|
قسم الكتاب و السنة تعرض فيه جميع ما يتعلق بعلوم الوحيين من أصول التفسير و مصطلح الحديث .. |
في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .
آخر المواضيع |
|
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
2016-07-02, 18:40 | رقم المشاركة : 1 | ||||
|
رسالة إلى فقير
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. أما بعد: أخي الفقير: لقد حزت بالفقر سبقاً.. وكسبت به شأوًا.. لو تأملت في ثواب الفقراء.. وما أعده الله لهم في جنان السماء! فالفقر – أخي – بلاء.. ووسام تقلَّده أغلب الأنبياء.. وورثه عامة العلماء.. فطوبى لمن فقه في الحياة سِرَّه.. ودفع بالحسنى ضرَّه.. وأظهر فيه لله صبره.. فما هو أدب الفقر؟ وهل فيه للمسلم من فضل؟ وما هي أسبابه؟ وكيف دفعه وضرابه؟ أدب الفقر أخي.. ذكر النووي رحمه الله في كتابه النافع: «رياض الصالحين» بابًا في الفقر.. فسماه: باب «فضل الفقر».. وقد عَلَّقَ بعضُ المحقِّقين للكتاب على كلام النووي رحمه الله فقال: كيف يكون للفقر فضلٌ وقد تَعَوَّذَ نبيُّ الله صلى الله عليه وسلم منه؟! لكنني تأملت في كلام النووي رحمه الله فوجدتُه أعمق بكثير من كلام ذاك المحقق.. فهو رحمه الله لم يجهل تعوُّذات النبي صلى الله عليه وسلم من الفقر، وإنما أراد بقوله : باب «فضل الفقر» إثارة انتباه القارئ إلى ما يجهله عن ثواب هذا البلاء الذي شرع التَّعَوُّذ منه.. كان رحمه الله يلفت الأنظار إلى أدب الفقر.. ذلك الأدب الذي يقوم على أمرين اثنين: الأول : هو التعوذ بالله منه.. والإلحاح على الله جل وعلا في سؤاله الغنى والعفاف.. لعموم الأدلة الدالة على مشروعية الاستعاذة بالله من البلاء، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قد تعوذ بالله من الفقر، وأمر بذلك؛ فكان صلى الله عليه وسلم من استعاذاته : «اللهم إني أعوذ بك من الكفر والفقر ن وأعوذ بك من عذاب القبر، لا إله إلا أنت». وكان صلى الله عليه وسلم يقول : «تعوذوا بالله من الفقر والقلة والذلة وأن تظلم أو تظلم». [السلسلة الصحيحة 1445]. وسيأتي الكلام على ذكر أسباب الفقر. الثاني : هو الرضا بقضاء الله سبحانه إذا أصيب المسلم بفاقة أو نقص من مال، والتأدب بأدب الصبر والرضا بقدر الله سبحانه.. لأن الله جل وعلا ما خلق الفقر إلا تمحيصاً وبلاءً للعباد، وبيَّن سبحانه وتعالى ذلك غاية البيان والتوضيح في القرآن فقال: }وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ{. أخي الكريم: فتأمل كيف جعل الله جل وعلا نقص المال من البلاء الذي يبتلى به عباده، وتأمل كيف نسب إحداث البلاء إلى نفسه فقال: }وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ{: مؤكداً ذلك على سبيل التحقيق.. ثم تأمل أيضا كيف سمى «نقص المال» مصيبة!.. وكيف بشر الصابرين على ما ابتلاهم به من فاقة ونقص.. ثم كيف عَلَّمهم أدبَ الصبر من الاسترجاع.. وكيف وَعَدَهم الرحمةَ والفلاح! أخي الفقير.. أنت مستخلف في الأرض تمنع عنك خيراتها حيناً.. ليظهر معدن إيمانك ويعرف اتجاه ميلانك.. هل هو إلى التسخط والكفر.. أم إلى الرضا والصبر.. كما قال صلى الله عليه وسلم : «إن الدنيا حلوة خضرة، وإن الله مستخلفكم فيها فينظر كيف تعلمون، فاتقوا الدنيا واتقوا النساء فإن أول فتنة في بني إسرائيل كانت في النساء». [رواه مسلم]. تذكر – أخي- أن كل من على وجه الأرض مبتلى.. الفقير بفقره.. والغني بغناه.. وإذا كان نبي الله سبحانه: سليمان قد قال حينما أكرمه ربُّه بالملك: }هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ{.. فحري بكل فقير أن ينتبه لحاله، ويقول: هذا من حكم ربي ليبلوني ءأصبر أم أكفر.. بل قد لفت رسول الله صلى الله عليه وسلم النظر إلى أن فتنة الفقر أهون من فتنة الغنى فقال : «ما أخشى عليكم الفقر، ولكني أخشى عليكم التكاثر وما أخشى عليكم الخطأ ولكني أخشى عليكم التعمد». [السلسلة الصحيحة رقم:2316]. أخي الفقير: لا تحزن ففاقتك ذخر لك عند الله، ألم تسمع لرسول الله صلى الله عليه وسلم إذ قال: «لو تعلمون ما لكم عند الله عز وجل لأحببتم لو أنكم تزدادون حاجة وفاقة». [السلسلة الصحيحة :2169]، ادفعها بأدب الدعاء.. واستثمرها بأدب الصبر وحسن الظن بالله.. انظر بعين قلبك إلى قرب الله منك.. تدبر علمه بأحوالك.. ورؤيته لحالك.. وسمعه لأنينك.. ومعيته لك.. ثم هاتفه بأعماق قلبك: لك الحمد ملء السموات وملء الأرض وملء ما بينهما وملء ما شئت من شيء بعد.. تحمل همزات من أقرانك.. وغمزات من خلانك.. وتسخط من أهلك.. وضجر من ولدك.. وأرهم أدب العبودية.. في عزة وتواضع.. وتحمل وتناصح.. ولسانك لهاج بالحمد على النعمة.. والصبر على النقمة. أخي الفقير: لا تحزن.. واختزل هموم فقرك في أدبين: الاستعاذة منه والصبر عليه!
|
||||
|
|
المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية
Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc