصالها إلى ثغر باطوم وكان بهذا الأسطول 88 مدفعاً والآخر مشكل من ثلاث عشرة سفينة حربية تحت قيادة البطرونة عثمان باشا والريالة حسين باشا وأمر بالذهاب إلى فرضة سينوب وكان به من المدافع 406 مدافع ولما وصل هذا الأخير إلى مينا سينوب واستقبل فيها أقبلت بعد أيام من وصوله عمارة روسية مركبة من ثلاثة قباقات وأربع فراقيط وإبريق واحد لمعرفة مواقع السفن العثمانية وقوّتها.

وبقيت هذه العمارة خارج الفرضة محاصرة لها ولما وقف أميرال هذه العمارة المدعو ناجيموف (Nachimof) على حالة الدوننما العثمانية كتب لدولته يطلب منها أن تمدّه بعدّة من السفن الحربية الموجودة بسيواستوبول ولما وصلت إليه السفن كما طلب قوى ساعده ودخل المينا بريح طيبة وأبقى خارج المينا أربع سفن تراقب السفن العثمانية وتمنعها من الهرب لو أرادته ووقف هو بسفنه بعيداً عن مرمى مدافع البطاريات البرية على نحو ألف ياردة من سفن العمارة العثمانية التي كانت مستقبلة في المينا على خط واحد.

ولما رأى الربان عثمان باشا أن سفن الروسية قد دخلت المينا بهذه الكيفية أمر قواد السفن العثمانية بالاستعداد للحرب ومباشرة القتال والضرب وأن يبذلوا ما في طاقتهم من الاجتهاد ويبيعوا نفوسهم حباً لدينهم وأوطانهم وغيرة على مملكتهم وسلطانهم إلى آخر رمق من حياتهم وبعد ذلك شرعت الفرقاطة العثمانية المسماة نظامية بإطلاق المدافع فخرجت المقذوفات من مدافعها كالصواعق إذا انحدرت أو الشهب إذا انقضت وابتدأت الحرب بين الطرفين ودوت الأصوات في الآفاق واشتدت الحال وحمي الوطيس بين الفئتين وتحقق المتقاتلون أن هذا آخر الأجل المتاح.

إلا أن من تأمل وقت ذلك إلى هاتين القوتين كان يرى فرقاً عظيماً وبونا جسيماً إذ أن السفن العثمانية صغيرة والسفن الروسية ضخمة كبيرة فلذا كان يتأكد من أن العثمانيين إما أن يسلموا سفنهم بغير قتال وإلا محتها أساطيل الروسيا في الحال ومع هذا فقد استمرت الحرب ساعتين ونصفاً أتلف فيها الأسطول الروسي الفرقاطة العثمانية المسماة ناوك بحري ولما رأى قبودانها إنه لم يبق في وسعها المقاومة والمدافعة أمر بإشعال النار في مستودع بارودها لإعدامها بمن فيها حذراً وتفادياً من وقوعها في أيدي العدوّ.

ولما امتنعت طائفتها من إنفاذ أمره هذا تقدّم هو بنفسه وأشعل الجنجانة فتطايرت السفينة قطعاً بمن فيها جميعاً وهو معهم ولقد كانت هذه الخسارة سبباً في إضعاف قوة باقي السفن العثمانية ووقوع الخلل في نظامها لرؤية عساكرها قطع الفرقاطة وهي تتطاير في الفضاء وأجسام شهدائها تتناثر ودماؤهم تمطر على سطح المياه كالسيل المنهمر فيا له من منظر تنفطر منه الأكباد وتتفتت له القلوب.

ولم تمض برهة حتى احترق قسم من السفن العثمانية بمقذوفات الروس ووصل الحريق إلى مستودع بارودها فتهشمت وتطايرت قطعاً وعند ذلك صعد عساكر الروس فوق السواري وهللوا فرحاً وكان بقي بعد ذلك من السفن العثمانية فرقاطتان في المينا وكانتا تطلقان على السفن الروسية مدافعهما بلا انتظام إلا أن أصواتها لم تكن إلا إشهار للحزن والأسف على أبطال الرجال وليوثها الذين عدموا وقد تخرب معظم المدينة من وقوع قنابل المدافع عليها حتى أصبحت غير صالحة للسكنى إلا القليل منها.

