الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، أما بعد :
من المعلوم أن ديننا الحنيف كامل لا نقص فيه إذ أنه بيّن لنا كل الأمور من عبادات و معاملات و أكل و شرب و حتى المسكن و الملبس و لهذا يعد اللباس الإسلامي من الدين لا كما يظنه البعض أنه متعلق بفترة زمنية معينة فهذا غلط فهو مخالفة للكفار و النبي صلى الله عليه و سلم أمرنا أن نخالفهم في كل شيء ولهذا يجب أن نخالفهم في مظهرنا ، هذا في فيما يخص اللباس ، و أما ما يتعلق باللحية فهي من أهم ما أمرنا أن نخالف بها الكفار فمنهم من يقول أن اللحية سنة و ليست بواجب و أن الأحاديث الواردة في إعفاء اللحية ضعيفة ، و لهذا سنرد على هذه الشبهة بعدة أدلة تثبت وجوب إعفائها و تحريم حلقها و تثبت صحة الأحاديث و من كان يشكك في أحاديث إعفاء اللحية و يقول أنها ضعيفة فكتب السنة بيننا فهاهو صحيح البخاري و صحيح مسلم فليرجع إليهما ليتحقق و هاهي كتب السلف مثل كتب ابن تيمية و غيره فليرجع إلى أقوالهم .
قال تعالى: ( لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً) [الأحزاب : 21]
فان أسوتنا و قدوتنا رسول الله صلى الله عليه و سلم و إن طاعته من طاعة الله فقد قال تعالى
(وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ) [آل عمران : 132]. و قال : (َوأَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَاحْذَرُواْ فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاَغُ الْمُبِينُ) [المائدة : 92].
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى : ليس أمر النبي بإعفاء اللحية هو دليل وحيد على تحريم حلقها بل يحرم حلقها بالقرآن و من أبين الأدلة على هذا قول الله عز و جل الذي نقل لنا فيه قول إبليس: ( َقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيباً مَّفْرُوضاً * وَلأُضِلَّنَّهُمْ وَلأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأَنْعَامِ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللّهِ وَمَن يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيّاً مِّن دُونِ اللّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَاناً مُّبِيناً) [النساء : 119-118].
و قال الشيخ الألباني عند هذه الآية : ''فهذا نص صريح في أن تغيير خلق الله دون إذن منه تعالى : إطاعة لأمر الشيطان وعصيان للرحمن جل جلاله ، فلا جرم أن لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المغيرات خلق الله للحسن ، ولا شك في دخول اللحية للحُسْن في اللعن المذكور ، بجامع الاشتراك في العلة - كما لا يخفى - وإنما قلت " دون إذن من الله تعالى " لكي لا يتوهم أنه يدخل في التغيير المذكور مثل حلق العانة ونحوها مما أذن فيه الشارع بل استحبه أو أوجبه "[1]
فاللحية هي الفطرة التي فطر الله عليها الرجال فانبت شعراَ في وجه الرجال و أمرهم ألا يزيلوها و أيضا انبت شعرا متفرقا في مناطق أخرى في الرجل و النساء ألا و هي العانة و تحت الإبط و أمرهم أن يزيلوها ، و اللحية تميز الرجل عن المرأة بل هي من ابرز مظاهر الرجولة و الخشونة و حالقها يعد متشبها بالنساء ، و هي كذلك شعار المسلم و وسام السنة و دليل حب المسلم للرسول صلى الله عليه و سلم و اقتداءه به و هي سنة كل الأنبياء و على رأسهم سيد الخلق محمد صلى الله عليه و سلم فمن هذا نأخذ أن إطلاق اللحية أصل في شريعة كل نبي ، قال الله تعالى: ( قَالَ يَا ابْنَ أُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَن تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي) [طه :94]
وقد كان أهل الكتابين في زمن الجاهلية يعفون لحاهم؛ متابعة منهم لما كان عليه الأنبياء المتقدمين، و يمكن أن يستدل لهذا بما رواه ابن إسحاق في "السير والمغازي"[2] وسيرة ابن هشام في هجرة المسلمين الثانية إلى الحبشة، ومناظرة جعفر بن أبي طالب – رضي الله عنه بحضرة النجاشى وفيه :
" فقرأ عليه صدراً من سورة ( كهيعص) فبكي والله النجاشي حتى أخضل لحيته وبكت أساقفته حتى أخضلوا مصاحفهم "[3]
قال ابن حزم: '' اتفقوا أن حلق جميع اللحية مثلة لا تجوز.. واتفقوا أن قص الشارب وقطع الأظفار وحلق العانة ونتف الإبط حسن''.[4]اهـ.
