بئر العاتر عرفت حلاوة التمدن منذ آلاف السنين وعاشت مراحله الثقافية المقطرة واختصرت الرقي الحضاري الفكري بإيمان مدمج مع الصبر والتأقلم مع الطبيعة، فكانت بقعة إشعاع أمتد نورها عبر المغرب العربي في تطور ملهم متواصل زاد لسمات التمدن رقيا، لأنها وبكل بساطة بيئةعذراء خالية من الشوائب والفطريات الدخيلة السامة والمنغصات القاتلة للسلم وراحة البال. فكانت منطقة مزدهرة فلاحيا وتجاريا وملتقى القوافل، انتعشت بنقاوة صلبها ومعدنها الغير قابل للصدأ, وأثار التعاقب الحضاري المنتشرة ما تزال شامخة شاهدة على التمدن الحضري الثقافي لها.
التمدن في حد ذاته فكر وأخلاق ومعاملات يختصر في السلوك وقد فصله الكاتب الإنجليزي «بل» في كتاب ضخم ذكر فيه بالتفصيل أحوال الأمم المتمدنة في العصور القديمة والحديثة، محددا السمات التي تتسم بها وتشترك فيها الحضارات مع اختلاف أزمنتها و أقاليمها.
ولكن سياسة الأرض المحروقة التي انتهجتها الكاهنة المبنية على معطيات خاطئة نتاج الفكر العقيم وغياب الحكمة والتركيز والتبصر وبطانة المصالح وغباء المستشارين غيرت جغرافية المنطقة من معالم إنسانية وظواهر طبيعية إلي فجاج خالية زادت من معاناة الإنسان العاتري وأدخلته دوامة الفقر والتقوقع في زاوية الاكتفاء الذاتي وبالتالي أنتشر الجهل وضرب أطنابه.
زيادة على كل هذا عمد المستعمر الفرنسي البغيض طيلة 132 عاما على طمس المعالم الحضارية للمنطقة وسرقة ٱآثارها ورغم ذلك بقية الشواهد ما تزال قائمة، كما قام بتلغيم الأرض والعقول وزرع الفكر العنصري المقيت وسياسة فرق تسد التي مازلنا نعاني منها لحد الساعة، هذه السياسة القاتلة للتمدن الذي بدونه تتوقف كل مظاهر الرقي وينكمش السلوك الحضاري وتزداد أنانية الفرد فيقل مردوده وبالتالي يتقهقر المجتمع وتشوه البنية التحتية وينقرض التمدن ويتقلص الازدهار وتنقطع شعرة معاوية ليعم التجاذب العكسي وسياسة التغنانت التي جعلت من بئر العاتر بركة راكدة يتطاول عليها الجفاف الفكري ليزيد لمعاناتها تبخرا، ومن سلبياته تأخر ترقية بئر العاتر الي مصاف ولاية بالرغم من أنها أقدم دائرة