نقد الأخطاء والضلالات وجرح أهل الأهواء منهج شرعي - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الدين الإسلامي الحنيف > قسم النوازل و المناسبات الاسلامية ..

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

نقد الأخطاء والضلالات وجرح أهل الأهواء منهج شرعي

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2016-01-06, 22:30   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
أبو عمار
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










B11 نقد الأخطاء والضلالات وجرح أهل الأهواء منهج شرعي

نقد
الأخطاء والضلالات
وجرح أهل الأهواء
منهج شرعي



إضاءة
1 ـ قال شيخ الإسلام كما في "مجموع الفتاوى":
(ومثل أئمة البدع من أهل المقالات المخالفة للكتاب والسنة، أو العبارات المخالفة للكتاب والسنة؛ فإن بيان حالهم وتحذير الأمة منهم واجب باتفاق المسلمين) ا.هـ [1]
2 ـ وقال سماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن باز:
(الواجب على علماء المسلمين توضيح الحقيقة, ومناقشة كل جماعة أو جمعية، ونصح الجميع بأن يسيروا في الخط الذي رسمه الله لعباده، ودعا إليه نبينا محمد صلى الله عليه وسلم, ومن تجاوز هذا أو استمر في عناده لمصالح شخصية أو لمقاصد لا يعلمها إلا الله، فإن الواجب التشهير به والتحذير منه، ممن عرف الحقيقة). [2]
3 ـ وقال شيخنا العلامة المحدث مقبل بن هادي الوادعي وهو يرد على من يزهد في علم الجرح والتعديل:
(ﻓﺎﻟﺬﻱ ﻳﺰﻫﺪ ﻓﻲ ﺍﻟﺠﺮﺡ ﻭﺍﻟﺘﻌﺪﻳﻞ ﻓﻬﻮ ﻳﺰﻫﺪ ﻓﻲ ﺍﻟﺴﻨﺔ، ... ﻓﺄﻧﺎ ﺃﻗﻮﻝ: ﻻ ﻳﺰﻫﺪ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﺇﻻ ﺭﺟﻞ ﺟﺎﻫﻞ، ﺃﻭ ﺭﺟﻞ ﻓﻲ ﻗﻠﺒﻪ ﺣﻘﺪ، ﺃﻭ ﺭﺟﻞ ﻳﻌﻠﻢ ﺃﻧﻪ ﻣﺠﺮﻭﺡ ﻓﻬﻮ ﻳﻨﻔﺮ ﻋﻦ ﺍﻟﺠﺮﺡ ﻭﺍﻟﺘﻌﺪﻳﻞ ﻷﻧﻪ ﻳﻌﻠﻢ ﺃﻧﻪ ﻣﺠﺮﻭﺡ). [3]

مقدمة

الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فقد تصدر للدعوة بعض الكتاب يشنعون على من يرد الضلالات، ويكشف أصحابها، وينصح للمسلمين، ويصفون من يرد الضلالات بأنهم: "يتصيدون الأخطاء ويضخمونها، ويسيئون الظنون بالدعاة".
وهذه الشنشنة عرفناها من أخزم، حرموا التحذير من ضلالات أهل الأهواء، وأباحوا لأنفسهم أكل لحوم علماء أهل السنة ظلما كما سيرى القارئ الكريم – إن شاء الله تعالى -.
وصنف آخر يدافع عن أهل الضلالات، فإذا اختلف معهم على أمر دنيوي وجدناه يرشقهم بأنواع من التهم، وهذا أمر عجيب، إذ امتنع أن يتكلم فيهم لله تعالى لما ظهرت أخطاؤهم، وتكلم فيهم لحظ نفسه في أمر دنيوي – نسأل الله السلامة والعافية –.
ونسمع مثل هذه القصص كثيرا من أصحاب الأحزاب ومن سار بسيرهم، ممن يعذر بعضهم بعضا فيما اختلفوا فيه من أمور لا يسمح الإسلام بالاختلاف فيها، ولا يعذر بعضهم بعضا في الخلافات المالية، ومن لم يتكلم لله تعالى تكلم لحظ نفسه.
وهناك صنف من الناس يسكتون عن الآخرين ما سكتوا عنهم، فمن سكت عنهم سكتوا عنه وداهنوه ولو كان من ذوي الضلالات، ومن انتقد أخطاءهم فياويل المنتقدين، فإنك ستسمع فيهم من أنواع التشويش والمغالطات وتقليب الحقائق ما لا تكاد تصدقه.
فهؤلاء شيء، والعلماء الناصحون شيء آخر، لأنهم ينتقدون لله تعالى إذا علموا أن هذه الأخطاء ليس لها وجه شرعي سائغ.
والرد على الأخطاء أساس متين من دين الإسلام ولو كان المخطئ من الفضلاء، ومن ظن أن الرد على الفضلاء معناه تنقص هؤلاء الفضلاء فهو مخطئ، ولقد سكت أهل الكتاب عن أخطاء أئمتهم من الأحبار والرهبان لظنهم أن رد الخطأ الذي وقع فيه هؤلاء الفضلاء هو من تنقصهم، فتبدلت كثير من معالم دينهم. [4]
وهذه رسالة قصيرة في بيان أهمية النقد وضرورته، وحاجة الناس إليه - ولاسيما في هذا العصر الذي كثر فيه المتعالمون -.
وتتكون الرسالة من عدة مباحث:
المبحث الأول: مكانة النقد وأهميته.
المبحث الثاني: أدلة مشروعية الرد على الأخطاء وجرح أهل الضلالات.
المبحث الثالث: الغاية من نقد الأخطاء.
المبحث الرابع: الجرح ليس محصورا على الرواة فقط.
المبحث الخامس: الأسس العلمية التي يبنى عليها علماء أهل السنة نقدهم للطوائف والأشخاص.
المبحث السادس: جواز السؤال عن حال بعض حملة العلم والدعوة.
المبحث السابع: تناقض خصوم منهج النقد.