وقد فعل الروس في هذه المحاربة أفعالاً وحشية منافية للشهامة والمروءة على خط مستقيم فإنهم لم يكتفوا بما نالوه من النصر لأن قوتهم البحرية كانت أضعاف قوّة العثمانيين بل كانوا يطلقون المقذوفات على جرحاهم ومن كان سابحاً منهم فوق المياه فيقتلون هؤلاء الضعفاء المساكين الذين كانوا يلتمسون الخلاص.

أما الفرقاطتان الباقيتان من السفن العثمانية فدخلتهما عساكر الروس ووجدوا عثمان باشا القومندان مصاباً بجراح في إحدى رجليه ومعه اثنان من القبودانات و105 من الأنفار فأسروهم وأحرقوا الفرقاطتين لعدم صلاحيتهما لشيء أما حسين باشا الريالة فكان أصيب بمقذوف مات به في أول المحاربة ووجدت جثته فدفنت في تلك الجهة ومات من الدوننما العثمانية أكثر من ألفي نفس في أوائل المحاربة أما تلفيات الروس وخسائرهم فكانت كثيرة وكسرت المقذوفات العثمانية سواري الأربعة قباقات وبسبب ذلك بطل استعمال المدافع بها.

ثم مكثت السفن الروسية بمينا سينوب حتى أصلح ما أمكن إصلاحه منها وسحبوا ما تعطل من سفنهم ثم قصدوا سيواستوبول قبل ورود السفن الحربية الانكليزية والفرنساوية إليها وحصل أنه بعد انتشاب القتال هربت إحدى البواخر إلى الآستانة وأخبرت بهذه الواقعة ولم تتمكن السفن الروسية المعينة للمحافظة خارج المينا من منعها فعند ذلك أرسلت دوننما انكلترة الموجودة بالبوغاز إحدى بواخرها وأرسلت دوننما فرانسا الموجودة معها باخرة أخرى فذهبتا إلى مينا سينوب للوقوف على حقيقة الواقعة.

ولما وصلتا إليها التقطتا بعض الجرحى الذين طالت أعمارهم وأوصلناهم إلى الآستانة وكان بالمينا أثناء القتال سفينة تجارية انكليزية قتل منها نفران بمقذوفات الروس ثم احترقت أخيراً في الحريق الذي وقع بالسفن الحربية العثمانية ولما أتت السفينة الانكليزية المذكورة أخذت معها بأن تلك السفينة وتجارتها وبوصوله هو وطائفته إلى الآستانة قرروا صفة الواقعة كما شاهدوه ومضمونها أن الأساطيل العثمانية حاربت الأعداء بكل شجاعة وإقدام مع ما كانت عليه من القلة بالنسبة لأساطيل الروس .

اتحاد فرانسا وانكلترا مع الدولة :

لما كانت المخابرات جارية بين الدولة والروسيا قبل حرب القريم تأثرت فرانسا تأثراً شديداً لأن نابليون الثالث الذي جلس على تخت فرانسا في أواخر سنة 1852م خالف في السياسة الخارجية الطريقة التي كان سلفه لويز فيليب يسير عليها فكان يظهر للدولة العثمانية الارتياح الكليّ من الإصلاحات التي أدخلتها ببلادها ولما كان تعهد بحماية الكنيسة الكاثوليكية كان يميل جداً إلى حل المسألة المتنازع فيها بمدينة بيت المقدس بما أن ذلك كان يسر فرانسا ويفيدها وكان السير هاميلتون سيمور سفير انكلترة في بترسبورغ عند مقابلاته السرية لقيصر الروسيا نيقولا الأول وقف على تصميمات دولته بخصوص بلاد الشرق.

ولما كانت حكومة السفير المذكور من اتباع المذهب البروتستانتي لم يكن يهتم بمسألة بيت المقدس كاللازم أما النمسا فقد أظهرت الاشمئزاز الكليّ من منشورات البانسلاويست لأن نزوع أهل الجبل الأسود للاستقلال وتشكيل حكومة منتظمة فتح باباً لأهالي دالماسيا وكراوتيا والولايات المجاورة ولذلك تأثرت حكومة النمسا من ذلك وعرضت وساطتها الاتمام حادثة الجبل الأسود بسرعة واطفاء نيران فتنة بيت المقدس.

