وقال ابن جرير الطبري - رحمه الله - :
يقول تعالى ذِكره : " كل من على ظهر الأرض من جن إنس فإنه هالك ويبقى وجه ربك يا محمد
( ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ )
و ( ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ ) من نعت الوجه ، فلذلك رفع ( ذو ) وقد ذُكر أنها في قراءة عبد الله بالياء " ذي الجلال والإكرام " من نعتِ الربِّ وصفتِه .
" جامع البيان " ( 27 / 134 ) .
وما نسب إلى ابن مسعود رضي الله عنه لا يصح عنه ، بل هي بالرفع إجماعاً .
قال الشيخ عبد الفتاح القاضي – رحمه الله - :
قرأ ابن عامر : ( تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ ) آخر السورة بالواو ، وقرأ غيره ( ذِي الْجَلَالِ ) بالياء ، وهو مرسوم بالواو في مصحف الشاميين ، وبالياء في مصحف غيرهم .
وأما قوله تعالى : ( وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ ) فقد اتفقوا على قراءته بالواو , وقد رُسم بالواو في جميع المصاحف العثمانية .
" الوافي في شرح الشاطبية " ( ص 366 ) .
وقال ابن القيم - رحمه الله - :
فتأمل رفعَ قولِه ( ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ ) عند ذكر " الوجه "
وجرَّه في قوله ( تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ ) الرحمن/ 78
فـ ( ذو ) الوجه المضاف بالجلال والإكرام لما كان القصد الإخبار عنه
و ( ذي ) المضاف إليه بالجلال والإكرام في آخر السورة لما كان المقصود عين المسمى دون الاسم ، فتأمله .
" مختصر الصواعق " ( ص 409 ) .
ب. قال البخاري رحمه الله :
" باب قول الله عز وجل ( كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ ) القصص/ 88 "
.
ثم روى – ( 4352 ) حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال : لما نزلت هذه الآية ( قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ )
قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم ( أَعُوذُ بِوَجْهِكِ ) فقال ( أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ )
فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم ( أَعُوذُ بِوَجْهِكَ ) قال ( أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا ) الأنعام/ 65 ، فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم ( هذا أَيْسَرُ ) .
قال الإمام ابن خزيمة – رحمه الله - :
فنحن وجميع علمائنا ، من أهل الحجاز ، وتهامة ، واليمن ، والعراق ، والشام ، ومصر
مذهبنا : أنَّا نثبت لله ما أثبته الله لنفسه ، نقرُّ بذلك بألسنتنا ، ونصدِّق ذلك بقلوبنا ، من غير أن نشبِّه وَجْه خالقنا بوَجْه أحدٍ من المخلوقين ، عزَّ ربُّنا أن يشبه المخلوقين ، وجلَّ ربُّنا عن مقالة المعطلين .
" كتاب التوحيد " ( 1 / 18 ) .
3. أثبت رسول الله صلى الله عليه وسلم لربه تعالى صفة " الساق "
فالقاعدة الشرعية هنا : أن نثبت هذه الصفة لله تعالى من غير تحريف لمعناها أنها " الشدة "
ولا تمثيل لها فنجعلها كساق أحدٍ من خلقه ، ولا تعطيل لهذه الصفة بالكلية .
ومن أدلة هذه الصفة :
حديث أبي سعيد الخدري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال : ( ... فَيَكْشِفُ عَنْ سَاقِهِ فَيَسْجُدُ لَهُ كُلُّ مُؤْمِنٍ )
رواه البخاري ( 7001 ) .
قال ابن القيم – رحمه الله - :
والذين أثبتوا ذلك صفةً كاليدين والإصبع : لم يأخذوا ذلك من ظاهر القرآن
وإنما أثبتوه بحديث أبي سعيد الخدري المتفق على صحته ، وهو حديث الشفاعة الطويل وفيه
( فيكشف الرب عن ساقه فيخرون له سجَّدًا ) ومن حمل الآية على ذلك قال
: قوله تعالى ( يوم يكشف عن ساق ويدعون إلى السجود ) القلم/ 42
مطابق لقوله ( فيكشف عن ساقه فيخرون له سجدًا ) وتنكيره للتعظيم والتفخيم
كأنه قال : يكشف عن ساق عظيمة جلَّت عظمتها وتعالى شأنها أن يكون لها نظير أو مثيل أو شبيه
قالوا : وحمل الآية على الشدة لا يصح بوجه
فإن لغة القوم في مثل ذلك أن يقال : كشفت الشدة عن القوم ، لا : كُشِف
عنها كما قال الله تعالى ( فلما كشفنا عنهم العذاب إذا هم ينكثون ) الزخرف/ 50
وقال : ( ولو رحمناهم وكشفنا ما بهم من ضر ) المؤمنون/ 75 .