المبحث الأول
مكانة النقد وأهميته

طريقة الشريعة في بيان الحق على صورتين:
أولا: ـ عرض الحق وتقريره.
وثانيا: ـ الرد على المخالف.
فالقرآن العظيم قرر أصول العلم والإيمان أحسن تقرير، وفند شبهات المخالفين التي عارضوا بها الحق، فازداد أهل الإيمان إيمانا بأن أصول العلم والإيمان حق، وأن شبهات المشككين باطلة.
وهذه هي طريقة العلماء أيضا، يؤلفون كتبا في تقرير الحق، ويؤلفون كتبا في الرد على من خالف الحق، فهما أصلان عظيمان عند سلفنا الصالح، يرتبط أحدهما بالآخر ولا ينفك عنه.[5] والمسلمون لا يستغنون عن هذين الأمرين، فكلاهما مطلوب، ولاسيما أن الإسلام يُهاجم هجوما ظالما من دعاة الكفر والبدع والضلال، الذين يستخدمون في هجومهم كل وسيلة، من تقليب الحقائق، وإثارة الشبهات، وبتر النصوص والنقولات، وتزوير التاريخ، والتشويش على حملة العلم، فلا يكفي حينها تقرير الحق، ولكن يضاف إليه الرد على هذه الأباطيل، ودحضها، وتفنيدها، لتزداد النفوس إيمانا مع إيمانها، وثقة بأن ما ذكره الله حق في نفسه.
وكثير من الكتب - في كل أبواب العلم - ألفت للردود على الأخطاء، أو اشتملت على ردود، حتى فيما يسوغ فيه الخلاف، لتبقى الشريعة صافية محفوظة.
ومن هنا نعلم قيمة كتب الردود وأهميتها وحاجة الناس إليها، وأنها جزء مهم في المكتبة العلمية لطالب العلم، ترسم له الطريق ليسير فيه على يقين، وتكشف له ما قام به أئمتنا من جهود جبارة لحماية الشريعة، وصد عدوان أهل الضلال، وأنهم لم يكونوا يحابون أحدا في الدين.
فكتب الردود قد اشتملت على علم غزير وخير كثير.
قال شيخ الإسلام كما في "مجموع الفتاوى":
(تطهير سبيل الله ودينه ومنهاجه وشرعته ودفع بغي هؤلاء (أي: المبتدعة) وعدوانهم على ذلك واجب على الكفاية باتفاق المسلمين، ولولا من يقيمه الله لدفع ضرر هؤلاء لفسد الدين، وكان فساده أعظم من فساد استيلاء العدو من أهل الحرب). [6]
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية:
(فالراد على أهل البدع مجاهد حتى كان يحيى بن يحيى يقول: "الذب عن السنة أفضل من الجهاد"). [7]
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية:
(إذا كان مبتدعا يدعو إلى عقائد تخالف الكتاب والسنة، أو يسلك طريقا يخالف الكتاب والسنة، ويخاف أن يضل الرجل الناس بذلك، بين أمره للناس ليتقوا ضلاله ويعلموا حاله) ا.هـ [8]
وقال تلميذه العلامة ابن القيم:
(فقوام الدين بالعلم والجهاد، ولهذا كان الجهاد نوعين: جهاد باليد والسنان وهذا المشارك فيه كثير، والثاني الجهاد بالحجة والبيان وهذا جهاد الخاصة من اتباع الرسل، وهو جهاد الأئمة، وهو أفضل الجهادين لعظم منفعته وشدة مؤنته وكثرة أعدائه) ا.هـ [9]

وقال شيخنا العلامة المحدث مقبل بن هادي الوادعي:
(فإن من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومن الدعوة إلى الله بل ومن الجهاد في سبيل الله بيان عقيدة أهل السنة والجماعة والذب عنها، وكشف عوار أهل البدع والملحدين والتحذير منهم) ا.هـ [10]
وقال شيخنا: وهو يرد على من يزهد في علم الجرح والتعديل:
(ﻓﺎﻟﺬﻱ ﻳﺰﻫﺪ ﻓﻲ ﺍﻟﺠﺮﺡ ﻭﺍﻟﺘﻌﺪﻳﻞ ﻓﻬﻮ ﻳﺰﻫﺪ ﻓﻲ ﺍﻟﺴﻨﺔ، ... ﻓﺄﻧﺎ ﺃﻗﻮﻝ: ﻻ ﻳﺰﻫﺪ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﺇﻻ ﺭﺟﻞ ﺟﺎﻫﻞ، ﺃﻭ ﺭﺟﻞ ﻓﻲ ﻗﻠﺒﻪ ﺣﻘﺪ، ﺃﻭ ﺭﺟﻞ ﻳﻌﻠﻢ ﺃﻧﻪ ﻣﺠﺮﻭﺡ ﻓﻬﻮ ﻳﻨﻔﺮ ﻋﻦ ﺍﻟﺠﺮﺡ ﻭﺍﻟﺘﻌﺪﻳﻞ ﻷﻧﻪ ﻳﻌﻠﻢ ﺃﻧﻪ ﻣﺠﺮﻭﺡ). [11]


