حق الزوجة في النفقة بين الشريعة و القانون
الفصل الأول: ماهية النفقة الزوجية
قبل أن نخوض في ماهية النفقة الزوجية علينا في بادئ الأمر أن نتعرض لمفهوم النفقة بصفة عامة فهي تعني في اللغة الإخراج و الذهاب, فيقال نفقت الدابة إذا خرجت من ملك صاحبها بالبيع, و المصدر النفوق كالدخول و النفقة اسم مصدر و جمعها نفقات, و اصطلاحا هي ما يصرفه الزوج على زوجته و على أولاده و أقاربه من طعام و كسوة و سكن و كل ما يلزم للمعيشة بحسب المتعارف بين الناس, و حسب وسع الزوج ( ).
و من هنا يفرض المشرع الجزائري على الزوج النفقة حسب وسعه للزوجة و الأولاد, و قد نظمها في المواد: 37 ف1, 74, 78, 79, 80 من قانون الأسرة المعدل و المتمم.
أما في حالة عجز الزوج تجب نفقة الأولاد على الأم إذا كانت قادرة على ذلك حسب نص المادة 76 من قانون الأسرة المعدل و المتمم.
كما يوجب نفقة الأصول على الفروع, و نفقة الفروع على الأصول حسب القدرة و الاحتياج, و درجة القرابة في الإرث حسب نص المادة 77 من قانون الأسرة. و من خلال هذه النصوص الموجبة للنفقة الشرعية يتضح أن هناك سببين لذلك:
و هما الزواج ( ) و القرابة و بما أن موضوع بحثنا يقتصر على النفقة الزوجية كأثر من آثار عقد الزواج, و عليه فإننا سنتعرض في هذا الفصل الأول إلى:
1-وضع تعريف للنفقة الزوجية في الاصطلاح الشرعي ثم معرفة موقف المشرع الجزائري و كيف عرفها, و كذلك نتناول حكم النفقة الزوجية.
2- مشتملات النفقة الزوجية
المبحث الأول: تعريف النفقة الزوجية و حكمها
المطلب الأول: تعريفها
الفرع الأول: اصطلاحا شرعيا
يعرف جمهور الفقهاء النفقة الزوجية على أنها الإدرار على الشيء بما به بقاؤه, من طعام و كسوة و مسكن و قد خصها عرفهم باسم " الطعام" فقالوا تجب للزوجة على زوجها النفقة و الكسوة و السكن و العطف يقتضي المغايرة ( ). و عليه فالنفقة الزوجية في اصطلاح الفقهاء هي " كل ما يخرجه الزوج و يقدمه لزوجته في شكل أدوات إشباع حاجة مادية أو معنوية" ( ) و هي بالمعنى العام إخراج جزء من ماله لصالح زوجته.
الفرع الثاني: موقف المشرع الجزائري
عرفها المشرع الجزائري في المادة 78 من قانون الأسرة حيث جاء فيها " تشمل النفقة: الغذاء و الكسوة و العلاج و السكن و أجرته و ما يعتبر من الضروريات في العرف و العادة". و من خال هذا النص يتضح أنه تم تعريفها وفقا لمشتملاتها من غذاء و كسوة و علاج و سكن أو أجرته و ما يعتبر من الضروريات أو ما يلزم للمعيشة بحسب المتعارف بين الناس و ف ذلك اقتداء بالأئمة الأربعة, و هو ما ذهب إليه في نص المادة 37 ف1 من قانون الأسرة " يجب على الزوج: النفقة الشرعية حسب وسعه إلا إذا أثبت نشوزها". غير أن المشرع الجزائري أضاف إلى ما تشمله النفقة عندهم نفقة العلاج و جعلها في المرتبة الثالثة نظرا لأهميتها, و قدمها على نفقة السكن أو أجرته عندما يتعذر توفره.
أما عن نفقة ما يعتبر من الضروريات حسب العرف و العادة فقد أحسن المشرع فعلا عندما فرض مثل هذه النفقة لأن: أحوال الطرفين أي الزوج و الزوجة و ظروف المعاش في تطور و تغير, و كذلك عندما قيد هذا الحق بأن جعله مقيدا بالعرف و العادة أي بحسب ما تعارف و اعتاد عليه الناس في حياتهم و كان لازما لهم و هذا الأمر يختلف باختلاف المكان و الزمان.
