ما إن تدرس ما تدرسه من مواد، وتتم ما تم برمجته من برامج، وتنجز ما سطر من تمارين، وتحل ما وضع من مواضيع، وتحفظ ما وضعه البشر من قواعد وتدرك ما وضعوه من مستثنيات لها، وتسأل أساتذة لتفهم وتبني على أفكارهم أفكارا، وتغوص في المصطلحات، وتفتت المفاهيم لتبحث عما بداخلها...
بعد كل هذا، وبعد أن تتحكم في المفاهيم والمصطلحات والعبارات والجمل والمقالات، حتى تحس بأنك لا تعلم أي شيئ، ويراك الناس خصوصا صغارهم ممن لم يصل بعد إلى إدراك تلك المفاهيم، على أنك تعلم وأنت تحس في داخلك بأنك لا تعلم شيئا، فكل شيء بسيط بالنسبة إليك، فإن بدأت بالكلام استمع إليك غيرك مندهشا مما تقول، وأنت ترى كلامك عاديا مبتذلا، ولعلك ما تلبث أن تثور على قواعد البشر كيف لا وقد وضعها من عقله محدود....
بعد أن تصبح لك الأمور مبتذلة معروفة عادية، ويصبح لك كلام البشر معروفا ومصروفا، تبدأ نوبات من الأحاسيس في الظهور، إنها أحاسيس الغش والخداع، فهل كنت مخدوعا ومغيبا؟؟؟ أترى هل خدعت نفسي أم خدعني غيري؟؟؟؟؟
تلك هي حكايتي مع كلام وقواعد البشر، طبعا في مجال تخصصي، ولا شك بأن كل صاحب تخصص سيدرك إن أراد الإدراك، سيدرك ما أدركته، وبالتالي فلا داعي أن نخدع بعضنا البعض.
الآن، لابد من البداية مع الحقيقة عوضا عن القصة، ولكن قبل ذكر تلك الحقيقة أقول ما قاله الكثير من الباحثين، لقد قالوا عن كتابات مالك بن نبي بأنها تحوي الكثير من الأمور الجميلة، ولكن حتى يدرك الشعب العربي ما كتبه مالك بن نبي، يجب أن يرفع الشعب مستواه إلى مستوى تلك الكتابة.
والآن، أخبركم عن الحقيقة، التي كان من المفروض أن أبدأ بها، ولقد فرطت فيها تفريطا عظيما، إنه الكلام الذي لا يأتيه الباطل لا من بين يديه ولا من خلفه، إنه ما لا يمل ولا تنتهي معانيه ولا زال العلماء منذ قرون يستخرجون المعاني تلو الأخرى، والكنوز تلو الأخرى، ومهما حاولت الوصف لن أستطيع الوصف.
يروى أن فضل كلام الله على سائر الكلام كفضل الله على خلقه. هل تدركون معنى هذا؟؟؟؟ هل وصلتكم الرسالة؟؟؟؟ ليتها تصل فهلا وصلتي؟؟؟