آه يا الغربة...

[مشكلتي]

السلام عليكم

هذه قد لا تكون مشكلة بقدر ماهي تفريغ لما في نفسي، مانيش عارف علاش راني هنا نكتب، مضت فترة طويلة جدا ما شاركتش في المنتدى لكن بالصدفة اليوم دخلت و دخلت مباشرة لقسم مشكلتي، كان هو القسم المفضل عندي في كل المنتدى، نشفا كنت نجي او نكتب او نسيي نساعد الناس من منظوري البسيط..

المهم، حبيت نشارك معكم قصتي، ربما لم أشاركها كاملة مع أي شخص من قبل ابدا، حتى أقرب الأصدقاء والعائلة. مين نبدى، انا كنت طالب متفوق قليلا، شفت بعد ان دخلت الجامعة انه لا مستقبل لي في هذه البلد، طموحاتي، قدراتي، أهدافي كلها كانت ضد التيار مع الجزائر.

بديت نحوس على طرق الدراسة في الخارج بعد ان تعلمت قليلا الإنجليزية. انذاك كان لي هدف واحد فقط، ان اخرج من الجزائر مهما كان الثمن، شفت الطلاب اللي يقراو معانا او يتخرجو يتحصلو على اجور اقل ما يقال عنها انها مذلة وإهانة للإنسان، هذا إذا تحصلو على عمل. كي يلحق الكراء يولي تقريبا يساوي المدخول الشهري في بلد لطالما تنعم بالخيرات الطبيعية لكن اللي حاكمينا يعني ماعنديش كلمة بالعربية نقدر نوصفهم بيها. بديت نقارن، لماذا حنا في الجزائر عايشين في فقر؟ علاش كلش بالمعريفة؟ علاش كل هذا الفساد في كل شيء رغم اننا ندّعي الإسلام؟ وفوق هذا كله، لماذا نرضى بهذه الحياة ونحن نرى الاموال تنهب، قطاع الصحة كارثي، قطاع التعليم بدون ما نتكلمو عليه...

المهم ربي قدر ان اول جامعة بعثتلهم ردت عليا، واجتزت بعض الإمتحانات، تفوقت فيها والحمد لله، كان ذالك شعور رائع ومحزن في نفس الوقت، رائع لانني ساسافر للإقامة والدراسة في بلد لطالما حلمت اني نروح ليه، اين الحكم بالعدل، ومحزن لانني مكنتش مستعد نتخلى على الناس اللي كنت نعرفهم، على العائلة نظرا لصغر سني نسبيا انذاك، 19 سنة في عامي الاول في الجامعة. كنت نعرف طفلة وكنت ناويها فالحلال، كنت مصارحها من الاول اني اسعى للدراسة فالخارج، لما تم قبولي اخبرتها بانني ساسافر، وكان لازم عليها تنساني، هي طلبت مني نستمرو في العلاقة فالإنترنت، نيتي انذاك كانت ان اتجاوز انانيتي ونخليها، وماحبيتش نقعد معاها فالحرام، كنت بلغتها مرات كثيرة قبل هذاك الوقت اني مكنتش راضي بالعلاقة هاذي في الصيغة اللي راهي فيها، ولطالما توقفنا عن الحديث بإقتناع ثم تمر الايام ونعاودو نتلاقاو في الجامعة ونكرر نفس الغلطة.. حبيت نهدر مع الاهل تعها، كنت لا خدمة لا مصروف، وكنت مازلت صغير فتركت الامر وإفترقنا بعد ان تناوشنا في الكلام، سبحان الله في الجزائر لو كان الحلال سهل لما إظطريت نوصل لوين وصلت. جوزت ايام مأساوية وعلابالي بلي نستاهل، وقتها إلتفت للدين مجددا وحبيت نعاود نجدد حياتي، والله يسامحني على الالم الي خليت الطفلة تعيشو انذاك..

كنت نوجد للرحيل، كنت نقرى كثيرا عن الإسلام وكنت نوجد روحي للغربة، كنت خايف يجي نهار يسقسيوني في ديني منعرفش نجاوب، كنت حاب نمثل ديني احسن تمثيل، آه كي نتفكر، تبدلت بزاف...

