القدح الخامس : اتهامه بمخالفة الثقات .
القدح السادس : اتهامه بالانفراد ببعض المناكير .
قال الذهبي رحمه الله :
صدق القاضي أبو يوسف إذ يقول : من تتبع غريب الحديث كُذِّبَ . وهذا من أكبر ذنوب ابن إسحاق ، فإنه يكتب عن كل أحد ولا يتورع سامحه الله .
ولذلك كان الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه لا يرتضي أحاديث ابن إسحاق .
قال يعقوب بن شيبة : سمعت ابن نمير - وذكر ابن إسحاق – فقال :
إذا حدث عمن سمع منه من المعروفين فهو حسن الحديث صدوق ، وإنما أتي من أنه يحدث عن المجهولين أحاديث باطلة .
قال إسحاق بن أحمد بن خلف البخاري الحافظ : سمعت محمد بن إسماعيل يقول :
محمد بن إسحاق ينبغي أن يكون له ألف حديث ينفرد بها ، لا يشاركه فيها أحد .
وقال أحمد : قدم ابن إسحاق بغداد ، فكان لا يبالي عمن يحكي
عن الكلبي ، وعن غيره ، وقال : ليس هو بحجة. قال أبو العباس بن عقدة : سمعت عبد الله بن أحمد بن حنبل : كان أبي يتبع حديث ابن إسحاق ، فيكتبه كثيرا بالعلو والنزول
ويخرجه في (المسند) ، وما رأيته أبقى حديثه قط . قيل له : يحتج به ؟ قال : لم يكن يحتج به في السنن .
وقال العقيلي : حدثني الخضر بن داود ، حدثنا أحمد بن محمد : قلت لأبي عبد الله : ما تقول في ابن إسحاق ؟
قال : هو كثير التدليس جدا . قلت : فإذا قال : أخبرني ، وحدثني ، فهو ثقة ؟
قال : هو يقول أخبرني ، فيخالف .
واختلف الروايات عن ابن معين في حكمه على حديث ابن إسحاق ، وقال النسائي : ليس بالقوي . وقال أبو حاتم : يكتب حديثه . وقال الدراقطني : لا يحتج به .
على أن كلام من جرحه لا يسقط حديثه ، وإنما ينزل به حديثه إلى درجة الحسن ، وإلى الحكم على حديثه بالضعف في حال المخالفة أو التفرد بالغريب فقط ، وليس في كل حال .
قال ابن عدي : وقد فتشت أحاديثه كثيرا ، فلم أجد من أحاديثه ما يتهيأ أن يقطع عليه بالضعف ، وربما أخطأ ، أو يهم في الشيء بعد الشيء
كما يخطئ غيره ، ولم يتخلف في الرواية عنه الثقات والأئمة ، وهو لا بأس به .
القدح السابع : روايته الإسرائيليات .
أجاب عن ذلك الإمام الذهبي رحمه الله بقوله :
" ما المانع من رواية الإسرائيليات عن أهل الكتاب مع قوله صلى الله عليه وسلم
: ( حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج )
وقال : ( إذا حدثكم أهل الكتاب فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم ) فهذا إذن نبوي في جواز سماع ما يأثرونه في الجملة ، كما سمع منهم ما ينقلونه من الطب ، ولا حجة في شيء من ذلك ، إنما الحجة في الكتاب والسنة " انتهى.
" ميزان الاعتدال " (6/58)
القدح الثامن : جمعه بين ألفاظ الشيوخ
قال أيوب بن إسحاق بن سافري : سألت أحمد بن حنبل ، فقلت : إذا انفرد ابن إسحاق بحديث ، تقبله ؟ قال : لا والله ، إني رأيته يحدث عن جماعة بالحديث الواحد ولا يفصل كلام ذا من كلام ذا .
وهذا القادح أيضا لا يضعف حديثه كله ، وإنما يدعو إلى التوقف فيما يشك فيه أنه جمع فيه بين ألفاظ الشيوخ وخلط بعضها ببعض ، وذلك لتمييز ألفاظ الثقات من غيرهم .
المطلب الثامن : وفاته
توفي رحمه الله في مدينة بغداد سنة واحد وخمسين ومائة على القول الأرجح الذي اختاره الذهبي .
والحاصل في حكم حديث ابن إسحاق ما قاله الإمام الذهبي رحمه الله :
أما في أحاديث الأحكام ، فينحط حديثه فيها عن رتبة الصحة إلى رتبة الحسن ، إلا فيما شذ فيه ، فإنه يعد منكرا ، هذا الذي عندي في حاله والله أعلم .
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله :
" ما ينفرد به وإن لم يبلغ الصحيح فهو في درجة الحسن إذا صرح بالتحديث " انتهى.
" فتح الباري " (11/163)
ملاحظة: جميع النقول التي لم نذكر مصدرها في هذا البحث مأخوذة من كتاب "سير أعلام النبلاء" للذهبي (7/33-55)
والله أعلم .