المـُتَنفِّعون
*
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه أجمعين .
أما بعد :
فالأحداث غالباً ما تُبين مواقف البعض إما سلبي أو إيجابي وتظهر معادن القوم .
فحادثة سقوط الرافعة بالمسجد الحرام بمكة المكرمة عشية يوم الجمعة 27/11/1436هـ ؛ استغلها الـمُتَنَفِّعون "الذين يصطادون
*
في الماء العكر" فأظهروها في مواقع التواصل وبعض وسائل الإعلام بأبشع التصورات وأقاموا الدنيا ولم يقعدوها وما ذلك إلا
*
هوىً في نفوسهم وإظهاراً لما يبطنون من الحقد الدفين ، فضخموا الحادثة ؛ بينما يحدث في بلدان العالم ما هو أسوء منها
*
وأبشع وأسبابها تكون افتعالية أو إهمالا وتساهلا أو خيانة وغير ذلك ، ولم نرى الأقلام تنبري لذلك .
وفي الوقت نفسه حادثة سقوط الرافعة ليس لأحد من البشر فيها يدٍ لا من بعيد ولا من قريب ، لا مباشر ولا غير مباشر ، فهذه
*
قدرة الله تعالى ، وجند من جنوده ]وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ[ ، فالريح هذه من جنود الله تعالى وآياته ، وقد تكون هذه الأحداث
*
عقوبة تارة ، وابتلاء وامتحان تارة ، قال تعالى: ]وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً[ ، ]أَتَصْبِرُونَ[ .
فكانت الريح ذلك اليوم فاقة سرعتها (90 كيلاً في الساعة) مما ليس لأحد تلاشي ما ستحدثه من خراب ودمار على جميع
*
المستويات ، ولكن "الـمُتَنَفِّعون" أرادوا نشر الشائعات لإظهار أن "الحكومة السعودية" مقصِّرة فيما يلزم ، وكذبوا والله ، وإنما
*
أفعالهم هذه من إشاعة الفاحشة .
قال تعالى : ]إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ[ . والفاحشة ليست فاحشة
*
الزنا فحسب ، بل التحدث بكل ما تسمع وبكل ما ترى سواء كان كذباً وزوراً ، وغثاً وسميناً.
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن خَالِد بن معدان قَالَ : "من حدث بِمَا أَبْصرت عَيناهُ وَسمعت أذنَاهُ فَهُوَ من الَّذين يحبونَ أَن تشيع الْفَاحِشَة
*
فِي الَّذين آمنُوا" . "الدر المنثور" للسيوطي (5/62) .
وأخرج البخاري في "الأدب المفرد" (324) عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : "القَائلُ الفَاحِشَةَ ، والذِي يُشيعُ بِها ؛ فِي
*
الإثمِ سَواءٌ" . وحسنه الألباني .
وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (كَفَى بِالْمَرْءِ كَذِباً أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ) . أخرجه مسلم وغيره .
فكان الأولى بهؤلاء "الـمُتَنَفِّعون" أن يقفوا مع حكومتهم وحكامهم وبيان مآثرهم وجهودهم في خدمة الحجيج ، وبناء وتوسعة
*
وصيانة المسجدين "الحرام والنبوي" بدلاً من الفوضى التي يحدثونها ، وعلى أقل تقدير إلا امتثلوا قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
*
(مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْراً أَوْ لِيَصْمُتْ) . متفق عليه .
والسؤال المطروح لـ"الـمُتَنَفِّعين" :
لقد قامت مشاريع عملاقة في محيط المسجدين "الحرام والنبوي" ابتداءً من الهدم والإزالة للمباني والفنادق الشامخة كانت حول
*
المسجدين وذلك للتوسعة ؛ مروراً بتشييد الأبراج كـ"وقف الملك عبد العزيز" العملاق والنادر في العالم ، وأبراج جبل عمر بمكة
*
والأبراج بالمدينة النبوية حول المسجد النبوي ، وأنفاق مكة عند الحرم ومشاريع القطارات وتوسعة المسجدين وبذات توسعة
*
"الملك عبد الله" يرحمه الله ، والتي هي أكبر توسعة للمسجد الحرام حتى الآن على مر التاريخ البشري . وهلمجر ..
فهل حدث مثل حادثة سقوط الرافعة هذه أثناء العمل بالمشاريع الآنفة الذكر ؟!
يحيرون جواباً ..
فإننا نخشى أن تكون هناك أيدي خفية تُحرك هذه الأقلام أو تلك ؛ لتصوير حكومة "المملكة العربية السعودية" للعالم بأبشع
*
الصور ، ولكن نقول لهم وبملئ أفواهنا : موتوا بغيضكم ، فالأفعال هي التي تتكلم ، ومواقف حكومتنا متمثلة في "خادم الحرمين
*
الشريفين" الملك سلمان يحفظه الله ؛ هي التي تتكلم وتدافع ، فمع أنّ وصوله حفظه الله من خارج البلاد كان حديثاً ؛ إلا أنّ
*
متاعب السفر لم تأخره ولم تثنيه عن الوقوف بنفسه على موقع الحادثة ، وزيارة المصابين ومواستهم وذوي المتوفين .
فنصيحتي لهؤلاء "الـمُتَنَفِّعون" وأمثالهم الالتزام بآداب الشرع الحنيف في الكفِّ عمّا لا يعنيهم بشيء ويتمثلون بقوله صَلَّى اللهُ
*
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (مِنْ حُسْنِ إِسْلاَمِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَا لاَ يَعْنِيهِ) . رواه الإمام مالك ، وأحمد .
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين .
كتبه /
*
أبو فريحان جمال بن فريحان الحارثي
*
يوم الاثنين 30 / 11 / 1436هـ
*
منقول عن شبكة سحاب السلفية
*