المطلب الثاني: حكم النفقة الزوجية
ثبت شرعا و قانونا أن النفقة الزوجية هي واجب على الزوج, و ليس ذلك تفضلا أو تكرما منه و ذلك متى كانت الزوجة مستحقة للنفقة. و عليه نتناول في فرع أول: أدلة الوجوب شرعا و قانونا و في فرع ثان سبب هذا الوجوب.
الفرع الأول: أدلة الوجوب
أ- شرعا
1-من الكتاب:
إن أساس ثبوت حق النفقة للزوجة على زوجها هو النص القرآني الذي جعل عقد الزواج الصحيح و ما ينشأ عنه من المعيشة المشتركة بين الزوجين تبادلا للحقوق و الواجبات بينهما, فالزوجة تستحق النفقة كواجب على الزوج إذا أدت واجباتها الزوجية كاملة مصداقا لقوله تعالى:" و على المولود له رزقهن و كسوتهن بالمعروف"( ), و المولود له هو الأب و ضمير رزقهن يعود إلى الزوجات أو المطلقات,و كذلك قوله تعالى:" أسكنوهن من حيث....."( ) و ما يستبدل من ذلك أن القدرة على السعي و الأمر بالإسكان فيه أمر بالإنفاق لأن الزوجة لا تستطيع النفقة إلا بالخروج و الاكتساب نظير احتباسها في منزل الزوجية.
إضافة إلى قوله تعالى:" لينفق ذو سعة من سعته" و هذا أيضا أمر بالإنفاق, و ما يدل على الوجوب و عليه فالنفقة واجبة لزوجة سواء كانت مسلمة أو غير مسلمة غنية أو فقيرة.
2-من السنة:
و لقد دلت السنة النبوية الشريفة على وجوب النفقة الزوجية, و على أنها حق للمرأة على زوجها متى توافرت شروط وجوبها إذ جاء في رواية أبي داود و مسلم من حديث جابر في خطبته عليه الصلاة و السلام في حجة الوداع: " و لهن عليكم رزقهن و كسوتهن بالمعروف".
و كذلك ما روي أن رجلا جاء إلى الرسول الكريم – صلى الله عليه و سلم- فقال:" ما حق المرأة على الزوج", فقال - صلى الله عليه و سلم- :" يطعمها إذا طعم و يكسوها إذا كسي" الحديث ( ), و هنا يظهر جليا أن على الزوج نفقة الغذاء و الكسوة لزوجته بالمعروف أي حسب وسعه و قدرته.
كما جاء في حديث رسول الله – صلى الله عليه و سلم- أيضا أن هندا زوجة أبي سفيان اشتكت زوجها له فقال لها :" خذي من ماله ما يكفيك و ولدك بالمعروف", و هذا يعني أنه كان شحيحا لا ينفق و أخذها من ماله لا يعتبر سرقة إذ الحصول على الحق لا يعد تجاوزا أو عملا غير مشروع, ما دام أقره الرسول – صلى الله عليه و سلم- باعتباره سيد الخلق.
3-من الإجماع:
فقد أجمع المسلمون منذ عصر النبي – صلى الله عليه و سلم- إلى عصرنا هذا على أن النفقة و الكسوة واجبتان للزوجة على زوجها سواء كان الزوج موسرا أو معسرا رغم أن هناك من خرج على هذا الإجماع و هو الفقيه ابن حزم إذ قال أنه يجب على الزوجة أن تنفق هي على زوجها إذا أعسر و كنت هي موسرة و ذات مال كف لإعالتها و إعالة زوجها و أولادها( )
4-من القياس:
من القواعد العامة أن من حبس لحق غيره فنفقته واجبة عليه فالموظف حبس نفسه لخدمة الدولة فحق له أن ينال ما يكفيه و أهله ( ) و ما دامت الزوجة قد تفرغت للواجبات الزوجية كان من الواجب عليه أن يقوم بنفقتها, فمن كان محبوسا بحق شخص كانت نفقته عليه لعدم تفرغه لحاجة نفسه.
