هذه تائية الشاعر الكبير دعبل الخزاعي في مدح ورثاء آل بيت رسول الله (ص):
تجاوبن بالأرنان والزفرات * نوائح عجم اللفظ والنطقات
يخبرن بالأنفاس عن سر أنفس * اسارى هوى ماض وآخر آت
فاسعدناو اسعفن حتى تقوضت * صفوف الدجى بالفجر منهزمات
على العرصات الخاليات من المهى * سلام شج صب على العرصات
فعهدي بها خضر المعاهد مألفاً * من العطرات البيض والخضرات
ليالي يعدين الوصال على القلى * ويعدي تدانينا على الغربات
واذ هن يلحظن العيون سوافراً * ويسترن بالأيدي على الوجنات
واذ كل يوم لي بلحظي نشوة * يبيت لها قلبي على نشوات
فكم حسرات هاجها بمحسر * وقوفي يوم الجمع من عرفات
ألم تر للأيام ما جر جورها * على الناس من نقص وطول شتات
ومن دول المستهزئين ومن غدا * بهم طالبا للنور في الظلمات
فكيف ومن أنى يطالب زلفة * الى الله بعد الصوم والصلوات
سوى حب أبناء النبي ورهطة * وبغض بني الزرقاء والعبلات
وهند وما أدت سمية وابنها * اولوا الكفر في الاسلام والفجرات
هم نقضوا عهد الكتاب وفرضه * ومحكمه بالزور والشبهات
ولم تك الا محنة كشفتهم * بدعوى ضلال من هن وهنات
تراث بلا قربى وملك بلا هدى * وحكم بلا شورى بغير هداة
رزايا أرتنا خضرة الأفق حمرة * وردت اجاجا طعم كل فرات
وما سهلت تلك المذاهب فيهم * على الناس الا بيعة الفلتات
ولو قلدوا الموصى إليه زمامها * لزمت بمأمون على العثرات
أخي خاتم الرسل المصطفى من القذى * ومفترس الأبطال في الغمرات
فان جحدوا كان الغدير شهيده * وبدر واحد شامخ الهضبات
وآيٍ من القرآن تتلى بفضله * وايثاره بالقوت في اللزبات
مناقب لم تدرك بكيد ولم تنل * بشئ سوى حد القنا الذربات
نجي لجبريل الأمين وأنتم * عكوف على العزى معاً ومناة
ذكرت محل الربع من عرفات * فأجريت دمع العين بالعبرات
وفل عرى صبري وهاجت صبابتي * رسوم ديار أقفرت وعرات
مدارس آيات خلت من تلاوة * ومنزل وحي مقفر العرصات
لآل رسول الله بالخيف من منى * وبالركن والتعريف والجمرات
ديار لعبدالله بالخيف من منى * وللسيد الداعي إلى الصلوات
ديار علي والحسين وجعفر * وحمزة والسجاد ذي الثفنات
ديار لعبدالله والفضل تلوه * نجي رسول الله في الخلوات
وسبطي رسول الله وابني وصيه * ووارث علم الله والحسنات
منازل وحي الله ينزل بينها * على أحمد المذكور في السورات
منازل قوم يهتدى بهداهم * فتؤمن منهم زلة العثرات
منازل كانت للصلاة وللتقى * وللصوم والتطهير والحسنات
منازل لا فعل يحل بريعها * ولا ابن فعال هاتك الحرمات
منازل جبريل الأمين يزورها * من الله بالتسليم والرحمات
منازل وحي الله معدن علمه * سبيل رشاد واضح الطرقات
ديار عفاها جور كل منابذ * ولم تعف بالأيام والسنوات
فيا وارثي علم النبي وآله * عليكم سلام دائم النفحات
قفا نسأل الدار التي خف أهلها * متى عهدها بالصوم والصلوات؟!