''فلا تلتفت أخي إلى من أفل قلبه وانطمس نوره, وانتكست فيه أعلام الهدى , وراح يتخبط في ظلمات الاستحسان و غيابات الذوق وزبالات العقل، وقال بجواز الحلق .
هذا في مصادمة النص , فترتب على ذلك أن استحسن القبيح , وصار المعروف عنده منكراً والمنكر معروفا , فأنكر السنن , و أحيا الأهواء والبدع في نفسه وفي نفوس أناس – مُثلة- مثله، لم يقيموا للنصوص وزنا , ولا لأهلها قدرا .
والغريب العجيب أن ترى أكبر فرقة – من فرق المسلمين الضالة الآن – تأمر أتباعها بإعدام لحاهم كلما بقلت وجوههم بها – أعني : الفرقة الاخوانية – هداهم الله تعالى .
لأجل ذلك، كانت الحاجة إلى التذكير , والدعوة للعودة إلى السنة وترك التنديد , و إعذارا لرب العالمين , وطاعة للنبي العظيم المبعوث رحمة للعالمين , وحرصاً على إخواننا المسلمين،''[5].
فنسأل الله أن يهدينا لما يحبه و يرضاه و أن يخرس السنة في قلوب إخواننا الغافلين.
وجوب إعفاء اللحية و قص الشوارب :
قال النووي: ''وأما إعفاء اللحية فمعناه توفيرها ، وهو معنى : ( أوفوا ) في الرواية الأخرى ، وكان من عادة الفرس قص اللحية ، فنهى الشرع عن ذلك . إلى أن قال : فحصل خمس روايات أعفوا . وأوفوا . وأرخوا . وأرجوا ووفرواومعناها كلها تركها على حالها ، هذا هو الظاهر من الحديث الذي تقتضيه ألفاظه ''[6]. اهـ .
عن بن عباس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله ليه و سلم : '' قصوا الشوارب و أعفوا اللحى ''[7]
عن رجل من الأنصار عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : '' أَعْفُوْا لـِحَاكُمْ، وَلَا تَشَبَّهُوْا بِاليَهُوْدِ''[8].
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضياللهعنه، عَنِ النَّبِيِّ صلىاللهعليهوسلمقَالَ: ''أَحْفُوْا الشَّوَارِبَ، وَأَعْفُوْا اللِّحَى، وَلَا تَشَبَّهُوْا بِالْيَهُوْدِ''[9].
عنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عُمَرَ رضياللهعنه، قَالَ: ذُكِرَ لِرَسُوْلِ اللهِ صلىاللهعليه وسلم المَجُوْسَ، فَقَالَ: ''إِنَهُمْ يُوَفِّرُوْنَ سِبَالَـهُمْ[10]، وَيَحْلِقُوْنَ لِحَاهُمْ، فَخَالِفُوْهُمْ''[11].
قلت :بما أنها مخالفة للكفار فهي أيضا من فطرة الإسلام و الدليل على هذا ما جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال :''مِنْ فِطْرَةِ الإِسْلَامِ: الغُسْلُ يَوْمَ الجُمُعَةِ، والاِسْتِنَانُ، وَأَخْذُ الشَّارِبِ، وَإِعْفَاءُ الـلِّحَـى؛ فَإِنَّ المَجُوْسَ تُعْفِيْ شَوَارِبَهَا، وَتُحْفِيْ لِحَاهَا، فَخَالِفُوْهُمْ: خُذُوْا شَوَارِبَكُمْ، وَأَعَفُوْا لِحَاكُمْ''[12].
و عن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :''عَشْرٌ مِنْ الْفِطْرَةِ: قَصُّ الشَّارِبِ، وَإِعْفَاءُ اللِّحْيَةِ، وَالسواك، وَاسْتِنْشَاقُ الْماءِ، وَقَصُّ الْأَظْفَارِ، وَغَسْلُ الْبَرَاجِمِ، وَنَتْفُ الْإِبْـــطِ، وَحَلْقُ الْعَـــانَةِ، وَانْتِقَاصُ الْمــاءِ''.
قَالَ زَكَرِيَّا: قَالَ مُصْعَبٌ: وَنَسِيتُ الْعَاشِرَةَ إِلَّا أَنْ تَكُونَ المَضْمَضَةَ.