ب- في التشريع الجزائري
نص المشرع الجزائري في المادتين 37 و 37 من قانون الأسرة في تنظيم حقوق الزوجة و حصرها في حقوق مالية و أخرى ليست كذلك, و في مقدمة هذه الحقوق المالية حق النفقة الشرعية التي تخص موضوع بحثنا لذلك نكتفي بها و نظرا لأهميتها و حرصا من المشرع و رغبة منه في تبادل الحقوق بين مصالح الزوجين كطرفين لهذه العلاقة المقدسة و ما يترتب عليها من آثار, فقد نص عليها في الباب الرابع تحت عنوان النفقة الشرعية من قانون الأسرة خاصة في المواد التالية: 80, 79, 78, 74.
إذ جاء في المادة 74 ما يلي:" تجب نفقة الزوجة على زوجها بالدخول بها أو دعوتها إليه بنية مع مراعاة أحكام المواد 80, 79, 78 من هذا القانون".
و إذا كان المشرع قد أوجبها في المادة 74 ق أ فإنه في المواد 78, 79, 80 بين كيفية تقديرها و متى تراجع و كذلك عن تاريخ استحقاقها, كما أنه بعدما أوجب هذا الحق, كفله بضمانات قانونية لحماية إذا أعطى الزوج الحق زوجها بالنفقة في حالة امتناعه عن الإنفاق, و إذا ما تمادى الزوج في امتناعه أمكن الزوجة أن تتابعه جزائيا بجريمة الامتناع عن تسديد النفقة المقررة قضاء حسب ما نصت عليه المادة 331 من قانون العقوبات.
كما أنه يمكنها أن تطلب التطليق من القاضي لعدم الإنفاق حسب نص المادة 33 ف1 ق أ متى اقتنع القاضي بذلك و قد وأقر القضاء هذا الحق في عدة قرارات و أحكام قضائية ( ).
الفرع الثاني: سبب الوجوب
النفقة واجبة على الزوج لقاء احتباسه للزوجة عن الزواج بغيره ما دامت لحق الزوجية, كالإشراف على تربية الأولاد و القيام بواجباتها و غير ذلك, فوجب أن تكون نفقتها على الزوج( ). لكن مسألة الاحتباس هذه أثارت عدة إشكالات فقد فهم بعض رجال القانون أن احتباس الزوجة معناه السجن المنزلي بحيث لو خرجت من المنزل إلى المستشفى للعلاج سقطت نفقتها.
كما يرى البعض الآخر أن احتباس الزوجة معناه أن تكون بمثابة خادمة لشؤون البيت غير أن هذا الفهم غير صحيح بما أراده الفقهاء منن حكمة الاحتباس.
يرى جمهور الفقهاء أن النفقة الزوجية واجبة على الزوج تجاه زوجته لقاء احتباسها أو استعدادها للاحتباس و يقصد بالاحتباس عندهم هو أن تسلم الزوجة نفسها لزوجها أي أن تخلي بين نفسها و زوجها برفع المانع من وطئها و الاستمتاع بها.
و إن كان جمهور الفقهاء و من بينهم الإمام مالك و الشافعية و الحنابلة و الحنفية قد اتفقوا على ما سبق إلا أن هناك بعض المتأخرين من الحنفية يرون أنه لا نفقة لها حتى تزف إلى منزل الزوج و هو رواية عن أبي يوسف( ) و من هذا الإطار يرى الدكتور توفيق فرج أن سبب ثبوت النفقة الزوجية في كتاب أحكام الأحوال الشخصية لغير المسلمين ص 811:" و لكي تستحق الزوجة النفقة على زوجها يتعين أن تكون محتبسة أو مستعدة للاحتباس من أجله في منزل الزوجية حتى تستطيع استيفاء حقوقها كاملة, متى شاء فإذا فوتت عليه حقه في الاحتباس لا تستحق النفقة لعدم تحقق سبب وجوبها و هو الاحتباس المقتضى إلى المقصود بالزواج و على هذا إذا تركت الزوجة منزل الزوجية دون مسوغ شرعي فإنها تفوت على الزوج حقه في احتباسها و بالتالي تسقط نفقتها".