إلا أنها لم تتمكن من تأليف ذات البين ثم اتفقت مع بروسيا على عدم المداخلة وانتظار النتيجة وكان دخول ايطاليا في المسألة غير ظاهر بل كانت آخذة في أسبابه بسعي ملك سردينيا ويقتور امانويل لينال بذلك رضا أوروبا وبينما كانت الأحوال سائرة هكذا أرسلت الروسيا البرنس منجيقوف (Mentschikoff) إلى الأستانة سفيراً فوق العادة فظنت أوروبا أن القصد من مأموريته هذه المكالمة في مسألة الأراضي المقدسة إلا أنه لما أشيع أن القصد من مأموريته عقد مشارطة مخصوصة مع الدولة أو تجديد معاهدة هنكارا سكله سي اندهشت أوروبا خصوصاً لما شاهد سفراؤها في الآستانة أعمال السفير الروسي المغايرة لقواعد حقوق الدول فمالت أفكار عموم أروبا بالمساعدة الدولة.

وفي أثناء ذلك كان الامبراطور نيقولا يلح على السير هاميلتون سيمور سفير انكلترة بعاصمة الروسيا يريد اجتذاب انكلترة للاتحاد مع الروسيا إضعافاً لنفوذ فرانسا في الشرق وليتقاسما أملاك الدولة العثمانية سوية فلما اطلعت انكلترة على مقاصد الروسيا خافت من امتداد نفوذها في الشرق ومشاركتها لها في البحار القابضة هي على صولجانها وتخابرت الملكة فكتور يا ملكة الانكليز مع نابليون الثالث امبراطور فرانسا للاتحاد مع الباب العالي لتأييد المعاهدات المختصة ببيت المقدس.

وفي خلالها أعاد السلطان مصطفى رشيد باشا إلى الصدارة وكان عزل منها إرضاء للروسيا وعزم على رفض مطالب البرنس الروسي وأعلن باحترام حقوق الكنيسة الأرثودكسية وبعد مخابرات يطول شرحها قطع السفير الروسي العلاقة مع الدولة وعاد إلى بلاده ثم أطلعت الدولة اللورد استراتفورد سفير انكلترة على جميع المخابرات التي دارت بينها وبين الروسيا فانضمت انكلترة إلى فرانسا وأرسلت إلى أساطيلها بمالطة بأن تتحد مع الدوننما الفرنساوية في كافة الأعمال وأمرت الدولتان أساطيلهما بالحضور إلى جون بشيكة القريب من بوغاز الدردنيل فحضرت إليه في أواسط يونيه سنة 1853م .

وكان الامبراطور فرانسوا جوزيف ملك النمسا يتردد في السياسة التي يتبعها بعد أن بذل جهده في منع الخلاف بلا حرب وسعى في عقد مؤتمر ويانة الذي انعقد في شهر أغسطس من سنة 1853م ولما لم تأت جلساته العديدة بفائدة تحقق لدى جميع الدول سؤنية الروسيا وحرضت انكلترة وفرانسا الدولة العثمانية على رفض طلبات الروسيا في المؤتمر ومداومة الدفاع عن حقوقها وحصل ما سبق ذكره من عبور جيوش الدولة نهر الطونة وانتصارها في كافة الوقائع الحربية التي حدثت هناك فظهر لأوروبا بذلك فائدة التنظيمات التي أدخلتها الدولة في جيوشها.

