السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
أجمل ما قيل في استعارة الكتب من الشعر
♦ قال الطَّحاويُّ: كان الشافعِيُّ قد طَلبَ من محمد بن الحسن كتابَ السِّيرِ، فلم يُجِبْه، فكتب إليه:
قُل للَّذي لَم تَرَ عيْ *** نُ مَن رآهُ مِثلَهُ
حتَّى كأنَّ مَن رآ *** هُ قَد رَأى مَن قَبلَهُ
العِلمُ يَنْهى أهلَهُ *** أن يَمنَعوهُ أهلَهُ
لَعَلَّه يَبذُلُهُ *** لِأَهْلِهِ لَعَلَّهُ
فوجَّه إليه به في الحال هديةً لا عارية[2].
♦ وذكر المقَّري في (نفح الطيب):
قال مُنذِر بنُ سعيد: كتبتُ إلى أبي عليٍّ البَغداديِّ أستعير منه كتابًا من الغريب، وقلت:
بحقِّ ريمٍ مُهَفْهَفْ *** وصُدغِه المتعطِّفْ
ابعَثْ إليَّ بجُزءٍ *** من الغريبِ المصنَّفْ
فقضى حاجتي، وأجاب بقوله:
وحقِّ دُرٍّ تألَّفْ *** بفيك أيَّ تألُّفْ
لأبعثَنَّ بما قد *** حَوى الغريبُ المُصنَّفْ
ولو بَعَثْتُ بنَفْسي *** إليكَ ما كنتُ أُسرفْ[3]
♦ ذكر ابن أبي أُصَيْبِعة أنه وصل إلى دمشقَ تاجرٌ من بلاد العجم، ومعه نسخة من شرح ابن أبي صادق لكتاب
"منافع الأعضاء" لجالينوس، وهي صحيحة معقولة من خطِّ المصنف، ولم يكن قبلَ ذلك منها نسخة في الشام،
فحمَلها أبي فكتَب إليه عزُّ الدين بن السويدي قصيدة يَمدحه بها ويطلب منه إعارة الكتاب المذكور،
فيقول:
وامنُنْ فأنت أخو المكارمِ والعُلى *** بكتابِ شرح مَنافعِ الأعضاءِ
وإعارةُ الكتبِ الغريبةِ لم تَزَلْ *** مِن عَادة العُلماء والفُضلاءِ
فبعث إليه الكتاب وهو في جزأين، فنقَل منه نسخة في الغاية من حسن الخطِّ وجودة النَّقْط والضَّبط[4].
♦ وفي "سلك الدُّرر" للمرادي:
كتب السيد سليمان الحمَويُّ نزيل دمشق إلى الفقيه المؤرِّخ إبراهيم بن سليمان بن محمد الجينيني
يطلب منه عاريَّة الجزء الأول من كتاب "الكامل" للمبرِّد بقوله:
مولايَ إبراهيمُ يا ذا العُلا *** ومَن هو المدعوُّ بالفاضلِ
تَفْديك روحي إنني لم أزَلْ *** أرجوك للعاجِل والآجلِ
وإنني أصبَحتُ في كُربةٍ *** فامنُن بتفريجٍ لها شاملِ
وإنَّ حظِّي قد غدا ناقصًا *** فَارْسِل له جزءًا مِن الكاملِ
لا زِلتَ في عزٍّ وفي سُؤدَدٍ *** ما اخْضلَّ رَوضٌ بالحَيَا الهاطلِ[5]
♦ وفي "سلك الدرر" أيضًا:
أن الأستاذ الشيخ عبدالغني النابلسيَّ كتب إلى العلاَّمة إسماعيل بن تاج الدين
المحاسني الدمشقي الحنفي خطيب الجامع الأموي بدمشق يطلب منه شرح ديوان الشيخ عمر بن الفارض
- قُدِّس سرُّه - لجدِّه العلامة الشيخ حسن البوريني الدمشقي بقوله:
أيا سيِّدًا مِن نَسل بورينَ جدُّه *** ويا مَن حَوى كلَّ الكمالِ بذاتِه
لِجَدِّك شرحٌ زانَ نظمَ ابنِ فارضٍ *** وحلَّ عُقودَ الدرِّ مِن كلماتِه
ومَقصودُنا منه إعادةُ نَسخِهِ *** بها الدَّهر فينا مقبلٌ بهِباتهِ
وكم نُسَخٍ في الناسِ منه وإنَّما *** أرَدْنا اقتطافَ الزَّهْر مِن شجَراتهِ
ودُم حسَنًا كالجدِّ يا بنَ مَحاسنٍ *** قَريرًا بإقبالِ المُنى والتفاتِه
♦ وكتب إليه الأستاذ المذكور أيضًا يطلب منه إعارة "إحياء علوم الدين" للغزالي رضي الله عنه بقوله:
إليكَ سَليلَ المَجدِ بيتَين ضُمِّنا *** تحيَّةَ مُشتاقٍ لحضرتِك العُلْيا
وما ماتَ شَخصُ الودِّ بيني وبينَكم *** لإدراكِكُم إيَّاه في الحالِ بالإحيا[6]
♦ وللأديب الشريف السيد صلاح الحَسَني الصَّنعاني أبياتٌ كتب بها إلى القاضي العلاَّمة مطهر بن علي الضمدي
وقد طلب عارية كتاب (إيثار الحق على الخلق).
