المرحلةالثانية: مرحلة التنظيم(50-89هـ)/(671-708م)
عصر الولاة بالمغرب:
الفترة الأولى: (50-64هـ):
حملة عقبة بن نافع وولايته الأولى على إفريقية (46-50هـ)/(667-671م):
1-بناء القيروان: في سنة 46هـ/667م
سار عقبة بن نافع الفهري –من قبل معاوية بن حديج- بجيش كبير وفتح فزّان
وما ورائها من تخوم السودان الغربي، فدخلت جميع (لوبيا- ليبيا) في طاعة
العرب، بعدئذ تقدّم عقبة إلى إفريقية (القطر التونسي) وفتح قفصة وقسطيلية.
وأراد عقبة أن يتخذ قيروان معسكرا أو مركزا عسكريا دائما، ذلك لأنّ الفتوح
الأولى لم تثبت فقد كان أهل إفريقية يطيعون إذا غزا العرب البلاد، فإذا
عادوا عنها عاد أهلها إلى المعصية ونقضوا الصلح، ويحسن أن نلاحظ هنا أنّ
الروم والفرنجة كانوا قد أجْلوا البربر عن الشواطئ وسكنوها هم. فالذين
كانوا يقاومون العرب لم يكونوا البربر أهل البلاد الأصليين بل الروم
والفرنجة وجماعة قليلة من البربر يساندونهم.
بنى عقبة بن نافع معسكر القيروان وهو مدينة القيروان اليوم في القطر التونسي وكانت
القيروان على شيء من الخصب تصلح مرعى للإبل كما كان موضعها بادية يشبه ما
كان العرب قد ألفوه في الجزيرة العربية، بالإضافة إلى بعدها عن البحر الذي
يسيطر عليه الروم والفرنجة بفضل أسطولهم القوّي، كما أنّها كانت طريقا
للقوافل التجارية.
أسس عقبة بن نافع معسكر القيروان سنة 50هـ/671م،
وأقام بها مسجدا، ومع مرور الأيّام بدأ الناس يتوافدون على هذا المعسكر
الذي صار في وقت وجيز مدينة عظيمة وعاصمة شهيرة ومركزا من مراكز العلم
والحضارة في العالم الإسلامي.
ولاية عقبة الأولى على إفريقية: (50-55هـ) /(671-675م)
في سنة 50هـ/671م،
فصل معاوية بن أبي سفيان ولاية إفريقية عن ولاية مصر، فأقرّ ابن حديج على
مصر وولّى على إفريقية عقبة بن نافع. وبعد ذلك عزل معاوية بن أبي سفيان ابن
حديج عن مصر وأقرّ مسلمة بن مخلد على الغرب كلّه من التخوم الغربية لمصر
إلى طنجة وهو أوّل وال جمع له المغرب، هذا الأخير الذي عزل عقبة عن إفريقية
ووّلى مكانه أبا المهاجر دينار مولى بني مخزوم سنة 55هـ/675م.
ولاية أبو المهاجر دينار: (55-62هـ)/(675-682م)
لم تستمر ولاية عقبة بن نافع على إفريقية سوى خمسة أعوام فعقب إتمامه بناء القيروان أمر الخليفة معاوية بن أبي سفيان بعزله سنة 55 هـ/675م
نتيجة لوشايات مسلمة بن مخلد والي مصر الذي كان يحسد عقبة على انتصاراته
وأعماله العظيمة في إفريقية وربما نتيجة لسياسة العنف والشدة التي اتبعها
عقبة في بلاد المغرب نحو سكانها من البربر.
وعلى
أيّة حال توّلى مكان عقبة قائد كفء لا يقل خبرة وهو أبو المهاجر دينار
الذي امتدت ولايته على إفريقية نحو سبع سنوات وهذا الوالي الجديد لا نجد
معلومات عنه في المصادر الإسلامية بما يتناسب مع الأعمال الجليلة التي قام
بها في بلاد المغرب فالمؤرخون أسهبوا في الحديث عن ولاية عقبة وعن أعماله
بينما أغفلوا الإشارة إلى دور أبي المهاجر دينار رغم
أن إسهاماته لا تقل أهمية عما قام به عقبة وبما مرّد ذلك أنّ ولاية أبو
المهاجر وقعت بين ولايتي عقبة الأولى والثانية، مما كان له تأثيره على مرور
المؤرخين عليها مرورا سريعا.