فالعذاب والشدة هو المكشوف ، لا المكشوف عنه ، وأيضاً : فهناك تحدث الشدة وتشتد ، ولا تُزال إلا بدخول الجنة ، وهناك لا يدعون إلى السجود، وإنما يدعون إليه أشد ما كانت الشدة .
" الصواعق المرسلة " ( 1 / 252 ، 253 ) .
4. لفظ " الجسد " لم يرِد في حق الله تعالى ، لا إثباتا ولا نفيا ، وقاعدة أهل السنة فيما كان كذلك : أنه لا يجوز نسبته إلى الله تعالى وإضافته إليه
لأن وصف الله تعالى بشيء ونسبته إليه لا يجوز إلا بدليل صحيح ، من كتاب الله تعالى أو سنة نبيه صلى الله عليه وسلم . وكذلك لا يجوز نفيه عنه لمجرد عدم ثبوته
بل يستفصل عنه : فإن كان معناه باطلا في الشرع ، جزمنا بنفي المعنى الباطل ، واللفظ المبتدع
وإن كان معناه صحيحا ، أثبتنا له المعنى الصحيح ، واستعملنا له اللفظ الشرعي الدال عليه ، إلا عند الحاجة إلى استعمال لفظ محدث ، مع بيان معناه الصحيح .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" الواجب أن ينظر في هذا الباب ؛ فما أثبته الله ورسوله أثبتناه ، وما نفاه الله ورسوله نفيناه
والألفاظ التي ورد بها النص يُعتصم بها في الإثبات والنفي ؛ فنثبت ما أثبتته النصوص من الألفاظ والمعاني
وننفى ما نفته النصوص من الألفاظ والمعاني ، وأما الألفاظ التي تنازع فيها من ابتدعها من المتأخرين ، مثل لفظ الجسم والجوهر والمتحيز والجهة ونحو ذلك ، فلا تطلق نفيا ولا إثباتا حتى ينظر في مقصود قائلها
فإن كان قد أراد بالنفي والإثبات معنى صحيحا موافقا لما أخبر به الرسول : صُوِّب المعنى الذي قصده بلفظه
ولكن ينبغي أن يعبر عنه بألفاظ النصوص لا يعدل إلى هذه الألفاظ المبتدعة المجملة إلا عند الحاجة ، مع قرائن تبين المراد بها ، والحاجة مثل أن يكون الخطاب مع من لا يتم المقصود معه إن لم يخاطب بها .
وأما إن أريد بها معنى باطل : نُفي ذلك المعنى ، وإن جمع بين حق وباطل : أثبت الحق
وأبطل الباطل " انتهى .
"منهاج السنة النبوية" (2/554-555)
وقد طول في هذا الموضع في الكلام على لفظ الجسم ، فليراجع فإنه مهم .
وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله - :
مسألة الجسمية لم ترد لا في القرآن ولا في السنَّة إثباتاً ولا نفياً ، ولكن نقول بالنسبة للفظ : لا ننفي ولا نثبت ، لا نقول : جسم وغير جسم ، لكن بالنسبة للمعنى نفصِّل ونستفصل
ونقول للقائل : ماذا تعني بالجسم ؟
هل تعني أنه الشيء القائم بنفسه المتصف بما يليق به ، الفاعل بالاختيار ، القابض الباسط ؟
إن أردت هذا : فهو حق ومعنى صحيح ، فالله تعالى قائم بنفسه فعَّال لما يريد ، متصف بالصفات اللائقة به ، يأخذ ويقبض ويبسط ، يقبض السماوات بيمينه ويهزها
وإن أردت بالجسم الشيء الذي يفتقر بعضه إلى بعض ولا يتم إلا بتمام أجزائه : فهذا ممتنع على الله
لأن هذا المعنى يستلزم الحدوث والتركيب ، وهذا شيء ممتنع على الله عز وجل .
" شرح العقيدة السفارينية " ( ص 18 ، 19 ) .