آثِرونا يا صاحِ بالإيثارِ *** كَيْ يكونَ البُلوغُ للأوطارِ
عَجِّلوا عجِّلوا جُزِيتم بخيرٍ *** فلِهَذا الكتابِ طالَ انتظاري
وهي مِن أبيات، وأجاب القاضي عنها بأبياتٍ رائقةٍ مطلعها:
قسَمًا بالعقولِ والأنظارِ *** وبما ضُمِّنَت مِن الأسرارِ[7]
♦ وكتب بعض الأدباء إلى مفتي الحنَفيَّة بمصر الفقيه الأديب عبدالقادر الطوري؛ يَستعير منه كتابه
الذي جمَعه من نَظمِه ونثرِه المسمَّى (الفواكه الطورية):
يا إمامًا لقد حَوى دُرَرًا *** بِكلِّ نظمٍ وكلِّ منثورِ
غَرستَ بالفضلِ روضةً بسقتْ *** ثِمارُها من طلائعِ النورِ
يشتاقُ طَرْفي لأن يشاهدَهَا *** فتلك عندي أجلُّ منظور
وفؤادي العليل منِ قدم *** يتمنى فواكهَ الطّورِ[8]
♦ وللأديب الشاعر السيد عبدالرحمن المعروف بابن النَّقيب الدمشقي أبياتٌ كتَب بها إلى زين الدين البُصرَويِّ
بخطه يَستدعيه ويطلب منه "ريحانة الألبَّا" للشهاب الخفاجي أوردَها المحبِّي وصاحب سلك الدرر، يقول فيها:
يا أديبًا يُبدى من الأدبِ الغَضْ *** ضِ رياضًا مُوشِيَّةَ الدِّيباجِ
قد نَمَتْها سُحْبُ الحيا وسَقَاها الطْ *** طَلُّ قبلَ الصباحِ عذْبَ الْمُجاجِ
إنَّ فصلَ الربيع وافى بوردٍ *** منذُ أضحَتْ نُفوسُنا في ابتهاجِ
ولِغَضِّ الريحانِ مَعْ يانعِ الوَرْ *** دِ ازْدِواجٌ في قوَّةِ الإمتِزاجِ
فتفَضَّل مع الرسولِ إذا شِئْ *** تَ بريحانةِ الشِّهاب الخَفاجي[9]
♦ والأديبُ شمس الدين محمد بن عمر المعروف بابن فوَّاز الدمشقي الشافعي كان فاضلاً أديبًا لطيف الذات
حسَن الخِلال، عذبَ المفاكَهةِ في عدة فنون؛ قال المحبي في "خلاصة الأثر": ومما قرأتُه له بخطِّه
في طلب "سفينة شعر" من بعض إخوانه:
يا سيِّدًا في المعالي *** له أيادٍ مُبِينَهْ
إنِّي بك البَرُّ فابعَث *** يا بَحرُ نحوي سَفينهْ
لا زِلتَ تُهدي دَوامًا *** لِيَ اللآلي الثمينَهْ
وقيل في الثناء على هذا الكتاب (سفينة شعر):
سفينةُ أشعارٍ هي البحرُ دُرُّها *** نَتائجُ أفكارٍ وشَتَّى مَعارفِ
بها اللفظُ كأْسٌ والمَعاني مُدامةٌ *** وما ذاق منها نشوةً غيرُ عارفِ[10]
♦ كتب محمد بن عبدالله بن سكرة الهاشميُّ الشاعر إلى أبي عليٍّ المحسن بن إبراهيم ابن هلال الصابي، يتَقاضاه دفترًا أعاره إيَّاه:
كنتَ يا سيِّدي استعرتَ كتابًا *** ليَ فيه قصائدٌ للخَليعِ
في الرِّبيعِ الماضي وهَذا ربيعٌ *** فتَفضَّل بِردِّه يا رَبيعي
تغتَنِم مِدحَتي وإن جُدتَ أيضًا *** لي بِفَلْسَين لم يَكن ببَديعِ[11]