وأين الألى شطت بهم غربة النوى * أفانين في الأطراف منقبضات
هم أهل ميراث النبي إذا اعتزوا * وهم خير قادات وخير حماة
مطاعيم في الإعسار في كل مشهد * لقد شرفوا بالفضل والبركات
أئمة عدل يقتدى بفعالهم * وتؤمن منهم زلة العثرات
وما الناس إلا غاضب ومكذب * ومضطغن ذو أحنة وترات
إذا ذكروا قتلى ببدر وخيبر * ويوم حنين أسبلوا العبرات
فكيف يحبون النبي ورهطه * وهم تركوا أحشاءهم وغرات
لقد لا ينوه في المقال واضمروا * قلوباً على الأحقاد منطويات
فان لم تكن الا بقربي محمد * فهاشم اولى من هن وهنات
سقى الله قبرا بالمدينة غيثه * فقد حل فيه الا من بالبركات
نبي الهدى صلى عليه مليكه * وبلغ عنا روحه التحفات
وصلى عليه ماذر شارق * ولاحت نجوم الليل مبتدرات
أفاطم لو خلت الحسين مجدلا * وقد مات عطشانا بشط فرات
اذا للطمت الخد فاطم عنده * وأجريت دمع العين في الوجنات
أفاطم قومي يا ابنة الخير واندبي * نجوم سماوات بأرض فلات
قبور بكوفان وأخرى بطيبة * وأخرى بفخ نالها صلواتي
وآخر من بعد النبي مبارك * زكي آوى بغداد في الحفرات
توفوا عطاشا بالعراء فليتني * توفيت فيها قبل حين وفاتي
وقبر بأرض الجوزجان محله * وقبر بباخمرى لدى العرمات
وقبر ببغداد لنفس زكية * تضمنها الرحمن في العرصات
وقبر بطوس يالها من مصيبة * تردد بين الصدر والحجبات
إلى الله أشكو لوعة عند ذكرهم * سقتني بكأس الثكل والصعقات
فأما الممضات التي لست بالغا * مبالغها مني بكنه صفات
إلى الحشر حتى يبعث الله قائما * يفرج منها الهم والكربات
نفوس لدى النهرين من بطن كربلا * معرسهم فيها بشط فرات
أخاف بأن ازدارهم ويشوقني * معرسهم بالجزع من نخلات
تقسمهم ريب المنون فما ترى * لهم عقدة مغشية الحجرات
سوى أن منهم بالمدينة عصبة * مدى الدهر أضناه من الأزمات
قليلة زوار سوى بعض زور * من الضبع والعقبان والرخمات
لها كل حين نومة بمضاجع * لهم من نواحي الأرض مختلفات
وقد كان منهم بالحجاز وأهلها * مغاوير نحارون في السنوات
تنكب لأواء السنين جوارهم * فلا تصطليهم جمرة الجمرات
إذا وردوا خيلا تشمس بالقنا * مشارع موت أفخموا الغمرات
وإن فخروا يوما أتوا بمحمد * وجبريل والفرقان و السورات
ملامك في أهل النبي فإنهم * أحباي ما عاشوا وأهل ثقاتي
تخيرتهم رشدا لامري فإنهم * على كل حال خيرة الخيرات
فيا رب زدني من يقيني بصيرة * وزد حبهم يا رب في حسناتي
بنفسي أنتم من كهول وفتية * لفك عناة أو لحمل ديات
أحب قصي الرحم من أجل حبكم * وأهجر فيكم أسرتي وبناتي
وأكتم حبيكم مخافة كاشح * عتيد لأهل الحق غير موات
لقد حفت الأيام حولي بشرها * وإني لأرجو الأمن بعد وفاتي
ألم تر إني مذ ثلاثين حجة * أروح وأغدو دائم الحسرات؟!
أرى فيئهم في غيرهم متقسما * وأيديهم من فيئهم صفرات
فآل رسول الله نحف جسومهم * وآل زياد حفل القصرات
بنات زياد في القصور مصونة * وآل رسول الله في الفلوات
إذا وتروا مدوا إلى أهل وترهم * أكفا من الأوتار منقبضات
فلولا الذي أرجوه في اليوم أو غد * لقطع قلبي إثرهم حسراتي
خروج إمام لا محالة خارج * يقوم على اسم الله والبركات
يميز فينا كل حق وباطل * ويجزي على النعماء والنقمات
سأقصر نفسي جاهدا عن جدالهم * كفاني ما ألقى من العبرات
فيا نفس طيبي ثم يا نفس أبشري * فغير بعيد كل ما هو آت
فإن قرب الرحمن من تلك مدتي * وأخر من عمري لطول حياتي
شفيت ولم أترك لنفسي رزية * ورويت منهم منصلي وقناتي
أحاول نقل الشمس من مستقرها * وأسمع أحجارا من الصلدات
فمن عارف لم ينتفع ومعاند * يميل مع الأهواء والشبهات
قصاراي منهم أن أموت بغصة * تردد بين الصدر واللهوات
كأنك بالأضلاع قد ضاق رحبها * لما ضمنت من شدة الزفرات