و يقول الدكتور أحمد سلامة بالنسبة لغير المسلمين أيضا في كتابه الأحوال الشخصية لغير المسلمين ص 282:" الأصل العام في النفقة هو وجوب قيام الزوج بالإنفاق على زوجته و ينشأ هذا الوجوب من حين العقد الصحيح أي منذ التكليل لا عبرة بانتقال الزوجة إلى منزل الزوجية ما دام زوجها موافقها و يتوقف الالتزام بالإنفاق على الاحتباس أي على قيام الزوجة بواجب المساكنة تطبيقا للقاعدة القائلة بأن من كان محبوسا بحق مقصود لغيره كانت نفقته عليه أما إذا تركت الزوجة دون مسوغ شرعي فإن حقها في النفقة يسقط".
و لقد اقتدى المشرع الجزائري في ما ذهب إليه جمهور الفقهاء بأن النفقة واجبة على الزوج ما دامت الزوجة محتبسة أو مستعدة للاحتباس أي أن تكون قاصرة نفسها على زوجها أي لا يمكنها التزوج بغيره بعد العقد عليها بمعنى هنا أنه لزوجة حق النفقة إذا تم الدخول بها إلى بيت الزوجية أما الزوجة المعقود عليها فقط فلا نفقة لها على زوجها إلا في حالة واحدة و هي الحالة التي يتم فيها العقد بصفة رسمية صحيحة و يتباطأ الزوج بها لسبب غير معروف أو غير مشروع و تطلبه الزوجة بشكل واضح و ثابت لأن الزوجة التي تنفق مع الزوج مباشرة أو عن طريق الوسطاء من الأقارب على أن يكون الدخول بها و زفافها في بيت الزوجية في تاريخ محدد أو في موسم معلوم أو فصل معين من فصول السنة ثم ينقضي هذا الأجل و تمضي عدة شهور مثلا و لا يتم الزفاف أو الدخول ثم تدعو الزوجة زوجها إلى الوفاء بما وقع الاتفاق عليه فلا يفعل فإن نفقة الزوجة تصبح واجبة على زوجها حتما و للمحكمة أن تقضي لها بها إذا طلبها و قدمت بيانات و أدلة تدعيم طلبها و قد يكون الامتناع من طرف الزوجة فإن كان بعذر فإن رفضت الانتقال إلى بيت الزوجية حتى إبقاء حقها في المهر مثلا أو كأن رفضت دخول زوجها عليها في منزل تملكه من أجل أن يحولها إلى مسكنه أو يؤجر لها مسكنا فيها تجب النفقة الزوجية أما إذا كان الامتناع بغير حق فهذا ستسقط النفقة لاعتبارها ناشزا ( ) و نخلص في الأخير أن الشريعة الإسلامية.
و كذا المشرع الجزائري أوجبا النفقة على الزوج دون الزوجة بسبب تفرغ الزوجة لزوجها بناء على عقد الزواج الصحيح تمكين الزوجة من استنفاذ الغرض المقصود للزواج و استعداد الزوجة في الدخول في طاعة زوجها و عدم امتناعها من الانتقال إلى المسكن الزوجي و الاستقرار به فإذا لم يتحقق فلا تستحق الزوجة ذلك إلا إذا كان الامتناع بحق.
و لقد ذهب القضاء إلى التأكيد على أن النفقة الزوجية تجب نظير أو بسبب الدخول الحقيقي أو الحكمي ما دامت الزوجة قد اقتصرت نفسها إلى زوجها بأن تتزوج غيره( ).
المبحث الثاني: مشتملات النفقة الزوجية
تشمل النفقة الزوجية حسب ما نص عليه المشرع الجزائري في نص المادة 78 من قانون الأسرة " تشمل النفقة: الغذاء و الكسوة و العلاج و السكن أو أجرته و ما يعتبر من الضروريات في العرف و العادة".