وفي أثناء ذلك رضيت الدولة بدخول أساطيل فرانسا وانكلترة البوسفور ولما عبرته رست في بيوك درة من ضواحي الآستانة لتكون على مقربة من البحر الأسود منعاً لهجمات الروس ثم بعثت فرانسا من طرفها المارشال شبيل باراجي ديليه (Baraguay D'hiliers) بمأمورية فوق العادة إلى الآستانة ظاهرها السعي في أمر الصلح وباطنها درس أحوال العسكرية العثمانية فقابله السلطان سبتمبر 1853م باحتفال وافر ولما وصل خبر واقعة سينوب البحرية وضياع أساطيل الدولة مع تعهد الروسيا لدولتي فرانسا وانكلترة بأنها لا تقصد إجراء أي أمر عدواني في البحر الأسود أصدرت الدولتان أوامرهما إلى أساطيلهما الراسية في بيوك درة بالدخول إلى البحر الأسود فدخلته 4 مارس 1854م سنة .

وكانت عمارة انكلترة مركبة من 21 سفينة حربية تحمل 1162 مدفعاً تحت قيادة الويس أميرال دنس دانداس (Deans Dundas) والكنترأميرال السيراد مندلاينس (Sir Edmund Lyons) وعمارة فرانسا مركبة من 39 سفينة تحمل 2740 مدفعاً تحت قيادة الأميرال هاملن (Hamelin) والكونتر أميرال بروات (Bruat) وبصحبتهما الدوننما العثمانية المركبة من سفينة 12 حربية تحت قيادة قيصرية لي أحمد باشا وكان قبودان السفينة محمودية وقتئذ اتش محمد بك الذي صار فيما بعد قبودان باشا وله اليد البيضاء في إصلاح البحر مدّة السلطان عبد العزيز خان.

ثم رست هذه الأساطيل أمام وارنة وكتب الامبراطور نابليون الثالث كتاباً له إلى الامبراطور نيقولا في أواخر يناير سنة 1854م شرح له فيه المسألة بأطرافها وتعديات الروسيا وعرض له فيه بعقد مؤتمر دولي للنظر في أمر الصلح تحت شرط إخلاء إقليمي الافلاق وبغدان من الجيوش الروسية وفي مقابلة ذلك تنسحب أساطيل الدولتين من البحر الأسود فكان جواب امبراطور الروسيا عدم إمكانه قبول ذلك وبناء على هذا الجواب عقدت فرانسا وانكلترة مع الدولة العثمانية في الآستانة اتفاقية على محاربة الروسيا تحت شرط سحب جيوشهما من بلاد الدولة العلية بعد خمسة أسابيع تمضي من يوم الصلح الذي يتم مع الروسيا وأمضيت في 13جمادى الثانية سنة 1270هـ-1854م .

وبعد خمسة عشر يوماً أعلنت الدولتان الحرب على الروسيا وكان الامبراطور نيقولا يخاف من انضمام النمسا وبروسيا للدولتين المذكورتين فأرسل إلى برلين وويانة سفيراً مخصوصاً يدعى الموسيو أورلوف يطلب من امبراطور النمسا وملك بروسيا إما المساعدة أو البقاء على الحيادة وفي شهر مارس من السنة المذكورة أرسلت انكلترة عمارة كبيرة إلى بحر بالطيق مركبة من16 سفينة حربية تحت قيادة الاميرال السير نابير (Napier) وأرسلت بعد ذلك فرانسا أسطولاً آخر مركباً من سفينة حربية تحت قيادة الكونتر أميرال بينود (Penaud) وبوصول هذه الأساطيل أخذت في الأعمال الحربية فاستولت على جزيرة الآند وشرعت في تهديد مدينة كرونستاد الحصينة التي بها المينا الحربية للروسيا. وبعد ذلك أرسلت فرانسا وانكلترة جيوشهما فاجتمعا بكليبولي في يوم من جمادى الآخرة سنة 1270هـ مارس 1854 م وكان جيش فرانسا يتركب من مقاتل تحت قيادة المارشال بنت آرنو (Saint- Arnaud) ويتألف جيش انكلترة من25000 مقاتل تحت قيادة اللورد راغلان (Raglan) وفي أثناء محربة الدولة للروسيا ثار بعض أشقياء اليونان فأقامت الدولة على حكومة اليونان الحجة الشديدة فالتزمت حكومتها بتأديب المفسدين وأعادت السكينة للحدود سريعاً ولما أعلنت انكلترة وفرانسا اشتراكهما في حرب الروسيا التزمت النمسا أن تقوم بالتجهيزات الحربية واتفقت مع الدولتين بأن تكون معهما في حركة متحدة حتى يتقرر الصلح العمومي ولذلك احتلت بلاد المملكتين.