♦ ولأبي القاسم عبدالله بن عبدالرحمن الدَّينَوَري من رؤساء الأدباء، ورؤوس الكتَّاب، ووجوه العمال بخراسان،
من أولاد عبدالله بن العباس بن عبد المطلب - أبياتٌ كتَب بها إلى بعض إخوانه يَسترجع كتابًا مُعارًا،
أوردَها الثعالبي في "يتيمة الدهر":
أنا أشْكُو إليك فقْدَ نَديمٍ *** قد فقَدتُ السُّرورَ منذُ تولَّى
كان لي مُؤنِسًا يُسلِّي هُمومي *** بأحاديثَ مِن مُنى النفسِ أحلى
عن أبي حاتمٍ عنِ ابنِ قريبٍ *** واليَزيديِّ كلَّ ما كان أملى
وهْوَ رهنٌ لدَيكَ يَشكو ويَبكي *** ويُغنِّي: قد آن لي أن أُخلَّى
فتفَضَّل به عليَّ فإنِّي *** لستُ إلاَّ بمثلِه أتسَلَّى[12]
طرائف ولطائف:
♦ ذكر الكتَّاني رحمه الله أنه وقَف على قطعةٍ منسوبة لابن عبدالسلام الناصريِّ يُعاتب ابنَ عمِّه الفقيهَ
أبا الربيع سليمانَ ابن الشيخ أبي يعقوب يوسف الناصري، حين طلب منه كتابًا مِن خِزانة الزاوية الناصرية:
مَنَعْتَ سُلَيمان الدَّفاترَ تَبتغي *** رِضا صاحِباتِ الخِدْرِ أو إذنَ غائِبِ
فأبدَيتَ أعذارًا وأضمَرتَ أوجُهًا *** لعَمريَ أوهَى مِن بُيوتِ العَناكِبِ
وهذا جَزاءُ مَن تَصَدَّى لحِفظِها *** وأبذلَ فيها جُهدَهُ غيرَ هائِبِ
رَوى إبنُ صخرٍ مَنْعَها عن أَهَالِها ***] غُلولٌ وَهي في الدَّرْسُ مِثْلٌ لِطَالِبِ[13]
المرجع:
♦ (الشذرات في أخبار الكُتب والكُتاب والمكتبات). عبدالعال سعد الرشيدي
[1] المسارعة إلى قيد أوابد المطالعة؛ للعظم (50) أدب الإملاء والاستملاء؛ لـلسمعاني (175)
تاريخ المكتبات الإسلامية؛ لعبدالحي الكتاني (433) خزائن الكتب العربية في الخافقين (3/ 927).
[2] الآداب الشرعية (2/ 168 باب بذل العلم).
[3] نفح الطيب (2/ 20).
[4] عيون الأنباء في طبقات الأطباء (710).
[5] سلك الدرر في أعيان القرن الثاني عشر (1/ 7).
[6] سلك الدرر (1/ 252).
[7] خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر(2/ 240 رقم 501).
[8] خلاصة الأثر (2/ 430 رقم 613).
[9] سلك الدرر (2/ 123) خلاصة الأثر (2/ 378 رقم 582).
[10] خلاصة الأثر (4/ 75 رقم 998) المسارعة إلى قيد أوابد المطالعة (56).
[11] معجم الأدباء (5/ 60 رقم 758).
[12] المسارعة إلى قيد أوابد المطالعة (57) يتيمة الدهر في محاسن أهل العصر (4/ 158).
[13] تاريخ المكتبات الإسلامية ومن ألف في الكتب؛ لعبدالحي الكتاني (323).
رابط الموضوع: https://www.alukah.net/literature_***...#ixzz3gPoemtjd