نفقة الغذاء, اللباس و نفقة العلاج أو المعالجة الطبية بما فيها ثمن الدواء و إن كان هذا النص واضحا إلا أنه يتطلب منا بعض من التحليل و التطرق كذلك لمسألة ما أوجبه المشرع الجزائري من نفقة معينة و لم توجبه الشريعة الإسلامية إلا مع بعض الشروط و أدخله المشرع الجزائري في نفقة ما يعتبر من الضروريات حسب العرف و العادة و لم يحصره في أمور معينة و إن كان قيده و ام على القاضي إلا أن يضع أمام عينيه كل هذه العناصر مجتمعة في تقديره لمبلغ النفقة المطلوبة و عليه نتناول هذه النفقات حسب أهميتها في ما يلي:
المطلب الأول: نفقة الغذاء, اللباس و العلاج:
تعتبر هذه النفقات من أهمها درجة و لهذا الاعتبار فقد أوردها المشرع الجزائري في قائمة ما تشمله النفقة إذ تعتبر من أساسيات الحياة فعلى الزوج أن يوفرها لزوجته بقدر وسعه و حسب المعروف مقابل ما يستفيه من حقه في الاستمتاع بها و الواجبات الزوجية التي تلقى على عاتقها, فكيف للزوج لا يوفر لزوجته ما تقتاته و ما تستر حالها به من لباس و لا يعالجها و يريدها أ ن تكون صالحة للقيام بواجباتها على أكمل وجه؟ و بالتالي فإن صلاحيتها و استعدادها للقيام بالتزاماتها يتوفر بحصولها عل النفقة الغذاء و اللباس و العلاج و ذلك حسب وسع الزوج.
و لقد ذهب المشرع الجزائري إلى ما ذهب إليه فقهاء الشريعة الإسلامية غير أن المشرع أضاف نوع نفقة العلاج و جعله في المرتبة الثالثة بقدر أهمية الغذاء و اللباس و من بين تلك الآراء الفقهية الشافعية و رأي الحنبلية و بعض المالكيين الذين قالوا سقوط حق الزوجة في نفقة العلاج من اشتد بها المرض إلى درجة إعدام صلاحيتها للقيام بالواجبات الزوجية و حسن الأداء و ما يفهم من ذلك تجب عليه نفقة علاج زوجته متى كان المرض بسيطا لا يعيق أداءها لواجباتها الزوجية و هو كذلك من نقل عن الإمامية.
و في خروج المشرع عن هذه الآراء في تقرير نفقة العلاج يكون بذلك قد ساير متطلبات العصر الحالي و ازدياد الحاجة للعلاج و سعته في الملول فلم يقتصر على محاربة المرض الحال بالشخص و إنما امتد إلى الرعاية الطبية في حالة الحمل و بعده و عند عدم وجود إضافة مكافحة المرض الذي تصاب به الزوجة فتجب نفقتها على زوجها شواء كان المرض شديدا لا يتحقق معه مقصود الزواج, و إن كان خفيفا فمن واجب حسن المعاشرة أن يعالج زوجته و لا يتخلى عنها لقوله –صلى الله عليه و سلم-:" استوف في النساء خيرا فإنهن عوان عندكم".
المطلب الثاني: نفقة السكن و أجرته
نص المشرع الجزائري على نفقة السكن في المادة 78 قانون الأسرة في المرتبة الرابعة, بعد كل من نفقة الغذاء, اللباس و العلاج "نفقة السكن أو أجرته" كما نص في المادة 37ف1 ق أ على " تجب على الزوج النفقة الشرعية" و عليه يقصد المشرع بنفقة السكن أو أجرته, السكن الشرعي و في ذلك إحالة إلى أحكام الشريعة الإسلامية حسب نص المادة 222 م قانون الأسرة الجزائري( ) إذ يقصد بشرعية السكن للزوجة توفر الشروط التالية:
أولا: أن يكون المسكن لائقا بحال الزوجين, مشتملا على المنافع الضرورية اللازمة للأسرة بحسب حالة الزوج و مقدرته المالية: و عليه فقد يكون قصرا أو فيلا أو شقة أو حتى بيت به غرفة واحدة و ذلك حسب مقدور وسع الزوج على أن يكون لائقا متوفرا على الأثاث و الأدوات و المرافق اللازمة للإقامة و السكن و هذا ماذهب إليه جمهور الفقهاء.
ثانيا: أن يكون المسكن خاصا بالزوجين دون غيرهما من أهله و ولده باستثناء ولده من غيره غير مميز معها قد يؤلمها و يضايقها معنى هذا أن لا يكون المسكن مشغولا بغيرهما سواء كان قريبا من الزوج أو الزوجة باستثناء ولده من غيرها الذي لم يبلغ سن التمييز و ذلك لكي تحقق حرية الزوجة الكاملة دون مضايقات و منازعات و هذا ما اتفق عليه جمهور الفقهاء أما عن مسألة إسكان أهله في مسكن الزوجية فقالوا أنه طلبت إن الزوجة خروجها عن أهله يمكن للزوج أن يسكن زوجته يفتح و يغلق وحده إلى جانب بيت لأهله و إن كانا متجاورين غير أن القضاء الجزائري خرج عن هذا فقال أنه من حق الزوجة أن تطلب من زوجها إسكانها منفردة و مستقلة عن أهله حتى و إن لم تكن طالبت به عند إبرام عقد الزواج و كذلك إن سبق بها أن سكنت مع أهله وأقاربه اشتكت بسبب ضرر لحق بها منهم( ).