معاهدة باريس 24 رجب سنة 1272هـ:

لما تحقق اسكندر الثاني امبراطور الروسيا من عدم الفوز في هذه الحرب خصوصاً وأن دولة النمسا أظهرت له العداء جهاراً بعد سقوط سيواستوبول وانضمام دولة السويد إلى الاتحاد الأوروبي بالمعاهدة الدفاعية والهجومية التي عقدتها مع فرانسا وبروسيا ضد الروسية 20 نوفمبر 1855 .

أشارت النمسا على الدول بإرسال بلاغ نهائي للروسيا فقبلت الدول وأظهرت الروسيا الميل للصلح وكانت تطلبه هي أيضاً وتقرر عقد مؤتمر في باريس وعينت الدولة العلية وفرانسا وانكلترة وأوستراليا وساردينيا والروسيا وبروسيا مرخصين من قبلهم واجتمعوا في باريس للمذاكرة في شرائط الصلح على القواعد الأساسية التي كان حصل التكلم فيها في مؤتمر ويانة قبل ذلك وبعد المذاكرة طويلاً أمضيت شروطه النهائية 24 رجب سنة 1272-30مارس سنة1856 م وكانت تشتمل على بند أهمها

أن الدولة العلية يكون لها الامتيازات التي لباقي دول أوروبا من جهة القوانين والتنظيمات السياسية وتكون مستقلة في ممالكها كغيرها من الدول ولا يجوز للسفن الحربية الدخول بالبحر الأسود أصلاً ما عدا الدولة العثمانية والروسية فإن لهما الحق في أن يكون لهما بعض السفن الحربية للمحافظة على ثغورهما هنا ولا يجوز للدولة العثمانية ولا للروسيا إنشاء دور صناعات حربية على شواطىء البحر المذكور.

وأن يشكل قومسيون مختلط لتأمين السفن التجارية في نهر الطونة.

وأن تكون ايالات الافلاق وبغدان والصرب ذات استقلال داخلي كما كانت سابقاً.

وأن يكون للدول الموقعة على هذه المعاهدة حق المشاركة في الرأي في انتخاب وتعيين أمراء هذه البلاد وبعد ذلك انسحبت الجيوش في مدّة عينها المؤتمر وعادت إلى بلادها وانتهت هذه الحروب التي لا داعي لها أصلاً سوى المطامع والأغراض الذاتية.

حادثة الشام :

إنه في سنة 1276هـ-1860م قامت ببلاد الشام ثورة هائلة بين طائفة الموارنة من نصارى لبنان وبين الدروز كانت رديئة العاقبة على المسيحيين وإن كانوا أكثر من أخصامهم عدداً ونفوذا إلا أنه بسبب تخاذلهم وعدم تبصرهم وانقيادهم إلى الدسائس الأجنبية التي لا تحمد عقباها فتك الدروز بهم خصوصاً في واقعتين حصلتا ببلدة حاصبيا وراشيا ثم امتدت الفتنة إلى زحلة ولولا ما أظهره سكانها من الشجاعة لفتك الدروز بهم.

وأوقع الدروز أيضاً بالنصارى في عدّة مواقع أخرى واتهم عثمان بك قائم مقام حصبياً وأحمد باشا وإلى دمشق بمساعدة الدروز ولما اشتدت وطأة المسألة تداخلت الدول الأوروباوية وعرضت فرانسا استعدادها لارسال جيوشها إلى بلاد الشام لتسكين الفتنة وحماية النصارى فلم تقبل الدول في أول الأمر خصوصاً انكلترة ثم أرسلت جميع الدول على يد سفرائها إلى الباب العالي بلاغات فاجتمع الوزراء تحت رياسة فؤاد باشا ناظر الخارجية وبعد المذاكرة طويلاً تقرر لزوم تسيير قوة عسكرية لإخماد الثورة بالديار الشامية.

