اكتملتْ 40 يوماً إذنْ ،
ساعة الزمنْ ، توقفتْ منذ رحيلكَ ، ما عدناَ نتكلمُ كثيراُ ، ما عدناَ نمازح بعضناَ، جميعناَ نشعرُ بحجم الهوة التي خلفها غيابكَ ، جميعنا في دواخلناَ غصة تنهش قلوبنا ببطئ ، وكلّما أتبعوا اسمكَ بالرحمةْ ، شعرنا بحجم الفاجعةْ ، تذكرنا أنّك لست في البيتَ ، وأنّنا حين نعود لن نجدكَ ،،،
كنتَ تقولَ لنا - ستأتي العطلة سريعاً وستعودون- ، فعلاً أتت العطلة سريعا وسنعودُ لكنّا لنْ نراكَ ! فأيّ عطلة بعدكَ ؟
غداً سنبحثُ عنكَ ، سنحنُّ إليكَ أكثرَ ، سنجتمعُ جميعناَ ، سواكَ ستكونُ غائبناَ الأكبرْ، خلال العطلة سنفجعُ أكثر ، سنبكي أكثرْ ، سنصدم أكثرْ ، ولن نستوعب أنّ الحياة عليها أن تستمرَّ دونكَ ،،
رحلتَ ، لم يبقَ سوى مكانكَ ، مكان لن يشغلهُ بعدكَ أحدْ ،،
ما آلمنا الموتُ قبلاً ، وحين قرّر أن يفعلَ ، أصابَ منّا سويداءَ القلبَ ، حملنا ليرمينا خارج الزمنَ ، تهاجمناَ الأربعاء بين غفوة الذاكرة واستفاقتهاَ لتعوّدنا على صورة قبركَ ونصرّ ألاّ نرى سوى صورة وجهكَ
لن تحتوي الحياةُ بعدكَ ، رجلاً مثلكَ ، مكانكَ المحفوظِ في قلوبناَ لن يزولَ مع الزمنْ ، أنتَ رجلٌ أكْبر من النسيانْ ، أنتَ رجل الذكرىَ فكيفَ ننساكَ وبالجفن سكناكَ؟
بكيناَ كثيراَ ، ولازلناَ نفعلْ ، نعلمُ أنّ البكاء لن يعيدكَ ، لكنّه يحرّرنا من حزننا قليلاً ، دعنا نبكيكَ فإنّا لا نبكي سوى من أحببناَ بصدقْ ، دعنا نبكيكَ فإنّنا بعد كلّ بكاءِ ندعو لكْ ، دعناَ نبكيكَ فلا نملكُ سوى البكاء نداري به حجم نكبتناَ
منكوبون نحنُ أجلْ ، صارتْ عائلتناَ الكبيرةُ فجأة يتيمةْ ، صار لنا مع الموتِ ذاكرةُ ، غيابكَ أكبرُ صدمةٌ نمرّ بهاَ ، أكبرُ محنةٌ نواجههاَ وقدْ لا نخرجُ منهاً أبداً
غيابكَ كسرَ ظهرَ جدتيِ ، أضعفَ أمّي وخالاتيِ ، فجعَ أخواليِ ،وصدمنَا نحنُ ، أولُ الأحفادِ وأكثرهم حظّا بكِ
غيابكَ فاجعةٌ تعصفُ بأمّة بأكملهاَ ، لأنّك فقيدَ الكلّ ، فقيدُ كلّ الذين آنستهم بعطفكِ ، فقيدُ كلّ الذين اعتادوا وجهكَ المنيرُ ، كلّ الذينَ منذُ عرفوكَ والسعادةُ ما غادرتْ قلوبهم، فقيدُ الذينَ لم يألفوكَ فكيف بناَ وقدْ ألفناكَ جدّا....
،،
وكلّ الدروب التي كانت تقودنا إليكَ أضحتْ فجأة موحشةَ ، أصبح العالمُ ، كلّ العالم ، غير مرئيّ بالنسبة لناَ ، أصبحنا نخاف المرور بزاويةٍ كنتَ تحجزُ فيها مكانا وتزيغ أبصارنا باحثة عنكَ فنخذلَ للمرة المائةِ بعدَ الألفْ
أصبحناَ نخافَ الأفكارَ التي تهاجمناَ ، والدموع التي تنهمرُ دون ايذانٍ ، أصبحناَ نخاف رنّة هاتفناَ إن رنّ ، وهدوئه المريبَ إن لم يفعلْ
أصبحناَ نخافٌ كل ّ شئ، نخافُ أن يطيب للموت الإقامة في عائلتناَ فيفجعنا ونحن بعدُ لم نستوعب فجيعتنا الكبرىَ
أصبحنا نخافُ كل الأمور العاديةَ ، أو بالأحرى التي التي كانتْ عادية حين كنتَ معناَ
بعدكَ لا شئ عاديّ ، الإسم اسمنا والوجهُ وجهناَ وكلّ الذي في داخلنا ما عادَ يشبهنا
كلّ شئ يفتقدكَ ، مصحفكَ ، مسبحتكَ ، سجادتكَ ، هاتفكَ
كلّ شئ يقتلناَ ، واسمكَ المسجّل في قوائم هواتفناَ يطعنناَ كلّ يومَ ، وسجلّ هاتفناَ يزيدُ بؤسناَ
فقط في ذلكَ الأربعاءِ ، اختبرنا مرارة الفقدِ ، مرارة أن تفقد شخصاً لن يعودَ أبداً ، لم نفقد شخصاً عاديا بل شخصا يختصر في اسمه كلّ الأشخاصْ
فقدناَ ، أبًا وجدّا وصديقاً ، فقدناَ أجمل أجزاء طفولتناَ ، تهشم شئ ما في دواخلناَ ، شئ لن تكونَ السنينُ كفيلة بترميمهِ
،
كم هو موجع أن نبحثَ عنكَ في وجوهُ الآخرينَ ، أن نفتش عن أي شئ يشبهكَ أن نستأنسَ بالأشياء التي تحبهاً
موجعٌ أن نعيش وحدنا اللحظات التي كنتَ تعيشها معنَا ،
نحِنّ لصوتكَ ، لإبتسامتكَ ، لمزاحكَ، لجلستكَ ، نحِنُّ لأن تطلب منّا شيئاً، لأن تنادينَا...نحِنُّ للحياةِ التي تكونُ حاضراً فيهاَ
نتمنىَ لو كانَ في مقدورناَ أن نعيدكَ ، ولو ليومٍ واحدٍ ، لنخبركَ كم كنّا نحبّك ، لنشكركَ ، لنخبركَ بكلّ التي الأشياء المتراكمة في دواخلناَ ،،،
أيّها العزيزُ الغالي، نمْ قريرَ العينْ ، نمْ مطمئناَ ،فلكَ أولادٌ سيستمرّونَ في الدّعاءَ لكْ ، لن ينسوكَ أبداً ، صورتكَ منقوشة في قلوبناَ ، واسمكَ الخالدُ فيناَ لن تمحيهُ السنينْ
نمْ قريرَ العين