و يقصد أيضا بالغير الضرة لأن اجتماعهما في بيت واحد فيه إخلال بشرعة السكن في حد ذاته و هذا ما ذهبت إليه الحنفية و الشافعية و الحنابلة و المذهب المالكي.
ثالثا: أن يكون المسكن بين جيران حتى تأمن الزوجة على نفسها و على مالها إن كان لها مال و يعتبر وجود ضرتها في مسكن مجاور لها إخلال بشرعية السكن إذا كانت تتأذى من وجودها فإنه إذا طلبت إحداهن بيتا على حدة فلها ذلك لأن في اجتماعهما في بيت واحد فيه ضرر بهما و الزوج مأمور بإزالة الضرر عن المرأة إلا إذا رضيت أن يسكنا في بيت واحد( ) و هذا ما ذهب إليه القضاء على أن إسكان الزوجة بعيدة عن أقارب زوجها حق من حقوقها و إن تمادى الزوج في رفض توفيره لها لا يجوز له الشرع إجبارها على العودة إلى السكن الذي يسكنه أقاربه و خاصة مع الضرة و لم تثبت الضرر لها بمشاجرة و نحوها( ).
المطلب الثالث: ما يعتبر من الضروريات عرفا و عادة
و يقصد به المشرع أنه للزوجة نفقة ما يعتبر من الضروريات عند النساء بني قومها من عائلة أبيها كأختها و ابنة أخيها و مثيلاتها مما اعتدن و تعارفن عليه في حياتهن و هذه النفقة تختلف من مكان إلى آخر فما يكون ضروريا في بلد ما لا يعتبر كذلك في بلد آخر و ما يعتر ضروريا في زمن ما لا يعد كذلك في زمن لاحق, و أحسن بذلك المشرع في إيراد هذا النوع من النفقة إلى ما سبق ذكره لأن كل شيء في تطور و تغير فما يصلح اليوم قد لا يصلح غدا و العكس, و ما يلاحظ أن المشرع لم يحصرها لكنه قيد هذا النوع من النفقة بالعرف و العادة حتى لا يكون هناك مبالغة أو إجحاف بين مصالح الزوجين و من أمثلة ذلك إذا اعتاد بني قومها قضاء العطلة في بلد ما فلها ذلك, و كذلك إذا تعارفن على وجود من يخدمهن فكان أن يوفر لها خادما و لكن حسب وسعه أي إذا كان قادرا على ذلك و في هذا الإطار فقد أوجب بعض الفقهاء نفقة أخرى تدعى نفقة الخادم.
• نفقة الخادم:
يرى الفقه أن نفقة الخادم على الزوج لأنه من كفاية الزوجية ما دام قادرا على ذلك و الخادم من تمام الكفاية ( ) إذ لا تفرض إلا لخادم واحد عند أبي حنيفة و محمد أما أبو يوسف فقد رأي أنها تجب عليه أجرة خادمين أحدهما لخدم المصالح الخارجية للبيت و الآخر للداخلية منها و أكثر بحسب حالة الزوج و يساره في رواية أخرى أما إذا كان الزوج معسرا فلا تجب عليه نفقة الخادم و مهما بلغ في الإيسار أو الإعسار فالقول للزوج ما دام هو الأصل و على الزوجة أن تقيم البينة( ).
نخلص في الأخير أن المشرع قد رتب مشتملات النفقة حسب أهميتها من نفقة غذاء و كسوة و علاج و مسكن أو أجرته إافة إلى ما يعتبر من الإحتياجات اللازمة حسب العرف و العادة, و أحسن بذلك حينما وضع هذه النفقة و لم يحصرها في أمور معينة و كذلك أنه قيدها بما تعارف و اعتاد عليه الناس في حياتهم.