المبحث الثاني
أدلة مشروعية الرد على الأخطاء وجرح أهل الضلالات

المطلب الأول أدلة مشروعية الرد على الأخطاء
ونقد الأخطاء مشروع بالكتاب والسنة والإجماع.
أولا: ـ أدلة الكتاب:
اشتمل القرآن العظيم على توضيح أصول الإيمان، وهي الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خير وشره، ورد القرآن العظيم على المخالفين لهذه الأسس والأصول، وناقش شبهاتهم، ورد أباطيلهم بالحجج الواضحة والطرق المقنعة.
وقد ذكر الله تعالى شبهات المشركين في باب الألوهية وباب الأسماء والصفات وباب الإيمان باليوم الآخر وباب القدر وغيرها، ورد شبهاتهم، وأخبرنا سبحانه عن مناظرة نبي الله إبراهيم لعباد الكواكب، ومناظرته للنمروذ، ومناظرته لأبيه، ومناظرة الرسل لأممهم في إثبات الرسالة، وإثبات اليوم الآخر، كل هذا بيانا للحق، وردا للباطل.
وثانيا: ـ أدلة السنة:
1 ـ فمن ذلك قول صلى الله عليه وسلم: ("الدين النصيحة" قلنا: "لمن؟" قال: "لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم"). رواه مسلم في "صحيحه" عن أبي رقية تميم بن أوس الداري.
2 ـ ومن ذلك ما جاء عن عمارة بن رؤيبة أنه رأى بشر بن مروان على المنبر رافعا يديه يدعو بها، فقال: "قبح الله هاتين اليدين، لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يزيد على أن يقول بيده هكذا وأشار بإصبعه المسبحة". رواه مسلم في "صحيحه".
3 ـ ومن ذلك ما جاء عن سلمة بن عمرو بن الأكوع في حديث طويل وفيه قال سلمة: (فلما قدمنا خيبر قال خرج ملكهم مرحب يخطر بسيفه، وبرز له عمي عامر، قال: "فاختلفا ضربتين فوقع سيف مرحب في ترس عامر وذهب عامر يسفل له فرجع سيفه على نفسه فقطع أكحله فكانت فيها نفسه قال سلمة: فخرجت فإذا نفر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يقولون بطل عمل عامر قتل نفسه قال: فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم وأنا أبكي فقلت يا رسول الله بطل عمل عامر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من قال ذلك ؟" قال: قلت: "ناس من أصحابك قال": "كذب من قال ذلك بل له أجره مرتين"). رواه مسلم في "صحيحه".
4 ـ ومن ذلك أن سبيعة بنت الحارث طهرت من نفاسها بعد وفاة زوجها بأيام، فمر بها أبو السنابل، فقال: "إنك لا تحلي حتى تمكثي أربعة أشهر وعشرا"، فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم, فقال: "كذب أبو السنابل؛ ليس كما قال، قد حللت، فانكحي"). رواه سعيد بن منصور في "سننه" والشافعي في "الأم" وعنه البيهقي وغيره. [12]
5 ـ قال صلى الله عليه وسلم: (قل الحق ولو كان مرا). رواه الإمام أحمد عن أبي ذر.
وثالثا: ـ الإجماع:
فنقد الأخطاء أمر مجمع عليه عند السلف، وسارت الأمة على ذلك، فمن بلغه الخطأ وكان متأهلا، وقادرا على نقده، فإنه ينتقده ويبين وجه الصواب، فابن مسعود رد على أصحاب الحلق، وابن عمر رد قول القدرية ورد عليه بحديث جبريل، وابن عباس ناظر الخوارج ورد عليهم وفند شبهاتهم.
ورد الإمام أحمد والإمام البخاري والإمام الدارمي على الجهمية، فكل واحد من هؤلاء الأئمة له كتاب اسمه "الرد على الجهمية"، وما زالت الردود على أهل الضلال مستمرة إلى أن جاءت مدرسة الإمام المجدد شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام ابن تيمية، فكشف الله به الضلالات المنتشرة في وقته وزمنه، ولاسيما أنه قد صار لها مدارس ودعاة ينافحون عنها، فرد على الأشاعرة [13]، ورد على المعتزلة والجهمية والخوارج والمرجئة، ورد على الرافضة، ورد على الصوفية بأنواعها. [14]
ثم جاءت مدرسة الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب، فرد هو وأبناؤه وتلامذته وأحفاده على عباد الأضرحة والقبور، وفندوا شبهاتهم، وكشفوا تلبيساتهم على الناس.
ومازال العلماء يردون إلى زماننا هذا، فالشيخ العلامة عبد الرحمن بن يحيى المعلمي له كتابان في الرد على خصوم السنة أحدهما: "التنكيل" رد فيه على محمد زاهد الكوثري، وكتاب آخر وهو "الأنوار الكاشفة" رد فيه على الكاتب محمود أبي رية.
ورد الشيخ الألباني على كثير من المخالفين، وناقش شبهاتهم كما تجد ذلك في كتب مستقلة، أو تجده مفرقا في كتبه ولاسيما السلسلتين "الصحيحة" و"الضعيفة".
ورد سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز على المخالفين كما تجد ذلك في "مجموع فتاوى ومقالات متنوعة" لسماحته.
ومما ينبغي أن يعلم أن نقد الأخطاء ليس مخصوصا ببيان الضلالات فقط، بل حتى ببيان الصحيح في مسائل يسوغ فيها الخلاف، وبيان الأوهام التي لا يسلم منها أحد، فابن أبي حاتم له كتاب تتبع فيه أخطاء الإمام البخاري في "التاريخ الكبير"، والإمام مسلم ينتقد في مقدمة "صحيحه" على من يشترط اللقي ولا يكتفي بالمعاصرة، والدارقطني له كتاب "التتبع" انتقد أحاديث على البخاري ومسلم في صحيحيهما [15]، وشيخ الإسلام ابن تيمية له كتاب أسماه: "نقد مراتب الإجماع"، انتقد كتاب ابن حزم: "مراتب الإجماع"، وله في كتبه وفتاواه مناقشات طويلة لأتباع المذاهب، ولتلميذه العلامة ابن القيم له في "إعلام الموقعين"، ردود ومناقشات مع الفقهاء من جميع المذاهب ولاسيما الحنفية والظاهرية، وناقش في كتاب "مدارج السالكين" كثيرا من أخطاء أبي ذر الهروي في كتابه: "منازل السائرين"، ووبعض هذه الأخطاء لا يسوغ فيها الخلاف.
وتتبع شيخنا مقبل بن هادي الوادعي أوهام الحاكم التي سكت عليها الذهبي. [16]