ولقد
عرف أبو المهاجر دينار بالدهاء واللين وحسن السياسة، فأستمال إليه البربر
البرانس ليضمن انضمامهم إلى المسلمين، واستطاع أبو المهاجر بفضل سياسة
اللين أن يضم إليه زعيم البربر البرانس ويدعى كسيلة (من قبيلة أوربة) وكان
نصرانيا فأعتنق الإسلام كما أسلم عدد كبير من قومه وكان كسيلة وقومه قبل
إسلامهم حلفاء للبيزنطيين.
ولقد تمكّن أبو المهاجر بفضل مؤازرة كسيلة أن يستولي على جنوب إقليم قرطاجنه ويجتاح المغرب الأوسط ويحتل مدنه الساحلية حتى تلمسان.
2-ولاية عقبة بن نافع الثانية: (62 -64هـ)/(682-684م)
بعد وفاة معاوية بن أبي سفيان سنة 60هـ/680م
وتولي ابنه يزيد الخلافة أمر بعزل أبو المهاجر دينار عن إفريقية وتولي
عقبة عليها للمرّة الثانية وذلك لأنّ الخليفة يزيد علم جيدا فضل عقبة
وحماسه لنشر الإسلام. وعندما وصل عقبة إلى إفريقية قام بتعمير مدينة
القيروان ثم قرر القيام بالغزو فترك بالقيروان حامية صغيرة من المسلمين
واستخلف بها زهير بن قيس، وخرج عقبة على رأس الجيش في حملته الكبرى التي
وصل فيها حتّى شواطئ المحيط الأطلسي وكان معه أعداد من البربر البرانس على
رأسهم زعيمهم كسيلة، وقد تمكّن عقبة خلال تلك الحملة من بسط نفوذ المسلمين
على قرطاجنة وحصن المنستير، كما انتصر على الروم والبربر وقضى على
كل مقاومة لهم في المغرب الأوسط، غير أنّ عقبة أساء معاملة كسيلة زعيم
البربر وأهانه مما أدّى إلى فراره هو وأصحابه من جيش المسلمين وقرر
الانتقام.
بعد ذلك واصل عقبة الزحف نحو الغرب قاصدا المغرب الأقصى ودخله عام 62هـ/682م ويعتبر عقبة بن نافع أوّل مسلم وطأت قدمه تلك الأرض، وواصل زحفه حتّى المحيط الأطلسي وتذكر الرواية أنّه أدخل قوائم فرسه في مياه المحيط ثم رفع يديه إلى السماء وقال عبارته الشهيرة:» اللهم اشهد أنّي قد بلغت المجهود ولولا هذا البحر لمضيت في البلاد أقاتل من كفر بك حتّى لا يعبد أحد سواك«.
وبعدها
أسرع عقبة بالعودة متجها إلى المغرب الأوسط، حيث ترك معظم جيشه يعود إلى
مدينة القيروان في حين اتجه هو على رأس فرقة صغيرة نحو الجنوب حيث مدينة
تهّودة ليستولي عليها ويجعل منها قاعدة حربية أخرى للمسلمين في المغرب الأوسط، وهناك عاد كسيلة للظهور مجددا في
جيش ضخم من البربر والروم، ودارت معركة عند تهودة سنة64 هـ/684م آثر فيها
أبو المهاجر البقاء رفقة عقبة نافع واستشهدا معا، فلما علم نائبه بالقيروان
زهير بن قيس البلوي باستشهاده قرر الانسحاب وأتجه إلى برقة وبذلك تمكّن كسيلة من الاستيلاء على القيروان دون صعوبة سنة 64هـ/684م.