سافرت اخيرا، كان ولايزال عندي حقد كبير جدا على المسؤولين في الجزائر بسبب تجارب مريت بها مع الجمارك، مع الإدارات، مع السفارات، مع بعض الاعمال خارج الجامعة اللي الدولة وقفتلي في الطريق كما حطمت مستقبل الكثيرين..... قررت ان انسى مادمت خرجت وبلوكيت كل مواقع الاخبار الجزائرية، باش منزيدش نسمع والو، وبدات حياة جديدة لطالما ظننت اني كنت واجد نتاقلم ونعيش فيها، لكني كنت غالط بزاف... مرت ايام صعبة عليا خاصة اني قررت ان لا أخالط العرب والجزائريين إلا طلاب الجامعات، او اللي يبانو ناس تع عايلة. هذي نصيحة لكل واحد مسافر لبلد مايعرفش فيه الناس، ماتخالطش المقيمين الغير الشرعيين إلا اذا كنت تعرفهم وتعرف ظروفهم، هذا لا يعني انك ماتساعدهمش بلى، لكن المخالطة والإحتككاك بزاف جيبلك غير المشاكل.

بدات اموري تستقر بشوي، صبت منصب عمل بسيط بعد اشهر، كنت في اليوم الواحد اكسب اكثر من شهريتي في الخدمات الصيفية الشاقة اللي كنت نخدمهم فالجزائر، لكن عمري ماحسيت روحي في بلدي، دائما أشعر بأنني غريب في بلد الغربة، وبالمقابل إزداد بغضي للجزائر اكثر في كل مرة نرجع فيه للبلاد، وإقتنعت انني لا يمكن ان اعيش في الجزائر أبدا بعد ان الفت النظام والعدل في الغربة.

في المقابل كثير جدا من الناس حاسبين بلي الحياة فالغربة جنة، هذه ليست الحقيقة على الإطلاق، صحيح ان الوسط هنا انظف و اكثر تطورا، ومختلف المرافق متوفرة، والعمل جيد إذا كان الإنسان متمكن، لكن مثلما ذكرت من قبل لم أشعر ولا يوم بالإنتماء، علاقاتي مع الناس هنا سطحية جدا، عندي بعض الاصدقاء المقربين لكن ليسو مسلمين، او مسلمين مغتربين مثلي لا يمارسون دينهم إلا في عدم اكل الخنزير.

بكل صراحة الناس في الجزائر عايشين حياة اكثر سعادة رغم كل الضغوطات، هذا في نظري يرجع للإيمان في قلوب الناس، تجد البعض ممن لا يملك شيئا ويعاني في حياته يؤمن بأن عيشته في الجنة افضل، والدنيا مجرد محطة، البعض حتى يؤمن بأن كثرة المصائب مكفرة للذنوب. كذلك تقريبا اينما تذهب الناس إجتماعية، حتى اننا نشتكي في الجزائر من كثرة الكلام في الاسواق، في الحافلات، في الاقسام، في الاعراس، في المقاهي.. لكن الحقيقة ان هذه الحياة الإجتماعية تنسي كثير من الناس همومها. الأمر مختلف تماما في بلاد الغرب، على عكس ما نعتقد، أكثر الناس لا يؤمنون بشيء، مذهبهم عش الحياة بأقصى ما يمكنك من متعة، لا مسيحية ولاهم يحزنون. لهذا تجد الكثير جدا من الناس في قنوط، كذلك الحياة الإجتماعية منعدمة تقريبا، الكل منصب في عمله او في دراسته لا يفكر إلا في مستقبله، لا احد يلتفت للآخر. قناة ال BBC TWO مؤخرا بثت وثائقي بعنوان عصر الوحدة "The Age of Loneliness" أنصح من هو متمكن بالإنجليزية بمشاهدته ليأخذ نظرة عما أتكلم عنه هنا عن الحياة في بريطانيا.