زاد قتيبة: قال وكيع: "انْتِقَاصُ الْماءِ" يَعْنِي: الِاسْتِنْجَاءَ. [13]
و يوجد دليل قوي في وجوب إعفاء اللحية :
كتب رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى كسرى ملك الفرس يدعوه إلى الإسلام، فلما قرأ كتاب رسول الله ه مزَّقه، فأُخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه و سلم ؛ فدعا عليهم أن يُمَزقُوا كل ممزق[14]، ثم إن كسرى كتب إلى عامله ملك اليمن باذان: أن ابعث إلى هذا الرجل الذي بالحجاز رجلين من عندك جَلْدَيْن، فليأتياني به؛ فبعث باذان قهرمانه، وهو: بَابَوَيْه -وكان كاتباً حاسباً بكتاب فارس- وبعث معه رجلاً من الفُرس يقال له: خُرَّخُسرة، وكتب معهما إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم يأمره أن ينصرف معهما إلى كسرى، وقال لبَابَوَيْه: ائت بلد هذا الرجل، وكلِّمه، وائتني بخبره. فخرجا حتى قدما الطائف، فوجدا رجالاً بِنَخِب من أرض الطائف، فسألاهم عنه، فقالوا: هو بالمدينة، واستبشروا بهما، وفرحوا؛ وقال بعضهم لبعض: أبشروا فقد نَصِب له كسرى ملك الملوك، كفيتم الرجل!
فخرجا حتى قدما على رسول الله صلى الله عليه و سلم ، فكلَّمه بابويه، فقال: إن شاهانشاه ملك الملوك كسرى؛ قد كتب إلى الملك باذان، يأمره أن يبعث إليك مَنْ يأتيه بك؛ وقد بعثني إليك لتنطلِق معي؛ فإن فعلت كتب فيك إلى ملك الملوك ينفعك ويكفُّه عنك؛ وإن أبيت فهو ما قد علمت! فهو مُهْلِكُك، ومُهْلِكُ قَوْمَكَ، ومُخَرِّبُ بلادك؛ ودخلا على رسول الله صلى الله عليه و سلم ؛ وقد حلقا لحاهما، وأعفيا شواربهما؛ فكره النظر إليهما، ثم أقبل عليهما، فقال: «ويلكما! من أمركما بهذا؟»، قالا: أمرنا بهذا رَبنا -يعنيان كسرى- فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم: «لكنَّ ربي قد أمرني بإعفاء لحيتي، وقَصِّ شاربي»، ثم قال لهما: «ارجعا حتى تأتياني غداً»[15]
قلت و الشاهد من الحديث : لكنَّ ربي قد أمرني بإعفاء لحيتي،وقَصِّ شاربي .
تأمل بارك الله فيك فالنبي صلى الله عليه و سلم لما رائهما من حلاق اللحى أدار وجهه و لم ينظر إليهما فكيف ينظر إلينا يوم القيامة يوم نلقاه على الحوض و نحن بهذا المظهر ؟ فالناس تبعت على ما ماتت عليه كما في الحديث : عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: '' يُبْعَثُ كُلُّ عَبْدٍ عَلَى مَا مَاتَ عَلَيْهِ''[16].
أيرضيك أن يبعثك الله حالقا للحيتك فلا ينظر إليك النبي صلى الله عليه و سلم كما فعل مع الكافرين في الحديث؟
أخي المسلم إن حلق اللحية يعد من تشبه الرجال بالنساء فقد جاء في الحديث : ''عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه، قَالَ: لَعَنَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه و سلم الْمـُتَشَبِّهِينَ مِنْ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ، وَالْمـُتَشَبِّهَاتِ مِنْ النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ.''[17]
و عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنهما ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه و سلم يَقُولُ: '' لَيْسَ مِنَّا مَنْ تَشَبَّهَ بِالرِّجَالِ مِنْ النِّسَاءِ، وَلَا مَنْ تَشَبَّهَ بِالنِّسَاءِ مِنْ الرِّجَالِ''[18].
وعن هشام بن العاص الأموي قال : بعثت أنا ورجل آخر إلي هرقل صاحب الروم ندعوه إلى الإسلام – فذكر القصة بطولها – وفيها: أن هرقل أراهم صور الأنبياء في خرق من حرير، فذكر:
في صفة نوح – عليه الصلاة والسلام - انه كان حسن اللحية .
وفي صفة إبراهيم – عليه الصلاة والسلام – أنه كان أبيض اللحية .
وفي صفة إسحاق – عليه الصلاة والسلام – أنه كان خفيف العارضين .
وفي صفة يعقوب – عليه الصلاة والسلام – أنه كان يشبه أباه إسحاق .
وفي صفة عيسي – عليه الصلاة والسلام – أنه كان شديد سواد اللحية"[19]
أقول :و مما سبق يظهر لنا أنه لا يجب علينا التشبه بالنساء فاللحية تدل على الرجولة كما يجب علينا كذلك مخالفة الكفار في مظهرهم سواء في إعفاء اللحية أو في اللباس .