السؤال:
ما هي حدودُ رؤية الخاطب لِمخطوبته؟ وهل يجوز له أن يتَّصلَ بها هاتفيًّا؟ وإذا عُقِد مجلسُ الرؤية فهل له أن يجلس معها مِن غيرِ خلوةٍ أي: مع ذي مَحْرَمٍ؟ وهل له بعد تمام العقد أن يُلْبسها خاتمَ الخِطْبة؟ أَفْتونا مأجورين.
الجواب:
الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على مَن أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:
فقَدْ شَرَعَ اللهُ سبحانه للخاطِب أن يرى مِن المرأةِ قبل الزواج ما يَدْعوه إلى نكاحها إن استطاع إلى ذلك سبيلًا لقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «انْظُرْ إِلَيْهَا؛ فَإِنَّهُ أَحْرَى أَنْ يُؤْدَمَ بَيْنَكُمَا»(١)، ولقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «إِذَا خَطَبَ أَحَدُكُمُ المَرْأَةَ فَإِنِ اسْتَطَاعَ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى مَا يَدْعُوهُ إِلَى نِكَاحِهَا فَلْيَفْعَلْ»(٢)، وفي حديثِ مسلمٍ: أنَّ رجلًا ذَكَرَ لرسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أنَّه خَطَبَ امرأةً فَقَالَ لَهُ صلَّى الله عليه وسلَّم: «أَنَظَرْتَ إِلَيْهَا؟» قَالَ: «لَا»، قَالَ: «فَاذْهَبْ فَانْظُرْ إِلَيْهَا؛ فَإِنَّ فِي أَعْيُنِ الأَنْصَارِ شَيْئًا»(٣)، والحكمةُ مِن مشروعيته قبل الزواج تكمن في أنَّ النظرَ يكون أَقْرَبَ إلى التوفيق في الاختيار وأَسْلَمَ للعاقبة.
أمَّا المكالَمَات الهاتفيةُ مع المخطوبة فإن كانت ضِمْنَ الاتِّفاق على مسائلِ عَقْدِ الزواج لإعدادِ عُدَّتِه بعد الاستجابة له فلا مانِعَ إن كان بقَدْرِ الحاجة بشرطِ أَمْنِ الفتنة، والأَوْلَى أن يتمَّ أَمْرُها عن طريق وليِّها؛ لأنه أَحْوَطُ لها وأبعدُ عن الشكِّ والرِّيبة.
أمَّا المكالَمات الهاتفية في غيرِ المعنى السابق بل في إطار التعارف والتقارب فهذا ممنوعٌ شرعًا؛ إذ الأصلُ في المرأة أن لا تُسْمِعَ صوتَها للرجل الأجنبيِّ إلَّا للحاجة وبالكلام المعروف الذي فيه الحياءُ والحشمة تفاديًا للفتنة والريبة؛ لقوله تعالى: ﴿فَلَا تَخۡضَعۡنَ بِٱلۡقَوۡلِ فَيَطۡمَعَ ٱلَّذِي فِي قَلۡبِهِۦ مَرَضٞ وَقُلۡنَ قَوۡلٗا مَّعۡرُوفٗا ٣٢﴾ [الأحزاب]؛ لذلك فالمُحْرِمَةُ في الحجِّ والعُمْرةِ تُلَبِّي ولا ترفع صوتَها، وأَمَرَهَا الشرعُ أن تُصَفِّقَ ولا تُسبِّح في الصلاة؛ كلُّ ذلك اتِّقاءً للفتنة وتفاديًا للوقوع في المعصية.
كما لا يجوز للخاطب أن يجالِسَ مخطوبتَه أو يخرج معها ـ ولو مع وجودِ مَحْرَمٍ لها ـ لمكانِ إثارةِ الشهوة غالبًا، وإثارةُ الشهوةِ على غيرِ الزوجة أو المملوكةِ حرامٌ؛ لأنَّه يؤدِّي إلى المعصية، و«مَا أَفْضَى إِلَى حَرَامٍ فَحَرَامٌ».
أمَّا لُبْسُ خاتم الخِطبة، سواءٌ للخاطب أو المخطوبة فلا دليلَ يُقِرُّه في الشرع، بل هو مِن الأمور التي نُهِينَا أن نتشبَّه فيها بالنصارى أو اليهود؛ لذلك ينبغي تركُه وخاصَّةً إن كان مِن الذهب على الرجال؛ فيشتدُّ التحريمُ لنهيه صلَّى الله عليه وسلَّم عن التحلِّي بالذهب للرجال والتختُّمِ به.
والعلمُ عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على محمَّدٍ وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا.
الجزائر في: ٧ شعبان ١٤٢٤ﻫ
الموافق ﻟ: ١٤ أكتوبر ٢٠٠٢م
(١) أخرجه الترمذيُّ في «النكاح» بابُ ما جاء في النظر إلى المخطوبة (١٠٨٧)، والنسائيُّ في «النكاح» باب إباحةِ النظر قبل التزويج (٣٢٣٥)، وابن ماجه في «النكاح» باب النظر إلى المرأة إن أراد أن يتزوَّجها (١٨٦٥)، وأحمد في «مسنده» (١٨١٥٤)، مِن حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه. والحديث حسَّنه البغويُّ في «شرح السنَّة» (٥/ ١٤)، وصحَّحه ابن الملقِّن في «البدر المنير» (٧/ ٥٠٣)، والألبانيُّ في «السلسلة الصحيحة» (٩٦).
(٢) أخرجه أبو داود في «النكاح» بابٌ في الرجلِ ينظر إلى المرأة وهو يريد تزويجَها (٢٠٨٢)، والحاكم في «المستدرك» (٢٦٩٦)، وأحمد في «مسنده» (١٤٥٨٦)، مِن حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما. والحديث حسَّنه ابنُ حجرٍ في «الدراية» (٢/ ٢٢٦) وفي «فتح الباري» (٩/ ٨٧)، والألبانيُّ في «الإرواء» (١٧٩١) وفي «السلسلة الصحيحة» (٩٩).
(٣) أخرجه مسلمٌ في «النكاح» (١/ ٦٤٣) رقم: (١٤٢٤)، والنسائيُّ في «النكاح» باب: إذا استشار رجلٌ رجلًا في المرأة: هل يخبره بما يعلم؟ (٣٢٤٦)، وأحمد في «مسنده» (٧٨٤٢)، مِن حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
المصدر : موقع الشيخ فركوس حفظه الله.