قال النووي – رحمه الله - :
وأما قوله صلى الله عليه وسلم ( أعور العين اليمنى كأنها عنبة طافية )
فروي بالهمز ، وبغير همز ، فمن همز :
معناه :
ذهب ضوؤها ، ومن لم يهمز : معناه : ناتئة ، بارزة ، ثم إنه جاء هنا ( أعور العين اليمنى )
وجاء فى رواية أخرى ( أعور العين اليسرى )
وقد ذكرهما جميعاً مسلم فى آخر الكتاب ، وكلاهما صحيح ، قال القاضي عياض رحمه الله : روينا هذا الحرف عن أكثر شيوخنا بغير همز ، وهو الذى صححه أكثرهم ، قال : وهو الذى ذهب إليه الأخفش ، ومعناه ناتئة كنتوء حبة العنب من بين صواحبها ، قال : وضبطه بعض شيوخنا بالهمز ، وأنكره بعضهم ، ولا وجه لإنكاره
وقد وصف فى الحديث بأنه ( ممسوح العين ) وأنها ( ليست جحراء ، ولا ناتئة ) بل مطموسة ، وهذه صفة حبة العنب إذا سال ماؤها ، وهذا يصحح رواية الهمز ، وأما ما جاء فى الأحاديث الأُخر ( جاحظ العين ) و ( كأنها كوكب )
وفي رواية ( لها حدقة جاحظة كأنها نخاعة فى حائط ) فتصحح رواية ترك الهمزة ، ولكن يُجمع بين الأحاديث ، وتصحح الروايات جميعاً ، بأن تكون المطموسة والممسوحة والتي ليست بجحراء ولا ناتئة : هي العوراء الطافئة بالهمز ، وهي العين اليمنى ، كما جاء هنا ، وتكون الجاحظة ، والتي كأنها كوكب ، وكأنها نخاعة : هي الطافية بغير همز ، وهي العين اليسرى ، كما جاء فى الرواية الأخرى ، وهذا جمع بين الأحاديث والروايات في الطافية بالهمز ، وبتركه ، وأعور العين اليمنى ، واليسرى ؛ لأن كل واحدة منهما عوراء ؛ فإن الأعور من كل شيء : المعيب ، لا سيما ما يختص بالعين ، وكلا عيني الدجال معيبة ، عوراء ، إحداهما بذهابها ، والأخرى بعيبها .
هذا آخر كلام القاضي ، وهو فى نهاية من الحسن
والله أعلم .
" شرح مسلم " ( 2 / 235 ) .
وبما ذكرناه هنا ، وأحلنا عليه في أجوبة سابقة ، يتبين أن صاحب الصورة المذكورة في السؤال – إن كانت حقيقية - : ليس هو الدجَّال ، ولم نتعرض لما يكذب ذلك مما أعطاه الله تعالى للدجال من فتن ، يفتن بها الناس ، ومن ذلك : نهران يجريان ، استجابة الجماد والحيوان له ، وغير ذلك مما لم نقرأ أن ذلك الشاب قد ادعى شيئاً منه .
وقد جاء في المقال ذِكر صفات وأحوال لذلك الشاب لا يُعرف في الشرع أنها صفات وأحوال للمسيح الدجال ، كعدم احتراق يده إذا وضعها في النار ! وكأكله الزجاج والحصى ! وكشربه من ماء البحر ! وكون حارسه الشخصي قط أسود ! فها هم – كما قلنا – يثبتون للدجال صفات ليست من الشرع ، وما نصَّ الشرع على أنها صفات له لم نجدها فيه .
وبكل حال :
فإننا نحذر المسلمين عموماً من الاغترار بكل ما يُنشر في وسائل الإعلام مما يتعلق بدينهم ، واعتقادهم ، دون الرجوع إلى أهل العلم في ذلك ليحكموا عليه بما يعلمونه من الأدلة الشرعية التي تعصمهم من الفتن ، ونحذرهم من الاغترار بتصديق ما يُنشر في الإنترنت من صور لأناسٍ يُزعم أنهم مُسخوا ، أو صورة فرعون ، أو صورة جني على هيئته الحقيقية ! أو أصوات أناس يزعم أنهم يعذبون في قبورهم ، وغير ذلك كثير ، مما اغتر به كثير من العامَّة ، وأعانهم عليه – للأسف – بعض الخاصَّة .
وليعلم المسلمون أنه لا يستبعد وجود جهات خبيثة تريد إشغال المسلمين بمثل هذه الترهات ، وتريد العبث بعقولهم ؛ لتجعل منهم مادة دسمة في السخرية في مواقعهم ومنتدياتهم ، ونوصي الجميع بطلب العلم ، والحرص على البرهان الثابت في الأخبار ، وعدم التسليم لكل ما يقال وينشر ، وليرجعوا في أمورهم وشئون دينهم إلى أهل العلم الثقات ، ليرفعوا عنهم الجهل ، ويبينوا لهم حقيقة الأمر .
ونسأل الله تعالى أن يرينا الحق حقّاً ويرزقنا اتباعه ، ويرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه .
والله أعلم