المطلب الثاني
أدلة مشروعية جرح أهل الضلال

وأيضا جرح أهل الأهواء والضلالات ثابت بالكتاب والسنة والإجماع. [17]
قال الشيخ العلامة المحدث عبد الرحمن المعلمي:
(أول من تكلم في أحوال الرجال القرآن، ثم النبي صلى الله عليه وسلم، ثم أصحابه) ا.هـ [18]

أولا: ـ أدلة القرآن العظيم:
ذم القرآن أشخاصا بأعيانهم، وذم أشخاصا بأوصافهم، كما أثنى القرآن على أشخاص بأعيانهم، وأشخاصا بأوصافهم.

ثانيا: ـ أدلة السنة:
1 ـ عن أبي سعيد الخدرى قال بعث علي رضى الله عنه - وهو باليمن - بذهبة فى تربتها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أربعة نفر، فغضبت قريش فقالوا: "أتعطى صناديد نجد وتدعنا؟" فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إني إنما فعلت ذلك لأتألفهم". فجاء رجل كث اللحية، مشرف الوجنتين، غائر العينين ناتئ الجبين، محلوق الرأس، فقال: "اتق الله يا محمد". قال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فمن يطع الله إن عصيته ؟ أيأمننى على أهل الأرض ولا تأمنوني). قال: "ثم أدبر الرجل فاستأذن رجل من القوم فى قتله - يرون أنه خالد ابن الوليد - فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن من ضئضئ هذا قوما يقرءون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية، لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد"). رواه الشيخان.
2 ـ قالت فاطمة بنت قيس للنبي صلى الله عليه وسلم: (إن معاوية وأبا جهم قد خطباني, فقال لها: "أما أبو جهم فرجل ضراب للنساء, وأما معاوية فصعلوك لا مال له). رواه مسلم في "صحيحه".
قال الخطيب البغدادي:
(في هذا الخبر دلالة على أن إجازة الجرح للضعفاء من جهة النصيحة لتجتنب الرواية عنهم، وليعدل عن الاحتجاج بأخبارهم) ا.هـ [19]
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية:
(فبيّن النبي صلى الله عليه وسلم حال الخاطبين للمرأة ... فإن النصح في الدين أعظم من النصح في الدنيا, فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم نصح المرأة في دنياها فالنصيحة في الدين أعظم) ا.هـ [20]
4 ـ قوله صلى الله عليه وسلم في الرجل الذي استأذن عليه: (ائذنوا له فبئس أخو العشيرة).
قال الخطيب البغدادي:
(ففي قول النبي صلى الله عليه وسلم للرجل: بئس رجل العشيرة؛ دليل على أن إخبار المخبر بما يكون في الرجل من العيب - على ما يوجب العلم والدين من النصيحة للسائل - ليس بغيبة) ا.هـ [21]
3 ـ وقال النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ: (أفتان أنت يا معاذ ؟). [22]
4 ـ عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى في امرأتين من هذيل اقتتلتا فرمت إحداهما الأخرى بحجر، فأصاب بطنها وهي حامل، فقتلت ولدها الذي في بطنها، فاختصموا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقضى أن دية ما في بطنها غرة عبد أو أمة، فقال ولي المرأة التي غرمت: "كيف أغرم يا رسول الله من لا شرب ولا أكل ولا نطق ولا استهل فمثل ذلك يطل". فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إنما هذا من إخوان الكهان"). رواه الشيخان.
5 ـ قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من رأى منكم منكرا فليغيره بيده, فإن لم يستطيع فبقلبه, وذلك أضعف الإيمان). رواه مسلم.
ففي الحديث أن الرجل إذا كان مظهرا للفجور والبدع المخالفة السنة, وجب الإنكار عليه بحسب القدرة. [23]
بوب الإمام أبو داود في "كتاب الأدب" من "سننه" "باب: من ليست له غيبة"، ثم أورد تحته حديثا يدل على جواز الغيبة للحاجة.
قال العلامة ابن القيم في "تهذيب السنن":
(وإدخال أبي داود هذا الحديث هنا يريد به أن ذكر الرجل بما فيه في موضع الحاجة ليس بغيبة مثل هذا، ونظيره ما تقدم من حديث عائشة المتفق عليه: "ائذنوا له فبئس أخو العشيرة". بوب عليه البخاري: "باب غيبة أهل الفساد والريب". وذكر في الباب عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أظن فلانا وفلانا يعرفان من ديننا شيئا". وفي الباب حديث فاطمة بنت قيس لما خطبها معاوية وأبو جهم فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أما معاوية فصعلوك، وأما أبو جهم فلا يضع العصا عن عاتقه". وقالت هند للنبي صلى الله عليه و سلم: "إن أبا سفيان رجل شحيح". وقال الأشعث بن قيس للنبي صلى الله عليه وسلم في خصمه: "إنه امرؤ فاجر". وقال الحضرمي بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم في خصمه: "إنه رجل فاجر لا يبالي ما حلف عليه، وليس يتورع من شيء". رواه مسلم) ا.هـ [24]
ومن الأدلة على جرح أهل الضلال الأدلة التي تدل على جواز جرح الشهود، إذ كيف يجوز جرح مسلم لأمور دنيوية، ولا يجوز جرحه في لمصلحة الشريعة ؟!.
وقال سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز:
(الواجب على علماء المسلمين توضيح الحقيقة, ومناقشة كل جماعة أو جمعية، ونصح الجميع بأن يسيروا في الخط الذي رسمه الله لعباده، ودعا إليه نبينا محمد صلى الله عليه وسلم, ومن تجاوز هذا أو استمر في عناده لمصالح شخصية أو لمقاصد لا يعلمها إلا الله، فإن الواجب التشهير به والتحذير منه، ممن عرف الحقيقة). [25]

