هل تنّبي المجتمع للنظام الاقتصادي الرأس مالي يضمن الازدهار الاقتصادي؟
الاجابة :
إذا كان الإنسان حيوانا اجتماعيا بطبعه لا يستطيع أن يعيش بمعزل عن المجتمع الذي نتج عنه مجموعة من القيم والقوانين والمؤسسات التي تنظم العلاقات بين أفراد هذا المجتمع بعضهم ببعض، ومن أهم هذه المبادئ والقوانين ما يتعلق بالسلوك الإنساني أو الأسري أو الأخلاقي أو السياسي أو الاقتصادي، وهذه الأخيرة قد شغلت الفلاسفة وعلماء الاقتصاد بسبب إختلاف تشعباتها وكيفياتها، حيث انقسموا إلى فريقين متشاكسين، كلٌ بحسب إيدولوجية وخلفيته الفكرية، إلى فريق يتبنى خيار الإقتصاد الرأس مالي ويراه الخيار الأنسب للمجتمع وأنه ضمان الإزدهار الإقتصادي، وإلى فريق أخر يرفضه تماما ويتبنى الخيار الإشتراكي ويرى فيه تحقق الإزدهار الاقتصادي بخلاف النظام الإقتصادي الرأس مالي . فيا ترى إلى أي مدًى يمكن القول بإن النظام الاقتصادي الرأس مالي يضمن الازدهار الاقتصادي، أو بطريقة أخرى: هل إذا تبنى المجتمع النظام الإقتصادي الرأس مالي هل سيضمن له الإزدهار الإقتصادي؟ وإذا لم يضمن هل هناك بديل؟.
يرى بعض الفلاسفة، على رأسهم آدم سميث وجون ديوي أن المجتمع الذي يتبنى النظام الإقتصادي الرأس مالي سيضمن تحقق الإزدهار والرقى الاقتصادي وذلك مقابل اتاحته لحرية الملك وحرية التصرف -دعه يعمل دعه يمرّ- وحججهم في ذلك كثيرة منها: أن حرية الإنسان في إمتلاك رؤوس الأموال تجعل منه مبدعا مساهما في إقتصاد بلده ومجمتعه أيضا يرون ان حرية الملك توَلّد الإبداع وروح المسؤولية، والحفاظ على الممتلكات.
إذا كان النظام الاقتصادي الرأس مالي قد أعطى للحرية الفردية الكثير ورفع سقفها وساهم في ازدهار المجتمع فإنه بذلك قد تسبب في مشكلة كبيرة وهي تغوٌّل أصحاب الأموال والنفوذ وسيطرتهم على المفاصل الحيوية وكرس الطبقية بحيث قضى على الطبقة الوسطى الشغِيلة وذوبها بين أصحاب الثراء الفاحش وبين الفقر المتقع "نوض بحملك ولا طيح"
في حين يرى فلاسفة آخرون وعلى رأسهم "كارل ماركس" أن الإقتصاد الرأس مالي ما هو إلا أكبر أكذوبة ناجحة مثلُها مثل الديمقراطية السياسية أكبر أكذوبة على حدّ قول "ماركس" وحججهم في ذلك أن هذا النظام جعل من الإنسان آلة لابد لها من العمل وإلا فإن مصيرها الهلاك: وأن من النظام ما هو إلا كذبة لإشباع رغبات أصحاب النفوذ الغربي وما هو إلا مطية يمتطونها وقناع يخفون ورائه نواياهم الشريرة لنهب الثروات، وقد كان "كارل ماركس" يُنظّر لنظريته الماركسية والتي جسدتها الاشتراكية والماركسيون الجدد، حيث جعل المال للشعب وأن الشعب شريك في جميع أموال المجتمع، ولا يحق لأيِّ كان الإنفراد بالتصرف في أموال الشعب
"من الشعب وإلى الشعب".
إذا كان كلام "كارل ماركس" عن الاقتصاد الرأس مالي صحيحا، وأنه قد كشف نوايا أصحابه فإن هذا لا يعني ان الاقتصاد الرأس مالي متشيطن لتلك الدرجة وسوداوي ذلك السواد الذي رسمه "ماركس"، أيضا إن نظريته التي أتى بها قد دمّرت الفرد وجعلت منه فردا كسولا متواكلا كذلك القضاء على الخصوصية يولد الكراهية بين أفراد المجتمع فكيف يشارك من لا يملك من يملك ! .
بين هذا وذاك نجد أن النظام الإقتصادي الإسلامي قد جاء بقواعد وأسس وضوابط تحافظ على حرية الفرد في الملكية وتعطيه الحرية المطلقة في ملك ما يشاء، ولكن بشروط وظوابط من خلالها يأتي الإسلام بلحفاظ على الجماعة وممتلكاتها المشتركة كالماء وخيرات الأرض الباطنة كاالبترول والمعادن، بل إن الإسلام قد جعل ظوابط للإقتصاد لا يمكن مراقبتها لا من دولة ولا من سلطان سوى من الوازع الديني، جعل الإسلام نظاما إقتصاديا يختص بالفرد نفسه ماله وما عليه وجعل نظاما عاما لدولة مالها وماعليها.
وفي الختام يمكن القول من خلال ماسبق أن تبني المجتمع للنظام الإقتصادي الرأس مالي لا يظمن الإزدهار الإقتصادي في ظل وجود نظام إسلامي كامل متكامل والذي نجد أن أصحاب النظام الرأس مالي بل وحتى الإشتراكي يأخذون منه ولكنهم يكابرون ويعاندون، وماقضية النسب المئوية في البنوك الغربية اليوم إلى دليل على أن اصحاب الرأس مالية سيأخذون برأي الإسلام كاملا في قضية الربا، وهم على الطريق بعد تطبيق النظام الإقتصادي الإسلامي في بعض بنوكهم.