وسافرت تلك القوة سريعاً تحت قيادة فؤاد باشا وكانت مؤلفة من سبعة آلاف جندي إلى بيروت لإخماد الفتنة فوصلها في يوم 28 من سنة 1276 ثم قصد دمشق وهناك عقد مجلساً حربياً من أمراء الجيش وحاكم رؤساء الفتنة وقتل كثيرين منهم وقتل أيضاً والي دمشق المرحوم أحمد باشا لأنهم اتهموه بمساعدة الدروز على المسيحيين وإهمال أوامر الدولة مرة واحدة ورد في بعض الأوراق العثمانية أن أحمد باشا كان بريئاً لأنه قبل حدوث الواقعة بأربعة شهور كان بالشام أربعة طوابير من الجنود وصدر له أمر السر عسكر وقتئذ رضا باشا بإرسالها إلى الروم ايلي فعرض أحمد باشا ملحوظاته للسر عسكرية.والما بين الهمايوني بعدم جواز تقليل القوّة من الشام نظراً لثورة الأفكار بها ولما لم يجب طلبه طلب الاستقالة فلم يقبل منه أيضاً ويقال إن قتله كان لما يحقده عليه فؤاد باشا لما بنيهما ما من النفور منذ كانا سوية في بكرش والله أعلم بالحقائق.

هذا أما تواريخ أوروبا فإنها تتهم الباشا المذكورة تلقي عليه مسؤلية عظمى ومع ذلك فإنه يقتل الوالي المذكور وغيره من رؤساء الفتنة لمن تقنع دول أوروبا بالاختلاف غاياتها وتعدد مقاصدها بل اتفقوا على أن ترسل دولة فرانسا إلى الشام قوة عسكرية لمساعدة الجيش العثماني فتوقف السلطان في أول الأمر لكنه لما رأى إجماعهم على ذلك عاد فقبل وكانت القوة الفرنساوية التي أرسلت تبلغ عشرة آلاف جندي تحت قيادة الجنرال دوبول وكان القصد منها منع التعدي الحاصل على طائفة الموارنة من الدروز.

ولما نزلت في بيروت وجدت الأحوال ساكنة فلم تبد أقل حركة وأرسل أيضاً بعض الدول مراكب حربية إلى بيروت وأرسلت الدولة أيضاً عمارة حربية جعلت قيادتها لأحمد باشا القيصرية لي ثم عينت الدول الأوروباوية العظمى مندوبين عنها فاجتمعوا ببيروت تحت رياسة فؤاد باشا ولمهارة هذا الوزير في أساليب السياسة أوجد الخلاف بينهم حتى صار يقودهم إلى حيث شاء متى شاء وبعد المذاكرة طويلاً وضعوا لجبل لبنان نظامات جديدة وجعل فيها حكومة ممتازة حاكمها مسيحي المذهب يتخابر مع الباب العالي رأساً وبعد أن صدقت الدولة على ذلك وجهت المتصرفية لداود باشا وهو أرمني واستمر الاحتلال الفرنساوي إلى 5 يونيه سنة 1861م الموافق لأواسط شوال سنة 1277 وبعد ذلك انسحبت الجيوش الفرنساوية من أراضي الدولة بعد أن تظاهرت بحماية الموارنة من تعديات الدروز.

وفاته:

وفي تلك الأثناء انتقل السلطان المرحوم الغا ي عبد المجيد خان إلى رحمة الله بعد مرض لم ينفع فيه علاج وكان ذلك يوم الثلاثاء 17 القعدة سنة 1277-27 مايو سنة 1861م ودفن في قبره الذي أعده لنفسه حال حياته بجوار جامع السلطان سليم.

وكان رحمه الله من أجل السلاطين قدراً محباً للاصلاح نشر أوامر العدالة الشهيرة المسماة بالتنظيمات الخيرية تثبت بها العدل في المملكة العثمانية وأدخل إصلاحات جمة في الجيوش عاد بها مجد الدولة وترقت في أيامه العلوم والمعارف واتسعت دائرة التجارة وشيد كثيراً من المباني الفاخرة والقصور المزخرفة ومن مآثره تجديد بناء المسجد النبوي بالمدينة المنوّرة 1271 وكان كما بناه السلطان قايتباي وجعل سقوفه قبباً من الحجر كالمسجد الحرام وتمت عمارته في أربع سنوات وشيد عمارات كثيرة أيضاً بالحرمين الشريفين وجدد كذلك ميزاب الكعبة المشرفة 1275هـ .