ثالثا: ـ الإجماع:
فقد أجمعت الأمة على جرح أهل الضلال. [26]
قال شيخ الإسلام كما في "مجموع الفتاوى":
(ومثل أئمة البدع من أهل المقالات المخالفة للكتاب والسنة، أو العبارات المخالفة للكتاب والسنة؛ فإن بيان حالهم وتحذير الأمة منهم واجب باتفاق المسلمين، حتى قيل لأحمد بن حنبل: "الرجل يصوم ويصلي ويعتكف أحب إليك، أو يتكلم في أهل البدع ؟" فقال: "إذا صام وصلى واعتكف فإنما هو لنفسه، وإذا تكلم في أهل البدع فإنما هو للمسلمين، هذا أفضل) ا.هـ [27]
وقال ابن رجب الحنبلي في "الفرق بين النصيحة والتعيير":
(ولا فرق بين الطعن في رواة حفَّاظ الحديث، ولا التمييز بين من تقبل روايته منهم ومن لا تقبل، وبين تبيين خطأ من أخطأ في فهم معاني الكتاب والسنة، وتأوَّلَ شيئاً منها على غير تأويله وتمسك بما لا يتمسك به ليُحذِّر من الاقتداء به فيما أخطأ فيه، وقد أجمع العلماء على جواز ذلك أيضاً) ا.هـ



المطلب الثالث
حكم نقد الأخطاء والضلالات وجرح أهل الأهواء

ونقد الأخطاء والضلالات وجرح أهل الأهواء تتعلق به ثلاث مسائل من حيث حكمه الشرعي:
الأولى: أنه واجب شرعي لا يجوز تركه.
قال شيخ الإسلام كما في "مجموع الفتاوى":
(ومثل أئمة البدع من أهل المقالات المخالفة للكتاب والسنة، أو العبارات المخالفة للكتاب والسنة؛ فإن بيان حالهم وتحذير الأمة منهم واجب باتفاق المسلمين) ا.هـ [28]
وقال سماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن باز:
(الواجب على علماء المسلمين توضيح الحقيقة, ومناقشة كل جماعة أو جمعية، ونصح الجميع بأن يسيروا في الخط الذي رسمه الله لعباده، ودعا إليه نبينا محمد صلى الله عليه وسلم, ومن تجاوز هذا أو استمر في عناده لمصالح شخصية أو لمقاصد لا يعلمها إلا الله، فإن الواجب التشهير به والتحذير منه، ممن عرف الحقيقة) ا.هـ [29]
الثانية: أنه على الفور لا يجوز تأخيره، لأن تأخيره يؤدي إلى انتشاره واغترار الناس به، بل قد يغتر به حتى بعض طلاب العلم كما عرفنا من ذلك يقينا.
الثالثة: أنه فرض كفاية، فإذا قام به بعض المتأهلين على الوجه الصحيح [30] سقط عن الآخرين، فإذا قصّر بعضهم وجب على الآخرين أن يقوموا بذلك حتى يسقط الوجوب.
وقد لا يسقط الوجوب برد واحد من أهل العلم، وذلك إذا انتشرت البدعة، وحينها يجب على العلماء أن يقوموا بما أوجب الله عليهم من كشف هذه البدعة، ومن هنا كثرت ردود الأئمة على بدعة الجهمية وغيرها لأنها انتشرت في زمانهم، واغتر بها كثير من الناس.
والبدع - الموجودة في الأمة - اليوم كثيرة، ودعاتها لا يحصون عددا، ونشاطهم لا يتوقف، ومنابرهم كثيرة ومتنوعة، وأدوارهم مختلفة ومتجددة، وأهل العلم - المتأهلون للردود - من أهل السنة قليل على عدد الأصابع، فماذا تأتي هذه الردود مع هذه الإمكانيات الضخمة ؟!

المبحث الثالث
الغاية من نقد الأخطاء

والغاية من نقد الأخطاء والضلالات بيان الحق، والذب عن الدين، وبقائه معظما في النفوس، وبيان المخالفات، وإماطتها عن الطريق، ورجوع المخالف إلى الصواب، أو إقامة الحجة عليه، وكسر شوكته، وكشف عواره، واستبانة سبيل المجرمين.
ومن مقاصد الشريعة في نقد الأخطاء موعظة الغافل، وزجر المتساهل، وتعليم الجاهل، وتربية الأجيال على النصيحة والوضوح.
وإذا عرفت هذا فلا فرق في نقد الأخطاء بين الزلة التي وقع فيها العالم، وبين العمد، إذ النصيحة تقتضي بيان الخطأ لأنه مخالف للصواب، بقطع النظر عن سبب هذا الخطأ، وإنما يكون التفريق في الحكم لا في النقد.
فالتزهيد في كتب الردود، والتقليل من قيمتها وشأنها، نفس غريب مندس بين أهل العلم، لا يظهر في موضع أو زمن إلا وكبرت فيه قرون أهل البدع والضلال، وزادت وقاحتهم.