أحيانا نحس بلي ماكاش اللي يفهمني او ماكاش اللي نقدر نفرغ معاه قلبي، حتى أصدقائي المقربين في الجزائر تعقدت منهم صرت مانقدرش نحكي على همومي، يقولولي راك لاباس بيك راك غير تشكي، وكأنه لم يعد لي الحق في الشعور بالحزن او الشكوى، وانا في الداخل غير ربي اللي يعلم، شوق كبير جدا للاهل دائما حتى اني ماوليتش نحب نشوفهم بزاف خاطش نتفكر، وحتى الاهل لازم كل يوم نوريلهم بلي راني عايش لاباس لان امي تخمم وتخاف عليا بزاف، ثم بعد ان نكمل الحديث ونكون وحدي نشعر بالم داخلي كبير لا ادري لماذا، احيانا نكون نمشي فالشارع وحدي برا لاباس حتى طيحلي الدمعة وننعزل لكاش مكان فارغ نبدى نبكي كالرضيع، رغم اني حياتي كلها مانشفاش على روحي بكيت غير إذا كانت وفاة او مرض لشخص عزيز عليا، ولات تأتيني نوبات حزن أحيانا وأحيانا أشعر أنني فقدت الرغبة فالحياة، رغم كل ما املك. لم اعد ارى الحياة بنفس المنظور اللي كنت نشوفها بيه فالجزائر، جادلت الكثير من أصدقاءي الملحدين بدعوى تقريبهم للدين حتى كنت انا من اصبح متشكك، كثير من الامور كنت اجهلها (كنظرية التطور مثلا التي تدرس هنا كحقيقة علمية وليس مجرد نظرية، رغم انها لا تخالف وجود الخالق) احيانا اقول ياريتني لم ادخل في هذه المتاهات و بقيت مسلم يقيني مثلما كنت ولو عن جهل. اعلم ان الكثير من الناس قد يحاسبني هنا في قصتي هذه، لكنها الحقيقة بدون نفاق، الكثير منا في الجزائر مسلم بالوراثة، لم يختر، نشئ في وسط إسلامي ذو فكر واحد ولم يفكر كثيرا في دينه، هو يطبق ما روي له، وشفت الكثيرين ممن يدعون الإسلام في بلدنا لما يأتون هنا غير شرعيا يمارسون كل انواع الرذيلة والفسق لان المحيط الذي عاشو فيه هو الذي فرض عليهم التدين.

رغم كل هذه التناقضات في حياتي التي ربما زادتني سوءًا حاولت يوميا ولا ازال ان ابقى بعيدا عن الفتن، لم تدس قدمي نادي ليلي رغم ان هذا شائع جدا عند الجاليات ومقبول لدرجة كبيرة، ولم اقرب الزنا والحمد لله، الإقامات مختلطة وللأسف حتى بعض المسلمات ذوات تقافة إسلامية يعشن في هذه الاوساط في "عدم توازن".
لا ازال احاول التقرب من الله فهذه حقا ليست الحياة التي كنت أرغب ان اعيشها وإستفسرت الكثير من الناس في الإنترت ممن اثق في علمهم حول بعض الشكوك التي اهلتكني روحانيا. مازلت ادعو ان يسخر الله اناس صالحين ذوي علم يكونون سبب في هدايتي إلى اليقين "القطعي" من جديد.

في خضم كل هذا، عادت الفتاة التي كنت اعرفها من جديد الى الحديث معي في الإنترنت، لم اصارحها بتفاصيل حياتي ولم اعرف ماذا افعل هذه المرة، من جهة لست مستعد لان أخوض نفس تجربتي السابقة، ومن جهة أخرى ارى انه حتى لو طلبتها من اهلها وقبلت فربما لست مستعدا للخوض في هذه العلاقة وانا على هذه الحالة.
بكل صراحة كان حلمي منذ ان إغتربت ان اوفر عيشا افضل لعائلتي، ولازالت لم افعل شيئا لرد المقابل، رغم انهم لا ينتظرون مني شيئ، احيانا ارى انه علي التركيز اكثر في الدراسة والعمل، واحيانا ارى انه لو إرتبطت الآن في الحلال لربما كان افضل لي لصرف القليل من الفتنة، لكن حتى الزواج ليس بالسهل لمن لا يملك الجنسية هنا او عمل ثابت.

في الأخير، أعتذر كثيرا جدا عن لغتي الركيكة، مرت عامين لي في الغربة، إستغرقت ساعتين في كتابة هذا الموضوع بالعربية قدر ما استطيع وأشعر بان نفسيتي افضل قليلا الآن. من اراد ان يعلق او ينصح فهو على الرحب والسعة.