أخوة الإسلام
السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ
و مازال الحديث حول الجمع بين قوله تعالى
( لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ )
وبين قوله تعالى ( وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ )
ثانيا :
قول الله تعالى عن نبيه سليمان عليه السلام :
( ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَا قِبَلَ لَهُمْ بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ
مِنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ ) النمل// 37
37 لا ينافي ما تقدم
فنبي الله سليمان عليه السلام كان قد ملك الأرض
كما قال مجاهد رحمه الله :
" ملك الأرض مشرقها ومغربها أربعة نفر :
مؤمنان وكافران ، فالمؤمنان :
سليمان بن داود وذو القرنين
والكافران : بختنصر ونمرود بن كنعان
لم يملكها غيرهم "
"تفسير الطبري" (5 /433) .
والملك لا بد أن تكون له الطاعة
وخاصة إذا أمر بما فيه الصلاح والخير كله للعباد
وللبلاد من الإيمان بالله ونبذ الكفر
فلا يجوز لأحد أن يخالفه في ذلك
ومن خالفه وجب قتاله
لأنه يفسد المملكة وينشر الكفر والفساد في الأرض
ويطيعه على ذلك غيره من الناس .
ثم إنه ليس في الآية إكراه ملكة بلقيس
ولا غيرها على الإسلام
وإنما فيها قتالها هي وجندها
وهي إنما أسلمت طواعية
لما رأت الآيات العظيمة التي أجراها الله على يديه
لا خوفا من القتال والسيف
كما في قوله تعالى : ( قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي
وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ) النمل/ 44 .
وقد علم مما تقدم أن الأمر بالقتال
لا يعني الإكراه على الإسلام .
ثالثا :
إذا افترضنا أنه هذه القصة تضمن إكراه سليمان عليه السلام
لملكة سبأ ومن معها على الدخول في شريعته
التي أرسله الله بها
كان هذا خاصة بشرع سليمان عليه السلام
وقد اختلف حكمه في شرعنا
وقد قال الله تعالى :
( لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا ) المائدة/ 48
قال السعدي رحمه الله :
" وهذه الشرائع التي تختلف باختلاف الأمم
هي التي تتغير بحسب تغير الأزمنة والأحوال
وكلها ترجع إلى العدل في وقت شرعتها "
انتهى من "تفسير السعدي" (ص 234) .
ثم إن هذا الحكم
الذي هو إقرار الذمي على دينه وذمته
وعدم إكراهه على الدخول في دين الله
سوف يتغير في آخر الزمان
حينما ينزل عيسى عليه السلام
فيضع الجزية ، ولا يقبل إلا الإسلام
فيكثر الخير وتعم البركة الأرض
وهو مما يدل على أن قتال المشركين الصادين
عن دين الله من أعظم أسباب حصول الخير
والبركة لعامة الناس وخاصتهم .
روى البخاري (2222) ومسلم (155)
عن أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال :
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
( وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَيُوشِكَنَّ أَنْ يَنْزِلَ فِيكُمْ
ابْنُ مَرْيَمَ حَكَمًا مُقْسِطًا فَيَكْسِرَ الصَّلِيبَ وَيَقْتُلَ الْخِنْزِيرَ
وَيَضَعَ الْجِزْيَةَ وَيَفِيضَ الْمَالُ حَتَّى لَا يَقْبَلَهُ أَحَدٌ ) .
قال النووي رحمه الله :
" قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( وَيَضَع الْجِزْيَة )
الصَّوَاب فِي مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَا يَقْبَلهَا وَلَا يَقْبَل
مِنْ الْكُفَّار إِلَّا الْإِسْلَام
وَمَنْ بَذَلَ مِنْهُمْ الْجِزْيَة لَمْ يَكُفّ عَنْهُ بِهَا
بَلْ لَا يَقْبَل إِلَّا الْإِسْلَام أَوْ الْقَتْل .
هَكَذَا قَالَهُ الْإِمَام أَبُو سُلَيْمَان الْخَطَّابِيُّ
وَغَيْره مِنْ الْعُلَمَاء رَحِمَهُمْ اللَّه تَعَالَى .
فَعَلَى هَذَا : قَدْ يُقَال :
هَذَا خِلَاف حُكْم الشَّرْع الْيَوْم
فَإِنَّ الْكِتَابِيّ إِذَا بَذَلَ الْجِزْيَة وَجَبَ قَبُولهَا
وَلَمْ يَجُزْ قَتْله وَلَا إِكْرَاهه عَلَى الْإِسْلَام ؟
وَجَوَابه : أَنَّ هَذَا الْحُكْم لَيْسَ بِمُسْتَمِرٍّ إِلَى يَوْم الْقِيَامَة
بَلْ هُوَ مُقَيَّد بِمَا قَبْل عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام
وَقَدْ أَخْبَرَنَا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فِي هَذِهِ الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة بِنَسْخِهِ
وَلَيْسَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام هُوَ النَّاسِخ
بَلْ نَبِيّنَا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ الْمُبَيِّن لِلنَّسْخِ
فَإِنَّ عِيسَى يَحْكُم بِشَرْعِنَا
فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الِامْتِنَاع مِنْ قَبُول الْجِزْيَة فِي ذَلِكَ الْوَقْت
هُوَ شَرْع نَبِيّنَا مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " انتهى
والله تعالى أعلم .