المبحث الرابع
جرح من يستحق الجرح ليس محصورا على الرواة فقط

ظهر في الآونة الأخيرة من يدعي أن الجرح مخصوص بالرواة فقط، ولذلك ادعى أن الجرح انتهى بتدوين كتب السنة وبيان حال الرواة فيها، وهذا الذي قالوه غلط، وإن كان قد قال به بعض الفضلاء، وهذا الغلط لم يقل به أحد من قبل ذلك، ويمكننا الجواب عنه من وجوه:

أحدها: أن دلالة الآيات والأحاديث - التي تقدم ذكر بعضها – عامة، ولا وجه لتخصيصها بالرواة، لأنها اشتملت على جرح من يستحق الجرح في باب النكاح والعشرة الزوجية واختصام الخصوم عند القاضي وجرح الشهود وبيان حقيقة من يفتي بغير علم وغير ذلك.

الثاني: أن جرح الرواة [31] لم يكن لذات الرواية، وإنما كان ذبا عن الدين، وعليه فيبين أحوال أهل الأهواء للسبب نفسه لأن العلة واحدة. [32]

والثالث: قد رأينا أن الأئمة جرحوا أهل الأهواء من غير الرواة، فجرحوا عبد الله بن سبأ، والجهم بن صفوان، ومعبد الجهني، وغيرهم. [33]

والرابع: أن الأئمة قد نصوا على أن الجرح يشمل الرواة وغيرهم.
1 ـ قال شيخ الإسلام ابن تيمية:
(ولهذا وجب بيان حال من يغلط في الحديث والرواية، ومن يغلط في الرأي والفتيا، ومن يغلط في الزهد والعبادة ...) ا.هـ [34]
وقال شيخ الإسلام كما في "مجموع الفتاوى":
(وإذا كان النصح واجبا في المصالح الدينية الخاصة والعامة:
أ ـ مثل نقلة الحديث الذين يغلطون أو يكذبون ...
ب ـ ومثل أئمة البدع من أهل المقالات المخالفة للكتاب والسنة، أو العبارات المخالفة للكتاب والسنة؛ فإن بيان حالهم وتحذير الأمة منهم واجب باتفاق المسلمين) ا.هـ [35]
2 ـ ذكر العلامة ابن القيم في "زاد المعاد" فوائد حديث كعب بن مالك فقال:
(ومنها: جواز الطعن في الرجل - بما يغلب على اجتهاد الطاعن - حمية، أو ذبا عن الله ورسوله، ومن هذا: طعن أهل الحديث فيمن طعنوا فيه من الرواة، ومن هذا: طعن ورثة الأنبياء، وأهل السنة في أهل الأهواء والبدع، لله لا لحظوظهم وأغراضهم) ا.هـ [36]
3 ـ وقال ابن رجب الحنبلي في "الفرق بين النصيحة والتعيير":
(ولا فرق بين الطعن في رواة حفَّاظ الحديث ولا التمييز بين من تقبل روايته منهم ومن لا تقبل، وبين تبيين خطأ من أخطأ في فهم معاني الكتاب والسنة وتأوَّلَ شيئاً منها على غير تأويله وتمسك بما لا يتمسك به ليُحذِّر من الاقتداء به فيما أخطأ فيه، وقد أجمع العلماء على جواز ذلك أيضاً) ا.هـ

المبحث الخامس
الأسس العلمية التي يبنى عليها علماء أهل السنة نقدهم للطوائف والأشخاص

والنقد الشرعي يسير على أسس شرعية قويمة، وأصول سلفية مستقيمة، وهي:

الأصل الأول:
الإخلاص لله تعالى، وقصد الذب عن الدين، لأن الرد على أهل الضلالات بمنزلة الجهاد، وإذا كان الأمر كذلك كان الإخلاص فيه واجبا، وإلا كان بمنزلة من يقاتل حمية أو يقاتل رياء.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية:
(ثم القائل في ذلك بعلم لابد له من حسن النية، فلو تكلم بحق لقصد العلو في الأرض أو الفساد كان بمنزلة الذي يقاتل حمية ورياء، وإن تكلم لأجل الله تعالى مخلصا له الدين كان من المجاهدين في سبيل الله من ورثة الأنبياء خلفاء الرسل) ا.هـ [37]
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية:
(وهكذا الرد على أهل البدع من الرافضة وغيرهم، إن لم يقصد منه بيان الحق وهدي الخلق ورحمتهم والإحسان إليهم لم يكن عمله صالحا، وإذا غلظ في ذم بدعة أو معصية، كان قصده بيان ما فيها من الفساد، ليحذر العباد كما في نصوص الوعيد وغيرها، وقد يهجر الرجل عقوبة وتعزيرا، والمقصود بذلك ردعه وردع أمثاله للرحمة والإحسان، لا للتشفي والانتقام) ا.هـ [38]
قال شيخ الإسلام ابن تيمية:
(والأمر بالسنة والنهي عن البدعة هو أمر بمعروف ونهي عن منكر، وهو من أفضل الأعمال الصالحة، فيجب أن يبتغي به وجه الله، وأن يكون مطابقا للأمر) ا.هـ [39]

الأصل الثاني:
استعمال العدل والإنصاف القائم على الكتاب والسنة ومنهج السلف، والحذر من ظلم والغلو في جرحه، فلا يبدع المخالف لخطأ، ولا يكفر لبدعة غير مكفرة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية:
(ولما كان أتباع الأنبياء هم أهل العلم والعدل، كان كلام أهل الإسلام والسنة مع الكفار وأهل البدع بالعلم والعدل لا بالظن وما تهوى الأنفس) ا.هـ [40]

الأصل الثالث:
أن يكون الخطأ ثابتا عنه، فلا ينسب لأحد قول لم يقله، حتى يوثق قوله من كتبه وأشرطته، ومن جلسائه.

