*أعرف قضيّتي منذ كان اليهود
.
..حين دخَل اليهود مخيّم العرّوب - جهة الخليل - كنتُ ابن خمس سنوات عام 67م ،،كان الجنود يشيرون لكلّ مَن في السوق أن ينبطحوا على الأرض ،،وأن يضعوا ايديهم خلف ظهورهم ،،وأنا كنتُ في السوق وأمروني أن أفعل نفس الفعل ،!
.
،،شعرتُ مستغربا ،،أنّي رجلٌ مثلهم جميعا ،،وشعرتُ باندهاش لأنّي طفل لم يفعل جريمة إلى الآن ،،!،،ولا يجب أن يتوقعوا منّي عملا خطيرا،،!،،وكنت انا والأطفال نضحك وهم يجمعوننا مع الكبار بعد أن فهمنا : أنّ اليهوديّ يخاف حتى من النملة !
.
،،وفي ذلك الحين ،، كنتُ أسمعُ الكبار -وهم الذين يلبسون الحطّة والعقال - يتكلّمون عن قراهم السعيدة ،،ويقارنون بينها وبين ذلّهم في المخيّم وفقرهم ،،وكانوا يذكرون حياتهم وقصصهم فيها ويصفون بيادر القمح والثمار ،، وفهمتُ أنّهم كانوا في قُرىً مليئة بالخير ،هي أوطانهم وأنّ اليهود هؤلاء قد طردوهم وقتلوهم ،،وأنّ المخيّم هذا هو مأوىً لا غير ،،وأنّهم سيعودون يوما ما ،،،!!
.
،،وبعد أيّام ،،رأيت اهلي يحمّلون أغراضهم البسيطة في شحن - الحج ثابت - ويخرج الشحن من العرّوب ،،في طريق غائمة بالغيوم والمطر وأنا وأختي وأخي نجلس فوق الأغراض تحت المطر نرقب الدخان الذي يخرج من الشحن ، ودخان الغيوم في السماء ،،،،،وسكنّا خيمة أخرى بعد خروجنا مرّتين ،،،!
.
،،وبعد أيّام اشتدَّ المطر في ليلة ،،شديدة السواد ،،وقد أطفأت الريح نور مصباحنا الضئيل ،،فنمنا في الظلام ،وصحوتُ على برْد شديد في ظهري ،،ولمستْ يدي طينا وماء ،،ونظرتُ فرأيت لمعان الماء يملأ الخيمة ،،نبّهتُ أهلي ،،أقول: انتم تنامون على الماء ،،لقد طفا السيل وأغرقكم ،،،!! ،،والغريب أنّ أمي ،،قالت بحزم - بعد أن نظرَت في الظلام - : ناموا ،،،الصباح رباح ،،،،،،،،،!!
.
،،الماء تحتي ،،ألمسه بيدي ،،ونمتُ !! وأنا أنظرُ في الظلام الشاسع ،،أتعجّب : هل ينام الناس جميعهم ،،،فوق الماء ،،،،،،،،!!،،أم أنا وحدي ،،!!،،ولماذا تُصرُّ أمّي أن ننام فوق الماء ،،!! واليوم عرفتُ : أنّها لا تكون أقوى من المصاب ،،إن لم ننمْ فوق الماء ،،وأنّ القوة مع الله هي وطننا الآخر منذ الساعة ،،،،،،،،
.
،،وفي الصباح الباكر وهم يعصرون ثيابهم ،،!!،،كان أخي الشاب يتكلّم عن الفدائيين وأنهم بدؤوا يقاتلون ،،من أجل عودتهم ،،وأنّ الأوطان ،،مثل الجسم ،،أكنّا نشعر بالحياة لو لم تسكن الروح أجسامنا ،،،!!
.
وصرت أرى شبابا أقوياء يلبسون البنطال والقميص ،،يحملون السلاح ،،وكنت في العرّوب أرى كبارا في السنّ يلبسون -القمباز -،،يبكون ويتذكرون دائما ديارهم ،،،! ،،فالقوّة خيارهم الوحيد حقا،،،!!
.
وصرتُ أنا شابّا ،،،وسمعث أنّ قوّات اليهود ،،أخرَجتْ قوّاتنا - التي لم يُعنها أحد - من لبنان ،،،وقد قاتلتْهم طويلا ،،وكنتُ أسأل لماذا لم يُعنهم أحد ،،،،،! ،قالوا : إنّهم يخافون من تلك الدول القويّة ،،التي تحبّ اسرائيل ،،،،!!1
.
،،وسمعتُ أنّ فلسطين تشتعل بانتفاضة الذين كرهوا الذلّ ولا ينسون الحقّ ،،وأنّ اليهود يطلبون الإتّفاق ،،أخيرا ،،،،وسمعتُ أنّ ثوّار الأمس دخلوا فلسطين ،،وسكتَتْ الإنتفاضة ،،!!،،ولم يُعطوهم شيئا إلى الآن ،،،وفهمتُ أنّهم لا يريدون إلاّ إسكات الإنتفاضة ،،،،،،،،!
.
و قالوا لهم : أنتم هنا ،،شرط ألَا تعود الإنتفاضة ،،،،! أيّ انتفاضة
..واليوم وهم يقولون : فلسطين يهودية وليس لكم منها شيء ،،،،،قال: ثوار الأمس : ،،،،وماذا ننتظر ،،،،!!!
,
،،واليوم أنا أشيبُ ،،كبرتُ مع قضيّتي وذلك الحقّ شابّا مايزال ،،!، ،، وإذا نزلتُ قريبا في القبر ،،سيقفز صوت حقّي من صدري إلى صدورهم ،،،ويمشي في الهواء صوتي ،، والهواء لا ينسى
.
.
.
.
.
.
عبدالحليم الطيطي