أيها المرابطون في بيت المقدس وأكناف بيت المقدس: كرم الله الإنسان، وكرم بني آدم جميعا، فقال جل من قائل: (ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا) ~ [الإسراء: ٧٠].
أيها المسلمون، يا أبناء ديار الإسراء والمعراج: اختص الله الإنسان من بين خلقه ليكون خليفة له في الأرض، فقال -جل شأنه-: (إني جاعل في الأرض خليفة) ~ [البقرة: ٣٠]، واختص كل أبناء هذا الخليفة بأن خلقهم من ذكر وأنثى؛ (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم) ~ [الحجرات: ١٣].
نعم أيها المؤمنون، أيها المرابطون، الذين نحييكم من علياء هذا المنبر الشريف، على رباطكم وشد رحالكم إلى المسجد الأقصى، كلما دعاكم أو ناداكم المسجد الأقصى المبارك، فبالأمس القريب شددتم رحالكم، وفي هذا اليوم تشدون رحالكم، وفي الأيام المباركة القادمة، وهي أيام الخير والعطاء، أيام الكرامة، أيام العبادة من شهر رمضان المبارك، لا تخشون إلا الله -سبحانه وتعالى-، تلبون النداء، وتؤدون الواجب كما أمر الله -سبحانه وتعالى-.
أيها المسلمون، يا أبناء ديار الإسراء والمعراج: هذا الإنسان الذي اختاره الله خليفة في الأرض واختار نسله أن يكونوا من العادلين في أحكامهم، وفي تصرفاتهم، وفي تعاملاتهم، ماذا نرى اليوم؟ ولو أخذنا مثالا على ذلك، ما جرى لأهل هذه الديار المباركة، فمنذ النكبة الأولى عام ألف وتسعمائة وثمانية وأربعين، وإلى اليوم وأبناء هذا الشعب الكبير العظيم المبارك يتعرضون لأنواع التهجير، والاقتلاع والتغريب، ولا ينظر هذا العالم المنافق، هذا العالم الذي يقود الشر عنوانا لغطرسته، عنوانا لعنجهيته، عنوانا لقوته، وهو يدعي زورا وبهتانا بأنه يدافع عن الإنسان، وعن حقوق الإنسان، وعن العدالة في ظل الإنسان، فهل تصدقون أيها الكرام؟
فهل تصدقون ما يدعيه أولئك الذين يزعمون أنهم يقودون الحرية؟ ويقودون العدالة، ويسمون أنفسهم بالعالم الحر وهم بعيدون كل البعد عن معنى الحرية، وعن معنى الكرامة التي أرادها الله للإنسان، لبني الإنسان، بغض النظر عن دينهم، أو لونهم، أو جنسهم، لقد وقف العالم وكاد يقف ويستمر في هذا الوقوف، وتداعى كل قادته، وكل مؤسساته السياسية، والعسكرية، والمالية، والاستعمارية، وقف على قلب رجل واحد، أو على جهد رجل واحد ليقول: "أنقذوا أوكرانيا من عدوان الروس"، وإذا التفت إلى فلسطين، ماذا يقول هذا العالم؟ يقول عن الاستيطان والمستوطنات التي لم يتوقف الاحتلال يوما ما عن الاستمرار فيها ومصادرة أرض الفلسطينيين، في القدس، وفي كل الأرض الفلسطينية ليوسع هذا العدوان، ويناصر هذا العدوان، ويؤيد هذا العدوان، وإذا حاول أن يستميل عقول بعض الفلسطينيين يقول: إن الاستيطان يتعارض مع القانون الدولي؛ أي قانون هذا الذي لم يطبق من قراراته، ولم يطبق من مفهوماته أي أمر واحد يرعى شؤون الفلسطينيين أو ينصفهم أو يعطيهم بعض الحقوق؟
أيها المسلمون، يا أبناء ديار الإسراء والمعراج: ومع أننا نرى هذا التمايز اليوم في العالم، وأصبح واقعا لكل ذي عقل، ولكل ذي بصيرة بأن حربا تشن على الإسلام والمسلمين حيثما كانوا، ويجاملهم هذا العالم الذي يزعم أنه العالم الحر، بأنه مع حقوقهم، ومع عودتهم إلى أرضهم، ولكنها الأقوال التي لا تدعمها الأفعال، ولا تدعمها الوسائل التي تعيد الحق إلى أهله، أو العدل إلى نصابه، فاعتبروا يا أولي الألباب.
أيها المسلمون، يا أبناء ديار الإسراء والمعراج: بدا واضحا أن تسويق ما يسمى بالقانون الدولي أو القانون الدولي الإنساني، على أبناء شعبنا أصبح تجارة كاسدة، وأصبح لا يحمل أي أمل أو أي عنوان للحرية الإنسانية، وللكرامة الإنسانية التي أشار إليها رب العالمين في كتابه الكريم.
أيها المسلمون، يا أبناء ديار الإسراء والمعراج: لا نقول هذا لييأس أبناء شعبنا الصابر المرابط، ولا نقول هذا لكي تضعف العزائم، أو تتراجع النفوس الإيمانية، إنما نقول هذا لبيان الحقيقة أمام كل من كان له قلب، أو ألقى السمع وهو شهيد، نقول ذلك ليكون أبناء شعبنا بكل أطيافهم، وبكل توجهاتهم أمام الحقيقة المرة، التي يمارسها عالم اليوم، نقول ذلك لكي يأخذ أولئك الذين يهرولون نحو الاستعمار بكل مسمياته، وبكل قياداته، ومن يهرولون نحو الاحتلال يرتمون في ظل مخططاته، التي تستهدف الأرض الفلسطينية، وتستهدف الشعب الفلسطيني، وتستهدف تصفية القضية الفلسطينية، رضوا بأن يكونوا مع الخوالف، ورضوا بأن يكونوا أتباعا وذيولا في مسار القوى الاستعمارية الاستكبارية.
أما آن لهم أن يأخذوا درسا من الواقع، والواقع هو خير درس؟ أما آن لهم أن ينتبهوا إلى تلك الدول، وتلك الشعوب التي تختلف في قومياتها، وفي لغاتها، وانتماءاتها، بل حتى في جغرافية دولها وأرضها، كل تتحد، كلها تجتمع على هدف واحد، أما أنتم أيها العرب والمسلمون، الذين يجمعكم هذا الدين الحنيف، عقيدة وشريعة ونظام حياة، يجمعكم هذا الوطن الجغرافي الواحد في موقعه وأنتم على موقع هام من العالم، أما تدفعكم كل هذه الروابط الإيمانية، وكل هذه الوشائج الإنسانية، والنسبية لتكونوا أمة كما أراداها الله، (خير أمة أخرجت للناس) ~ [آل عمران: ١١٠]، ألا تقرؤون؟ ألا تأخذون من قول الله -تعالى-: (وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا) ~ [البقرة: ١٤٣]؟
أيها المسلمون، يا أبناء أرض الإسراء والمعراج: لكنكم أنتم بشارة الحبيب المصطفى، ﷺ، وهو القائل: "لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين، لعدوهم قاهرين، لا يضرهم من خالفهم أو خذلهم حتى يأتيهم أمر الله وهم كذلك" وفي رواية لأحمد: قيل: أين هم يا رسول الله؟ قال: "هم في بيت المقدس وأكناف بيت المقدس"، أو كما قال.