الأصل الرابع:
تسمية المنتقد عليه عند الحاجة، وترك التسمية إن لم تكن هناك حاجة، أو كانت هناك حاجة وخشيت المفسدة.
روى أبو داود في "سننه" من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا بلغه عن الرجل الشيء لم يقل: "ما بال فلان يقول؟" ولكن يقول: "ما بال أقوام يقولون"). [41]
قال النووي في "شرح مسلم":
(قوله: "إنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم حمد الله تعالى وأثنى عليه فقال: ما بال أقوام قالوا كذا وكذا" هو موافق للمعروف من خُطَبه صلى الله عليه وسلم في مثل هذا أنه إذا كره شيئا فخطب له ذكر كراهيته، ولا يعين فاعله، وهذا من عظَم خُلُقه صلى الله عليه وسلم، فإن المقصود من ذلك الشخص وجميع الحاضرين وغيرهم ممن يبلغه ذلك، ولا يحصل توبيخ صاحبه في الملأ) ا. هـ [42]
وقال النووي في "شرح مسلم": في شرح حديث بريرة وذكر فوائده:
(السابعة والعشرون: استعمال الأدب وحسن العشرة وجميل الموعظة، كقوله صلى الله عليه وسلم: "ما بال أقوام يشترطون شروطا ليست في كتاب الله" ولم يواجه صاحب الشرط بعينه لأن المقصود يحصل له ولغيره من غير فضيحة وشناعة عليه). [43]
فإن كانت هناك حاجة واقتضت المصلحة تسمية المذكور سميناه، وقد سمى النبي صلى الله عليه وسلم بعض أهل الضلال كذي الخويصرة، وسمى بعض فضلاء الصحابة مثل معاوية وأبي الجهم لما خطبا فاطمة بنت قيس، وسمى علي بن أبي طالب لما أراد أن يخطب بنت أبي جهل، وأقر من يسمي بحضرته ولم ينكر، كتسمية هند بنت عتبة زوجها أبا سفيان، وتسمية معاذ لما أطال الصلاة.
وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قد سمى بعض الفضلاء في وقت كان الخير هو الغالب، فكيف بزمننا الذي كثر فيه أهل الضلالات، وعظمت بهم المحنة، فماذا يقال فيهم ؟!

الأصل الخامس:
استعمال الشدة والغلظة عند الحاجة.
قال شيخ الإسلام كما في "مجموع الفتاوى":
(فإن المؤمن للمؤمن كاليدين تغسل إحداهما الأخرى، وقد لا ينقلع الوسخ إلا بنوع من الخشونة، لكن ذلك يوجب من النظافة والنعومة ما نحمد معه ذلك التخشين) ا.هـ [44]
وقال سماحة الشيخ عبد العزيز ابن باز:
(والخلاصة أن الشريعة الكاملة جاءت باللين في محله، والشدة في محلها، فلا يجوز للمسلم أن يتجاهل ذلك، ولا يجوز أيضاً أن يوضع اللين في محل الشدة، ولا الشدة في محل اللين، ولا ينبغي أيضاً أن ينسب إلى الشريعة أنها جاءت باللين فقط، ولا أنها جاءت بالشدة فقط، بل هي شريعة حكيمة كاملة صالحة لكل زمان ومكان ولإصلاح جميع الأمة، ولذلك جاءت بالأمرين معاً، واتسمت بالعدل والحكمة والسماحة، فهي شريعة سمحة في أحكامها وعدم تكليفها ما لا يطاق، ولأنها تبدأ في دعوتها باللين والحكمة والرفق، فإذا لم يؤثر ذلك وتجاوز الإنسان حده وطغى وبغى أخذته بالقوة والشدة وعاملته بما يردعه ويعرفه سوء عمله، ومن تأمل سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وسيرة خلفائه الراشدين وصحابته المرضيين وأئمة الهدى بعدهم عرف صحة ما ذكرناه). [45]

الأصل السادس:
نقد المقالات التي تشتمل على أخطاء صريحة، أو تفضي إلى مفاسد سدا للذريعة.

الأصل السابع:
إذا تكلم شخص من أهل العلم في شخص وحذر منه، وهو من العارفين بأسباب الجرح، وكان كلامه بحجة وبيان، فالأصل أن كلامه مقبول إلا إذا بينوا غلطه في ذلك، ولا يرد بحجة أنه واحد، لأن اتفاق العلماء ليس بشرط.