السلطان عبد العزيز خان ابن السلطان محمود خان الثاني 1277-1293هـ:

لما صعد السلطان عبد العزيز خان على كرسي الخلافة وجد الدولة في حاجة إلى إتمام الاصلاحات التي سعى أخوه بهمة في إدخالها بالإدارات الملكية والعسكرية بأنواعها والتي كان توقف سيرها بالنسبة لحرب القريم خصوصاً وغيره من المشاكل العديدة التي منيت بها هذه الدولة منذ تداخل الأجانب في أعمالها وبعد أن تقلد السيف يوم الخميس في الثامن عشر من شهر ذي القعدة بجامع سيدي أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه كما جرت به العادة أبقى الوزراء في مناصبهم ما عدا السر عسكر رضا باشا فإنه عزله وعين بدله نامق باشا ثم أصدر فرماناً إلى الصدر محمد أمين عالي باشا الذي خلف قبرصلي محمد باشا مظهراً حسن قصده ومزيد رغبته في متابعة السير بالجدّ والاجتهاد لتنفيذ الاصلاحات الضرورية لترقية حال الدولة وإيجاد المساواة بين جميع أفراد الرعايا بلا تمييز.

وأسس في 6محرم من سنة 1278مجلس الاحكام العدلية وعين لرياسته الوزير الشهير محمد فؤاد باشا وجعله ثلاثة أقسام.:

أحدها : الإدارة الأمور الملكية.

والثاني : لسن القوانين والنظامات.

والثالث : للمحاكمات وكان لاهتمامه بذلك يحضر بنفسه في آخر كل سنة إلى الباب العالي ليبتلي في حضرته ملخص الاجراءات والأعمال التي قام بها المجلس المذكور مدّة السنة الماضية.

وبقي هذا المجلس يسير في أعماله إلى 8 ذي الحجة من سنة 1284 حيث صدر الأمر السلطاني بإلغائه وتعويضه بمجلسين آخرين يشكلان على نظاماته الأساسية وهما شورى الدولة وديوان الأحكام العدلية وقد نجح هذان المجلسان في أعمالهما حتى أنه لما أصدرت الدولة نظاماته منه سنتي 1281و 1287 وحدّدت فيهما وظائف جميع المأمورين من الولاة إلى صغار لخدمة اتضح أن بعض الذين تعودوا السير على طريقة التنظيمات الخيرية القديمة لم يقابلوا ذلك بالارتياح لأن التنظيمات الجديدة قيدت حركات المأمورين وغلت أيدي مطامعهم وكبحت شهواتهم فأصدر لذلك فرماناً بمحاكمة كل من يقاوم تلك التنظيمات ولهذا حاكموا عدّة من كبار الحكام مثل خسرو باشا وعاكف باشا وطاهر باشا ونافذ باشا وحسيب باشا جزاء لهم على ما صدر منهم وعبرة لغيرهم وبذلك ظهر للعموم حب السلطان للعدل والإصلاح.

واهتم السلطان أيضاً بإصلاح الأحوال المالية إذ بها قوام الدولة فأصدر فرماناً سنة إلى الصدر الأعظم محمد فؤاد باشا الذي خلف محمد أمين عالي باشا الذي وجهت إليه نظارة الخارجية بعمل ميزانية مضبوطة للمالية عن سنتي 1277و1278 وبعد ذلك صدر قرار من الدولة بإلغاء القوائم المالية وهي أوراق تتداول كالنقود كانت أصدرتها المالية في عهد المرحوم الغازي عبد المجيد دخان للعسر المالي الذي كانت وقعت فيه واقترضت الدولة لذلك ثمانية ملايين من الليرات فسوت جميع ديونها وألغت القوائم في نحو الشهرين وأصبحت المعاملة في كافة الولايات بالنقود وانتظمت أحوال المالية.










رد مع اقتباس
 

الكلمات الدلالية (Tags)
الاسلامي, التاريخ


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 00:32

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2024 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc