تحب زوجها بشكل مبالغ فيه ، وتخشى من الوقوع في شرك المحبة
السؤال:
أنا أريد أن أعرف هل محبتي لزوجي تعتبر شركا أو أنني اتخذت مع الله ندّا ؟ فأنا شديدة الغيرة على زوجي ، مع العلم نحن عائلة ملتزمة هذا الظاهر، والباطن لا يعلمه إلا الله
وإنني شديدة التفكير في زوجي ، ولا أطيق غيابه ساعات العمل ، أتمنى أن يبقى طوال اليوم حذوي ، مع العلم أنني كنت عندما يقترف زوجي معصية أو أقترف أنا معصية ولا يعاتبني عليها زوجي أشعر بنوع من الكره والغضب تجاه زوجي ، وأما الآن عندما تطورت المحبة أصبحت لا أكرهه
ولكن أغضب وأخاف عليه من عقوبة الله ، وأبدي له عدم الرضا وكأنني أكرهه كي يتراجع ، ويبصر ما فعله . ويحدث أنني أفكر في زوجي طوال ساعات اليوم ، أحبه أكثر من نفسي ، وأخشى أن يفرقنا الله
علما أنه إذا ما خرج زوجي من الملة ـ عياذا بالله ـ أنني مستعدة للتخلي عنه ، بالرغم من حبي الشديد له ، فهل في محبتي عيب أو شرك ؟
وهل سبب أسر زوجي هو ابتلاء من الله ؛ لأنني كنت لا أفكر إلا في الله قبل الزواج وأما بعد الزواج انشغلت بمحبة زوجي ؟
الجواب :
الحمد لله
أولاً :
لا تلام المرأة على حبها لزوجها وغيرتها عليه ، مادام أن محبتها له وغيرتها عليه ، لم تتعد الحد الطبيعي المعقول
أي لم تكن هناك مبالغة وإفراط في المحبة والغيرة ؛ فالمباحات ومنها المحبة التي بين الزوجين ، قد تصبح مذمومة ، إذا زادت عن حدها الطبيعي ؛ حتى أضعفت في قلب المحب ، محبته لله ورسوله
فلا يغار على دين ربه ، إذا خالفه المحب ، ولا يعرف معروفا ، ولا ينكر منكرا ؛ إلا ما وافق هوى محبوبه .
ومنهم من شغلت قلبه هذه المحبة المفرطة ، عن المهمات في أمر الدين والدنيا ، حتى ربما أدى ذلك إلى مرض البدن ، وتلف النفوس .
قال ابن القيم رحمه الله :
" فمن المحبة النافع ة: محبة الزوجة ، وما ملكت يمين الرجل ، فإنها معينة على ما شرع الله سبحانه له من النكاح وملك اليمين ؛ من إعفاف الرجل نفسه وأهله ، فلا تطمح نفسه إلى سواها من الحرام ، ويعفها
فلا تطمح نفسها إلى غيره .
وكلما كانت المحبة بين الزوجين أتم وأقوى : كان هذا المقصود أتم وأكمل، قال تعالى: (هُوَ الّذِى خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا) [الأعراف: 189] ، وقال: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إلَيْهَا وَجَعَل بَيْنَكُمْ مَوَدَّةَ وَرَحْمَةً) [الروم/21] .
.. وصح عنه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم أنه قال: (حبب إلى من دنياكم النساء والطيب. وجعلت قرة عيني في الصلاة) .
فلا عيب على الرجل في محبته لأهله ، وعشقه لها ، إلا إذا شغله ذلك عن محبة ما هو أنفع له، من محبة الله ورسوله ، وزاحم حبه وحب رسوله .
فإن كل محبة زاحمت محبة الله ورسوله ، بحيث تضعفها وتنقصها : فهى مذمومة.
وإن أعانت على محبة الله ورسوله ، وكانت من أسباب قوتها : فهي محمودة .
ولذلك كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم يحب الشراب البارد الحلو، ويحب الحلواء والعسل، ويحب الخيل، وكان أحب الثياب إليه القميص، وكان يحب الدباء .
فهذه المحبة لا تزاحم محبة الله ، بل قد تجمع الهم والقلب على التفرغ لمحبة الله ، فهذه محبة طبيعية ، تتبع نية صاحبها ، وقصده بفعل ما يحبه .
فإن نوى به القوة على أمر الله تعالى وطاعته : كانت قربة .
وإن فعل ذلك بحكم الطبع والميل المجرد : لم يُثَبْ ولم يعاقب ؛ وإن فاته درجة من فعله متقربا به إلى الله .
فالمحبة النافعة ثلاثة أنواع :
محبة الله ، ومحبة في الله ، ومحبة ما يعين على طاعة الله تعالى واجتناب معصيته .
والمحبة الضارة ثلاثة أنواع : المحبة مع الله ، ومحبة ما يبغضه الله تعالى ، ومحبة ما تقطع محبته عن محبة الله تعالى أو تنقصها "
انتهى، من "إغاثة اللهفان" (2/139-140) .
ثانياً :
محبة غير الله لا تكون شركاً ، إلا إذا جعل الإنسان محبته لغير الله كمحبة الله ، بأن قام في قلبه من الذل والخضوع
والتعظيم لذلك المحبوب مع كمال الطاعة له ، فهذا الذي يقع به الشخص في الشرك ، وأما المحبة الطبيعة المباحة التي لا تستلزم التعظيم ولا الذل ، كمحبة المرأة لزوجها ، فهذه ليست من المحبة الشركية .
قال الشيخ سليمان حفيد الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمهما الله :
" واعلم أن المحبة قسمان ، مشتركة ، وخاصة :
القسم الأول : المشتركة ، ثلاثة أنواع :
أحدها : محبة طبيعية ، كمحبة الجائع للطعام ، والظمآن للماء ، ونحو ذلك ، وهذه لا تستلزم التعظيم.
الثاني : محبة رحمة وإشفاق ، كمحبة الوالد لولده الطفل ، وهذه أيضًا لا تستلزم التعظيم .
الثالث : محبة أنس وألف ، وهي محبة المشتركين في صناعة ، أو علم أو مرافقة أو تجارة أو سفر ، لبعضهم بعضًا ، وكمحبة الإخوة ، بعضهم بعضًا .
فهذه الأنواع الثلاثة ، التي تصلح للخلق ، بعضهم من بعض ، ووجودها فيهم لا يكون شركا في محبة الله ، ولهذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب الحلواء والعسل ، وكان يحب نساءه ، وعائشة أحبهن إليه ، وكان يحب أصحابه ، وأحبهم إليه الصِّدِّيق رضي الله عنه .
القسم الثاني : المحبة الخاصة التي لا تصلح إلا لله ، ومتى أحب العبد بها غيره ، كان شركا لا يغفره الله ، وهي محبة العبودية ، المستلزمة للذل ، والخضوع والتعظيم
وكمال الطاعة ، وإيثاره على غيره ، فهذه المحبة لا يجوز تعلقها بغير الله أصلاً ، كما حققه ابن القيم
وهي التي سوَّى المشركون بين الله تعالى وبين آلهتهم فيها ، كما قال تعالى : ( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ) "
انتهى من " تيسير العزيز الحميد " (ص/402-403) .
وعليه ، فتُحمدين على حبك لزوجك وغيرتك عليه ، لكن بلا شك دون مبالغة تؤدي بك إلى عدم كراهية وقوع المعصية من زوجك ، فالواجب عليك كراهية المعصية منه مع بقاء المحبة له وجوب إسداء النصح إليه .
وبناء على هذا ، فهذه المحبة التي تسألين عنها هي محبة محمودة ، لأنها تجعل الحياة الزوجية سعيدة مريحة ، مما يعين الزوجين على أمور دينهما ودنياهما .
ثم إننا ننبهك إلى خطر الوسوسة في هذا الأمر ، والمبالغة في التقديرات البعيدة : " إذا خرج زوجي من الملة .. إذا دخل .. إذا فعل .. " ؛ بل عيشي حياتك ، كما يعيش الناس ، واضبطي أمر محبتك
- كما أشرنا سابقا- وليكن فائدة عيشك وبيتك من زوجك : أن تكوني قاصرة الطرف ، على ما أحل الله لك ، وأنعم عليك من زوج تحبينه ويحبك ؛ واجعلي ذلك كله عونا لك على طاعة الله
وصلاح بيتك ، واستقامة أمر عيشك ؛ لا أن تبدلي نعمة الله عليك نكدا ، ومبالغة ، وإفراطا يضر بقلبك ، ودينك ، وعيشك .
والله أعلم .