الأصل الثامن:
لا يرد الخطأ إلا متأهل للرد ولو لم يكن عالما، فمن اطلع على الخطأ وعرف أنه خطأ شرع له الرد وإن كان طالب علم يرد على عالم.
قال الحافظ ابن رجب الحنبلي في رسالة: "الحكم الجديرة بالإذاعة من قول النبي صلى الله عليه وسلم: "بعثت بالسيف بين يدي الساعة":
(فأما مخالفة بعض أوامر الرسول صلى الله عليه وسلم خطأ من غير عمد، مع الاجتهاد على متابعته، فهذا قد يقع فيه كثير من أعيان الأمة من علمائها وصلحائها، ولا إثم فيه، بل صاحبه إذا اجتهد فله أجر على اجتهاده، وخطؤه موضوع عنه، ومع هذا فلم يمنع ذلك من علم أمر الرسول الذي خالفه هذا أن يبين للأمة أن هذا مخالف لأمر الرسول، نصيحة لله ولرسوله ولعامة المسلمين.
وهب أن هذا المخالف عظيم له قدر وجلالة، وهو محبوب للمؤمنين؛ إلا أن حق الرسول مقدم على حقه، وهو أولى بالمؤمنين من أنفسهم.
فالواجب على كل من بلغه أمر الرسول وعرفه أن بيينه للأمة وينصح لهم، ويأمرهم باتباع أمره وإن خالف ذلك رأي عظيم من الأمة).
وقال ابن رجب: (وكذلك المشائخ والعارفون كانوا يوصون بقبول الحق من كل من قال الحق - صغيرا كان أو كبيرا - وينقادون له) ا.هـ [46]
وقال ابن رجب: (فلم يزل الناس بخير ما كان فيهم من يقول الحق ويبين أوامر الرسول صلى الله عليه وسلم التي خالفها من خالفها، وإن كان معذورا مجتهدا مغفورا له، وهذا مما خص الله به هذه الأمة لحفظ دينها الذي بعث به رسوله صلى الله عليه وسلم فإنها لا تجتمع على ضلالة بخلاف الأمم السابقة) ا.هـ [47]
قال الشيخ إسحاق ابن غانم العلثي:
(ولو كان لا ينكر من قل علمه على من كثر علمه إذا لتعطل الأمر بالمعروف، وصرنا كبني إسرائيل حيث قال تعالى: "كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه"، بل ينكر المفضول على الفاضل، وينكر الفاجر على الولي) ا.هـ [48]
فقول يغضهم: "لا يرد على العالم إلا عالم" قول ليس بصحيح. [49]

الأصل التاسع:
ضرورة التفريق بين الأخطاء والضلالات، فخطأ العالم الفاضل الذي تحرى الحق بقدر استطاعته، غير ضلال المبتدع الزائغ من عدة جهات، فخطأ العالم المجتهد يرد عليه ولكن لا يوبخ ولا يشنع عليه، بينما يوبخ المبتدع ولا يذكر بخير، وهذا الأمر خفي على الحدادية الجهال، فهم لا يفرقون بين خطأ العالم، وضلال المبتدع.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية:
(ومن علم منه الاجتهاد السائغ فلا يجوز أن يذكر على وجه الذم والتأثيم له، فإن الله غفر له خطأه، بل يجب لما فيه من الإيمان والتقوى موالاته ومحبته والقيام بما أوجب الله من حقوقه: من ثناء ودعاء وغير ذلك) ا.هـ [50]

الأصل العاشر:
الاهتمام ببيان وكشف المناهج المنسوبة إلى السنة والجماعة، فهذا أولى من غيره، ولذلك كانت مؤلفات شيخ الإسلام تعالج مناهج تنتسب إلى أهل السنة والجماعة - وهي بعيدة عنها-؛ فألف في مثل: "در تعارض العقل والنقل" و"بيان تلبيس الجهمية" و"الحموية" و"الواسطية" و"التدمرية" و"التوسل والوسيلة" و"الرد على البكري" و"الرد على الأخنائي"، وجانب كبير من فتاواه، وغيرها. [51]

المبحث السادس
جواز السؤال عن حال بعض حملة العلم من الكتاب والدعاة

الأصل في حملة العلم والدعوة أنه لا يسمع لهم ولا يركن إليهم، حتى تعرف مناهجهم وانتماءاتهم [52]، فمن كان سليم العقيدة قبلناه، ومن لم يكن كذلك لم نقبله، ولاسيما في هذا العصر الذي كثرت فيه الانحرفات العقدية، وظهر كثير من هؤلاء في وسائل الإعلام.
قال التابعي الجليل محمد ابن سيرين:
(إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم). رواه مسلم في مقدمة "صحيحه".
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية:
(إذا كان مبتدعا يدعو إلى عقائد تخالف الكتاب والسنة، أو يسلك طريقا يخالف الكتاب والسنة، ويخاف أن يضل الرجل الناس بذلك، بُيّن أمره للناس ليتقوا ضلاله ويعلموا حاله) ا.هـ [53]
ومن هنا نعلم أن تصنيف الناس [54] إلى نوعين أحدهما: مأمون يؤخذ عنه، والثاني: غير مأمون فلا يؤخذ عنه، تصنيف صحيح لا غبار عليه، وهو تصنيف القرآن العظيم، والسنة النبوية، وتصنيف سلفنا الصالح.
قال شيخ الإسلام كما في "مجموع الفتاوى":
(فالله تعالى ذم الكافر والفاجر والفاسق والظالم والغاوي والضال والحاسد والبخيل والساحر وآكل الربا وموكله والسارق والزاني والمختال والفخور والمتكبر الجبار وأمثال هؤلاء؛ كما حمد المؤمن التقي والصادق والبار والعادل والمهتدي والراشد والكريم والمتصدق والرحيم وأمثال هؤلاء) ا.هـ [55]
وهو تصنيف السلف من الصحابة والتابعين وأتباعهم، ألم يقل التابعي الجليل محمد ابن سيرين: (لم يكونوا يسألون عن الإسناد، فلما وقعت الفتنة قالوا: "سموا لنا رجالكم" فينظر إلى أهل السنة فيؤخذ حديثهم، وينظر إلى أهل البدع فلا يؤخذ حديثهم). رواه مسلم في "صحيحه".
أليس هذا تصنيفا للناس إلى أهل سنة فيقبل حديثهم، وأهل بدعة فيرد حديثهم ؟!

ـ








 


رد مع اقتباس
 

الكلمات الدلالية (Tags)
منهج, الأخطاء, الأهواء, شرعى, والضلالات, نخرج


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 00:56

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2024 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc