خرج الأمير سيف الدولة لمحاربة بني كلاب ومن انظم إليهم، فوصل لأوّل حيّ، وهو دور لبني تمير فأحاط بهم، واستولى على ما يملكون، فخرجت إليه ابنة رئيس الحيّ حافية مسفرة الوجه، كأنّها الشمس طالعة، ومعها صواحبها، صارخات مستنجدات، فصفح سيف الدولة عن قومها، وأمر بردّ ما أُخِذ منهم، وكان أبو فراس الحمداني حين ذاك مع سيف الدولة يسامره، فكتب هذا الشعر يُداعبه:
وما أنـسَ لا أنـسَ يـومَ المـغـارِ مُـحَـجَّـبَـة ً لَـفَـظَـتْـهَا الـحُــجُـــــبْ
دَعَاكَ ذَوُوهَا بِسُوءِ الفِعَـــــــــالِ لِـمَـا لا تَـــشَـــاءُ، وَمَـا لا تُــحِــبّ
فَـوَافَـتْـكَ تَـعْـثُـرُ في مِـرْطِـهَـــا وقــدْ رأتِ الـمـوتَ مـنْ عـنْ كثبْ
وَقَدْ خَلَطَ الخَوْفُ، لَمّا طَلَعْـــــــتَ، دَلَّ الـجَـــــمَــالِ بِــــــذُلْ الـــــرُّعُبْ
تُسَارِعُ في الخَطْوِ لا خِفّــــــــة ً و تهـتـزُّ في المـشيِ لا منْ طـربْ
فلمَّـــا بدتْ لكَ فوقَ البيــــــوتِ بـدا لـكَ مـنـهــنَّ جــيــشَ لـجـــبْ
فكـــــــنتَ أخـــــــاهنَّ إذْ لا أخٌ و كـنـتَ أبـاهـــــنَّ إذْ لـيــــسَ أبْ
وَمَا زِلتَ مُذْ كُنتَ تأتي الجَمِيلَ و تحمي الحريمَ ، وترعى النسبْ
وتغـضـبُ حتى إذا ما مـلــكتَ أطَعْتَ الرّضا، وَعَصَيْتَ الغَضَبْ
فَـوَلّـيْـنَ عَـنْـكَ يُـفَـدّيــــــنَــــهَا وَيَـرْفَـعـنَ مِـن ذَيْـلِـهـا ما انسَحَبْ
يُـنَـادِيـنَ بـيـنَ خِـلالِ الـبُــيُـــو تِ: لا يَـقـطَـعِ اللَّهُ نَـسْـلَ الـعَـرَبْ
أمـرتَ وأنتَ المطـاعُ الكـريمُ بـبـذلِ الأمــانِ وردِ الـســـــــلـبْ
و قدْ رُحْنَ منْ مهجاتِ القلوبِ بـأوفــرِ غُــنْــمٍ وأغْــلَى نَــشَــبْ
فإنْ هُنّ يَابْنَ السَّرَاة ِ الكِــرَامِ رَدَدْنَ الـقـــلــوبَ رَدَدْنَا الـنَّـهَـبْ